التسامح الديني في الأراضي المقدسة
التسامح الديني في الأراضي المقدسة:
الديانة اليهودية: لا لتدنيس المساجد
بعد أن تم تدنيس عدد من المساجد الفلسطينية في شهر كانون الأول/ديسمبر، يبحث الحاخام جدعون دي سلفستر ومركزه القدس، في رأي العقيدة والتاريخ اليهوديين فيما يتعلق بالظلم والإجحاف.
صيب الناس عبر العالم بغضب عارم بسبب أخبار تدنيس مساجد في إسرائيل، وكتابة شعارات عنصرية على جدرانها. شعر اليهود الإسرائيليون بالعار. سألنا أنفسنا: هل يفهم الذين ارتكبوا هذه الأفعال أي شيء عن التاريخ والعقيدة اليهوديتين، اللذين يعلّمان احترام كل إنسان وضرورة الوقوف ضد الظلم في أي مكان نجده؟
تعلمْت أنا اليهودي البريطاني الشاب، خلال نشأتي في ظلال المحرقة، عن ليلة في العام 1938، عندما هوجمت عشرات بيوت العبادة اليهودية الألمانية. كنا نتناقش ضمن مجموعات شبابية كيف شكّلت عملية إضفاء الشيطانية على الناس وتدمير مبانيهم الدينية الخطوة الأولى باتجاه أعمال القتل الجماعي. أعلنّا وبفخر: "لن يحدث ذلك مرة أخرى". لن يحدث ذلك مرة أخرى لليهود، ويجب ألا يحدث ذلك لأي شعب كان.
المطلب التوراتي
كنا نفهم المتطلب التوراتي لإقامة دولة يهودية ذات سيادة تضم حتى هؤلاء الذين لا يشاركوننا إرثنا. اكتشفنا من خلال دراستنا لعلاقاتنا مع الديانات الأخرى أنه ومنذ العصور الوسطى، قام الحاخامات بتعليم أتباعهم أن الإسلام دين توحيد ويجب معاملة أتباعه بالاحترام. وعندما تأمّل الفيلسوف اليهودي الكبير موسى بن ميمون لماذا خلق الله هذا العدد الكبير من الناس الذين تختلف دياناتهم عن دينه، توصل إلى نتيجة أنه رغم كون إرادة الله أكبر من أن نستطيع فهمها، إلا أنه يبدو أن الإسلام والمسيحية هما جزءاً من مخطط إلهي لنشر التوحيد الأخلاقي في كافة أنحاء العالم.
المصدر:
هذا التوجه الليبرالي حيال التقاليد الدينية الأخرى جرت تجربته عندما أنشِأت دولة إسرائيل عام 1948. كيف ستعامل الدولة اليهودية المجتمعات الدينية الأخرى؟ أخذ كبار الحاخامات الأوائل في إسرائيل هذا السؤال بالاعتبار وقرروا دون أدنى شك أو لبس، أنه بحسب القانون اليهودي، يحق للمسلمين والمسيحيين الحصول على الجنسية الكاملة في الدولة الجديدة. وقد أكد إعلان استقلال دولة إسرائيل على هذا القرار، حيث أعلن أن الدولة الجديدة سوف "تحمي وتدعم المساواة الاجتماعية والسياسية الكاملة لجميع مواطنيها، دون تمييز في العرق أو العقيدة أو الجنس، وأنها ستضمن الحرية الكاملة للضمير والعبادة والتعليم والثقافة، وأنها ستحمي قدسية وحرمة أماكن عبادة جميع الديانات ومواقعها المقدسة".
تحذيرات
ومن المفارقات أن الحاخام أبراهام أيزاك كوك، أول كبير حاخامات الأراضي المقدسة وأحد رموز الحركة الدينية الصهيونية، هو الذي حذر من أن القومية اليهودية، مثلها مثل أية قومية أخرى، تضم في أعماقها أخطار الرهاب الأجنبي. وقد رأى الدولة اليهودية الوليدة على أنها تحقيق للنبؤات التوراتية القديمة، وكان مقتنعاً أنها ستكون أعجوبة إبداعية أخلاقية. ولكنه حذّر كذلك من أنه ما لم تحقق الدولة الجديدة مسؤولياتها تجاه جميع مواطنيها، "فسوف تتعدى في نهاية المطاف وبعنف حدود الأخلاقيات عندما تتعدى حدودها".
كان تحذيره في مكانه. يوجد هنا تكاثر لفلسفة الرهاب الأجنبي، التي تتجاهل الحقوق الشرعية للفلسطينيين الذين عاشت عائلاتهم هنا منذ أجيال عديدة. ما زال الأمر مقتصراً في نطاق صغير جداً من المجتمع الإسرائيلي، ولكنه خطير ويجب وضع حد له. بدءاً من الطرح الخسيس الذي يدّعي النصر والذي أدى إلى هجمات على بساتين الزيتون الفلسطينية، لقد توسعت هذه الهجمات لتصبح عنفاً ضد الناس والمساجد. ومن المفارقات أن هذا العنف أخذ يتوجه الآن من الداخل، وتتمخض عنه هجمات ضد الجنود الإسرائيليين الذين تفرض عليهم وظيفتهم الحفاظ على القانون والنظام وحماية المستوطنين وتحقيق التزام إسرائيل بإزالة المستوطنات غير القانونية.
عدم التسامح الديني
ربما تكون هذه التطورات مجرد جزء من ظاهرة عالمية تتمثل بتزايد عدم التسامح الديني. أو ربما أنها ناتجة عن الإحباط نتيجة الانسحاب الإسرائيلي من غزة، الذي لم يوقف الهجمات الصاروخية المتعددة عبر الحدود. أو ربما تكون نتيجة لخوف إسرائيلي من طموحات إيران النووية ورغبتها بتدمير إسرائيل. هذه تهديدات وجودية تصيب العديد من اليهود بالرعب وتدمّر إيمانهم بإمكانية تحقيق السلام. في ضوء هذه الأمور، يستاء المستوطنون من احتمالات إجلائهم من بيوتهم مقابل خرافة السلام.
بغض النظر عن هذه المخاوف، فإن التصرفات أحادية الجانب ضد المدنيين الأبرياء وممتلكاتهم وأماكن عبادتهم هي أعمال غير أخلاقية وغير يهودية وغير مقبولة، فهي تلطّخ اسم المؤمنين الدينيين وتلطّخ اسم الرب.
يتوجب علينا أن نشجب عدم التسامح الديني وأن نعمل بقوة أكبر من أجل الحوار والسلام. يتوجب علينا أن نحث قادتنا على التوصل إلى تسوية عادلة مع الفلسطينيين وتسريع الوقت الذي يعيش فيه جميع سكان هذه الأرض بسلام وعدالة وكرامة . تلك هي رؤية أنبيائنا: "فيقضي بين الأمم ويحكم بين الشعوب الكثيرة فيطبعون سيوفهم محاريث ورماحهم مناجل ولا ترفع أمة على أمة سيفاً ولا يتدربون على الحرب فيما بعد" (أشعيا 4:2).
الحاخام جدعون دي سيلفستر
حقوق النشر: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية 2012
المصدر: http://ar.qantara.de/الديانة-اليهودية-لا-لتدنيس-المساجد/18326c19036i1p503/index.html