ثقافة الحوار في مواجهة اختلاف الأمة
ثقافة الحوار في مواجهة اختلاف الأمة
1 ـ مفاهيم وأبعاد:
تقع الثقافة في رأس الحاجات العليا للبشرية؛ وتغدو أداة ووظيفة وهدفاً في آن معاً. لذلك تعددت مفاهيمها وتعريفاتها؛ وأشهر تعريفاتها أنها مجموع المعارف والخبرات والعادات والتقاليد والطقوس التي تتحول إلى أنساق فكرية وسلوكية([1])... أو هي مجموع النشاطات الاجتماعية والإنسانية مادياً ومعنوياً.
فالثقافة ـ في هذا المقام ـ تجسّد محطة الوعي الكبرى لدى أبناء الأمة الإسلامية بكل ما تحتاج إليه، وتؤسس لاستثمار العقل المنتج والمسؤول في اتجاهات ثقافة التسامح والتآخي تبعاً لأنماطها الروحية والمادية، والتربوية والعلمية والأدبية والفنية، وهنا تقع أيضاً ثقافة القيم الخلقية والجمالية، وثقافة الإبداع والاختراع و... وثقافة المقاومة والحرية... وثقافة المساومة والهزيمة، والاستسلام، وثقافة الغزو، والثقافة المضادة([2])...
إذاً، هناك اتجاهات متنوعة للثقافة فنقول ثقافة وطنية وقومية وثقافة إسلامية وإنسانية، وثقافة علمية؛ وأدبية ونقدية، وثقافة إعلامية واقتصادية وسياسية واجتماعية و..وينبغي على أي اتجاه أن يسعى إلى تقريب الخلاف الناشئ فيما بينها.
وبناء على ما تقدم فالثقافة ـ عندي ـ هي مجموع مدخلات الذهن البشري من الخبرات والمعارف والعادات والفنون والآداب و... قديمها وحديثها، وقد تحولت إلى أنساق معرفية وعلمية وفنية و... وسلوكات ... ومن ثم عليها أن تغدو ثقافة تتبنى المفاهيم الخلقية والمعنوية التي تخدم الإنسان كي يتقدم ويرتقي، ما يعني أن بإمكانه تجاوز الزمان والمكان والجنس واللون، لصالح ثقافة المحبة والإخاء في كل زمان ومكان([3])... وما تزال تستند إلى هذا المبدأ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها... وبهذا فإن الثقافة تمتد إلى المضامين الروحية ثم الفكرية في مجمل المعارف وإلى بعض الظواهر المادية والتقنية والفنية للحياة... على حين تمتد الحضارة إلى كل جوانب الثقافة ومفاهيمها، وإلى الحياة بكل أبعادها ووجوهها.
وهذا يعني أن ثقافة الحوار تحتاج إلى شروط عدة منها: شرط الحرية، وشرط إرادة الحوار العاقل المنتج والمتوازن وشرط العدالة. وهي شروط المثاقفة.. ومن ثم لا يمكن لأي مجتمع أياً كانت عقيدته أو مذهبه أن يعزل ثقافته عن شروطها الزمانية والمكانية؛ والمعرفية والاجتماعية، أي إن شرط التغيير والتقدم ينبثق من صميم المثاقفة بين أبناء الأمة من جهة وبينهم وبين ثقافة الآخر من جهة ثانية، والاتصال بقيمها ومفاهيمها المادية والمعنوية.
ولذلك فالمثاقفة هي اكتساب فرد ما أو جماعة ما ثقافة الآخر بأسلوب إرادي ولا إرادي؛ أي وفق منهج علمي مدروس أو أسلوب عشوائي عفوي. فالمثاقفة حاجةٌ لا غنى عنها للأفراد والجماعات و... وهي تتجه اتجاهات نظرية وسلوكية حياتية، وترتبط بالتصرفات تارة فتغدو تقليداً عند هذا الفرد أو ذاك... كما ترتبط بالفلسفات والرؤى تارة أخرى؛ وكل من يريد أن يفرض رؤيته أو ثقافته على الآخر، أو يعمد إلى فرض اتجاه ما أو مذهب ما تصبح المثاقفة غير متوازنة، وغير طبيعية، وغير موضوعية.. وتستشري حينئذ الفتنة والفوضى. وهذا ما يمكن أن يتجلى فيما ترمي إليه ثقافة العولمة (Globalization) التي راحت تفرض أنماطها على ثقافة العالم وعقله في الاقتصاد والتجارة، والتقنيات والأسفار، والإعلام والفضائيات والاتصال والمواصلات، والحاسوب والشابكة، والتزيين والأثاث، والأطعمة والأزياء، والعلوم والمعارف، والفنون والآداب والنقد([4])... وقد أصاب ثقافتنا الإسلامية، وعاداتنا الاجتماعية تغييرات غير قليلة لصالح ثقافة التمزق والتشتت.
ثم إن الثقافة الحقيقية تشترط المثاقفة بين أبناء الإنسانية على أساس التوازن والعدل والمساواة؛ وإن كان طرف ما أكثر تقدماً وارتقاءً من طرف آخر، علماً أنه لا يمكن لأي مثاقفة مهما كانت أشكالها إلا أن تجري بالحوار والتواصل الصحيح دون فرض أو قهر بالقوة. ثم إن قضايا الحوار الثقافي تعد ـ اليوم ـ واحدة من أبرز قضايا الفكر المعاصر... ولا مراء لدينا في أن كل ثقافة تتصف بخصائص ذاتية تميزها من بقية الثقافات، طبيعة ووظيفة،... وهذا يضع نصب أعيننا أن الثقافة الإسلامية ـ التي تكونت بفعل القرآن الكريم والسنة النبوية ـ قد اندمجت بالإسلام لغة وتراثاً ورؤى متجددة، وفقهاً متعدداً مبنياً على الاجتهاد والتأويل، ثم اصطبغ ذلك كله بالعمق والاتساع لدخول أجناس شتى فيه ما يعني أن رسالة الإسلام اندمجت بمكوناته الثقافية التي أدت إلى التماثل، والتفاهم، وأضحت رسالة تقريب حضارية تتنافى مع الصنعة والتزيد والتلفيق والتحريف.
وحين سيطرت المدنية المادية على الحضارة الغربية منذ القديم كان المسلمون يسعون إلى حالة من التوازن بين المادة والروح. فالبنية الثقافة الإسلامية أخذت تحدد خصائص المجتمع العربي ـ الإسلامي، في صميم المرجعيات الفكرية والدينية التي تفاعلت في بنية المجتمع وفضاءاته المحلية؛علماً أن علماء الأنثروبولوجيا، وأقطاب علم الاجتماع المعرفي يذهبون إلى أن العناصر الروحية تتشيا بأنماط شتى مثل الأفكار والأخلاق والعادات والتقاليد، والقوانين والآداب واللغة والفنون... ثم إن تحليل البنية الثقافة الإسلامية بكل مستوياتها واتجاهاتها تعزز فكرة أصالة الحوار بين العرب والمسلمين، بوصفها فكرة ساعدت على التطور الحضاري للأمة في صميم اجتهادات مفكريها، وعلمائها وأكدت عمق إدراكهم العقلي وحيوية أنماطهم الفكرية في مختلف شؤون الحياة.
وإذا كانت ثقافة التسامح والتآخي تحتاج إلى عقل واعٍ ومنهج وعلم ومعارف وتقنيات وفنون و... فإنها أحوج إلى الخلق النبيل والروح السامية في إطار الفكر التحاوري...
لهذا يُعدُّ الحوار وسيلة للعقل من أجل التفاهم وتلاقي الآراء، وتصبح معرفة دلالته ـ لغة واصطلاحاً ـ ضرورة لفهم ثقافة الحوار التي غدت كينونة وجودية عند العرب والمسلمين. فالحوار (Dialogue) ـ لغة ـ هو مراجعة الكلام بين طرفين في شأن ما، أو رأي ما؛ لتعزيزه، أو تصويبه، أو تطويره، أو التخلي عنه([5]). وحاوره في الأمر: راجعه فيه، حاوره محاورة وحواراً، ومحارة وحؤوراً، وكله من الحَوْر (بتسكين الواو) الرجوع، وعليه قوله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله، والله يسمع تحاوركما، إن الله سميع بصير}(سورة المجادلة 58/1)، علماً أن الحوار في النص القرآني موضوع لذاته بوصفه الحل الأمثل لعلاج أي خلاف ينشأ بين أبناء الأمة للاهتداء إلى الحقيقة، وإزالة الغشاوة عنها مصداقاً لقوله تعالى: { قال له صاحبه وهو يحاوره: أكفرت بالذي خلقك من تراب، ثم من نطفة، ثم سواك رجلاً} (سورة الكهف 37) ([6]).
وهذا يضعنا عند تعريف اصطلاحي للحوار ـ كما نراه ـ فالحوار هو نظام لغوي للتخاطب بين المتحاورين يعتمد الكلمة ويتضمن رسالة ذات مضمون ما وطنياً أو قومياً أو إنسانياً، ذاتياً أو اجتماعياً، سياسياً أو ثقافياً أو إعلامياً أو أدبياً و... ([7])
وبناء على ما تقدم فإن مفهوم الحوار يختلف عن مفهوم الجدل؛ وإن كانا يلتقيان في جوانب المراجعة الكلامية، إلا أن النقاش في الجدل غير مثمر؛ وقد ينتهي إلى نتيجة عقيمة([8])،أي إذا دخل الحوار في باب الجدل الصرف والهيمنة المستبدة فإن الأطراف المتحاورة ستسقط في أتون المعاندة، وكان الأولى أن تستند إلى العقل والمنطق والحجة والبرهان للوصول إلى هدفه كقوله تعالى:{ربِّ اشرح لي صدري، ويسّر لي أمري، واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي} (سورة طه 20/25 ـ 28). ومن ثم نهى الله ـ جل وعلا ـ عن الجدل العقيم لقوله: { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن} (سورة النحل 16/12)، ورحَّب بالاستماع والإنصات، واختيار ما هو أفضل للمستمع على يوافق أن الحق([9]).
2 ـ أصالة الحوار عند المسلمين وتجلياته:
يدعو الإسلام أتباعه إلى تبني ثقافة الحوار منذ وجوده ويجعله ضرورة حياة وارتقاء لكل مسلم بوصفه ذا بُعْدٍ حضاري وإنساني يحترم الآخر أياً كانت عقيدته أو جنسه أو لونه، وهذا ما تشهد به قصص الأنبياء جميعها.
ولسنا نشك لحظة واحدة في أن العقل الإسلامي ـ منذ نزول الوحي ـ قد اعتمد مبدأ الحوار، وجعله أساساً للشريعة للوصول إلى الحق، ثم انفتح على ثقافة الآخر أياً كان هذا الآخر في إطار (أنا ونحن) أم في إطار المباين (هو ـ وأنت)، وواصَلها وحاورها داخلياً وخارجياً دون أن يصاب بعقد فكرية أو اجتماعية، أو دينية استناداً إلى قوله تعالى: { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله} (آل عمران 3/64). فهذا النص دعوة صريحة إلى تبني الحوار وممارسته للوصول إلى الحق، وهو بدوره يؤدي إلى التعايش المشترك والتسامح في المواقف والآراء...
ويشير هذا النص ـ أيضاً ـ إلى قِدَم حوار الأديان، فضلاً عن حوار الثقافات. لهذا حاور العقل المسلم الثقافات القديمة هندية كانت أم فارسية ويونانية، أفاد منها واستوعب فلسفاتها، وآراءها وأفكارها دون أن يصاب بالخوف والاستلاب والرعب والتطرف... انشغل ـ أحياناً ـ بالمفاهيم المادية أو المفاهيم المجردة، ولاسيما تلك التي ارتبطت بالذات الإلهية والروح والنفس، إذ تطرفت في معالجتها إلى حد إنكار الوجود الإلهي أو الاختلاف في تفسير النص القرآني. فالاختلاف في الرؤية والمفاهيم والمصالح اختلاف مشروع نظراً لاختلاف المكونات العقلية والنفسية للأفراد والجماعات والثقافات قديماً وحديثاً... وكان الحوار الأداة الأهم في الوصول إلى نتائجه المرجوة، في صميم ظروفه الموضوعية...
وهذا ما عرفته الثقافة العربية والإسلامية حين نزعت إلى الانفتاح على ثقافات العالم القديم، في الوقت الذي اتّصفت بالحيوية والقدرة على التفاعل معها دون أن تفقد خصائصها الموروثة. ولا شيء أدلّ على هذا كلّه من الطبيب العربي الجاهلي (الحارث بن كَلْدة الثقفي) الذي فتح عقله على الفلسفة الهندية؛ فخبر معارفها وطبها، وتلقف منهما ما قدر عليه حتى صار طبيب العرب وحكيمها في الجاهلية... ثم تجددت عملية المثاقفة في العصور الإسلامية بعد فتح بلاد السند والهند والشام، و... ونقل العرب علوم الرياضيات والفلك والفلسفة،... وما من أحد يغفل عن الأرقام (الغبارية) التي نستعملها اليوم، ونطلق عليها ـ أحياناً ـ الأرقام (الهندية). ومن ثم لا يستطيع إنسان ما ـ بلغ من العلم ما بلغ ـ أن ينكر ابن رشد الذي تميز بالنزعة العقلية التي تتبنى فهم الواقع وتحليله في إطار الوعي الفلسفي المستمد من الفكر الأرسطي... وقد استندت المثاقفة لدى أجدادنا إلى حرية الحوار وموضوعيته وفق ما رسمه النص القرآني، ابتداء بمحاورة الله (سبحانه وتعالى) لإبليس؛ ومروراً بالقصص الحوارية الكثيرة بين الأنبياء وغيرهم، كحوار (موسى وفرعون) و(الرجل الصالح وموسى) و(نوح وابنه وقومه) و...وانتهاء بالحوار العميق بين فلاسفة العرب وغيرهم من المتوافقين والمتخالفين في العقيدة والثقافة والجنس و...
هكذا تأسس الحوار في حياة المسلمين بأصح صورة انطلاقاً من الرغبة الإيمانية الصادقة بالحوار لتحقيق مصلحة الدين الحنيف؛ وعدم الركون إلى الباطل والهوان... ولا بد من أن يكون الحوار بألطف السبل والموعظة المقنعة. وكان الرسول الكريم قد حاور المشركين وغيرهم، ومضى يحقق تثبيت دعوته استناداً إلى خيار واعٍ ودقيق وفق قراءة ما يترتب عليه المستقبل، أياً كان نوعه حواراً شفهياً أم مكتوباً، كما جرى في معاهدة (صلح الحديبية)؛ وكذلك فعل الخليفة عمر (رضي الله عنه) في (العهدة العمرية)... ثم راحت ثقافة الحوار تتضح بين القوم الذين ينتمون إلى أمّة واحدة، وبين الأقوام الذين ينتمون إلى أمم شتى؛ وبرز حوار الثقافات، والأديان، والفلسفات في العصر العباسي.
وبذلك فإن الحوار في الإسلام والدعوة إلى قبول الآخر والاستماع إليه، ومناقشته أصيل في تاريخ الأمة، وتاريخ الفكر الإسلامي الحواري، وإن سقط بعض الفِرَق والمذاهب في عداء الآخر، أو السخرية منه كما حدث من الخوارج، وبعض المعتزلة. وتظل حالات الاستبداد بالرأي، وإلغاء الآخر قليلة في الفكر الحواري الإسلامي؛ إذا استثنينا بعض حالات الفكر الديني السياسي في العهد الأموي. وهذا الفكر هو الذي أورثنا الشحناء والبغضاء حتى اليوم.
وما من أحد ينسى البيروني (973 ـ 1048م) الذي واصل الثقافة الهندية أربعين سنة، فأنتجت هذه المثاقفة كتابه المعروف (ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة)... فالعرب عرفوا في القرن الخامس عدداً من الكتب الهندية ولاسيما الملاحم مثل (المهابهارتا والراميانا، والفيدا)، ولما انتشر الإسلام في بقاع من الهند بنى المسلمون واحدة من أعاجيب الدنيا (تاج محل) الذي جمع بين الطراز العربي وعدد من الطُّرُز الهندية والفارسية... فالثقافة العربية ـ الإسلامية استجابت لتجليات ثقافة الحوار في كل شأن من شؤون الإنسان الحياتية، والاجتماعية والفكرية والدينية و... واعتمدت في ذلك كله على حوار داخلي بعيد الآثار،وعميق الأغوار. فهي لم تترك شيئاً بعيداً عن متناول الحوار، بما فيها الحوار حول الذات الإلهية؛ ورسالات الأنبياء، كما يتجلى في غير ما سورة من سور القرآن الكريم.
وبناء على ما تقدم أرسى الإسلام ثقافة الحوار داخل الذات الفردية والجمعية، وبينها وبين الآخر في إطار العقيدة الصحيحة، ورسم بنية العلاقات الثقافية والدينية وفق مبدأ الإخاء والتسامح وتبادل الرأي، لإنتاج الحكمة النافعة للجميع وتقليص الفجوة بين المتحاورين ثقافة وموقعاً جاعلين الاختلاف في الرأي اجتهاداً لا يجوز أن يوصل الأمة إلى الخلاف والاصطراع... ما يفرض علينا أن ننشئ هيئة إسلامية جامعة تناقش كل ما يتعلق بالأصول والفروع في ضوء {إن الحكم إلا لله} (يوسف 40)، هيئة إسلامية ترتكز على إيمانٍ عميق بالحوار والتكامل بين أبناء الأمة، وتضطلع بمهمات عقلية علمية موضوعية، وتتصف بعلم واسع بأحكام الإسلام وأسسه وأصوله وفروعه.
إن تبني مفهوم العقل الواعي الذي يتدبر كل شيء حوله أساساً علمياً للمحاورة في صميم تراكم المعرفة والأدلة، ومعانقة مبادئ الشريعة. من خلال ما نجده عن ابن رشد في قوله: ((فإنا معشر المسلمين نعلم على القطع أنه لا يؤدي النظر البرهاني إلى مخالفة ما ورد به الشرع، فإن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له)) ([10]) نقول: إن تبني مفهوم العقل الواعي يحقق حرية الإنسان وإنسانيته وقيمه الأصيلة، ويبعده عن النزعات المرضية مصداقاً لقوله تعالى: {ولا تقفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً} (الإسراء 17/36).
وفضلاً عن ذلك فالحوار في الإسلام يتصف بالمظهر الإنساني البعيد عن الاستعلاء والسخرية والتجاذب والمجادلة. وهو خطاب موجه إلى الإنسان المكرم عنده في كل زمان ومكان.
إذاً، ظهرت ثقافة الحوار ومنزلتها في الإسلام من خلال احترام كينونة الإنسان وفطرته لقوله تعالى: { ولد كرمنا بني آدم} (سورة الإسراء 17/70). إنها ثقافة تضع حق حياة الإنسان فوق أي حق، أياً كانت طائفته أو عقيدته أو مذهبه أو جنسه،... فلا يجوز إزهاق الروح التي حرم الله قتلها إلا بالحق... وهو مصداق قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ في الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَميعاً} (سورة المائدة 5/32).
وهذا كلّه يثبت أن الحوار في الثقافة العربية ـ الإسلامية حوار داخلي من جهة وحوار خارجي من جهة أخرى، وهو حوار يُعْنَى بمبدأ التكامل بين الأنا والآخر دون أن يسقط في حالة الاجترار والتكرار أو العبث بعقول الأجيال، أو أن يسقط في حالة التعبّد للماضي أو التبعية لثقافة الآخر.
وبناء عليه فإن ثقافة الحوار، أو المثاقفة كانت وسيلة المسلمين لتطوير ما لديهم من معارف وخبرات وفنون وآداب وعلوم و... وتحويلها إلى أنساق فكرية واجتماعية تقوي مشاركتهم في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ وتشعر الواحد منهم بأنه جزء أصيل في بناء الحياة؛ أي إنه عضو فاعل فيها، وليس مجرد رقم من كتلة أرقام أو معادلة من جملة معادلات واتفاقيات تجري هنا أو هناك... ولهذا كان علم عالم ما أو كتابه يوزن بالذهب... وكانت وسيلتهم إلى تلك المشاركة الحوار الذي يستند إلى الحق والعدالة والحرية... أي إن لم تستند ثقافة الحوار إلى تلك المبادئ فإنها تنتهي إلى العبودية والتبعية والاستلاب و... فثقافة الحوار تنمو وتتطور وفق شروط تؤكد عملية التوازن في المثاقفة التي تؤسس احترام الذات بمثل ما تؤسس احترام الآخر وثقافته أياً كان الاختلاف معها، أو مع أفعاله، وتصرفاته.. ونحن أحوج إلى هذه الثقافة في واقعنا المعاصر الذي يفرض علينا رؤى معرفية وعلمية وسياسية وإعلامية وتقنية... كثيرة التشعبات والمضامين، في ضوء وحدة الوجود والمصالح معاً... ولعل وحدة الثقافة التي يتمتع بها الوطن العربي ـ على وجود التيارات السياسية والحزبية المتباينة، أحياناً ـ تجعله يقترب بوساطة ثقافة الحوار من وحدة الهدف والغاية والوظيفة، على الرغم من تشظي دوله إلى اثنتين وعشرين دولة... ثم تجعله قادراً على إدارة هذه الثقافة فيما بين دوله، وفيما بينها وبين غيرها من جهة أخرى.
3 ـ مرتكزات الحوار الإسلامية وخصائصه:
ثقافة الحوار تخلق حالة من التوافق بين الذات والآخر لتحقيق المنافع الخاصة والعامة؛ وإن لم تبلغ مرتبة التطابق أو الاندماج. ولعل هذا ينمّي بينهما أجزاء غير قليلة من عملية التسامح، ومن ثم التعاون والتفاعل بدلاً من تأجيج حالات الكراهية والصراع.
فإذا كان مجتمعنا العربي والإسلامي يعاني اليوم من ازدياد الآثار الناجمة عن حالات العنف والقهر غير المشروع نتيجة استخدام القوى المعادية للقوة المفرطة مادياً ومعنوياً، تقنياً وعسكرياً؛ إعلامياً ومعرفياً، فإن هذا المجتمع أحوج ما يكون لتوظيف ثقافة الحوار لمنافعه وصالحه، ولاسيما أن تلك القوى الظالمة قد وصمت مقاومته المشروعة للاحتلال الصهيوني بالإرهاب...
وإذا كنا نركز على شروط الحوار بوصفها تتكامل فيما بينها وفق التراتب الآتي: الوعي والحق والعدل والموضوعية والحرية والمسؤولية وإرادة الاختيار فإننا نرى أن كل مفهوم يؤدي إلى الآخر، فإذا انتقص شرط فقدت ثقافة الحوار جوهرها. ومن ثم نظر الإسلام إلى المسلمين بوصفهم أمة واحدة، لا يجوز أن تفرقهم الأهواء والشيع، إذ الأصل بينهم واحد، وهو يتجسد بالقرآن والسنة المطهرة. ومن ثم هم ينتمون إلى جوهر إنساني واحد، في إطار الوحدة الإنسانية الشمولية لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الذَّي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مَنْهُمَا رِجَالاً كثِيراً وَنِساءً واتَّقُوا اللهَ الَّذي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا (1)} (سورة النساء 4/1). لذا فالخلاف ظاهرة عارضة منشؤها اختلاف العصبيات والفلسفات والميل إلى الجاه والسلطان والرغبة في السيطرة لقوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} (سورة البقرة 2/213). فالقرآن الكريم رأى أن اختلاف اللغات والألوان والأجناس لا يلغي الوحدة الإنسانية الجامعة، علماً أن الاختلاف من سنن الله في خلق الإنسان([11]) وما على الإنسان إلا التكيف مع سنة الاختلاف لقوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ في ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)} (سورة الروم30/22). ولهذا لا يجوز للناس أن يقاتل بعضهم بعضاً لعلة الاختلاف بل عليهم أن يوجدوا حالات التماثل فيما بينهم مصداقاً لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} (سورة الحجرات 49/13).
ويعد هدف الحوار غاية وحيدة للوصول إلى القاسم المشترك بين الأمم لقوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إَلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضَاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)}(سورة أل عمران 3/64).
وقد قضى الإسلام بمقتضى المبادئ الفطرية لسنة الاختلاف في الجنس واللون والعقيدة ألا يكون أحدهم جاهلاً بثقافة الحوار، وعلى العالم ألا يتحكم بالجاهل أو يستبد به، لقول الإمام علي بن أبي طالب [ولا يسأل الجهلاء بما لم يتعلموا حتى يسأل العلماء لما لم يعلموا].
ولعل الذرائع الواهية التي يتمسك بها بعض المفكرين، أو بعض الدول تستند إلى ما يملكونه من قدرات وطاقات وموارد وتقنيات وقوة مادية وإعلامية... فيجعلونها سبيلاً إلى استغلال الآخر والتحكم بمصيره. وهو ما تدحضه مبادئ الشريعة الإسلامية، والنواميس الكونية، وشرعة حقوق الإنسان. بل إن الفطرة السليمة تنفي استغلال الإنسان للإنسان والاستبداد به، أو إشعال الفتنة بين أبناء الأمم الأخرى للسيطرة عليهم كما حصل ويحصل في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان والصومال...
ولعل هذا يذكرنا بالحوار العربي ـ الصهيوني، فهو لا ينطلق من مفهوم الحق والعدالة؛ لأن الصهيونية تبنت مفهوم (الأغيار) ونفيهم وفق مبدأ (الغوييم).... فالعقيدة الصهيونية تمارس ثقافة الاستئصال للطرف الآخر العربي الضعيف، العاجز، ما يثبت انتفاء الحوار أصلاً. فالكيان الصهيوني المدعوم من الدوائر الغربية ولاسيما الأمريكية يقوم على نظام فكري عنصري إلغائي، علماً أنه احتاج إلى الأمم المتحدة لإنشائه، والاعتراف به... إذ كان نشوؤه خارج الإطار الطبيعي لنشأة الدول... وما يزال كذلك. ما يؤكد انتفاء الكينونة الإنسانية للحوار المتوازن القائم على أساس المساواة والتكافؤ والعدل بين العرب والكيان الصهيوني؛ إنه حوار أبعد ما يكون عن مفهوم الإسلام للحوار بين المسلم والمشرك في قوله تعالى: {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} (سبأ34/24).
فالآية تتبنى احترام الإنسان ومحاورته أياً كانت عقيدته أو موقفه المغاير والمعادي في ساحة المعركة وفي غيرها، من دون هوىً أو عصبية، أو إلغاء أو استئصال... فهي تعتمد مبدأ الندية والمساواة مع الإنسان المشرك بوصفه آدمياً، وليس بوصفه كافراً... فالآية لم تقع في نفي الآخر وإسكاته، وفرض رؤية الإسلام عليه... بعكس ما تذهب إليه الحركة الصهيونية وما ذهب إليه جورج بوش الابن إثر أحداث (11/ 9/ 2001م) حين قال: «من ليس معنا فهو ضدنا»... فالحوار القائم على إلغاء رؤية الآخر، وعدم الرضا بها أو قبول المناقشة فيها، يؤكد مفهوم الهيمنة لطرف على طرف، بل إنه يقتل القيم الخلقية الإنسانية التي تقوم عليها معايير الحوار وقواعده... فإدارة الاختلاف بين الدول والشعوب تعتمد على الحوار العاقل والهادئ واستيعاب ثقافته، والإذعان للحق، أما الكيان الصهيوني فإنه خارج إطار أي حوار، لأنه ممن ينطبق عليه قوله تعالى: {وقالوا: لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير* فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحاب السعير} (الملك67/ 10 ـ 11). وفي هذا الشأن لا بأس أن نشير إلى فكرة صراع الحضارات التي استشرت في تسعينيات القرن العشرين، وشرعت تلقي بظلالها الأمريكية هنا وهناك، وتزين مفهوم وجوب هذا الصراع... وهو واقع ـ لا محالة ـ بين أبناء الأمة الواحدة لأسباب متعددة كالفتنة المذهبية والطائفية والعرقية وهو صراع يزول بزوال هذه الأسباب... أي إن الصراع بوصفه أزلياً في البشرية لا يمكن أن يحصر في زمان دون زمان، ومكان دون مكان، وأمة دون أمة... وهذا يشي بأن فكرة صراع الحضارات كانت ترمي إلى جعل الصراع الوجودي بين العرب والكيان الصهيوني إنما هو صراع يزول بزوال أسبابه، والطرف الأقوى هو الذي يفرض رغباته إلى أن تتغير موازين القوى أو تختل... علماً أن فكرة الصراع سلَّمت للحضارة الغربية بالانتصار على العرب والمسلمين.
وإذا كان لكل أمة من الأمم ثقافتها المميزة، فإن ثقافات الأمم لا يمكن أن تنصهر في بوتقة واحدة، والسؤال الذي يطرح نفسه على العقل الإنساني: هل هو قادر على الوصول بالثقافة إلى الكمال؟... وهل يمكن للعقل الإنساني الواعي أن يخضع للوهم والافتراءات والأكاذيب للوصول إلى السيطرة على الآخر؟! وهذا ما أوضحته ـ سبحانه ـ في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُريِدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً}(سورة النساء4/ 61).
وهذا يثبت أن آلية الحوار وطبيعة الحجة والجدل مهمة في الرؤية الإسلامية إذ لا حوار من دون عقل ورؤية وتأمل وتدبر... وكل ذلك المرء لمعرفة الخالق نفسه لقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا في أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمَّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8)} (سورة الروم30/ 8).
وهذا الأسلوب أمر مطلوب ومشروع وهو يؤدي إلى العلم واليقين لمعرفة الحق والحقيقة لقوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَني وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ} (سورة يوسف12/108)، فالآية تؤكد موضوع الحوار وآلياته المعتمدة على البصيرة والتعقل، والمناقشة مع الأعداء قبل الأصدقاء.
وبناء على ما تقدم كله نذكِّر بأن أعظم عيب يصيب الأطراف المتحاورة أن تفقد مسؤوليتها الخلقية والإنسانية في ثقافة الحوار، أو أن تكون جاهلة بقواعده ومنهاجه ومعارفه... أو أن تتجاهل ذلك كله؛ لأنها حينئذ تنطلق من تصورات ثابتة، وعقائد منحرفة، كما هو حاصل اليوم في حوار الثقافات والأديان... فالإسلام لا يقتصر على أن يجعل الحوار وسيلة لبلوغ الغايات المثلى لصالح أبناء الأمة، وإنما يرمي أيضاً إلى جعل الحوار هدفاً خلقياً رفيعاً ينبغي أن نَعَضَّ عليه بالنواجذ، أياً كانت المسائل الشائكة التي تعترض الأطراف المتحاورة.
فإذا كان الحوار امتداداً للثقافة والعلاقات التاريخية بين أبناء الأمة الإسلامية فإن إشاعة القيم الخلقية في آليات الحوار ووظائفه تعد هدفاً بالغ الأهمية لاستمرار العلاقات الإنسانية الخيرة في النفس البشرية... ما يعني أنه ينبغي علينا تربية الناشئة على ثقافة الحوار الخيّر، وتكوين وجدانها منذ نعومة الأظفار على أهمية تلك الثقافة في إيجاد المجتمع الصالح الذي يرتقي بمسؤولية كل فرد فيها إلى منزلة الانصهار بالوطن وترابه، وقيم الأمة وتراثها، وبناء العلاقات السديدة مع الآخر في الانفتاح عليه بوساطة المثاقفة. وهذا مصداق قوله تعالى: { وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك، ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين} (سورة القصص28/77 والآية 83).
وقد حاز موضوع الحوار ـ في وقتنا الراهن ـ حول الإسلام ومستقبله عناية علماء الدين والمفكرين والسياسيين، وعلماء الاجتماع والاقتصاد... ومن ثم انشغلوا بالحوار الديني فمنهم الخائف على الدين والمدافع عنه، ومنهم المناوئ له. ولهذا وجدنا أغلبهم يبحث عن نوع الإسلام وطبيعته، كالوسطية والانغلاق والانفتاح والإسلام السياسي والاقتصادي... ثم حاول كل واحد من المشتغلين في الفكر الإسلامي تحميل الإسلام رؤيته، سواء دافع عنه أم عاداه، فوقع قريباً منه أو ابتعد عنه نحو الانحراف أو التطرف، والتطرف ذاته عدو للإسلام. فالإسلام في القرآن ذو جوهر واحد طبيعة ووظيفة وهدفاً، ولا يعقل أن يكون هناك إسلام للأسلاف، وإسلام للمعاصرين، ثم لا يمكن أن تكون المذاهب قد وجدت لهدم الإسلام وتمزيق وحدة الرأي والرؤية حين اعتمدت مبدأ الاجتهاد والتأويل.. ويبدو أن عدداً من الاجتهادات قد انقلب عند أصحاب الإسلام السياسي والطائفي والمذهبي إلى طقوس دينية، وشروحات عقائدية تخالف الدين الحق، وتنسف حقيقة صلاحية الإسلام للماضي والحاضر والمستقبل، إذ صار الإسلام أشد تعقيداً مما نتخيل. وفي هذا المقام ينبغي علينا ألا نتجاهل مظاهر التطرف الديني الذي أدى إلى الاحتقان الفكري والاجتماعي وشكل خطراً على بنية الأمة الثقافية. ولعل ما زادها فوضى وانحرافاً استغلال الغرب وتياراته المعادية لذلك، من أجل تعميق الشرخ بين المسلمين، فما يجري على الساحة السياسية في واقعنا الراهن شيء غريب، مع وجود أناس يؤمنون بضرورة الحوار بين الحضارات والثقافات ويسقطون في الحوار الداخلي.
ومن ثم فإن ثقافة الحوار بين المذاهب والأطياف المتحاورة يجب أن تؤدي إلى رسالة إنسانية، وهذا يفرض على أبناء الأمة الواحدة ألا يجعلوا الاجتهاد في الرأي المذهبي خلافاً بينهم، يتقاتلون عليه؛ ما ينتج عنه ضعفهم وخروجهم من الفعل الحضاري.
فالأمة اليوم أحوج ما تكون إلى التكاتف والوحدة في عصر تسود فيه التكتلات الكبيرة، وتتوافق فيما بينها على الرغم من أنها لا تشترك في ثقافة واحدة، ولا في تاريخ متماثل و... وإذا كان الاختلاف الداخلي مشروعاً، وسنة كونية كما نص عليه قوله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً(23)} (سورة الفتح48/23). وقوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(14)] (سورة التغابن 64/14ـ15) فإن الاستجابة لدعوة الآخر والاستماع إليه وقبول التحاور معه أكثر ضرورة للأمة الإسلامية من أي وقت سابق، وهذا ما أرشدنا إليه قوله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأَجِرْه حتى يسمع كلام ثم أبلْغه مأمنه} (سورة التوبة 9/6) وقوله ـ سبحانه ـ {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَاراً (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً (9)}، (سورة نوح71/5 ـ 9).
وقوله: { فبشّر عبادِ الذين يستمعون القول فيتبعون أَحسَنه} (سورة الزمر 39/18).
ولهذا لابدّ لنا من إبراز خصائص ثقافة الحوار([12])؛ بوصفها مشروعاً إسلامياً حضارياً في الفكر المعاصر؛ إذ لم تكن في يوم ما طارئة عليه؛ أو مفروضة من الخارج على ثقافته ومنها:
1ـ اعتراف كل طرف بالآخر وقبوله في إطار الوعي بالذات، هوية وكينونة. ولا يمكن أن " يتم الوعي الوجودي بالذات، كما لا يتم بناؤها وتطويرها إلا من خلال (الآخر) بإدراكه والوعي به؛ بتفسير دوره ومفاوضة مكانته، وبالصراع المستمر معه، سواء أكان ذاك (الآخر) حقيقة أم خيالاً، ومهما كان بعيداً نائياً، أو قريباً جوانياً. وتصنع كل الذوات الثقافية من نفسها بعمليات الإدراك والبناء والوعي مراكز محورية، كما تبحث لنفسها ـ من خلال العمليات نفسها ـ عن آخر لها، عن أطراف وهوامش، توظفها لأغراضها الذاتية بما يحفظ لها مركزيتها وتوازنها واستمرارها"([13]). ومن ثم من يملك المعرفة الجيدة والثقة بالذات والوعي بالهوية والثقافة لا يشعر بالدونية تجاه الآخر، وينطلق من الواقع في حاضره وماضيه، إلى آفاق الحق والعلم...
إذاً هناك علاقة وثيقة بين وعي الذات ووعي الآخر، ولن يتم الاعتراف به ومحاورته بمعزل عن كليهما، فحين يحضر الآخر ينبغي أن تحضر الذات الواعية بوصفها شبكة من العلاقات بين الأشخاص، ومن ثم هي نتاج الظروف التي كونتها([14]).
2ـ احترام كل طرف للآخر ولو كان ضعيفاً، وعدم الوقوع في استخفاف أو استهزاء أي منهما بالآخر في منزلته، وجنسه ولونه و... إذ لا يجوز في هذا المجال الطعن أو الغمز أو اللمز من الآخر تبعاً لطبيعة الاختلاف أو طبيعة الانتماء إلى قومية ما، أو طائفة ما...
3ـ الإيمان بالندية والمساواة في منزلة الطرفين، إذ لا يجوز الانطلاق من العصبية والهوى أو الهيمنة والتسلط... أي لا بد من تنمية روح الإبداع، والتخلص العناصر الشخصية الذاتية لصالح الحوار الموضوعي.
4ـ الانفتاح على الآخر نفسياً وفكرياً وموضوعياً، وعدم وضع شروط مسبقة لمراجعة أي مسألة أو موضوع؛ وعدم اللجوء إلى توظيف إمكانيات التفوق في الحديث لإثبات الذات على حساب الآخر...
5ـ إشاعة التفكير النقدي الحر، والمستند إلى العقل المنتج والحيوي وفق المنهج العلمي الموضوعي وتنمية روح المبادرة، وتحمل المسؤولية، وتبني مناهج وتربية تلبي ذلك كله واعتماد لغة منطقية تبتعد عن الشعارات.
6ـ اعتماد الرغبة في الحوار، والثقة به في صميم تنمية الحرية المعتمدة على آليات الديمقراطية الواعية والمسؤولة، والإعلاء من منزلة الإرادة والمعرفة وتبني القيم الفاضلة للوصول إلى أهداف مشتركة تفيد الجميع... فالحوار بهذا المبدأ يحقق العدالة، ويبعده عن السقوط في الجدل العقيم غير المنتج... فالحوار ينبغي أن يقوم على نظام خلقي راقٍ على كل الصعد والمستويات للوصول إلى وظيفته وهدفه المرجوين.
4 ـ وظيفة ثقافة الحوار:
ثقافة الحوار بين الذات والآخر تعد أرقى أنواع الثقافات، وهي حاجة ضرورية فيما بيننا قبل أن تكون حاجة لنا مع الآخر، ثقافة حوار ترتفع عن الصخب والضجيج والمهاترة، والرفض، والغضب والإقصاء.
ولعل غياب ثقافة الحوار في الداخل الوطني والقومي والإسلامي ـ في بعض المراحل ـ قاد إلى المزيد من الكبت والإحباط، وفقدان حرية التعبير وحرية الرأي،... فساد منطق الاستبداد والقهر؛ بدل أن يسود منطق العقل والعدل والحق.
ومهما كان الخلاف عظيماً بين الدول والشعوب والأشخاص في التصور والثقافة والمواقف والتصرفات فعليها أن تلجأ إلى ثقافة الحوار والإيمان به مبدأ للتكيف فيما بينها، والسعي إلى حالة التغيير الذاتية والموضوعية نفسياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً و... فثقافة الحوار تؤمن بالتخلص من مبدأ (الناس على دين ملوكهم) وتتبنى مناهج مبتكرة في حالات التغير والتحول لاكتساب مهارات جديدة لا تُناقض حالة التكيف والتوافق بين الشعوب. إن ثقافة الحوار لا تعتمد مبدأ التغير للتغير، وإنما تعتمد مبدأ التغير للمبادرة والتلاؤم والتكيف والتقدم والابتكار والارتقاء و... من دون استقطاب أو إلغاء و..... إذ لا يمكن تطوير عناصر تكوين الشخصية الاجتماعية والثقافية وصياغتها صياغة متطورة على أي مستوى من دون ذلك... وبناء عليه فإن حالة التلاؤم مع التغير تحتاج إلى وعي به وإرادة وقيم ومعرفة وقدرة على فهم الهوية وخصائصها المشتركة حتى لا يذوب كل محاور بثقافة الآخر وآرائه. فإذا كان الحوار يملك مسوغاته الموضوعية فإن المهمة الأولى للحوار تتجسد بنزوعه الإنساني لممارسة التفاعل الثقافي والفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي و... ومن ثم فإن الجاهل العاجز والمتخلف إذا ما دخل في هذا الحوار فلن يكون له موقف مفيد، بل سيكون حواره وبالاً عليه وعلى قضيته...
فكلما تعمقت ثقافة الحوار بين أبناء الوطن والأمة تعمق النظام الاجتماعي الديمقراطي السياسي؛ ما يؤدي إلى تمتين البيت الداخلي، وتحصينه من الفتن والفساد والمؤامرات الخارجية... أي إن ثقافة الحوار وفق خصائصها التي أشرنا إليها تزيد التفاعل بين القوى الاجتماعية وتؤدي إلى تكاملها، أياً كانت مذاهبها وأعراقها، إذ لا فرق بَيِّناً بينهم في صميم المشاركة الوطنية.. وهذا كله يعزز مفهوم المواطنة السليمة، ويؤصل لمفهوم الانتماء الأصيل، ويثبت أن الوحدة الوطنية ليست اختراعاً، وإنما هي وجود حقيقي؛ فاعل وراقٍ، وخَلاَّق.... وهذا يعني أننا كلما عمقنا ثقافة الحوار الداخلي انتهينا إلى تكوين بنية اجتماعية ممتدة النسق في البنية الفكرية الثقافية المتجانسة، ما ينتج عنها خصوصية متطابقة لمرجعيات متنوعة، أياً كانت طبيعتها وماهيتها...
ثم إن ثقافة الحوار تجعل العقد الاجتماعي الاختياري للأفراد مشروعاً اجتماعياً ينهض بالفرد بمثل ما ينهض بالمجموع... ومن ثم تغدو المواطنة انتماء حراً واعياً في كل مستوياتها ومعانيها... فثقافة الحوار وفق خصائصها الموضوعية التي ذكرناها سابقاً تأخذ وتعطي على قدم المساواة، استناداً إلى مبدأ الكفاءة؛ ولا ترى أن الوطن مجرد غنيمة... وبهذا يغدو مفهوم التشاركية مفهوماً حقيقياً، أساسه الإخلاص والجد والصدق، والإيثار والابتعاد عن الأنانية والسلبية والكراهية والحقد والانعزال والانغلاق....
وبهذا كله فثقافة الحوار تستجيب للفطرة الإنسانية الحرة وللتنوع والتعدد الكامن في الطبيعة... أي على كل مجموعة بشرية أن تدرك قيمة التجانس في صميم التعدد والتنوع؛ وعليها أن تتحمل مسؤوليتها نحو ذلك...
وبعد؛ فإننا نصر على اختيار مكان الحوار وزمانه لما لهما من تأثير عظيم في إنجاح الحوار وإن كان الإصرار الأكبر ينصب على طريقة الحوار لأنها ذات قيمة كبرى لا تقل أهمية عن وظيفته وهدفه على الصعيد الوطني، فهو يملك كثيراً من المعاني المستسرة وراء العبارات والكلمات سواء كانت سؤالاً وجواباً أم سرداً وتقريراً ووصفاً... ومن ثم بمقدار ما يملكه الحوار من حيوية وجاذبية يمكنه أن يحقق الأهداف المتوخاة منه في التلاقي على العناصر المشتركة بين أبناء الأمة وهنا يقع على المحاور مسؤولية الإقناع والتشويق في وقت واحد.... أياً كان الحوار ثنائياً بين شخصين، أم حواراً جماعياً بين فريق وفريق... أي إن طريقة الحوار ومنهجه ينبغي أن يستند إلى وضوح المضمون والأسلوب وفق قواعد منطقية سليمة، تتعزز بالحجج والبراهين، ووفق الحزم والمرونة وضبط النفس، واتباع الحكمة... والابتعاد عن الغضب والعنف والتشنج والاستهزاء والسخرية، والاستعلاء والتعصب الأعمى والمهاترات... والافتراء والتهديد...
ولا يسعنا إلا أن نختم كلامنا بالتركيز مرة بعد مرة على طبيعة الحوار في منهجه وفي صدقه وشفافيته وعفويته ليكون نافذة روحية لتحقيق العدالة التي ترمي إليها الثقافة لتحقيق سعادة البشرية لقوله تعالى:{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا.}(الحجرات49/13).
فالحوار ـ بهذا التصور ـ يخرج الإنسان والأمة الإسلامية وثقافاتها من الانغلاق والعزلة، والتخلف والجهل، والتحجر والتزمت وينطلق بها إلى آفاق إنسانية رحبة... إنه ينطلق بها إلى تعميق الغايات النبيلة التي تكسب عملية التنمية والتكامل نهوضاً وارتقاء في كل نشاط فكري، وسياسي، وتعزز السلوك الاجتماعي الأخلاقي بين الناس... فأي حوار لا يحقق المصلحة العليا للأمة ويهدم المبادئ والثوابت الأصيلة إنما يعني تجاوز للحق والعدالة؛ وهو سيؤدي إلى استشراء العداوة المضمرة والظاهرة بين طوائفها ومذاهبها...
إن الزمان والمكان ظرفان يؤثران في الإنسان المسلم ويفرضان عليه أن يشارك في صناعة الحضارة المتجددة. والإسلام في كينونته وعالميته يحمل مفاهيم الحرية والارتقاء والتقدم والتسامح والتآخي وصون الحق لأهله، ويقوي أواصر الرحمة بين المجتمعات لتحقيق الأهداف النبيلة. قولاً وفعلاً، وحسب الإنسان من المعرفة والعلم الإيمان الراسخ بنفعهما.
ومن ثم فهناك علاقة مطردة بين الأخلاق والقوة ولا يمكن للعقيدة الدينية أن تبتعد عن المنظومة التي تبني شخصية الفرد، والمجتمع على السواء، وهذا ما وجدناه عند العالم علي شريعتي بقوله: "إن لغة الأديان ولا سيما الإسلام هي لغة رمزية واللغة الرمزية تبين المعاني عن طريق الرموز وهي لغة اكتشفها الإنسان منذ خلق في الوجود([15]). ومن ثم حظي الإنسان منذ وجوده بعناية الواحد الأحد ورعايته لقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} (سورة البقرة2/30)، وهذا يؤكد منزلة الإنسان في الوجود، ويدحض نظرية أصل الإنسان (Humanism) التي سادت أوربا إبان النهضة وبعدها، والتي أنزلت الإنسان من مرتبة الرفعة والقداسة السماوية إلى مرتبة الكينونة الأرضية التي يتساوى فيها كل المخلوقات([16]).
ولهذا كله نحن بحاجة إلى إعادة النظر بالمرجعيّات الناظمة لثقافتنا وحياتنا وفق الأسس العلمية والموضوعية التي تؤسس مفهوم الأمة الديمقراطية، دون أن نقع في احتراب داخلي كما هو واقع اليوم في كثير من المستويات والحالات.
المراجع:
1 ـ الآخر بما هو اختراع تاريخي ـ جان فارو ـ ضمن كتاب (صورة الآخر العربي ناظراً ومنظوراً إليه ـ تحرير الطاهر لبيب ـ مركز دراسات الوحدة العربية ـ بيروت ـ ط1 ـ 1999م.
2 ـ الإمبريالية بقناع إنساني ـ جان بريكمون ـ ترجمة عبود كاسوحة ـ اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق 2009م.
3 ـ الإنسان بين الجوهر والمظهر ـ إيريك فروم ـ ترجمة سعد زهران ـ سلسلة عالم المعرفة رقم 140 ـ الكويت ـ آب 1989م.
4 ـ الإنسان في الإسلام ـ د. علي شريعتي ـ دار الروضة للنشر والتوزيع ـ لبنان ـ ط1 ـ 1998م.
5 ـ حوارات في الحضارة السورية ـ د. بشار خليف ـ دار الرائي ـ دمشق ـ ط ـ 2008م.
6 ـ الحوار في القرآن الكريم ـ محمد حسين فضل الله ـ دار المعارف ـ بيروت ـ ط5 ـ 1988م.
7 ـ الحوار من المنظور الإسلامي ـ د. محمد إبراهيم السامرائي ـ مجلة كلية العلوم الإسلامية للبحوث والدراسات الإسلامية المقارنة ـ كلية العلوم الإسلامية ـ جامعة الجزائر ـ العدد 6 ـ أيلول 2002.
8 ـ الذات العربية المتضخمة: إدراك الذات المركز والآخر الحواني ـ سالم سارى) (انظر رقم 1).
9 ـ الصراع الفكري في البلاد المستعمرة ـ مالك بن نبي ـ دار الفكر/ الجزائر ـ ودار الفكر/دمشق سورية ـ ط 3 ـ 1988م.
10 ـ العودة إلى الذات ـ د. علي شريعتي ـ مطابع الزهراء للإعلام ـ القاهرة ـ 1986م.
11 ـ فصل المقال ـ ابن رشد ـ تحقيق محمد عبد الواحد العسري ـ مع مقدمة مطولة محمد عابد الجابري ـ مركز دراسات الوحدة العربية ـ بيروت ـ 1997م.
12 ـ لسان العرب ـ ابن منظور ـ دار صادر ـ بيروت.
13 ـ مشروع القومية العربية إلى أين ـ د. حسين جمعة ـ دار الفرقد ـ دمشق ـ ط1 ـ 2006م.
14 ـ مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي ـ مالك بن نبي ـ دار الحكمة ـ بيروت ـ 1985م.
15 ـ مطارحة نقدية لنظرية فوكوياما ـ حسن بكر ـ مجلة العالم الإسلامي ـ السنة الثالثة ـ العدد 9 ـ مالطة ـ 1993م.
16ـ المقاومة: قراءة في التاريخ والواقع والآفاق ـ د. حسين جمعة ـ اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق 2007م.
--------------------------------------------------
([1]) انظر كتابنا: المقاومة قراءة في التاريخ والواقع والآفاق 119-148.
([2]) انظر المرجع السابق 119 وانظر مشروع القومية العربية إلى أين 109.
([3]) انظر مشروع القومية العربية إلى أين 44 وانظر حوارات في الحضارة السورية 29 و31 و35-36 و122-129.
([4]) انظر الإمبريالية بقناع إنساني 30-32.
([5]) انظر لسان العرب (حور).
([6]) انظر الكهف 34.
([7]) انظر الحوار في القرآن الكريم/ د. محمد حسين فضل الله.
([8]) انظر سورة يونس 10/88.
([9]) انظر سورة الكهف 18/34 و 37).
([10]) فصل المقال 96.
([11]) د. محمد إبراهيم السمرائي، الحوار من المنظور الإسلامي، مجلة كلية العلوم الإسلامية للبحوث والدراسات الإسلامية المقارنة، كلية العلوم الإسلامية، جامعة الجزائر، العدد السادس، أيلول 2002.
([12]) كنا قد ذكرنا هذه الخصائص في مقالة سابقة لنا ونحن نستعيرها لهذا البحث لأنها جزء لا يتجزأ منه.
([13]) الذات العربية المتضخمة ص 377.
([14]) انظر الإنسان بين الجوهر والمظهر ص 11 ـ 12 و 27 وانظر الآخر بما هو اختراع تاريخي ـ جان فارو ـ ص 51.
([15]) د. علي شريعتي: العودة إلى الذات، مطابع الزهراء للإعلام ـ القاهرة، 1986.
([16]) انظر الإنسان في الإسلام ص 14.