"أنا ـ الأخر" يؤكد قدرة الشعر على الحوار مع الآخر
"أنا ـ الأخر" يؤكد قدرة الشعر على الحوار مع الآخر
كتب ـ أحمد فضل شبلول
إيمانا بدور الشعر والشعراء في نشر ثقافة التعايش والسلام بين البشر، قام الشاعر رفعت سلام باختيار وترجمة عدد من القصائد الأجنبية تحت عنوان "أنا ـ الآخر"، وذلك بعد أن طرح سؤالا جوهريا يقول: هل يمكن أن يتناول الشعر قضايا فكرية كبرى كقضية "حوار الحضارات" أم أن الشعر ـ باعتباره تجريدا وارتقاء أقصى باللغة، إلى حد أن يعتبره البعض لغة "أخرى" مقابل اللغة العادية، الاستعمالية، التواصلية ـ ليس معنيا بمثل هذه القضايا الجدالية ذات الطبيعة الإشكالية؟
وأجاب أن الشعر لا ينفصل ـ منذ العصور القديمة ـ عن هموم الإنسان، وأسئلته، وقضاياه المتفاوتة، لا ينفصل عن انشغالاته وقلقه وحلمه وتشوفاته، حتى الميتافيزيقية. إنه أداة التعبير القديمة ـ منذ عصور الإنسان الأولى ـ عن كل ما يعتمل داخله من تساؤلات وقلق، من أحلام وأحزان، من رغبات وإحباطات، من أشواق وانكسارات.
إن الشعر ـ كما يقول سلام ـ هو سيرة الروح الإنسانية في مشوارها الطويل عبر التاريخ، بل هو تحقق الروح في التاريخ، مكتوبا بلغة مغايرة للغة، وإيقاع لا تعرفه الطبول والأبواق، ونبرات تجمع ـ في آن ـ الفرح والشكوى والعذاب والحلم والإحباط والهزيمة والأمل، تجمع وتختصر اللحظات الإنسانية الفريدة.
يقول الشاعر اليوناني يانيس إيفانتيس في قصيدته "دائما .. أنا هناك":
لا مشكلة: فأنا هنا .. دائما هنا
أنا الذي كتبت أغنية عازفي الهارب
عام 2000 قبل الميلاد في مصر
أنا الذي كتبت الأوديسا عام 800 قبل الميلاد
في إيونيا
أنا الذي كتبت تاو – تا – تشنج عام 600 قبل الميلاد
في الصين
أنا الذي كتبت المثنوي في القرن الحادي عشر
في فارس
أنا الذي كتبت في رافينا – بالمنفى –
الكوميديا التي وصفها بوكاشيو بالإلهية
وأنا الذي كتبت قصيدة "امرأة زاكيتوس"
وأنا الذي كتبت "الرباعيات الأربع"
وأنا أيضا الذي كتبت قصيدة "كيهلي" و"مانثراسبيتا"
لا مشكة: فأنا هنا .. ودائما سأظل هنا.
ويرى سلام أن آرثر رامبو ربما يكون هو أول من عبر فكرة "أنا آخر"، فيما كتب فريدرك نيتشه "أنت دائما شخص آخر"، وأضاف جاك لاكان "الأنا موجودة دائما في مجال الآخر"؛ فيما نعرف مقولة سارتر الشهيرة "الجحيم هو الآخرون". إنها رؤى متفاوتة، لكنها ـ في جوهرها العميق ـ لا تتناقض أو تتنافر.
يقول الشاعر الأميركي والت ويتمان في قصيدة "إليك":
أيها الغريب، إذا ما قابلتني في مرورك وأردت الكلام معي
لماذا لا تتكلم معي؟
ويواصل رفعت سلام حديثه عن المعادلة "أنا - الآخر" قائلا: أنا: الآخر؛ معادلة متعددة الأطراف (ليست طرفين اثنين، فحسب، كما يبدو في الظاهر)، متعددة المستويات والأبعاد والأعماق والأشكال، معادلة لا تكشف عن ذاتها، من تلقاء نفسها، وللوهلة الأولى: إنها مراوغة تخفي أثمن ما تنطوي عليه في أعماقها، خلف أستار وأستار، ولا تتجلى لعابري السبيل والمهرولين المتعجلين، إنها بحاجة لمن يعرف قدرها، ويمنحها الوقت والجهد اللازمين لتتكشف خطوةً خطوةً، طبقةً طبقةً، عمقًا فعمقًا.
يقول الشاعر الروسي ميخائيل ليرمونتوف في قصيدته "لست بايرون":
لا .. لست بايرون ـ
من طراز آخر أنا
اصطفاني القدر، لكني لا أزال مغمورا
مشرد مثله، وطريد من الوطن
لكني روسي أنا ـ قلبا وعقلا.
ويقول الشاعر الهندي رابندرانات طاغور في قصيدة "السجين":
"أيها السجين، قل لي، من ذا الذي صنع هذا القيد العصي على الكسر؟"
"هو أنا" ـ قال السجين ـ "مَنْ صاغ هذه السلسلة بعناية"
"ظننت أن قوتي القاهرة ستأسر العالم
وتتركني في حرية بلا إزعاج
لهذا عكفت على السلسلة ليل نهار
بنيران هائلة وضربات قوية قاسية
وحين اكتملتْ في النهاية
وأصبحت الحلقات كاملة وعصية على الكسر،
وتقول الشاعرة البلغارية أكسينيا ميهايلوفا في قصيدتها "الرجل":
الرجل
الذي أصحو معه
بنفس السرير
ليس هو
من أعد له العشاء
رجل المساء لا يأتي في موعده،
يصارع بتفان القُفْل
لا يعرف نعاله
ويناقش الأخبار الأخيرة
ووسط مونولوجاته التي لا تنتهي
تنبثق جوانبي الكئيبة
لا أعرف رجل المساء.
لقد احتوت المختارات على 35 قصيدة لـ 13 شاعرا ترجمها رفعت سلام في سلاسة ويسر، وأصدرتها مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري بمناسبة إقامة ملتقى "الشعر من أجل التعايش السلمي" في دبي (16 ـ 18 أكتوبر/تشرين الأول 2011) مؤكدة ـ من خلال كلمة رئيس مجلس أمنائها الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين ـ على أن الشعراء كانوا في طليعة المناضلين، ينظمون أشعارهم وينشدون لحرية أوطانهم ويكشفون ألاعيب الطغاة، ويدعون المستبدين المستعمرين في كل مكان إلى الكف عن الغي والظلم وقهر الإنسان الذي كرمه ربه أحسن تكريم.
أما الشعراء الذين قام سلام باختيار قصائد كتاب "أنا ـ الآخر" وترجمتها من أعمالهم فهم: يانيس إيفانتيس، شارل بودلير، الكسندر بوشكين، حسن خضر، آرثر رامبو، يانيس ريتسوس، رابندرانات طاغور، قسطنطين كفافي، فيديريكو جارثيا لوركا، ميخائيل ليرمونتوف، فلاديمير ماياكوفسكي، اكسينيا ميهايلوفا، والت ويتمان.
المصدر: http://www.albabtainprize.org/default.aspx?pageId=153&nid=4675