كلمة في العلاقات بين السنة والشيعة: (كيف نحول دون تصعيد الاختلاف إلى نزاع)

كلمة في العلاقات بين السنة والشيعة:

(كيف نحول دون تصعيد الاختلاف إلى نزاع)

نبيل شبيب

ليست جريمة النجف (2 رجب 1424هـ و29/8/2003م) أوّل حدث تسعى بعض الجهات لتوظيفه منطلقا لإثارة مشكلة العلاقات بين السنة والشيعة، بل وتعزيز أسباب الخلاف وتصعيدها إلى مستوى بذر بذور صدامات طائفية. فأحداث باكستان لا تغيب عن الأذهان، وأحداث أفغانستان انطوت على مخاطر جمّة، ومن قبلُ وُضع هذا المنظور لتزييف حقيقة أسباب اندلاع الحرب بين العراق وإيران، وجميع ذلك كان محطّات لاهبة، وحافلة بأسباب إثارة الفتنة، وقد رافقتها وما تزال ترافق الجديد منها حملات سياسية وإعلامية، مصدرها الأوّل أمريكي غربي، ولكنْ تحملُها أقلام وألسنة تكتب وتتحدُث في غالب الاحيان عبر وسائل إعلام عربية وإسلامية.

 

احتقان خطير في أوساط الشبيبة

 

ليس مجهولا أيضا أنّ جيل المستقبل من الشبيبة، من السنّة والشيعة، يتلقّى في هذا الإطار كمّا ضخما من الكتابات والتوجيهات والمواقف، يستند بعضها إلى تعليلات "فقهية"، ويؤجّج غالبُها أتّونَ النزاعات، وتسفر حصيلتُها عن احتقانٍ بالغ الخطورة، نشأ نتيجة ما كان ولا يزال يُنشر بأسلوب "حقن" متوالية من المقولات القديمة والحديثة التي تعزّز أسباب الجهل والخوف والتعصّب والحق.

 

قد يفوات الأوان إذا استمر الانتظار في مواجهة هذا الوضع إلى أن يصل هذا الاحتقان المتصاعد إلى درجة انفجار شامل، ولا يمكن هنا التهوين من شأن ما وقع من صدامات ذات نزعة طائفية، كما في باكستان مثلا، فضلا عمّا تحفل به بعض اللقاءات الإسلامية، والكتابات على مستوى الشبيبة ولا سيما في المنتديات الشبكية، ، بما ينذر بالخظر إذا بقيت وتيرته في التصاعد كما هو الحال في الوقت الحاضر.

 

وليس مجهولا أنّ الخلاف بين السنّة والشيعة تاريخي قديم، بدأ سياسيا واتّسع فقهيا، وامتدّ عبر القرون ولم يجد حلاّ إلى اليوم. ومن الضروري تثبيت عدد من النقاط الأساسية بهذا الصدد، في مقدّمتها:

 

- من الخطورة بمكان تضخيم شأن الخلاف والتركيز عليه مع تجاهل نقاط الالتقاء الأساسية الإسلامية المشتركة

 

- لا يفيد بالمقابل تجاهل وجود الخلاف والتهوين من شأنه..

 

- ولا يفيد أيضا الخوض في الخلاف دون توفير أيّ شرط من شروط التوصّل إلى حلّ ما، بأيّ صيغة من الصيغ، بل إنّ الخوض فيه دون ذلك يسبّب أضرارا لا يستهان بها..

 

ومع ملاحظة الأوضاع الراهنة والاختلاف الجذري بينها وبين حقبة وجود "خلافة إسلامية" تكون للمرجعية الفقهية في ظلّها كلمة فاصلة، فإنّ من الخطورة بمكان في الوقت الحاضر ما نرصده في أنّ الساحة أصبحت مفتوحة لمن يتحرّك دون باعٍ فقهي يؤهّله للاجتهاد، حتّى وإن بلغت قدرته على سرد الآيات والأحاديث وأقوال السلف مثل ما بلغه "المستشرقون" مثلا، فالنقص الحقيقي قائمٌ على صعيد المواصفات التي تؤهّل "حافظ المعلومات" أن يكون عالما مجتهدا، ناهيك عن النقص الأكبر على صعيد الوعي بواقع الإسلام والمسلمين المعاصر، والقدرة على تحديد ما يفيد وما لا يفيد، وتطبيق القواعد الأصولية الشرعية تبعا لذلك بما يحقّق مصلحة الإسلام والمسلمين، بعيدا عن الأهواء والميول الفردية، أو التأثّر بالأحداث الآنية.. على أنّ من جوانب خطورة هذه الظاهرة، أنّها أصحبت واسعة الانتشار مع استخدام التقنيات الحديثة لنقل المعلومات، فأوجدت كمّاً كبيرا من "الأحكام التعميمية" و"المواقف المتطرّفة"، التي تُنشر بصورة مركّزة وموجّهة في أوساط الشبيبة، مع تصويرها وكأنها "بدهيات" لا تحتمل نقاشا، وهو ما يمثّل مصدر خطير كبير على مسيرة الصحوة الإسلامية وتصوّرات الشبيبة واقتناعاتهم، وبالتالي على مستقبل المسلمين عموما من خلالهم.

 

بالمقابل لا نكاد نرصد ما يشير إلى وجود "مشكلة" حقيقية في التعامل الإسلاميّ بين كبار العلماء من السنّة والشيعة، بل نستطيع أن نرصد من التاريخ والواقع المعاصر، ما لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان، وهو أنّ سائر اجتهادات علماء الشيعة وأقوالهم، وسائر الخلافات المذهبية والسياسية، لم تدفع "جمهور" علماء السنّة، في أي حقبة مضت أو في الوقت الحاضر، إلى موقف "تكفير الشيعة" كما يصنع في الوقت الحاضر أفرادٌ لا تتوفّر لهم مواصفاتُ الاجتهاد وشروطه، ولئن توفّر ذلك لبعضهم على سبيل الافتراض جدلا، فإنّ اجتهاداتهم آنذاك فردية شاذّة لا تُلزم عامّة السنّة المسلمين.

 

الأرضية المشتركة المطلوبة

 

الثابت الذي لا يحتاج مسلم إلى تجاهله في الموضوع المطروح هو أنّ الخلاف بين السنّة والشيعة لا يشبه الخلاف القائم بين مذاهب كل منهما على حدة، بل هو خلاف جذري، يبدأ ببعض فروع العقيدة، ويمتدّ إلى الاختلاف في الاعتماد على مصادر التشريع الأولى لا سيّما الحديث الشريف، وفق المواقف السياسية من الصحابة رضوان الله عليهم، كما يشمل ميادين عديدة من العبادات والمعاملات.

 

احتقان خطير في أوساط الشبيبة

 

ليس مجهولا أيضا أنّ جيل المستقبل من الشبيبة، من السنّة والشيعة، يتلقّى في هذا الإطار كمّا ضخما من الكتابات والتوجيهات والمواقف، يستند بعضها إلى تعليلات "فقهية"، ويؤجّج غالبُها أتّونَ النزاعات، وتسفر حصيلتُها عن احتقانٍ بالغ الخطورة، نشأ نتيجة ما كان ولا يزال يُنشر بأسلوب "حقن" متوالية من المقولات القديمة والحديثة التي تعزّز أسباب الجهل والخوف والتعصّب والحق.

 

قد يفوات الأوان إذا استمر الانتظار في مواجهة هذا الوضع إلى أن يصل هذا الاحتقان المتصاعد إلى درجة انفجار شامل، ولا يمكن هنا التهوين من شأن ما وقع من صدامات ذات نزعة طائفية، كما في باكستان مثلا، فضلا عمّا تحفل به بعض اللقاءات الإسلامية، والكتابات على مستوى الشبيبة ولا سيما في المنتديات الشبكية، ، بما ينذر بالخظر إذا بقيت وتيرته في التصاعد كما هو الحال في الوقت الحاضر.

 

وليس مجهولا أنّ الخلاف بين السنّة والشيعة تاريخي قديم، بدأ سياسيا واتّسع فقهيا، وامتدّ عبر القرون ولم يجد حلاّ إلى اليوم. ومن الضروري تثبيت عدد من النقاط الأساسية بهذا الصدد، في مقدّمتها:

 

- من الخطورة بمكان تضخيم شأن الخلاف والتركيز عليه مع تجاهل نقاط الالتقاء الأساسية الإسلامية المشتركة

 

- لا يفيد بالمقابل تجاهل وجود الخلاف والتهوين من شأنه..

 

- ولا يفيد أيضا الخوض في الخلاف دون توفير أيّ شرط من شروط التوصّل إلى حلّ ما، بأيّ صيغة من الصيغ، بل إنّ الخوض فيه دون ذلك يسبّب أضرارا لا يستهان بها..

 

ومع ملاحظة الأوضاع الراهنة والاختلاف الجذري بينها وبين حقبة وجود "خلافة إسلامية" تكون للمرجعية الفقهية في ظلّها كلمة فاصلة، فإنّ من الخطورة بمكان في الوقت الحاضر ما نرصده في أنّ الساحة أصبحت مفتوحة لمن يتحرّك دون باعٍ فقهي يؤهّله للاجتهاد، حتّى وإن بلغت قدرته على سرد الآيات والأحاديث وأقوال السلف مثل ما بلغه "المستشرقون" مثلا، فالنقص الحقيقي قائمٌ على صعيد المواصفات التي تؤهّل "حافظ المعلومات" أن يكون عالما مجتهدا، ناهيك عن النقص الأكبر على صعيد الوعي بواقع الإسلام والمسلمين المعاصر، والقدرة على تحديد ما يفيد وما لا يفيد، وتطبيق القواعد الأصولية الشرعية تبعا لذلك بما يحقّق مصلحة الإسلام والمسلمين، بعيدا عن الأهواء والميول الفردية، أو التأثّر بالأحداث الآنية.. على أنّ من جوانب خطورة هذه الظاهرة، أنّها أصحبت واسعة الانتشار مع استخدام التقنيات الحديثة لنقل المعلومات، فأوجدت كمّاً كبيرا من "الأحكام التعميمية" و"المواقف المتطرّفة"، التي تُنشر بصورة مركّزة وموجّهة في أوساط الشبيبة، مع تصويرها وكأنها "بدهيات" لا تحتمل نقاشا، وهو ما يمثّل مصدر خطير كبير على مسيرة الصحوة الإسلامية وتصوّرات الشبيبة واقتناعاتهم، وبالتالي على مستقبل المسلمين عموما من خلالهم.

 

بالمقابل لا نكاد نرصد ما يشير إلى وجود "مشكلة" حقيقية في التعامل الإسلاميّ بين كبار العلماء من السنّة والشيعة، بل نستطيع أن نرصد من التاريخ والواقع المعاصر، ما لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان، وهو أنّ سائر اجتهادات علماء الشيعة وأقوالهم، وسائر الخلافات المذهبية والسياسية، لم تدفع "جمهور" علماء السنّة، في أي حقبة مضت أو في الوقت الحاضر، إلى موقف "تكفير الشيعة" كما يصنع في الوقت الحاضر أفرادٌ لا تتوفّر لهم مواصفاتُ الاجتهاد وشروطه، ولئن توفّر ذلك لبعضهم على سبيل الافتراض جدلا، فإنّ اجتهاداتهم آنذاك فردية شاذّة لا تُلزم عامّة السنّة المسلمين.

 

الأرضية المشتركة المطلوبة

 

الثابت الذي لا يحتاج مسلم إلى تجاهله في الموضوع المطروح هو أنّ الخلاف بين السنّة والشيعة لا يشبه الخلاف القائم بين مذاهب كل منهما على حدة، بل هو خلاف جذري، يبدأ ببعض فروع العقيدة، ويمتدّ إلى الاختلاف في الاعتماد على مصادر التشريع الأولى لا سيّما الحديث الشريف، وفق المواقف السياسية من الصحابة رضوان الله عليهم، كما يشمل ميادين عديدة من العبادات والمعاملات.

 

ولهذا أيضا لا يُتوقّع أن يتحقّق في المستقبل المنظور هدف "توحيد السنّة والشيعة" وقد رُفع شعارا، من جانب كثير من علماء الشيعة خاصة، فمثل هذا الهدف دون توفير شروط وظروف عديدة، لعلّ من بينها ما سبقت الإشارة له حول غياب المرجعية الإسلامية المشتركة بعد غياب آخر أشكال الخلافة الإسلامية، فلا يُتوقع تبعا لذلك الوصول إلى كلمة الفصل في قضية تاريخية كبرى، لا سيّما وأنّ الطريق إلى ذلك يتطلّب بذل جهود منظمة مدروسة ومتتابعة، تتضمّن إعادة النظر في جذور الخلاف وفروعه، استنادا إلى قواعد متفق عليها مسبقا، بما يوصل إلى نتائج مقبولة.

 

هذا هدف غير قابل للتحقيق في الوقت الحاضر، ولكن يمكن ويجب النظر في العلاقات بين السنّة والشيعة على ضوء معطيات الواقع القائم، بما يسمح بتجاوز الخلاف إلى حين، وتجنّب الانطلاق منه أو تأجيجه، ما دام الجميع يدركون حجم الأخطار المحيطة بهم جميعا دون تمييز، ويقدّرون حجم الأخطار الأكبر إذا ما أُشعلت باسم الخلاف نزاعات متفجّرة.

 

لا بدّ من تثبيت سبل مناسبة للتعامل الإيجابي، الذي يسمح بتركيز الجهود على دفع الأخطار الخارجية، ويؤجّل النظر في الخلاف إلى أن تتوفّر الشروط والظروف المناسبة. ولئن كان أهل العلم من الجانبين يدركون ذلك وينطلقون منه، فمن الخطورة بمكان أن يغضّوا في الوقت نفسه الطرف عمّا يجري على مستوى العامّة ويؤثّر على الشبيبة، فالمرحلة التاريخية الراهنة تفرض عدم الانتظار طويلا في العمل على "الوقاية" من تفاقم الخطر ووصوله إلى مستوى لا يسمح بالتحرّك الفعّال كما ينبغي.

 

إنّ العلاقات بين السنّة والشيعة تتطلّب في الوقت الحاضر بالذات أرضية مشتركة للتعامل، لا تقتصر على العلماء، بل تسمح على سائر المستويات، ولا سيما في قطاع الشبيبة من حملة المسؤولية في المستقبل، بتوفير أسباب الاطمئنان المتبادل، أنّ الحرص على التفاهم المتبادل وعلى دفع الخطر الخارجي حرص صادق ومشترك. وفي مقدّمة ما يساعد على ذلك بالضرورة، العمل على مواجعة ما يُنشر من كلّ من الطرفين، ويمسّ الطرف الآخر مسّاً مباشراً فيما يعتقد ويتصوّر، ومثاله ما يقال في منشورات "شيعية" عن بعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم جميعا، أو ما يقال في منشورات "سنيّة" في صيغة تكفير جماعي للشيعة وتعميم وصف "الرافضة" في الحديث عنهم.

 

سدّ أبواب الفتن

 

إنّ بلادنا الإسلاميّة جميعا في حاجة إلى:

 

1- تجنّب كلّ سبب من أسباب الخلافات المحلية القطرية والإقليمية، وعلى مستوى المذاهب والتيارات المتعدّدة..

 

2- تعزيز اعتماد جيل الشبيبة بنفسه على عقيدته وعلمه ووعيه للتمكّن من التمييز بين الحقّ والباطل، وبين الوسطية والتطرّف، وبين الصواب والخطأ، وبما يزيد من قدرته على تجنّب إثارة النزاعات الجانبية أو الانزلاق فيها..

 

3- مضاعفة إسهام العلماء موضع الثقة العامّة لدى السنّة والشيعة، في الإعلان عن مواقفهم الحاسمة على صعيد التعامل الواجب بين الطرفين، وتجنّب مختلف أشكال الاستفزاز والإثارة وما يمكن أن ينشر الأحقاد والضغائن ويهيّئ للفتنة الآن أو في المستقبل المنظور..

 

لا يمكن دون التحرّك الجادّ والفعّال على هذا الصعيد التوصّل إلى سدّ الأبواب أمام استغلال الخلافات بين المسلمين، لإضعافهم جميعا، وتوجيه الضربات إليهم جميعا.. فريقا بعد فريق!.. وبالتالي لا بدّ بالمقابل من العمل دون انقطاع على دعم الجبهات الداخلية، وتحقيق الحدّ المفروض من التقارب والتفاهم والتنسيق، على أساس من الثقة المتبادلة، المدعومة بإجراءات عملية، تمنع الصدام، وتزرع بذور التعاون بين الجميع.

 

إنّ تركيز الجهود على التعامل مع القضايا المعاصرة والمشكلات المشتركة الكبرى ومواجهة الأخطار الخارجية، يفرض فرضا، أن توضع الخلافات التاريخية في موضعها الصحيح دون تضخيم، وأن توظّف نقاط الالتقاء المشتركة لتعزيز التلاقي على المزيد منها وعلى أهداف مرحلية، من شأن التعاون على تحقيقها أن يوجد تدريجيا الأجواء والشروط والظروف اللازمة، ليمكن النظر مستقبلا في أيّ خلاف أو اختلاف، مهما كان كبيرا أو صغيرا، وفق الأساليب والوسائل التي حدّدها الإسلام، ووفق قواعد الإسلام، وبما يعزّز روح الإسلام كما يريدها ويعزّزها القرآن الكريم وكما تجسّدت على أرض الواقع في العهد النبوي الأوّل وبمشاركة سائر الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

 

المصدر: موقع مداد القلم

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك