احتواء الحضارات
احتواء الحضارات
بقلم:عبدالكريم صالح المحسن
الحضاره هي في أبسط تعريف لها انها ثمرة كل جهد يقوم به الانسان لتحسين ظروف حياته سواءاَ بقصد او بدون قصد وسواءاَ كانت الثمره ماديه او معنويه، مفهوم الحضاره مرتبط بشده بالتاريخ لان التاريخ هنا هو الزمن والثمرات التي اشرنا اليها في التعريف تحتاج الى زمن من اجل ان ترى النور اي انها جزء من التاريخ ،او نتاج جانبي للتاريخ ،والحال هو كما ان اي بذره من بذور النباتات تحتاج الى زمن اي ان فعل الزمن هو شرط بروزها اذ لايمكن ان تزرع وتحصد في زمن واحد وفي آن واحد من هنا فأن ثمار الحضاره لايمكن ان تبرز الا بأضافة الزمن الى جهد الانسان.
الحضاره والتاريخ اذاَ مرتبطان احدهما بالأخر برابط شديد ولايستطيع الانسان التحدث عن الحضاره بشيء من العقلانيه الا اذا عرف ماهية التاريخ معرفه لابأس بها ،ولابد من ان نشير الى ان بعض المفكرين قد اضاف موضوع خطير الى قضية الحضاره وهو موضوع "الاجناس" بحيث يعتقد هؤلاء الى ان هنالك اجناساَ قادره على الترقي وصنع الحضاره وهناك اجناساَ اخرى غير قادره على ذلك ،وارى هنا من المفيد ان نمر على مسيرة الحضاره والانتقال من الحاله البدائيه اليها وهو مايسهل علينا تتبع موضوع الحركه الحضاريه والذي ذهب اليه المفكر الفرنسي "سان سيمون Saint Simon"حيث يصور ان الناس كانوا او الامر اشتاتاَ متفرقين ثم نشأت الاسر وتجمع بعضها الى بعض ونشأت الجماعات البدائيه الانسانيه التي ظلت تعيش على الحاله البدائيه دهوراَ طويله توصلت خلالها من اختراع او اقتباس اساسيات الاستقرار والحياة المستقره وهي الزراعه الى الانتقال من مرحلة جمع الطعام لصناعته واستخدام النار وعمل الفخار وماالى ذلك ثم تنظيم نفسها في نفس الوقت على اي صوره من صور التنظيم الاجتماعي البدائي وهه الحاله يسميها "سان سيمون"ومن تابعه بحالة او نظرية "سفح الجبل Theory of The Foot of The Mountain"وقد تظل الجماعه على هذه الحاله ولاتنتقل الى ماهو اعلى منها ابداَ والى يومنا هذا تعيش جماعات بشريه في هذا المستوى ،والجبل هنا هو تعبير رمزي والمقصود به جبل الحضاره وتقدم الجماعات وارتقاؤها الحضاري اشبه بتسلق هذا الجبل في حالات بعض الجماعات البشريه البدائيه حدث ان اكتشفت بعض افراد الجماعه او قادتها سبيلاَ لصعود الجبل اي الخروج من الحاله البدائيه الساكنه فأخذت الجماعه تتوغل الجبل يتقدمها قادتها ورؤسائها وتخرج من حالة السكون الى حالة الحركه اي من الاستاتيكيه الى الديناميكيه وتصبح الجماعه في حاله يسمونها "حالة التحضر"او حالة "حركة الحضاره"وربما لاتوفق الجماعه في الصعود فتهوي الى السفح مره اخرى وقد تحاول الصعود من جديد وقد لاتحاول وترتد الى حالة السكون البدائيه وتمر الازمان والدهور ولكنها تحاول في الغالب مره بعد مره حتى تتمكن الاستمرار في الصعود،وفي اثناء الصعود او التقدم الحضاري قد تصل الى طريق مسدود فتقف من جديد ازماناَ قد تطول وقد تقصر وربما امتدت الى مالانهايه ويكون هذا اعلى ماتصل اليه ويكون هذا الوقوف عائق على هضبة او رف بارز من السفح ويحدث في بعض الاحيان ان الجماعه تكتشف بعد وقوف طويل سبيلاَ الى مواصلة الصعود فتتحرك صاعده "في ميدان الحضاره"وقد يستمر الصعود وقد تكون هناك توقفات اخرى وانتكاسات فتهبط الجماعه من مستواها الى الادنى ولكنها في اغلب الاحيان تستطيع مواصلة الصعود وهكذا ترتقي الامم من حال الى حال فتهبط مره وترتقي اخرى جبل الحضاره وقد يحدث ان تلتقي جماعتان في نفس الطريق فيكون "الصراع الحضاري"والذي سنتحدث عنه لاحقاَ وبشكل اكثر توسع،في هذا العرض طرحنا وجهة نظر ونظريات بعض المفكرين الذين يعتقدون ان الدافع هو الجغرافيه ونتوجه الان الى وجهة النظر الاخرى والتي تعتقد ان الدافع هو الجنس حيث يذهبون بنظرية الجنس الى ان بعض اجناس البشر تصد بمعنى انها تتقدم وتزداد قوه بسبب ان جنسها مهيأ للتقدم بينما لاتتمتع الاجناس الاخرى بنفس المواهب والامكانيات للتقدم فتجدها بطيئه التقدم وتميل الى الركود والبقاء في حالة البدائيه او انها تقف عند مستوى حضاري معين ولاتتقدم حيث يذهب اصحاب هذا الراي الى ان الجماعات البشريه المهيأه بطبعها للتقدم تتميز اغلب افرادها ومكوناتها بمجموعه خصائص بدنيه وخلقيه معاَ ويتوارثها افرادها والتي تعتبر هذه الخصائص ميزه لها تميزها عن غيرها ويذهب علماء الاجناس الى ان هذه توجد مركبه في طبع الجنس وهيئته بالخلقه وهذه الخصائص هي التي تمكنه من صنع الحضاره واذا رجعنا الى نظرية سفح الجبل واستعملنا تشبيه التقدم الحضاري بعملية الصعود على سفح الجبل فأن هذه الاجناس قادره على التحرك من على رفها والتسلق الى اعلى مرحله بمعنى ان هناك اجناساَ قادره على صنع الحضاره واخرى غير قادره او محدوده القدره والحقيقه ان اغلب الذاهبون الى هذا المذهب هم من اهل الغرب ومايؤسف له ان ابن خلدون يدخل في مدخلهم فيربط بين الخصائص الخلقيه والخلقيه ويقوا ان هناك اجناساَ مخصوصه بالتقدم"اهل المناطق المعلله" واجناسا افرب الى البهائم لاتتقدم قط. وهو ماجاء به الدكتور حسين مؤنس في مؤلفه المعنون الحضاره دراسه في اصول وعوامل قيامها –اصدارات دار المعرفه حيث يستطرد بالقول ويقصر التمييز بخصائص لبحضاره على اهل الاقاليم والقول بامتياز الاجناس بعضها شائع عند معظم الامم في العصور القديمه والوسطى ولايزال قائماَ عند اهل الغرب وخاصة غرب اوربا والولايات المتحده حتى يومنا هذا ،فاليونان كانوا يرون انفسهم افضل الامم واذكاها واشرفها وبقية الخلق"همج Barbaroi" اي برابره والرومان جعلوا الروماني فوق غيره بحكم القانون حتى صاروا اذا ارادوا ان يرفعوا من قدر انسان او جنس اصدرت لهم الدوله قرار بمنحه الجنسيه الرومانيه أما اهل الصين فكانوا يؤمنون بانهم افضل الخلق وانه لاوجود لاي حضاره او فضيله خارج جنسهم ،بل كانوا يرون انهم لايحتاجون الى غيرهم في شيء ،وليؤكد ملوكهم هذا المعنى اقاموا سور الصين العظيم حتى لاتدنس ارضهم باقدام اقوام اخرين ،واما الهنود فشأنهم في تفضيل البراهمه على غيرها معروف اما موقف اهل الغرب من الجنس من منظار مفكريهم فان مايركز عليه القائلون بنظرية تفاضل الاجناس من اهل الغرب هو اللون وهم يذهبون الى اننا يمكن ان نفهم ان التفوق الخلقي والمعنوي مرتبط بصوره ما بلون البشره وذلك من خلال تفوق الجنس ذي الجلد الابيض Homo Lecodermaticus وهو الجنس الذي يسمى بالشمالي او النورديNordic او الاردماني في لغة مؤلفي العصور الوسطى ، وهو الذي يسميه الفيلسوف "نيتشه" بالحيوان الاشقر Das Blonde Tierويسمى ايضاَ بالتيوتوني والامريكيون غير بعيدين عن هذا الفكر والمعتقد ونلاحظ ذلك بشكل واضح في تحذير هؤلاء المفكرين امثال ماديسون جرانمت ولوثروب من ازدياد هجرة الاسبان والايطاليين واليونان والبولنديين الى الولايات المتحده فنصحوا بان تقتصر الهجره الى امريكا على" الانجلو- سكسون" والجرمان وأهل شمال اوربا عليه فان موضوع التمايز والارتقاء هي من اوجه الصراع الذي مرت وتمر به الحضاره وهي قضية تجعل الاحتكاك الحضاري وصراع الحضارات محتدم ومتشعب الابواب والاوجه.
انهار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي بكامل منظومته وتفرد القطب الواحد الذي لايقبل اي منازع له يحيث "تموضعت العلاقات الدولية في حيز من النظام الدولي الجديد المتميز بالأحاديه القطبية التي تُهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية ،وقد قام بعض المنظرين الامريكيون بايجاد عدو جديد لهم من اجل الاستمرار في شحذ الطاقات من اجل تعظيم مصالحهم من خلال الاستمرار في سياسة الخوف باعتباره مبرر لتحقيق الاهداف الاستراتيجيه من اجل المصالح لذلك فقد تم الترويج والتسويق للخطرالاسلامي والخطر الكنفوشي- الصيني- على الغرب وتم التنظير من خلال موضوع "صراع الحضارات" والحقيقه ان هذا الموضوع او مايطلق عليه صراع الثقافات اوجد في العصر الحديث حيث ادخل من ضمن المناهج السياسيه واول من فعل ذلك بناء على خطة مرسومه هم "الالمان"في ايام النازيه وقد سموه بأسم " Kaltur Kampf" اي صراع الثقافه ومنذ بداية الاستعمار فقد اصبح الانتشار الثقافي متحولاَ الى عمليه فرض فكري متفرع عن الغزو السياسي وملازم له .
أشعل أستاذ العلوم السياسية الأمريكي المعروف "صأمويل فلبس هنتنجتون Samuel Phillips Huntington " في العام 1993م نقاشات ساخنة حول العالم في العلاقات الدولية بنشره مقالاً في غاية الاهميه والتأثير بعنوان "صراع الحضارات"، المقالة تناقضت مع نظرية سياسية أخرى متعلقة بديناميكية السياسة الجغرافية بعد الحرب الباردة لصاحبها "فرانسيس فوكوياما Francis Fukuyama " في كتابة "نهاية التاريخ The End of History ". بعدها قام "هنتنغتون" بتوسيع مقالته إلى كتاب، صدر في 1996م للناشر "سايمون وشوستر Simon & Schuster "، بعنوان" صراع الحضارات وإعادة صياغة النظام العالمي ". حيث ذكر في كتابه أن التباين بين الحضارات لا يؤدي إلى ظهور العنف الاجتماعي المستمر فحسب، بل يصعب ايقافه ايضاَ. ويبدو أن الهجمات على الولايات المتحدة في " 11/9" قبل 10 سنوات، أكدت صحة هذه التنبؤات المزعجة، لكن بعد 10 سنوات،زعزعت الأزمة المالية العالمية وأزمة الديون السيادية اليوم الاستقرار في العالم، و بدأت تتلاشى الأنظار عن " صراع الحضارات او صدام الحضاراتThe Clash of Civilizations " للتحول إلى " قلق الحضاراتConcern Civilizations ".
ولنتعرف على المفكر صامويل فلبس هنتنجتون ولد في 18نيسان/أبريل 1927م- توفي 24 كانون الاول/ديسمبر 2008م، برز اسم "هنتنجتون" أول مرة في الستينات عمل أستاذا للعلوم السياسية بجامعة "هارفارد "وعرف أكثر عندما قام بنشر بحث بعنوان "النظام السياسي في مجتمعات متغيرة"، وهو العمل الذي تحدى النظرة التقليدية لمنظري التحديث والتي كانت تقول بأن التقدم الإقتصادي والإجتماعي سيؤديان إلى قيام ديمقراطيات مستقرة في المستعمرات حديثة الإستقلال.
المقالة والكتاب عرضا وجهة نظره أن صراعات ما بعد الحرب الباردة ستحدث أكثر وأعنف مايكون على أسس ثقافية "غالباً حضارية, مثل الحضارات الغربية, الإسلامية, الصينية, الهندوسية." بدلاً من الأسس العقائدية كما كان الحال خلال الحرب الباردة ومعظم القرن العشرين، هذا التصنيف الثقافي سيصف العالم بطريقة أفضل من النظرة التقليدية للدول المختلفة ذات السيادة، السؤال المهم الذي لابد ان يسأل لقد احصى المؤرخ الشهيرارنولد تونبي Arnold J. Toynbee واحدا وعشرين حضارة رئيسية "لا يوجد منها على قيد الحياة في عالمنا المعاصر سوى ست حضارات" أو على الأكثر ثماني حضارات وهي: الحضارة الغربية، والكونفوشية، واليابانية، والإسلامية، والهندية، والسلافية الارثودوكسية، والأمريكية اللاتينية، "وربما الحضارة الإفريقية". ثم يأخذ "هنتنغتون" في توزيع هذه الحضارات حسب إمكانية اندماجها في الحضارة الغربية فيقرر: أن اليابانيين، ولو أن لهم حضارة متميزة وفريدة، إلا أنهم أصبحوا جزءاَ من الغرب سياسيا وتكنولوجيا ولا يتصور أن ينفصلوا عنه أو يعادونه. وكذلك الشأن بالنسبة للشعوب السلافية، فهي جزء من أوربا وهي تقترب من الغرب وترغب في الاندماج فيه، مثلها في ذلك مثل أمريكا اللاتينية. أما الهند فهي تتراجع عن "تراث نهرو" وتعود إلى الهندوسية، وستعاني من التمزق الداخلي بسبب وجود طوائف وأقليات كثيرة فيها وعلى رأسها أقلية مسلمة كبيرة العدد. وأما إفريقيا فهو لا يدخلها في الحساب، لأن وجودها كحضارة مقيد عنده بـ "ربما". تبقى إذن حضارتان لا يمكن أن تندمجا في الغرب وهما الحضارة الإسلامية والحضارة الصينية، وبما أن أهل هاتين الحضارتين يطلبون التحديث ويعملون من أجله، وفي نفس الوقت يرفضون التغريب، أي الاندماج في الغرب والاستسلام لهيمنته، فإن الصراع في المستقبل سيكون بينهما وبين الغرب.
وخلص إلى القول بأنه لكي نفهم النزاع في عصرنا وفي المستقبل, فلابد من فهم الخلافات الثقافية, والثقافة "بدلاً من الدولة" يجب أن يتم القبول بها كطرف وموقع للحروب. لذلك فقد حذر أن الأمم الغربية قد تفقد زعامتها إذا فشلت في فهم الطبيعة غير القابلة للتوفيق للإحتقانات المتنامية حالياً.
ومن الحق القول ان افكار "هنتجتون " قد اثارت الجدل والنقاشات في حين وضع تسلسلاً لمراحل الصراع فـي التاريخ، الذي انتهى فيه إلى أنه بنهاية الحرب الباردة ، سوف تبدأ مرحلة جديدة من الصراع بين النظام العالمي الجديد مع الحضارات الأخـرى. وأخطر هذا الصراع مع الحضارة الإسلامية والحضارة الصينية، لأنهما حضارتان تستعصيان على النموذج الغربي،أي أن المكونات الثقافية والقيم الأساسية لهاتين الحضارتين سوف تظل بعيدة عن ان تلتئم وتذوب في الخصائص والسمات التي يتميز بها الغرب،فكان طبيعياً أن يتنبأ "هنتجتون" بالصراع مع الثقافة الإسلامية ومثيلتها الصينية.
يقول "هنتجتون " : نظريتي هي أن المصدر الرئيسي للنزاع في العالم الحديث لن يكون في الأساس عقائدياً أو إقتصادياً. التقسيمات الكبرى للجنس البشري و مصدر الصراع الحاكم ستكون على أساس الثقافة، الدول القومية ستبقى كأقوى اللاعبين في العلاقات الدولية، ولكن النزاعات الرئيسية في السياسة العالمية ستحدث بين الأمم و المجموعات المختلفة من الحضارات، صراع الحضارات سيحكم السياسة العالمية، الفوالق بين الحضارات ستكون خطوط القتال في المستقبل". وبالاطلاع على أقوال وكتابات المنظرين الأمريكيين نعرف أنهم رغم نشوتهم بانتصار أمريكا في مواجهة الاتحاد السوفيتي، لديهم مخاوف أيضاً من أفول قوة أمريكا . ويلاحظ أحد نماذج هذا القلق في نظرية صراع الحضارات، فقد أدى قلق " هانتينجتون " من أفول قوة الغرب ورغبته في استمرار سيطرة الغرب إلى التفكير في وسيلة ، وبناء على هذا طرح نظريته المحافظة على الوضع الحالي .
وفي القرن الثامن عشر احتلت الصين في نظر الغرب موضوع الفتنة والسحر حيث احتل كونفوشيوس في نظر الكثير من المفكرين من أمثال فولتير مكانة تقارب العبادة . ثم تحول الاهتمام في" العصر الرومانسيThe Romanticism Era " صوب الهند حيث تزامن ذلك مع قيام الصين بغلق أبوابها في وجه الإرساليات المسيحية، كما تزامن مع بداية تنامي الشعور القومي لدى الأوربيين نتيجة الثورة الفرنسية. كذلك رأى الرومانسيون في الهند صورة البحث عن الطفولة والشوق إلى ما رأوا أن أوربا قد افتقدته وهو وحدة البشرية والواحدية مع الطبيعة وتوحيد الدين والفلسفة والفن. وهو ما يلخصه البعض بالظمأ الميتافزيقي ، حيث ظهرت مقولة روحانية الهند كمقابل لمادية الغرب. إن ترجمة "الأوبانيشاد" قد أسهمت كثيرا في فهم الغربيين للفكر الهندي. ولم يعد التأثير مقتصرا على المستشرقين الذين جابوا الهند بل تخطاهم ليشمل حتى الفلاسفة من أمثال شلينغ وفيشته وهيجل فضلا على شوبنهاور وشلاير ماخر،ومن خلالهم إلى الشعراء ك: جوته وشيلر ونوفاليس،وقد شكل القرن التاسع عشر كذلك بداية انبعاث هوس الغربيين بالصين من جديد مما وفر للباحثين فرص الإطلاع على جُل تراثيات الشرق والإلمام بها.
غير أن بداية القرن العشرين شكلت منعطفاَ حاسما في تأثر الأوربيين والأمريكيين بالأفكار الشرقية التي بدت منسجمة مع العلم التجريبي. وقد شمل هذا التأثير مجالات عديدة ابتداءً مما اشتهر من تأثير واضح لعقيدة "الزن " في السلوك الوجدي واجيال الهيبنز- وزن هي طائفة من "الماهايانا" البوذية يابانية، تفرعت عن فرقة "تشان" البوذية الصينية، يطلق اللفظ أيضا على مذهب هذه الطائفة، يتميز أتباع هذا المذهب بممارسة التأمل - زازن- كما يشتهرون بكثرة تداولهم للأقوال المأثورة والعِبر (كوآن). يرجع أصل كلمة زن إلى النُطق باليابانية للحرف الصيني "تشان" ، وهذه الكلمة الأخيرة هي نفسها ترجمة للكلمة السنسكريتية "ذيانا" وتعني استغراق التفكير أو التأمل -التعبد المطلق بالمعنى الحرفي-. تهدف تعاليم مذهب زن العودة إلى الأصول الأولى للبوذية، وخوض التجربة الشخصية التي عاشها بوذا التاريخي. تكتسي وضعية الجلوس أهمية خاصة لدي أتباع هذا المذهب، فعن طريق اتباع هذه الوضعية توَصَل بوذا إلى حالة الاستنارة (أو اليقظة) اما "الهيبنز Hippies وهم ظاهرة اجتماعية كانت بالأصل حركة شبابية نشأت في الولايات المتحدة في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين ثم ما لبثت أن انتشرت في باقي دول الغربية، وتعتبر هذه الحركة مناهضة للقيم الرأسمالية، حيث ظهرت بين طلاب بعض الجامعات في الولايات المتحدة كظاهرة احتجاج وتمرد على قيادة الكبار ومظاهر المادية والنفعية وثقافة الاستهلاك، فقام بعض الشباب المتذمر إلى التمرد على هذه القيم والدعوة لعالم تسوده الحرية والمساواة والحب والسلام. ميزوا أنفسهم بإطالة الشعر ولبس الملابس المهلهلة والفضفاضة والتجول والتنقل على هواهم في مختلف الأنحاء كتعبير عن قربهم من الطبيعة وحبهم لها - .
وتشير توصيات " هانتينجتون " للغرب في ختام مقاله " صراع الحضارات " إلى أن نظريته ليست نظرية خالصة، بل هي جدول أعمال للقائمين على سياسة أمريكا الخارجية، وإصدارها في مجلة لها نفوذ كبير في سياسة أمريكا الخارجية، تأكيد على وثائقية هذه النظرية، فقد طالب " هنتينجتون " في حلوله بالحد من القوة العسكرية للحضارة الصينية والإسلامية والمحافظة على كفاءة الغرب العسكرية خاصة في شرق وجنوب آسيا.
في مقابل هذه النظريات والنقاشات حول الصراع الحضاري برز موضوع"حوار الحضارات" فكرة من أول من تكلم بها المفكر الفرنسي" روجيه جارودي Roger Garaudy" عبر نظريته الرائدة ومشروعه للجمع بين الحضارات المختلفة على أساس أرضية مشتركة للتفاهم على مستوى شعوب الأرض وسماه بـ' حوار الحضارات '.
ثم طرح الرئيس الإيراني محمد خاتمي نظرية حوار الحضارات في ايلول/سبتمبر 1997م خلال كلمة ألقاها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يرى أن فكرة حوار الثقافات محاولة من أجل التفاهم بغية دحض التصادم، وتم إنشاء العديد من المؤتمرات والجمعيات والمؤسسات الداعية لترسيخ سياسة الحوار والتفاهم والتعايش السلمي بدلا من الصدام وتبني العديد من الكتاب هذه النظرية ودعوا إلى تنمية الحوار بين العالم الإسلامي والغرب حتى يمكن لكل طرف أن يتفهم الآخر ويتعايش معه وقد حددت الأمم المتحة عام 2001 م عام حوار الحضارات وعينت مندوبا متخصصا لهذا المنصب.
حوار الحضارات اذاَ هو التشاور والتفاعل الثقافي بين الشعوب، والقدرة على التكيف مع الأفكار المخالفة والتعامل مع جميع الآراء الثقافية والدينية والسياسية. تتعدد أهداف الحوار الحضاري، ومنها التعارف والتواصل والتفاعل والاحتكاك الحضاري، كما يعتبر الحوار الحضاري وسيلة أساسية لتجنب الصراعات.
وأعلن عن قدوم عصر " الربيع العربي" و" قلق الحضارات". وأصبح السعي لتحقيق الحرية والحقوق مصدر قلق الحكام والشعوب أيضا. حيث لم يقتصر هذا القلق على دول شمال أفريقيا وغرب آسيا بل تعدى إلى أن وصل إلى أوروبا وأمريكا. إلا أن الأخيرة لم تنل نفس مستوى الاهتمام الذي لقيته الاضطرابات في دول غرب أسيا وشمال أفريقيا، مع أن كلاهما كانا نتيجة استياء كبير إما لقمع النخبة السلطة على الشعب أو جشع النخبة الرأسمالية،أملاَ في ظهور التغيير السياسي والاقتصادي.
ويقول" تشانغ شنغ جو"Chang Sheng Guo ،نائب رئيس معهد العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة بكين للمعلمين : لقد ثارت الشعوب في الشرق الأوسط ضد الأنظمة الاستبدادية والديمقراطية الجامدة.ومع ذلك،فإن إنشاء القوى الديمقراطية الجديدة سوف لن يتم تلقائيا بعد تدمير الأنظمة القديمة. في حين أنه في أوروبا والولايات المتحدة ،وبالرغم من أن حركة " احتلوا ووستريت" انتشرت إلى أكثر من 80 بلدا وآلاف المدن عبر أنحاء العالم،إلا أننا لا نزال نرى اتجاه النضال والاهتمامات محدودة،لكن هذا الفضاء مشبع بـ " قلق الحضارات".
لقد مر على انتهاء الحرب الباردة اكثر من 20 عاما حتى الآن،ولا يمكن لأحد تجاهل ظهور العولمة من خلال السياسات الليبرالية الحديثة في الثمانينات من القرن الماضي.ومع ذلك، فإن التجربة القاسية للازمة المالية،جعلتنا اليوم نرى بوضوح تزايد عولمة أحادية الجانب، ونظرا للتسويق فإنه تم ربط جميع التجارة والتمويل بين جميع البلدان، وهذا ترتب عليه عواقب لا مفر منها من جهة،تراجع واضح للدول الغربية،بينما تشهد القدرة الإنتاجية في الاقتصادات الناشئة تزايدا مستمرا، وفي ظل قضية
المصدر: http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2011/12/28/246853.html