الالتزام بالشرع في العلاقة بين الحاكم والمحكوم.. ضمانة حقيقية للوطن
الالتزام بالشرع في العلاقة بين الحاكم والمحكوم..
ضمانة حقيقية للوطن
أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي
العلاقة بين الحاكم والمحكوم هي عقد مبايعة حقيقي يتم بموجبه أن تلتزم الرعية بالطاعة وأن يلتزم الراعي بالقيام بمنهج الله.
• فإن الإسلام دين موازنة فهو كما حفظ الحقوق فقد حفظ الواجبات، وذلك توازن لا يمكن أن يطغى أحدهما على الآخر.
• العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الإسلام جزء من العبادة وتقوم على الاحترام والثقة والأخوة وأن سلطة الحاكم مستمدة من الشرع ومن الأمة.
• المواطنة الحقيقية هي التعايش الصادق والمثمر بين أبناء الجنسية الواحدة في تعاونهم على البر والتقوى.
• من حقوق المواطنة حقوق تولى الوظائف والانتخاب والترشيح وإبداء الرأي وحرمة السكن وحقوق التعليم وحق الكفالة والتمتع بمرافق الدولة.
مكة المكرمة - موفد الدعوة:
الدكتور عبدالله بن إبراهيم الطريقي أستاذ جامعي في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وقد كان عضواً في لجنة التقييم في اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري الذي انعقد بمكة المكرمة، كما قدم للقاء بحثاً تأصيليًّا هو (الصلة بين الحاكم والمحكوم وحقوق المواطنة وواجباتها وعلاقة ذلك بالغلو).. في هذا اللقاء نحاور الدكتور الطريقي عن بعض ما جاء في بحثه القيم وعن تجربة الحوار التي شهدها وبعض شؤون ذات صلة بالمستجدات التي يمر بها مجتمعنا.
كتبت عن العلاقة بين الحاكم والمحكوم في النظر الشرعي.. فما مجمل رؤيتك في البحث؟
• الحاكم والمحكوم ليساً طرفين متناقضين وليسا أطرافاً متنازعة، بل متناغمة ومتناسقة وأن العلاقة بين الحاكم والمحكوم قائمة على جملة من القواعد أهمها عبودية كل منهما لله تعالى. والرعية مطالبة بطاعة ولي الأمر بالمعروف والراعي مطالب بإقامة دين الله، كما أن كلا منهما مطالب بالعدل والقسط في معاملته مع الآخر والنصح والشورى والرفق بين الطرفين وليس هناك إمامة أو مسؤولية كبرى إلا ببيعة أي أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم هي عقد مبايعة حقيقي يتم بموجبه أن تلتزم الرعية بالطاعة وأن يلتزم الراعي بالقيام بمنهج الله، وحقوق (المواطنة) لا تخرج عن طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم لأن السلطة والشعب يعيشان على الوطن الذي هو ثالث هذه الأركان التي تتكون من السلطة والرعية والأرض وأن المواطنة لها حقوق وعليها مسؤوليات لأن الإسلام دين موازنة فكما حفظ الحقوق فقد حفظ الواجبات.
والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، جزء من العلاقات الإنسانية التي شرعها الإسلام الحكيم وفصّل أحكامها، وهي من جملة العلاقات التي شرعها الإسلام بين كل طرفين سواء طرفين متقابلين مثل: الراعي والرعية، الوالد والولد، الضعيف والقوى، والغني والفقير، والزوج والزوجة، ونحوهم، فهؤلاء قرر لهم الإسلام نوعاً من العلاقة تتم على وفقها بحيث لا يكون هناك (وكس) ولا (شطط) وكل يأخذ نصيبه بدون أن يكون هناك مطالبات أو إلحاحات وإنما هي حقوق مقررة، وواجبات ومسؤوليات محددة شرعها الإسلام قبل أن تأتي هذه النداءات التي جاءت بها المواثيق والقوانين الدولية، فالإسلام شرع كل هذه الحقوق المتعلقة بهذه الأطراف ومن ذلك ما هو بين الحاكم والمحكوم.
وكيف تبدو المسؤولية التي يتحملها كل من الطرفين؟
• الحاكم والمحكوم ليسا طرفين متناقضين، وليسا أطرافاً متنازعة ولكنها أطراف متناغمة ومتناسقة فلا رعية بدون راع، ولا راعي بدون رعية، فإذاً لا يمكن أن يتصور وجود مسؤول كبير أو قيادة عليا مثل ملك أو رئيس أو نحو ذلك بدون أن يكون هناك رعية، فكذلك لا يتصور وجود رعية بدون راع، لذلك أخبر عليه الصلاة والسلام أن هذه مسؤولية عظيمة ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)) فالأمير الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته.
والعلاقة بين الحاكم والمحكوم قائمة على جملة من القواعد.. ومن هذه القواعد أولاً: أن كلا من الحاكم والمحكوم خاضع لربوبية الله سبحانه وتعالى وعبوديته وكلاهما عابد لله سبحانه وتعالى، فكل خاضع لعبادته سبحانه وتعالى لا فرق بين حاكم ومحكوم ﴿ وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ﴾ أيضاً كل منهما - الحاكم والمحكوم - مسؤول عما يقوم به، فإذا كانت الرعية أو أفراد الشعب مسؤولين عما يناط بهم من أعمال من طاعة لولي الأمر بالمعروف ومن مساعدة وتعاون ومؤازرة، وكذلك مطلوب من الحاكم أن يقوم بأعمال كبيرة منها أن يقيم دين الله سبحانه وتعالى على هذه الأرض، حتى يكون عالياً وظاهراً، وهذا الغرض من وجود الإنسان واستخلافه في هذه الأرض وكذلك الغرض من وجود دولة على هذه الأرض أن تكون قائمة بأمر الله وطاعته وترفع راية الإسلام.
هذه العلاقة بين الحاكم والمحكوم قائمة على قيم لا يمكن التغاضي عنها وبها العدل، فهو مطلوب من الراعي والرعية، فكل منهما مطلوب أن يعدل في معاملته مع الآخر ﴿ ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ﴾ والآية الأخرى ﴿ ان الله يأمر بالعدل والاحسان ﴾ فالعدل والقسط وغيرهما من المعاني القريبة كلها هي قاعدة شرعية تقوم عليها العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
ثانياً: القيم الخلقية أيضاً مثل النصيحة والنصح وكل منهما يجب أن ينصح للآخر، ويكون ناصحاً له بمعنى أنه يعطيه ثمرة فؤاده فاذا كان الراعي ينصح للرعية فكذلك الرعية تنصح له، فتعطيه كل ما عندها من نصح وذلك بالتعاون والتوجيه والتعاون على الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنها كذلك الرفق وقد قال النبي: ((اللهم من ولى من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به)) فالرفق مطلوب من الراعي والرعية، هناك أيضاً قواعد دستورية مهمة تحكم الراعي والرعية، وتشيع بينهم مبدأ الحكمة والتعقل في التعامل ومن ذلك مثلاً الشورى ﴿ وشاورهم في الامر ﴾ ومن ذلك أيضاً البيعة، فانه ليس هناك من إمامة أو حكم أو مسؤولية كبرى إلا ببيعة، كأن العلاقة بين الحاكم والمحكوم هي عقد مبايعة حقيقي يتم بموجبه أن تلتزم الرعية بالطاعة بالمعروف، وأن يلتزم الراعي بأن يقوم على منهج الله سبحانه وتعالى، وأيضاً من المبادئ ما يمكن أن نسميه المسؤولية (في الدنيا والآخرة) مسؤولية مدنية وجنائية، وكل منهما حاكماً ومحكوماً مسؤول عما يفعل وليست المسؤولية قاصرة على طرف واحد فهي مسؤولية مشتركة.
كان موضوع حقوق المواطنة الجزء الثاني من بحثكم المقدم للقاء الوطني.. فما هي حقوق المواطنة؟ وما هي واجباته؟
• هي لا تخرج عن طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، لأن السلطة والشعب يعيشان على أرض واحدة، وهي (الوطن) فالوطن هو ثالث الأركان التي تتكون منها الدولة الحديثة، التي تتكون من السلطة والرعية والأرض، فالمواطن له حقوق وعليه واجبات فإذا قلنا (مواطنة) فإنه يجب على من يعيش في هذا الوطن سواء كان حاكماً أو محكوماً فإن عليه مسؤولية المواطنة، فكل منهما يجب أن يؤدي حق المواطنة كما ينبغي.
وحقوق المواطنة - كما هو معروف في القوانين الدولية - إما حقوق سياسية أو حقوق عامة هذه كلها مرتبطة بالحقوق، فإذا قلنا (مواطن) فنعني الراعي والرعية، فكل منهما له حقوق وهو يعيش على هذه الأرض.. والأرض التي نحن نعيش عليها لها خصوصيتها بحكم وجود الأراضي المقدسة وهذه نعمة الله سبحانه وتعالى وكل سكانها في الأصل مسلمون. فالمواطنة لها حقوق وكذلك عليها مسؤوليات منها ما يتعلق بالراعي والرعية ومنها ما يتعلق بالبيئة، فعليه واجبات فإذا كان لك أيها المواطن حقوق فعليك أيضاً مسؤوليات فإن الإسلام دين موازنة فهو كما حفظ الحقوق فقد حفظ الواجبات، وذلك توازن لا يمكن أن يطغى أحدهما على الآخر.
كل هذه الأمور صار فيها بعض المجازفات والأخطاء والغلو والانحرافات وترتب عليه ما ترتب وأساء من أساء، لأنه لم يفهم أصلاً هذه الأمور ولم يفهم ما له من حقوق وما عليه من واجبات، أو ربما يجهل طبيعة هذه العلاقة فلذلك ربما أنه لا يؤديها على الوجه المطلوب فقد يجفو أو يغالي ، أي أن ينقص أو يزيد الإنسان في الشيء سواء في علاقته بالله أو علاقته بالمخلوق).
أشرت في بحثك إلى دقة الموضوع وخصوصية العلاقة بين الطرفين.. هل لك أن تشرح لنا تفاصيل تضمنها البحث؟
• العلاقة الإنسانية بطبيعتها شديدة التعقيد بالغة الدقة، حيث يتنازعها عوامل مختلفة وربما متناقضة كالدين والعقل والنفس والعادة، كما قد يتجاذبها طرفان متقابلان مثل الحق والواجب والأبوة والنبوّة.. الكبر والصغر الأمير والمأمور ومراد النفس فإذا لم تكن ثمة معايير دقيقة وواضحة يتعامل الناس على أساسها فإن العلاقة بينهم سيسودها الاضطراب والصراع والتظالم سواء بين الأفراد أنفسهم أو بينهم أو بين حكامهم ورؤسائهم.
والإسلام قد رسم خريطة العلاقات بدقة متناهية وحدد الحقوق والواجبات لكل صنفين متقابلين مثل الخالق والمخلوق الراعي والرعية الوالد والولد والزوجين الغني والفقير العالم والجاهل فأعطى كل صنف حقه ونصيبه.
وقضية العلاقة بين الراعي والرعية والحاكم والمحكوم من أهم تلك الأصناف والإسلام شرع من الحقوق والواجبات لكل منهما ما يوثق تلك العلاقة بينهما ويشيع روح الأخوة والتعاون ولقد اعتمدت في البحث على عدة مناهج منها المنهج التأصيلي و المنهج الاستنباطي والمنهج التحليلي والمنهج النقدي.
وينقسم البحث إلى قسمين هما الصلة بين الحاكم والمحكوم وحقوق المواطنة وواجباتها وبينت في البحث الأفكار الرئيسية للدراسة والتي تعتمد على تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم والتي تستند إلى أدلة شرعية كثيرة بالإضافة إلى أن العلاقة تستند إلى أنظمة سنها ولي الأمر ويأتي في مقدمتها النظام الأساسي للحكم وأن العلاقة تقوم على أسس متينة منها الالتزام بالعبودية لله والمساواة العامة بين الحاكم والمحكوم والقيم الخلقية كالعدل والنصح والرفق والصدق والمبادئ الدستورية (التبعية والمشورة والطاعة والمسؤولية).
وأوضحت أن العلاقة في الإسلام لها خصائص تميزها عن النظريات السياسية الأخرى ومن ذلك أنها جزء من العبادة وتقوم على الاحترام المتبادل بين الطرفين وعلى الثقة بينهما وعلى الأخوة الإسلامية وأن سلطة الحاكم مستمدة من الشرع الحنيف ومن الأمة فهي مركبة من (الولاية والوكالة) وأن الناس في علاقاتهم بالحكام طرفان إما الغلو في التقديس وإما الجفاء والتفريط وأن المواطنة الحقيقية هي التعايش الصادق والمثمر بين أبناء الجنسية الواحدة في تعاونهم على البر والتقوى وكذلك للمواطنة حقوق وهي نوعان الأول الحقوق السياسية (تولى الوظائف خُلق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي) وثانياً الحقوق العامة الحقوق الشخصية حرمة السكن وحقوق التعليم وحق الكفالة والتمتع بمرافق الدولة وأن المواطنة يترتب عليها مسؤوليات وواجبات وهي إجمالاً واجبات البناء الإنساني والعمراني وواجبات الحراسة كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله.
وأن الصلة بين الحاكم والمحكوم في الإسلام قوية ومتينة إذا ما عرف كل من الطرفين ماله من حقوق وما عليه من مسؤوليات وأدى كل منهما ذلك على الوجه الصحيح وأن الخلل الذي يحصل في العلاقة بين الطرفين يعود سببه إلى أحد أمرين الجهل بالحقوق والواجبات والأنانية وحب الذات والسيطرة وأن الناس في المواطنة طرفين ووسط فأحد الطرفين الذي يغلو في مفهوم الوطنية فيعظمها ويظل عليها عاكفاً حتى تكون غاية حياته ومماته والطرف الثاني الذي يجفو في حق وطنه فلا يسعى إلى نفع فيه ولا يعنيه أمر أمته في شيء بل تسيطر عليه الأنانية وربما تسبب في الإضرار في وطنه وأما الوسط فالذي يعرف للمواطنة حقها وقدرها ولذلك تجب المصلحة ودرء المفسدة وفق التشريع الإسلامي..
ولقد أوصيت في البحث أن من أجل توثيق الصلة بين الحاكم والمحكوم ينبغي تفعيل سياسة الباب المفتوح التي نصت عليها المادة 43 من النظام الأساسي للحكم ونصها (مجلس الملك ومجلس ولي العهد مفتوحان لكل مواطن ومن له شكوى أو مظلمة أو من له حق وأن من حق كل فرد مخاطبة السلطات العامة بما يعرض له من الشئون). كذلك نصت المادة الثانية عشرة من النظام أيضاً على أن تعزيز الوحدة الوطنية واجب وتمنع الدولة كل ما يؤدي والفتنة والانقسام لذا ينبغي تربية المواطن على أسلوب الحوار والنقد الهادف سواء بين الأفراد أنفسهم على مختلف مراتبهم وأطيافهم أم بين الأفراد والمسؤولين لما في ذلك من تعزيز العلاقة وكسر حواجز الرهبة والحذر وتحبيب النفوس بعضها إلى بعض ونشر الشفافية بين الجميع وانتشار الأمن الفكري.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Web/triqi/10947/31652/#ixzz1m5Z7So1q