تصادم الحضارات أم تصادم الأديان
تصادم الحضارات أم تصادم الأديان
قرأت الجزء الأول من سلسلة كتب "الحوار الإسلامى المسيحى" وعنوانه "أسس الحوار – الإنجيل والقرآن" ، وهو يشمل عدد من البحوث الإسلامية التى تستحق الدراسة والتحليل والنقد.
إستهل المؤلف بحوثه على مبدأ أن "المسيحيين والمسلمين هم أهل كتاب – فلا يصح الحوار فيما بينهم إلا على أساس كتابهم – الإنجيل والقرآن" ويرى المؤلف أن الحوار التاريخى بين السلمين والمسيحيين حتى اليوم ليس إلا جدالا وخصاما.
الحوار الصحيح من وجهة النظر الإسلامية
(1) مع أهل القرآن : لا يقوم الحوار الصحيح عللى اساس علم الفلسفة والمنطق.
الفلسفة ، ومدخلها المنطق ، كانت من علوم الأوائل (اليهود والنصارى) التى يعدها أهل السنة والجماعة بدعة ، وأنها باب إلى الإلحاد فى الإسلام. وكانت هذه النزعة قوية حتى أنهم نفروا من كل علم غير العلوم الشرعية فى الإسلام.
قال ياقوت "إن الفلسفة حكمة مشوبة بكفر"
وقال ابن الصلاح الشهرزورى "الفلسفة أس السفه والإنحلال ، ومادة الحيرة والضلال ، ومثار الزيغ والزندقة ، ومن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المطهرة المؤيدة بالحجج الظاهرة والبراهين الباهرة ، ومن تلبس بها تعليما وتعلما قارنه الخذلان والحرمان واستحوذ عليه الشيطان" ، "وأما المنطق فهو مدخل الفلسفة ، ومدخل الشر شر ، وليس الإشتغال به مما أباحه الشارع ، ولا إستباحه أحد من الصحابة والتابعين والأئمة والمجتهدين والسلف الصالح ، فالواجب على السلطان أن يدفع عن المسلمين شر هؤلاء المباشيم ، ويخرجهم من المدارس ، ويبعدهم ويعاقب على الإشتغال بفنهم ، ويعرض من ظهر عنه إعتقاد عقائد الفلاسفة على السيف أو الإسلام".
وقال السيوطى " إن المنطق – وهو فضلا عن ذلك من علوم اليهود والنصارى – علم يحرم الإشتغال به".
وقد حكم أهل السنة والجماعة بحرق كتب الأوائل بحضور القضاة والأئمة والزج بالعلماء فى السجون – وقد جرى ذلك فى عصر كان فيه علم اللاهوت المسيحى فى أوج إزدهاره فى حياة "توما الإكوينى". تلك الحملة على علماء الفلسفة كانت بدء عهد الجمود فى الفكر الإسلامى وقد تم حرق الكتب عام 609 ميلادية ، ولا تزال علوم المنطق والفلسفة محرمة لدى أهل السنة والجماعة حتى اليوم لخوفهم من خطرها على النبوة المحمدية والشريعة الإسلامية.
(2) مع أهل القرآن : لا يقوم الحوار الصحيح على أساس علم اللاهوت
علم اللاهوت المسيحى هو علما مشبوها عند أهل السنة والجماعة ، وقد قاومه أهل الحديث والفقهاء لشهير الجذل فى علم اللاهوت بين الذات والصفات فى الله ، وبين الحرية والجبرية فى الإنسان.
قال العلامة جولد تسيهر "كان طبيعيا أن تتجه
كراهية أهل السنة والجماعة أولا وبالذات إلى علم اللاهوت ، لأن مقدماته ونتائجه كانت تعتب متعارضة أشد التعارض مع مقتضيات عقائد الإسلام ، على الرغم مما بذله بعض علماء المسلمين فى عدة محاولات للتوفيق بينهما.
أما عن تحريم علم اللاهوت ، ويطلق عليه أهل السنة والجماعة "علم الكلام" ، فقد قال الشافغى "حكمى فى أصحاب علم الكلام (اليهود والنصارى) أن يضربوا بالجريد ويطاف بهم فى القبائل والعشائر". وقال أحمد بن حنبل "لا يفلح أهل الكلام أبدا ، ولا تكاد ترى أحدا فى الكلام وإلا فى قلبه دغل ، إن علماء الكلام زنادقة".
وقال مالك "أرأيت : إن جاء للجادل من هو أجدل منه ، أيدع دينه كل يوم لدين جديد". وقال أبو يوسف "من طلب علم الكلام تزندق".
وقد رأى الغزالى أن جميع أهل الحديث ، وثلاث من الذاهب الأربعة فى فقه السنة تحرم علم الكلام (علم اللاهوت) ، لذلك لا يصح الحوار ، مع أهل القرآن ، على أساس علم اللاهوت – أى على مقابلة علوم الشريعة فى الإسلام بعلوم اللاهوت فى المسيحية ، لأن الحوار عرض وجدل.
(3) مع أهل القرآن : لا يقوم الحوار الصحيح على أساس الصوفية الإسلامية.
التصوف الإسلامى موضع شبهات عند أهل السنة والجماعة. من هذه الشبهات إنتساب الصوفية إلى الإمام على ، الذى يرى فهم القرآن فهما باطنيا لا ينسجم ، فى نظر أهل السنة والجماعة ، مع ظاهر الشريعة.
ومن هذه الشبهات قول الصوفية "بالفيض الإلهى" و "وحدة الوجود" وهى من العلوم التى عمت الشرق قبل الإسلام ، والقول بالفيض الإلهى ينقض القول بالخلق ، والقول بوحدة الوجود ينقض القول بالتنزيه فى التوحيد.
ومن هذه الشبهات الزهد الصوفى الذى يقوم على فساد البشرية فى الإنسان ، والإسلام السنى لا يعترف بفساد فطرى فى الإنسان كما تقول به المسيحية فى مفهوم (الخطية الأصلية) الموروثة عن آدم.
ومن هذه الشبهات الإفراط فى الزهد على الطريقة الصوفية ، وهو مذهب رهبانى ، ولا رهبانية فى الإسلام. ومن هذه الشبهات الوصال بالله والتغنى به وفيه ، وهذا عند أهل السنة والجماعة يتعارض مع التجريد والتنزيه فى التوحيد.
لذلك لا تصح الصوفية فى الإسلام أساسا للحوار الصحيح بين الإسلام والمسيحية.
(4) مع أهل القرآن : لا يقوم الحوار على أساس التاريخ المقارن بين الأديان.
كثير من العلماء يتخذون من نشأة المسيحية والإسلام ، ومن أحوال السيرة والرسالة ما بين الإنجيل والقرآن سبيلا إلى الحوار فى مقارنة تاريخية موضوعية.
إن علم مقارنة الأديان جليل ومفيد فى ذاته ، ولكنه لا يصلح سبيلا إلى الحوار الصحيح لأن فيه يطعن المسلمون بصحة الإنجيل وصحة العقيدة المسيحية ، والمسيحيون يطعنون بصحة القرآن والنبوة ، وهذا جدالا باسم التاريخ المقارن ، ولا يصلح أساسا للحوار الصحيح.
الحوار الصحيح من وجهة النظر المسيحية
(1) مع أهل الإنجيل : لا يقوم الحوار الصحيح على أساس السيرة النبوية
لا يقبل أهل الإنجيل الحوار بين المسيحية والإسلام على أساس السيرة النبوية الموضوعة لأنها مظنة شبهات.
قال السيد محمد عبدالله السمان "إن الكثيرين ، حين يحاولون دراسة شخصية الرسول ، يعمدون إلى كتب السيرة ليأخذوا منها جزافا بكل ما ورد فيها. وهذه الكتب على كثرتها لا يجوز أن تكون مرجعا أصيلا فى هذا الصدد ، لأنها كتبت فى عصور لم يكن النقد مباحا فيها. ومعظمها كان يدون لغاية تعبدية. والخلافات كثيرة فى رواياتها تحتم على الباحث أن يقف منها موقف الحذر والحيطة. وقد إستوعبت كتب السيرة سيلا من الخوارق والمعجزات التى تزيد وتنقص تبعا لإختلاف
الأزمان التى دونت فيها. وكتب السيرة مزدحمة بالرواة والقصاصين الذين عرفوا بالصناعة القصصية فى ما يرون".
فبسبب تلك الشبهات القائمة للقصص التى صيغت بأسلوب الروايات وعنصر التشويق لا يقوم الحوار الصحيح على أساس السيرة النبوية.
(2) مع أهل الإنجيل : لا يقوم الحوار الصحيح على أساس الحديث النبوى.
لقد نقل الصحابة بعض الأحاديث عن محمد. ولكن تلك الأحاديث الصحيحة ضاعت فى زحمة الأحاديث الموضوعة. وعلى كل حال ليست الأحاديث قرآنا.
قال السيد محمد عبدالله السمان "لم يكد يتولى الخليفة الثالث عثمان حتى بدأت تتولد الخلافات السياسية بين بنى هاشم وبنى أمية. وقتل عثمان وتولى على. وقتل على. وآلت الخلافة بالقهر إلى معاوية. فظهر وضع (آلاف) الأحاديث ونسبتها إلى النبى .. فى هذه الخلافات التى تدثرت بالدماء. كما تطوع كثير من السذج والبسطاء فوضعوا أحاديث فى الترغيب والترهيب ، ظنا منهم أن فى هذا خدمة للدين. ولو عقلوا لأدركوا أنهم أساؤا إلى الدين اكبر إساءةز وحسبك أن تعلم أن البخارى قد وجد أن الأحاديث المتداولة تزيد على ستمائة ألف حديث ، ولكنه لم يعتمد منه فى صحيحه إلا قرابة أربعة آلاف!".
لذلك لا يصح الحديث النبوى أساسا صحيحا للحوار المسيحى الإسلامى بسبب هذه الشبهات القائمة ، خصوصا أنها تتعارض مع حرف القرآن وروحه.
(3) مع أهل الإنجيل : لا يقوم الحوار الصحيح على أساس التفسير.
لا يوجد إجماعا يحمل على اليقين تفسير المفسرين ، فقد إختلف المفسرين فى مذاهب التفسير بسسب رواسب البيئة التى لم يكن أحد منهم يجرؤ أن يتخطيها.
وقد ظهرت الإختلافات الكبيرة فى تفسيرات الطبرى والزمخشرى والفخر الرازى والبيضاوى والجلالان ، فتضاربت التفسيرات على أساس المذاهب الفقهية والفرقية والإستطرادات والجمود . ففى التفسير رأى ونقل وحديث وإجتهاد ، ومذهب وكلام وفقه وجهاد.
لذلك لا يصح الحوار بين المسيحية والإسلام على أساس التفسير.
(4) مع أهل الإنجيل : لا يقوم الحوار الصحيح على أساس الفقه الإسلامى.
تشعب الفقه إلى مذاهب وتنوعت مدارس الكلام فيه ، ولذلك لا يرضاه أهل الإنجيل أساسا صحيحا للحوار. فلا يقوم حوار صحيح على أساس الكلام المقارن وحده ، من دون الكتاب ، وهنا يلزم مقابلة القرآن بالإنجيل .
لذلك لا يصلح الفقه الإسلامى أساسا صحيحا للحوار الصحيح بين المسيحية والإسلام.
الحوار بين المسيحية والإسلام على أساس الإنجيل والقرآن
يرى المؤلف أن الحوار بين الإسلام والمسيحية ممكن على أساس الإنجيل والقرآن ، متى صحت شروطه.
وسوف نتناول ألأسس التى عرضها المؤلف بالدراسة والتحليل والنقد.
(1) إن الحوار بين المسيحية والإسلام ممكن
على أساس العرض النزيه.
إن بين المسيحية والإسلام إختلافا جوهريا ما بين التوحيد والتثليث ، وبنوة المسيح لله والوهيته ، وصلب المسيح على الصليب ، لكن الحوار على أساس قرآنى سمح ، وعلى عرض إنجيلى صحيح ، يتخطى ظواهر الفروق إلى بواطن الأمور. فالحوار ممكن متى صحت شروط الحوار الصحيح.
النقد: أقام المؤلف أساس الحوار من جهة الإسلام على "أساس قرآنى سمح" بينما أقام أساس الحوار من جهة المسيحية على "عرض إنجيلى صحيح" ، وهذه مقابلة خاطئة ومرفوضة تماما.
لقد إفترض المؤلف مقدما صحة القرآن وأن يقدم "السمح فى الحوار" ، بينما إفترض مقدما عدم صحة الإنجيل ،
وأن يقدم "عرض إنجيلى صحيح". فأين هو "الشرط الصحيح" الذى يمكن أن يقوم عليه الحوار الصحيح؟
(2) إن الحوار بين الإسلام والمسيحية يصح على اساس القرآن والإنجيل.
إن القرآن دعوة كتابية لعرض التوحيد الكتابى المنزل على العرب. فهو يشرع للعرب دين إبراهيم وموسى وعيسى دينا واحدا بلا تفريق ، (لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) (البقره 136 ، آل عمران 84 ) ، والقرأن جاء ليعلم العرب الكتاب والحكمه أى (التوراه والإنجيل) (البقره 129 ، 150 – آل عمران 164 ). فالقرآن يدعو للتوحيد الكتابى. فصفة القرآن المتواتره أنه تفصيل الكتاب ، وتصديقه بين العرب. وهو يحاور الجميع بالكتابالإمام لموسى (الأحقاف 13 ، هود 17) والكتاب المنير لعيسى (لقمان 20 ، الحج 8).
لذلك فالقرآن هو الأساس الوحيد الصحيح للحوار بين الإسلام والمسيحية ، فى عرض صحيح على الإنجيل.
النقد: المؤلف إشترط صحة الحوار فى العنوان على أساس ألقرآن والإنجيل ، ثم إستشهد بآيات من القرآن فقط ولم يأتى بنص واحد من الإنجيل يتفق مع الآيات المذكورة. ليس هذا فقط ، بل إفترض فى نهاية العرض أن القرآن هو الأساس الوحيد الصحيح للحوار ، وبذلك ناقض نفسه.
لايوجد فى التوراه والإنجيل أى نص يتفق مع نصوص القرآن ، أو أن كتاب آخر سوف يأتى "لتفصيل الكتاب" و "للتوحيد الكتابى". ليس هذا فقط ، بل ظل التوراه قائما بذاته وإصحاحاته ، وظل إنجيل المسيح قائما بذاته وإصحاحاته ، وسمى الأول "العهد القديم" وسمى الثانى "العهدالجديد".
أما فيما يختص "بدين إبراهيم وموسى وعيسى دينا واحد بلا تفريق" ، "لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون" فذلك ايضا ليس له أى أساس صحيح فى التوراه والإنجيل. إن إبراهيم لم يؤسس دينا. والمسيحيون يعرفون (المسيح) ولا يعرفون من هو عيسى. ولم نجد نصا فى التوراه أو الإنجيل يقول "ونحن له مسلمون".
ومن ذلك نخلص أن صاحب البحث يحاور نفسه فقط بآيات قرآنية ، ولم يحاور المسيحييون بحسب ما لديهم من نصوص الإنجيل.
(3) إن الحوار بين الإسلام والمسيحية مفروض بالإنجيل والقرآن.
إن الإنجيل والقرآن دعوة. وكل دعوة تدعو الناس للحوار. وكل دعوة من أصل واحد.
دعوة المسيح فى الإنجيل هى لجمع المؤمنين فى العالم "رعية واحدة" (يوحنا 10 : 17 ).
جاء فى كلمات المسيح الأخيرة الأمر بالدعوة والحوار مع الخليقة كلها فى العالم أجمع: "لقد أوتيت كل سلطان فى السماء وعلى الأرض ، فإذهبوا وتلمذوا الأمم جميعها" (متى 28:18-29). وقال لتلاميذه "إذهبوا فى العالم أجمع وادعوا بالإنجيل الخليقة كلها" (مرقس 15:16).
فكيف لا يكون حوار بين أهل الإنجيل وأهل القرآن ، الذين يؤمنون معهم بالمسيح وأمه آية للعالمين (الأنبياء 92 ، المؤمنون 52).
ويوجه القرآن الدعوة للعرب بقوله "غدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجادلهم بالتى هى احسن" (النحل 125).
ويوجه القرآن الدعوة إلى أهل الكتاب أنفسهم (اليهود والنصارى) ، "قل: يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم" (آل عمران 64).
فالقرآن يبنى الحوار مع أهل الكتاب عامة على وحدة الإله ووحدة التنزيل ووحدة الإسلام ، ويبنيه مع أهل الإنجيل خاصة على الإيمان
بالمسيح أنه "كلمة الله القاها إلى مريم وروح منه" (النساء 170). فالحوار بين الإسلام والمسيحية مفروض بالإنجيل والقرآن على المسيحيين والمسلمين ، فهو جدال (بالتى هى أحسن) للوصول إلى "كلمة سواء".
النقد: جاء فى سياق عرض المؤلف ما إستشهد به من الإنجيل قول المسيح "لقد أوتيت كل سلطان فى السماء وعلى الأرض ، فإذهبوا وتلمذوا الأمم جميعها" وأيضا "إذهبوا فى العالم أجمع وادعوا بالإنجيل الخليقة كلها".
إن كان المسيح يقول أوتيت كل سلطان فى السماء وعلى الأرض ، فمن يكون هو من له السلطان فى السماء وعلى الأرض؟
ويقول المسيح فإذهبوا وتلمذوا الأمم جميعها ، فبماذا يتلمزون الأمم جميعها؟ هل يتلمذوهم بتعاليم المسيح ودعوته أم بدعوة آخر؟ وقد تفضل المؤلف بالرد على السؤال حين عرض قول المسيح "إذهبوا فى العالم أجمع وادعوا بالإنجيل الخليقة كلها". وما معنى "ادعوا الخليقة كلها" ألم يكن العرب جزء من الخليقة كلها؟ ألم تنتشر اليهودية والمسيحية إنتشارا واسعا فى بلاد العرب فى القرون السبعة الميلادية الأولى؟
المسيح يقول "إذهبوا وتلمذوا" ولم يقول إذهبوا وحاوروا. والمسيح يقول إذهبوا فى العالم اجمع وادعوا بالإنجيل ، ولم يقول اذهبوا وجادلوا بالتى هى أحسن. فأى شىء نحاور فيه إن كانت دعوة المسيح هى دعوة من قال أوتيت كل سلطان فى السماء وعلى الأرض؟ إن المسيح لم يذكر شيئا فى دعوته عن وحدة التنزيل ووحدة الإسلام ، مع أن المؤلف عرض فى سياق بحثه أن المسيح هو أيضا "كلمة الله وروح منه"
فإن كان المسيح هو كلمة الله ، فلماذا لم يخبرنا كلمة الله بشىء عن وحدة التنزيل ووحدة الإسلام؟
واخيرا – الحوار ليس فرضا بالإنجيل والقرآن. لا توجد فروض فى الديانة السمائية بل "وصايا وتعاليم".
إنما تأتى الفروض فى الديانة الأرضية كنتيجة طبيعية لتسلط الإنسان وميوله الشريرة بعد مخالفته وصية الله وسقوطه فى الخطية وخضوعه لسلطان إبليس وعبوديته لطبيعته الشهوانية.
الإسلام فى عرف القرآن
إسلام القرآن هو إسلام الكتاب (أمة واحدة)
دين القرآن ، بل دين الله على الإطلاق ، هو الإسلام.
"إن الدين عند الله الإسلام ، ومن يبتغ غير الإسلام دينا ، فلن يقبل منه ، وهو فى الآخرة من الخاسرين" (آل عمران 85).
القرائن القرآنية ، فى الآيتين ، وفى القرآن كله ، تشهد بأن إسلام القرآن هو إسلام الكتاب (التوراه والإنجيل) الذى يبلغه النبى إلى العرب (بنى قومه) (الشورى 13).
وهو إسلام النصارى على الخصوص. هذا هو الركن الأساسى للحوار الإسلامى المسيحى.
"أفغير دين الله يبغون ، وله اسلم من فى السموات والأرض طوعا وكرها ، واليه يرجعون. قل: آمنا بالله وما انزل علينا ، وما أنزل على إبراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط ، وما اوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم ، لا نفرق بين احد منهم ، ونحن له مسلمون : ومن يبتغى غير الإسلام دينا ، فلن يقبل منه ، وهو فى الآخرة من الخاسرين" (آل عمران 83-85).
فالإسلام هو دين إبراهيم وموسى وعيسى ، واسلام القرآن هو اسلامهم ، أى اسلام الكتاب (التوراه والإنجيل) ، لا إسلام غيره.
والقرآن نفسه أخذ الإسلام إسما ومعنى من الكتاب "(هو سماكم المسلمين من قبل (فى التوراه والإنجيل) وفى هذا (القرآن)" (الحج 87).
محمد نفسه فى بعثته ، يؤمر بأن ينضم إلى المسلمين من قبله "إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذى حرمها ، وله كل شىء ، وأمرت أن أكون من المسلمين ، وأن اتلو القرآن" (النمل 91-92).
فالإسلام هو إسلام الكتاب (التوراه والإنجيل) قبل إسلام (القرآن) الذى شرعه الله للعرب.
النقد: يدور عقل الباحث فى دائرة القرآن وآياته ، ولا يقدم أى نصوص من التوراة والإنجيل ترتبط بهذه الآيات القرآنية كقرينة وحجة لليهود والنصارى.
بحثت فى التوراه عما أنزل الله على إبراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب والاسباط فلم أجد شيئا ، والباحث لم يعيننى بأن يشير فى بحثه عن أرقام النصوص التى يستندإليها. وبحثت فى تعاليم واقوال موسى وعيسى فلم أجد أى شىء يهدينى إلى إسلام الكتاب. وبحثت فى التوراة والإنجيل عن النص الذى يشير إلى أن من يبتغى غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ، فلم أجد شيئا. ولا وجدت أنه فى الآخرة يكون من الخاسرين.
وبحثت عن النص الذى سمى الله فيه اليهود والنصارى بأنهم المسلمين فلم أجد. وبحثت عن النص الذى يشير إلى "وله اسلم من فى السموات طوعا وكرها" فلم أجد ، ولا أعرف كيف يسلم من فى السموات كرها؟ أليس من شروط الحوار الصحيح التى ذكرها المؤلف أن الحوار بين الإسلام والمسيحية يصح على أساس الإنجيل والقرآن؟ فأين هى الشواهد فى التوراه والإنجيل؟
عندما بحثت فى كلمات الإنجيل وجدت يوحنا الذى عمد المسيح يقول للمعلمين من الفريسيين:
"إصنعوا أثمارا تليق بالتوبة. ولا تفتكروا أن تقولوا فى أنفسكم لنا إبراهيم أبا. لأنى أقول لكم إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادا لإبراهيم".
وحذرنا المسيح قائلا "إحترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة" (متى 7:15).
وقال المسيح للجموع المحيطة به "ليس كل من يقول لى يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات ، بل الذى يفعل إرادة أبى الذى فى السموات" (متى 21:7).
وقال المسيح لتلاميذه "ها انا أرسلكم كحملان فى وسط ذئاب. فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام. وكن إحذروا من الناس. لأنهم سيسلمونكم إلى مجالس وفى مجامعهم يجلدونكم. وتساقون أمام ولاة وملوك من أجلى شهادة لهم وللامم" (متى 16:10).
وقال المسيح "كل من يعترف بى قدام الناس أعترف أنا أيضا به قدام أبى الذى فى السموات. ولكن من ينكرنى قدام الناس أنكره أنا أيضا قدام أبى الذى فى السماوات" (متى 32:10).
يقول المسيح عن مجيئه الثانى فى نهاية العالم "ومتى جاء ابن الإنسان فى مجده وجميع الملائكة والقديسين معه فحينئذ يجلس على كرسى مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب .. " (متى 21:25).
وقال المسيح لتلاميذه بعد قيامته من بين الأموات حين صعوده عنهم إلى السموات "دفع إلى كل سلطان فى السماء وعلى الأرض. فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا ما أوصيتكم به. وها انا معكم كل الأيام إلى إنقضاء الدهر" ( متى 16:28).
هذا هو المسيح الذى نعرفه فى الإنجيل ، وليس هو عيسى الذى يذكره القرآن. إنه يوصى تلاميذه قائلا إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس. إنه المسيح الذى يقول لتلاميذه وهو يصعد عنهم – ها أنا معكم كل اليام إلى إنقضاء الدهر. فهل نصدقه أم نكذبه؟ وكيف لا نصدق من دفع إليه كل سلطان فى السماء وعلى الأرض؟ كيف لا نصدق من حفظ جسده فى القبر ثلاثة أيام وأقام نفسه بقوة لاهوته وصعد أمام التلاميذ والجمع وهم يشخصون إليه مرتفعا؟