حوار الحضارات والملوك

حوار الحضارات والملوك

بقلم:اثير الخاقانى

منذ انهيار المعسكر الشيوعي قفز إلى رأس جدول أعمال العالم موضوع الصراع بين الغرب و الإسلام وتحول الى محور رئيسي للسياسات الدولية , وفى المقابل بدأ الترويج لمقولة مضادة وهى حوار الحضارات بعيدا عن صراع الحضارات , وتشكلت من أجل ذلك العديد من المنتديات الدولية ، إن حوار الحضارات لم يفهم وفق ماهو بل كان الطابع السياسي صاحب المبادرة في الحسم لقد اريد من هذا الحوار تقريب المسافة بين شعوب الاتحاد السوفيتي المنحلة من جهة وصهرها في الغرب ، وتمتين العلاقة وإلغاء الفوارق ظاهريا بين الشرق الاوسط الغارق بالبترول والحروب وكراهية الغرب في آن واحد ، لاجل ذلك روجت الماكنة الاعلامية العالمية لهذا الموضوع والا فحوار الحضارات يحتاج الى ترتيب عقائدي اولا حوار ديني بين الاديان الاساسية في العالم لان الحضارة تتشكل من حيث الجذور من اصول الاديان فاذا اختلفت اختلفت الحضارات ، اما الحوار بين الحضارات بعد هذه المرحلة فيحتاج الى حضارية الحوار في حد ذاته لانجاح هذا المشروع ..كما إن الدول لابد إن تتنازل عن حواضرها لماضي امم اخرى وبالعكس لان حضارة العرب مثلا من اقدم الحضارات ولكنها اليوم لاتساوي شيئا يذكر مع الحضارة الامريكية التي لايتجاوز عمرها عقدين من الزمن وهذا يصحح للباحث ليفي ستروس مؤخرا عندما اعترف بمديونيّته ومديونية البشرية كلها لمخترعي الفكر النقدي او العلمي في اوروبا. وقال من المستحب ان تتوصل جميع الشعوب الى مرحلة الفكر النقدي او التنويري. ولكن كما يسرد الاستاذ هاشم صالح في مقال له هذا السؤال هل يعني ذلك انه يحق لامريكا او للغرب كله ان يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة وان يتدخل في شؤون الشعوب الأخرى كما يشاء ويشتهي؟ على هذا السؤال يجيب جان دانييل بالنفي. واما فيليب رينو، استاذ العلوم السياسية في جامعة باريس فيرى ما يلي: ينبغي على الديمقراطيات الحديثة ان تقبل بوجود صراع طويل الأمد مع القوى الماضوية التي ترفض قيم الغرب بشكل مطلق. ولكن في ذات الوقت ينبغي علينا ان نقيم علاقات ايجابية مع القوى الأخرى الموجودة في نفس المجتمعات والتي تقبل بالافكار الحديثة. اما صوفي بتييس المؤرخة والصحافية الفرنسية فترفض اطروحة صموئيل هانتنغتون عن صراع الحضارات. وهي تطرح التساؤل التالي: لماذا لاقت اطروحته كل هذا النجاح والانتشار؟ فلا يوجد مثقف الا وناقشها او تحدث عنها. في الواقع ان هذه الاطروحة رجعية وخطيرة لانها تغطي على المشاكل الحقيقية. فهي اذ تركز على التناقض الثقافي او الحضاري بين الغرب والعالم الاسلامي و تهمل الاسباب الفعلية للصراع. ومن اهم هذه الاسباب التفاوت الهائل بين غنى الغرب وثرواته وبحبوحة شعوبه، وبين فقر المجتمعات الاسلامية والبؤس الذي تتخبط فيه شرائح واسعة من الشعوب العربية. وهكذا يتملص الغرب من مسؤوليته عن طريق القول بأن المسلمين معادون في جوهرهم لقيم الحداثة والحضارة! وبالتالي فالصراع معهم اجباري ليس لأن الكثيرين منهم يعانون من مشاكل الفقر والكبت والقهر وانما ميلهم الطبيعي الى العنف.. وهذا يبرهن على ان الغرب لا يريد ان يتحمل مسؤولية النظام العالمي الجائر الذي يقيم هوة سحيقة بين الشمال والجنوب. يضاف الى ذلك ان الغرب لا يريد ان يعترف بأن للآخرين الحق في بلورة القيم الحضارية والكونية، وانما يحتكر هذا الحق لنفسه فقط. واما فرانسوا فوركيه استاذ الاقتصاد في جامعة السوربون فيرى العكس. فهو يعتقد ان صموئيل هانتنغتون على حق عندما يتحدث عن صراع الحضارات. فالتفجيرات التي حصلت في نيويورك وواشنطن كانت موجهة فعلا ضد حضارة الغرب. وهي تهدف في ما وراء ضرب امريكا الى انهاء الهيمنة الغربية على العالم. ولكن هل الصراع أبدي او محتوم بين عالم الاسلام وعالم الغرب؟ عن هذا السؤال يجيب الباحث قائلا بأنه توجد امكانية لتفادي ذلك. وهي تتمثل في بلورة قيم كونية مقبولة من قبل جميع شعوب الارض وليس فقط من قبل الغرب. ففلسفة الغرب المتمثلة بالديمقراطية وحقوق الانسان وقوانين السوق لم تعد قادرة على فرض نفسها كفلسفة كونية تنطبق على العالم اجمع. وانما ينبغي على البشرية ان تبلور فلسفة أوسع منها واشمل. ويرى هذا الباحث ان الفلسفة الجديدة يمكن ان تستمد مبادئها من جميع التراثات الثقافية وليس فقط من تراث الغرب. فالاسلام مثلا يحتوي على تراث روحي عظيم ونحن نجهله. لماذا؟ لاننا، اي الغربيين، لا نعرف الا التيار المتطرف ولا نتحدث الا عنه. وهذا خطأ كبير يرتكبه الغرب في حق الثقافات الأخرى، خاصة الاسلام.اما الباحثة ميشيل غيوم هوفنونغ، استاذة القانون العام في جامعة السوربون فتطرح السؤال التالي: هل حقوق الانسان كونية؟ بمعنى: هل حقوق الانسان كما بلورها الغرب منذ قرنين تنطبق على جميع الشعوب ام انها خاصة بتاريخه فقط؟ هذا السؤال كان شبه ممنوع سابقا لان الغرب كان يفرض حداثته وقيمه بصفتها ذات طابع كوني. ونلاحظ ان الباحثة تجيب بالايجاب عن هذا السؤال، وذلك على عكس ما فهمناه من كلام الباحث السابق. فحقوق الانسان لا تنحصر بالعرقية المركزية الاوروبية كما يزعم البعض، لماذا؟ لانها لا تستمد جميع مبادئها من تراث الغرب وانما استفادت ايضا من قيم الاسلام. وهذا ما برهن عليه الاعلان الاسلامي العالمي لحقوق الانسان والصادر عن اليونيسكو عام 1981. يضاف الى ذلك ان فلسفة حقوق الانسان لا تتعارض مع الاديان وانما فقط مع التفسير المتعصب لها. وترى الباحثة ان مبادئ الاديان الكبرى، كالاسلام والمسيحية كانت قد نصت على كرامة الانسان ورفعة الانسان لانه خليفة الله في الارض. وبالتالي فلا تعارض بين حقوق الله وحقوق الانسان اذا ما فهمنا الدين بشكل صحيح وعقلاني.

الاعتراف بان حوار الحضارات ربما يمزق الشعوب ويفتك بالامم في الوقت الحاضر لايخلو من صحة لا سباب منها إن الحوار سوف يجلب معه مقررات يتداخلها مصالح لاتنفك عنها سياسة الدول العظمى إن تجني ثمراتها ، فمن الممكن إن يتحول حوار الحضارات من دعوة ايران مثلا الى احترام الغرب الى التلويح بالقوة لاخضاعها لحكم الحوار لاحظ إن الحوار سيستحيل الى احكام اجبارية يصعب معها تفهم الحضارة اصلا..! ولكن قد يؤدي لقاء عفوي لا أراه سياسيا كـ لقاء الملك السعودي بـ بابا الفاتيكان الى تهدئة الخواطر والاحتقان الديني السائد ،في بداية لقائهما التاريخي، قبض بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس بيديه على يدي الملك عبد الله، عاهل السعودية مرحبا به بحرارة.

وفي نهاية اللقاء الذي استمر نصف ساعة في مكتبة البابا، أهداه الملك سيفا مصنوعا من الذهب مرصعا بالمجوهرات، وشجرة مصنوعة من الذهب والفضة، وتمثالا لرجل يركب جملا.

وفي المقابل، أهدى البابا الملك لوحة تحمل نقشا للفاتيكان تعود إلى القرن السادس عشر.

غير أنه من المؤكد أن البابا والملك لم يتلقيا من أجل تبادل الهدايا. فالأهم هو ما دار في الفترة بين بداية ونهاية اللقاء الذي قال الفاتيكان إنه جرى بناء على طلب العاهل السعودي.

فماذا أراد الجانبان من اللقاء،وهو الأول بين ملك ، تمثل بلاده أحد رموز السنة الذين يمثلون الأغلبية الساحقة من المسلمين ، ورأس الفاتيكان، الذي يمثل رمزا لملايين المسيحيين الكاثوليك في العالم؟ إن هذه الرمزية اذا استطاعت إن تتوصل الى حل واحد لمشكلة واحدة فان هذه المشكلة عند ضربها بعدد من يمثلهم هذان القطبان ستعني حلولا ذهبية لملايين من المسلمين والمسيحيين ..

وربما كانت روح الحوار التي حملها عبد الله إلى الفاتيكان، وحرص البابا على تجنب لمس السيف الذي أهداه له الملك ، أبرز إشارة على حرص التعايش والحوار بالفكر. وهو ما يعلن وجهاء المسلمين والمسيحيين أيمانهم به دائما.
 

المصدر: http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2007/11/09/110110.html

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك