إشكالية الحوار بين الإسلام والغرب
إشكالية الحوار بين الإسلام والغرب
بقلم : محمد شركي
إن التباين بين حضارة الإسلام وحضارة الغرب يأخذ أشكالا مختلفة تنعكس على شتى مجالات الحياة وتتجلى في كل الآفاق. والتباين والخلاف هو نتيجة طبيعية لتعرض الأفعال والأقوال للاحتمالات والتأويلات الصادرة عن فهوم لها منطلقات وأسس عقدية مختلفة.
إن وجود التباين بين حضارتين متعاقبتين على فترتين زمنيتين تعاقب الريادة هو عبارة عن اعتراف ضمني بوجود كل واحدة منهما بالنسبة للأخرى ؛ وهو اعتراف وجود لا اعتراف الشرعية.
وهذا النوع من الاعتراف يقتضي وجود ظاهرة الحوار سواء تعلق الأمر بحوار المقال أم بحوار الحال.
والحوار في حد ذاته اعتراف بالوجود لا بالشرعية على حد تعبير المفكر الإسلامي محمد حسين فضل الله و عندما نعود إلى النص الديني الإسلامي نجد الحوار ضرورة وجودية تبدأ بحوار الملا الأعلى ( الذات الإلهية والملائكية والابليسية) وتمر بحوار إبليس وآدم وحوار أتباع آدم وأتباع إبليس ؛ وتنتهي بالحوار داخل المجتمع الآدمي على أساس مقولة الخير والشر وهي ثنائية وجودية.
والأصل في الحوار حسب النظرة القرآنية هو الوصول إلى الحقيقة عن طريق المعرفة ؛ لهذا يتميز القرآن بحواريته المتميزة ؛ وهو لا يدعي امتلاك الحقيقة بل يطلبها كغيره ( إنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) فهو يعترف بهداية وضلال عند هذا الطرف أو ذاك دون ادعاء امتلاكها قبل الحوار( تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) .
ويحرص القرآن على إضاءة ما خفي فيه وفي الآخر الذي يحاوره مما يجعل الحوار ضرورة لا مناص منها.
ولقد شهد التاريخ القديم ظاهرة الحوار في مختلف الحضارات كما هو شأن النموذج النمرودي والنموذج الفرعوني والنموذج النيروني ونموذج الديكتاتوريات الحديثة والمعاصرة بما فيه النموذج الاسرائلي الأمريكي؛ وهي نماذج ( ما أريكم إلا ما أرى ) ونماذج ( من ليس معي فهو ضدي ).
انه نموذج حوار الإقصاء والاستئصال يخلط بين الاعتراف بالوجود والاعتراف بالشرعية ؛ فالاعتراف بالوجود حتمية بينما الاعتراف بالشرعية مجرد ثقافة إذ لا تلزم شرعية مجتمع ما غيرها من المجتمعات نظرا لاختلاف الثقافات ومصادرها العقدية.
إن حوار الغرب مع الإسلام وهو موروث عن النماذج المسرودة أعلاه تتمثل اشكاليته في عدم الاعتراف ومحاولة طمس المعالم وإعادة صياغتها وكنموذج نذكر فكرة الشرق الأوسط الجديد ؛ فالغرب يرفض الشرق الأوسط كما هو لأنه لا يعترف بشرعيتة حتى لا نقول وجوده لأنه لا يمكن إنكار ما هو موجود.
إن الغرب يقدم نموذجه الوجودي كبديل عن غيره خصوصا الإسلام لهذا يسوق ويروج لقيمه ويقدمها بمصطلحات ذات قوة اغرائية من قبيل الديقراطية والحرية وحقوق الإنسان والعدالة والتسامح ....الخ بينما يقدم قيم الإسلام بمصطلحات ذات قوة تنفيرية من قبيل الظلامية والأصولية والتطرف والتعصب والإرهاب ....الخ.
وبالرغم من محاولات بعض الجهات غير ذات النفوذ السياسي في الغرب التمهيد للحوار بين الإسلام والغرب هنا وهناك في لقاءات ومؤتمرات يحضرها رموز عن هذا الطيف أو ذاك إلا أنها محاولات باءت بالفشل مرارا لأن الغرب يدخل الحوار بشروط نيرونية اقصائية مما يجعله حوار الطرشان يتكلمون ولا يسمع بعضهم بعضا كما قال محمد حسين فضل الله.
وعلى المستوى الرسمي حاول أصحاب القرار السياسي خلق حوار بين الغرب والإسلام فيما يتعلق بقضية الهوية في موضوع بقعة من الأرض تعكس الصراع بين الغرب والإسلام منذ قرون وهي أرض فلسطين؛ وهو حوار لا يختلف عن النماذج المذكورة أعلاه من حيث اعتماده الاقصائية والاستئصال لأن نتائجه تسطر سلفا مع سبق إصرار وترصد مما جعل كل المحاولات تبوء بالفشل في معسكر داود الأول والثاني ومدريد و|أسلو وواي ريرفر وشرم الشيخ ....الخ حوار معادلته الطرف القوي يمسك بزمام الحوار ويجذبه بقوة نحو مبتغاه وليس على الطرف الأضعف سوى التبعية والخضوع .
والإشكال الذي يطرحه تعثر الحوار بين الغرب والإسلام وعلى شتى الأصعدة هو الخلط بين اعتراف الوجود واعتراف الشرعية ؛ فالشعب الفلسطيني حقيقة وجودية على الأرض المحتلة وفي الشتات ؛ ووجوده لا يحتاج إلى شرعية الغرب. والغريب في هذا الطرح أن إسرائيل اعتمدت على وجودها أولا من خلال الهجرة إلى فلسطين لتحول هذا الوجود إلى شرعية متربصة تغتنم الفرص لتكرس هذه الشرعية وفق منطق ثقافة الغرب وهو ما لا تقبله من غيرها ؛ وهي شرعية ملغاة في الثقافة الإسلامية العربية.
إن الحوار بين الإسلام سيظل حوار حلقة مفرغة ما لم يعاد النظر فيه من خلال تنكب النظرة الاقصائية والاستئصالية والتذويبية التي تلغي الوجود من أجل تكريس شرعيتها هي حسب منطلقاتها العقدية.
لقد ثبت أن محاولة استبدال وجود بوجود لا يكتب لها النجاح فقد جاءت ما يسمى بالقيادة العراقية على ظهر دبابات المحتل الغربي ولم تجد لها شرعية عند العراقيين كما أوهمها بذلك المحتل وكما توهم هو أيضا لهذا يعرف الوضع ما يعرفه من عنف يعكس مدى شراسة المقاومة لشرعية غربية لا معنى لها في المنطقة وفي القاموس العربي ؛ وكذلك الحال بالنسبة للبنان وأفغانستان و فلسطين فالشرعية التي يضفيها الغرب على هذا الفصيل ويجرد غيره منها لم تستطع تغيير الواقع الوجودي لهذه المناطق.
إن الحوار الحقيقي والبناء والهادف بين الغرب والإسلام سواء تعلق الأمر بالجغرافية الطبيعية أوالبشرية أو بالثقافات والأفكار والفلسفات والإيديولوجيات...الخ لا بد له من أسس وهي الحق والعدل دون اختزالهما في قيم حضارية ضيقة لا تمثل إلا نفسها.
وسيكون الحوار بالفعل عندما يجلس على سبيل المثال بوش الأمريكي مع صدام العراقي ومع نصر الله اللبناني وهنية الفلسطيني ؛ ونجاد الإيراني ؛ وحتى مع ابن لادن السعودي .... الخ فيكون أولا الاعتراف بالوجود ثم الحوار بالحسنى ؛ وتجنب استراتيجية تسجيل النقط على طريقة حوار الملاكمة ؛ والإصغاء عوض التطرش والكلام بقدر الإنصات ؛ والتفكير في نتيجة منطقية تعطي لكل طرف وتنزع من كل طرف بقدر ما أخذ لأن العدالة لا تكون إلا كذلك ؛ ولا يتم الرضى بها إلا إذا كانت كذلك.
وأما حوار الإقصاء والاستئصال الذي يجعل العالم بؤر توتر وصراع مسلح فهو دليل على تردي الوضع البشري وتقهقره إلى درك أسفل من التخلف الذي لن يغني عنه التطور التكنولوجي شيئا ؛ فاذاما كان قديما اللباس لا يصنع الراهب ؛ فانه لا يمكنه أن يصنع اليوم الإنسان المتحضر؛ فبذلة بوش وغيره من حكام الغرب ورباط عنقه التي تعيرها الصحافة كبير اهتمام لن تجعله إنسان القرن الواحد والعشرين أبدا بل سيظل إنسان ما قبل زمن اكتشاف النار أو أبعد من ذلك بعقليته الاقصائية الاستئصالية ؛ والمضحك في هذه العقلية أنها تعتمد في وجودها وشرعيتها على قيمة القوة العسكرية وتعتبره من حقها وحدها دون سواها مسجلة بذلك وفي غرور لا حدود له نضجها الحضاري الذي يخول لها قيادة العالم بينما تصنف غيرها في أسفل درك السفاهة ؛ والحالة أن غيرها يسخر من طرحها المغرور ويصفها بأخس وأبشع النعوت إلى درجة التقزز من وجودها بل من مجرد شم رائحتها كما كان حال الرئيس شافيز الذي قال متهكما : ( لقد كان الشيطان هنا أقسم على ذلك صدقوني ) وذلك عندما غادر بوش مقعده في رواق هيئة الأمم بنيويورك.
إن الذي يقصي ويستأصل ولا يحاور حتما يقصى ويستأصل وان اختلفت أساليب الإقصاء والاستئصال .
المصدر: http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2006/11/02/61552.html