الأسس المنهجية للحوار مع الآخر وأهدافه
الأسس المنهجية للحوار مع الآخر وأهدافه
إعداد : أ. د. سليمان بن صالح القرعاوي
أستاذ الدراسات الإسلامية ، جامعة الملك فيصل، الأحساء
المملكة العربية السعودية
الحوار مع الآخر
أسسه وأهدافه
المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين ، وبعد :
فإن الحوار والجدل والتعليل والبرهان والاحتجاج كلها مصطلحات تتفق إلى حد بعيد في المنهج والغاية، وتستدعي طرفين وقضية أو موضوعاً يدعم فيه كل طرف أو من خلاله – الحجج التي يستند إليها في حواره أو جدله مع الآخر .
ويكون الحوار والجدل والتعليل والبرهان والاحتجاج صحيحاً ، إذا كان قائماً على مقدمات صحيحة وعلى منهج صحيح في الاستدلال والاستنباط والقياس والوصول إلى الحقائق( ) .
ومعنى الحوار هو الجدل أو المجادلة أو الاحتجاج أو المحاجة ؛ أوالتعليل أو البرهان .
وفي القرآن الكريم : [ المجادلة 1] وانظر المعجم الكبير( ) .
وقد جاء الجدل في الاصطلاح الإسلامي بمعنى الحوار ، حيث استعمل الجدل على لسان حملة الشرع في مقابلة الأدلة ، لظهور أرجحها ، وهو محمود إن كان للوقوف على الحق ، وإلا فمذموم . ويقال أول من تكلم في الجدل أبو علي الطبري . ( ) .
والجدل عند المنطقين هو القياس المؤلف من مقدمات مشهورة أو مسلمة ، وهي – أي المسلمات – قضايا توجد مع الخصم مسلمة ، أو تكون مسلمة فيما بين الخصوم ، فيبني عليها كل واحد منهم الكلام في دفع الآخر حقاً كانت، أو باطلة ، مشهورة كانت أو غير مشهورة ... وفي إرشاد القاصد : الجدل علم يتعرف به كيفية تقرير الحجج الشرعية من الجدل( ) .
ومن المصطلحات التي تتصل بالحوار والجدل ، المذهب الكلامي والاحتجاج ، والمحاجة ، والتعليل ، والاستدلال .
وقد فسر ابن أبي أُصَبْيعة المذهب الكلامي بقوله : "هو عبارة عن احتجاج المتكلم عن المعنى المقصود بحجة عقلية تقطع المعاند له فيه ؛ لأنه مأخوذ من علم الكلام الذي هو عبارة عن إثبات أصول الدين بالبراهين العقلية"( ) .
وقد ظهر في العصر الحديث مصطلح الحوار العلمي ، وهو الحوار القائم على التفكير العلمي الذي هو طريقه في النظر إلى الأمور التي تعتمد أساساً على العقل والبرهان المقنع – بالتجربة أو بالدليل( ) .
ولاشك أن لكل حوار قضايا يدور حولها ، ومنهج في فهم القضايا وإدارة الحوار ، وأهداف يسعى كل طرف للوصول إليها ، وتختلف الأهداف باختلاف القضايا واختلاف الأطراف .
فالحوار بين المسلم والمسلم ينطلق من مُسلَّمَاتٍ لدى الطرفين على وحدانية الله ، وعلى الإيمان بكتاب الله والاتفاق على المصالح المشتركة والأهداف العامة .
أما الحوار بين المسلمين وغير المسلمين ، فإن القضايا تختلف ، كما تختلف المناهج في إدارة الحوار ، وتختلف المسلمات وفق معتقدات كل أُمَّة .
وهكذا يأخذ الحوار شكله وموضوعه ، وفق الأطراف الداخلة فيه ، والأهداف المرجوة منه .
وهو حوار فكري يتصل بالنظرية والتطبيق ، ويستمد عناصره من الفكر والواقع ، ويحكمه المنهج العقلي الصحيح .
وينجز هذا الحوار كل من لديه الكفاءة من أبناء الأمة . فالرد على المخالفين لوسطية الأمة في الداخل والخارج – يقوم به كل من لديه العلم الصحيح من أفراد وجماعات ، كما أن ولي الأمر مسؤول مسؤولية كاملة عن توفير الوسائل التي تيسر للأمة الدفاع عن دينها ومعتقداتها وترد على مخالفيها وخصومها وأعدائها.
ولا شك أن الاختلاف ينقسم إلى خلاف بين أبناء الأمة الإسلامية ، واختلاف بين الأمة الإسلامية وغيرها من الأمم وهو ما نقصده بالآخر .
والخلافُ إمَّا خلاف تنوع ، وهو : عبارة عن الآراء المتعددة التي تصب في مشرب واحد .
وإمِّا خلاف في أصول الدين – ويشمل الخلاف مع غير المسلمين كلهم ، وكذلك الخلاف الداخل في الإسلام مع الفرق المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة ، كالقائلين بخلق القرآن ونفي القدر ، وتعطيل الأسماء والصفات أو تأويلها أو تشبيهها ، وتقديم النقل على العقل ، والتشكيك في حجية الآحاد ، وأصحاب الذوق والكشف .
وأمَّا الخلاف في فروع الدين فيشمل – خلاف ما هو مجمع عليه كتحريم المسكر وشرعية حجاب المرأة، والطلاق ، وتحريم الربا .
فالحوار الذي نتوجه به إلى المخالف في الداخل والخارج هو حوار ديني سياسي ثقافي ، أو هو حوار يمثل كل ما يتصل بالشخصية الوطنية والقومية والإسلامية من مكونات وتراث واسشراف للمستقبل الذي نطمح إلى أن يكون مستقبلاً كريماً آمناً يسوده الرخاء والسلام والعدل .
إن الأمور مع المخالف تظل متشابكة في الحس والعقل ، والطرق تظل متشابكة في النظر والفكر ، والباطل يظل متلبساً بالحق عند مفارق الطريق ، وتظل الحجة تفحم ولكن لا تقنع ، وتسكت ولكن لا يستجيب لها العقل والقلب ، ويظل الجدل عبثاً والمناقشة جهداً ضائعاً ، وذلك ما لم تكن هناك تقوى من الله تعالى ، ونور يهدي صاحبه ، فإذا وجد ذلك وغمر القلوب واستنار العقل – وضح الحق الأبلج ، وتكشف الطريق المبهم .
إن الحق في ذاته لا يخفى على الفطرة ، ولكن الهوى يحول بين الحق الفطرة ، والهوى ينشر الضباب ، ويحجب الرؤيا ، ويعمي المسالك ويخفي الدروب . وإذا كان الأمر كذلك ، فالهوى لا تدفعه الحجة فقط وإنما تدفعه الفطرة السليمة ، والطبع الصحيح ، والعقل الذي لا تعطله معاندة أو مكابرة وطغيان مصالح فاسدة.
فإن انعدم ذلك وجب أن نواجه المخالفين بالحجج الدامغة والبراهين القاطعة والأجوبة الشافية التي نرد بها على أباطيلهم .
إنهم يجهلون الإسلام ويتحدثون عنه حديثاً يعبّر عنه حقد وخوف وطمع في مقدرات الأمة ؛ فالحقد المتولد في نفوس كثير من الغربيين حقد نشأ عبر التاريخ ، وعبر ثقافة الاستعمار بدءاً من الحروب الصليبية إلى الاستعمار في العصر الحديث ، وقد نسبوا إلى الإسلام كل ردود الأفعال التي حدثت من المسلمين نتيجة للإحساس بالظلم والقهر الناشئ عن احتلال بلادهم ونهب ثرواتهم والإساءة لدينهم ومقدساتهم .
لقد تناسوا محاكم التفتيش ، ومقاصل الثروة الفرنسية ، وصكوك الغفران ، وقتل المسلمين في الأندلس وإكراههم على ترك دينهم ، ولكن كيف يتناسون الإبادة الجماعية للمسلمين في البوسنة والهرسك وكوسوفو .
إن نظرية المؤامرة ، وأجندات صنع التوتر لدى بعض الدول ومراكز القوى أمور يثبتها الواقع والمنصفون من الباحثين في الغرب ، فالأمر قد انتقل من تدبير المؤامرات ضد المسلمين والإسلام في السر إلى العلن إعلاماً وقتالاً وإثارة الفتن وحصاراً للدول الإسلامية وغير ذلك مما لا يخفى على أحد .
إن ما يرفضه المسلمون والإسلام من مبادئ ما بعد الحداثة ، ترفضه أيضاً المذاهب الدينية المسيحية واليهودية وغيرها ، إنهم يرفضون الإباحية المطلقة ، وتفكيك الأسرة ، وإلغاء مبدأ الذكورة والأنوثة ، والشذوذ الجنسي الذي يتزوج فيه الرجل رجلاً ، وتتزوج فيه المرأة امرأة ، أو المعاشرة الجنسية بغير زواج .
كل هذه الظواهر كانت سبباً في الأمراض النفسية التي أدت إلى ميل الكثيرين من شباب الغرب إلى الانتحار ، أو الأمراض الجسمية كالإيدز ، ورفضها ليس رفضاً لمبدأ الحرية بل رفضاً لمبدأ التحلل المدمر للمجتمع الإنساني.
إن الطعن في الإسلام يخالف كل المبادئ التي ادعى الغرب صحتها ودعا إلى التمسك بها .
يقول الدكتور نبيل لوقا بباوي في كتابه : "الإرهاب ليس صناعة إسلامية" الإسلام دائماً يتعرض للهجوم الشرس خاصة من المستشرقين أعداء الإسلام ، بعيداً عن البحث العلمي النزيه ، وكان غرضهم دائماً تشويه صورة الإسلام والمسلمين لتعصبهم الذي يجري بدمهم ضد الإسلام . وكان هدفهم الأكبر تشويه صورة الإسلام أمام المجتمع الأوربي ، وكان المستشرقون يستغلون لبناء آرائهم بعض الفتاوى التي يطلقها البعض في زمن ضاق فيه الأفق لا يقرها القرآن والسنة النبوية الشريفة ، ويستغلون تصرفات وفتاوى بعض جماعات العنف الذين ينسبون أنفسهم إلى الإسلام ، ولكن صحيح الدين الإسلامي منهم برئ؛ لأن تصرفاتهم لا يقرها القرآن أو السنة النبوية الشريفة( ) .
وقد بينا مفهوم الحوار مع الآخر ويبقى أن نوضح مفهوم المحورين اللذين تناولهما البحث وهما الأسس والأهداف .
وبادئ ذي بدءٍ نقول : إن أي بحث يتناول موضوعاً من الموضوعات لابد أن يتضمن الأسس التي يقوم عليها والأهداف التي يرمي إليها ، وهذا هو الحد الضروري لتمام البحث .
والأسس : جمع أساس ، والأساس : أصل البناء ، ويقال : بني بيته على أساسه الأول( ) ، وعن عائشة رضي الله عنهما ، قالت : قال لي رسول الله - - : "لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه السلام..." ( ) .
والأساس : أصْلُ كل شيء ، ومُبْتَدؤُه .
فأسس الحوار هو الدعائم والقواعد التي لابد أن ينبني عليها الحوار ، لكي تتحقق أهدافه ، والأهداف هي الأغراض التي نرجوها من عمل ما . وأهداف الحوار مع الآخر هي ما نرمي إليه من حوارنا معه على المستوى القريب والبعيد، والخاص والعام ، والثقافي والسياسي ، والمادي والمعنوي ، ووضوح الأهداف شرط لنجاح الحوار.
وتقويم الحوار يكون بفحص الأهداف المتوخاة منه ، والأهداف التي تحققت به . ويقاس النجاح وفق نسبة تحقق هذه الأهداف .
وقد تُقدم أهداف الحوار على الأسس التي يقوم عليها، أو تُقدم الأسس على الأهداف ، لكن المهم أنه لا يمكننا فصلهما ؛ لأننا من خلال الأسس نستنبط أكثر الأهداف ، والأسس تمثل ضوابط للأهداف مثلما تمثل الأهداف ضوابط للأسس .
المبحث الأول : أسس الحوار مع الآخر
لكي نقيم حواراً مفيداً مع الآخر لابد أن نستند إلى أسس موضوعية وواقعية صحيحة ، أسس نَسْتَمدها من ديننا الحنيف وتستجيب لروح العصر دون مخالفة للدين .
وأهم تلك الأسس :
أولاً : التخطيط والتنظيم :
قدمت ديانا كونيرز بعض التعريفات للتخطيط ، نقدم أربعة منها ؛ لأنها توضح أهم السمات العامة لهذا المصطلح :
1- إن التخطيط في جوهره محاولة منظمة ، إرادية ومستمرة ؛ لاختيار أفضل البدائل المتاحة لتحقيق أهداف معينة .
2- حين نتحدث عن التخطيط – فلابد أن يدور تفكيرنا وبالتأكيد – لاتخاذ القرار ، ومن هنا فهناك طريق أفضل بالنسبة لاتخاذ القرار ، وذلك بالعمل على الأخذ في الحسبان بيانات أكثر عن الأحداث أو النتائج التي تمتد كثيراً إلى المستقبل .
3- التخطيط هو إعمال الفكر في التعامل مع الحقائق والمواقف كما هي ، والبحث عن سبيل لحل المشكلات .
4- التخطيط هو التطبيق العقلاني للمعرفة الإنسانية ، فيما يخص عملية الوصول إلى قرارات تستخدم كأساس للعمل الإنساني( ) .
ولا شك أن التنظيم والتخطيط هما الوسيلة الصحيحة لأي عمل . وهما أساس التفكير العلمي السليم . فالتفكير العلمي من أهم سماته التنظيم "أي أننا لا نترك أفكارنا تسير حرة طليقة ، وإنما نرتبها بطريقة محددة، وننظمها عن وعي" ، ونبذل جهداً مقصوداً من أجل تحقيق أفضل تخطيط ممكن للطريقة التي نفكر بها ، ولكي نصل إلى هذا التنظيم ينبغي أن نتغلب على كثير من عاداتنا ، ويجب أن نتعود على إخضاع تفكيرنا لإرادتنا الواعية، وتركيز عقولنا في الموضوع الذي نبحثه ، وكلها أمور شاقة تحتاج إلى مران خاص ، وتصقلها الممارسة المستمرة( ) .
إن المنهج العلمي الذي يساعدنا على فهم أعمق ومعرفة أصح لأنفسنا وعالمنا وما يتصل بذلك من قضايا، منهج شاركت الأمة الإسلامية في تأسيسه .
يقول الدكتور عبدالحليم محمود : "إن مشكلة التعارض بين الدين والعلم إنما نشأت في أوروبا بعيدة عن الجو الإسلامي ، إنها تصور نزاعاً في بيئة بعيدة كل البعد عن الروح الإسلامية التي حثت على التعليم والتعلم، والتي نشأ المنهج العلمي – الذي يعتبرونه حديثاً – بين ربوعها قديماً .. وما من شك في أن الحضارة الإسلامية هي – كما يقول الأستاذ بريفولت : التي قدمت إلى الحضارة العربية الحديثة المنهج العلمي ، وأصول العلم نفسه" ( ) .
ويقول الدكتور محمود زقزوق : "الإسلام بوصفه دين الفطرة يراعي مع سنن الحياة ولا يصادم الفطرة الإنسانية، ومن أجل ذلك يشجع الإسلام التجديد المستمر لحركة الحياة والمجتمع من أجل الوصول إلى الأفضل في جميع مجالات الحياة ، ومن هنا كانت دعوة النبي إلى التجديد دعوة واضحة صريحة لا تقبل التأويل ، حين قال : "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنةٍ من يجدِّدُ لها دينها" ( ).
والتجديد المقصود ليس أمراً عشوائياً ، ولا ينطلق من فراغ ، وإنما هو تجديد يتوقف على فهم الواقع ، من أجل الكشف عما فيه من سلبيات ، للانطلاق من ذلك الفهم إلى تصحيح الأوضاع ، ، وتمهيد السبل لإثراء الحياة بالمزيد من الإبداع الذي يضيف جديداً إلى دنيا الناس في جميع المجالات ، الأمر الذي من شأنه أن يصلح لهم دينهم ودنياهم على السواء( ) .
إن التنظيم والتخطيط يتطلبان مجهوداً رسميًا وشعبيًا ، فلا بد من مراكز أبحاث تلتقي فيها نخبة العلماء المسلمين الذين يمثلون كل الدول والشعوب والمذاهب الإسلامية . وأن تكون هناك قنوات اتصال بين كل المراكز البحثية الإسلامية والمجالس الإسلامية في كل دول العالم . وأن تتوفر الآليات والأدوات والوسائل لوضع الخطط موضع التنفيذ عن طريق القنوات الفضائية والإذاعات والصحف وشبكات الانترنت والكتب والمنشورات والمؤتمرات . ولابد للخطة أن تشمل كل ما يقترح من أسس وأهداف ووسائل ، وأن تقترح المنهج الذي تقوم عليه هذه الخطة والذي يمكننا من تنفيذها .
ويرى الدكتور يوسف القرضاوي أنه : "يراد بالتخطيط وضع خطة لمواجهة احتمالات المستقبل ، وتحقيق الأهداف المنشودة .
ومن الناس من يتصور ، أو يصور الدين في موقف المعارض أو المناقض لفكرة التخطيط العلمي للمستقبل. والحقيقة أن فكرة الدين في جوهرها قائمة على أساس التخطيط للمستقبل . ففيه يأخذ المرء المتدين من يومه لغده ، ومن حياته لموته ، ومن دنياه لآخرته ، ولابد له أن يخطط حياته ، ويضع لنفسه منهاجاً يوصله إلى الغاية وهي رضوان الله ومثوبته .
وقد رد الإمام الطبري على من زعم أن تعاطي الأسباب يؤثر في كمال التوكل فقال : الحق أن من وثق بالله، وأيقن أن قضاءه عليه ماض ، لم يقدح في توكله تعاطيه الأسباب ، إتباعاً لسنته وسنة رسوله ، فقد ظاهر بين درعين ، ولبس على رأسه المغفر . وأقعد الرماة على فم الشعب ، وخندق حول المدينة ، وأذن في الهجرة إلى الحبشة ، وإلى المدينة ، وهاجر هو ، وتعاطى أسباب الأكل والشرب ، وادخر لأهله قوتهم ، ولم ينتظر أن ينزل عليه من السماء ، وهو كان أحق الخلق أن يحصل له ذلك( ) .
ولاشك أن الحوار مع الآخر يستوجب خطة محددة تبين القضايا موضع الخلاف ، والأسس التي يجب أن يقوم عليها الحوار ، والأساليب والوسائل اللازمة لإنجاحه مع تحديد الأهداف المطلوب تحقيقها من هذا الحوار، وتقويم الخطة وما أنجز منها ، وما ترتب عليها من آثار إيجابية وسلبية إن وجدت ، على أن يقوم بإنجاز هذه الخطة مسؤولون متخصصون معروفون بالاعتدال والفطنة والإنصاف والعدالة ، وقد بينت الشريعة هذه الشروط والصفات التي يجب أن تتوفر في علماء الأمة الثقات .
ثانياً : المنهج الصحيح :
يتضمن المنهج المحتوى المعرفي الذي نقدمه لفئة أو جماعة بعينها وآليات تقديم هذا المحتوى وعرضه وتوصيله ، وأهداف خاصة بالمحتوى المعرفي ، وأهداف عامة تتصل بالمجال المعرفي .
ولاشك أن لكل مقام مقال ، والحوار الفكري الذي نريد أن نطوره ، وأن نعمل على تفعيله وتقويمه يتطلب منا- عند وضع الخطة- معرفة الأسلوب الذي يجب أن نتعامل به مع المخالفين في إطار الأمة ، وخارج نطاق الأمة على المستوى العالمي.
وإذا كانت أسس الحوار لا تنفك عن أهدافه ، فإن صحة الأهداف ووضوحها وخيرتها تمكننا من تقويم المنهج الذي نتبعه وتحديد ضوابطه وآليات تنفيذه ، كما تمكننا من تحديد معوقات هذا التنفيذ على المستوى النظري والتطبيقي .
وقد حدد الدكتور عبدالله الطريقي الضوابط المنهجية للحوار الفكري باثني عشر ضابطاً نكتفي بذكر العناوين دون التفصيلات ؛ لوضوح المقصود ؛ لما لها من فائدة ، وسوف نضع تفسيراً أو تعليقاً مع كل ضابط بين قوسين ، والضوابط هي :
1- ضبط النفس (بالنسبة للعالم ) .
2- القول الحسن (من العالم ) .
3- تَحَرِّي محل الوفاق والخلاف (بين المتحاورين) .
4- عدم قبول الدعوى بدون دليل .
5- الاستدلال بالأدلة الشرعية فالأدلة العقلية لابد أن تستند إلى أساس شرعي .
6- الاستدلال بالأدلة الأقوى ثم ما يليه .
7- توثيق المعلومات . (محتوى الخطاب) .
8- الأمانة العلمية .
9- إفساح المجال للخصم .
10- مراعاة ظروف الخصم .
11- التسليم بالأمور الظاهرة وعدم المكابرة .
12- ترك المبالغات والتهاويل( ) .
وهذه الضوابط بعضها خاص بالعلماء الذين يتحملون مسؤولية الدعوة الإسلامية .
كما قدم الدكتور سيف الدين عبدالفتاح مع غيره من الباحثين ضابطاً منهجياً فيما يتصل بأصول عملية الاجتهاد الحضاري فقال : "إن عملية الاجتهاد الحضاري تتضمن أصولاً ثلاثة تحرك عناصر ومناطق : فقه الواقع، وفقه النظر ، وفقه التنزيل والتطبيق" .
وفيما يتصل بفقه النظر – فإنه يشير إلى الإمكانات التي تحدد رؤية التأسيس وإمكاناتها ، إنها بدورها تضم عملياً فرعية مشتقة .
إن فكرة النظر والتنظير : تحتاج منا إلى التعرف على أصول هذا النظام المعرفي، وهي :
• تشير إلى مناهج النظر في ضوء ارتباط أصول هذا الفقه بمناطق بحث فرعية.
• تشير إلى منظومة المصادر ، فيما يتعلق بمصادر التأسيس ، والمصادر الخادمة ، وعلوم الرسائل والآليات ، وعلوم المقاصد والغايات .
• ويتفرع عن فقه النظر فقه المعلومات ؛ حتى يتمكن الباحث من وضعها في مكانها اللائق .
• إنه كما يتناول مناهج النظر ويحرك عناصر الاهتمام بطرائق التناول .
• يحدد العناصر المهمة التي ترتبط بفقه السؤال .. يقولون السؤال الصحيح نصف الإجابة .
• كما يحدد التعامل مع عناصر التحليل .
• ويحدد التعامل مع البناء المفاهيمي .
• كما يحدد جملة العناصر التي تحدد جملة العمليات المنهجية الأخرى في تتابع بنياني ، يحرك مناهج وصف ورصد ، تتمتع بضوابط منهاجية .
هو إذن مقدمات تأصيلية وتنظيرية ومنهاجية في التعامل مع الظواهر والوقائع بحيث تتحرك ضمن التزام منهجي وأصول تعامل بحثي .
أما عن فقه الواقع : الواقع وفق أصول هذا التحليل ليس نقطة زمنية معينة، بل هو في غالب الأمر يشير إلى الحاضر المعاش بكل تكويناته ، كما يشير –وبنفس القدر- إلى ما وقع في الماضي والتاريخ ، والمتوقع (الامتداد الزمني في المستقبل) بما يحقق أصول الاعتبار ومقتضيات التدبير ، فالمتوقع يشير إلى البحث في المآل بما يحرك المقدمات للتفكير في الاستقبال وبما يحرك التدبر والتدبير والتخطيط .
وفقه الواقع هو ضمن عناصر منظومة أشرنا إلى عناصرها تحرك عناصر الاجتهاد والبحث والتجديد الحضاري والنظر المعرفي هي فقه النظر ، الواقع ، التنزيل ، وهذه المستويات سواء كانت على هذا الترتيب أو غيره وفق مقتضيات متنوعة ، لا يمكن أن ترتبط حلقاتها إلا بما يمكن تسميته بفقه المنهج .
على أن فقه الواقع يجب أن يتم في إطار مجموعة من الضوابط والحدود أهمها:
- هو ابتداء ينصرف إلى فقه القضايا الكلية واستيعابها جملة في إطار الالتزام العام بروح الإسلام ومقاصده الكلية .
- يشكل فقه الأوليات جزءاً من فقه الواقع ، وحيث أن هناك من القضايا التي لا تحتل المكانة الجديرة بها من اهتمام المسلمين، بينما قصدوا إلى قضايا ثانوية.
- ليس من المحتم أو الضروري أن تفضي هذه المعالجة لقضايا الواقع إلى حلول مجمع عليها ، ذلك أن الخلاف الفقهي مع تحقق شرائط الاجتهاد ضوابطه لا ينبغي أن يؤدي إلى تفرق أو شقاق .
- إذا كانت منهاجية فقه الواقع تقوم على أساس من الشورى وإجماع أهل الرأي ،" فإن تلك العملية تتم في ضوء الاحتكام إلى مبادئ الشرع ومقاصده ، دون أن تنصرف إطلاقاً لتشتمل أي شكل مما يحدث في إطار قواعد اللعبة السياسية في النظم الغربية من حلول وسط أو تنازلات متبادلة إلى غير ذلك من المواقف والأوضاع التي تعكس علاقات قوى ومصالح البشر بعضهم ببعض .
- وفقه الواقع إذ يقوم في جوهره على النظر في القضايا المحدودة والحوادث المستجدة ، لا يعني ذلك تحكيم هذا الواقع واستمراره . بل يعني بالأساس تأكيد واستمرارية قدرة الشرع وصلاحيته لحكم هذا الواقع أبداً (اعتبار الواقعية لا تحكمه) .
- ينبغي أن يحظى الجانب السياسي من هذا الواقع في تلك العملية بمكانة مهمة ومغيرة .
- إحساس المجتهد وانفعاله وتفاعله مع الواقع المعاش وضرورة معايشته المناخ الثقافي والفكري الإسلامي المنبثق عن مصادر الإسلام ، وعن واقع اجتماعي حياتي إسلامي يغذي عقل المجتهد بقضاياه وأسئلته.
- يرتبط فقه الحكم وفقه الواقع بفقه التنزيل ، بما يتضمنه من تنزيل الحكم على الواقع بحيث يقومه ويصحح حركته ، ويحقق للحكم هيمنته الكاملة على هذا الواقع في ضوء اعتبار أهم معطيات هذا الواقع وعدم القفز عليها( ) .
وهكذا نرى أن المنهج ليس مجرد طريقة أو أسلوب لتوصيل رسالة أو خطاب إلى فرد أو جماعة أو أمة، وإنما هو مخطط شامل له أسسه وضوابطه وآلياته .
ثالثاً : الدعوة القائمة على العلم والداعية المجتهد الملتزم :
إن الدعوة الرشيدة ينبغي أن تتأسس على علم صحيح ، وداعية مسلم عالم عدل مستقيم عامل بالكتاب وبالسنة ، ولابد للعلم من عالم مجتهد عامل بكل ما يتصل بالشريعة والواقع كما أشرنا .
ولاشك أن الخطاب الذي نتوجه به إلى العالم هو خطاب يقوم على خيرية الأمة ، تلك الخيرية المتجذرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وقد اشترط الإمام ابن تيمية العلم لأي أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر واستشهد بقول عمر بن عبدالعزيز – العلم أمام العمل والعمل تابعه .
ولابد للعالم من الرفق كما قال النبي : "ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، ولا كان العنف في شيء إلا شانه" ( ) .
وقال : "إن الله يحب الرفق في الأمر كله" ( ) .
ولابد للعالم أن يكون حليماً صبوراً على الأذى ، كما قال لقمان : • • ( ) .
فلابد من هذه الثلاثة : العلم ، الرفق ، الصبر :
• العلم قبل الأمر والنهي .
• والرفق معه .
• والصبر بعده .
وقد جاء في الأثر عن بعض السلف ورووه مرفوعاً ، ذكر القاضي أبو يعلى في المعتمد : "لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيهاً فيما يأمر به. فقيهاً فيما ينهى عنه ، رفيقاً فيما يأمر به ، رفيقاً فيما ينهى عنه ، حليماً فيما يأمر به ، حليماً فيما ينهى عنه" ( ) .
أهم صفات الداعية :
1) العلم : الذي يجمع بين العلم الشرعي والعلوم الأخرى التي تساعده على فهم الواقع والتعامل معه . وهناك مراجع تتحدث عن ثقافة الداعية . من هذه المراجع "ثقافة الداعية" للدكتور يوسف القرضاوي، وتشمل الثقافة ما يأتي:
أ- القرآن وتفسيره : والاستدلال بآلياته ، والحذر من سوء التأويل وتحريف الكلم عن مواضعه ، وعلوم القرآن وإعجازه وتفسيره مع الاهتمام بلباب القرآن ، والإعراض عن الإسرائيليات ، والحذر من الروايات الموضوعة والضعيفة والآراء الفاسدة .
ب- السنة النبوية : وتشمل كل ما يتصل بكتب الحديث الصحاح والمسانيد وعلوم الحديث ، ومعرفة الأحاديث الضعيفة والموضوعة .
ج- الفقه ، وعلم أصول الفقه والنظام الإسلامي .
د- الثقافة التاريخية .
ه- الثقافة الأدبية واللغوية .
و- الثقافة الإنسانية .
ز- الثقافة العلمية .
ح- الثقافة الواقعية وتشمل :
• واقع العالم الإسلامي .
• واقع القوى العالمية المعادية للإسلام .
• واقع الأديان المعاصرة .
• واقع المذاهب السياسية المعاصرة .
• واقع الحركات الإسلامية المعاصرة .
• واقع الفرق المنشقة عن الإسلام .
• واقع البيئة المحلية( ) .
2) الصدق والتزام الحق ، والتجرد من الهوى ، والبعد عن المغالطة ،والتزام الحيدة والموضوعية :
لاشك في أن أي حوار يتحرى فيه صاحبه الصدق ويلتزم الحق ويتجرد من الهوى ويبتعد عن المغالطة ، حوار مثمر يحقق من خلاله صاحبه احترام الذات واحترام الغير إذا كان منصفاً .
وقد وصف الله الأنبياء بالصدق فقال تعالى : ( ) ، وقال تعالى : ( ) .
والأوامر الإلهية تدعو إلى قول الحق وتجنب الباطل ، يقول تعالى : • • ( ) . وقال تعالى : • • ( ) .
وتدعو الأحاديث الشريفة إلى قول الحق ، ومن ذلك قوله –عليه الصلاة والسلام : "قل الحق وإن كان مراً"( ) . "قل الحق ولو على نفسك" ( ) . "قل الحق ولا تخف في الله لومة لائم" ( ) .
إن التزام الحق والصدق ، والبعد عن الأكاذيب التي تضر أكثر مما تنفع ، ضرورة لتحقيق أهداف الحوار موضوعياً ومنهجياً ، والسياسة الرشيدة هي التي تعتمد على خطاب أساسه الصدق والموضوعية والحق ، والبعد عن المهاترات والمغالطات والأكاذيب .
وهذا الصدق والموضوعية والتزام الحق ، يحقق للسياسة فعاليتها ، سواء أكان الحوار موجهاً إلى الداخل أم إلى الخارج ، كما يحقق ثقة الآخر في ذلك الخطاب، ولاشك أن التزام الحيدة شرط للقول الصادق ، والصدق أساس للحياد والموضوعية ، ولا يتحقق الحياد والموضوعية بغير صدق .
3) العدل والإنصاف ، والإقرار بالمساواة ، والبعد عن التعصب والتسلط :
إن الحوار المبني على العدل والإنصاف يعني أن الإقرار بالحق واجب أياً كان مصدره مع وجوب تخليص حجج الخصم من أي شبهة ، والاحتراز في أي موافقة . فإن الإقرار بحق الخصم لابد أن يكون حكماً صحيحاً، والعدل والإنصاف يقتضي أن يكون الحوار مبنياً على الحكمة والفهم وسعة الصدر مع الموافق والمخالف على السواء ، ومع الخصوم والأعداء .
يقول تعالى : • • ( ).
ويقول تعالى : • • • ( ) .
قال محمد بن جرير الطبري في تفسير هذه الآية : يا أيها الذين آمنوا بالله وبرسوله محمد ، ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيام لله ، شهداء بالعدل في أوليائكم وأعدائكم ، ولا تجوروا في أحكامكم وأفعالكم فتجاوزوا ما حددت لكم في أعدائكم لعدواتهم لكم ، ولا تقصروا فيما حددت لكم من أحكامي وحدودي في أوليائكم لولايتهم لكم ، لكن انتهوا في جميعهم إلى حدي واعملوا فيه بأمري( ) .
فالله يحب العدل من الموافق والمخالف ، وما يضر المتعصب إلا نفسه( ) .
والمناظرة والمحاجة لا تنفع إلا مع العدل والإنصاف . وإلا فالظالم يجحد الحق الذي يعلمه . أو يمتنع عن الاستماع والنظر في طريق العلم( ) .
وعلينا في تمسكنا بالعدل مع الموافق والمخالف – أن نتجنب رياء العدل ، فنحكم للخصوم ونشهد لهم على غير حق ليقال إننا عادلون ، فأظلم الناس من ظلم نفسه ، وظلم القريب ظلم ، مثلما أن ظلم البعيد ظلم .
ومن تجاوز العدل في الخطاب والحوار والكيل بمكيالين ، وهو ما نراه من القوى العظمى في تناولها لقضايانا العادلة ، حيث يبيحون لأنفسهم ما يحرمونه على غيرهم ، وقد حرم الله ذلك حيث قال تعالى : •• • ( ) .
قال السعدي في تفسير ذلك : "دلت الآية الكريمة على أن الإنسان كما يأخذ من الناس الذي له يجب أن يعطيهم كل ما لهم من الأموال والمعاملات ، بل ويدخل في عموم هذا الحجج والمقالات ؛ فإنه كما أن المتناظرين قد جرت العادة أن كل واحد منهما يحرص على ماله من الحجج فيجب عليه أن يبين ما لخصمه من الحجة التي لا يعلمها وأن ينظر في أدلة خصمه ، كما ينظر في أدلته أيضاً ، وفي هذا الموضوع يعرف إنصاف الإنسان من تعصبه واعتسافه ، وتواضعه من كبره ، وعقله من سفهه( ) .
فهل يجد مكابر بعد هذا شبهةً في عدل الإنسان وإنصاف في العمل والقول فلا كيل بمكيالين في الإسلام لا مكيال في المادة والأعمال ولا في مكيال المعاني والأقوال ؟
وتحدث الإمام ابن تيمية عن الإنصاف مع المخالف فقال : "إن الله قد أمرنا ألا نقول عليه إلا الحق ، وألا نقول عليه إلا بعلم ، وأمرنا بالعدل والقسط ، فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني – فضلاً عن الرافض – قولاً فيه حق أن نتركه أو نرده كله ، بل لا نرد إلا ما فيه من الباطل دون ما فيه من الحق( ) .
وقد جاء في السنة النبوية : "الكِبْرُ : بطرُ الحقِّ وغمطُ الناسِ" ( ) . وقال النووي : بطر الحق هو دفعه وإنكاره ترفعاً وتجبراً ، وغمط الناس : استحقارهم( ) .
قال المنذري : أخرج مسلم في الصحيح من حديث عبدالله بن مسعود - - عن النبي " "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة ، قال : إن الله جميلٌ يحب الجمال . الكبر بطر الحق وغمط الناس" فالإسلام ينهى عن الكبر الذي هو إنكار الحق ترفعاً عن الناس وتجبراً عليهم( ) .
3) سلامة القصد وحسن النية والإخلاص في العمل :
إذا كان الهدف من الحوار تحقيق الصلاح بين أبناء الأمة ، وبين أبناء الأمة والأمم الأخرى فإن تحقيق الصلاح ممكن .
وقد قال رسول الله : "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" ( ) .
وسلامة القصد وحسن النية يستوجبان صحة ما ندعو إليه وخيرية الدعوة ، فلا يمكن أن ندعو إلى غير الحق وندعي سلامة القصد أو حسن النية .
والإخلاص في العمل لابد أن يكون قائماً على أساس من سلامة القصد والنية الحسنة . فالمسلم الحق وهو يتعامل مع مخالفه لابد أولاً أن تكون نيته حسنة طيبة خالصة لله ، لا يبتغي من وراء ذلك أي هدف آخر مغاير، كالانتصار للنفس ، وحب الظهور والتحامل والتعصب للرأي المحض أو لإمام أو لمذهب أو لجماعة أو لحزب أو غير ذلك . وهي أهداف تفسد دون شك الرأي وتعكر الموقف ، وتصرف عن الحق( ).
إن سوء النية ، والخداع والمغالطة ، تقود المخالف إلى رفض الخطاب الذي نتوجه به إليه ، وهو رفض له أسبابه الموضوعية ، هذا فضلاً عن أن الباطل لابد أن ينكشف ولابد أن تنكشف الخدع التي نتوجه بها إلى المخالف لنا .
إن رسالة الأمة وخيرية رسالتها تحددت في قوله تعالى : • ( ) .
في وصفه تعالى لنبينا : ( ).
وقوله عليه الصلاة والسلام : "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ( ).
وتكشف الآية عن إقرار الرسول باتصال الرسالة وأن الرسالة الخاتمة التي جاء بها من عند ربه هي لإتمام ما سبقه وتصحيحه .
وعلى أية حال فإن التخطيط والتنظيم والصدق والتزام الحق والتجرد من الهوى والبعد عن المغالطة ، والتزام الحياد والموضوعية ، كل ذلك يؤسس خطاباً جيداً مع سلامة القصد وحسن النية والإخلاص في العمل فإذا أضفنا إلى هذه الأسس العامة المنهج الصحيح ، كان الخطاب متميزاً والحوار فعالاً ، وتحقق الهدف المؤدي إلى التأثير المطلوب ، وقد بين الدكتور حامد الرفاعي الأسس النظرية للمنهج الإسلامي فيما يأتي :
1- إن الإنسان مستخلف بأمر ربه وخالقه في الأرض .
2- إن عمارة الأرض هي مهمة الاستخلاف وغايته .
3- إن الله سبحانه وتعالى وضع منهجاً متكاملاً لمهمة الاستخلاف في الأرض .
4- إن الله تعالى أرسل رسلاً ليبلغوا الإنسان حيث كان مادة المنهج وقيمه ومبادئه .
5- إن منهج الاستخلاف الرباني المبلغ للناس جميعاً يقوم على مرتكزين : مرتكز مادي ، ومرتكز قيمي .
6- إن العبودية الخالصة لله مطلب أساسي في منهج الاستخلاف الرباني .
7- إن الله سبحانه قد انصف في موقفهم من منهجه الذي اختاره لهم : المؤمنين به ، والكافرين به – على السواء – دون بخس لحق كل منهم في الحياة الدنيا وعمارتها .
8- إن مرتكز القيم في منهج الإسلام أساس لترشيد وتسديد وضبط سير فعاليات المرتكز المادي ووسائله ومهاراته .
9- مرتكز القيم في منهج الإسلام هو عقيدة وفكرة ، ومنهج ونظام .
10- إن التكامل الدقيق بين العقيدة والفكرة والمنهج والنظام في الإسلام من مقتضى تحقيق منهج الاستخلاف الرباني .
11- منهج الإسلام يرفض فرض العقيدة بالإكراه ولكن يطلب من الناس ويرغبهم في الأخذ بفكرة الإسلام ومنهجه ونظامه لصحة سير العطاء الحضاري .
12- المسلمون يؤمنون بأنهم شركاء مع غيرهم في ميادين المرتكز المادي ووسائله ومهاراته في عمارة الأرض ، إلا أنهم يتحملون واجباً ربانياً في تقديم مبادئ وتعاليم وقيم منهج الاستخلاف الرباني لتسديد وترشيد السير الحضاري لعمارة الأرض( ) .
المبحث الثاني : الأهداف :
أشرنا إلى أن أي عمل نريد إنجازه – يستوجب وجود أهداف عامة وأهداف خاصة نسعى إلى تحقيقها من هذا العمل ، ويقاس نجاحنا في ذلك بتحقق الأهداف التي حددناها .
ولاشك أن الهدف الرئيس من حوارنا مع الآخر هو هدم منظومة الأفكار والأعراف والاتجاهات الخاطئة حول الدين الإسلامي ، وبناء منظومة جديدة صحيحة تتفق وثوابت الشريعة من ناحية ، ومع روح العصر والمصالح العامة والخاصة من ناحية أخرى . وهذه الأهداف هي :
أولاً : الإسهام في تحقيق المقاصد العامة للشريعة الإسلامية :
المراد بأهداف الشريعة – مقاصدها التي شرعت لتحقيقها ، ومقاصد الشارع هي المصالح التي تعود على العباد في دنياهم وأخراهم ، سواء أكان تحصيلها عن طريق جلب المنافع ، أو عن طريق دفع المضار( ) .
والمقاصد إما أن تكون ضرورية ، أو حاجية ، أو تحسينية ، وقد أحصى العلماء المقاصد الضرورية في خمسة هي :
1. حفظ الدين .
2. حفظ النفس .
3. حفظ النسل .
4. حفظ العقل .
5. حفظ المال .
فلو اختل واحد من هذه الأمور الخمسة لاختلت لأجله الحياة ، فلو فقد المال لما عاش إنسان ، ولو فقد النسل لبقيت الدنيا إلى أجل محدود ، ولو اختل العقل لاختلت الدنيا وكانت دنيا حيوان أعجم لا دنيا إنسان مفكر وكائن مكرم ومفضل بمزيد العقل ، ولو اختلت النفس وأهدرت لما هدأت الحياة ولا بقيت ، ولو ذهب الدين لعادت فوضى الجاهلية وعاش الناس في قلق واضطراب( ) .
من أجل ذلك جعل العلماء هذه الأمور الخمسة مما تدعو ضرورة الحياة إلى حفظها ، واتفقت الملل والشرائع على وجوب المحافظة عليها ، وقد شرع الله لحفظ هذه الضروريات أحكاماً لوجودها ، وأخرى للمحافظة عليها حتى لا تنعدم بعد الوجود( ) .
ونرى أن نقدم تعريفاً موجزاً بالمقاصد العامة للشريعة :
1-حفظ الدين :
الدين هو وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم إياه إلى الصلاح في الحال ، والفلاح في المآل ، وهذا يشمل العقائد والأعمال( ) .
فقوله : وضع إلهي خرج به الوضع البشري .. ونأخذ من هذا أن الدين على حقيقته الكاملة المصدوقة لا يمكن حدوثه بالإكراه ، هذا وضح من قوله تعالى : ( ) .
والمراد بالصلاح في الحال :سعادة الدنيا ، وبالفلاح في المآل : سعادة الآخرة بفوز المكلف بالنعيم المقيم، والنجاة من عذاب الجحيم .
ويمكن القول بأن الدين هو القواعد الإلهية التي بعث الله بها الرسل ؛ لترشد الناس إلى الحق في الاعتقاد ، وإلى الخير في السلوك والمعاملة ، وبدخولهم في إطار تلك القواعد والخضوع لها أمراً ونهياً – يحصل لهم سعادة الدنيا والآخرة( ) .
2-المحافظة على النفس :
ويشمل :
• المحافظة على النفس من جانب الوجود : ويتضمن وضع الضمانات لوجود الإنسان ، واستمراره ، وبيان المصالح والمضار له في تحصيل مطالبه ، وبيان حالات الضيق والسعة ، والانتقال من العسر إلى اليسر بمقتضى ما وضع له من مبادئ وقواعد في الشريعة .
• المحافظة على النفس من جانب العدم : ويتضمن تحريم الاعتداء على النفس أو أنفس الآخرين ، أو على الأطراف ، ومشروعية القصاص في نفس الإنسان وأحكامه في القتل الخطأ وعلاقتها بالمحافظة على النفس( ) .
3-المحافظة على العقل :
العقل قوة في نفس الإنسان يستطيع عن طريقها إدراك العلوم وتحصيل المعارف، وله عدة إطلاقات ومعان مختلفة عند العلماء والحكماء والعامة ، والذي نقصده هو القوة الإدراكية التي تلي قوة الحواس ، وفي مجال يفوق مجال الحواس ودون مجال الوحي الإلهي الذي يأتي عن طريق الرسل لهداية الناس إلى سواء السبيل( ) .
ويرى أندريه لالاند : أن الإيمان بوجود العقل هو الاعتراف بأن لدى كل امرئ قدرة حقيقية أو عينية على إدراك أن قضايا معينة صائبة أو خاطئة . وتقدير الاحتمالات وتمييز الأفضل والأسوأ . ولا يتم هذا بصورة تأثيرية فحسب أو بضرب من الرأي الانطباعي ، بل في صورة أفكار عامة وتوكيدات واعية نطلقها بغير لبس وتفرض ذاتها على الأذهان في علاقتها العقلية ما بقيت صادقة النية ، فنضعها فوق المناقشة( ) .
ثانياً : تصحيح موقف الغرب من الإسلام والأمة الإسلامية :
ليس خافياً على أحد أن في الغرب أفراداً وجماعات ومؤسسات تعمل جاهدة على تشويه صورة الإسلام في الغرب ، والافتراءات على الإسلام كثيرة . وهي افتراءات مبنية على الكذب والمغالطة والظلم ومجافاة الحقيقة وعدم الإنصاف .
لقد أصبحت الأمة الإسلامية أمام موجة عاتية يقودها في بعض الدول مؤسسات حاكمة ، وفي بعضها الآخر مراكز مؤثرة على صنع القرار السياسي في هذه الدول . إنهم جميعاً يعملون جاهدين على حصار مقدرات الأمة الإسلامية ، وإضعافها واتهام الإسلام اتهامات ظالمة لا أساس لها من الواقع أو العقل .
وهم فضلاً عن هذا يقفون من قضايا الأمة موقفاً ظالماً ، ويكيلون بمكيالين في كل ما يتصل بالقضايا السياسية ، ويعملون على إيجاد بؤر للتوتر وهو ما يدفع المسلم إلى الإحساس بالظلم والثورة عليه ومقاومة العدوان بكل ما يستطيع حماية لدينه وماله وعرضه ونفسه .
ولاشك أن تأخر المسلمين وضعفهم قد أسهم في طمع أعدائهم وخصومهم والخائفين من الإسلام حقيقة أو توهماً . وهذه الظواهر تتطلب دراسة متعمقة للواقع بكل أبعاده ، والأسباب التي أوجدت تلك الظواهر ، ووضع الخطط المنهجية لحل المشكلات التي تواجه الأمة .
أما فيما يتصل بالحوار مع المخالف –وبخاصة الغرب- فإن المبدأ الأول لابد أن يتأسس على أسس من العقل والنقل أو من الشرع والواقع . وأول ما يواجهنا به الغرب من تشكيك هو ما يتصل بثقافة الجهاد في الإسلام ، تلك الثقافة التي وضعها الإسلام في إطار الدفاع عن النفس والمال ورد العدوان .
إن ثقافة الجهاد تتفق وحقوق الإنسان من ناحية ، كما أنها مقترنة بالأديان جميعها . وهي في الإسلام محددة بحدود تحفظ للناس جميعاً حقوقهم ، ومشروطة بشروط تحصرها في الدفاع عن النفس والدين والمال والعرض ، والقصاص من المعتدي .
الله في العهد القديم هو رب الجنود ، وقد ورد ذلك في سفر صموئيل الأول –الإصحاح 17- حيث تقرأ ما وقع بين نبي الله داود- عليه السلام- وأحد الفلسطينين ، حيث تحدى الفلسطيني داود ودعاه للنزال ، فقال داود للفلسطيني : "أنت تأتي إلي بسيف ، وأنا آتي إليك باسم رب الجنود ، إله صفوف إسرائيل الذين عيرتهم . (46) هذا اليوم يحبسك الرب في يدي فأقتلك وأقطع رأسك ، وأعطي جثث جيش الفلسطينيين هذا إلى طيور السماء وحيوانات الأرض . فركض داود ووقف على الفلسطيني وأخذ سيفه واخترطه من غمده وقتله وقطع به رأسه ، فلما رأى الفلسطينيون أن جبارهم قد مات هربوا. (52) فقام رجال إسرائيل ويهوذا وهتفوا ولحقوا الفلسطينيين حتى مجيئهم إلى الوادي وحتى أبواب عقرون ، فسقط قتلى الفلسطينيين في طريق شعرايم إلى جت وإلى عقرون (93) ثم رجع بنو إسرائيل من الاحتماء وراء الفلسطينين ونهبوا محلتهم (54) وأخذ داود رأس الفلسطيني وأتى به إلى أورشليم .
فمفهوم الحرب ليس مفهوماً كريها من وجه نظر التوراة ، وإنما عمل طيب مشروع مضمون العاقبة وهو تقسيم الأرض بالقرعة حسب أسباط بني إسرائيل( ).
الرب إلهكم هو المحارب عنكم(4) انظروا قد قسمت لكم بالقرعة هؤلاء الشعوب الباقين ملكاً حسب أسباطكم( ) .
أما الحرب في القرآن فهي جهاد ودفاع عن النفس تنحصر أسبابها في ثلاثة :
(1) رد العدوان ، تصديقاً لقوله تعالى : • ( ) . وقوله تعالى : • ( ).
(2) نقض العهد ، تصديقاً لقوله تعالى : ( ) .
(3) نصرة المظلوم ، تصديقاً لقوله تعالى : • ( ) .
وقد تتفرع عن هذه الأسباب فروع جزئية . لكن هذه الأسباب تنحصر في أن الحرب ليست غاية بل وسيلة لحفظ النفس والمال والعرض والدين ، ورد أي عدوان يستهدف الأمة أو الدولة .
وقد تناول الدكتور سيف الدين عبدالفتاح إسماعيل الجهاد والأخلاق الجهادية في الإسلام فقال : "إن الهدف الجهادي ليس خارجاً بأي حال من الأحوال عن أصول وغايات العمارة الحضارية الكونية ، إن عناصر الاستئثار والهيمنة والمحاولات لإرساء قواعد طاقة من العلاقات والتعاملات والعمليات والرؤى لهي عمل تخريبي يقضي على أسس ومقومات العمران ، إن تنافي حقائق العمران مع الظلم والخصب والنماء- على قدم المساواة- لكل شعوب المعمورة.
الجهاد كحركة عمرانية لا يمكن أن يحقق جوهر عناصر الحفظ في المجالات المواجهة ، فإن الدفاع حفظ والحماية حفظ ، واستمرار الكيان ووجوده حفظ ، وصيانة حق الغير في ممارسة اختياراته ، وأصول التعامل القيمي حفظ ، فلا يمكن أن نفهم المنظومة الجهادية وفق هذا التصور ضمن دائرتي الحفظ والعمران .
وإذا كان هذا يتعلق بالهدف الجهادي فإنه يمتد إلى أخلاق الحروب . إن السمة العامة لأخلاق الحروب ، توضح كيف أن القتال باعتباره الخيار الأخير ضمن منظومة تجعل من اختيار القتال خياراً محكوماً ومسبوقاً بجملة من الإجراءات تجعله حالة ضرورية تصل إلى حد الضرورة الملحة الذي يكون معه عدم القتال مؤد إلى الضرر والهلاك وعكس مقصود العمارة الكونية وحقائق الاستخلاف ، ورغم أنه كذلك فإنه لا يخلو من أي قواعد أخلاقية تحوط الإجراءات والعمليات .
هناك عناصر تؤكد على أن القتال ضمن الرؤية الجهادية :
1) خيار استثنائي .
2) تحريم العدوان والاعتداء .
3) القتال ليس هدفه استئصال شأفة الخصم أو تخريب كياناته وعناصر وجوده واستمراره .
4) القتال أخلاق واجبة المراعاة .
5) الإبقاء على كل أصول استمرار العمران .
6) القتال ضرورة تقدر بقدرها ويراعي في ظروفها .
7) الخيارات بعد القتال كلها تهدف إلى الإبقاء على عناصر الوجود والحياة.
8) القتال وسيلة تحريرية لا وسيلة استعباد أو استكراه .
9) القتال ليس تهلكة بل هو منع مادة التهلكة وتهيئة المناخ لأصول العمران والاستخلاف .
10) السلم والعملية القتالية ، قطعاً لمدة الاقتتال .
القتال إذن حالة من الحالات الجهادية ، لها عدد من الشروط والعمليات المصاحبة ، إن كل ما يؤدي إلى الحفظ سلباً أو إيجاباً ، هو من الأمور التي تجعل من المقاصد أصول تعامل في العلاقات الدولية المتنوعة( ) .
ثالثاً : التعريف بالحقوق الإنسانية الأساسية التي تكفلها الإسلام :
أما فيما يتصل بحقوق الإنسان في الإسلام ، فإن هذه الحقوق تتفق والمواثيق الدولية ، التي اتخذت القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والفقه الإسلامي مصدراً أساساً لها قبل عصر التفكيك وما بعد الحداثة وانهيار القيم التي أقرها العقل والنقل عبر تراث البشرية .
ففي بحث للأستاذ لطفي محمود عبدالحليم بعنوان : "حقوق الإنسان بين إعلام الأمم المتحدة والقرآن" انتهى إلى أن هناك حقين لم يشملهما إعلان الأمم المتحدة وضمنها الإسلام هما :
- رعاية اليتيم وحقوقه .
- رعاية الوالدين( ) .
وسوف نكتفي بعرض الحقوق التي تمثل أصولاً لفروع كثيرة ، مع الإشارة إلى أن الإسلام ينظم كل الحقوق التي تحفظ حياة الإنسان وأمنه وإنسانيته ومصالحه هو وغيره من بني الإنسان :
1-حق الحياة والأمن :
الحياة منحة الخالق وهبته ، وليس لأحد أن ينزع إنساناً حياته إلا بحق ، وحماية الأنفس واجب على الحاكم، وعلى جماعة المسلمين وغير المسلمين ، فمن الواجب على كل فرد أن يرد عدوان المعتدي ، وأن ينصر المظلوم .
يقول الله عز وجل : • •• • • ( ) .
وحرم الله قتل الإنسان نفسه ، فقال تعالى : • ( ) .
وحق الحياة يستوجب حق العيش ، للغني والفقير ، وللقادر وغير القادر ، وللرجل والمرأة ، يقول الله تعالى : ( ) .
ويقول سبحانه : ( ) .
ويقول عز من قائل : ( ) .
2-حق الفكر ، والاعتقاد والحوار :
يقرر الإسلام حرية الدين : •• ( ) .
وقد اقترن نفي الإكراه في الدين ببيان الرشد من الضلال ، والرشد كلمة جامعة للفهم والعقل والاستقامة ، وإذا كان الإسلام يقرر أنه لا إكراه في الدين ، فإن ذلك يتضمن أنه لا إكراه على ترك الدين ، ولا ضرر بسبب العقيدة ، فلا يضطهد فرد أو يحرم حقاً بسبب عقيدته ، ولا يمنع من ممارسة عقيدته .
3- العدل والمساواة :
يقدم الإسلام أكمل نظام قضائي يكفل العدل والمساواة والكرامة لكل فرد من أفراد الأمة ، وولاية القضاء في الشريعة الإسلامية من الولايات العامة كما إنها من أقوى الفرائض بعد الإيمان بالله تعالى ، وهي من أشرف العبادات وأفضل القربات( ) .
وولاية القضاء في الإسلام لها طبيعة محددة ومميزة ، وهي الالتزام بأحكام الشريعة والفصل في الخصومات بالأخبار ، إذ لا يحل لمن تقلد الحكم بين الناس أن يحكم إلا بما أمر الله به عز وجل في كتابه أو بما ثبت عن رسول الله أنه حكم به ، أو بما أجمع العلماء عليه ، أو بدليل من هذه الوجوه الثلاثة( ) .
ويتضمن العدل إقراراً بالمساواة ، وتستوجب المساواة إقامة العدل بين الناس جميعاً ، يقول تعالى : • •• • • ( ) .
ويقول تعالى : • ( ) .
والعدل لابد أن يكون قائماً برغم أي إعاقة أو مواقف من الخصوم ، يقول تعالى : • • • ( ) . ويقرر الإسلام حق التقاضي لكل فرد ضد أي فرد حاكماً كان أو محكوماً يقول الرسول في تأكيد المساواة بين الأجناس : "الناس ولد آدم ، وآدم من تراب"( ). بل إن العدل يشمل أيضاً رد العدوان ، يقول الله تعالى : • • ( ) .
4- صون كرمة الإنسان واحترام آدميته :
يقول تعالى : ( ) .
ويرفض الإسلام العدوان ، يقول تعالى : ( ) .
ويوجب المعاملة الحسنة ، قال تعالى : • ( ) .
5- حق التملك :
يقرر الإسلام حق التملك لجميع البشر ، فالله سبحانه وتعالى خلق لنا ما في الكون جميعاً ، يقول تعالى : • ( ) . ويقول تعالى : •• ( ) . ويقول تعالى : ( ) .
واستخلف الله الإنسان في الأرض ، قال تعالى : ( ) .
وأمرنا بالإنفاق مما رزقنا من نبات الأرض وغيره ، فقال : • ( ) . وقال تعالى : ( ) .
والملك في اصطلاح الفقهاء كما عرفه القرافي : حكم شرعي مقدر في العين ، أو في المنفعة ، يقتضي تمكين من يضاف إليه من الانتفاع بالمملوك ، والعوض عنه من حيث هو كذلك( ) ، وللملك في الإسلام أحكام تكشف عن عدالة الإسلام وسماحته ، وتتضمن مسؤولية الحاكم والدولة عن حماية الملكية ، وحدود التصرف في المال ، وواجب المسلم نحو غير القادرين على المستوى الإلزامي والتطوعي ، وهي ملكية لا تقتصر على الرجل دون المرأة .
يقول تعالى : ( ) .
وكذلك لهما الحق في الميراث : • • ( ) .
ولكن المال في الإسلام هو مال الله استخلف فيه الإنسان ، ومن واجب الفرد المالك أن ينفق على غير القادر وفق الأحكام التي شرعها الله إلزاماً وتطوعاً : ( ) .
6- حق الزواج :
من حق الرجل أن يتزوج بامرأة ، ومن حق المرأة أن تتزوج برجل ، وأن يقيما أسرة ، وأن يرزقا بأطفال، وأن يكونوا آباء وأمهات ، هذا هو شرع الإسلام الذي أوجبه الخالق .
قال تعالى : • •• • • ( ). ويقول تعالى : • • ( ).
ولا ينكر عاقل منصف أن الزواج هو أصح وأفضل نظام لعمارة الكون وبناء الأجيال وصون الحقوق والواجبات ، والتحصن من الشرور والأمراض .
رابعاً : تأسيس خطاب موضوعي نتوجه به إلى العالم وفق الأصول الشرعية :
الخطاب والمخاطبة : مراجعة الكلام والمخاطبة مفاعلة من الخطاب والمشاورة( ) .
والخطاب بحسب أصل اللغة توجيه الكلام نحو الغير للإفهام ، ثم نقل الكلام الموجه نحو الغير للإفهام( ) .
وقد عرَّف المتقدمون الخطاب الشرعي بأنه الكلام المقصود منه إفهام من هو متهيئ للفهم وعرَّفه قوم بأن ما يقصد به الإفهام أعم من أن يكون من قصد إفهامه متهيئاً أم لا( ) .
ولا شك أن تأسيس الخطاب يعني أن نبني خطاباً مؤسساً مقصوداً له أهدافه وأسسه ومحتواه ، فالخطاب المؤسس منظومة فكرية متكاملة ذات محتوى معرفي يستمد أصوله من الشرع والواقع ويضبطه منهج خاص من حيث المحتوى وآليات التنفيذ أو التوصيل .
ولاشك أن كثيراً من المفكرين قدم تصوراً للنظام الإسلامي في ظل النظام العالمي الجديد ، أو للنظام الإسلامي العالمي الجديد ، يقول د. أحمد شوقي : ولأكون أكثر تحديداً أضع التصور التالي لاستراتيجية مواجهة الحتمية التنموية الثقافية :
(1) الدعوة إلى نظام عالمي جديد تتاح فيه معطيات العلم والتكنولوجيا بصورة أفضل لكل البشر باعتبار أنها نتاج رحلة الحضارة البشرية منذ نشأتها الأولى .
(2) فك الاشتباك بين التراث والحضارة البشرية في كل عصورها ، واعتبار أن كل الثقافات قد أثرتها وأضافت إلى مسيرتها ، مع الاستفادة بثورة الاتصال والمعلومات للتلاقح الثقافي المتكافئ .
(3) تشجيع ما يسمى بالتعليم الدولي الذي يهتم بالبعد الإنساني الشامل وإعداد مناهج علمية جيدة وملائمة لمختلف المراحل عن السلام الدولي وركائزه الاقتصادية والثقافية ، وأهميته المستقبلية ، ولتكن القيمة الرئيسة في برامج التعليم الدولي والسلام الدولي إن الإنسان هذا النوع البيولوجي الواحد له أيضاً مصير تنموي واحد سيتأثر به المتقدم والمتخلف والدائن والمدين والمبتدع والمتبع( ) .
إن تطوير الخطاب الديني جزء من مناهج التعليم الديني . والهم هو تعبير عن نهضة فقهية ، أو على الأقل حركة تجديد فقهي ، وإصلاح تربوي في المنازل ودور العبادة وفي تكوين وتوثيق وإعادة تأهيل رجال الدين ، وفي الانفتاح على المعارف والعلوم الحديثة والمعاصرة حتى يمكن لرجل الدين والداعية أن يعمل العقل والمصلحة العامة معاً في الإباحة عن أسئلة الأزمنة والوقائع المتغيرة ، ولا يعيد تكرار إجابات عن أسئلة لم تعد بيننا ، وعن إجابات عبرت عن حاجات وطلب اجتماعي انتهى .
إصلاح الخطاب الديني هو جزء من إصلاح التعليم الديني ومواكبته لعصور جديدة ، وليس تعبيراً عن ضغوط حتى ولو كانت أمريكية .
إن تجديد الفكر الديني ، والفقه ، والاجتهاد كجزء من مواكبة أسئلة العصر وإشكالياته وأزماته وتعقيداته ، وهو من الالتزامات العلمية- إذا جاز التعبير- التي تقع على عاتق الباحث والمثقف والمفكر المسلم أياً كان مجتمعه وانتماؤه؛ لأنه لا يوجد في الإسلام مؤسسة ، أو وساطة أو رجل دين محترف ، ولا وساطات بين المسلم والله سبحانه وتعالى .
إن الخطاب الذي يجب أن نتوجه به إلى العالم في حوارنا مع الآخر لا بد أن يتأسس على المبادئ الأصلية للدين الإسلامي ، وهي مبادئ تقوم على عالمية الدعوة الإسلامية وقد لخصها الدكتور حامد الرفاعي الأمين العام المساعد لمؤتمر العالم الإسلامي وسكرتير اللجنة العليا للحوار مع الفاتيكان بما يلي :
1- الإسلام دعوة للناس جميعاً لا تخص جهة بشرية بعينها جنساً أو عرفاً يتضح هذا في قوله تعالى : •• • • • • ( ) .
2- الإسلام دين الله بشر به الأنبياء عليهم السلام جميعاً وهو مؤكد في قوله تعالى : • • • ( ) .
3- صحة الإيمان بالإسلام وتمامه لا تكون إلا بالإيمان بجميع رسل الله من غير تمييز بينهم وهذا ما يبينه جل شأنه بقوله : ( ) .
4- الإسلام لا يفرض عقيدته على الآخرين بالقوة التزاماً بقول الله تعالى : ( ). والتزاما بقول الله تعالى : ( ).
5- الإسلام يقرر علاقته على البر والإحسان مع غير المسلمين ، يوم لا يكون منهم اعتداء وجور وهذا واضح في قوله تعالى : • ( ) .
6- الإسلام يؤكد على حرمة الإنسان وعدم قتله بغير حق بل إن الإسلام هو النظام الفريد الذي يعطي قيمة الفرد الإنساني قيمة الكل تعظيماً لحرمته وكرامته ، وهذا بين في قوله تعالى : • • •• •• ( ) .
7- الإسلام يؤكد مبدأ المحبة والتراحم والتعاون ويربط ذلك بالإيمان ربطاً موثقاً كما هو في حديث رسول الله : "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" ( ) .
8- الإنسان مكرم في الإسلام مصان الحقوق كما هو مؤكد في قوله تعالى : ( ) .
9- منهج القرآن يعلمنا ويؤكد علينا ، أن البشرية مدعوة بأمر الله للتعارف والتعايش وفق القيم والمعايير الربانية ، على اختلاف أجناسهم وأعراقهم وأديانهم وألوانهم ، وأن إتيان الحق ومجانبة الباطل هو أساس التنافس بينهم ، وهو أساس معيار القرب والبعد من تقوى الله ومرضاته ، كما جاء في قوله تعالى : •• • • ( ) .
10- يقرر الإسلام قاعدة العدل بين الأفراد والأمم ويؤكد على العدل مع وجود الخصومة والمنازعات؛ لأنه الأقرب للتقوى قال تعالى : • ( ) .
11- يقرر الإسلام مبدأ التزام العهود والمواثيق بين الناس والوفاء بها وعدم نقضها وهذا مؤكد في قوله تعالى : ( ) .
12- يقرر الإسلام عدم الإساءة لمعتقدات الآخرين وسبابها وهذا مؤكد في قول الله تعالى : ( ) .
13- يقرر الإسلام مبدأ النفع للناس جميعاً كما في قول رسول الله : "خير الناس أنفعهم للناس"( ) .
14- الإسلام يقرر قاعدة التدافع والتنافس بين الناس ويؤكد أن التدافع بين الناس يحقق الحياة الأفضل لهم ويصرف الفساد عن الأرض ، وهذا واضح في قوله تعالى : •• ( ) ، كما يؤكد الإسلام على أن التدافع بين الناس يكفل حماية حرية الناس في معتقداتهم وأنماط حياتهم ويصون معابدهم على اختلاف مللهم كما هو في قول الله تعالى : •• • • ( ) .
15- يقرر الإسلام أن الأمة الإسلامية أمة وسط بين الناس كما أنها مكلفة بمهمة الشهود الحضاري على الناس وهذا مؤكد في قول الله تعالى : • • •• ( ) .
16- الإسلام يؤكد أن التزام القيم الربانية ضمان لصحة وسلامة السير في منهج الاستخلاف لعمارة الأرض ، وأن تغييب القيم الإسلامية عن منهج الإسلام سيؤدي لا محالة إلى فساد في الأرض ودمار لحياة الإنسان وما صنع وهذا واضح في قول الله تعالى : • • ( ) . أو ليس اندحار الشيوعية ومعسكرها الإلحادي الكبير إلا دليلاً قاطعاً على ما يؤكده القرآن الكريم .
17- الإسلام يقرر أن عمارة الأرض بمكنوناتها وتسخيرها لا تتحقق نتائجها الإيجابية ، ولا تدوم إلا بالتزام القيم الربانية وتقبلها وعدم الخروج على توازن العلاقة بين عالم القيم وعالم الماديات كما في قوله تعالى : ( ) .
18- يقرر الإسلام ألا يبخس الناس أشياءهم ، وألا يحتقر كدهم البناء ويعتبر أن احتقار ما عند الناس وبخس مقدراتهم هو العبث والإفساد الذي يمقته الإسلام يتضح ذلك في قول الله تعالى : •• ( ) .
19- الإسلام يقرر قاعدة الربانية في العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم وبين مقوماتها وشروطها وجاء هذا في قول الله تعالى : • •• • • • ( ) .
20- يقرر الإسلام مبدأ الحوار بين الناس لإنهاء أسباب التناقضات العقدية والمنهجية بغية تأكيد وحدة الأسرة البشرية والحرص عليها والارتقاء بأسباب تعاونها وتضامنها كما في قول الله تعالى : ( ) .
21- اعتنى الإسلام بمنهجية الحوار بين الناس وأصَّل لها أدبيات وقيماً، حرصاً منه على الألفة والاحترام المتبادل وهذا ما تبينه الآيات القرآنية التالية : ( ) . ( ) ، •• ( ) .
22- يدعو الإسلام الدعاة والمصلحين إلى التزام الحكمة وتخير حسن الموعظة ، والأسلوب الأفضل في الخطاب وهم يقدمون دعوة الله تعالى للناس بينة وجلية قال الله تعالى : ( ) . وكذلك في قوله تعالى : ( ) .
23- يوجه القرآن الكريم الدعاة إلى إتقان مهمتهم والارتقاء بحجتهم موضوعاً وأسلوباً بغية التفاعل المثمر مع النفوس وهذا ما يؤكده قول الله تعالى : ( ) .
24- يؤكد المنهج الرباني على الدعاة عدم التناقض بين أقوالهم وأفعالهم حتى لا تفشل دعواهم وتنعكس سلباً عليهم وعلى ما يدعون إليه يتضح هذا في قوله تعالى : ( ).
25- يقرر الإسلام حصانة البيوت حماية لحرية الإنسان وكرامته عملاً بما جاء في كتاب الله تعالى : • • ( ).
26- أكد الإسلام على حقوق الإنسان الخاصة ، وعدم الاعتداء عليها وذلك في التوجيه النبوي الكريم حيث يقول رسول الهدى – صلوات الله وسلام عليه : "فإن دماءكم وأموالكم حرام عليكم" ( ) . ويقول : "كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه" ( ) .
27- يقر الإسلام مبدأ التكافل بين الناس ، من أجل تحقيق كرامة الإنسان وتحريره من الفقر والعوز جاء ذلك في قوله تعالى : • • ( ).
28- يؤكد الإسلام حق التعليم لأفراد المجتمع ويجعل ذلك فريضة كما يقول رسول الله : "طلب العلم فريضة على كل مسلم" ( ) . وهذا يشمل الذكور والإناث كما في قول الرسول –عليه الصلاة والسلام- : "إنما النساء شقائق الرجال" ( ) . فهما سواء في التكاليف التي من مقتضياتها العلم والدراية .
29- يقرر الإسلام مبدأ الشورى في الأمة ، بين الحاكم والمحكوم وذلك كما هو في كتاب الله تعالى : ( ) . ولقول رسول الله لأبي بكر وعمر –رضي الله عنهما- : "لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما" ( ).
30- قرر الإسلام حق الدفاع عن النفس وسلامة الأمة يوم يعتدي عليها وتنتهك حرماتها ، والاستعداد الكامل لذلك كما هو في كتاب الله : • ( )، • • • ( ).
31- ويؤكد الإسلام مبدأ السلم ويقرر مبدأ القوة والدفاع كما هو في منهج القرآن الكريم ، ( ) ، وقول رسول الله : "لا تتمنوا لقاء العدو"( ) .
32- يقرر الإسلام مبدأ السلم ومبدأ الاعتناء بصحة الأبدان والوقاية من الأمراض حيث يقول المصطفى : "إن لجسدك عليك حقاً" ( ). ولقوله : "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف" ( ). ويقول في الوقاية : "ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن ، حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه ، فإن غلبت الآدمي نفسه ، فثلث للطعام ،" وثلب للشراب ، وثلث للنفس" ( ). وكان يتحرى فيما يشرب من ماء حتى جاء في الحديث كان يستعذب الماء ( ). وكان –عليه الصلاة والسلام- ينهى عن التبول والتبرز في المياه الراكدة ( ). وهو الذي قرر مبدأ الحجر الصحي في التاريخ البشري حيث أمر بالحجر الصحي على البلد المطعون وأهله فلا يتركونه ولا ينزله غيرهم مع تحذير الناس من العدوى وطلب الفرار من المجذوم كماأمر بأنواع من الرياضة كقوله-عليه الصلاة والسلام : "من علم الرمي ثم تركه فليس منا" ( ) . وقوله : "ألا وإنما القوة الرمي" ( ) .
33- واعتنى الإسلام عناية فائقة بأمر المال الذي هو مادة الاقتصاد وأصل له قواعد ومعايير منها قوله تعالى : • ( ) . ويقول جل شأنه في ضبط موازين الإنفاق : • • ( ). ويقول رسول الهدى : "ما عال من اقتصد" ( ) . يقول عليه الصلاة والسلام : "نعم المال الصالح للرجل الصالح" ( ) .
34- قرر الإسلام مبدأ الإجارة وحسن جوار المستجيرين وذلك في قول الله تعالى : ( ) .
35- يحرم الإسلام الاحتكار ، وأن يمنع الناس ما يحتاجونه في حياتهم بغية التحكم بالأسعار جشعاً وطمعاً كما في قول الرسول :"من احتكر على المسلمين طعاماً ضربه الله بالجذام والإفلاس"( ).
36- ويحارب الإسلام الغش وينفر منه ويرفض أهله حيث يقرر رسول الهدى-عليه الصلاة والسلام- : "من غشنا فليس منا" ( ).
37- يقرر الإسلام مبدأ التكافل والتراحم بين الناس حيث يؤكد المصطفى الهادي ذلك في قوله : "من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا زاد له" ( ). ويؤكد –عليه الصلاة والسلام- أن الناس شركاء بأساسيات الحياة ، وذلك لقوله : "المسلمون شركاء في ثلاث : الماء والكلاء والنار ، وثمنه حرام"( ). ولابد أن نوضح أنهم شركاء في الانتفاع بدون الاعتداء على حق التملك والحقوق العامة وذلك عبر مسؤولية الدولة وتنظيماتها .
38- يقرر الإسلام مبدأ التصنيع والاحتراف ، وذلك لقول الله تعالى : • • ( ) ، ولقوله تعالى : • ( ). ولقوله تعالى: • •• ( ) . وقول رسول الهدى : "إن الله يحب المؤمن المحترف" ( ). وقال أيضاً : "إن الله يحب إذا علم أحدكم عملاً أن يتقنه" ( ). وقال أيضاً : "ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده" ( ). وقال عمر بن الخطاب -- : "لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ، ويقول : اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة ، وإن الله تعالى إنما يرزق الناس بعضهم من بعض ، وتلا قول الله تعالى : ( ).
39- يقرر الإسلام مبدأ الكشف عن منابع الثروات ووجوب استغلالها ، فكل ما في الكون مسخر للإنسان لينتفع به كما في قول الله تعالى : • • • ( ) . وفي قوله تعالى : • • • • ( ).
40- يقرر الإسلام مبدأ التضامن الاجتماعي والتكافل بين أبناء الأمة وهذا ما فعله عمر بن الخطاب -- وقد مر على يهودي يتكفف الناس، فزجره واستفسره عما حمله على السؤال فلما تحقق من عجزه رجع على نفسه باللائمة وقال له : "ما أنصفناك إن أكلنا شبيبتك ، ثم نأخذ منك الجزية ، ثم كتب إلى عماله ألا يأخذوا الجزية من شيخ كبير"( ) .
41- يؤكد الإسلام على الزراعة والحرص عليها باعتبارها أساس من مصادر الثروة والاقتصاد حيث يقول –عليه الصلاة والسلام- : "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة واستطاع أن يدعها حتى يغرسها فليفعل" ( ).
42- كما يقرر الإسلام مبدأ التجارة والترغيب فيها كمصدر الرزق وتنمية اقتصاد الأمة ، وذلك في قول الله تعالى : • ( ). ولقوله عليه الصلاة والسلام : "تسعة أعشار الرزق في التجارة والعشر في المواشي" ( ). ونحن نقدم هذه المبادئ كاملة؛ لأنها تقدم – في اعتقادنا- أساساً موضوعياً واقعياً( ) .
وبعد ، فإن أهم ما نهدف إليه من أي حوار مع الآخر هو بناء منظومة صحيحة للإسلام عند الآخر ، وإحلالها محل تلك المنظومة التي تتضمن افتراءات وأكاذيب وأباطيل حول الإسلام ، حتى نصل إلى عالم تسوده القيم الصحيحة والسلام والأمن .
الخاتمة
تناول البحث موضوعين متلازمين هما أسس الحوار مع الآخر ، وأهداف ذلك الحوار .
وتقوم أسس الحوار مع الآخر على : التخطيط والتنظيم ، وأهم سمات هذا التخطيط : الاستمرار ، واتخاذ القرار المناسب ، والتعامل الموضوعي الواقعي مع الحقائق والمواقف ، والاستفادة من الخبرات والمعارف الإنسانية.
وثاني تلك الأسس هو المنهج العلمي الصحيح الذي يستند إلى مقدمات صحيحة وينتهي إلى نتائج صحيحة، ولابد لتطبيق ذلك المنهج من ضوابط تتصل بالباحث وأدوات البحث ، وطريقته .
وثالث الأسس هو الدعوة القائمة على العلم والداعية المجتهد الملتزم المثقف ثقافة إسلامية شاملة متنوعة وثقافية وإنسانية تؤازر الثقافية الدينية ، وأن يلتزم الخبرة والصدق والأمانة والموضوعية والتجرد عن الهوى، والبُعد عن المغالطة ، إلى جانب سلامة القصد ، وحسن النية والإخلاص في العمل .
أمَّا أهداف الحوار مع الآخر ، فتتمثل في : تحقيق المقاصد العامة للشريعة الإسلامية ، وهي :
-حفظ الدين ، وحفظ النفس ، وحفظ النسل ، وحفظ العقل وحفظ المال.
-تصحيح موقف الغرب من الإسلام والأمة الإسلامية .
-التعريف بالحقوق الإنسانية الأساسية التي يكفلها الإسلام ، وتتضمن حق الحياة والأمن ، العدل والمساواة، صون كرامة الإنسان واحترام آدميته ، حق التملك ، حق الزَّواج ، ويتضمن ذلك المبادئ الأصيلة للدين الإسلامي .
وتتلخص هذه المبادئ فيما يأتي :
الإسلام دعوة عامة للناس جميعاً لا تخص جهة بشرية بعينها جنساً أو عرقاً.
الإسلام دين الله بشر به الأنبياء جميعاً عليهم السلام .
صحة الإيمان بالإسلام وتمامه لا تكون إلا بالإيمان بجميع رسل الله من غير تمييز بينهم .
الإسلام لا يفرض عقيدته على الآخرين بالقوة ، ويبني علاقته على البر والإحسان مع غير المسلمين ، ويؤكد على حرمة الإنسان وعدم قتله بغير حق، ويؤكد مبدأ المحبة والتراحم والتعاون ويربط ذلك بالإيمان .
الإنسان مُكرَّمٌ في الإسلام مُصانُ الحقوق .
منهج القرآن يعلمنا ويؤكد علينا أن البشرية مدعوة بأمر الله للتعارف والتعايش وفق القيم والمعايير الربانية، على اختلاف أجناسهم وأعراقهم وألوانهم.
يقرر الإسلام قاعدة العدل بين الأفراد والأمم ويؤكد على العدل مع وجود الخصومة والمنازعات .
يقرر مبدأ التزام العهود والمواثيق بين الناس والوفاء بها وعدم نقضها.
يقرر عدم الإساءة لمعتقدات الآخرين وسبابها .
يقرر الإسلام مبدأ النفع للناس جميعاً .
ويقرر قاعدة التدافع والتنافس بين الناس ويؤكد على أن التدافع بين الناس يحقق الحياة الأفضل لهم ويصرف الفساد عن الأرض .
ويقرر أن الأمة الإسلامية أمة وسطاً بين الناس كما أنها مكلفة بمهمة الشهود الحضاري على الناس .
كما يؤكد أن التزام القيم الربانية ضمان لصحة وسلامة السير في منهج الاستخلاف في الأرض .
ويقرر بأن عمارة الأرض والانتفاع بمكنوناتها وتسخيرها لا تتحقق نتائجه الإيجابية ، ولا تدوم إلا بالتزام القيم الربانية وتقبلها . وألا يبخس الناس أشياءهم ، وألا يحتقر كدهم البناء .
الإسلام يقرر القاعدة الربانية في العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم وبين مقوماتها وشروطها .
ومبدأ الحوار بين الناس لإنهاء أسباب التناقضات العقدية والمنهجية بغية لتأكيد وحدة الأسرة البشرية والحرص عليها والارتقاء بأسباب تعاونها وتضامنها . وقد اعتنى الإسلام بمنهجية الحوار بين الناس وأصل لها أدبيات وقيماً ، حرصاً منه على الألفة والاحترام المتبادل .
والإسلام يدعو الدعاة والمصلحين إلى التزام الحكمة وتخير حسن الموعظة ، والأسلوب الأفضل في الخطاب .
ويوجه القرآن الكريم الدعاة إلى إتقان مهمتهم والارتقاء بحجتهم .
ويؤكد المنهج الرباني على الدعاة عدم التناقض بين أقوالهم وأفعالهم .
ويقرر حصانة البيوت حماية لحرية الإنسان وكرامته .
ويؤكد الإسلام على حقوق الإنسان الخاصة وعدم الاعتداء عليها .
ويقرر مبدأ التكافل بين الناس ، من أجل تحقيق كرامة الإنسان وتحريره من الفقر والعوز .
وحق التعليم لأفراد المجتمع ويجعل ذلك فريضة شرعية .
ومبدأ الشورى في الأمة ، بين الحاكم والمحكوم .
وحق الدفاع عن النفس وسلامة الأمة يوم يتعدى عليها وتنتهك حرماتها ، والاستعداد الكامل لذلك .
ومبدأ السلم وهو يقرر مبدأ القوة والدفاع .
ومبدأ السلم مبدأ الاعتناء بصحة الأبدان والوقاية من الأمراض .
وقد اعتنى الإسلام عناية فائقة بأمر المال الذي هو مادة الاقتصاد وأصل له قواعد ومعايير .
قرر الإسلام مبدأ الإجارة وحسن جوار المستجيرين .
يحرم الإسلام الاحتكار .
يحارب الإسلام الغش .
يقرر الإسلام مبدأ التكافل والتراحم بين الناس .
ومبدأ التصنيع والاحتراف .
ومبدأ الكشف عن منابع الثروات ووجوب استغلالها فكل ما في الكون مسخر للإنسان لينتفع به .
ومبدأ التضامن الاجتماعي والتكافل بين أبناء الأمة .
يؤكد الإسلام على الزراعة والحرص عليها .
كما يقرر مبدأ التجارة والترغيب فيها .
هذه المبادئ العامة للشريعة هي الأساس الذي نقيم به الحوار ونحدد الأهداف . فالغاية الكبرى من حوارنا مع الآخر هي أن نُعدل من وعيه عن الإسلام ، وأن نوضح له الرؤية الصحيحة لديننا الحنيف ، وأن يكون أول هدف نسعى إليه هو تعريفه بمبادئ الإسلام السمحة العادلة التي تتفق وإنسانية الإنسان ، بوصفه خليفة الله في الأرض . والله من وراء القصد ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
المصادر والمراجع
1- إتحاف السادة المتقين ، الزبيدي ، بيروت .
2- الإرهاب صناعة غير إسلامية ، د.نبيل لوقا بباوي ، دار البباوي للنشر ، مصر 2002م .
3- الإسلام والنظام العالمي الجديد ، د.حامد بن أحمد الرفاعي ، رابطة العالم الإسلامي ، مكة المكرمة 1419هـ .
4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، شيخ الإسلام ابن تيمية ، تحقيق د.محمد الجليند ، دار المجتمع ، جدة 1404هـ .
5- البحر المحيط في أصول الفقه ، الزركشي ، قام بتحريره الشيخ عبدالقادر العاني ، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، الكويت : 1413هـ-1992م .
6- التجديد في الفكر الإسلامي ، وزارة الأوقاف بمصر ، العدد : 75-1422هـ.
7- التحرير في أصول الفقه لكمال الدين محمد السيواسي ، الطبعة الثانية مع التقرير والتحبير ، الطبعة الثانية ، 403هـ ، إصدار دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان .
8- الترغيب والترهيب للمنذري ، ضبط أحاديثه وعلق عليه مصطفى عمارة. مطابع قطر الوطنية . الدوحة .
9- تعليل الأحكام لمحمد مصطفى شلبي ، دار النهضة العربية، بيروت : 1401هـ .
10- التفكير العلمي د. فؤاد زكريا ، الهيئة المصرية للكتاب ، 1996م .
11- تهذيب الصحاح لمحمود الزنجاني ، تحقيق عبدالسلام هارون وأحمد عبدالغفور عطار ، دار المعارف بمصر .
12- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، السعدي ، دار الإفتاء، الرياض : 1410هـ .
13- ثقافة الداعية ، د.يوسف القرضاوي ، مكتبة وهبة ، مصر 1416هـ-1996م .
14- جامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر النمري القرطبي ، تحقيق أبو الأشبال الزهيري ، دار ابن الجوزي 1416هـ ، الدمام ، المملكة العربية السعودية .
15- جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري ، دار الفكر 1408هـ، بيروت .
16- الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير للسيوطي . الطبعة الأولى: 1401هـ ، دار الفكر ، بيروت .
17- الحرب في الكتب المقدسة ، دراسة مقارنة ، د.نجوى عمر كامل ، مكتبة الآداب بمصر 1422هـ-2001م .
18- حقوق الإنسان بين إعلام الأمم المتحدة والقرآن ، لطفي محمود عبدالحليم .
19- الرد على المخالف من أصول الإسلام ، د. بكر أبو زيد ، دار الهجرة ، الدمام .
20- الرسول والعلم ، د. يوسف القرضاوي ، دار الصحوة بمصر ، 1984م.
21- سنن ابن ماجه (الكتب الستة) ، دار الدعوة 1401هـ ، استانبول، تركيا .
22- سنن أبي داود ، (الكتب الستة) ، دار الدعوة 1401هـ ، استانبول، تركيا .
23- سنن النسائي (الكتب الستة) ، دار الدعوة 1401هـ ، استانبول، تركيا .
24- السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية لابن تيمية ، الطبعة الرابعة 1969م، دار المعرفة ، للطباعة والنشر ، بيروت .
25- سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، شخصيته وعصره، د. علي محمد الصلابي ، الطبعة الأولى 1425هـ ، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع . بيروت .
26- شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل لأبي حامد الغزالي، تحقيق ، د. حمد الكبيسي . مطبعة الإرشاد ، بغداد 1390هـ.
27- صحيح البخاري ، (الكتب الستة) دار الدعوة 1401هـ ، استانبول، تركيا .
28- صحيح مسلم (الكتب الستة) دار الدعوة 1401هـ ، استانبول ، تركيا .
29- العقل والمعايير لأندرية لالاند ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.
30- العلاقات الدولية في الإسلام ، مدخل القيم ، إطار مرجعي لدراسة العلاقات الدولية في الإسلام ، د. سيف الدين عبدالفتاح وآخرون، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، القاهرة ، أمريكا .
31- فقه التعامل مع المخالف ، د. عبدالله إبراهيم الطريقي ، دار الوطن، الرياض : 1415هـ .
32- الكامل في الضعفاء لابن عدي . دار الفكر 1404هـ ، بيروت.
33- كتاب الأموال الحميد بن زنجويه ، تحقيق الدكتور شاكر ذيب فياض . الطبعة الأولى 1406هـ ، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ، الرياض .
34- كشاف اصطلاحات الفنون ، محمد علي القاروقي التهانوي ، حققه د. لطفي عبدالبديع ، ترجم النصوص الفارسية د.عبدالنعيم محمج حسنين ، مراجعة الأستاذ أمين الخولي ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر ، مصر 1382م .
35- لسان العرب ، ابن منظور ، دار المعارف ، مصر .
36- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي ، دار الكتاب العربي ، بيروت.
37- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، جمع وترتيب : عبدالرحمن بن قاسم وابنه محمد ، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف 1415هـ ، المدينة المنورة .
38- مسند الإمام أحمد (الكتب الستة) ، دار الدعوة 1401هـ، استانبول، تركيا.
39- المصباح المنير ، الفيومي ، المكتبة العصرية ، بيروت : 1417هـ-1996م .
40- المعجم الكبير ، اللغة العربية بمصر ، الهيئة المصرية للكتاب .
41- المعجم الكبير للطبراني ، حققه وخرج أحاديثه حمدي عبدالمجيد السلفي. الطبعة الثانية 1405هـ مكتبة ابن تيمية .
42- المقاصد العامة للشريعة الإسلامية ، د. يوسف حامد العالم ، الدار العالمية للكتاب الإسلامي 1415-1994م .
43- مقدمة التخطيط الاجتماعي في العالم الثالث ، ديانا كوتيرز ترجمة د. الفاروق زكي يونس ، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي ، الكويت 1990م .
44- الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الشاطبي ، تحقيق : عبدالله دراز . المكتبة التجارية الكبرى . مصر .
45- منهج الإصلاح الإسلامي في المجتمع د. عبدالحكيم محمود ، هيئة الكتاب بمصر ، 2003م .
46- النظام الاقتصادي الإسلامي : أسس ومبادئ وأهداف ، د.عبدالله الطريقي ، الرابعة 1417هـ- مؤسسة الجريسي ، الرياض .
47- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للشوكاني . نشر وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد . الرياض.
48- المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ، تحقيق محمد سيد كيلاني . دار المعرفة ، بيروت ، لبنان .
49- هندسة المستقبل ، د. أحمد شوقي ، الهيئة المصرية للكتاب 2002م . .