الإصلاح المنشود
الإصلاح المنشود
إن الحياة لا يمكن أن تستمر من دون إصلاح, ويمكن القول بأن الإصلاح هو سنة من سنن الله في الكون, فإذا تأمل الإنسان في الطبيعة التي خلقها الله لرأى المعنى الدال على الإصلاح في الكائنات من حولنا لذلك تجد ارتباط النبات بالشمس, والعلاقة بين طهارة الماء وحركته, ذلك أن الشمس تنشر النور فتحدث بذلك عملية البناء الضوئي ليعيش النبات, وهذا نوع من الإصلاح, كذلك الماء إذا ركد فسد وتعرض للشوائب وما يفسده, وحركتة تعمل عمل المصلح, ومن أراد الاستزادة فليعد إلى ما كتب أو نشر في هذا المجال العلمي البحت.
أما في حياة الناس, فالإصلاح أمر يفرض نفسه على الفرد بينه وبين نفسه, إذ لابد للمرء من أن يتعهد نفسه بالإصلاح في جوانب مختلفة, عقلية ونفسية وجسمية وغيرها, والإصلاح أيضاً يفرض نفسه على العلاقات البشرية بدءًا من الأسرة والعائلة ومروراً بالقبيلة والمجتمع وانتهاء بالعلاقات الدولية.
الإصلاح على المستويات السياسية والإقتصادية والإجتماعية أمر لا يمكن الإستغناء عنه وإلا لما استمرت الحياة على وجه الأرض, والجانب الفكري الذي تدور عملية الإصلاح كلها عليه هو أهم الجوانب في عجلة الحياة , وبالتالي لابد من ما يسمى بقانون التدافع في الحياة لكي لا تستبد فكرة بالعمل والرأي ولكي تجري الحياة كما يجري النهر يدفع بعضه بعضاً وينظف نفسه بمائه ويمنع الشوائب من الاستقرار عليه.
الإصلاح السياسي والإقتصادي والإجتماعي هو الذي يقوي الدول ويطور الشعوب, وكلمة الإصلاح في القاموس السياسي لها أهمية كبرى, ومن هنا لابد من إيراد المصطلح ونقل معناه من القاموس السياسي الحديث, و للإصلاح تعريفات عدة يمكن إجمالها في الآتي:
الإصلاح هو: الوصول إلى أفضل صورة في الدولة والمجتمع وذلك بالقضاء على الأخطاء والانتهاكات والعيوب والتقصير في الواجبات, وكذلك هو الوصول بالإنسان إلى مرحلة حسن السيرة وأداء الأمانة.
غير أن آخر ما وصلت إليه البشرية من استنتاجات وأفكار هو أن الإصلاح في المجتمعات إنما يكون بتأكيده جانب حقوق الإنسان والحريات العامة وإطلاق ملكات الإبداع والفكر والعقل, هذا في الجانب السياسي.
أما الناحية الإجتماعية فإن الإستقرار فيها يعتبر من أهم عوامل الإستقرار السياسي، إن الإصلاح من الناحية الإجتماعية إنما يهتم بالأسرة والمؤسسات الإجتماعية بما تقدمه من خدمات وإصلاحات تعالج الفقر والجهل والعزلة والأخلاق وغيرها.
إذا بحثنا في موضوع فكرة الإصلاح لابد أن نجدها مرتبطة بالدين ، فابن خلدون في مقدمته ينقل التقسيم الجغرافي للأقاليم السبعة فيبين أن الحكماء قسموا الأرض على سبعة أقاليم من الشمال إلى الجنوب, كل واحد منها آخذ من الشرق إلى الغرب, ويقسم كل إقليم أجزاءً, ويخلص إلى أن أكثر هذه الأقاليم اعتدالاً هي الأقاليم الثلاثة المتوسطة لأن سكانها من البشر هم أعدل أجساماً وألواناً وأخلاقاً وديناً, وهم أكمل لوجود الاعتدال فيهم, وهم الذين يوجدون في المغرب والشام والحجاز واليمن والهند والسند والصين وكذلك الأندلس ومن حولهم, لأن هذه الأقاليم هي التي استقبلت الدين والرسول وأثبت التاريخ خيريتها في وقت قوتها وهيمنتها على العالم.
لذلك فإن الإصلاح ينسجم مع أهل هذه الأقاليم, ذلك أنهم يأخذون الحسن فيطورونه إذا تسنى لهم ذلك, كما يردون القبيح ويستبدلونه بالحسن.
كذلك إذا نظرنا إلى تفاعل أي دين مع الحياة بجوانبها كلها فلن نجد غير الإسلام, لأن الكنيسة عزلت عن الحياة اليومية بعد أن لم تستطع مواكبة التطور العلمي الغربي ، أما الإسلام فهو الدين الوحيد الذي توجد فيه إمكانية التعامل مع السياسة والإقتصاد والاجتماع والفكر وغيرها من المجالات, ذلك أن الإسلام تتسع فيه دائرة الإجتهاد والإباحة والعلم .
ولكن لا يمكن البدء فوراً بالتعامل مع الواقع وإصلاحه من منطلق الفكر الإسلامي من دون الوقوف عند بعض العوامل المهمة وتقويمها, ومن العوامل المهمة مسألة التربية والتعليم، ولابد لي من الوقوف عندها ولو بصورة مختصرة.
منذ أواخر عام (2001) بدأت تتعالى الأصوات مطالبة بإعادة النظر في المناهج التعليمية في العالم الإسلامي, ويواجه هذه الأصوات الصادرة من الغرب وبالتحديد أمريكا نوع من التحدي في الأوساط الشعبية, وهناك إصرار على أن هذا النداء مرفوض شكلاً ومضموناً لأنه صادر من عدو, وهذا صحيح في جانب مهم وهو أن هذه المطالبة الغربية هي نوع من محاربة الإسلام للقضاء عليه واستبداله بإسلام يرضي أمريكا.
ولكن ألا يمكن التوقف عند المناهج التعليمية فعلاً, وبالتالي عند العملية التربوية المعمول بها في مؤسساتنا التعليمية في العالم العربي والإسلامي؟
وهناك أمر يتطلب إعادة نظر ووقوفاً عليه بشكل عملي, ذلك هو موضوع تأهيل وتطوير المربين بما يتناسب مع المطلوب, لأن فاقد الشيء لا يعطيه, ولأن هناك خللاً في هذا الجانب, لذلك لابد من العمل على إقامة مؤسسات تأهيل تخرج أو تعيد تأهيل أو تطور المربين والمربيات والمعلمين والمعلمات الذين يقومون على العملية التربوية.
الواقع العربي والإسلامي واقع مصاب بالتخلف والعاهات الكثيرة التي تجعله مشلولاً في حركته وتطوره ونموه وتأثره وتأثيره.
ومما لا شك فيه أن المشكلة ليست مشكلة عِرق, لأن العرب, حتى في الجاهلية, كانوا يعرفون بالذوق الرفيع, وحسن التعامل مع المعاني وإخراج تلك المعاني في مباني هي عبارة عن كلام منثور أو منظوم.
كما أنه مما لاشك فيه أن المشكلة ليست مشكلة الدين أيضاً, لأن الإسلام هو دين الحضارة والتقدم, والأمر لا يحتاج إلى إيضاح لأنه أوضح من الشمس في رابعة النهار.
والمشكلة أيضاً ليست مشكلة جغرافيا أو تاريخ أو لغة, لأن هذه الأمة لديها من القوة في هذه المجالات ما يجعلها الوحيدة في الدنيا التي تجمع هذه المقومات كلها.
أين المشكلة إذًا؟
إذا تساءلنا عن أمريكا وكيف تكونت, وهي تفتقر إلى الثقافة الغنية والتاريخ الغني واللغة الغنية, لعلمنا أن الأمر يحتاج إلى تفكير, وهذا التفكير ربما قادنا إلى رأس الخيط.
كذلك لو تأملنا في الاتحاد الأوروبي, كيف بدأ وكيف تطور وكيف استمر, لربما وصلنا إلى السر, وفي ظني أن الاتحاد الأوروبي جدير بالوقوف عليه و دراسة طرق تطوره.
إن الميزة عند هؤلاء هي أنهم تعمدوا نسيان ماضيهم وتجاوز مشكلاتهم كلها بما فيها مشكلة اللغة والثقافة, وانتهجوا منهج الإصلاح ورضخوا لمتطلبات الواقع, وهو ما جعل هؤلاء جميعاً يتصافحون ويضعون المواثيق والنظم لينطلقوا في هذه الحياة المليئة بالتحدي والمنافسة.
أما مشكلتنا نحن فإنها مشكلة الثقة والفكر والبعد عن منابع القوة, وأننا نساعد عدونا على تفريقنا وضربنا, لكي يبقى قوياً في وسطنا ويذيقنا مرارة الهزيمة صباح مساء.
إن أكبر مشكلة تقتلنا هي مشكلة الصفوة هذه الصفوة هي المسؤولة بصورة أساسية ومباشرة عن كل الفشل والإخفاق الذي أصاب الحياة الإجتماعية والثقافية والسياسية والإقتصادية في الساحة العربية.
غير أن المشكلة هي مشكلة السياسيين بالدرجة الأولى, فالسياسيون هم الذين تعاملوا مع شعوبهم ببطش وضربوا النخب المثقفة, وهم الذين نشروا الجهل في شعوبهم ووضعوا أنفسهم في مواضع الشبهات فاتهموا من قبل الشعوب بالخيانة والعمالة, وأكدوا في أذهان من اتهموهم نظرية المؤامرة, هذه النظرية التي زاد الأمر تعقيداً رسوخها في الأذهان ونشرت اليأس والقنوط في أوساط الناس.
وقد تسبب هؤلاء الحكام في هجرة العقول إلى الغرب سعياً وراء الاحترام والتقدير والرزق وأجواء الحرية التي تساعد على الإبداع, وهو الأمر الذي فصل أصحاب العقول عن شعوبهم فحدثت الفجوة الكبيرة بين الشعوب والمثقفين .
في مقابل ذلك, فإن الفئات المثقفة تتحمل هي الأخرى مسؤولية ما يحدث, لأن هذه الفئة تعاملت مع الناس بتعبير الدهماء والعوام, فأبعدت نفسها عن الناس..
إن المناهج المعتدلة تعطي للإنسان كإنسان حقه في التفكير والإصلاح، إن النخب المثقفة قد تمارس في بعض الأحيان من خلال بعض المدارس أنواعاً من القهر والاستبداد الفكري على الشعوب
مما سبق يمكن القول بأن الإصلاح ينبغي أن يكون بين ثلاثة أبعاد رئيسة, هي النخب السياسية والنخب المثقفة والشعوب, لأن واقعنا العربي والإسلامي يتطلب ذلك, ولأنه هناك عدو مشترك يجب الاتحاد من أجل التخلص منه وطرده ومحاربته, وهو العدو الصهيوني والمخططات الأمريكية الداعمة له..
إن المؤسسات التي تقوم بدور الإصلاح لا يمكن أن تنزل من السماء أو أن تصنع بعيداً عن بيئة الناس, وبالتالي لابد من مراجعة أداء المؤسسات القائمة أصلاً وبمختلف تخصصاتها, الإعلامية والبحثية والدبلوماسية والعلمية وغيرها.
إن هذه المؤسسات والهيئات كلها لابد من إعادة النظر في دور كل منها وإصلاحها والعمل على الدفع في اتجاه تعاونها وتفاعلها ليكون بالتالي المجتمع صالحاً مصلحاً يجمع داخل أسواره الأنواع والفئات المختلفة من قطاعات الناس.
إن المجتمعات العربية والإسلامية إذا تلاحمت داخلياً وفيما بينها ستلفظ تلقائياً كل جسم غريب وستتخلص بسهولة من الخنجر المسموم الذي يطعن الأمة في قلبها, ستتخلص من الكيان الصهيوني ومخططاته والمشاريع الداعمة له.
المصدر: http://www.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=148148