الحوار بين الحضارات

الحوار بين الحضارات

 المعادلات والمأزق والآفاق

 

 حين تقدم العولمة خياراً وحيداً أمام العالم، وتتصاعد في الوقت ذاته أطروحات الصراع، فهل بإمكان الحوار الحضاري أن يتحول إلى أداة لدعم بديل آخر تتكافأ في ظله علاقات الدول وتتسالم في إطاره الحضارات ؟.

إن البحث عن إجابة لهذا التساؤل يستدعي بداية معرفة معادلات الحوار التي من شأنها الإسهام في بناء نظام للعلاقات يمكن في ظله إقامة التوازن والإنصاف  وتوفير التعايش بين الشعوب.

وقبل الخوض في ذلك يحسن التنويه إلى أن الحوار الذي نعنى به هنا، هو ذلك الحوار الذي يشكل الغرب طرفه الآخر، دون أن نقصد إهمال الأطراف الأخرى كالصين والهند واليابان وغيرها. والتركيز أو الحصر اقتضته حقائق في مقدمتها أن الغرب منذ القديم وحتى الحاضر ظل آخرنا المختلف الذي عشنا معه وعاش معنا في سجال متعدد الأوجه والأدوات، فضلاً عن أن منظومته الدولية الراهنة هي التي تمثل المراكز الأساسية للعولمة، فيما لم يكن الفكر العولمي إلا نتاجاً لرأسماليته الليبرالية أو تطويراً لها، لهذا فإن من مقتضيات الموقف أن يُعطى الحوار معه أسبقيته المطلوبة.

والحوار الذي نعنيه هنا هو أيضاً حوار متعدد الأوجه والمجالات، وأطرافه هم القادة والمنظمات والشعوب والنخب الفكرية والدينية والسياسية والاقتصادية وغيرها، وبهذا التصور فهو حوار حضاري بالمعنى الشامل للكلمة.

إن الحوار الحقيقي الموضوعي من شأنه أن يؤدي إلى الفهم، وحيث أن للفهم شروطاً لابد منها، فإنه بتوفرها يمكن الوصول إلى التفاهم، بله الاستمرار فيه إذا ما تم تخطي المعوقات التي تعترضه، وفي ذلك تحقيق لحالة من التعايش يمكن ـ إذا ما ترسخت مقوماتها ـ أن تجنب العالم ما يُخشى من صدام.

 

الحوار الحضاري الموضوعي  ــــ الفهم (شروط) ــــ التفاهم (بلا معوقات) ــــ التعايش (مقومات)  ــــ  تفادي الصدام.

 

شروط الفهم:

لكي يفهم الطرف الآخر على نحو صحيح لابد من شروط هي :

1. التعرف على حقيقة الآخر :  من أولى مبادئ فهم الآخر بذل الجهد في التعرف على حقيقته، وذلك بالرجوع إلى مصادره ومنابعه ومواقعه، مع توخي الدقة في جمع المعلومات والحقائق المتصلة به، والاستيضاح منه وعنه، مباشرة وبشكل ميداني، مع ضرورة الوعي بأنظمته المعرفية ومناهجه في التفكير والتحليل.

كما لابد من أن نحدده ضمن النسق الاجتماعي والسياسي الذي يتحرك في إطاره لنكون على بينة بآفاق الحرية التي يتمتع بها في المقاربة والتعبير، وهو يتناول نفسه أو الآخرين، وهذا أمر له قيمته التي تتجلى ربما في معرفة أن ليس كل ما يتناوله الآخر عنا مثلاً هو بالضرورة صادر عن عداء، فالغرب قد ينقد كتبه المقدسة وقد يطال انتقاده العديد مما يُعد من المسلمات لديه، لهذا ينبغي أن لا نجعل مقاييسنا في التقويم هي المرتكز الوحيد لقياسه، وأن لا نجعل معاييرنا هي الوحيدة التي نصدر بموجبها الأحكام الباتة بحقه. إن الحوار إذ يشترط التوافق مع الآخر، فإدراكنا ذلك أدعى لجعلنا أكثر موضوعية معه وأكثر دقة في تعريفنا إياه.

ولاشك أن الحوار الذي يوفر الفهم على هذا النحو يبدد كثيراً من الأوهام والتصورات الخاطئة التي لا واقع لها. لقد أدرك الفاتيكان هذه الحقيقة حين أصدر كتاباً في العام 1969 تحت عنوان "دليل الحوار بين المسلمين والمسيحيين" أكد فيه بأنه لا تفاهم بغير فهم، وأن الفهم لكي يكون صحيحاً لابد أن يتحلى بروح الموضوعية والإنصاف، بل أن يُجهر به ويُعلن على الملأ ليصبح قادراً على مد جسور الثقة(1) وإزالة كثير من سوء الظن، ومن ثم إسقاط أقاويل الإدانة التي لا داعي لها، ولربما المساعدة على توليد الاتجاهات الإيجابية نحو المختلف، باعتبار أن الفهم على هذا النحو من شأنه إضعاف الميول المغذية للشك والتباعد، ناهيك عما يمكن أن يؤدي إليه من تغيرات في طرائق النظر ومن إدراك أعمق للذات والآخر(2).

إن التمعن الجيد والدراسة الموضوعية كفيلان بتقريب الصورة وتقديم التقويم الأصدق، فيما يظل الجهل مدعاة لسوء الفهم والشطط في إصدار الأحكام.

ومن هنا يصح القول بأن الحوار الحضاري السليم مشروط بوضع دليل لمعرفة ما تنطوي عليه الحضارة الأخرى من عناصر وأبعاد وقيم واتجاهات وحقائق وأساطير، بل إنجاز وإخفاق، على النحو الذي يساعد على قراءتها القراءة الخالية من المبالغات والأخطاء.

2. الإقلاع عن تجاهل الآخر :  من شروط الفهم الصحيح أيضاً، الإقلاع عن سلوك تجاهل الآخر أو ازدرائه أو الامتناع عن استيعابه، وهو ما يحدث نتيجة الأَنَوَية المفرطة أو الشعور بالاستغناء اللذين ينطوي عليهما الطرف القوي، أو نتيجة الإحباط أو الانكفاء اللذين ينطوي عليهما عادة الطرف الضعيف.

لهذا، فإن من مستلزمات الفهم تكوين الذهنية التساؤلية، وإنماء عوائد الاستيضاح والإلمام الوافي، وجدة المقاربة، وتجنب التصورات غير القائمة على حقيقة أو أساس واقعي ملموس، وهو ما لا يُرجى تكونه في حالتي الاستكبار اللامبالي والاستضعاف اليؤوس.

وإذا نظرنا إلى واقع علاقة الغرب بالإسلام، سنجد العديد من أمثلة التجاهل والفهم المعوج، فالمناهج التعليمية الغربية مثلاً تخلو من المرجعيات والنصوص المنتجة العربية الإسلامية، حتى أن الطلبة قلما يعرفون شيئاً حقيقياً عن العرب والمسلمين سواء من النواحي الفكرية أو التاريخية أو الجغرافية، وإذا وُجِدَتْ نصوص فيتم اختيارها بانتقائية وتعسف، فيما لا تحتل العناصر الحضارية العربية الإسلامية في الإعلام الغربي أي مكان مضيء، وإذا حدث أن اهتم منبر من منابره بجزئية ما عمد إلى التمهيد لها بتعليقات شوفينية، وغالباً ما تُقدم بصفتها عنصراً بدائياً أو غرائبياً لا يصلح لغير إثارة الدهشة والسلوان.

لهذا ما كان ليتم في ظل وضع كهذا أي حوار بين الحضارات اللهم إلا من جانب البلدان العربية الإسلامية التي تفسح في برامجها التعليمية ومنتجاتها الثقافية والإعلامية المجال الأوسع لكل ما هو غربي، سواء في الفكر أو التاريخ أو العلم أو الأدب، وتلك في الحقيقة ظاهرة تمثل فجوة تتسع دوماً في علاقة الطرفين وتتسع معها إشكالية التثاقف المشوه والتواصل المختل الذي لا يخدم واقع الحوار ولا يدفع به نحو غاياته المرجوة.

أما على صعيد أصحاب القرار، فيرى العديد من الكتاب بأن الغرب قد توفر على فهم بالعالم العربي الإسلامي،  لكنه ظل محكوماً بالتجاهل : >فالدراسات العلمية في الولايات المتحدة الأمريكية حول العرب والمسلمين ـ مثلاً ـ لا تكاد تُحصى، وهناك مؤتمر سنوي يضم غالبية الباحثين الأمريكيين والمقيمين في أمريكا حول تطور بلدان الشرق الأوسط، مما يعني وجود نوايا خبيثة وتجاهلاً وليس جهلاً لدى أصحاب القرار الأمريكي، مما قد ينعكس بشكل أزمات متلاحقة بين العرب والأمريكيين<(3).

 3. التخلي عن الصور النمطية وتعمد التشويه :  لتحقيق قاعدة للفهم الأمثل لابد من أن يتخلص كل طرف مما يحمله عن الآخر من نظرة سلبية مسبقة أو صورة نمطية جامدة، وأن يشرع كل منهما عبر الحوار بإعادة تشكيل غيره وفقاً للمعطيات الموضوعية، مع الاحتفال بكل معطى حقيقي لم يُعرف من قبل واعتماده في إطار عملية التصويب والتصحيح.

والحقيقة أن الصور النمطية التي يحملها الغرب ـ بوجه خاص ـ إزاء الإسلام تمثل تحكماً في الفهم، بل مقاومة لمسالكه الحقيقية، وهي حالة لم يتخلص منها الوسط الأكاديمي نفسه، وفي هذا يقول محمد أركون : >يعلم الله أني أخوض صراعات لا تُحصى على جبهة الجامعات الأوروبية، وكذلك على جبهة الملتقيات والندوات في برلين أو بروكسيل أو أكسفورد أو السوربون أو أمستردام أو برنستون أو هارفارد... إلخ، وكل ذلك من أجل شرح حقائق الإسلام بشكل تاريخي وموضوعي دقيق، ولكن العملية صعبة جداً<(4). وقد سبق لإدوارد سعيد أن تابع في "تغطية الإسلام" و"الاستشراق" تلك الحالة، وكشف كيف أن الشرق لا يُعامل إلا بصفته كتلة واحدة على نحوٍ يجعل من جزئياته السالبة أو نقائصه المتناثرة صورة تغطي كامل المشهد.

ولاشك أن الإعلام الغربي بمختلف وسائله هو أكثر من اخترع الصور والانطباعات المبتذلة عن العرب والمسلمين(5) ، الأمر الذي جعله في مقدمة عوامل تفشي الصورة الذهنية المزيفة التي لا تنتج غير سيكولوجيا النفور والإعراض.

وإذا كان الطرف العربي الإسلامي أحسن حالاً في تغطية الآخر، إلا أنه مع ذلك لم ينج من عيوب الفهم والتوصيف، وخاصة عبر الكتابات التي يقع الكثير منها في خطأ الاختزال وتضخيم بعض الجزئيات وركوب مسلك المعايرة واستمرار لغة التشهير، ناهيك عن عدم إدراك أن الغرب ليس واحداً، وأن فيه من العناصر المتحركة ما يستوجب الانصراف عن النظرة السكونية والكف عن التعميم.

إنَّ تخلص الأطراف المختلفة من الأفكار النمطية والمُعممة الموروثة أو المتعمدة، مشروط بتفكيك الصورة التي يرسمها كل طرف عن الآخر، والعمل على إعادة تشكيلها على نحو موضوعي، الأمر الذي قد يزيل كثيراً من الأحاسيس المرة، وقد يعطينا بعضاً من الثقة المفقودة.

4. الكف عن التأويل المشتط وترك الآخر يوضح نفسه بنفسه : يجب أن نعي أن الفهم الصحيح هو غير التأويل الذي يستبطن التمركز والذاتية والهوى، أي أنه ليس من الحق في شيء أن يُعَرَّف الآخر على نحو ما يحمل عنه من أوهام أو تخيلات أو أساطير، أو بحسب ما تمليه المواقف الآيديولوجية لكل طرف.

وللمنهج التأويلي تجلياته التي نتلمسها في تضاعيف الخطاب الغربي والإسلامي، حيث يتناول كل خطاب حضارة أو مجتمع الآخر على نحو يحرمه الإمساك بالحقيقة ويبعده عن معاينة الواقع المشهود.

كما أنه ليس من الحق في شيء أن يلجأ طرف إلى تعليم الآخر كيف يفهم نفسه على نحو ما يفعله بعض الغربيين والعلمانيين حين يتصدون لتقديم دروس في الإسلام تخالف ما يفهمه المسلمون أنفسهم عنه. وها نحن أولاء نتابع بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر كيف أن بعض المسؤولين في الغرب طفق يتحدث عما أسماه بـ "الإسلام المعتدل" أو "الإسلام العادي"، حتى أن منهم من وجه خطابه إلى المسؤولين المسلمين يهيب بهم تعليم هذا الإسلام وتمييزه عن الإسلام الآخر الذي لا يرغبون فيه.  

وعلى الجهة الأخرى يقع عدد غير قليل من الإسلاميين أسرى النظرة التبسيطية عند تعرضهم للسياسة الغربية واتجاهاتها العالمية، بحيث لا يرى هؤلاء إلا التفسير الديني أو نظرية المؤامرة، دون إدراك أن علاقات الغرب مع العالم ــ بما فيه العالم العربي الإسلامي ـ تحكمها المصالح وتحركها الحسابات السياسية والأمنية أكثر من أي شيء آخر.

إن الفهم مشروط بأن تحدد غيرك كما هو، وبحسب منطلقاته وقيمه وأنساقه واستراتيجيته وغاياته، لا كما تأوله أو تكيفه أو تفسره على نحو ما يحلو لك، لأنك بهذا لا يمكنك أن تفهمه الفهم الدقيق.

 5. اعتماد المنظور الكلي عند تحديد الآخر :  لفهم الآخر فهماً منصفاً لابد من تناوله بشكل متكامل، وأن يُنظر إليه من زواياه المتعددة دون تجزئة أو تشطير، ذلك أن قيمة استيعاب المختلف هو التعامل مع بنيته الحضارية على نحو أرحب، وليس من خلال التركيز على جوانب دون سواها، كأن تبرز الجوانب السلبية وتُهمل الجوانب التي قد لا يختلف على إيجابيتها الكثيرون.

إن "المؤسسية" و"سلطة القانون و"حرية الرأي" و"تقييد السلطات" و"البحث العلمي" و"التجديد" ونحو ذلك مما يدخل في دائرة الضوابط والتقاليد السلوكية، باتت ـ في مجملها ـ مدركات جديرة بالاعتبار حتى من زاوية المنظـور الإسلامي، لهذا يجدر التخلص من عادة التركيز على نقائص أو عيوب الحضارة الغربية التي هي في العادة الجوانب الروحية والأخلاقية (الطهرانية) التي تمثل ولاشك أبعاداً أساسية في تقويم الشعوب والحضارات، لكن اختزال الحضارة المذكورة في هذه الجوانب سوف يكرس منهج التغليط والاستقباح الكليين مما يحرم الناظر والمنظور إليه من تلمس خطوط التقاطع أو رؤية الملامح المقبولة.

ولعل القيمة الإيجابية للفهم الشامل تظهر فيما يثيره هذا الفهم من اهتمام بما يعد إيجابياً أو متقاطعاً أو مفيداً أو مكملاً في حضارة الطرف الآخر وفي الدفع نحو إمكانية الاستفادة من ذلك.

 

معوقات التفاهم :

إذا كان الحوار من شأنه أن يقود إلى الفهم، فإن استيفاء الفهم لشروطه الواجبة جدير بأن يؤدي إلى التفاهم. غير أن التفاهم لا يجري شفافاً ومتماسكاً ما لم يتم تجاوز المعوقات التي تحول دون استمراره، والتي يمكن إجمالها فيما يلي :

1.  نزعة الاستكبار وسياسات القهر والعدوان :  لكي يكون الغرب جاداً في اتجاهاته نحو الحوار، لابد أن يتخلص من نزعة الاستكبار وأن ينظر إلى الآخر نظرة التكافؤ والقبول، وهذا يعني أن عليه الإقلاع عن نظرته الدونية والتخلي عن سياسات الإقصاء والتهميش، وبالضرورة استراتيجيات الغزو والتهديد والاستعباد وتجاهل مصالح الآخر.

ومن المؤكد أن أكثر قواعد التفاهم حيوية هي أن لا تكون القوة ومشاعر العلو حاضرة في أي لقاء، ناهيك عن العنف الذي يجب أن يستبعد كوسيلة  لفرض الهيبة أو بسط النفوذ، وأنه لابد أن ينظر إلى الآخر بصفته شريكاً يمكن التقارب معه من أجل توثيق عرى التعاون، أو تحقيق الاعتماد المتبادل، أو التفاوض للوصول إلى التسويات المرضية فيما يتعلق بالقضايا العالقة، أو التي هي محل اختلاف، أو نزاع أو إشكال.

إن الرغبة في اختزال الرؤى والأنماط وعدم المبالاة بمصالح الآخر وترجمة ذلك إلى سياسة يمارسها القوي بمنطق قوته وجبروته، إنما هو استكبار لا نتوقع في ظله انبثاق الرضا، أو التوافق من جهة الطرف الضعيف، ولو لم يظهر هذا الطرف رفضه أو عدم رضاه.

2 . التمسك بالمكتسبات غير المشروعة : من أقوى معوقات التفاهم أن يتمسك كل طرف بما اغتصبه من حق الطرف الآخر في مرحلة من المراحل دون مسوغ  شرعي، واعتباره ذلك من المكتسبات التي لا يمكن التنازل عنها، كما هو الحال في علاقة الغرب مع العالم العربي الإسلامي، حيث أن الأول بما حازه من قوة عسكرية وعلمية ومادية في غضون المائتي سنة الأخيرة، استطاع أن يفرض على الثاني واقعاً قوامه الاستعمار المباشر في مرحلة والاستعمار غير المباشر في مراحل لاحقة، الأمر الذي زرع في مسرح علاقتهما ثنائيات الاستكبار والاستضعاف والمتبوع والتابع، مما جعل تفاهمهما أمراً لا يستقيم له حال.

لنتأمل موقف الولايات المتحدة الأمريكية في مؤتمر "دربان" الذي عقد في جنوب إفريقيا في نهاية العام 2001، وكيف أنها لم تكلف نفسها الإنصات إلى مطالب الدول الضعيفة التي عانت من الرق والنهب والاستغلال، حتى أنها رفضت أي مقترح يدعو إلى تقديم الاعتذارات أو التعويضات المطلوبة من قبل الدول الاستعمارية على ما أصاب تلك الدول المستعمَرة من خسائر وإيذاء.

إن الحوار المتكافئ يعني بالضرورة أن يتراجع الطرف الطاغي عما تمخض عن فترات العلاقات غير الطبيعية من معادلات ضيزى وثنائىات متعسفة وأوضاع مختلة.

وإذا كان هذا المطلب صعباً على من راكم المكتسبات، وجعل نموه مشروطاً بتخلف الآخر واستضعافه، واحتل جراء ذلك الكفة الأثقل في ميزان العلاقات، فإن الرضوخ لمثل هذا المطلب يحتاج في المقام الأول إلى وعي بالغ وسمو استثنائي ومراجعة جوهرية. فهل نتوقع من الغرب أن يبلغ هذا الوعد ويرضى بعلاقات دولية أكثر عدلاً وإنسانية ورقياً ؟

إن الأمر ليس بالسهل، وهو يعني في أعمق ما يعنيه، الانفصال عن الجذور الفلسفية الداروينية والنيتشوية والفاوستية والبرغماتية التي حكمت ـ متآزرة ـ صيرورة القوة التي بلغها، مثلما يعني التراجع عن الكثير من أشكال الاحتكار والاستغلال على الصُعد المادية والمالية والتجارية التي شكلت أعمدة في بناء حضارته الحديثة.

لكن مع ذلك يظل للحوار الضاغط والمتحرك بمختلف الاتجاهات والمنخرط عبر مختلف القنوات أثره الذي قد يؤدي إلى إحداث بعض التحولات العالمية، وخاصة إذا ما عُضد بعناصر القوة التي تمتلكها الأطراف المستضعفة فتعزز بها قدراتها على التدافع والتفاوض وإحداث الدفع المطلوب، سيما وأن الغرب ـ كما خبرناه  ـ يتعلم من القوة ويقدر ما يتمخض عنها من اعتبارات وموازين.

3. رفض التعددية وعدم احترام خصوصيات الغير :  من العوائق التي تحول دون التفاهم، ذلك المنظور الأحادي الذي يرفض التعددية ولا يعترف بخصوصيات الآخرين.

والحوار لكي يكون ممكناً وناجحاً، لابد أن يتخلى كل طرف عن فكرة أن حضارته هي الحضارة الوحيدة الراقية، وأن معاييرها هي التي يجب أن تسود. لهذا فإن اعتقاد القوي أو الغني أو الأكثر علماً وتقنية بعالمية معاييره ونهائية رؤاه إنما يعكس دعوة توجه للآخرين من أجل الانصهار أو قبول التبعية.  "فالعلمانية" و"العقلانية" و"الحرية الفردية" و"الحداثة"،  مدركات نسبية لا تمثل مضامينها حقائق مطلقة؛ فما هو مقبول أو صالح بنظر الغرب ليس بالضرورة مقبولاً أو صالحاً بنظر غيره. لهذا ليس مطلوباً من الطرف الإسلامي من أجل أن  التفاهم مع غيره أن يتنازل عن خصوصياته واختياراته على نحو ما يدعو إليه بعض الغربيين، ومنهم على سبيل المثال المفكر الإنجليزي "بيدهام براون" الذي كتب في عام 1994 يطالب العالم الإسلامي بضرورة الانسجام مع الاقتصاد الحديث، وقبول فكرة المساواة بين المرأة والرجل، وتمثل القواعد الديمقراطية بمصادرها وصيغها الغربية، ومنح الكافة حرية الاجتهاد الديني دون حصرها بالعلماء، وهي مطالب  ـ كما لا يخفى ـ لا تمثل إلا دعوة للتبعية(6) ، وهي عين ما تطالب به العولمة التي تتشكل الآن.

إن التعددية في الثقافات لا تقل أهمية عن التعددية في سائر مظاهر الكون والحياة، وإن أية محاولة قسرية لاختزال الخيارات في خيار واحد ما هي إلا شمولية مرفوضة. لقد أحسن إعلان مبادئ التعاون الثقافي بين الدول الذي أصدره المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة  للتربية والعلم والثقافة  في 4 نوفمبر 1966 حين نص في مادته الأولى على أن :

1.  لكل ثقافة كرامة وقيمة يجب احترامها والمحافظة عليها.

2.  من حق كل شعب ومن واجبه أن ينمي ثقافته.

3.  تشكل جميع الثقافات، بما فيها من تنوع خصب وبما بينها من تباين وتأثير متبادل، جزءاً من التراث الذي يشترك في ملكيته البشر جميعاً.

وعلى هذا فإنه على الرغم من الاختلاف يمكن قيام التعاون الإنساني على قاعدتي التعارف والتعايش بين الحضارات(7). لكن الغريب أن نجد الثقافة الغربية الرسمية، وهي تسعى لفرض مقاييسها ونظمها، تتحسب لأية ممانعة مشروعة، بل لا يروق لها أي التزام متميز حتى ولو اندرج تحت عناوين الممارسة الديمقراطية أو حرية المرأة في المشاركة العامة، كما هي الحال في موقفها من تعبيرات الظاهرة الإيرانية بحسب جلال أمين(8).

لكن يجب أن لا ننسى بأن احترام الخصوصية لا يعني التشجيع على التقوقع، أو مطالبة كل ثقافة أو حضارة فإقفال  أبوابها دون التفاعل مع الخارج، أو حتى الكف عن الطموح باتجاه العالمية. فالاتصال والدعوة ومحاولات التأثير في الآخرين ليست أموراً ممنوعة، ولا هي مما يدخل في نطاق المكروهات ما دامت تجري بالطرق السلمية والحوار.

إن نزعة التمركز حول الذات كثيراً ما تغدو حاجزاً يعوق عمليات العبور نحو الضفاف الأخرى. لذلك لا يمكن الحديث عن أي لقاء حقيقي بين الحضارات في ظل العلو والتورم الحضاري الذي طالما شكل باعثاً على الاستهانة وعدم الاعتراف بجدارة الآخرين.

4. التعصب وسيطرة جراح الماضي :  يُعد التعصب بمختلف أشكاله من أسوأ عوائق التفاهم، نظراً لما ينطوي عليه من تصلب سواء على المستوى النفسي أو العقلي. والمتعصب بطبيعته لا يقبل المغايرة ولا يريد الاستماع إلا إلى صوته، ومن ثم فهو يعمل جاهداً على حرمان الآخر من حق التعبير، بل يسعى إلى نفيه وإقصائه عن ساحة التمثيل أو يمكر للتشويش عليه في أقل تقدير، ذلك أنه يأبى أن يرى الحق عند من يتعصب ضده ومن ثم فهو لا يهمه غير الاستهانة به وتبخيسه وتفنيد ما يتبناه، وبهذا يصبح التعصب مصدراً لإثارة ردود الأفعال السلبية.

وإذا كان "ريتشارد هاريس" يرى أن النماذج الجاهزة في حوار الأديان كثيراً ما تسيء صراحة أو ضمناً إلى المختلف، كحالة عدم استيعاب كثير المسلمين ــ كما يرى ـ لفكرة التوحيد في تصورها المسيحي(9)  ، فإن الغربيين بوجه عام ليسوا بأفضل حال في هذه الناحية من غيرهم. وقد أشبع الكثير منهم العقيدة الإسلامية تشويهاً وامتهاناً منذ القديم وحتى الآن.

لهذا، فإن من دواعي التفاهم أن لا يؤخذ الحوار بحمى التعصب وسجال العواطف واستراتيجيات التفنيد والبحث عن الانتصار بأي طريقة ممكنة، ذلك أن الحوار لكي يكون بناء عليه أن يكرس الجهد المشترك للإقرار بما هو حق وصحيح وإزالة ما يثبت بطلانه أو عدم صحته. لذا يمكن القول بأن أي حوار لا يكون معافى ما لم تنقى فضاءاته من أدخنة التعصب وتُطهَّر أرضيته من ألغام التحطيم.

بل إن إزالة التعصب شرط لإزالة التوتر والاحتقان وتوفير المناخ الصحي الذي يسمح بالانفتاح على الآخر والإنصات إليه والدخول معه في حوارات مفيدة.

ولعل سيطرة الماضي وفتح جراحاته أحد أكثر العوامل حساسية في عرقلة جهود التقريب بين المختلفين. فحضور معركة "بواتييه" ووقائع المنازلات الصليبية وأيام الإمبراطورية العثمانية والمفاهيم التاريخية المغلوطة والذكريات المؤلمة للاستعمار الحديث، أمست جميعها تشكل روافد ساخنة لتغذية الضغائن واصطناع الحواجز النفسية بين الطرفين الإسلامي والغربي، بما أوشكت أن تحول دون التفكير في فتح صفحات جديدة.

لهذا فإن التفاهم سيبقى أبعد عن التحقيق ما لم تتوقف الحملات والتعبئة العامة المتبادلة التي تشحن الذاكرة بمعارك الماضي ولا تكف عن تأصيل العداوات. ومن الطبيعي أنه كلما كان الحاضر مطوياً على حسن النوايا ومزدهراً بالوقائع الطيبة كلما كان نسيان الجراح ممكناً.

 

مقومات التعايش :

لاشك أن الحوار الذي ينطلق من الفهم كفيل بإيجاد حالة من التعايش، مقوماتها كالآتي :

1. إدراك الوحدة الإنسانية : إن الوعي بوحدة الخلق والنشأة يمثل أساساً حيوياً لانبثاق فكرة التعايش، فيما يظل وهم النقاء والتمايز باعثاً على التعالي والحط من شأن الآخرين، وربما ادعاء الوصاية عليهم، وهذا هو شأن الفلسفات العرقية، كالرومانية قديماً والنازية في العصر الحديث، التي حاولت كل منهما ابتلاع العالم وإذلاله.

إن التواضع في إدراك الذات والشعور بالآدمية الواحدة : >كلكم لآدم وآدم من تراب<، حري بأن يعمق الأحاسيس المفعمة بالود الإنساني وأن يبصر بالقواسم الفطرية والعقلية والدينية المشتركة وبما يفرضه منطق المصالح والمخاوف الوجودية الواحدة. ولاشك أن امتلاء الإنسان بمثل هذه الأحاسيس والمدركات كفيل بجعله أكثر استشعاراً بالإخاء وأميل إلى التفاعل والرضا بالعيش المشترك.

2. قبول الاختلاف : إن الاختلاف بصفته حقيقة كونية وواقعاً بشرياً سيكون من الحكمة أن يُعترف به في مجــرى العلاقــات، فالــله ســبحانـه وتعالى : { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين }(10). لهذا فإن أي تفكير يستبطن الأحادية وينزع نحو التنميط، سواء من منطلق ديني أو أيديولوجي أو سياسي، إنما يعني عدم الإقرار بهذه الحقيقة ورفض الاعتراف بما يتمخض عنها من تعددية وتباين. وبناء على ذلك، فإن أي حوار يستبعد المغايرة ويستهدف الاحتواء إنما هو حوار محكوم عليه بالفشل سلفاً.

لكن هل يعني ذلك وجوب التسليم بما عند الآخر أو العمل على التوافق معه أو مسايرته بأي ثمن ؟ الجواب كلا، فالجمع بين الاختلاف والتعايش ممكن، بل إن الاختلاف يمكن أن يكون مدعاة لتفعيل حركة العيش والعلاقات وإمداد الحياة الإنسانية بالمزيد من التطور في الكثير من المجالات.

3. التدافع والتنافس السلمي بين الحضارات : التدافع والتنافس بين الناس والحضارات، إذ تفرضهما ظاهرة التعددية البشرية والحضارية، فهما مطلوبان، ومن العناوين الرئيسة لإثراء الحياة. وإنه لمن الرقي أن تحترم كل حضارة حرية الحضارة الأخرى في دخول ميادين التنافس. ولا تأنف حضارة من ذلك إلا في حالة إصابتها بداء الأنانية والتوحش.

والحرية على هذا الصعيد قد تشمل حقل القيم والأفكار مثلما تشمل الحقول المادية والعلمية ونحوها، وهي بهذا إذ تنطوي على مدلول "الدعوة" من ناحية و"العالمية" من ناحية أخرى، فإن ممارستها يجب أن تتم بمنأى عن أساليب القهر أو المكر أو الاختراق الهدَّام. وهنا تجب التفرقة بين "الدعوة" و"الغزو الثقافي"، كما تجب التفرقة بين "العالمية"؛ و"العولمة" فالغزو والعولمة يفترضان عدم التكافؤ ويستخدمان في العادة آليات الضغط والإغواء وصخب القوة بما لا يتاح للمتعرض ممارسة التبصر وحرية المفاضلة بين الخيارات. أما الدعوة السلمية القائمة على الحوار والإقناع فهي مقبولة شأنها شأن القدوة الحضارية التي تقدم نفسها بدون إكراه.

لكن حين يعمل الغرب على تغريب العالم (Westernization)، ويسعى لكي يكون وحده اللاعب في الساحة الدولية، ويتحرك انطلاقاً من ذلك نحو مسارات مرعبة لاستكمال عولمته، ويمكر في الوقت نفسه لحرمان النماذج الأخرى من حرية المنافسة والانتشار، كما يفعل ذلك مع المشروع الحضاري الإسلامي، فهذا وضع يبعث على القلق وفيه ما يدعو إلى الخوف من تضارب الحضارات.

من هنا لابد من القول بأن التفاهم الحضاري لا يمكن بلوغه دون وجود البيئة العالمية التي تسمح بالتدافع والتنافس السلميين، ولا تسمح لطرف أن يمارس استبداداً على الآخر أو يمنعه من حق التأهل والوجود.

4. تجنب جرح الآخر واستفزازه : الكثير من الحزازات وحتى الحروب تنشأ نتيجة ما يشتعل بين الأطراف من نيران أو ما يبث في أوساطها من إثارة. ولعل الكثير مما يحمله العرب والمسلمون من كراهية معلنة أو مضمرة اتجاه الغرب مردها ما تبثه أجهزته ومؤسساته الثقافية والإعلامية من إثارة وتشويه غير مبررين. وفي منهج الاحتفاء بالكتاب المعادين للإسلام كسلمان رشدي وأمثاله والترويج لكتاباتهم الماسة بالعقائد والمقدسات، لون من ألوان تلك الإثارة ومدخل من مداخل التشويه.

كما لا ننسى أن من أشد عوامل الاستفزاز تلكم السياسات العدائية والمتحيزة التي ما انفك الغرب يمارسها ضد العرب والمسلمين، وعلى مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية التي امتدت في الآونة الأخيرة لتطال مؤسساتهم المالية والخيرية بحجة تغذيتها الإرهاب دون وجود أدلة دامغة أحياناً تثبت ذلك. وإذا كنا لا نجادل بأن بعض المناهج التعليمية الدينية في بعض الدول العربية والإسلامية هي بحاجة إلى تغيير أو تطوير، إلا أننا لم نكن نتوقع أن تتجرأ الإدارة الأمريكية ـ كما جرى بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ـ لتطالب تلك الدول بأن تغير من مناهجها المذكورة كي لا تتعارض مع الرؤية الأمنية الأمريكية.

إن الغرب في الكثير من سياساته ومواقفه بات وكأنه يؤكد نظرية المؤامرة التي يعتقد بها الكثيرون في العالم العربي الإسلامي، وهو وضع من شأنه أن يعمق ثقافة الصراع. فهل يعي أهل الفكر وأصحاب القرار في العالم الغربي هذه الحقيقة، وهل يدركون مدى خطورة تلك السياسات على مستقبل الأمن والسلام في هذا العالم ؟

ثم هل يمكن أن نتوقع من مشروع الحوار بين الحضارات والمطروح حالياً أن يوصلنا إلى ما نحلم به من مرافئ آمنة تضيئها مصابيح الفهم والتعايش بعيداً عن ظلام الجهل والكراهية والخوف وأسباب الصراع ؟.

هذا هو السؤال.

 

حوار الحضارات : المأزق والرهان

حين أجمع المراقبون على أن ما تعرضت له رموز المال والقوة في الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر من هجمات مدمرة يمثل منعطفاً جديداً في التاريخ الأمريكي والعالمي على غير ما صعيد، فإن اتهام وإدانة جماعات تنتمي إلى المجال العربي الإسلامي، ثم شن الحرب على أفغانستان تحت شعار مكافحة "الإرهاب" دونما اتفاق على معنى المصطلح ولا معرفة أين ستتوقف تلك المكافحة ولا متى، حري بأن يعيدنا كل ذلك ـ وفي ظل تداعيات الموقف وآثاره ـ إلى التساؤل حول مستقبل حوار الحضارات الذي نودي به منذ سنوات ولمّا تنته بعدُ مداخلات المشاركين فيه.

نشير بداية إلى أن نظرة الغرب إلى الإسلام والمسلمين تشكلت عبر مراحل زمنية طويلة، تعددت خلالها رؤى رجال الدين والسياسة والمستشرقين، واتفقت في النهاية على جملة من التصورات التي تمخض عنها الوعي الذي منح من خلاله الغرب نفسه مواقع "الحقيقة" و"المركز" و"العقل" و"المدنية" مقابل إبقاء الآخر مواقع "الضلال" و"الهامش" و"الأسطورة" و"التخلف"(11).

وحين أوشك عقد السبعينيات على الانفراط صحا الغرب على هدير الثورة الإسلامية في إيران، ووقف يتابع بحذر ذلك النمو المتسارع لظاهرة الإسلام السياسي، فيما كانت الجاليات العربية والإسلامية تتزايد باطراد مستنبتة رموزها الدينية والمادية، وناشرة صيغها الاجتماعية والثقافية بين ظهرانيه، الأمر الذي أخذ يثير فيه القلق ويبث السخونة في مشاعره ورؤاه، ولم تكن قضايا فلسطين والبترول وبعض حوادث العنف والتطرف التي تجري هنا وهناك، وتنسب إلى هذا الطرف العربي أو المسلم إلا في القلب من هذا الخضم.

بموازاة ذلك كانت تتنامى في الشارع الغربي الحركات العنصرية وتعود إلى بعض فروعه الأناشيد الهتلرية والفاشية، بل أخذت تسترجع سجالات التاريخ وتستذكر منعطفاته الحادة في المصنفات الأكاديمية وعبر مقولات تتحدث عن الصراع المقبل بين الحضارتين الإسلامية والغربية، عكف على ترويجها ـ فيما الخصم الشيوعي ينحسر ـ منظرون واستراتيجيون وساسة وصحفيون، بدءاً بالرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون والوزير هنري كيسنجر، ومروراً بـ "صمويل هنتنغتون" و"أوليفر بادريون" و"إيموس بيرلوتز" و"جوناتان باريس" وغيرهم، وانتهاء بردود الأفعال الهستيرية التي أعقبت مأساة الثلاثاء الدامي في نيويورك وواشنطن والتي أفرزت عديداً من الأصوات التي تؤكد حتمية الصراع.

 

أطروحات مغايرة

غير أن هذا المنحى واجهته وظلت تواجهه في الإطار الغربي نفسه، أطروحات مغايرة رفضت مقولات المواجهة وأكدت على الحوار، فمنذ "مارشال هدجسون" الذي دعا منذ الخمسينيات إلى تصحيح الصورة الذهنية الخاطئة التي ظل يحملها الغربيون عن الإسلام، وذلك في كتابه "مغامرة الإسلام"، و"آنا ماري شيمل" التي وصفت بأنها مثال لمثقف الحوار في مقابل مثقف الصراع(12)، إلى المنظر السياسي الأمريكي "شارلس بيتروث" والمستشار الاقتصادي العالمي "جيمس نوفاك" والصحفيان "جون ـ ب. اتلي" و"جوزف سوبران" إلى المؤرخين "رالف ريكو" و"ليتواغد ليغبو"، وكذلك المرشح الرئاسي "باتريك جيمس بوكنان" وغير هؤلاء من نماذج التعاطف مع حركة النهوض الإسلامي المعاصر(13)، وحتى المفكر السويدي "كينيث ريتزن" مؤلف كتاب "الإسلام وأوروباً مواجهة أم تعايش"، ناهيك عن "روجيه غارودي" الذي كتب "من أجل الحوار بين الحضارات"، إلى غير هؤلاء ممن نادى بالتفاهم ونبذ مقولات الصدام.

كذلك ليست أسماء "فرانسوا بورغا" و"جون اسبوزيتو" و"ليونتي هايدر" و"جيل ليبلي" و"بول كيندي" و"رالف بريبالتي" إلا أمثلة أخرى لهذا الوعي الذي عبر عنه الرئيس الألماني "رومان هيرتسوج" في كتاب صدر له في عام 1999 تحت عنوان "الحيلولة دون صدام الحضارات : استراتيجية السلام للقرن الحادي والعشرين".

ولعل ما بذل من جهود على صعيد المؤتمرات والندوات في هذا الاتجاه قد شمل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والسويد وهولندا وغيرها من البلدان الغربية. وقد كان لبعض رجال الدين المسيحي إسهامهم على هذا الصعيد، والذين ينشطون عادة تحت عنوان الحوار المسيحي ــ الإسلامي، فـ "ميشيل للونج" عضو جمعية الحوار الإسلامي التي أنشئت في باريس في العام 1992 ألف كتاباً تحت عنوان: "ما أنزل الله"، دعا فيه إلى تغيير النظرة المغلوطة عن الإسلام، وأكد ضرورة إعادة قراءته بشكل موضوعي، حاثاً الغربيين على احترام المسلمين وتبجيل عقيدتهم(14). ويندرج في السياق نفسه موقف رئيس أساقفة مدينة ليون الفرنسية "لوري ماري بييه" حيث تحدث عند باب الجامع الكبير لهذه المدينة عشية السابع عشر من  سبتمبر من العام 1998،  وهو يقول : >رغبت في أن أزوركم في بداية حضوري إلى ليون لكي أعبر عن تحياتي الأخوية لكم ولكل الجالية الإسلامية. إنها ليست زيارة بروتوكولية، وإنما جئت أقدم احترامي لكل المؤمنين بالإسلام، وآمل أن يكون من أوليات عملنا هو التعاون فيما بيننا<. كما يندرج ضمن ذلك ما شرعت به الجامعة الكاثوليكية في مدينة "ليل" من تنظيم لدروس في التاريخ والعلوم الاجتماعية الإسلامية منذ أيلول من ذلك العام، فضلاً عن المحاضرات التي شهدتها أروقة تلك الجامعة وهي تطرح رؤية الكنيسة إزاء الحوار مع الإسلام(15) . وقد استمر هذا الطرح ولم يتوقف حتى بعد الأحداث التي حدثت بعد ذلك.

 

موقف الإسلام من الحوار

أما على الجانب الإسلامي، فليس ثمة شك في أن الإسلام، وهو يقر ابتداء بحقيقة الاختلاف بين الناس والمعتقدات، يؤكد قيمة الشراكة وأهمية التعايش واعتبار التعارف غاية من الغايات : { وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا }(16)، و>الإنسان أخو الإنسان أحب أم كره <،  لهذا ظل العدوان في شريعته محرماً: { ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين }(17). كما اعتبر السلم في منهاجه أصلاً من أصول العلاقات : { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها }(18).

وعلى الرغم مما يتميز به الإسلام من نزوع أممي يتحمل خلاله المكلفون مسؤولية التبليغ والتطلع نحو إشاعة المشروع الحضاري الإسلامي على الصعيد العالمي، إلا أنه ربط ذلك بمبدأ الحوار الذي تظل في إطاره اختيارات الآخرين منوطة بحريتهم أياً كانت طبيعة تلك الاختيارات؛ إذ { لا إكراه في الدين }(19)، كما يظل الحاكم في جدل العلاقات ـ أيا كان مآل الجدل ـ قوله تعالى : { قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً }(20) و{ ... إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون }(21)، وهذا ما تجسد فعلاً في ظل الحضارة الإسلامية التي تعايشت في مناطق نفوذها مختلف الأديان والثقافات.

من هنا لم يكن بدعاً من الأمر أن يقترح الرئيس الإيراني الدكتور محمد خاتمي على الجمعية العامة للأمم المتحدة جعل عام 2001، عاماً لحوار الحضارات، وأن تبادر ــ قبل ذلك وبعده ــ عديد من المراكز والمؤسسات الإسلامية في الشرق إلى عقد المؤتمرات من أجل هذا المشروع. ولعل ما شهدته بلدان المغرب وتونس ومصر والأردن وبعض دول الخليج ودول أخرى وأماكن تجمع المسلمين في الخارج من أنشطة في إطار السنة الدولية للحوار ليمثل تواصلاً مع الفكرة الإسلامية في هذا الخصوص التي ستعبر عنها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو ـ بكتاب أبيض صدر بهذه المناسبة.

إذن، وعطفاً على ما تقدم فليس صحيحاً أن ينظر إلى الحضارة الإسلامية نظرة تخوف عبر ما تثيره بعض الأصوات المنتسبة إليها ممن تستقبح الآخر كلياً وترفض ثقافة الحوار وتصر على محاربة "دار الكفر" في كل الأحوال. ولعلنا نستطيع أن نلحظ مع "سكوت هيبارد"، مسؤول برنامج الأديان والأخلاق وحقوق الإنسان في معهد الولايات المتحدة للسلام ذلك الخطأ الأساسي لمقولة الصراع بين الحضارات التي ابنيت على أن الحضارات كيانات صلبة ومنغلقة على ذاتها، فيما الواقع يشير إلى غير ذلك(22).  

ومن ناحية أخرى، لابد أن نلفت النظر إلى أن الإسلام، إذ يوصي بالحوار من أجل الحضور وتبليغ ما يحمله من رسالة إلى العالم، يحث عليه أيضاً من منطلق الإسهام في حل المشكلات والتعاون مع الجميع على البر والخيرات : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان }(23). وهذا يعني أن الحوار في منظوره الإسلامي لا يقتصر على ناحية دون أخرى، بل يمتد إلى مختلف النواحي الفكرية والدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، فمثلاً قضايا : السلام والبيئة والفقر ونزع أسلحة الدمار الشامل والصحة وحقوق الإنسان والديون والهجرة والمخدرات والجرائم الدولية ونحوها، هي من القضايا الجديرة بالطرح على موائد الحوار والتي تستأهل التعاون بشأنها بغية الوصول إلى صيغ أو حلول عادلة أو مقبولة. ولعل في هذا المنحى تحقيقاً ـ من الوجهة الإسلامية ـ لمعنى الوسطية والشهادة على الناس وتكريساً لمبدأ الإنقاذ الإنسانــي : { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس }(24). وبهذا يتشكل الموقف الإسلامي من حوار الحضارات.

 

تداعيات الهجوم على نيويورك وواشنطن وإمكانات الحوار

لاشك أن عدوان الحادي عشر من سبتمبر ووقوف نفر من المسلمين وراء ارتكابه ـ  قد أحدث بلبلة وخللاً في إمكانات الحوار وعرّض مقولة التفاهم ـ المشكوك بها أصلاً ـ إلى امتحان عسير.

فالمشهد قد اشتعل بالدم وبرزت خلاله صورة المسلم الإرهابي التي عمقت ظاهرة (الإسلاموفوبيا) "Islamophobia"، فيما أخذ جو العلاقة يتسمم بغيوم من الكراهية والاشمئزاز أشبع عبرها العرب والمسلمون بمزيد من الضغوطات التي أخذت تمتد إلى مختلف المستويات(25). الأمر الذي أشعر الكثير من حاملي فكرة الحوار بالشلل، وكاد البعض منهم ينعي لنا مشروع الحوار، لولا بقية من أصوات شجاعة انبرت، ومنذ اللحظة الأولى، تقول للغرب المصدوم شيئاً آخر.

ولعل صورة جمعية "سانت إيجيدو" الإيطالية المسيحية مثال ساطع على ذلك، وهي تدعو إلى عقد قمة إسلامية مسيحية على الفور لمواجهة ذلك الموقف الملتهب، كما لم يمض وقت حتى أخذ بعض الزعماء والساسة يتراجعون عما صدر عنهم من ردود أفعال مضادة أثارت جدلاً في الغرب نفسه، فالرئيس الأمريكي "بوش" صوَّب دلالة استخدامه لمصطلح الحرب الصليبية "Crusade" ساعة إعلانه مشروع الرد على الإرهاب، وتراجع "بيرلسكوني" رئيس الوزراء الإيطالي عما صدر عنه من هجاء للحضارة الإسلامية. وكان لخطاب بابا الفاتيكان دوره المهدئ وهو ينوه بأخلاقيات الإسلام وسماحته ويؤكد خيار الحوار، ناهيك عن زيارات المسؤولين الغربيين وعلى أرفع المستويات المساجد والمراكز الإسلامية وتطمينهم أبناء الجاليات الإسلامية.

وإذا كان صحيحاً أن كل تلك التصريحات والتطمينات الرسمية لم تستطع أن تبدد مشاعر القلق والتوجس التي سرت في نفوس المسلمين في داخل الغرب وفي خارجه، سيما والضغوط إزاءهم أخذت تقنن صيغها القمعية وتتوسع في إجراءاتها المؤذية على نحو غير مسبوق، فيما الحرب مسلطة على رقاب الكثير من دولهم وشعوبهم، فإنه ـ وعلى الرغم من كل ذلك ـ ثمة ظواهر أخرى احتواها المشهد قد ترجح ــ بنظر البعض ــ كفة التوجه ولو مستقبلاً نحو الحوار.

وقد كان من مؤشرات ذلك، التظاهرات التي خرجت في العديد من العواصم الغربية التي تندد بالحرب، ومواقف منظمات حقوق الإنسان في أمريكا وغيرها التي تعارض الإجراءات الحكومية التي اتخذت ضد العرب والمسلمين، فضلاً عما أثاره الحدث من انتباه إلى بعض القضايا العالقة التي تشغل بال العرب والمسلمين ــ كقضية فلسطين ــ وتحدث بعض المسؤولين الغربيين عنها ــ ولو في البداية ــ بنبرة جديدة، ناهيك عن الإقبال المتزايد لدى الأفراد والمؤسسات نحو معرفة الإسلام والتعرف على حقيقة المسلمين، لدرجة أن النسخ المترجمة للقرآن الكريم أخذت تحتل قوائم أعلى المبيعات للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، بل لم يجد المسؤولون في المراكز الإسلامية متسعاً من الوقت لتلبية سيل الدعوات التي أضحوا يتلقونها من الجامعات والمدارس والكنائس والأندية والمستشفيات والمصانع لإلقاء المحاضرات حول الإسلام، إضافة إلى محطات الإذاعة وشبكات التلفاز التي وجدت نفسها مضطرة لتكثيف لقاءاتها بممثلي الجالية في خطوة وصفت بأنها لا مثيل لها في تاريخ الإعلام الغربي عموماً والأمريكي بوجه خاص، حتى أن أحد أولئك الممثلين ـ وهو السيد مصطفى القزويني إمام المركز الإسلامي في "لوس أنجلوس" ـ علق بالقول : أعتقد أن مستقبل الإسلام في أمريكا سيكون أفضل لو استطعنا استثمار هذا الوضع بشكل جيد(26) ، الأمر الذي ينطوي على حقيقة هي أنه بقدر ما كان لتلك الهجمات من انعكاسات سلبية على الأوضاع والعلاقات الغربية ــ الإسلامية، كان لها أثر إيجابي؛ إذ كشفت عن أن الحوار يبقى حاجة إنسانية ولابد أن يفرض نفسه على الطرفين ولو من بين أكوام الرماد !.

 

مسؤولية الاستراتيجيين وصناع القرار

لكن على الرغم من ذلك تظل ثمة حقيقة من الصعب تغافلها، وهي أن توجهات الحوار والتصالح التي تصدر عن بعض الغربيين كثيراً ما تتعرض للهدر من قبل رجال الاستراتيجيا وأصحاب القرار ممن لم تبرح مخيلتهم نوازع "التمركز" و"القوة" و"المصالح" و"العدوان" و"التوسع" واتجاهات الصراع.

ولا يغربن عن البال أن الغرب ظل بعيداً عن الحوار وهو يغزو ويحتل ويحطم البنى الاقتصادية والثقافية للبلدان العربية والإسلامية، مثلما ظل بعيداً ــ بأُحاديته ونزعته الاستكبارية ـ عن أي حوار جاد في المراحل اللاحقة حتى لحظة تشكيله ما يسمى بالنظام العالمي الجديد.

وإذا كان علينا أن لا ننسى أن المناهج التعليمية الغربية ما برحت حافلة بالصور النمطية السلبية المرسومة عن الإسلام والمسلمين، فإن الإعلام الغربي في تياره الغالب لم يكف عن ممارسة التشويه ولم يتوقف لحظة عن التحيز والهجاء وتعميق الفجوة بين الطرفين، ناهيك عن التفكير الصراعي الذي لم يشهد أي تغير ملحوظ لدى الأجنحة المتشددة من صناع القرار ومن وراءهم من مُنَظِّرين، بل إن من هؤلاء ـ ومعهم معتدلون أحياناً ــ يفضلون وفي أمريكا بوجه خاص ـ شر الديكتاتوريات في الشرق الأوسط على شر الأصولية الإسلامية ــ على ما يذكره ويستهجنه "زاكيري كارليل" الباحث في جامعة هارفارد(27) ، الأمر الذي يظل يعمق الإحساس بالغيض والمرارة، ويدفع الكثيرين في العالم الإسلامي إلى الاعتقاد بكيد الغرب الدائم ضدهم، وأن حوار الحضارات ما هو إلا وهم ومجرد ذر للرماد في الأعين.

 

النقد الذاتي الإسلامي:  

لكن يا ترى هل هذه الحقائق ــ على قسوتها ــ تسقط عن العرب والمسلمين ما يحملونه من مسؤولية سواء من جهة تشويه الإسلام والإساءة إليه، أم من جهة تأزيم العلاقة مع الآخرين ؟.

الواقع ــ وبصرف النظر عن حوادث الحادي عشر من سبتمبر وهوية المتهمين فيها ـ تبقى هناك جملة من الرؤى الضيقة التي ما برحت تعشعش في ذهنية بعض المجموعات الإسلامية، وتفرز بعض السلوكيات الحمقاء التي هي بقدر ما تشكل تشويهاً ذاتياً للإسلام تعطي في الوقت نفسه صورة قاتمة عن المسلمين ونمط تفكيرهم، وعلى نحو من شأنه أن يدفع الآخر إلى مزيد من التوجس وإعطاء المبررات الإضافية للتطرف والتخطيط المضاد.

بل لابد من الاعتراف بأننا جميعاً بحاجة إلى نقد الذات والشروع في المراجعة التي يجب أن تمتد إلى العديد من مفاهيمنا وخطاباتنا وسلوكياتنا ومواقفنا السياسية والثقافية بل الفقهية أحياناً. فالدعوة إلى "الوسطية" ومراعاة "الواقع" والأخذ بفقه "الأولويات"، وأحكام "المتغيرات"، ومنطق "الضروريات" وتقديم خيارات "الاعتدال" و"التسامح"، إنما تشكل مطالب ضرورية لابد من اعتمادها في منهج التغيير وإعادة البناء.

إنه يجدر بنا في ظل هذا المنعطف الفتان أن نتذكر كيف لفت المجدد السيد جمال الدين الأفغاني أقطار الغرب والشرق قبل أكثر من قرن، وهو يحاور الآخرين في لندن وباريس وبرلين وغيرها من بلدان العالم، لدرجة أن "إرنست رينان" ـ على الرغم مما عرف عنه من تعصب ـ يعترف قائلاً : >قلما استطاع أحد أن يؤثر في نفسي مثلما أثر الأفغاني فيها. إن قيمة الأديان منوطة بقدر ما يكون لمعتنقيها من تقدير<(28).

وأخيراً لعل قائلاً يقول إن المراجعة والنقد الذاتي يتطلبان ابتداء أن يكون ثمة حوار إسلامي ـ إسلامي يتحرر من خلاله المسلمون قبل غيرهم من كل ما هو سيِّء في مجرى علاقاتهم الداخلية سواء على مستوى الأفكار أو المواقف أو الممارسات، وهو قول حق، لكن هل يعني ذلك أن يؤجل المسلمون تأهلهم الحواري على صعيد علاقاتهم الخارجية ؟. إن الحوار على هذا الصعيد ضروري هو الآخر ومطلوب، سواء من أجل عرض صورة الإسلام الصحيحة وتوضيح مدركاته على نحو دقيق، أو لتأكيد حقوق المسلمين ومصالحهم المشروعة، أو لإثبات حقهم في  التدافع الحضاري والإسهام في معالجة قضايا العالم وطرح ما يناسبها من رؤى وحلول، أو لتفادي المنعطفات الحرجة التي من شأنها إحداث الصدام مع الآخر على أقل تقدير.

 

عود على بدء

وإذا كان هنالك من يصر على الاعتقاد ــ وعن حق ــ بأن الصراع طبيعة بشرية(29) ، وتعبير واقعي عن تعارض المصالح وتباين القوى، وأن قيم الهيمنة وسياسات المنافع تبقى هي السائدة  في علاقات الدول والجماعات، إلا أن ذلك لا  ينبغي أن يطفئ جذوة الأمل ويشل العقل عن التفكير، بل لابد من إدراك حقيقة أن العالم لم يعد يتحمل الظلم واللاتكافؤ والطغيان ولا التطرف العقائدي الهدام، وبخاصة في ظل تقنيات الدمار الشامل التي لم يعد الحصول عليها أو ربما التحكم في استخدامها حكراً على أحد.

لقد كنا من قبل نشهد تداولاً لفكرة الحوار في لحظات معنية مثل : "حوار الشمال والجنوب"،  و"حوار أوروبا والعرب"، و"الحوار المسيحي ــ الإسلامي"، و"حوار الشرق والغرب"... إلخ. فيما الحقيقة التي تلح علينا هي إن الحوار يبقى مطلباً لا غنى عنه في كل اللحظات، وهو ما يدفع إلى القول إنه مهما بدت فكرة الصراع طبيعية في  العلاقات، إلا أن ذلك لا يلغي واجب النضال من أجل إعلاء قيم الحق والعدل والحرية وتوفير البيئة الصالحة لانبثاق فكرة التفاهم والقبول وتحرير العلاقات من دواعي الكراهية والصدام.

ترى من يستطيع تجاهل حقيقة أن الإسلام أضحى مكوناً من مكونات الواقع الغربي وأن الغرب بات عنصراً من عناصر واقع المسلمين اليوم ؟.

إنه لمن المنطقي القول بأن على العقلاء في العالمين الغربي والإسلامي تحمل مسؤولياتهم الإنسانية المشتركة من أجل اقتحام الجدران الصلدة، والعمل على كبح جماح "الهوايات المتغطرسة"(30) ، وتجاوز كل اللحظات المعتمة في تاريخ أو حضارة كل طرف، وفتح كوى للنور يمكن الجلوس في ضوئها للتفكير بعقل نيّر وضمير حي وقلب مسؤول، سواء على مستوى المفكرين أو الساسة أو رجال الدين أو منظمات المجتمع الأهلي، وذلك وصولاً إلى حوار حضاري متعدد المجالات والأوجه يقي الإنسانية جراثيم الانحطاط، ويثري حياتها بالتعاون والتكامل بين الحضارات.

 

معادلات الحوار بين واقع العولمة ورهان المستقبل

 

في ظل الطرح الموضوعي للحوار بين الحضارات، وأمام واقع العالم المشحون بالتناقض والاختلال والتوتر، نتساءل : أين موقع العولمة الراهنة من كل ذلك ؟ وهل ستكون في خدمة الحوار أم في خدمة منحى آخر مختلف ؟.

لاستشراف الإجابة نبادر إلى القول بأنه ليس بالوسع أن نشهد في ظل العولمة الراهنة انبثاق حوار حقيقي بين الحضارات يستوفي الشروط والمعادلات الموضوعية التي عرفناها، وذلك لأسباب نذكر منها :

إن العولمة في بعدها الاقتصادي، وهي تُعلي من قيم السوق واعتباراته، لابد أن تؤدي إلى انحسار في القيم الديمقراطية، وهي نتيجة تضعف بطبيعتها من إمكانات التحاور، خاصة وأن مرجعية العلاقات ستصير بيد الفاعلين الاقتصاديين مما يعني تراجعاً في دور القيادات الثقافية التي تشكل بحكم وظائفها أهم أطراف الحوار.

وإذ يتجلى هذا الأمر في إطار الأنشطة الاقتصادية، فإنه يتجلى، ومن باب أولى، في الأنشطة الأمنية والسياسية. ولعل مشروع مكافحة الإرهاب الذي تتبنَّاه الولايات المتحدة الأمريكية دون مشاركة من الآخرين، سواء في تحديد ما ينطوي عليه من مفاهيم أو ما يتضمنه من توجيهات، لدليل صارخ على منهجية الضغط والاستفراد. ولم يكن الصعيد الثقافي بمنأى عن هذا المسلك، فأثناء المؤتمرات الدولية التي عقدت تحت مظلة الأمم المتحدة في عقد التسعينيات من القرن الماضي في كوبنهاغن والقاهرة وأنقرة وبكين، والتي تناولت شؤون المرأة، والعلاقات الأسرية والاجتماعية، وقضايا السكان، والتي كان يفترض تداولها بشكل حر، والتحاور بشأنها بطريقة ديمقراطية، وجدنا الغرب يستخدم أساليب الترهيب والترغيب للضغط على الأعضاء المشاركين من العالم العربي الإسلامي بغية دفعهم إلى القبول بطروحاته الخاصة التي أراد عولمتها بطريقة لا تسمح بمزيد من الجدال.

ولا يفوتنا أن نشير إلى أن مجرد طرح العولمة بصفتها حتمية أو قدراً لا مناص معه ــ وهو طرح يصدر عن أهل العولمة وعن المسحورين بها أو حتى عن الخائفين منها ــ وليس كونها أطروحة يترك للآخرين حرية الأخذ بها أو رفضها، إنما يعبر عن توجهات المركز العولمي في الضغط على الأطراف من أجل الامتثال والانخراط في سياقاتها دون ممانعة أو اعتراض. وفي هذا تجاوز مكشوف لمرحلة الحوار حتى مع افتراض صحة ما تبشر به تلك العولمة من وعود.

وحتى في الحالات التي قد يبدي فيها الأطراف قابليتهم للانخراط في علاقة تبعية أو يضطرون لذلك، ربما لأسباب بنيوية يحتمها انتشار النظام الرأسمالي في ظل غياب المشروع التنموي المستقل، فليس في ذلك ثمة اختيار، فقد يتحول الطرف بفعل تأثير منتظم يكتسب خلاله قيم العولمة وأنماطها، ويندرج تلقائياً كمنفعل لا فاعل في استراتيجياتها، حتى يصير في النهاية جزءاً من نظامها الكاسح الفعال.

أما القول بأن العولمة من شأنها أن توفر حالة من التوحد العالمي والانتماء إلى هوية لا ولاء فيها لمعتقد أو أيديولوجية، إنما يعكس دعاية من شأنها أن تؤكد نفسياً استحالة مقارعتها أو التفكير ببديل آخر، وبالتالي فهي على هذا النحو تمثل شكلاً من أشكال الصراع بين الحضارات(31).

وإذا كان البعض يتوهم الحوار بين طيات العولمة أو يظنه في فحوى أطروحتها أو عبر برامج أعمالها، فإننا نقول : بلى ثمة حوار ولكن من أجل أن تقبل الأطراف بما تمليه العولمة من مضامين واشتراطات وسلوكيات، الأمر الذي لا يعني حوارها ضمن هذه المعادلة غير دعوة الضعفاء إلى الرضوخ والتكيف. ولعل لغة هؤلاء الواهمين أنفسهم كثيراً ما تشير ــ وهي تشي بحتمية العولمة ــ إلى هذا المنحى الذي تنسد ولاشك في طريقه آفاق الحوار.

تُرى هل بعد كل ذلك يمكن التحدث عن لقاء حقيقي بين العولمة وحوار الحضارات ؟.

إن إصرار العولميون على التمادي فيما أعلنوه واستنبطوه من مشاريع وتطلعات، إذا كان من شأنه أن يحول أطروحة الحوار إلى مجرد تنظير يتعاطاه أهل الفكر أو أشواق تعتمل في جوانح وأخيلة بعض الحالمين، فإن ذلك لا يلغي بأية حال، حق الآخرين في الحلم والعمل والتأكيد على خط الحوار. فالعولمة حين تمثل في أبعادها الاستراتيجية ذلك المنظور الأحادي والمنهج الانفرادي الذي تغذيه إمكانات القوة ومشاعر التفوق والمغايرة، فإنه من الطبيعي أن نتوقع في ظل تجاذباتها انتعاشاً لجدلية الصراع والحوار، ما دامت ثمة إرادة على الجهة الأخرى، ولها من الرؤى والتطلعات المغايرة ما يجعلها في موقف المدافعة والنضال.

ومن هنا كان من حق الأطراف المغبونة أو المهددة أن تختار الحوار مسلكاً تلح عليه وتطرحه وفقاً لمعادلاته الموضوعية التي تتوفر على الفهم والتفاهم وتسمح بحرية التنوع والاختيار.

وهذا التخوف يبرره بشكل قوي ذلك الموقف المزدوج الذي يتخذه المركز العولمي الذي ما فتئ يعمل على تعزيز هويته الغربية، ويستهين ــ في الوقت نفسه ــ بهويات الآخرين بل يعمد إلى اختراقها وتمزيقها. وهو أمر من شأنه أن يستثير الممانعة، ويدعو إلى التعبئة المضادة، وربما الانكفاء، على النحو الذي قد تُحبط خلاله مشاريع التلاقي وإمكانات الحوار.

فضلاً عن أن العولمة، وهي تعلن موت الأيديولوجيا، تأخذ على عاتقها صناعة أيديولوجيتها الخاصة التي تعزز الوعي الحسي على حساب المدركات العقلية والأحاسيس الروحية، الأمر الذي يلحق، ولاشك، تشوهات فادحة بأدوات التعامل والتبادل على صعيد الثقافات(32).

الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن الغرب منذ بلغ مرحلة الاكتفاء الذاتي، ظل مشغولاً بمد فائض قدرته خارج الحدود. وليست العولمة سوى التبرير الأدائي لذلكم الفائض(33) الذي ظل يشق طريقه بوحشية الاستغلال والاحتكار والابتلاع، تاركاً آثاره على العلاقات الدولية صراعاً لا ينتهي على القوة والمصالح، وهو وضع يضعف ولاشك الثقة ويهز الاستقرار السياسي والاجتماعي في العالم، خصوصاً وأن العولمة، وهي تكرس قاعدة انتصار الغرب وهزيمة سواه تفعل ذلك مع ممارسة الضغوطات ووضع الاشتراطات، وتجاهل قواعد الشرعة الدولية. وإذا كانت الأساطيل منذ قرون قد وضعت تحت تصرف الباحثين عن الثروات عبر البحار، فالعولمة اليوم ــ وكما يقول د. سمير أمين ــ هي بحاجة إلى العسكرة، ذلك أن اليد الخفية للسوق لن تكون في حال من الفعالية ما لم تعتمد على ذلك، وهذا معناه إحلال الفوضى وإعادة تشكيل الأدغال(34).

وإذا كانت علاقات الشمال والجنوب، بما شهدته وتشهده من إشكاليات واختلالات وتأزمات، تحيلنا ـ نحن أبناء الجنوب ـ إلى هذا المدخل، فإنه من مسؤولية الأطراف الأخرى أن تدرك قيمة هذا الخيار الذي لا غنى عنه أمام أخطار التداعي ونذر الصدام.

تُرى هل يمكن للمستقبل أن ينفرج عن حوار حضاري راشد تقتنع من خلاله قوى العولمة ومراكزها بضرورة إعادة النظر في ماهية مشروعها الأحادي، وتعترف بقيمة إعادة ترتيب العلاقات على أسس من العدل والاحترام والتوازن وتوزيع الخيرات.

إن توزيع القوة لا يمكن أن يظل على حاله في هذا العالم، وإن الموازين لابد أن ينالها التغيير عاجلاً أم آجلاً، كما أن أدوات القوة وتقنياتها ما عادت ولن تعود حكراً على طرف دون آخر، خاصة وأن التشابك والتداخل بين الناس والحضارات بات حقيقة لا فكاك عنها، وبالتالي لابد أن ينظر إلى الحوار بصفته وسيلة وهدفاً يتساوى في نشدانه الجميع.

وأياً كان الأمر فإن الحوار في أبعاده الثقافية والسياسية والدينية والاقتصادية والتنموية يظل خيارنا وفي ظل منحاه ومعادلاته الموضوعية لابد أن تلج جبهات المستضعفين والمتضررين كل المداخل التي من شأنها المساعدة على الوصول إلى "عولمة توافقية"، يتم من خلالها عولمة المسكوت عنه والمهمش من قضايا الجنوب والعالم بصفة ذلك جهداً نوعياً على ضفاف المدافعة وصناعة البديل.

ذلك لابد أن نؤمن به ونعمل من أجله، وهو في حيز الممكن إذا ما أحسنَّا الاستجابة والفعل، وكان لنا من الفكر والعمل والتفاؤل ما يدفعنا إلى تلمس دروب المستقبل في ظل هدي هذا الرهان الذي لا خيار لنا سواه مهما بدا عند البعض عديم الجدوى.


 

(1)  د. ناصر الدين الأسد : "نحن والآخر : صراع وحوار"، جريدة الرأي،  في 17/8/1997، عمَّان.

(2) رضوان زيادة : "صدام الحضارات: هاجس الصراع وخطاب النفي"، مجلة شؤون الشرق الأوسط، مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، العدد 104، السنة 11، 2001، بيروت، ص 227.

(3)  مسعود ضاهر : "العرب والغرب: تاريخ من العلاقات المشوهة"، مجلة العربي،  العـدد 518، الكويـت، 2002م، ص 142.

(4) محمد أركون : الإسلام، أوروبا، الغرب، ترجمة : هاشــم صــالح، دار الساقــي، بيـروت، 1995، ص 45.

(5) لمعرفة تفاصيل في هذا الخصوص، راجع على سبيل المثال، الدراسات الإعلامية التي كتبها عدد من الباحثين ضمن : د. سامي عبد الله خصاونة (إعداد) : العلاقات العربية الأمريكية، الجامعة الأردنية، عمان، ص 48-31، وص 283-29، وص 589-571. وكذلك: د. أنس الشيخ علي : "الإسلام في الرواية الشعبية الإنجليزية والأمريكية المعاصرة، 1996-1970:، مؤامرة أو موضة، مجلة الدبلوماسي، العدد 3، السنة الأولى، 1996، ص 253.

(6) الشيخ محمد علي التسخيري : "العلاقة بين الإسلام والغرب، تأملات في رؤية غربية"، مجلة المنهاج، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، بيروت، العدد 22، السنة 6، 2001، من ص 251-250، وص 253.

(7)  د. عبد العزيز بن عثمان التويجري : الحوار من أجل التعايش، دار الشروق، القاهرة، ط 1، 1998، ص 16.

(8)  د. جلال أمين : "حوار الحضارات أو نضال من لا نضال له"، جريدة (العربي)، العدد 787، في 9/12/2001، القاهرة، ص 13.

(9)  ريتشارد هاريس : "هل هناك أمل للتقارب بـــين المسيحيـــــة والإســلام"، مجلة الدبلوماسـي، العـــدد 2، الســنة 1، 1996، لندن، ص 23.

(10) سورة هود، الآية 118.

(11) الشيخ محمد علي التسخيري، مرجع سابق، ص 248.

(12)  راجع عرضاً لبعض أفكار كل من هدجسون الأستاذ بجامعة شيكاغو خلال الخمسينيات من القرن الماضي، وآنا ماري شيمل عالمة الاستشراق الألمانية المعاصرة، في : خالد شوكت : "مثقف الحوار في عالم الصراع"، مجلة الدبلوماسي، العدد 2، السنة الأولى، 1996، لندن، ص 25-24.

(13)  أنتوني، تي. سوليفان : "في الرد على دعاة المواجهة بين الإسلام والغرب"، مجلة الدبلوماسي، العدد1، السنة الأولى، 1996، لندن، ص 20-19.

(14) رجب البنا : الغرب والإسلام، دار المعارف، القاهرة،  ص  276-275.

(15) انظر : مجلة الكلمة، العدد 21، السنة الخامسة، بيروت، 1998، ص 197-194.

(16)  سورة الحجرات، الآية 13.

(17) سورة البقرة، الآية 190.

(18) سورة الأنفال، الآية 61.

(19) سورة البقرة، الآية 256.

(20) سورة الإسراء، الآية 84.  

(21) سورة الأنعام، الآية 164.

(22) سكوت هيبارد : "الصراع لا يدور بين الثقافات وإنما يدور داخلها"، مجلة الدبلوماسي، العدد 4، السنة الثانية، لندن، 1997، ص 13.

(23)  سورة المائدة، الآية 2.

(24) سورة البقرة، الآية 143.

(25) اتسع الهاجس الأمني إزاء العرب والمسلمين ولم يتوقف على النواحي التقليدية، بل امتد حتى إلى طلبة العلم في مجالات ما يختارونه من تخصصات علمية، ناهيك عن تطويق ومراقبة الأنشطة المالية والاستثمارية والخيرية، فضلاً عن التدخل في الشؤون التربوية الداخلية.

(26)  مصطفى القزويني : "صحوة في الولايات المتحدة لفهم الإسلام ستنعكس إيجاباً"، جريدة الحـــيــاة، لنــدن، في 22/10/2001.

(27) د. فتحي الملكاوي : "دور الأكاديميين في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الإسلام السياسي"، ضمن: التوجهات الغربية نحو الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، مركز دراسات الشرق الأوسط، ط 1، عمان، 2001، ص 186-182.

(28) أورده : د. غسان إسماعيل عبد الخالق : جريدة الدستور، عمان في 19/10/2001، ص 14. والمعروف أن الأفغاني قد رد على محاضرة رينان "دين الإسلام والعلم"، وقد نشر الرد في جريدة "لومونيتير" الفرنسية.

راجع : هشام جعيط : أوروبا، الإسلام : صدام الثقافة والحداثة، دار الطليعة، بيروت، 1995، ص 36.

(29) انظر : محمد السماك : موقع الإسلام من صراع الحضارات والنظام العالمي الجديد، ط 1، دار النفائس، بيروت، 1995، ص 165.  

(30) التعبير للأسقف كينيث كراج.

(31) عبد المنعم المحجوب : "أسئلة العولمة"، الفاتح، العدد 320، طرابلس في 2/2/2000.

(32)  للمزيد راجع : علي فياض : "أي حوار مع الغرب"، في : قضايا إسلامية معاصرة، العدد 5، لبنان، بيروت، 1999، ص 213-208.

(33) د. رسول محمد رسول: "من ثقافة القوة إلى ثقافة الإنجاز"، جريدة الاتحاد، أبو ظبي في 13/12/2001، ص 30.

(34) راجع عرضاً في : جريدة الاتحاد، أبو ظبي في 30/12/2001.

المصدر: http://www.isesco.org.ma/arabe/publications/almoslimoune%20wa%20al%20akhar/p4.php

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك