الحوار قيمة دينية وأخلاقية سامية

الحوار قيمة دينية وأخلاقية سامية

سعيد لكحل

يشكل الحوار قيمة مركزية في منظومة القيم الدينية الإسلامية. وظل الحوار خُلُقا قرآنيا يطبع علاقة المسلمين مع غيرهم من أهل الديانات السماوية الأخرى الذين احتفظ لهم الإسلام بحرية ممارسة شعائرهم الدينية دون تضييق أو مصادرة.

والقرآن الكريم حافل بمشاهد ومواقف حوارية بين الله وإبليس، بين الرسل عليهم السلام والكفار، بل الله تعالى سمع قول السيدة التي جاءت تجادل الرسول في زوجها الذي جعلها محرمة عليه مثل أمه (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما).

ولم تتوار هذه القيمة الدينية السامية إلا بسبب حالة الفقر الفكري التي تصاحبها وتتولد عنها حالة من التطرف الديني لدى المسلمين كما المسيحيين في الوطن العربي.

ومن يتتبع البرامج الإعلامية التي تبثها الفضائيات سيدرك مدى الانحدار القيمي والفكري الذي بلغه الطرفان معا في سعي كل منهما لتسفيه عقائد الآخر.

علما أن القرآن الكريم يحدد لنا كمسلمين قاعدة ذهبية لمحاورة الآخر من أهل الكتاب تقوم على ركيزتين أساسيتين : أولاهما الجدال بالتي هي أحسن (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) حفاظا على التعايش والاحترام بين الشعوب. والركيزة الثانية تقررها الآية الكريمة (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، بعيدا عن كل قذف أو تسفيه لمعتقدات الآخر.

فالمسلم لا يصح إيمانه إلا إذا آمن بكل الأنبياء والرسل كما جاء في الآية الكريمة (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ).

ومن أجل دعم الحوار بين الأديان ينبغي وضع إستراتيجية واضحة المعالم والأهداف تكون من أبرز مداخلها:

1 ـ إشاعة قيم التسامح بين أهل الديانات السماوية داخل كل بلد بحيث لا يصبح الاختلاف الديني مصدر تفتيت للوحدة الوطنية أو تهديد للاستقرار.

2 ـ إشاعة خطاب ديني منفتح ومتنور يعطي مدلولا سليما لمفهوم الإسلام باعتباره مفهوما غير مقتصر على إتباع الرسول محمد (ص)، بل يشمل أهل الديانات السماوية كلها مصداقا لقوله تعالى (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ).

3 ـ وقف الحروب الدينية التي تخوضها بعض الفضائيات ضد أتباع الديانات السماوية، لأن من شأن هذه الحروب أن تعمق مشاعر الكراهية والحقد وتدفع أهل الديانات إلى التصادم.

4 ـ إشاعة قيم المواطنة التي تغذي الشعور بالانتماء إلى الوطن وإلى الشعب بمختلف مكوناته السياسية وطوائفه الدينية والمذهبية، بدل تكريس الشعور بالانتماء إلى الدين لما يشيعه من تفرقة وتنافر بين أطياف الشعب الواحد. فالدين لله والوطن للجميع.

5 ـ تسريع وتيرة الانتقال الديمقراطي لبناء مجتمعات أكثر انفتاحا وتسامحا بحيث يصبح الجامع بين المواطنين هو الوطن بما يضمنه من حرية وكرامة ومساواة. ولا يمكن بناء وطن متقدم بمواطنين تنخرهم الكراهية وتفرقهم العقائد.

لا شك أن تشجيع المواطنين وخاصة الشباب منهم على الحوار بين الأديان، سيساهم في تجسير الهوة بين المواطنين من مختلف الطوائف والمذاهب، كما سيقوى اللحمة الاجتماعية التي هي أساس بناء مجتمعات حديثة وديمقراطية تسود فيها قيم الحوار والاختلاف والتسامح.

المصدر: http://zawaya.magharebia.com/ar/zawaya/opinion/496

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك