مدى مساهمة علم مقارنة الأديان قديما في الحوار الديني

مدى مساهمة علم مقارنة الأديان قديما في الحوار الديني
للدكتور:بشير كردوسي
مقدمة:

يمثل علم مقارنة الأديان اليوم مجالا أكاديميا خصبا يتيح للباحث المسلم أو غيره مجالات أوسع للتعارف على الآخر بطرق علمية بعيدة عن التشنج العاطفي والمفهومات المغلوطة وبذلك يتيح للباحث والقارئ فرصة التعارف والتحاور مع الآخر.
لكن هذا المجال الاكديمي قد لا يستوعبه إلا الباحثين لأنه يفرض منهجية محكمة ومعالم موضوعية عن طريقها يتوصل الباحث للتواصل بالمسلك الرئيسي،عن طريق المدارسة و التي تؤدي إلى الابتعاد عن الفهم الخاطئ.
والأسئلة الرئيسية في هذه المقاربة ،هي:
ماهي مساهمة علم مقارنة الأديان في مسالة الحوار الديني قديما وحديثا؟
هل علماؤنا قديما قد ساهموا بكتاباتهم في مجال تاريخ الأديان في التعرف على الآخر والتحاور معه وفق القواعد العلمية والمنهجية ؟
هل طبقت المسالك المذكرة قديما في علم مقارنة الأديان بحيث تتيح التحاور الايجابي العلمي؟
إننا نود من خلال هذه المقاربة معالجة الإشكالية السابق ذكرها انطلاقا من مفهوم علم مقارنة الأديان وتوفيره مجالا خصبا وواسعا للحوار الديني من خلال مسالكه التي سنعرضها.

-I مدخل مفهومي

1/ الحوار :
إن المتمعن في مضامين مصطلح النقد ،يجد إن الحوار ماهو إلا نقدا ، سلبيا أو ايجابيا.
فموضوع الحوار الديني هو إفراز للحقائق غير المتقبلة و غير المفهومة من الطرف الآخر، فهو طريقة وأسلوب نقدي و فضاء واسع يشمل تبيان الحقائق ويوسع نطاقها ويبين مساوئها ومحاسنها.
ولعلّ، القارئ في أول وهلة قراءة للألفاظ، مثل: الجدل، النقد ، والمناظرة، يلاحظ، أنها عكس الحوار... ولكنها كلها، ماهي إلا حوارا بشكل من الأشكال.
فالقرآن الكريم قد استعمل الحوار ، لتبيان حقيقة الطرف الآخر ...
وهذا ماذكره القرآن الكريم:
(وما على الرسول إلا البلاغ المبين) .
(فإن اعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ) .
(قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون) .
فجوهر الحوار القرآني هو ( الوصول إلى الحقيقة لاعتناقها، والوصول إلى الطريق الأصوب لسلوكه، والوصول إلى التواصل المثمر، والبعد عن التجافي)
من هنا نلاحظ إن الحوار له مفهوم ديني خالص يتلخص في تفهيم الآخر الحقيقة الدينية..
كما أن له مفهوم آخر، يمثل العلاقات المتبادلة بين طرفين أو أكثر ،أي بمعنى آخر تاريخ علاقاتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وكتاريخ للتصورات والمعارف المتبادلة عن بعضهم البعض5.
أما بالنسبة للمفهوم المعاصر فيشكل الحوار (كمحطة تاريخية واعية كوضع شديد الأهمية والحساسية، يتطلب دراسة مفاهيمية ، نظرية متكاملة ومعالجة مؤسساتية ، عملية مثمرة وفاعلة ، وتقويم هذه الظاهرة الجديدة من زاوية واحدة غير ممكن وبغية تقدير مضمونه الفكري، فانه لابد من تجديد سياسي و اجتماعي-ثقافي للبلد أو الإقليم الذي يجري فيه الحوار ، حيث إن الاتجاهات الخاصة بالحوار يمكن إن تكون ذات أهداف متشعبة ، ووفق مستويات مختلفة أيضا)6.
فالحوار يشكل محطة تاريخية واعية للتفاوض والتحاور الواعي، تهدف في عمومها إلى إيجاد مناخ للتفاعل الديني والأخلاقي والإنساني الإيجابي انطلاقا من القيم المشتركة.
أ‌- القرآن والحوار:
لقد أرسى القرآن الكريم قواعد الحوار والجدل والنقد بين المسلمين و الآخرين وحدد أساليب التعامل معهم ودعوتهم إلى الإسلام وكشف الحقائق وذلك من خلال مخاطبة الآيات القرآنية مباشرة ودعوتهم إلى الإيمان بما جاء به النبي محمد (ص).
فالحوار، كلمة وردت في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع وتحديدا: (وكان له ثمر، فقال لصاحبه وهو يحاوره، انا أكثر منك مالا وأعز نفرا) .
(قال له صاحبه وهو يحاوره، اكفرت بالذي خلقك من تراب، ثم من نطفة ثم سواك رجلا ).
(قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله، والله يسمع تحاور كما إن الله سميع بصير).
كما أن كلمة جدل وردت في ثنايا آياته (سبع وعشرين مرة)، فهل معناه أن القرآن يفضل الجدل بدل الحوار؟
وهل الجدل، المقصود به القرآن الكريم، تلك الكلمة وذلك المعنى الذي أصبح معروفا عند عامة الناس، بالتصارع والعراك والصراع ومن له في النهاية فوزا على غيره؟
لكن، المتبع للأسس القرآنية وأخلاقياته اتجاه الأديان الأخرى وخاصة النصرانية ومنطوق الآيات الكريمة التي وردت فيها كلمة جدل يرى عكس ذلك التصور السلبي المرضي.
يقول الله تعالى:(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة).
ويقول أيضا:(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي انزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) .
وأيضا في قوله تعالى:(وقولوا للناس حسنا).
وأيضا في قوله تعالى:(إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون ) .
فالقرآن اعتمد الحوار منذ فجر الرسالة الإسلامية ودعا إليه انطلاقا من نقاط الالتقاء في محاولة لإستعاب الخلاف العقائدي.
كما يقر القرآن الكريم، حركية الحوار(في اتجاهين: يرتبط أحدهما بحركة الدعوة في أفكار المعاندين لها، ويرتبط الاتجاه الآخر، بحركة الدعوة في الحياة، من حيث إفساحها المجال للطريقة العقلية في التفكير لتأخذ طريقها إلى الجانب الفكري في الحياة).
فالقرآن الكريم (أرشد المسلمين إلى أمثل الطرق في محاجة أهل الكتاب من حيث الأسلوب والموضوع ،أوصى بأن يكون أسلوبنا معهم هادئا حسنا ،ماداموا غير متعنتين ظالمين.ومن حيث الموضوع أوصى بان يكون جدالنا معهم قائما على إقناعهم بأن دين الله واحد، وأن إلهنا وإلههم واحد) .
فالإسلام أسس للحوار وشرعه في القرآن مع أهل الكتاب واعتبره جزءا من النقد المبني على العقلانية والإنصاف والحسنى.
ب- علم مقارنة الأديان:
إنّ بداية ظهور علم الأديان تظهر من خلال اهتمام الإنسان بالآخرين ومعتقداتهم بدافع دينه أو دوافع أخرى، ذاتية معرفية لكن الملاحظ عند مؤرخي الأديان أنّهم تضاربوا حول البدايات الأولى والتي مهدت لظهور هذا العلم.
ويمكن القول أنّ تاريخ الدّيانات أو علم مقارنة الأديان هو علم جديد، ونعني بعلم الدّيانات الدراسة الموضوعية لمختلف الأديان، أصلها، نموها في الزمان والمكان ونستخلص أنّه علم نسبي وجديد فقد سجل لنا علماء تاريخ الأديان بعض البدايات التي أفرزها الفكر اليوناني القديم.
فقد تعرض الفلاسفة اليونانيون بكل حرية للمشاكل الكبرى التي جلبت اهتماماتهم كأصل العالم، العلاقة الإلهية بالعدالة، مصير الأرواح بعد الموت وعليه كانت هذه هي بداية النقد الذي تطور أكثر عند الصوفيين ومختلف الفلاسفة ومن ثمّ ظهرت عدّة مناهج تفسيرية للأديان وكان منهج(l’évhémérisme) هو أوّل نظام تفسيري ويعتقد(Evhémère) بأنّ الآلهة في الميثيولوجية التقليدية هم أشخاص مميّزين كانوا فلاسفة وأمراء قدسوا من قبل الشعب، ونجاح هذه النظرية تعزّزه العادات الدينية للملوك خاصة في القرن II وIII قبل الميلاد وكان لكتاب(Euhémeros) صدى كبيراً في اليونـان، وترجـم إلى اللاتينيـة من قبـل(Ennius) كما أنّ هبرت سبنسر(Herbert Spencer) أعاد(l’évhémérisme) ضمن نظرية(moniste) ( ).
ثمّ تلتها بعض التطوّرات حتى ظهر آخر الأديان السماوية(الإسلام) الذي أعطى هذا العلم حقه في الظهور واستشراف طرقه ومناهجه، فقد جاءت إشارات قرآنية ساعدت علماء الإسلام في العصور الزاهرة للحضارة الإسلامية أن يظهروا هذا العلم، فأوجبت احترام أي دين واحترام معتنقيه عكس مابدى عند المسيحيين، في القرنIVX و IIVX( ).
وقد أعطى الإسلام لليهود والنصارى وضعاً متميّزاً في التعامل والعلاقات(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وألهكم واحد ونحن له مسلمون) ( ).
كما أنّه أباح مؤاكلة أهل الكتاب ومصاهرتهم والتزوج من نسائهم ويكون لهذه الزوجة الكتابية القيام بفروض عبادتها والذهاب إلى معبدها أو كنيستها لممارسة شعائر دينها(اليوم أحلت لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذيم أوتوا الكتاب من قبلكم) ( ).
لهذا ظهر علم تاريخ الأديان أو علم الملل والنحل والذي أصبح يعرف في عصرنا بعلم مقارنة الأديان بمنهجيته السمحاء وبعده الإنساني والعالمي على عكس الأديان الأخرى التي كانت تعتبر أي دين ضلالاً وبدعة، فإذا نظرنا إلى موقف اليهودية من المسيحية والمسيح فهي تعتبرها ضلالاً بل اعترت المسيح(عليه السلام) ضمن المسحاء الكاذبين....
فقد ذكر آدم ميتز(... أن تسامح المسلمين في حياتهم مع اليهود والنصارى وهو التسامح الذي لم يسمح مثله في العصور الوسطى سببا في أنّ لحق بمباحث علم الكلام شيء لم يكن قط من مظاهر العصور الوسطى هو علم مقارنة الملل) ( ).
بل اهتم المسلمون أيضاً بدراسة الأديان غير السماوية(Les religions non biblique) والتي اعتنوا بها وبمعتقداتها وما أفرزته من أطر اجتماعية وثقافية، فكانت دراستهم من أهم ما أنتجه الفكر الإنساني وقتها، حتى أن كتب علم الكلام لا تخلوا من دراسة ومناقشة هذه الأديان(كالثانوية lA- ayiwanaht، المناوية ………المزدكية Al- Mazdakia، الهندوسية(البرهمية)L’hindouisme ، البوذية (أصحاب البوذ) bouddhisme) ( ).
وهذا العلم كما يبدوا من المؤلفات التي تركها المسلمون الأوائل، علم قديم، وفي هذا يقول الشهرستاني أحد أساطين هذا العلم: (أعلم أنّ العرب في الجاهلية كانت على ثلاثة أنواع من العلوم: أحدهما، علم الأنساب والتواريخ والأديان).
كما ورد كذلك في رسائل إخوان الصفا: ( وأعلم ياأخي أنّ العلم علمان: علم الأبدان وعلم الأديان) ( ).
وفي هذا إشارة واضحة إلى أهمية هذا العلم وقدمه عند المسلمين.وأهميته تكمن في أنّ جلّ علماء المسلمين قد خصصوا له مبحثا خاصا حتى ولو لم يكونوا مختصين فيه.
كما أنّه برز فيه عدّة أساطين يستحقون تسمية لكل واحد منه(عالم الأديان)، فنذكر من هؤلاء، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني(479 –548هـ) الذي يعد من أشهر علماء تاريخ الأديان عند المسلمين وأكثرهم موضوعية فهو صاحب الكتاب المعروف باسم (الملل والنحل)، الذي يعد بحق أهم عمل في تاريخ الأديان عند المسلمين بسبب التزام صاحبه بمنهج علمي وموضوعي في دراسة الأديان والفرق وبأسلوب وصفي تحليلين كما يتضح عليه أنّه سعى لوجود منهج علمي لدراسة الأديان والفرق بعيداً عن الأهداف الدفاعية والمؤثرات الخارجية.
فهذا العلم اجتمعت أسباب ظهوره من إشارات قرآنية وتوسع رقعة الأرض الإسلامية ودخول الأمم المختلفة في الدّين الإسلامي وببعده العالمي والإنساني فكان من العلوم الأساسية لدى المسلمين الأوائل في عصورهم الحضارية المزهرة، حيث كان ضمن مباحث علم الكلام والفلسفة حتى انفصل بمنهجه.
فعلم تاريخ الأديان أو علم الأديان يعتبر من العلوم الأساسية في التراث الإسلامي وأن لم يلق العناية الكافية في عصورنا المتأخرة من الدارسين المسلمين.
فهذا العلم الذي عرفه الغرب في القرن التاسع عشر الميلادي(19م) هو من ابتكار البيئة الإسلامية في القرون الأولى للحضارة الإسلامية ويعد هذا العلم آخر ما وصلت إليه العقلية المنهجية الإسلامية في دراسة الدّين.
يظهر جلياً أنّ الفكر الإسلامي هو السبّاق لهذا العلم ولكن بعد ضعف المسلمين واستسلامهم لأدبيات التخلف اتّجه الفكر الغربي نحو هذا العلم مبرزه من جديد، فأصبحت كبريات الجامعات الغربية كجامعة شيغاغو(Chicago) التي فتح فيها قسم خاص سمي(الأديان المقارنة) سنة1893 م، وجامعة مانشستر(Manchester) سنة1904م ، وجامعة السربون(Sorbonne) فقد قرر البرلمان الفرنسي سنة 1885م فتح قسم سمي(علم الأديان)، كما فتح أوّل كرسي لعلم الأديان في ألماني(برلين) سنة 1910م.
وقد فتح كذلك بإيطاليا أوّل كرسي لعلم الأديان بجامعة ميلانو(Milano) سنة1912( ).
فأخذ، بذلك هذا العلم طابعاً معرفياً مميزاً عند الغرب، فظهرت عدّة تسميات لكن فضلت التسمية الألمانية عند علماء مقارنة الأديان بالغرب(Religions.Wissemschaft) بالمعنى العلمي الذي يريده علماء مقارنة الأديان لعلمهم، وضياع هذا المعنى في الكلمات المقابلة في اللّغات الأوربية الأخرى وخاصة كلمة(Science) الإنجليزية والفرنسية( ).
فالملاحظ إن التسمية الحالية (علم مقارنة الأديان) لم تحدد إلا في عصرنا الحالي بدءا من القرن 19م في أمريكا وانجلترا ، كما يتضح أن منهجه يعد من المناهج التي تساعد على التعرف على الآخر والتحاور معه والابتعاد عن المفهومات المغلوطة .
لكن لا يتم ذلك إلا عن طريق منهجين أو مسلكين رئيسين وهما :

II ـ المسلك الرئيس لعلم مقارنة الأديان في المساهمة
في الحوار الديني:
يمثل البحث المقارن،عنوانا مقبولا عند الكثيرين من الباحثين وخاصة في مجال علم مقارنة الأديان بل يعد اليوم من أخصب الدراسات منهجا وأصعبها لتشابك قضاياه في الزمكانية وكذلك في دائرة المقدس واللامقدس.
ولهذا فان هناك ثمة مقاربات متعددة للبحث المقارن حول ماهية المقارنة كعنصر جوهري في الدراسات المقارنة للأديان والذي تنطلق منه الدراسات والأبحاث لتحديد المفاهيم الأساسية للبحث المقارن للأديان والتي حددت في:
فهم ظاهرة أو فكرة ما وتحديد مجالات التباين والاشتراك والتأثير والتأثر وتفسيرها.
ومن اجل الوصول إلى نتائج موضوعية يتم على أساسها وضع التصورات المتنوعة لكشف الأبعاد الخفية والحقيقية والتوصل إلى معرفة الآخر والتحاور معه،لان جوهر الحوار هو:(التعرف على الآخر للكف عن المفهومات الخاطئة وهذا يؤدي إلى الكف عن رؤية الآخرين كما نحب إن نراهم وكذلك الابتعاد عن الجدل الديني العقيم apologétique combative)
وهذا كله يجرنا إلى تحديد نطاق المقارنة في علم مقارنة الأديان.ليحدث التفاعل الايجابي لمعرفة الآخر والتحاور معه ، فالتحديد يدفع بنا إلى معرفة العوامل المتنوعة والتي لها الدور الأساس فيه.فالمؤهلات الشخصية وإمكانيات البحث من مادية ومعرفية هي التي تحدد هذا الإطار.
وهذه المسائل يتم من خلالها استيعاب البحث المقارن في الأديان بل هي التي تضيء الطريق نحو نجاح المقارنة الموضوعية التي تساعد على الابتعاد عن المفهومات المغلوطة وتوصل الدارس إلى حقيقة الآخر وتكون ضمن خمس مراحل:
1 تعريف المسالة.
2 تحديد نطاق المقارنة.
3 تتبع الحد الأقصى من مستويات الاشتراك والتباين حتى الشكلية منها.
4 الانتقال من المستويات الشكلية إلى الحقبقبة فيما يتصل بالاشتراك والتباين.
5 تفسير حالات الاشتراك والتباين
فاستيعاب هذه المسائل الجوهرية والتي تكون مقدمة ضرورية للمسلكين الرئيسين في المساهمة في الحوار الديني وهما:

1/عن طريق المدارسة
:
ولا يتم ذلك إلا عن طريق المعالم الكبرى التي يفرضها علم مقارنة الأديان والتي تساعد على معرفة الآخر معرفة ايجابية موضوعية ، وهذه تتمثل في:
1-تحديد الإطار التاريخي والمعرفي:
إن العقائد والطقوس والأفكار الدينية...تتكون في بداياتها في إطار معرفي تاريخي متشابك واستيعاب هذه الثنائية تمنح الباحث فهما أعمق للمعالم الأخرى وتتيح له تجاوز المقارنة المباشرة والذهاب إلى ماهو ابعد.
فاستيعاب الإطار التاريخي المعرفي لمسالة عقدية مشتركة بين ديانتين يبعدنا عن النتائج الاستباقية بل يدفعنا إلى معرفة الجوهر البشري مثلا،في التشابه في بعض الأفكار الدينية.
2-المصادر والمراجع الأصيلة والمتخصصة:
لتحقيق هذا الاستيعاب الجيد يجب بالضرورة استيعاب مقوماته الأساسية وهي المصادر والمراجع الأساسية لأصحابها والتي تحدد الاتجاه العلمي الرصين والصحيح والجاد وإلا سيكون البحث أعرج ويدخل في نطاق بحوث العامة التي تعتمد الديماغوجية الخطابية التلفيقية.
فلا يتصور أن ندرس قضية دينية لدين ما ونعتمد على مصادر ومراجع غيره لتحديد نطاقها وماهيتها...
ويؤدي هذا التسيب إلى تسرب معلومات خاطئة وناقصة لا قيمة لها كما يؤدي في النهاية إلى عقم وشلل البحث.
وكلما استعان الباحث في مقارنة الأديان بمصادر ومراجع ،أصيلة تمثل أصحابها،كلما كانت حجته أقوى واستقراؤه أكمل وكثيرا ما عانى كبار الباحثين الأمرين من اجل الحصول على مصادر أصحابها حتى يكون التوثيق من منبعه ليزيد قيمة للبحث..فقد تحمل أبو ريحان البيروني( 326-440ه ) المشاق أربعين عاما بحثا للحصول عن كتاب ماني-سفر الأسفار- حتى عثر عليه لأنه أدرك قيمة المصدر والرجوع إليه.
كما أن التأملات المنهجية في حقل البحث الديني والاتجاه البيوتخصصي في تاريخ مقارنة الأديان في الحقل الأكاديمي اليوم،يجد أن ابن حزم (384/456هـ) (994/1064م) مثلا، قد انطلق من مقدمات وركائز منهجية في دراسته للكتاب المقدس اليهودي-التوراة-وهي:
المقدمات المنهجية الضرورية لدراسة الأديان:قد توافرت لأبن حزم في هذا السبيل أدوات البحث، إلا أنه لم يكن يعرف اللغة العبرية، لغة التوراة اليهودية، كما يذكر، الدكتور إحسان عباس، وكما يفصل في هذا ابن حزم نفسه بقوله: " ولقد أخبرني بعض أهل البصر بالعبرانية" .
فقرأ التوراة وهي الأسفار الخمسة الأولى، وقد كانت مترجمة، ولم تكن هناك ترجمة واحدة معتمدة لقوله: " ورأيت في نسخة أخرى منها ".
"وإذا تحدث ابن حزم عن أسفار التوراة استعمل أسماء معربة مثل سفر التكرار (التثنية)، أو استعمل الأسماء العبرية" .
فابن حزم، قد أطلع على المصادر الرئيسية المستعملة في دراسته، كما يذكر: " وليعلم كل من قرأ كتابنا هذا أننا لم نخرج من الكتب المذكور شيئا يمكن أن يخرج على وجه ما وإن دق وبعد فالاعتراض بمثل هذا لا معنى له وكذلك أيضا لم نخرج منه كلاما لا يفهم معناه وإن كان ذلك موجودا فيها"
كما أنه، كان مطلعا على الأسفار الأخرى، غير الأسفار الخمسة، وعلى كل كتب وشروح اليهود، يسميها ويكتفي بالإشارة إليها، كما أنه مطلع على بعض كتب التلمود، ككتاب توماو سادر ناشيم، وقرأ أيضا تاريخ يوسيفوس، بالإضافة إلى هذا مجاراتهم ومجادلتهم لمعرفة حالهم.
فهذه العوامل الأساسية هي التي جعلت من ابن حزم احد كبار مؤسسي علم تاريخ الأديان المقارن و أدت بنتائجه أن تكون صحيحة لأنها كانت منطلقة من مقدمات وركائز منهجية في دراسة الكتاب المقدس اليهودي-التوراة-وهي:
-الرجوع للمصادر الأصلية.
-المعرفة العلمية التطبيقية لأصحاب الاعتقاد،وهو من صميم المنهج في علم التاريخ المقارن للأديان اليوم،بعدما كان مستعملا فقط في الانتروبولوجية،مكتفيا الباحث في تاريخ الأديان الاعتماد على كتب الرحلات والانتربولوجيين، وهذا مايقصد به ابن حزم عندما ،قال:مجاراتهم ومجادلتهم لمعرفة حالهم.
-كما يتضح كذلك في كتاب (الرد على النصارى) علي بن ربن الطبري (نحو 157/772-بعد 240/855) والذي يعد من أقدم الكتب في مناقشة النصرانية وقد اعتمد صاحبه في مناقشته على نصوص الكتاب المقدس فقلما يستشهد بالقرآن الكريم يبدأ الطبري بسبع مسائل في مناقشته لعقائد النصارى وقد سماها (المسكتات العواذل Sept questions Embarrassantes)) فناقش فيها التثليث وألوهية المسيح وتناقض شريعة الإيمان.
أ-يبدأ بالحديث عن عقيدة التوحيد التي يؤمن بها، سائلا النصارى إن كانت هي الحق أم العكس؟.
فإن كانت العكس كما يقول النصارى بالتثليث فما هو مبررهم في عدد لا بأس به من الآيات في العهد القديم والعهد الجديد الذي يؤمنون بهما، تتحدث عن هذا المفهوم (التوحيد).
بعد هذه المقدمة المعرفية والتاريخية لعقيدة التوحيد بعدها يستعرض أسئلته ،المسكتات للنصارى ثم يعرض نصوصا من الكتاب المقدس معارضة للمفاهيم العقائدية النصرانية .
-نصوص معارضة للمفاهيم العقائدية النصرانية :
I- من العهد القديم:
-(وقال لا تقدر أن ترى وجهي ، لأن الإنسان لا يراني ويعيش) .
-(لا تصنع لك تمثالا منحوتا ولا صورة مامما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض) .
-(إن جعت فلا أقول لك لأن لي المسكونة وملأها) .
-(ليعرف بني آدم قدرتك ومجد جلال ملكك ، ملكك ملك كل الدهور وسلطانك في كل دور فدور) .
II- العهد الجديد:
-(الله لم يزه أحد قط) .
-(ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله هذا لم يعلمه إبراهيم) .
-(كيف تقدون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجدا بعضكم من بعض، والمجد الذي من الاله الواحد لستم تطلبونه) .
-(انتم تعملون أعمال أبيكم فقالوا له أننا لم نولد من زنا، لنا أب واحد وهو الله ،فقال لهم يسوع لو كان أباكم لكنتم تحبونني لأي خرجت من قبل الله وأتيت) .
-(وملك الدهور الذي لا يفنى ولا يرى الإله الحكيم وحده له الكرامة والمجد إلى دهر الدهور).
-(الذي سيبينه في أوقاته المباركة العزيز الوحيد ملك ورب الأرباب الذي وحده له عدم الموت ساكنا في نور لا يدنى منه الذي يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه الذي له الكرامة والقدرة الأبدية، آمين).
ثم يفند بعد ذلك الطبري، عقائد النصرانية ، بأسئلة وفرضيات يطرحها على النصارى حول عدة مسائل تخص شخص المسيح-عليه السلام- ويثبت أن كل ما تعلق بمسيح النصارى ما هو إلا اختلاق من طرفهم .
نقد قانون الإيمان النصراني: (CREDO)
يستهل ابن ربن الطبري نقده لقانون الإيمان النصراني فيقول: لقد وجدت تناقضات في هذا القانون كما أنه يحتوي على معاني مغايرة لما في الإنجيل والكتب الأخرى.
ثم يذكر نص القانون وبعده المتناقضات السبع الداخلية.
التناقض الأول والثاني والثالث:
يقول الطبري أن القانون يقرر في البدء أن الله واحد ثم يذكر بعد ذلك أن المسيح الإله الوحيد الحقيقي المولود الوحيد من الأب من جوهر الأب الحقيقي.
فيفند الطبري هذا النص بإنه متناقض مع بداية النص، وكذلك أن النص يذكر أن المسيح كان به كل شيء ما في السماء وما في الأرض.
ثم يعلق (الطبري) فيقول: فهذا يبين لنا أن هناك خالق آخر غير الأول (الله) .
التناقض الرابع:
فالقانون يذكر أن المسيح الإله الوحيد الذي ولد من الإله الحق من جوهره.
فيعلق الطبري فيقول لكن هذا معارض لما قاله المسيح عن نفسه بأنه متكون من لحم ودم وعظم.
التناقض الخامس
القانون يقول: أن المسيح هو أول المخلوقات ثم في نفس الوقت يقول: أنه لم يخلق.
التناقض السادس:
القانون يذكر أن المسيح المخلوق الخالد، ولد من آب قبل العالم ولم يولد.
فيفند الطبري ،هذا التناقض فيقول : لا يوجد إلا فريضتين لمعالجة هذا التناقض:
أ- لقد خلق الأب مخلوقا لم يكن من قبل.
ب-أو خلق مخلوقا كان موجودا من قبل.
فإذا كان الإبن موجودا من قبل، فالأب لم يولده ولهذا فليس هو ابنه، أما إذا كان الأب ولد شيء جديد، فالإبن لا يمكن له أن يكون ابنا له، و هذا التناقض يبين فساد قانون الإيمان عندهم.
التناقض السابع:
القانون يذكر المسيح إله حق مولود من جوهر الأب ثم يقول: نزل الإبن وتجسد…
فيعلق الطبري على هذا النص بقوله: هذا يبين أن المسيح ما هو إلا جسد محدود، نزل وأصبح جسدا لكن الذي يمكن أن يكون جسدا، من لم يكن جسدا من قبل .
وفي خاتمة، كتابه يناقش، الطبري ألفاظ الأب والابن عند النصارى مناقشة لغوية سباقة في تاريخ النقدي الإسلامي لهذه الكلمات ليثبت أنها حرفت عن معانيها الأصلية والذي كان يلزمانها في كل لغة.
ويمكننا أن نلخص أن ابن ربن الطبري قد أنطلق من مقدمات نقدية منهجية أساسها الرجوع للمصدر الأصلي والمعرفة الدقيقة لأصول لغة الكتاب المقدس ليثبت صحتها بعد ذلك بنقده للمعتقد النصراني مستشهدا على ذلك بنصوص من العهد القديم والجديد ومستعملا أنواعا متعددة من المناهج الحديثة في دراستها للأديان.
فإنه ،بالإضافة إلى استعماله للمنهج المقارن النقدي فإنه استعمل المنهج النقدي النصي الذي شمل على المنهج اللغوي النقدي.
وإن هذا الكتاب الصغير والذي يعتبر من أوائل الدراسات النقدية للنصرانية يعد من الدراسات الأولى التي مارست الحوار الديني عن طريق المدارسة والتي يعد في نظرنا من المسالك الرئيسية في الحوار الديني والذي يوصل إلى معرفة الحقيقة كما يحتاج اليوم العناية والدراسة وخاصة أن صاحبه كان نصرانيا عارفا بخبايها
3-معرفة المنظومة الفكرية أو البرادايم:

وهي المنظومة التي تشكلت من خلالها الأفكار الدينية أو المنظومة الدينية للأديان وتشكيلاتها التاريخية والمعرفية حتى نبتعد عن التصورات الخاطئة والنتائج الخاطئة.
كما انه لا يعقل أن ننطلق من مصادر غير أصحابها لدراستهم فكذلك الحال لا يمكن أن ننطلق من منظومة فكرية لا تمثل أصحابها لتحديد معتقدات أو طقوس أساسية عند الآخر بمفهومات واعتقادات لا تمثلهم.
فهذه المفهومات هي المادة الأولية التي تعطي دورا مهما في تشكيل نتائج البحث. وهذا يؤدي بنا إلى الكف عن رؤية الآخرين كما نحب أن نراهم وكذلك الابتعاد عن الجدل الديني العقيم apologétique combative.
فمسألة العهود في الكتاب المقدس اليهودي –المسيحي، أختلف في تفسيرها المفسر اليهودي عن المسيحي بل أن داخل الكتلة المسيحية يوجد اختلاف جوهري فيما بينهم.
فهذا يدعونا إلى تتبع المنظومة الفكرية وتياراتها المختلفة وتطورها داخل الحركة المسكونية وتيارات الفكر المسيحي، بل يفرض علينا التمييز بين المسيحية الكاثوليكية والأروتوذكسية و البروتستانتية....
.4-مبدأ تقدم الفهم على النقد:
إن إشكالية فهم القضايا المقارنة قد تطرح تسؤولات مبدئية عند الباحث قد لا يستوعبها للوهلة الأولى لكن هي من الضروريات المعرفية في البحث المقارن فدراسة النبوة أو الوحي عند اليهود أو المسيحيين ومقارنته بما عند المسلمين مثلا،يتطلب فهما واستيعاب لمفهوماتهم العقدية والتشكل التاريخي ولن يكون نقد نظرتهم مجديا إلا إذا كان مسبوقا باستيعاب كامل لها.
-5-تجنب الشمولية:
نلاحظ إن تقاليدنا التربوية والتعليمية دفعت باحثينا إلى اعتماد طريقة شمولية في البحث، والمثير إن بعض الدارسين يعارضون مثل هذا الطرح الذي يركز على معالجة قضية محدودة على نحو لا شمولي ،وهذا ناشئ بالتأكيد عن غياب الرؤية المنهجية .
فغير مقبول ، أن يتناول باحث قضايا كبرى إضافة إلى تنوعها كمسألة الألوهية في ديانتين ، فسعة البحث هنا تجعل منه بحثا موسعا يتناول مسائل وقضايا قد تكون بحجم كبير غير أن عمقها لن يتجاوز بضع سنتمترات.
فهنالك،علاقة عكسية بين منهجي الشمولية والعمق،فكلما كان موضوع البحث أكثر شمولا تراجع مستوى العمق في البحث وبالتالي تراجع التواصل والتحاور مع الآخر ومعرفة حقيقته.
أننا ،نلاحظ أن الكثير من علمائنا قديما وكذلك حديثا وخاصة في الغرب قد امتثلوا لهذه الضوابط المنهجية التي تسير بصاحبها نحو المعرفة الموضوعية بالآخر وهذا ما لاحظنه في الأمثلة السابقة إضافة إلى هذه النماذج التي سنذكرها:

الجاحظ :

يبدأ الجاحظ مناقشته للعقائد النصرانية وخاصة الألوهية، مبتدءا بشرح الغموض الذي يكتنف النصرانية حتى في أوساط أتباعها.

غموض مفهوم المسيح:
يلفت الجاحظ إلى نقطة مهمة في غاية من التعقيد وهي عدم وضوح مفهوم المسيح عند النصارى وعدم وجود مفهوم واحد يتفق عليه الجميع في توضيح رؤيتهم نحو المسيح.
يقول الجاحظ: (ولو جهدت بكل جهدك ، جمعت كل عقلك أن تفهم قولهم في المسيح لما قدرت عليه حتى تعرف به حد النصرانية وخاصة قولهم في الإلهية وكيف تقدر على ذلك؟ وأنت لو خلوت و نصرانيا نسطو ريا فسألته عن قولهم في المسيح لقال لك قولا ثم خلوت بأخيه لأمه وأبيه وهو نسطو ري مثله فسألته عن قولهم في المسيح لأتاك بخلاف قول أخيه وضده ..وكذلك جميع الملكانية والعقوبية ولذلك صرنا لا نعقل حقيقة النصرانية كما نعرف جميع الأديان على أنهم يزعمون أن الدين لا يخرج في القياس ولا يقوم على المسائل ولا يثبت في الامتحان وإنما هو بالتسليم لما في الكتب والتقليد للأسلاف، ولعمري أن من كان دينه دينهم ليجب عليه أن يعتذر بمثل عذرهم..) .
بعد هذه المقدمة الرائعة والفريدة والتي تعتبر تمهيدا لنقد عقائدهم ودليل على ضعفها وعدم استنادها إلى أدلة واضحة ومفهوم واحد .
رأيه في بنوة المسيح -عليه السلام-:

قبل أن يناقش الجاحظ هذه المسألة الخطيرة يقف وقفة متأنية عارضا إياها بجزيئاتها وتفاصيلها.
عرض القضية:

إن النصارى يستدلون على أن البنوة لله واقعة من خلال نصوص الكتاب المقدس.
فالجاحظ يبدأ هذه المسألة بسؤالهم حيث يقول: (وسألنهم عن قولهم: إذا كان الله تعالى قد اتخذ عبدا من عباده خليلا فهل يجوز أن يتخذ من عباده ولدا) .
فهذا ،رأي النصارى،هو جواز اتخاذ الله ولدا كما اتخذ خليلا له.كما أن بعض المتكلمين من المعتزلة قد قالت، إذا كان ذلك(أي الأبوة والبنوة )على التبني والتربية والإبانة له بلطف المنزلة والاختصاص له بالرحمة والمحبة، لا على جهة الولادة واتخاذ الصاحبة.
يقول الجاحظ: (ليس في القياس فرق بين اتخاذ الولد على التبني والتربية وبين اتخاذ الخليل على الولاية والمحبة، وزعم أن الله يحكم في الأسماء بما أحب كما أن له يحكم في المعاني لما أحب) .
ثم يسوق رأي المتكلم إبراهيم بن سيار النظام فيقول: (أنه كان يجعل الخليل مثل الحبيب ومثل الولي وكان يقول: "خليل الرحمن مثل حبيبه ووليه وناصره، وكانت الخلة والولاية والمحبة سواء قالوا: ولما كانت كلها عنده سواء جاز أن يسمى عبدا له ولدا، لمكان التربية التي ليست بحضانة ولمكان الرحمة التي لا تشق من الرحم لأن إنسانا لو رحم جرو وكلب فرباه، لم يجز أن يسميه ولدا، ويسمى نفسه له أبا…فإذا كان شبه الإنسان أبعد من الله تعالى من شبه الجرو وبالإنسان ، كان الله أحق بأن يجعله ولده وينسبه إلى نفسه") .
ثم يسوق نصوص النصارى في دعواهم:
- (إسرائيل بكرى وبنوه أولادي) .
- (سيولد لك غلام يسمى لي ابنا وأسمى له أبا) .
- (أنا أذهب إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم).
- (يا أبانا الذي في السماء تقدس اسمك).
رأي الجاحظ:

يقول الجاحظ: (وأما نحن -رحمك الله- فإذا لا نجيز أن يكون لله ولد، لا من جهة الولادة ولا من جهة التبني، ونرى أن تجويز ذلك جهل عظيم وإثم كبير لأنه لو جاز أن يكون الله أبا يعقوب لجاز أن يكون جدا ليوسف ولو جاز أن يكون جدا وأبا، وكان ذلك لا يوجب نسبا ، ولا يوهم مشاكله في بعض الوجوه ولا ينتقص من عظم ، ولا يحط من بهاء لجاز أيضا أن يكون الله عما وخالا لأنه إن جاز أن نسميه من أجل الرحمة والمحبة والتأديب أبا، جاز أن يسميه آخر من جهة التعظيم والتفضيل والتسويد أخا، ولجاز أن يجد له صاحبا وصديقا، وليس حكيم من ابتذل نفسه عبده، ووضع من قدره في التوفر على غيره، وليس من الحكمة أن تحسن إلى عبدك بأن تسيء إلى نفسك وتأتي من الفضل ما لا يجب بتضييع ما يجب، وكثير الحمد ما لا يقوم بقليل الذم، ولم يحمد الله ولم يعرف إلهيته من جوز عليه صفات البشر، ومناسبة الخلق ومقاربة العباد).
أدلتــــه:

أ- لو علم الله أن في الكتب المنزلة على بني إسرائيل، أن أباهم كان بكره وابنه، لما غضب عليهم لما قالوا: (نحن أبناء الله) .
ب- النصارى يقولون، أن الله هو المسيح بن مريم وأن المسيح قال للحواريين يا إخوتي، فلو كان للحواريين أولاد لجاز أن يكون الله عمهم فهم لا يمنعون من أن يكون الله تبارك وتعالى أبا وجدا وعما .
ج- المسيح ليس ابن الله على سبيل المرحمة والعطف وليس الولادة والنسب قياسا على اتخاذ الله إبراهيم خليلا.
فالجاحظ، هنا يرد هذه القضية التي أجمع عليها المفسرون، فيقول: (أن إبراهيم، صلوات الله عليه، وإن كان خليلا، فلم يكن بخلة كانت بينه وبين الناس، لأن الخلة والإخاء والخلطة، وأشباه ذلك، منفية عن الله، عن ذكره، فيما بينه وبين عباده، على أن يكون إبراهيم خليلا بالخلة التي أدخلها الله على نفسه ماله، وبين هذا وبين أن يكون خليلا بخلة بينه وبين ربه، فرق ظاهر، وبون واضح، ذلك أن إبراهيم –عليه
السلام-، اختل في الله تعالى اختلالا لم يختله احد من قبل… فصار لهذه الشدائد مختلا في الله، والخليل و المختل سواء في لغة العرب… وفي قياسنا هذا لا يجور أن الله خليل لإبراهيم كما يقال وإن إبراهيم خليل الله) .
فالجاحظ،يرفض القول، بان الله اتخذ ولدا عن طريق الولادة أو عن طريق التبني.
فالجاحظ، عالج أهم مسألة وأخطرها في التثليث ألا وهي مسألة البنوة التي بنيت عليها عقيدة التثليث ولم يتناول المسائل الأخرى التي عرفت عند النصارى فهو اكتفى بها لما تحمله من مكانة في هذه العقيدة، فإذا هدمت، هدمت كل عقيدة التثليث وكل العقائد الأخرى.
كما انه قد امتثل لكل الضوابط العلمية التي تفرضها هذه الأبحاث كما ذكرنا سابقا وبحثه جاء كمحاورة للنصارى في الرد عليهم .
القرافــي:

في البدء، يضع القرافي القارئ في الطريق الذي ارتضاه لنفسه وجعله منطلقا لكل مقولات النصارى في معتقداتهم فيوضع في البداية ذلك المفهوم الإسلامي لكلمات غامضة في السياقات العقائدية النصرانية حيث يريد أن يقول في النهاية قارنوا بين هذا المفهوم الإسلامي ومفاهيمكم وهذا طبعا بعد مناقشة مقولاتهم.

ماهية عيسى روح الله وكلمته في المفهومية الإسلامية:

إن المسيحيين قد احتجوا بأن القرآن ورد في ثنايا آياته بأن (عيسى كلمه وروح الله).
ويرد ،القرافي على هذا التأويل الخاطئ، حيث يقول: والجواب من وجوه أحدهما: أن المحال أن يكون المراد الروح والكلمة على ما تدعيه النصارى. وثانيا: أن الروح اسم الريح الذي بين الخافقتين يقال: ريح روح لغتان وكذلك في الجمع رياح وأرواح ، واسم لجبريل عليه السلام- وهو المسمى بروح القدس والروح اسم للنفس المقومة للجسم الحيواني، والكلمة اسم للفظة المفيدة من الأصوات، واسم للخبر من الكلام النفساني، وتطلق الكلمة على الحروف الدالة على اللفظة من الأصوات ولهذا يقال: هذه الكلمة خط حسن ومكتوبة بالحبر، وإذا كانت الروح والكلمة لها معان عديدة فعلى أيهما يحمل هذا اللفظ؟ وحمل النصراني اللفظ على معتقده تحكم بمجرد الهوى المحض.
وثالثتها: وهو الجواب بحسب الاعتقاد لا بحسب الإلزام أن معنى الروح الذي بمعنى النفس المقوم لبدن الإنسان، ومعنى نفخ الله تعالى في عيسى عليه السلام من روحه أنه خلق روحا نفخها فيه، فإن جميع أرواح الناس بصدق أنها روح الله وروح كل حيوان هي روح الله تعالى) .
بالإضافة، لما يقول، القرافي، أن المتمعن في اللغة العربية يجد فيها خصائص تبين ، معنى كلامنا، (كقول أحد حاملي الخشبة للآخر، شل طرفك يريد طرف الخشبة فجعله طرفا للحامل، ويقول: طلع كوكب زيد إذا كان النجم عند طلوعه يسري بالليل، نسبة الكوكب إليه نسبة المقارنة فقط، فكيف لا يضاف كل روح إلى الله تعالى، وهو خالقها ومدبرها في جميع أحوالها؟… وأما تخصيص
عيسى-عليه السلام- بالذكر فلتنبيه على شرف عيسى –عليه السلام- وعلو منزلته بذكر الإضافة اليه، يقال: كما قال الله تعالى: (وما أنزلنا على عبدنا) (وإن عبادي ليس لك عليهم سلطان) ، مع أن الجميع عبيده، وإنما التخصيص لبيان منزلة المخصص) .
ثم ينتقل، القرافي، لتوضيح المفهوم الإسلامي لعبارة (المسيح كلمة الله) فيقول: (وأما الكلمة فمعناها أنا لله تعالى إذا أراد شيئا يقول له: كن فيكون، فما من موجود إلا وهو منسوب إلى كلمة كن، فلما أوجد الله تعالى عيسى عليه السلام قال له: كن في بطن أمك فكان، وتخصيصه بذلك للشرف كما تقدم فهذا معنى معقول متصور ليس فيه شيء كما يعتقد النصارى من أن صفة من صفات الله حلت في ناسوت المسيح عليه السلام ، وكيف يمكن في العقل أن تفارق الصفة الموصوف، بل لو قيل لأحدنا إن علمك أو حياتك انتقلت لزيد لأنكر ذلك كل عاقل، بل الذي يمكن أن يوجد في الغير مثل الصفة، وأما أنها في نفسها تتحرك من محل إلى محل فمحال لأن الحركات من صفات الأجسام، والصفة ليست جسما) .
فمن هذه المقدمة التي كما قلت سابقا ، التي أراد بها القرافي التقعيد لنقده والاحتكام إليها، فكما أنه رد بها على النصارى، لكنه في نفس الوقت جعلها حكما لما سيقوله لا حقا.
مناقشة مسألة الأقانيم:

أعتبر، القرافي النصارى كلهم مجمعون على القول بثلاثة أقانيم ، لو أنهم اعتبروا صفة الحياة (الروح القدس) وصفة النطق الكلمة، (الابن) صفتين للأب الذي هو الإله، لأصبحوا مثل المسلمين، لكنهم يعتبرون كل أقنوم منفصل عن الآخر وإلها، فيقول: (وفارقتهم قول مشايخ الأمانة في قولكم: الأب إله واحد والابن يسوع واحد والروح القدس اله ثالث…وكل منهم يستقل بالإلهية…والذي نزل من السماء إنما أقنوم الابن وحده.) .
ثم ينتقل القرافي للرد على النصارى في مقولاتهم حول الأقانيم واستدلالاتهم سواء من الأناجيل أو حتى من القرآن الكريم، معتبرا ما يقولونه باطلا لعدة أوجه، من ناحية أن الأناجيل المستند أليها، ما هي إلا أناجيل مكذوبة محرفة ومن ناحية تأويلهم لما وجد في القرآن هو تأويل خاطئ.
التجسيد:

يقول القرافي في هذه المسألة الخطيرة: (فإن أردتم أن عيسى عليه السلام المتجسد، انه لم يزل هذه الصفة المعنوية، فهو من باب قلب الحقائق الذي يستحيل وقعه في زمن من الأزمان فضلا عن كونه لم يزل كذلك، كما يستحيل أن السواد يكوون بياضا والعلم يكن طعما، أو الرائحة لونا، كذلك يستحيل أن يكن النطق إنسانا فهذا التفسير غير معقول ولا متصور) .
كما أن(تجسد المسيح عليه السلام من الروح القدس والروح حياة الله تعالى فليزم أن يبقى مواتا أو ميتا، لعدم الحياة وانتقالها إلى المسيح عليه السلام وذلك محال ).
ويقول في موضع آخر: (وإن كان المسيح عليه السلام تجسد من الروح فهو متولد من الروح فهو ابن الروح لا ابن الله تعالى، فكذبوا في قولهم انه ابن الله) .
كما انه يرد احتجاجهم ببنوة المسيح في القرآن على أنها تحريف للمفهوم الصحيح الوارد في القرآن .
الاتحاد:

القرافي هنا، يذهب إلى مقولات الفرق المسيحية، ليناقشها في هذه المسألة (مسألة الاتحاد).
أ-اليعاقبة: الطبيعتين، الناسوت واللاهوت اتحدت وصارت طبيعة واحد هو المسيح، فيقول: (والسؤال عليهم أن حقيقة اللاهوت والناسوت إن بقيتا بعد الاتحاد على حالهما بطل قولهم، صارتا طبيعة واحدة إن تغيرتا عن حالهما، فهذه حقيقة أخرى لا لاهوت ولا ناسوت، فلا تصفوا المسيح عليه السلام بأنه إله، ولا إنسان يلزمهم أن القديم الإله صار محدثا، والمحدث صار قديما لضرورة اتحاد الحقيقة وأن يصير الخالق مخلوقا والمخلوق خالقا لضرورة اتحاد الحقيقة) .
ب-الملكية: يقولون، أنه بعد الاتحاد صار جوهران وأقنوم واحد فكان المسيح(بطبيعة اللاهوت مشيئة كمشيئة الأب وله بطبيعة الناسوت مشيئة كمشيئة إبراهيم وداود عليهما السلام وهو شخص واحد، فأوجبوا الاتحاد في الشخص فقط، لاعتقادهم استحالته في الحقائق) .
ج-النسطورية: بعد الاتحاد بقي جوهران، أقنومان على طبيعتهما فيقول القرافي: (أن الطبيعتين إن كانتا في شخص واحد، فذلك باطل، لأن الطبيعتين لا تقومان في محل واحد، وإن كانتا شخصين فذلك يكذبه الحس فإن، عيسى عليه السلام كان شخصا واحدا ) .
فبعدما، ناقش القرافي، مقولتهم في الاتحاد وأنها مبنية على أسس واهية ومستحيلة بالإضافة إلى هذا يضيف أدلة أخرى لتدعيم رأيه.
أدلتـــه:

1- بشرية المسيح، مستدلا عليها بنص من الأناجيل أن المسيح، يجوع ويعطش ويتألم وتصيبه جميع آفات البشر، فقد ورد في إنجيل متى، أن المسيح مر بشجرة وقد جاع.
كما ذكر مرقس في إنجيله عن المسيح أنه حزن وهذه من خصائص البشر.
2- ماهية الآب، فالقرافي، يلاحظ أن ماهية الآب في الأناجيل تعكس النظرة الصحيحة كما ورد في إنجيل يوحنا: (وقولى لهم إني اصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم) .
3-
صلب المسيح-عليه السلام-:
في بداية معالجته لقضية صلب المسيح، يطرح القرافي مسألة علمية خطيرة، وهي عملية نقل الرواية وكيفية الحكم على رواتها؟
فالقرافي يرد تواتر رواية الصلب حتى وإن أجمع اليهود والنصارى على صحتها وصحة نقلها.
فهو يرى أن اليهود والنصارى لا يعلمون حقيقة التواتر ولا شروطه .
ومن ناحية آخري أن قلة شهود عملية الصلب، لأن الحواريين فروا عنه…وهذا يؤدي إلى أن عدد التواتر متعذر من جهة النصارى، اما عن اليهود (فلأن المباشر منهم للصلب إنما هم الوزعة، وأعوان الولاة، وذلك في مجرى العادة يكو نفرا قليلا كثلاثة و ونحوها يجوز عليهم الكذب، ولا يفيد خبرهم العلم…. ). كما أن رواية الصلب الموجودة في الأناجيل تفقد بدورها مصداريتها وتواترها، فالقرافي يقول: (والنصارى اليهود إنما يعتمدون على التوراة والإنجيل و لا يوجد يهودي ولا نصراني على وجه الأرض يروي في
التوراة والانجيل عدلا عن عدل إلى موسى، أو عيسى عليهما السلام، وإذا تعذرت عليهم رواية العدل عن العدل فأولى أن يتعذر التواتر) .
أدلته على عدم صحة الصلب:
1- أن المسيح بعد صعوده جبل الجليل رفقة بطرس ويعقوب و يوحنا و أن المسيح طلب ماءا من اليهود لكنهم أعطه خلا مرا، فذاقه ولم يسغه فنادى (إلهي إلهي لم خذلتني).
لكن، الأناجيل تذكر، أن المسيح كان يطوي أربعين يوما وأربعين ليلة، وهذا مناقض لسلوك المسيح وصبره على الجوع، كذلك قوله: (إلهي إلهي لم خذلتني فتركتني).
فهذا النص، يقتضي عدم الرضا بالقضاء والقدر وعدم التسليم لأمر الله تعالى.
2- إن المعتقد النصراني، يقول: (أن نزول المسيح وتجسده وصلبه كان من أجل خلاص البشر من الخطيئة الأولى).
وجزع المسيح يحط من قيمته، فإذا كان إله ابن إله فالأجدر به أن يصمد يكون أقوى.
وهناك، أدلة أخرى استنتجها القرافي وكلها تصب في عدم حدوث الصلب بل كان للشبه الذي يشبه المسيح.
ابــن تيمية:

يعتبر ابن تيمية من أكثر المتحاورين و النقاد الذين عالجوا واستفادوا من النقاد السابقين لمسائل العقدية النصرانية، كما أن الملاحظ في نقده لهذه العقائد يرى العمق التحليلي والتطلع المستفيض فيها من خلال مصادرها، فابن تيمية في البدء، يلاحظ جملة من الملاحظات النقدية:
1- أن عقيدة التثليث سر، فلا عقل ولا نقل يفسرانها، إذ يقول: (وعامة هؤلاء إذا خوطبوا ببيان فساد قولهم قالوا من جنس قول النصارى هذا أمر فوق العقل…. ويقولون أن أراد أن يسلك سبيلهم دع العقل والنقل ، أو أخرج عن العقل والنقل) .
2- أن عبارة التثليث وماهيته مختلف فيه النصارى وفرقهم، فيقول ابن تيمية: (أن النصارى المقرون بأن هذه العبارة في الإنجيل المأخوذة عن المسيح مختلفون في تفسير هذا الكلام) .التثليث مذكور في العهد القديم فهو يوجب أن يؤمن به غيركم قبل أن يصلكم، لكن الملاحظ أنكم أوجبتموه واليهود نفوه.
فيقول، ابن تيمية: (القول بالأب، والابن، وروح القدس موجود عند النصارى قبل وجودكم، وقبل نظركم هذا واستدلالكم فلا يجوز أن يكون نظركم هو الموجب لقول النصارى هذا) .
4- كما أنهم، يقولون، أن المسيح هو الذي أقر التثليث في قوله، في إنجيل متى :(عمدوا الناس باسم الأب والابن وروح القدس) .
فإذا أخذنا معنى الكلمات في سياقها العام، فإنه يتعين أن يكون الأب، أب المسيح وهذا المسيح وهذا الأب هو كذلك أب جميع المؤمنين بل جميع البشر.
فيقول، ابن تيمية: (إن صحت هذا العبارة عن المسيح المعصوم عليه الصلاة السلام فإنه أراد بذلك ما يناسب سائر كلامه ، وفي الموجود في كتبهم تسمية الرب أبا وتسمية عباده أبناء) .
5- إن لفظ ، ابن لم يذكر ويختص فقط بالمسيح عليه السلام، فقد ذكر العهد القديم هذا اللفظ على غير المسيح.
فق جاء في المزمور الثاني :(قال لي أنت ابني أنا اليوم ولدتك) .
وكذلك في سفر الخروج:(فتقول لفرعون هكذا يقول الرب ، إسرائيل ابني البكر) .
6- أما لفظة روح القدس، فهي موجودة في مواضع آخري غير العهد الجديد كما أنها تعني أنها تحل في إبراهيم وموسى وداود وغيرهم.
7- إن لفظ الأقانيم لم توجد في كتب الأنبياء ولا كلام الحواريين بل هي لفظ ابدعوها، ويقال: أنها رومية، كما أن تفسيرهم لها مضطرب، تارة يقولون: أشخاص وتارة خواص، وتارة صفات، وتارة جواهر وتارة يجعلون الأقنوم اسما للذات والصفة معا. بعدما، أبدى ابن تيمية ،هذه الأوجه النقدية التي اعتبرها مقدمة ضرورية لنقده للعقائد النصرانية وخاصة التثليث ينطلق إلى مسائل كلامية مستفيدا من علم الكلام الإسلامي في مناقشة .

بطلان كون الثلاثة إله واحد:

إن النصارى يقولن إن الثلاثة، أسماء فهي اله واحد ورب واحد، وخالق واحد…ولهم ثلاث صفات:
-الذات هي الأب وهو ابتداء الاثنين.
-والنطق هي الابن وهو المولود.
-والحياة هي روح القدس .
فيقول، ابن تيمية: (وإذا كانت أسماء الله كثيرة كالعزيز والقدير وغيرها، فالاقتصار على ثلاثة أسماء دون غيرها باطل) . فلماذا الاقتصار على ثلاث صفات دون غيرها من الصفات الأخر إذا كان الأب هو الخالق ؟
فابن تيمية يطرح إشكالية كبيرة لم نجد جوابا لها.
وإذا كان الأب هو خالقهم والابن النطق الذي هو مولود منه، فهذا الكلام باطل، صفات الكمال لازمة لذات الرب لا لابن .
وإذا كان الابن مولود من الأب وأرادوا به أنه صفة لازمة له فهذا كذلك ينطبق على الروح القدس فيكون هو كذلك ابنا ثانيا .

المسيح هو الكلمة:

إن مسألة المسيح هو الكلمة كثيرا ما أسالت الحبر سواء عند النصارى او عند المسلمين،فان ابن تيمية،يناقشه بمنهجية تحليلية من أوجه متعددة فيقول: يقولون: (المسيح المتحد هو الكلمة الذي هو العلم) .
1- إن ارادوا نفس الذات العالمة الناطقة كان المسيح هو الأب وكان نفسه هو الأب وهو الابن، وهو روح القدس.
2- المتحد به هو العلم، فالعلم صفة لا تفارق العالم ولا تفارق الصفة الأخرى التي هي حياة، فلا يجوز اتحاد المسيح بالعلم دون الذات ودون الحياة
3- والصفة ليست جوهرا قائما بنفسه، فقد جعلوا الأب والدا وهو الأب ومولودا وهو الابن وجعلوها مساويا له في الجوهر، فيقولون: (مولود غير مخلوق مساو للاب في الجوهر).
وهذا تصريح بإثبات ثلاثة جواهر وثلاثة آلهة .
كما يفند ابن تيمية كل التفاسير الثيولوجية النصرانية الخاصة بمسألة (الكلمة) فيقول: وهم يقولون:
1. إن الكلمة هي المتولدة من الأب، والكلمة صفة المتكلم وقائمة به، والكلام ليس برب ولا بإله، كما أن سائر كلام الله كالتوراة والإنجيل والقرآن ليس هو الرب ولا الإله.
2. (مساو الأب في الجوهر) فيرد ابن تيمية، فيقول: (فاقتضى هذا أن يكون المولود الذي هو الكلمة جوهرا وانه مساو الأب في الجوهر والمساوي ليس المساوي) .
أيضا يقتضي: جوهر ثان مساو الجوهر الأول وهذا يؤدي إلى وجود الهين مع أن النصارى تقول بواحد له جوهر واحد والجوهر هو العلم الذي يعبرون عنه بالأقنوم مساو له وهو الذات.
وهذا يستلزم: أن يكون الأب هو الذات المجردة فيؤدي إلى كمال الابن عن الأب وكذلك يلزم أن يكون الابن هو بعض روح القدس .
فإن هذه الأقوال فيها الكثير من المغالطة لا من وجهة النظر الإسلامية فحسب، وان لعدم اتساقها مع العقل والمنطق أصلا.
ويمكن أن نخلص رد ابن تيمية على هذه المسائل بالتالي:
1- الذات الإلهية -الواحدة- تتعدد صفاتها ولا يستلزم تعدد الآلهة، فالأوصاف متعددة لإله واحد.
2- إن كانت الأقانيم صفات أو خواص، فيستلزم أن تزيد بعدد الصفات.
3- إذا، كان الابن جوهر، فهذا يقضي وجود ثلاثة جواهر، كما يستلزم ثلاثة آلهة.

صلب المسيح -عليه السلام-:

إذا كان ابن تيمية قد نقد مقولات النصارى العقدية في التثليث والكلمة والجواهر والحلول، فإنه لم يبدي اهتماما كبيرا لمقالة الصلب، التي يرى فيها كذبا وتلفيقا من طرف اليهود ثم تبعهم النصارى في تناقلهم الرواية.
فيقول: (لأن الذين تولوا صلب المصلوب المشبه به هم اليهود، ولم يكن أحد من النصارى شاهدا معهم، بل كان الحواريون خائفين غائبين فلم يشهد أحد منهم الصلب، وإنما شهده اليهود وهم الذين أخبروا الناس أنهم صلبوا المسيح، والذين نقلوا أن المسيح صلب من النصارى وغيرهم إنما نقلوه عن أولئك اليهود وهم شرط من أعوان الظلمة، لم يكونوا خلقا كثيرا يمتنع تواطؤهم على الكذب) .
ويقول أيضا: (وقصة الصلب مما وقع فيها الاشتباه، وقد قام الليل على أن المصلوب لم يكن هو المسيح عليه السلام (بل شبه) وهم ظنوا أنه المسيح، والحواريون لم يرى أحد منهم المسيح مصلوبا، بل أخبرهم بصلبه بعض من شهد ذلك من اليهود).
فرواية الصلب تفتقد للعناصر الأساسية حسب -ابن تيمية- وهي:
1. شهود حادثة الصلب من اليهود، أعداء المسيح -عليه السلام وهم لا يمتنعون على الكذب-.
2. عدم حضور الحواريون لهذه الحادثة، لخوفهم من بطش الرومان.
3. الشهود من اليهود، عددهم قليل فهذا يستلزم الخطأ في الرواية.
ابن الجوزيه:

إن ابن القيم الجوزيه، قد أعاد المقولات النقدية السابقة لأسلافه في عدة مسائل مبرهنا على أن عقائد النصارى عارية من كل صحيح ومن كل عقل.
فيقول: (ولهذا قال بعض ملوك الهند: -أما النصارى فإن كان أعداؤهم من أهل الملك- يجاهدونهم بالشرع، فأنا أرى جهادهم بالعقل وإن كنا لا نرى قتال أحد لكي أستثني هؤلاء القوم من جميع العالم. لأنهم قصدوا مضادة العقل وناصبوه العداوة وشدوا عن جميع مصالح العالم الشرعية والعقلية الواضحة واعتقدوا كل مستحيل ممكنا، وبنوا من ذلك شرعا لا يؤدي إلى صلاح نوع من أنواع العالم، ولكنه يصير العاقل إذا تشرع…)
إلا، ابن القيم الجوزيه ينفرد بمسألة خطيرة، هي قضية أثر المجامع المسكونية في تغيير عقائد النصارى أو إدخال الجديد عليها، كما أنه أشار وحدد زمن ابتداع اللاهوت والناسوت في شأن المسيح.
فيقول: انه: بعد دانقيوس. جاء بعده: (قيصر آخر، وفي زمنه جعل في انطاكية بتركا يسمى بولس الشمشاطي، وهو أول من ابتدع في شأن المسيح اللاهوت والناسوت، وكانت النصارى قبله كلمتهم واحدة أنه عبد رسول مخلوق مصنوع مربوب، لا يختلف فيه اثنان منهم، فقال بولس هذا…: إن سيدنا المسيح خلق من اللاهوت إنسانا كواحد منا في جوهره، وأن ابتداء الإبن من مريم، وأنه اصطفى ليكون مخلصا للجوهر الإنسني،صحبته النعمة الإلهية، فحلت فيه بالمجنة والمشيئة ولذلك سمي ابن الله، وقال: إن الله جوهر واحد وأقنوم واحد) .
فابن القيم الجوزيه، يوضح لنا، أن تبديل المعتقد النصراني، كانت بفعل المؤثرات الخارجية.
1. بولس الشمشاطي وتأثيره المباشر في تغيير مسار المعتقد النصراني مثل: بدعة اللاهوت والناسوت في شأن المسيح.
2. فسطنطين وأثره الكبير في إملاء بعض المعتقدات، كما كان له الأثر البليغ في تسيير مجمع نيقية، الذي انبثق عنه المعتقد النصراني، وكيف انه فصل في مقالة المعادين لأريوس.
3. أثر المجامع، مجمع نيقية وغيره من المجامع التي حددت معالم المعتقد النصراني.
 مجمع نيقية: المسيح رب.
 مجمع القسطنطينية : روح القدس إله خالق غير مخلوق.
 مجمع أفسس الأول: المسيح ذو طبيعتين ووجه واحد وأقنوم احد.
 مجمع أفسس الثاني: المسيح طبيعة واحدة وأقنوم واحد.
 مجمع خليقدونية: المسيح إله وانسان وروح القدس إله.
إلى غيرها من المجامع، التي حددت معالم المعتقد النصراني، فبعد، هذا التحليل التاريخي الذي انفرد به ابن القيم الجوزيه، يضيف عنصرا مهما في نقد المصادر الأساسية للنصرانية، وأن المجامع النصرانية كانت لها دورا أساسيا في تغيير معالم المعتقد النصراني وتأثيرها بالعامل الخارجي السياسي مثل فعل فسطنطين كما أنه حدد بدء دخول المقالات الجديدة في النصرانية، بدءا بمقالة (اللاهوت والناسوت في حق المسيح).

الشهرستاني :

ولعل أهم ما يميّز عمله في تاريخ الأديان تلك النظرة المنهجية الواضحة النتي بدأ بها دراسته وذكرها في الصفحات الأولى من الملل والنحل وتقوم هذه النظرة على خمس مقدمات رتبها على النحو التالي:
1- بيان تقسيم أهل العالم جملة.
2- بيان قانون يبني عليه تعداد الفرق الإسلامية
3- بيان أوّل شبهة وقعت في الخليقة.
4- بيان أوّل شبهة وقعت في الملّة الإسلامية وكيفية تشعبها ومصدرها ومظاهرها.
5- بيان السبب الرئيسي الذي أوجب ترتيب هذا الكتاب على طريق الحساب( ).
والمحلل لهذا المقدمات المنهجية الخمس يدرك أنّ هناك تصوراً منهجياً كاملاً لدى الشهرستاني جعله أساساً لدراسته الشهيرة ويتضح من خلال المقدمة الأولى إدراكه لاختلاف الأديان وانقسامها نظراً لاختلاف أهل العلم وانقسامهم إلى شعوب وجماعات.
كما يتضح لدارس الملل والنحل القيمة العلمية لهذا المؤلف في حقل علم تاريخ الأديان، فقد عالج فيه مشاكل منهجية، منها مشاكل تخص المقارنة بين الأديان والفرق ووسائل تفسير الظاهرة الدينية وكلّها من جوهر المنهج الحديث لعلم مقارنة الأديان.
إن التزام الشهرستاني خاصة وغيره من العلماء القدماء بالمنهج العلمي في البحث عن الآخر قد أضفى على بحوثهم الصبغة الحوارية مع الآخر من خلال تقصي الحقيقة من مصدرها مع التزامهم كذلك بكل المعالم المنهجية التي ذكرت في مسلك المدارسة

الخلاصة:
أخيرا يمكن القول إن علماؤنا قد ساهموا في الحوار الديني وفي التعارف على الآخر من خلال بحوثهم وتمسكهم بالمنهجية العلمية التي يفرضها علم تاريخ الأديان أو علم مقارنة الأديان كما أنهم سلكوا مسلك المدارسة وبذلك لمسوا جوهر الحوار المتمثل في معرفة الآخر بابتعادهم عن المفهومات الخاطئة.

الهوامش:

-النور: 54.
2 -الشورى: 48.
3 -آل عمران: 64.
4 -(ابوخليل) شوقي: الحوار دائما... وحوار مع مستشرق، دار الفكر المعاصر،بيروت،دار الفكر،دمشق،ط:الاولى،ص:6
5 - الكهف: 34
6 -الكهف: 37
7 - المجادلة: 1
8 - النحل: 125
9 - العنكبوت: 46
10 - البقرة:83
11 - النحل:9
12 - الغرباوي (ماجد): حوار الحضارات والواقع والأهداف، مجلة، التوحيد عدد: 86، السنة، 15، شباط، 1997،مؤسسة الفكر الإسلامي ومؤسسة التوحيد للنشر الثقافي، إيران، ص: 7
13- فضل الله( محمد حسين) ، الحوار في القرآن ،دار المنصوري للنشر،عين اعبيد،قسنطينة،الجزائر،ب.ت، ج، 1، ص29.
14 الطنطاوي (محمد سيد)، بنو إسرائيل في القرآن والسنة، ج1،ص: 159
15- Sous la direction de Maurice brillant et René Aigrain, histoire de religions, Tome 01, bloud et gay, France, p.113-114.
16- Alfred. Loisy, leçon d’ouverture du cours d’histoire des religions au collège de France, Emile nourry, paris, 1909,p.06.
17 ـ سورة العنكبون، الآية 46.
18 سورة المائدة، الآية06.
19ـ آدم ميتز، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، ترجمة، محمد الهادي أبوا ريدة، الدار التونسية للنشر، تونسن المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، سنة 1986، ج1: ص: 342-343..
20-Guy Monnot, islam et religions, éditions Maisonneuve et larose, paris 1986, pp, 38-44.
ينظر كذلك إلى ببليوغرافيا التي وضعها المؤلف للكتابات التي درست الأديان غير السماوية من صفحة49-79.
21ـ محمد خليفة حسن أحمد، دراسات في تاريخ وحضارة الشعوب السامية القديمة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، مصر، 1985، ص:127.
22-Le grand Atlas des religions, Hansch weizer.éditions du cerfs, paris,1997. pp.30-35.
23 ـ دراسات في تاريخ وحضارة الشعوب السامية القديمة،ص:128. ينظر كذلك Le grand Atlas des religions
24 - ابن حزم، الرد على ابن النغريلة اليهودي ورسائل أخرى، تحقيق إحساس عباس، مكتبة دار العروبة، القاهرة، 1960، ص: 14.
25 نفس المرجع –ص: 15.
26 ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل، وبهامشه الملل والنحل للشهر ستاني، دار المعرفة، بيروت 1983، المجلد الأول، ص: 117.
27 ابن حزم، الرد على ابن النغريلة اليهودي ورسائل أخرى، ص: 15.16
28 - Ali Tabari :riposte aux chrétiens, traductions française par:jean marie gaudel,pontificio istituto di studi arabia e d,islamistica(p.i.s.a.i) Roma,1995 ,p:5-
29 -سفر الخروج 20:33
30 - سفر الخروج 4:20
31 -سفر الزامير، 154:13
32 -انجيل يوحنا، 18:1
33 - انجيل يوحنا 14:8
34 - انجيل يوحنا ، 44:5
35 - انجيل يوحنا 41:8-42
36 - الرسالة الأولى إلى تيموثاوس 17:1
37 - الرسالة الأولى إلى تيموثاوس، 15:6-16
38 - الطبري، المرجع السابق، ينظر، ص 20-29
39 - نفس المرجع، ص: 33
40 - المرجع السابق، ص: 34-35
41 المرجع السابق، ص: 36
42 - نفس المرجع ص : 37-38
43 - الجاحظ ،المختار في الرد على النصارى ، تحقيق ودراسة، محمد عبد الله الشرقاوي ،دار الصحوة، القاهرة ،ط،1،1984، ص: 95-96
44 -نفس المرجع، ص: 100
45 -المرجع السابق، ص: 101
46 - المرجع السابق ،ص: 110-11
47 -المرجع السابق، ص: 104
48 - المائدة ، 18
49 -القرافي:الأجوبة الفاخرة،دار الكتب العلمية،بيروت،لبنان،1986م، ص: 105.
50 - نفس المرجع، ص: 112-114.
51 - القرافي، المرجع السابق، ص: 14-15
52 - الأنفال : 41
53- الحجر: 42
54 -القرافي،المرجع السابق،ص:99
55 نفس المرجع،ص:100
56 -نفس المرجع ،ص: 111
57 - المرجع السابق، ص: 33-35
58 - نفس المرجع ، ص: 37
59 نفس المرجع ص: 117
60 - نفس المرجع ص: 117
61 -نفس المرجع ص: 39
62 - نفس المرجع ص: 109
63 -نفس المرجع ص: 110
64 -المرجع السابق ص: 110
65 -نفس المرجع ص: 68
66 - نفس المرجع ص: 69
67 إنجيل يوحنا، 18:20
68 - نفس المرجع ص: 50
69 - نفس المرجع ص: 53
70 -ابن تيمية،الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح،مطابع المجد التجارية،القاهرة،ج2، ص: 92
71 - نفس المرجع ، ص: 94
72 - المرجع السابق، II، ص: 95
73 - إنجيل متى، 19:28
74 ابن تيمية ، المرجع السابق II، ص:97
75 - سفر المزامير 72
76 - سفر الخروج 22:4 وابن تيمية II، ص: 97-99
77 - المرجع السابق ص: 97
78 -نفس المرجع II ص: 100
79- نفس المرجع II ص: 101-111.
80 - المرجع السابق II ص: 112
81 - نفس المرجع II ، ص: 113
82 - نفس المرجع II ، ص: 113
83 - نفس المرجع II ، ص: 114
84- نفس المرجع ،ص: 115
85 - نفس المرجع، ص: 117ينظر كذلك من ص: 118-120
86 - المرجع السابق، II، ص: 250.
87 - نفس المرجع، II، ص: 250-251.
88 ، II، ص، 283.
89 - نفس المرجع،I ص: 14.
90 - الجوزيه، ابن القيم الجوزية،هداية الحيارى في اجوبة اليهود والنصارى،تحقيق،عصام فارس الخرساتي،توزيع المكتبة الثقافية،بيروت،1994م ،ينظر، ص: 287 إلى 298.
91 - المرجع السابق، ص: 341.
92 - نفس المرجع، ص: 341.
93 - نفس المرجع، ص: 344-352.
94ـ محمد بن أبي القاسم عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني، الملل والنحل الجزء الأوّل، مكتبة السلام العالمية، القاهرة، ص: 9-10..

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك