التعدد والاختلاف سنة إلهية كونية
التعدد والاختلاف سنة إلهية كونية
محمد عمارة
يؤسس القرآن الكريم لفلسفة اسلامية متميزة في رؤية الكون.. والحياة.. والعلاقات بين الاحياء.. وفي هذه الفلسفة الاسلامية المتميزة معالم رئيسية، يمكن ان نشير الى عدد منها.. وذلك من مثل:
أ ـ ان الواحدية والاحدية ـ التي تبلغ قمة التنزيه والتجريد ـ هي فقط للذات الالهية: «قل هو الله احد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا احد» (الاخلاص: 1 ـ 4). «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير» (الشورى: 11).. فكل ما خطر على بالك، فالله ليس كذلك.
ب ـ ان التنوع والتمايز والتعدد والاختلاف سنة إلهية كونية مطردة في سائر عوالم المخلوقات.. من الجماد الى النبات الى الحيوان الى الانسان وعوالم الأفكار.. وأن هذه التعددية هي في إطار وحدة الأصل الذي خلقه الله سبحانه وتعالى.. فالإنسانية التي خلقها الله من نفس واحدة تتنوع إلى شعوب وقبائل وأمم وأجناس وألوان، وكذلك إلى شرائع في إطار الدين الواحد.. وإلى مناهج. أي ثقافات وحضارات في إطار المشترك الإنساني الواحد، الذي لا تختلف فيه الثقافات.. كما تتنوع إلى عادات وتقاليد وأعراف متمايزة حتى داخل الحضارة الواحدة، بل والثقافة الواحدة.
وهذا التنوع والاختلاف والتمايز في هذه الفلسفة الإسلامية ـ يتجاوز كونه «حقا» من حقوق الإنسان إلى حيث هو «سنة» من سنن الله التي لا تبديل لها ولا تحويل، وآية من آياته، سبحانه وتعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا» ـ النساء. «ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين» الروم: 22 «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم» ـ هود: 118، 119 وكما يقول المفسرون: «فللاختلاف خلقهم»!
فالواحدية والأحدية فقط للحق، سبحانه والتنوع هو السنة والقانون في كل عوالم المخلوقات.
جـ : إن هذا التنوع والتمايز والتعدد والاختلاف ـ الذي هو آية من آيات الله، سبحانه وتعالى ـ له مقاصد عديدة، منها: تحقيق حوافز التسابق على طريق الخيرات بين الفرقاء المتمايزين: «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون» المائدة: 48.
ومن هذه المقاصد فتح أبواب الحرية للاجتهاد والتجديد والإبداع، الذي يستحيل تحقيقه من دون تفرد وتمايز واختلاف: «ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات، أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير» البقرة: 148. «إن سعيكم لشتى» الليل: 4.
د: إن علاقة الفرقاء المتمايزين والمختلفين والمتعددين يجب أن تظل في إطار الجوامع الموحدة.. وعند مستوى التوازن والعدل والوسطية: «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكنوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا» البقرة: 143، «فالوسط بنص الحديث النبوي: العدل. جعلناكم أمة وسطا».
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط
http://www.alwihdah.com/fikr/adab-ikhtilaf/2010-04-26-1164.htm