السنة والشيعة.. من التناحر إلى التآزر
السنة والشيعة.. من التناحر إلى التآزر
فتحي عبد الستار
(السُّنة) و(الشيعة)، كلمتان ما أن تطرقا مجتمعتين آذان البعض، إلا وتتجسد أمام أعينهم صراعات دامية، وخلافات متعمقة، واتهامات متبادلة، ونزاعات لا تنتهي، عبر أحقاب طويلة؛ وآماد بعيدة.
وفي فترة من أشد فترات الضعف والمهانة والفتن التي تمر بها الأمة الإسلامية تطفو هذه القضية فوق سطح التناول، وتطرح نفسها بإلحاح، تتغلب به على كل محاولات غض الطرف ودفن الرءوس في الرمال، بدعوى عدم فتح الباب لجدالات لا تنتهي ونقاشات محسومة نتائجها مقدمًا.
وهكذا عودتنا هذه القضية على مر الأزمان، هدوء واستقرار، يخفي تحته غليانًا وحممًا، تترقب أية فرصة للانفجار، مُخلِّفة وراءها جراحًا جديدة وأحقادًا شديدة.
وما دَفَع هذه القضية للتناول الآن، ما حدث ويحدث في العراق، ذلك البلد الذي يضم تحت جناحيه وحول نهريه نسبة تكاد تكون متساوية من أبناء الطائفتين.
وما كان للتغيير الحادث في هذا البلد ألا يترك أثره على العلاقة بين الطائفتين، وقد كان منتظَرًا لها - بل ومأمولاً من وجهة نظر الأعداء الذين لا يفرقون في عداوتهم بين سني وشيعي – أن تزداد هذه العلاقة تأزمًا، وأن تطفح الخلافات التاريخية القديمة، لتشعل أوار معارك جديدة بينهما، تجعلهما في غفلة عن مواجهة العدو الحقيقي الذي احتل أرضهم، ونهَب خيرات بلادهم، فالأعداء تبعًا لمنطقهم العام - فرّق تسد – يعتبرون أن إبقاء جذوة الفتنة مشتعلةً ما بين السنة والشيعة من أهم أسباب بقائهم جاثمين على صدر هذا البلد.
ولكن ما حدث خيَّب – إلى حد ما – آمال الأعداء، وصدم توقعات الأصدقاء، فقد لمسنا خلال الأيام التالية للاحتلال الأمريكي البغيض بعض المظاهر الإيجابية بين الطائفتين، من صلوات جمعة مشتركة، ومسيرات متوحدة، تلاحمت فيها الأيادي، وانصهرت فيها المشاعر في بوتقة واحدة، وارتفعت شعارات ورايات انضوى تحتها أتباع كلا المذهبين، وبالطبع هذا ما أثار حفيظة المحتل وأشعل غيظه، حيث جاء على غير توقعه وإرادته.
لا للتعميم تجنبًا للتسطيح
إن التعميم في معالجة القضايا يؤدي إلى مزيد من التسطيح، والتسطيح يؤدي إلى مزيد من الجهل والخطأ.
وبعيدًا عن التحليق في عالم الخيال، وتمني فعاليات من قبيل المستحيلات، أطرح على عقلاء كلتا الطائفتين وعلمائهما تلك الأسئلة، للوصول إلى صيغة للتعاون والتعامل تنطلق من البادرة الطيبة التي رأيناها في الأيام الماضية، وتستمر متعالية ومتأصلة في القلوب لا المظاهر فقط، ليصلا معًا إلى تحقيق الخير لوطنهم الواحد وأمتهم الواحدة.
أسئلتي هي:
- هل يمكننا القول بنسيان - أو على الأقل بتناسي - هذا التاريخ المؤلم بين الطائفتين؟ أم ربما يكون من الأوفق أن ننادي بالتسامي فوق هذه الخلافات أو تأجيلها، مع اعتراف الفريقين بوجودها؟ أم كما يقول البعض برفع شعار سياسي مؤداه التعاون المشترك بين أبناء الوطن الواحد لمواجهة العدو المشترك، بصرف النظر عن الانتماءات الطائفية والعرقية؟
- هل يمكن أن يكتسب أبناء الأمة بجميع طوائفها كيفية الالتقاء على الحدود الدنيا، وتوظيف تلك الملاقاة لمصلحة الإسلام والمسلمين؟ وهل لو لم نلتقِ في بعض الأصول والمبادئ، هل يمنع ذلك التعاون في تحقيق الأصول والمبادئ الأخرى التي اتفقنا عليها؟ وأن ينصح بعضنا بعضًا بأدب الإسلام وفي ظلال الأخوة فيما اختلفنا فيه؟.
- هل يمكننا أن نرفع من الآن على الجانبين الشعار القرآني الذي يقول: "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عما كانوا يعملون"، لنغض الطرف عن خلافات مضى عليها أربعة عشر قرنًا، وندفنها إرجاءً لها إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين، ونكون كما قال القائل: (تلك دماء طهر الله منها أيدينا، فلا نلوث بها ألسنتنا)؟.
- هل يمكن أن يكف البعض من أهل السنة عن قولهم: "نتعاون مع اليهود والنصارى، ولا نتعاون مع الشيعة"؟ وهل يمكن أن يكف البعض من الشيعة عن تكفير وسب الصحابة والخوض في سيرتهم؟.
وأخيرًا، فأيًّا كانت الوجهة التي تنطلق منها محاولات التقريب، فالهدف واحد وواضح، ولا يختلف على أهمية الوصول إليه اثنان.
ومحاولات التقريب يين الطائفتين ليست وليدة اليوم، بل بذل كثير من علماء وشيوخ الجانبين على مر العصور جهودًا حثيثة تنشط وتفتر خلال أعوام طويلة للتقريب بين المذهبين، وأقاموا جمعيات، وعقدوا اجتماعات وندوات.
ومن النماذج الجديرة بالاحترام على كلا الجانبين، نموذج إخواننا في حزب الله – وهم شيعة – إذ شكَّلوا ظاهرة فريدة من حيث مستوى التعامل والتناول، فلم يكونوا حزبيين بمعنى الكلمة، ولم يكونوا شديدي الحرص على إظهار تشيعهم في وسائل إعلامهم ومحطاتهم، ونلمس دعمها لحركات المقاومة السُّنية في فلسطين وغيرها من البلدان الإسلامية المعتدَى عليها، بالإضافة إلى علاقاتهم الجيدة مع أهل السنة بشكل عام.
فهل نطمع في أن تبرز نماذج أخرى من هذا المستوى الراقي في التعامل بين أبناء الدين الواحد؟.
هذا ما ندعو كل إخواننا – سُنّة وشيعة – للنقاش حوله، بتجرد وإخلاص نية، بعيدًا عن الإسفاف في القول، وتجريح الهيئات والأشخاص، اللذَين لن يقدما شيئًا سوى نكء مزيد من الجراح، واتساع هوة الخلاف، وزيادة رصيد الكراهية، والتمكين للمعتدي.
راجيًا أن يكون شعارنا المستقر في نفوسنا والمتحكم في أقلامنا قوله عز وجل: "وقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ"، وقوله سبحانه وتعالى: "ولا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ ولِيٌّ حَمِيمٌ".
أسأل الله عز وجل أن ينقي قلوبنا، ويغسل سخيمة صدورنا، ويجمعنا على طاعته والموالاة له وفيه وحده، إنه على ما يشاء قدير.
المصدر: إسلام أون لاين.نت
http://www.alwihdah.com/fikr/adab-ikhtilaf/2010-04-26-1172.htm