الغزو الإيديولوجي، والتطبيع الثقافي
الغزو الإيديولوجي، والتطبيع الثقافي
أما (التطبيع الثقافي) فهو مصطلح حديث التداول موازنة بمصطلح الغزو الإيديولوجي، ويمكن أن نستنتج هذه الحقيقة من خلال كتابات المفكرين، كما سيتضح لنا فيما سنتناوله في هذا المطلب من آراء حول هاتين المسألتين.
إن الغزو الإيديولوجي عندما يكون من طرف أقوى على طرف أضعف إنما يهدف القائمون عليه من خلاله إلى خلق تطبيع ثقافي يصنعون من خلاله تبعيةً ثقافيةً وفكرية للطرف الأضعف في الحلقة الفكرية التي يعزمون على صناعتها وصياغتها، ومن ثم يتأتى استغلالُ هذا الطرف بعد السيطرة على أساسات إبداعه وتنمية فكره كما تمثلت في خصوصيته الثقافية والفكرية سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا.
إن للغزو الإيديولوجي أو الغزو الثقافي وانتهاك الخصوصية الثقافية تعريفات تتصل به، وما لم يتحقق الاستيعابُ الحضاري للمتغيرات والمستجدات، فإنه لا يمكن بحال من الأحوال مواجهة هذا الغزو الفكري الذي يعبر في حقيقته ومضمونه قبل ظاهره عن ظاهرة استغلال ومصادرة فكرية للخصوصيات والمبادئ الحضارية للكيانات الإسلامية، وهذا من دون شك -ما لم تُستوعب تداعياتُه وأبعادُه- يُعد مصدرَ خطورة على الهوية الثقافية لنا.
أولا: مفهوم الغزو الإيديولوجي
ومن المصطلحات التي ترادف هذا المفهوم أيضًا التغريب، والعولمة. وقد ذكر محمد مرسي في كتابه (الثقافة والغزو الثقافي في دول الخليج العربية - نظرة إسلامية) عددًا من الدلالات لهذا المفهوم، ومن هذه الدلالات ما نقله عن أحمد مصطفى أبو زيد؛ بأن الغزو الثقافي يعني السيطرة الثقافية الأجنبية على الثقافة العربية، نظرًا إلى واقع التخلف العام أمام الغرب في مجالات العلم والتكنولوجيا، وكذلك في الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية، والاعتماد على أن هذا التفوق يستتبع بالضرورة التفوق أو التقدم والرقي الثقافي، وأن ذلك يحتّم من ثمّ تقبل حصاد الفكر الغربي وثقافته، وذلك مثلما يتقبل العالم الإسلامي نتائج البحث العلمي والتقدم التكنولوجي[2].
وأما محمد جلال كشك فكان مفهومه للغزو الثقافي يتمثل في إقناع الأمة الشرقية بأنها متخلفة في جوهرها، متخلّفة في تاريخها وصميم تكوينها، ومن ثم فلا بد من انسلاخها تمامًا عن كل ما يربطها بماضيها، وعن كل ما يميّز ذاتها، وإعادة تشكيل المجتمع على الطراز الغربي من ناحية العادات والمظاهر السلوكية، مع إبقائه متخلّفًا عاجزًا عن إنتاج سلع الغرب، عاجزًا عن اكتساب بعضِ أفراده هذه المعرفةَ، فيجدون أنفسهم غرباء عاطلين عن العمل في مجتمعهم، فيضطرون إلى النزوح إلى عالم المتفوقين[3].
أما أنور الجندي فيرى أن التغريب -كمرادف للغزو الإيديولوجي- يعتمد على خلق عقلية جديدة تعتمد على تصورات الفكر الغربي ومقاييسه، ثم تحاكم الفكر الإسلامي والمجتمع الإسلامي من خلالها؛ وذلك بهدف سيادة الحضارة الغربية[4].
ويرى علي عبد الحليم محمود بأن إضعاف لغة الأمة هو عين الإضعاف لفكرها وثقافتها، وإحلال لغة أمة محل لغة أخرى هو إجبار للأمة المغلوبة على أن تفكر كما تفكر الأمة الغالبة. ويقرر كذلك أن هذه العملية تستهدف الجذور لا القشور، وتحاول القضاء على الجوهر لا العرض، وتركز على تشويه الأصول لا الفروع[5].
وحقيقة فإن الكتابات التي كتبت حول هذه المسألة كثيرة ومتعددة، ومما لا شك فيه أن من يكون إدراكه لمفهوم الغزو الثقافي على أنه طمس للهوية وقطع لحبال الوصل والتواصل مع الينابيع الثقافية يكون استيعابه ناقصًا وغيرَ مدرك لجميع جوانب المسألة؛ وذلك لأن الغرب لا يسعى إلى طمس هوية أو نشر مبادئه حتى يستوعبها الشرق أو الجنوب أو الشمال، بل يسعى من خلال هذا السلاح الفتاك إلى مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية، وهو لتحقيق ذلك يطوّع أخبث الوسائل التي من شأنها تحقيق مآربه ومشاربه التي ما لم يحصل الاستيعاب والاستعداد الكامل للتعامل معها، فإن البرامج والأهداف لا محالة ستتحقق وفق الاستراتيجيات التي عكف على وضعها وما زال يتابع جريانها على أرض الواقع ويحدّثها استجابة للمتغيرات والمستجدات.
ثانيا: التطبيع الثقافي وضرورة الاستيعاب الحضاري
وإذا كان الغرب قد حل عليهم نذير شؤم عندما أصدر فيلسوف التاريخ الألماني (اشبنجلر) كتابه المشهور (سقوط الغرب) بعد الحرب العالمية الأولى، فإن التساؤل المثار... لماذا يسمح مفكرونا ومثقفونا لأولئك الفلاسفة الغربيين بالتأثير فيهم بمثل ذلك؟
ثم يذكر الأنصاري أنه لو كان في فكر الشرق حيوية وأصالة لأشاع في الدنيا التفاؤل من جديد، وذلك بدلا من هذا النعيق الذي ينشره الغرب الهرِم في المنتدى الإنساني.
ويؤكد - في ذلك - تجربةَ الإنسان الياباني عندما استوعب التقنية والصناعة وكل مستلزمات الحضارة الحديثة، وأبدع وأنتج، وجعل وطنه في مصافّ الدول الكبرى، وذلك دون أن يفقد هويته وثقافته.
ويقرر كذلك - من جانب آخر - أن ثمة إشكاليةً في استيعاب الفرق بين الغزو الثقافي والتفاعل الثقافي، فيقرر أن ظاهرة الغزو الثقافي تفاقمت بفعل وسائل الإيصال والاتصال في المجتمعات والحضارات القوية المنتجة، إلى الكيانات والمجتمعات الضعيفة المستهلكة، وذلك في إطار المفهوم المتزايد الانتشار... مفهوم (القرية العالمية الإلكترونية الواحدة).
إن ظاهرة الغزو الثقافي أو الحضاري بهذا المعنى - وبما يفترق عن مفهوم التفاعل الحضاري الصحي المتكافئ والمطلوب بين الحضارات - تمثل ظاهرةً خطيرة، ومرفوضة، وبحاجة إلى علاج عاجل، وهذا العلاج لا يتمثل في تحصين الحدود الخارجية أمام هذا النوع من الغزو المعنوي، حيث تتسرّب المؤثرات غير المرغوبة إلى أعماق الكيان وتتراكم وتتخمّر في داخله. والحل في ذلك يتمثل في تحصين الكيان الاجتماعي والحضاري بحصانة ومناعة ذاتية تستطيع أن تتعرض لمؤثرات الغزو الثقافي وجراثيمه وميكروباته، وهنا لا بد من التعايش دون السماح باختراق لحاجز الخصوصية الثقافية وانتهاك حرمتها.
ولا تقف الإشكالية عند مواجهة الجهود الخارجية لانتهاك حرمة الخصوصية الثقافية للأنا، بل إن تضافر القوى الداخلية مع القوى الخارجية جدير بزعزعة الأمة وإنهاكها، وهذا يحتاج إلى بناء الذات والتنسيق الفكري داخل إيديولوجيتها حتى تكون قادرة على هضم هذه التحديات بدلا من أن تهضمها هي.
إننا نحتاج بالفعل كأمة إلى استيعاب شيء متأصل في جذورنا يتمثل في استقراء واستيعاب أول هضم ودمج حضاري من نوعه تم في تاريخ العالم في حضارة الإسلام الممتدة عندما بنت قاعدتها الصلبة في تفاعلها الحضاري مع ما حولها من حضارات وثقافات. وما أثير موضوع الغزو الثقافي اليوم إلا تحقيقا لضرورة إعادة المناعة والحصانة الكيانية العميقة الشاملة للبناء الحضاري والمجتمعي لنا.
ولا شك أن تحقيق ذلك تقف أمامه عدةُ معوّقات؛ من أبرزها:
ووفقًا لتلك المقوّمات في سبيل مواجهة الغزو الثقافي والحلول في قالب التفاعل الحضاري المثمر، والاستيعاب الحضاري لمحاور ومقوّمات التوازن في عملية التفاعل الحضاري، فإننا في حوارنا مع الغرب مع ما يملكه من أدوات -في ظل مقوماتنا المتواضعة أمام مقوّماته، وفي ظل انكماش حضاري نعانيه حتى صرنا كغثاء السيل المتأثر لا المؤثر، والمتفاعل لا الفاعل- نحتاج إلى استيعاب أدوات التحدي الحضاري والقوة الحضارية اللازمة لخلق قاعدة سميكة للتفاعل الحضاري في صرحه الشامخ لا المتهشّم والمنكمش.
يؤكد الأنصاري في كتاب آخر له وهو (انتحار المثقفين العرب) أن الاستيعاب الحضاري يستلزم ضمن أدواته الحوار من أجل خلق قاعدة صلبة للتفاعل الحضاري، الذي يتقرر من خلاله الانفتاح والانغلاق المستنير –انفتاح يبحث عن الحكمة، وانغلاق يؤمن بقدسية الخصوصية الثقافية– بأن من يرغب في الجلوس على مائدة الحوار من أجل تحقيق إيجابيته على الساحة الدولية في بناء دوره في عملية التفاعل الحضاري؛ لا بد أن تكون له قوة تضارع قوة خصمه، إذ لا يفلّ الحديد إلا الحديد، ولن يفلّ التحدي الحضاري إلا استعداد حضاري في مستواه[8].
وإذا كان الغزو الثقافي مصدر خطورة على الفكر والوعي والإدراك والاستيعاب، فإن التطبيع الثقافي كمرحلة لاحقة له يعد بحق انتحارًا للفكر وللثقافة، ولا يمكن القبول والتسليم بالتطبيع الثقافي على اعتبار أن الثمرة المتحققة بعد ذلك مزيد من السيطرة والحصار الذي من شأنه ألا ينتهك حرمة الخصوصية الثقافية فحسب، بل يعمل على اجتثاثها وتفكيكها من القواعد ضمن إطارها الجامع وليس ضمن إطارها المجموع.
إن (الغزو الإيديولوجي) و(التطبيع الثقافي) و(العولمة) وما شابه ذلك من مصطلحات - وجوه لعملة واحدة، وما يقوم به القائمون على هذه المسائل إنما يعملون من خلاله على تجديد توظيفاتهم وأهدافهم تلبية لواقع المتغيرات والمستجدات، ولا شك أن تغيير وتجديد المصطلحات يعد شيئًا من ذلك.
ومن أجل ذلك فإنه لا بد من التحرّك قبل الذوبان لمقاومة هذا التطبيع، والإشكالية تتمثل -كما ذكر الأنصاري - في النموذج الذي تبناه بعضُ الكتاب والأدباء بالدعوة إلى الحوار الحضاري مع إسرائيل، إذ عبر هذا الموقف عن قبول وتقبل الطابع العدواني والتوسعي لها، ثم تصوره على أنه حوار متمدّن في ظل غياب أدواته ومستلزماته[9].
ولعل ما يريد أن يقرره الأنصاري في ذلك أن هذه الدعوة قبل أن تكون الذات على استعداد لمواجهة أو على أقل تقدير مسايرة الطرف الآخر باعتبار إمكاناته وأدواته فيها، هذا فضلا عن عدم الالتزام بالمبدأ وبالمصارحة ومقارعة الباطل بالحق وعدم السكوت وغض الطرف عنه في جميع الأحوال.
أما النظر إلى المسألة من زاوية دون أخرى فهذا -من دون شك- يوقع في كثير من الإشكالات التي يمكن أن نستقريها واضحةً ضمن معطيات الواقع وتفاعلاته.
ثالثًا: تأثيرات العولمة على الهوية الثقافية الإسلامية، واستراتيجيات التعامل
ثم يشير إلى أنه على الرغم من أن الآثار الكلية للعولمة على العالم الإسلامي تبدو سلبية، إلا أن تحديد الأثر النهائي يتوقف؛ ليس فقط على إرادة القوى الدافعة للعولمة، وإنما أيضًا على مدى قدرة الدول الإسلامية على التعامل مع تلك الآثار، وبالتحديد مدى قدرتها على صياغة مشروع وطني جماعي يتقاطع مع العولمة، ولكنه لا يندمج فيها[10].
ويؤكد وليد محمود في ورقته في هذه الندوة أن ثمة تبايناتٍ في الرؤى النابعة من داخل العالم العربي والإسلامي إزاءَ تأثير العولمة في مرحلتها الأخيرة الراهنة على الهوية الثقافية للعالم العربي والإسلامي، وأن ردات الفعل تنوّعت ما بين استجابات فكرية لهذا التحدي، ودعوات قاطعة للمقاومة والثبات والرفض، واتجاهات أخرى لممارسة النقد الذاتي لإصلاح الحالة الداخلية المكوّنة للهوية الثقافية للعالم العربي والإسلامي لتكون قابلة لإنجاز مهمة التلاقي للمواجهة مع طوفان العولمة، وأخيرًا دعوات إلى تبني مجمل الثقافة التي تحملها ظاهرة العولمة في طورها الراهن باعتبارها الوحيدة القادرة على قيادتنا إلى تحقيق نفس درجة التقدم الاقتصادي والتقني الذي حققه الغرب، لتمكننا -من ثم- من اللَّحاق بركب الحضارة الغربية الظافرة.
وكما ذكرت نقلا عن محمد جابر الأنصاري أن الانقسام الداخلي هو الذي من شأنه إضعاف الذات على المواجهة والقدرة على التفاعل الحضاري الإيجابي، فقد أكد وليد محمود - بعد سرده للتوجهات إزاء العولمة - أن الانقسام الداخلي قد رتّب تشابكًا وتداخلا مماثلا على صعيد الاستجابات الصادرة عن أبناء الثقافة المحلية تجاه الثقافة التي تبرز على الساحة الفكرية العالمية.
ثم يقرر تأكيد امتلاك الغرب لأسلحة فتاكة لطمس الهوية الإسلامية، وهي تتمثل في ثورة المعلومات في مجال الاتصالات، وأنها تعد أقوى صور التأثير على الهوية والثقافة، إذ ما يزال الاشتراك في هذه الثورة اشتراكًا تبعيًّا لا حيّز له من التأثير المادي والمعنوي سوى الاستهلاك.
إن المادة الإعلامية التي تعرض على وسائل الاتصال تمثل صناعة غربية خالصة، تنبع في جوهرها وحقيقتها، وفي شكلها وهيئتها، من ثقافتهم وما ينعكس على واقع مجتمعاتهم، مما يؤدي إلى انتهاك حرمة كثير من القيم الثقافية والأخلاقية التي تقع ضمن إطار وجدان المجتمعات الإسلامية.
ثم يشير - من جانب آخر - إلى أن من التأثيرات التي تجرها العولمة على المنظومة والخصوصية الثقافية لنا، ما يتم به العمل من خلالها على فرض نموذج ومعايير باعتبارها صالحة للتطبيق في واقع العالم الإسلامي، وذلك تحقيقًا لمصالح سياسية واقتصادية، على اعتبار أن الحضارة العربية الإسلامية لا دعائم هوية متميزة لها حتى تكون في موضع المجابهة مع الثقافة الغربية حاليًّا، ومن ثم تسعى هذه الثقافة إلى توليد قناعة بأنه ما دام الغرب هو الأكثر تقدمًا على الجبهتين العلمية والتكنولوجية، فإن هذا يعني بالضرورة تفوق الثقافة الغربية بما تحمله من قيم ومفاهيم عليها، مما يستدعي التعامل معها باعتبارها "الثقافة العالمية"، وليست مجرد ثقافة واحدة ضمن ثقافات متعددة.
ومن تأثيرات العولمة كذلك على الخصوصية والهوية الثقافية ما يتصل بتوظيف منتجات ثورة المعلومات والاتصالات لربط المهاجرين من العالم العربي والإسلامي المقيمين في بلدان غير عربية أو إسلامية بثقافتهم الأصلية، ولا شك أن هذا الأمر جد خطير، إذ يتصل بعشرات الملايين من العرب والمسلمين المتناثرين في بلدان أوربا والأمريكتين، خاصة بالنسبة للجيل الثاني منهم، الذي وجد نفسه في أحضان تلك الثقافة وذلك العالم منذ ولادته طفلا، وترعرع على قيم ومفاهيم تلك الحضارة، ولا شك أن أمثال هؤلاء يحتاجون إلى توفير نوع من المناعة الإيجابية التي تمدهم بذخيرة لا تنفد عن الحوار أو الجدال أو التفاعل مع الثقافات الأجنبية التي يقطنون بلادها، مما يسمح لهم باستيعاب العناصر الإيجابية في تلك الثقافات ودمجها بشكل إيجابي في هويتهم الثقافية من جهة أخرى.
وعبر هذا التوظيف الجيد لثورة المعلومات والاتصالات - وهو ما لم يتحقق بالشكل المرجو حتى الآن - يمكن ضمان أن يكون المسلمون في الخارج جزءًا من بناء ثقافي واحد تحرّكه لغة مشتركة وماضٍ مشترك، وذلك دونما تجاهل لوجود تعددية محدودة داخل إطار هذا البناء[11].
وأمام الدول الإسلامية - أمام تحديات العولمة الثقافية - عدد من الاستراتيجيات المطروحة؛ حصر محمد السيد سليم الخيارات فيها بما يلي:
وقد شرع السيد سليم في بيان ما يترتب على تبني هذه الاستراتيجيات، فأكد أن الاستراتيجية المتمثلة في الانعزال وبناء الذات تتمثل محاورها في الفَكاك من قبضة النظام الرأسمالي العالمي بالتركيز على تنمية الموارد الذاتية لكل دولة، مع تطوير أشكال التعاون الإقليمي بين الدول الإسلامية. وأما الاستراتيجية الثانية، وهي المتمثلة في الاعتماد الجماعي على الذات والاندماج الكلي في العولمة، فهي تشير إلى القبول بشروط هذا النظام ومحاولة الحصول على المكاسب التي يطرحها، مع النظر إلى الخسائر المحتملة على أنها مكاسب على المدى البعيد.
وأخيرًا يتقرر من خلال الاستراتيجية الثالثة - وهي المتمثلة في التفاعل الإيجابي الرشيد - أن من المهم اتباع استراتيجيات متعددة المستويات تقوم على التفاعل مع العولمة في الوقت الذي يتم فيه الدخول في مساومات معقّدة مع قوى العولمة لتحسين الشروط، وتحقيق التكامل الإقليمي بين الدول الإسلامية لتقوية مركزها التفاوضي.
ويقع ضمن هذه الاستراتيجيات اشتراطات تتمثل في ضرورة أن يكون المطروح منها يمكن تطبيقه في ضوء المقدرات المتاحة، وهي مسؤولية المفكرين الإسلاميين، ومن ثم العمل على تبني التحليل الاستراتيجي بعيد الأمد والمتحرر من القيود الفكرية والإيديولوجية[12].
ويرى عادل فقيه أن من الضرورة بمكان لمواجهة العولمة الثقافية العمل على تطوير الصناعات الثقافية، وقد وضع لتحقيق ذلك عددًا من المحاور تمثلت فيما يلي:
ومن أجل تحديد استراتيجية الاستيعاب الإيجابي، التي من شأنها إعادة التوازن الكفيل ببناء حوار إيجابي بيننا وبين الغرب، فإنه لا بد من تحليل النمو الثقافي في العالم الإسلامي ومشاكله، والسعي نحو تبني استراتيجية ثقافية تنطلق مبادئها من القيم الراسخة لهذه الحضارة.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/5178/#ixzz1boRqr5ge