«الحوار بين الحضارات والثقافات».. مطلب ثقافي انساني لا غنى عنه
«الحوار بين الحضارات والثقافات».. مطلب ثقافي انساني لا غنى عنه
يحتل الحوار الحضاري مكانة بارزة في اهتمامات المفكرين والباحثين و المؤسسات الثقافية لكونه يأتي في عالم يسوده الصراعات والشقاق والحروب ، ويأتي الحوار ليشكل الحل الأنسب لكل هذه الازمات ومن هنا تأتي أهمية الندوة الدولية (الحوار بين الحضارات والثقافات) التي أقامتها وزارة التراث والثقافة بالتعاون مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بولاية نزوى حيث شاركت بها نخبة من الشخصيات الفكرية والثقافية العربية والاجنبية .
الجلسة الاولى أدارها سعادة الشيخ حمد بن هلال المعمري وكيل وزارة التراث والثقافة للشؤون الثقافية وحملت محور (التنوع الثقافي وحوار الثقافات والحضارات ) وتضمنت الجلسة أربع أوراق عمل حيث تحدث في الورقة الأولى الأستاذ الدكتور حامد بن أحمد الرفاعي رئيس المنتدى الإسلامي العالمي للحوار وكانت بعنوان «التنوع الثقافي والتنافس بين الحضارات». أما ورقة العمل الثانية فقدمها الدكتور سعيد بن سليم الكيتاني أمين عام اللجنة العمانية للتربية والعلوم والثقافة والتي كانت بعنوان (حوار الحضارات ـ الثقافة الاجتماعية)
وتحدث في الورقة الثالثة الدكتور عبيد بن سعيد الشقصي من جامعة السلطان قابوس عن دور وسائل الاتصال في حوار الثقافات حيث أشار الى دور الاعلام في هذا الجانب والذي من شأنه أن يقرب التحاور لمختلف الحضارات وان يستفيد منها نحو هدف اسمى في الخروج بتوافق نحو حضارة ثقافية تؤدي الى ما هو افضل ويقرب بين الشعوب حضاريا وثقافيا عبر التفاهم والتواصل أما ورقة العمل الرابعة والأخيرة في الجلسة الاولى فكانت بعنوان (التنوع الثقافي ومسألة قبول الآخر والاعتراف به ) للأستاذ عبدالله العليان ألقاها نيابة عنه الدكتور عبد الكريم بن علي جواد من وزارة التراث والثقافة تطرق فيها إلى الحديث عن الحضارة الإسلامية والتنوع الثقافي وحوار الحضارات والثقافات منذ أطروحة صموئيل هنتغنتون المعنونة (صدام الحضارات) في عام ٣٩٩١ والتي تحولت بعد ذلك إلى كتاب بعنوان ( صدام الحضارات : إعادة صنع النظام العالمي ) وقال إن حوار الحضارات سيواجه الكثير من العقبات إن تقدمت النزعة الانحصارية للحضارة التي تستوجب امتناع الحوار بين الحضارات وراى :إن الحوار مع الآخر بين الحضارات والثقافات يظل مطلبا لا غنى عنه للإنسانية جمعاء إذا ما أرادت أن تعيش بمنأى عن الصراع السلبي وليس التدافع الحضاري الذي هو في الأصل سنّة إلهية كونية بين الأمم ، فالحوار بين المختلفين المبني على المنهج الصحيح يجب أن يسود بين الحضارات والثقافات وتتحقق فيه شروط التفاهم والتعايش والعدل والمساواة ويقتنع الجميع أن الحوار بين الحضارات هو السبيل الأجدى للتغلب على الحروب والتوترات وما يسمى الآن بمشكلات الإرهاب وتوابعه بعد تجديد مفهومه بصورة سليمة وصحيحة بعيدا عن المزايدات والذرائع والأحكام المسبقة الظالمة .
الجلسة الثانية كانت حول محور (دور هيئات المجتمع المدني في تعزيز ثقافة الحوار وأثره في نشر ثقافة السلام والتعايش والتعاون) حيث ترأس الجلسة سعادة الدكتور هادي عزيز زاده المدير العام المساعد للإيسيسكو وقدمت فيها اربع ورقات حيث قدم الدكتور أحمد مختار أمبو سفير السلام بالصومال الورقة الأولى بعنوان الثقافة والحضارة بين الشعوب ، ثم الورقة الثانية (دور مؤسسات المجتمع المدني في تعزيز حوار الثقافات للاستاذ روبرت بامير ، وقدم الورقة الثالثة الاستاذ محمد بن عبدالله الشويعر من المملكة العربية السعودية عن مركز عبدالعزيز الوطني ودوره في تعزيز الثقافة والسلام والتعايش والتعاون . والورقة الرابعة عن دور هيئات المجتمع المدني في تعزيز ثقافة الحوار واثره في نشر ثقافة السلام والتعايش والتعاون . الجلسة الثالثة كان محورها (المنظور الاسلامي وتطبيقاته في حوار الحضارات والثقافات) حيث رأس الجلسة الدكتور أحمد مختار أمبو سفير الايسيسكو لحوار الحضارات وقدمت فيها ثلاث ورقات عمل.قدم ورقة العمل الأولى الدكتور محمد خاقاني أصفهاني أستاذ مشارك في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة أصفهان والتي حملت عنوان (المنظور الإسلامي وتطبيقاته في حوار الحضارات) حيث تطرق أصفهاني إلى موضوع التسامح .
وفي ورقة العمل الثانية قدم سعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابي أمين عام بمكتب مفتي عام السلطنة ورقة عمل بعنوان (المنظور الإسلامي وتطبيقاته لحوار الحضارات والثقافات) حيث تحدث في البداية عن تعريفات الحوار وهو الرجوع إلى الشيء وعنه والتغير من حال إلى حال والحضارة التي هي لغة خلاف البدو والحاضرة خلاف البادية أما تعريف الثقافة فهي لغة ثقف ككرم ومزح أي صار حاذقا خفيفا فطنا وثقفت الشيء أي تعلمته بسرعة ثم تحدث سعادته عن الفرق بين الحضارة والثقافة حيث أوضح أن هناك خلطا ولكن تنبه لذلك المفكر المسلم علي عزت بيجوفيتش حيث قال: (إن الثقافة تبدأ بالحوار السماوي بما اشتمل عليه من دين وفن وأخلاق وفلسفة أما الحضارة فهي استمرار الحياة الحيوانية ذات البعد الواحد والتبادل المادي بين الإنسان والطبيعة هذا الجانب من الحياة يختلف عن الحيوان فقط في الدرجة والمستوى والتنظيم).
.حملت الجلسة الثالثة اربع ورقات عمل بعنوان (دور هيئات المجتمع المدني في تعزيز ثقافة الحوار واثره في نشر ثقافة الاسلام والتعايش والتعاون) حيث تضمنت ورقة العمل الأولى قدمها الأستاذ الدكتور أحمد مختار امبو، وقد قدم المحاضرة باللغة الفرنسية بينما ورقة العمل الثانية قدمها الأستاذ روبرت بالمير تحت عنوان (دور مؤسسات المجتمع المدني في تعزيز حوار الثقافات) طرح فيها عددا من النقاط حيث قال: أول رسالة أريد أن أبينها هو الاشتراك والتعاون مع العالم العربي في عدد من الأمور، وأود التحدث عن أربعة عناصر، وهي الثقة والأمن وقانون المجتمع المدني، ومشكلة اللغة.وأضاف: بالنسبة للثقة في كل مجتمعاتنا.. الثقة تبنى على أشياء مختلفة عن طريق العلاقات والعلاقات تبنى عن طريق الاحترام والأمن يعتبر من العوامل الثقافية، ويختلف من ثقافة لأخرى.
ورقة العمل الثالثة قدمها الاستاذ محمد بن عبدالله الشويعر بعنوان (مركز عبدالعزيز الوطني ودوره في تعزيز ثقافة السلام والتعايش والتعاون) جاء فيها ذكر المناشط العديدة التي قام بها المركز منذ تأسيسه في عقد لقاءات منتظمة تتناول قضايا مهمة ومعاصرة يعتمد الطرح فيها على الصراحة والشفافية، كما حرص المركز على تنويع أماكن إقامة اللقاءات الوطنية.
ورقة العمل الرابعة للاستاذ صادق جواد سليمان بعنوان:(دور هيئات المجتمع المدني في تعزيز ثقافة الحوار واثره في نشر ثقافة السلام والتعايش والتعاون) حيث قام بتعريف هيئات المجتمع المدني ونشاطاتها، كما تكلم عن دور الحوار وطنيا، ودوليا في نشاطات هيئات المجتمع المدني، كما طرح فكرة إحلال فكرة السلام من خلال ثقافة الحوار ، ومما جاء فيها: مع نمو هذا الوعي شرعت هيئات المجتمع المدني تأخذ على عاتقها على نحو متعاظم وجريء مهاما كانت قبلا منوطة بالحكومات أو بالأحرى منوطة شكلا لكن موضوعا محل قليل من الاهتمام من قبل الحكومات، ومن أبرز تلك المهام دعم السلام والتعايش والتعاون أكان ضمن الدولة ذاتها أو في مضمار العلاقات ما بين الدول.ضمن الدولة الواحدة في معظم بلدان العالم ظل التركيز على مجال حفظ الوئام الوطني.
من جهته أكد الأستاذ الدكتور حامد بن أحمد الرفاعي رئيس المنتدى الإسلامي العالمي للحوار: على ان الحوار والثقافات اصبحت ظاهرة عالمية ومطلبا ملحآ تمارسه جهات كثيرة رغبة في تحقيق تعايش بشري آمن، ولتفادي الحروب والكوارث والازمات ومعالجة آثارها على الامن والمجتمعات وكرامة الانسان وسلامة البيئة.
واضاف: ان مفهوم الحوار بين الحضارات والثقافات يعزز التقارب ويغرس التفاهم ويوجد الألفة والمحبة ويبني الصداقات المبنية على الامن والسلم والخير للمجتمعات والشعوب والدولة وان الحوار المتقارب والمباشر يخدم مصالح الامم والحضارات ويغرس الثقافات الجلسة الرابعة للندوة حمل محورها عنوان (حركة الترجمة وأثرها في حوار الحضارات) حيث أدار هذه الجلسة الدكتور عبيد بن سعيد الشقصي أستاذ مساعد بقسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس حيث قدمت فيها ثلاث أوراق عمل كانت الورقة الأولى للدكتور عبدالله بن ناصر الحراصي بعنوان (حول الترجمة وحوار الحضارات) وقد استعرض فيها جوانب الترجمة وعلاماتها الخفية حيث قال إن الترجمة من خلال تعزيز الفهم هي وسيلة تقارب بين الشعوب والحضارات ولكن الترجمة تقوم بفعل سلبي وايجابي .فعلى الصعيد الايجابي فهي ناقل عظيم للجهد الإنساني فالثقافة والتراث اكتسب عن طريق اللغة اليونانية والفارسية والهندية و من هنا بدأ أثر الترجمة حيث نمت العلوم وتغيرت ثقافات معينة وبعد ذلك أصبحت حركة الترجمة لغة علم أما الجانب الآخر فهو الجانب السلبي حيث تقوم الترجمة و هي الناقل للحضارة والوسيلة الأساسية للتفاعل بين الحضارات تقوم بأدوار معاكسة وعنيفة كالترجمة الخاطئة.
أما ورقة العمل الثانية فكانت حول الترجمة وحوار الحضارات قدمها أحمد بن حسن المعيني وجاءت تحت عنوان «الترجمة بوصفها تثاقفا» حيث تحدث في البداية عن الترجمة وقال إننا بحاجة إلى المثاقفة التي لا تتغذى إلا بالترجمة لأنها من أهم وسائل التثاقف.
وحول السؤال الذي طرحه من الأسبق الترجمة أم المثاقفة ، وصل إلى نتيجة أن كليهما صحيح،ويعرف اللغة المترجمة على أنها ليست مجرد أصوات أو حروف بل هي ثقافة كاملة، كما طرح سؤال آخر متى تحدث ظاهرة المثاقفة بالترجمة !!
اما ورقة العمل الثالثة في الجلسة الرابعة فقد قدمها الدكتور أحمد بن نعمان وكانت بعنوان(الثقافات تنوع وتميز وتحاور والحضارات تفاعل وتكامل وتجاور) حيث عبر من خلال الورقة إلى أن مصطلحي الثقافة والحضارة من العبارات الأكثر تداولا على ألسنة السياسيين والحكام وأقلام الكتاب ورجال الإعلام في عصرنا الحديث غير أن ما يميزهما عن بقية المصطلحات الأخرى في العلوم الاجتماعية هو عدم وضوح مدلولها وضوحا كاملا وشاملا لدى العديد من المتداولين لهما بالكيفية المطلوبة وخاصة مدلول الثقافة وقد يعود هذا إلى حداثة عهد هذا المصطلح وكثرة التعاريف الموضوعة له واختلافها حيث وضع لها أكثر من ٠٥٢ تعريفا يختلف بعضها عن بعض اختصارا وطولا واقتصارا وشمولا مما أوحى إلى البعض أن الثقافة والحضارة كلمتان مترادفتان وأوحى إلى البعض الآخر بأنهما شيئان أو ظاهرتان متشابهتان من حيث علاقتهما بحياة الإنسان ومتداخلتان فيها إلى أبعد الحدود ولكنهما مع ذلك لا يتطابقان .وتطرق في ختام ورقة العمل إلى أسباب التناحر والصراع بين الثقافات وليس الحضارات والاختلاف الحاصل لدى العلماء.
وجاء في توصيات الندوة التي تضمنها البيان الختامي للمشاركين :
أولا : اعتبار الحوار بين الحضارات والثقافات حاجة إنسانية تقتضيها سجية الإنسان العاقلة وطبيعته المحاورة وتستلزمها المتغيرات والتحولات الدولية المتسارعة التي يشهدها العالم في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه وهو ما يعني تربية النشء على ثقافة الحوار وقبول الآخر والبحث عن قواسم مشتركة تجمع البشرية على ضروريات ينبغي المحافظة عليها أولها حرية الإنسان وحقه في الحياة بكرامة بغض النظر عن جنسه ولونه وانتمائه الفكري وثانيهما التشجيع على الحوار بين الثقافات والحضارات في إطار الاحترام المتبادل والاحتكام إلى القيم والمبادئ الأخلاقية التي تحظى بالتقدير الإنساني العام.
ثانيا : التأكيد على تفعيل وسائط الحوار بين الأمم والشعوب لحل جميع المشاكل العالقة بينها واللجوء في حال تعثر تلك الوسائط إلى المواثيق والأعراف الدولية وتجنيب الشعوب أنواع المآسي والكوارث التي يصنعها الإنسان ضد أخيه في الإنسانية ويصادر بها حقه في الوجود والحياة الكريمة ونبذ منطق القوة الذي يفاقم المشكلات ويضع العراقيل أمام الحلول والتعجيل بحل الأزمات الإنسانية العالقة.
ثالثا : الحرص على البحث المتواصل عن سبل متطورة للحوار تجنب الأمم والشعوب كل صدام يفكك عرى الأخوة البشرية ويقلل من فاعلية القيم الحضارية التي ترتكز على الأخلاق والمعاملات الإنسانية الراقية والسمو بالثقافات الإنسانية إلى أنواع من الحوار الإيجابي واعتبارها إحدى ثمار التبادل والتلاقح والتثاقف الإنساني على أرفع مستوياته وتشجيع التعاون بين العقول والأرواح وهو ما يعزز فرص التواصل المستمر والإيجابي على هذا المستوى ويساعد البشر على تقاسم بهجة الحياة في أمن وسلام وعلى التعاون في عالم يحكمه الحوار المتعقل وتربط بين شعوبه صلة التعارف والاحترام المتبادل .
رابعا : إسهام مختلف فئات المجتمع في مبادرات ملموسة تنتقل بالحوار من مرحلة التنظير إلى مرحلة التطبيق ويدخل في ذلك تفعيل الأنشطة في مختلف أوجه الحياة بين الشعوب ومنظماتها الحكومية والمدنية وكمثال على ذلك يمكن أن تكون توأمة المدن والجامعات والمعاهد والنوادي الرياضية بين بلدان العالم وابتكار أنشطة للتعاون في هذا الإطار سبيلا من سبل تنمية وتعزيز ثقافة الحوار التطبيقي إضافة إلى فوائدها المادية والمعنوية الأخرى التي منها صقل المعارف والتجارب والخبرات بنظائرها العالمية .
خامسا : الدفع بحركة الترجمة والنقل خطوات إلى الأمام من خلال نقل الأفكار والفنون والآداب العالمية التي تعزز ثقافة السلام وتكلف الدول والمنظمات الدولية والمنظمات والمؤسسات والهيئات غير الحكومية بالمساهمة في هذه الحركة الثقافية الإنسانية التي تربط بين الأمم والشعوب وتساعد على تعميق التفاهم وتسهم بالتالي في نشر ثقافة الحوار القائم على رؤية الآخر من خلال الصورة التي يرسمها عن نفسه.
سادسا : دعوة النخب الفكرية والثقافية والأكاديمية وأصحاب القرار ورجال التربية والتعليم إلى التفكير المتواصل والمبادرات المستمرة من أجل إحداث التغيير الإيجابي في ثقافات الناس ونفوسهم وسلوكهم والإفادة من وسائط الحوار بين الحضارات والثقافات في ترسيخ ذلك الأثر وذلك حتى يشعر الإنسان أن سعادته مرتبطة بسعادة الإنسان الآخر والتركيز على تقديم ذلك الآخر بما يحب أن يعرف به بين الناس وهو ما يعني القضاء النهائي على الصورة النمطية المشوّهة لثقافة الشعوب في نظر غيرها
المصدر: http://www.nizwa.com/articles.php?id=2275