من ضوابط تجديد الفقه الإسلامي

من ضوابط تجديد الفقه الإسلامي
دراسة تطبيقية

بحث منشور بمجلة كلية الآداب بالمنوفية
العدد61 الصادر في أكتوبر 2007م

أ.د / حسن السيد حامد خطاب

أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة المنوفية
ورئيس قسم القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بفرع جامعة طيبة بالعلا– جامعة طيبة بالمدينة المنورة
2009 م -------- 1430 ﮪ

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على إمام النبيين , وسيد الأوليين والآخرين ,سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن اهتدي بهديه إلي يوم القيامة
وبعد
فبالرغم من أن الدعوة لتجديد الفقه الإسلامي قد مضى عليها حيناً من الدهر, إلا أنها لم تثمر تجديدا كليا بالمعنى المطلوب الذي يكون شاملاً ومؤثراً في كل نواحي الحياة , وإذا كانت حركات التجديد الفقهي قد أخذت أشكالاً متعددة , وبذلت جهوداً شتى في المجامع الفقهية ,والمؤتمرات الدولية لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف,ودار الإفتاء المصرية, والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية , ومجمع الفقه الإسلامية بجدة ,ومكة, ومؤتمرات الزكاة في الكويت, والموسوعات الفقهية ,والأصولية, والحديثية لوزارة الشئون والأوقاف الإسلامية بالكويت , وغيرها من الجهد الذي يقوم به الباحثون في كليات الشريعة ,وغيرها من الأقسام التي تعني بالدراسات الفقهية , إلا أن ذلك لا يمثل التجديد المطلوب الذي يواكب روح العصر بالشكل المتكامل ,ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أسباب من أهمها ما يلي :
أولا : تضارب الآراء ,واختلافها بين مجتهدي العصر ,وتعصب البعض منهم لأرائه, مما يؤدي على فقدان الثقة مما توصل إليه اجتهادهم .
ثانيا : فقدان الثقة في الاعتماد على كثير من فقهاء العصر؛ بسبب توجه كثير من العقول للفكر الغربي ,الذي يدعو إلى التحلل ,والإباحية من القيود التي يفرضها الفقهاء باسم الشرع ,مما يجعل كثير من دعاة التجديد يقطعون بعقبة الفقه أمام التجديد ,ويجعلون التقيد بقيود الشرع أمراً عسيراً, وقد ساعد على شيوع تلك الفكرة الغزو الثقافي, والعولمة التي تجتاح عالمنا المعاصر على كافة المستويات.
ثالثا:عدم تطبيق الشريعة في مجالات كثيرة باستثناء بعض الدول ,وبعض المجالات كنظام الأسرة, والمواريث ونحوها , مما يجعل الدراسة النظرية بعيدة عن الواقع العملي ,فكان من أثر ذلك أن وجدت التجديدات الفقهية على مستوى جزئي قد ترقى إلى مواكبة روح العصر , وتحقيق قدر من المصالح المرجوة منها, ولا تتعارض مع النصوص الشرعية ,وإن كانت محل اختلاف عند البعض باعتبار عدم وجود النص في زمن التشريع بالرغم من أن عدم العمل بها اليوم فيه ظلم محقق ,وضياع للحقوق مثل الوصية الواجبة في المواريث يعمل بها البعض لما فيها من مزايا, وتحقيق مصالح , ويردها البعض بحجة أنها بدعة ,وتشريع لم يأمر به الله تعالى ,وكذلك توثيق عقود الزواج بالطريقة الرسمية بالرغم مما فيها من حماية الحقوق ,والمصالح إلا أن البعض يقف متجمداً ضدها ,على أنها لم تكن موجودة في عهد النبي e ,وكذلك تحريم أو كراهة الزواج بالحرة الكتابية عملاً بجوهر التشريع, وروح النص , وما يمليه الواقع من رعاية المصالح العامة والخاصة ,فهذا وغيره من القضايا التي يراعى فيها الجمع بين: فهم النص, والواقع معاً من التجديد الفقهي الذي يراعي حفظ المصالح, والحقوق التي لا تخفى على الكثير مما يعد تجديداً فقهياً, يجمع بين الأصالة والمعاصرة ,في حين أن هناك بعض الآراء التي يزعم أنها تجديدية, وتقدمية, وهي مخالفة للنص ,ومتعارضة مع القواعد الأصولية والفقهية , مما تعد تحريفاً ,وتغييراً, وإنكاراً لما هو معلوم بالضرورة والنصوص القطعية ,وليس من قبيل التجديد مثل:الدعوة إلى التحرر من الشرع , وإباحة الجنس والسفور , ودعوة المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في الميراث وغيره ,مما يعد جهلاً بالدين وتعدياً على حدوده , وهذا يعد جريمة يجب الوقوف أمامها خشية التحريف والتبديل ,الذي سلكه من ضل من الأمم السابقة؛ ولهذا فإن تجديد الفقه الإسلامي ليس عملاً يسيراً , ولا يصلح للقيام به كل أحد , وإنما لابد من مراعاة ضوابط فقهية ؛حتى يتوفر التجديد الفقهي الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة ,ويثمر المواكبة للتطور الملحوظ في الحياة المعاصرة في كافة المجالات اجتماعيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً وعسكريّاً وثقافياً .ومن ثم فمعرفة ضوابط التجديد الفقهي أمر مهم ؛حتى لا يكون أثر تلك الدعوات تغييراً وتحريفاً للفقه بدلاً من تجديده ؛من أجل ذلك استخرت الله تعالى لعمل هذا البحث في: جمع أهم الضوابط اللازمة لتجديد الفقه الإسلامي ؛حتى لا يزعم كل أحد أنه عنده القدرة على تجديد الفقه الإسلامي, وهو غير فقيه ,فضلاً عن كونه لا يحسن فهم كتب الفقهاء ,أو يجهل سير الفقهاء ,ومدي الجهد الذي بذلوه للوصول إلي تلك النتائج . فمعرفة سر تميزهم وتجديدهم أمر مهم ,سواء علي المستوي العلمي, أو المستوي المعرفي؛ لأن علم الفقه يعد أصلاً للعلوم الشرعية ,وكل العلوم له تبع وخدم, ومن ثم لا يتيسر فهمه لكل احد ,وإنما لمن توافر فيه الفهم الصحيح, والعلم ,والعمل والورع ,فلا فقه بدون فقيه, ولا يتوافر ذلك بمنحة إلهية ,وهي لا تكون لكل احد, وإنما ممن يتقي الله تعالي ,كما في قوله تعالي :" واتقوا الله ويعلمكم الله" فالتقوى سبب والعلم ثمرة لها, ونتيجة ومن ثم ينحصر ذلك علي المجدد بحق الذي جمع بين العلم والورع , وهو ما يسمي أحياناً بالفقه الأكبر ,فقد قال عمر بن عبد العزيز:الفقه الأكبر القناعة وكف اللسان .
وروي أن :جرير بن عثمان الرحبي دخل مع أبيه على عمر بن عبد العزيز فسأله عمر عن حال ابنه, ثم قال له : علمه الفقه الأكبر, قال : و ما الفقه الأكبر ؟ قال : القناعة و كف الأذى. ولعله بذلك يشير إلي أن الفقه الأصغر اثر من أثار الفقه الأكبر الذي لا يكون إلا بالجمع بين العلم والعمل جميعا .
وكما أثر عن الإمام الشافعي :
شكوت إلي وكيع سوء حفظي فأرشدني إلي ترك المعاصي
واخبرني بان العلم نور ونور الله لا يُهدى لعاص
وتتلخص أسباب اختياري لهذا الموضوع فيما يلي :
أولا : كثرة الدعوات المتكررة لتجديد الفقه, وتجديد الخطاب الفقهي ممن يعرف معنى التجديد ,ومن لا يعرفه .
ثانيا : أن تجديد الفقه وإن كان ضرورة شرعية واجتماعية ,لكن يجب ألا يكون مطلقاً, حتى لا يؤدي إلى نتائج سلبية ,فبدلاً من التجديد المطلوب نقع في دائرة التحريف والتبديل ,فنسلك سبيل المغضوب عليهم والضالين, وهذا هو الضلال المبين .
ثالثا : أن ضوابط تجديد الفقه ليست بأقل أهمية من التجديد نفسه , وليست تلك القضية كلها أقل أهمية من تجديد روح الأمة ( المجتمع) أيضاً حتى لا يكون التجديد على حساب النصوص .
رابعا : إن رمي الفقه القديم بالتخلف ,واتهام الأئمة الفقهاء بالرجعية اتهام باطل لا يجوز لعاقل فضلاً عن أن يكون مسلماً, أن يرمي السلف الصالح بمثل ذلك ,ولا عيب لهم إلا أنهم اجتهدوا ودوّنوا طرق اجتهادهم؛ لنتعرف عليها, ونتعلم منهم ونسلك سبيلهم ,ونفعل مثل ما فعلوا .
وكما قال الشاعر :
وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالرجال فلاح
ومع هذا لم يأمروا أحداً بتقليدهم ,وحفظ أقوالهم إنما ذلك بسبب من عندنا لا دخل لهم به, فلا يليق أن نرد عليهم جزاء ما صنعوا بهذه الاتهامات الباطلة التي لا تصدر إلا من جاهل, أو حاقد على الفقه الإسلامي والفقهاء.
خامسا : دعوات التجديد الفقهي قد يصاحبها صيحات مغرضة من أولئك الذين يحاولون عزل الأمة عن مصادرها الشرعية, فيكون الهدف من دعواتهم هو: إضفاء الشرعية على ما في الواقع من مخالفات للشرع , وهذا سبيل الضالين الذين فهموا فهماً معكوساً, فحرفوا وبدلوا وهم يزعمون أنهم مجددون , فحسبوا أنهم يحسنون صنعا, وهم يخسرون بل هم الأخسرون أعمالاً .
ومن ثم اقتضت طبيعة البحث تقسيمه إلى ما يلي :
مقدمة وثلاثة مطالب وخاتمة
المطلب الأول : مفردات العنوان التجديد وأهميته ومعنى الفقه وتطوره
وفيه ثلاثة فروع :
الفرع الأول : معنى الفقه وتطوره
الفرع الثاني : معنى التجديد ومشروعيته
الفرع الثالث : العلاقة بين تجديد الفقه ومصادره
المطلب الثاني : ضوابط التجديد الفقهي .
وفيه فرعان :
الفرع الأول : الضوابط العامة للتجديد الفقهي .
الفرع الثاني : ضوابط خاصة بالمجدد
المطلب الثالث : صور من التجديد الفقهي المعاصر.
وفيه فرعان :
الفرع الأول : من صور التجديد غير المستوفى لضوابطه .
الفرع الثاني :من صور التجديد المستوفى لضوابطه.
و الخاتمة : نتائج البحث
منهج البحث:
وقد وضعت لهذا البحث منهجًا علميًا أوجزه فيما يلي :
أولا: جمع القواعد والضوابط والمسائل الفقهية , المتعلقة بتجديد الفقه الإسلامي , من كتب القواعد والأصول و المذاهب الفقهية المشهورة , ودراستها دراسة تجمع بين الفروع الفقهية والقواعد الأصولية.
ثانيًا نسبة الآراء إلى قائلها من مصادرها المعتمدة في كل مذهب من المذاهب الفقهية المشهورة , وكتب القواعد الكلية للفقه الإسلامي وكتب التراجم والطبقات.
ثالثا : توثيق الآيات القرآنية المستدل بها في البحث بنسبة كل آية إلى سورتها ورقمها بالهامش.
رابعا: تخريج الأحاديث النبوية حسب المنهج المعروف في التخريج .
خامسا : ترجمة الأعلام الوارد ذكرها بالبحث .
سادسا : شرح المصطلحات والألفاظ التي تحتاج إلى توضيح .
سابعا :خصصت مبحثا في نهاية البحث لتطبيقات فقهية معاصرة علي تجديدات صحيحة, وأخري غير صحيحة .
المطلب الأول
معنى الفقه والتجديد وأهميته
وفيه ثلاثة فروع :
الفرع الأول : معنى الفقه وتطوره
الفرع الثاني : معنى التجديد ومشروعيته
الفرع الثالث : العلاقة بين تجديد الفقه ومصادره
الفرع الأول
معنى الفقه وتطوره
أولا : معنى الفقه في اللغة :
الفقه في اللغة يعني : الفهم والعلم أي الفهم مطلقاً .
في لسان العرب : الفقه , العلم بالشيء , والفهم له .والفقه : الفطنة : فقهت الشيء أفقهه , وكل علم بشيء فهو فقه , وتطلق كلمة الفقه على معان أخرى منها :
1. فهم غرض المتكلم من كلامه.
2. الفهم الدقيق , كما في قوله تعالى : ]قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول [ , أي : ما نعلم حقيقة ما تخبر به .
ثانيا : المعنى الاصطلاحي للفقه :عرف الفقه بتعريفات كثيرة ومن المحاسن قول الإمام أبي حنيفة- رحمه الله- : الفقه معرفة النفس مالها وما عليها .
وعرفه الآمدي بقوله : العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية .
وقال إمام الحرمين :الفقه معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد.
وقال ابن خلدون : الفقه معرفة أحكام الله في أفعال المكلفين بالوجوب والحظر .
ثالثا : العلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي :
بيّن ابن القيم العلاقة بين المعنيين للفقه بقوله : والفقه أخص من الفهم, فهو فهم مراد المتكلم من كلامه , وهو قدر زائد على مجرد وضع اللفظ في اللغة ,وبحسب تفاوت مراتب الناس في الفهم تتفاوت مراتبهم في الفقه والعلم .
وهي متلقاه من الكتاب, والسنة ,وما يعينه الشارع من الأدلة, فالفقه بهذا وثيق الصلة بمعناه لغة حيث يطلق على استنباط الأحكام العملية من أدلتها التفصيلية , وهو أمر يقتضي من المجتهد استفراغ الجهد والوسع في النظر والتأمل ,والتعمق في العلم, والوقوف بقدر الطاقة على بواطن الأمور دون الاكتفاء بظواهرها ,وهذا يعني دقة الفهم . فمن لا يعرف من الأمور إلا ظواهرها لا يسمى فقيهاً .
رابعا :تطور المعنى الاصطلاحي للفقه:
لقد تطور مدلول الفقه عبر القرون الأولى على النحو التالي :
أولا : كانت كلمة الفقه تطلق على الأحكام الشرعية جملة مع فهمها , وظل ذلك من عصر النبي e إلى عصر نشأة المذاهب الفقهية .
فكانت كلمة الفقه عندهم تشمل: جميع الأحكام الشرعية سواء الاعتقادية, أو العملية, أو الأخلاقية .فكانت كلمة الفقه مرادفة كلمة الشريعة ,وكلمة الدين , فالفقه يعني الدين, أو الشريعة ,أو العلم ,وكان لقب الفقهاء يطلق على :القراء أو العلماء . فيقال : أعلم الصحابة أي :أفهمهم أو أقرؤهم.
ففي هذا يقول ابن كثير : أن ابن مسعود قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن , حتى يعرف معانيهن , والعمل بهن , فتعلمنا العلم, والعمل معا . ومن ذلك المعنى قول الله تعالى: ]فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم [
أي :يعرفوا ما نزل على النبي e من آيات ,وما صدر عنه من أحكام ,وأحاديث ونحوها ,فينقلوه إلى القوم بعد عودتهم من الغزو .
وقريب من ذلك قول أبي حنيفة : الفقه معرفة ما للنفس وما عليها . فهو معنى عام يشمل كل الحقوق ,والواجبات اعتقا دية, وأخلاقية ,وعملية مطلقاً .
ثانيا : في عصر الأئمة كان الفقه خاصاً بنوع معين من الأحكام, وهو الأحكام العملية دون الاعتقادية ,أو الأخلاقية كما قصر مدلوله على الأحكام التي يكون طريقها النظر ,والاستدلال ,والاستنباط , فما لا يحتاج إلى ذلك لا يسمى فقهاً كالأمور المعلومة من الدين بالضرورة : كوجوب الصلاة ,والصيام ,والحج على المستطيع ونحوها ,وخرج عن معناه أيضاً: علم المقلد لأحكام الأئمة؛لأنه لم يبذل في معرفته جهداً, ولا فكراً, فلا يسمى ذلك فقهاً, ولا فقيهاً, ومن ذلك المعنى قول الآمدي السابق:الفقه العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية 3 وقول ابن خلدون : فإذا استخرجت الأحكام من تلك الأدلة سميت فقهاً, وقيل لمستخرجها فقيها فهو مخصوص بكيفية فهم الأحكام من الأدلة التفصيلية لها .
ثالثا : في عصر التقليد شاع اصطلاح الفقه على كل الأحكام العملية, سواء كان العلم بها طريقه النص القطعي ,أو طريقه النظر والاجتهاد ,وزادوا طريق التخريج, أو الترجيح على قواعد فقه الأئمة, فشملت أنواعاً ثلاثة من الأحكام :
1. أحكام نزل بها الوحي, ولا تحتاج إلى نظر, وفكر من النصوص .
2. أحكام مستفادة بطريق النظر, والاجتهاد من النصوص .
3. أحكام مخرجة على أقوال الأئمة, وليس النصوص .
وهذا هو الاصطلاح الشائع الآن, حيث تطلق كلمة الفقه على كل الأحكام العملية سواء القطعي منها والنظري , وينبغي أن يخصص بما تتفاوت فيه الأفهام والأنظار؛ لكي يكون الفرق واضحاً بين الشريعة ,وبين الفقه, فيكون المراد بالشريعة ما يراد ف الدين أي :نصوص الشرع ,وقواعده الكلية المستمدة من نصوصه ,أي : الأحكام الثابتة الخالدة .
ويكون الفقه هو : الفهم البشري لنصوص الشريعة التي تعد مجالاً للاجتهاد, فهو أخص من الشريعة , وهي أعم ؛ ولذا فإن أراء الفقهاء لا تأخذ صفة الثبات والدوام, في حين أن الشريعة محكمة ثابتة خالدة إلى يوم الدين , وكما أثر عن ابن عباس - رضي الله عنه- وإمام المدينة- رحمة الله عليه- : كل يؤخذ من كلامه ويرد حاشا صاحب الروضة النبوية e .

الفرع الثاني
معنى التجديد ومشروعيته
ويشتمل على ثلاث نقاط :
الأولى: في معنى التجديد لغة .
الثانية : في المعنى الاصطلاحي للتجديد .
الثالثة : مشروعية تجديد الفقه .
أولا : معنى التجديد في اللغة
التجديد :مصدر جدَّد يجدّد تجديداً .والجديد ضد القديم , وتجدد الشيء : صار جديداً , وجدّده أي :استحدثه ,وصيره جديداً , جَدَّدَهُ واسْتَجَدَّهُ : صَيَّرَهُ جَديداً (فتَجَدَّدَ وجَدِدْتُ ) بالشيء ( أَجَدُّ ) من باب: تعب إذا حظيت به ,وهو ( جَدِيدٌ عِنْدَ النَّاسِ ) فعيل بمعنى :فاعل ,
يقال : جدد ثوبه : أي لبسه جديداً . فالتجديد يعني أمرين :
أولهما : تجدد الشيء بنفسه ,ونموه وزيادته بدون فعل .
ثانيهما : استحداث التجديد يعني: إدخال التحسين عليه حتى يصير جديداً .
ثانيا : المعنى الاصطلاحي للتجديد:
يختلف معني تجديد الدين عن تجديد الفقه وفيما يلي معني كل منهما :
أولا :عرف العلماء تجديد الدين بتعريفات متعددة أهمها ما يلي :
اختلف العلماء في تحديد معني تجديد الدين علي أراء أهمها ما يلي :
الرأي الأول : المراد من تجديد الدين :إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة, والأمر بمقتضاهما, وإماتة ما ظهر من البدع والمحدثات.
وفي عون المعبود : أي يبين السنة من البدعة ,ويكثر العلم ,ويعز أهله, ويقمع البدعة ,ويكسر أهلها, وبهذا يكون التجديد معناه : إحياء الدين.يعني بيان ما غفل عنه الناس وتركوه ,أو أهملوه ,وحثهم على العمل به, فهو يربط بين العلم والعمل . فلا يلزم من التجديد إضافة شيء جديد إلي الدين ,ولا حذف شيء منه ونبذه.
قال في مجالس الأبرار : والمراد من تجديد الدين: إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما.
ثم قال : والمجدد لابد أن يكون عالماً بالعلوم الدينية الظاهرة, و الباطنة, ناصراً للسنة, قامعاً للبدعة , وأن يعم علمه أهل زمانه , وهذا يعني أن: التجديد ليس لكل أحد ,وإنما هو لمن توافرت فيه ضوابط وشروط خاصة ؛حتى يكون مجدداً .
الرأي الثاني : أن التجديد يعني: الاجتهاد المطلق أي :الاجتهاد الإنشائي الذي يكون فيه معنى الابتكار ,والإبداع, فيكون اجتهاداً إنشائياً سواء كان عاماً, أو خاصاً , كليا أو جزئيا .
فمن المعنى الأول أي : الاجتهاد بمعنى إحياء ما اندرس من السنة والعمل على إزالة البدعة , مثَّل العلماء له: بالخليفة العادل عمر بن عبد العزيز ؛بسبب ما فعله من إعادة الخلافة الإسلامية ,والتي ما لبثت أن عادت إلى ما كانت عليه من بعده , وحمله البعض على: إحياء السنة الشريفة خاصة ,وحفظها ,وجمعها كما لَقّب الإمام الشافعي الإمام الزهري :بناصر السنة ,بسبب أنه قام بأول محاولة لجمع السنة النبوية بأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز.
ومن المجددين بالمعنى الثاني : أعلام الصحابة ,والأئمة الأعلام أصحاب المذاهب الفقهية المشهورة الذين ساروا علي طرق للاستنباط يسهل من خلالها فهم النصوص, واستخراج أحكام المسائل من النصوص على حكم تلك القواعد التي ساروا عليها ,واصطلحوا عليها مثل الاستحسان, وسد الذرائع, والاستصحاب ,والقياس, والعرف, وغيرها , وقد اهتم الفقهاء بذكر المجددين من كل عصر ومن أهم ذلك ما ذكره السيوطي في رسالته ( تحفة المهتدين بأسماء المجددين) وعد من المجددين في المائة الأولى : عمر بن عبد العزيز , وابن شهاب الزهري , والحسن البصري ، وابن سيرين .وفي المائة الثانية : الشافعي.
وفي الثالثة : النسائي , وفي الرابعة : الحاكم , وفي الخامسة : الغزالي وفي السادسة : الرازي , وفي السابعة : ابن دقيق العبد , وفي الثامنة : البلقيني
وفي التاسعة : السيوطي وبعد ذلك الشوكاني وابن عابدين , وهذا معناه أن قضية التجديد والمجددين كانت ولا تزال محل اهتمام العلماء في كل عصر .
ثانيا : معني تجديد الفقه
على ضوء ما سبق فإن الفقه هو الفهم البشري لنصوص الشرع فهماً صحيحاً, وإن اختلف وتنوع من مكان لآخر ضرورة .أي السنة الإلهية لا تقضي على الناس في كل بقاع الأرض بأن يكونوا نمطاً واحداً من حيث التقاليد والأعراف ,والقدرات فهم مختلفون ,ولو شاء ربك لجعلهم أمة واحدة ولذلك خلقهم . قال تعالى : ]ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين [ كما أن معجزة الإسلام تختلف عن كل الأديان في أنها: معجزة عقلية ,عملية ,وليست مرتبطة في وجودها بحياة الرسول e ,وشخصه مثل المعجزات السابقة ,وإنما هي معجزة أبدية خالدة أبد الدهر ,فهي تخاطب العقل والوجدان, وتدعو كل إنسان على ظهر الأرض إلى الحق إلى يوم أن يرث الله الأرض ومن عليها, وإذا كانت السنة الإلهية خاصة باختلاف الخلق في الألسنة والألوان في الزمن الواحد, فإن اختلافهم عبر القرون أشد مما يستدعي ضرورة تجديد الفهم بكل زمن وعصر, ومكان يتلاءم مع طاقاته ,وأعرافه, وأحواله ,وإذا كان تجديد الفقه يعني : جودة الفهم ,والاستنباط ,والابتكار في تنزيل النص الواقع طوعاً للقواعد المنجية المعروفة في أصول الفقه .
فالتجديد بذلك لا يعني التخلص من القديم وهدمه, وإنما يعني الاحتفاظ به, وإدخال التحسين عليه ,ومحاولة العودة به إلى ما كان عليه يوم أن نشأ , وتنميته بأساليبه التي أثمرت تلك الثروة الفقهية ,التي تعتز بها الأمة الإسلامية في كل عصر ,دون المساس بخصائصه ,وطابعه ,وبهذا المعنى يجمع منهج التجديد الفقهي بين ثبات الأصول ,وتطور الفهم والاجتهاد والتطبيق, فمن توافرت لديه الموهبة , أو الملكة الفقهية التي تجعل عنده القدرة على دراسة منهج النصوص في تقرير الأحكام ,ومعرفة الوسائل من حيث كيفية الأخذ بها في الاستنباط .
فالمجتهد هو: الفقيه المستفرغ لوسعه؛ لتحصيل ظن بحكم شرعي ,ولا يكون إلا بالغاً عاقلاً قد ثبتت له ملكة يقتدر بها على استخراج الأحكام من مآخذها ,وإنما يتمكن من ذلك بشروط:
الأول: أن يكون عالماً بنصوص الكتاب والسنة ,فإن قصر في أحدهما لم يكن مجتهداً, ولا يجوز له الاجتهاد, ولا يشترط معرفته بجميع الكتاب والسنة بل بما يتعلق منهما بالأحكام.
قال الغزالي : والذي في الكتاب العزيز من ذلك قدر خمسمائة آية, واختلفوا في القدر الذي يكفي المجتهد من السنة ,فقيل: خمسمائة حديث ,وهذا أعجب ما يقال فإن الأحاديث التي تؤخذ منها الأحكام الشرعية ألوف مؤلفة.
وقال ابن العربي في المحصول : هي ثلاثة آلاف .
وقال أبو علي الضرير: قلت لأحمد بن حنبل : كم يكفي الرجل من الحديث حتى يمكنه أن يفتي يكفيه مائة ألف ؟ قال :لا , قلت : ثلاثمائة ألف . قال :لا . قلت أربعمائة ؟ قال : لا . قلت: خمسمائة ألف ؟ قال : أرجو قال: بعض أصحابه: هذا محمول على الاحتياط ,والتغليظ في الفتيا .
قال الرازي الشافعي : لا يشترط استحضار جميع ما ورد في ذلك الباب إذ لا يمكن الإحاطة به ,ولو تصور لما حضر في ذهنه عند الاجتهاد جميع ما روى. وقال الغزالي وجماعة من الأصوليين: يكفيه أن يكون عنده أصل بجمع أحاديث الأحكام ,كسنن أبي داود, ومعرفة السنن للبيهقي ,أو أصل وقعت العناية فيه بجمع أحاديث الأحكام ويكتفي فيه بمواقع كل باب, فيراجعه وقت الحاجة ,وتبعه على ذلك الرافعي ,ونازعه النووي .
ثالثا : مشروعية تجديد الفقه :
تجديد الدين بصفة عامة ,والفقه بصفة خاصة سنة من سنن الإسلام ,فقد أمر الله به في القرآن المجيد,ودعا إليه النبي e في السنة الشريفة ومن ذلك ما يلي :
من الكتاب المجيد : قوله تعالى : ]وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون [ في الآية دلالة على: وجوب التفقه في الدين ,وهي وإن كانت وردت على سبب نزول خاص إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ,كما هو مقرر أصولاً, فتضع على الأمة مسؤولية التفقه في الدين ؛لمواجهة مشكلاتها المتجددة والمتطورة .
ومن السنة ما رواه أبو داود في سننه عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله e :" إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة من يجدد لها أمر دينها " دل الحديث على أن التجديد سنة إلهية للأمة المحمدية ,ولا يخلو عصر من المجددين ؛لكي ينفوا عن الدين تحريف المغالين, وانتحال المبطلين, وتأويل الجاهلين .
وقد أثر عن الإمام علي t قوله : لن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة لكي لا تبطل حجج الله, وبيناته ,أولئك هم الأقلون عددا, الأعظمون عند الله قدرا.
وقد جمع السيوطي في رسالته الأصولية الرد على: من أخلد إلى الأرض, وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض ,أقوال العلماء في أن كل عصر لا يخلو من مجتهد, أو مجدد لقوله e :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله " ومن المعقول : أن الحاجة ماسة إلى تجديد الفقه في كل عصر ؛لمواجهة المشكلات التي تستجد في مختلف العصور ,ومن أجل تجديد الدين في النفوس, وهداية الناس ,وإرشادهم ,والأخذ بأيديهم إلى صراط الله المستقيم .
والفقه هو: الفهم الصحيح للأدلة الشرعية الذي يواجه كل عصر بما يستجد فيه , ولم يكن موجوداً من قبل , ومن ثم فإن التجديد ضرورة ليس شرعية فحسب, وإنما اجتماعية لصياغة حياة المسلمين في كل عصر, صياغة جديدة تواكب التغيرات من ناحية , وتحافظ على حيوية الإسلام من ناحية أخرى , وتشق للمسلمين طريقاً للمشاركة في صنع التقدم الحضاري ,ولا سبيل لذلك إلا عن طريق تجديد الفهم , وتجديد النفوس تمهيداً لإثراء بالمزيد من الإبداع الذي يضيف جديداً إلى دنيا الناس في جميع المجالات , الأمر الذي من شأنه أن يصلح للناس دينهم ودنياهم على حد سواء .وإذا كان التجديد مطلوباً في كل عصر, فإنه في هذا العصر أشد طلباً , والحاجة ماسة إليه أكثر من أي عصر مضى؛ من أجل المتغيرات الجديدة والتحديات من قبل, وحتى تستطيع الأمة أن تواكب ركب الحضارة ,وتنهض من كبوتها, وتسترد مكانتها ,وتنشط في فكرها ,وتشارك في إثراء الفكر, وإثراء الحياة كما كان السلف من قبل .

الفرع الثالث
العلاقة بين تجديد الفقه ومصادره
يقرر العلماء أن :من شروط الاجتهاد أو التجديد الفقهي دراسة مصادر الفقه من نصوص تشريعية ,ووسائل اجتهادية دراسة عميقة ؛حتى يتفاعل مع آراء الآخرين ,فبدون هذا التفاعل ,وعدم النظر في أفكار السابقين ,أو ازدرائها لا ينمو الفكر الإبداعي ؛لأنه فقد جزءاً من مادته الأساسية ,وهي معرفة ما لدى الآخرين من آراء ,ونظريات معرفة يسودها الاستقلال الفكري , وهذا يعني أن تجديد الفقه لا يعني نبذ القديم,وطرحه ,وإنما يبدأ من مدارسة فقه السلف ,ونظرياته ,وقواعده والآراء التي تصلح لتشريعات عصرية ,فينتفع به في حل المشكلات المعاصرة , ولو على سبيل المساعدة, فمن الخطأ فهم التجديد على أنه إلقاء القديم ؛لأن القديم هو نقطة البداية الجوهرية للتجديد ,وأن نهاية المتقدم بداية المتأخر فباطلاع المجتهد على جهود السلف,والتعرف على مناهجهم يتكون لديه زاداً ينتفع به يأخذ منه, ويضيف إليه ,ويصحح أخطاءه , ويفسر غوامضه , فيصبح لديه ملكة خاصة في البحث لا تزدري جهود الآخرين ,وإنما تقوم على احترام كل نشاط فكري, وإن لم يطمئن إليه, أو يأخذ منه ,وهذا أمر ضروري .
ولهذا قال عمر لأبي موسى : اعرف الأشباه والأمثال, وقس الأمور عندك فاعمد إلى أحبها إلى الله ,وأقربها للحق فيما ترى ,وسار الأئمة من بعد على ذلك؛ لأن معرفة الأحكام, وكيفية استخراجها يفيد في تكوين الملكة الفقهية له أهمية لا يمكن إغفالها بحال ,حيث يتمكن المطلع على فقه الأئمة من كيفية الاستنباط والاجتهاد على ما ذهبوا إليه, فمثلاً: الإمام الشافعي في كتابه الأم ,يذكر الحكم مع دليله, ثم يبين وجه الاستدلال بالدليل, وقواعد الاجتهاد ,وأصول الاستنباط التي اتبعها في استنباطه, ثم يناظر المخالفين, ويذكر أدلتهم ,ويناقشها ثم يردها بأسلوب مقنع , ويحتكم في مناقشاته إلى قواعد مسلمة في البحث ,وأصول مستقرة في الاجتهاد . وهو بذلك يبين قواعد البحث الفقهي للقارئ ,وكأنه لا يخاطب بذلك المقلد ,وإنما يعلًم ويفقّه كل من اطلع على كتابه من بعد ؛ليكون على بصيرة بكيفية استنباطه للحكم, وانفراده عن الرأي الآخر بما توصل إليه ,وهذا من الأمور التي تميز بها فقه الإمام الشافعي ,حتى سمي فقه الأصول . وهذا مفيد في تعلم طرق الاستدلال والاستنباط, ليعرف كيف توصل للحكم الذي انتهى إليه.
وقد قرر ذلك الأئمة من قبل أن : من آداب طالب العلم الشرعي أن يسترشد بمن تقدمه سواء أكانوا أحياءً أم أمواتاً , ويقف على طرق استنباطهم ,وأدلتهم ويقول لكن بشرط أن : يستعمل فكره فيما يؤثرعنهم ,فإن وجده صحيحاً أخذ به , وإن وجده غير ذلك تركه ,وحينئذ يكون ممن قال الله فيهم : ] فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه [ وهذا يجعل الاسترشاد بفكر المتقدمين ,والنظر فيه أمراً ضرورياً ؛لتكوين ملكة فقهية لديه؛ لأن العلم حلقات متصلة ,والبدء فيه من فراغ غير مستطاع إن لم يكن مستحيلا . وقد سار الأئمة كلهم على هذا المنهج (النظر في فقه السابقين ) للاسترشاد والاستئناس به في تقرير الأحكام , فقد أثر عن الأئمة أن لهم أن يأخذوا بفتاوى الصحابة الفردية , ولهم أن يفتوا بخلافها , وهذا فيما يدرك بالرأي بخلاف ما ليس للرأي فيه مجال فهو في حكم المرفوع إلى النبي e . ويجب الأخذ به عند الجمهور .
ولقد اختلف الأئمة في اعتبار قول الصحابي حجة, وهل يعمل به كمصدر تشريعي أم لا ؟ ثم إذا وصل الأمر إلى من بعدهم من التابعين جعلوا لهم الحق في الاجتهاد, كما اجتهدوا ,وهذا يعني أن: أقوال الأئمة من بعد الصحابة أي: من التابعين ,ومن بعدهم إلى يومنا ليس حجة ملزمة ,ولا يعد ذلك مصدراً تشريعياً, يجب العمل به, فكل شخص يؤخذ من كلامه ويرد إلا النبي e , ولكن يلزم معرفة آرائهم ,وكيف توصلوا إليها ؛ لفهم طريقهم في البحث والاستنباط , ولهذا رأينا كثيراً من الأئمة إن لم يكن كلهم يؤيدون فتواهم ,وآرائهم بأقوال الصحابة ,والتابعين ,ومن بعدهم , وهذا لا يخلو منه مرجع من مراجع الفقه المشهورة : كالأم ,والحاوي , والمغني والبدائع , وغيرها وقد أوجب الإمام الشافعي على المجتهد أن: يعرف رأي من خالفه ,حتى يثبت أنه أدرك الحق فيما ذهب إليه ما دام لم يجد في كلام من خالفه ما يرده .
ونص أبو حنيفة على :أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس ,باعتبار أن تنازع الناس يظهر الحق منها .
وكان الإمام مالك إذا لقي أحداً من تلاميذ أبي حنيفة سأله عما كان يقول أبي حنيفة في المسائل التي تعرض له ,ولعل هذا هو الذي جعل الأئمة من بعد يعنون بجمع أقوال الصحابة والتابعين والأئمة في الأمصار المختلفة , ولهذا أشاد العلماء في كل عصر بما تركه السلف من مادة فقهية , وما ذلك إلا لأهميتها ,وكونها ضرورة من ضرورات تعليم طلاب العلم فيما بعد ,ولقدرتها على النماء والتجدد ,ومساعدتها في مواجهة كل جديد ,وعلاج كل مشكل مهما يكن حجمه ونوعه ,حتى في العصور المتأخرة التي غلب فيها التقليد المذهبي, والجمود الفكري ,وشاع بين الناس خلوها من المجتهدين نجد للعلماء فيها اجتهادات شتى لمشكلات جديدة في عصرهم لم تكن معروفة من قبلهم, قرروا لها أحكامها على وجه يجزم من اطلع عليها بأنها ضرب من الاجتهاد القائم على النظر في النصوص , ووجوه المعاني والمصالح على نحو ما كان يفعل الأئمة المجتهدون من قبل ,وإن اختلفت درجة الاجتهاد , وهذا كثير وعلى سبيل المثال في فقه الحنفية في حاشية ابن عابدين وغيره أحكاماً لقضايا حديثة مثل :أحكام السوكرة أي: ضمان ما يهلك من التجارة , وحكم خلو الحوانيت , وحكم بيع الوفاء ,وغير ذلك كثير .

المطلب الثاني
ضوابط التجديد الفقهي
وفيه فرعان :
الفرع الأول : الضوابط العامة للتجديد الفقهي .
الفرع الثاني : ضوابط خاصة بالمجدد .
الفرع الأول
الضوابط العامة للتجديد الفقهي
لما كان الهدف من تجديد الفقه هو مسايرة التطور الاجتماعي والحضاري, فإن ذلك التجديد ليس على إطلاقه ,ولكن له حدود وضوابط, لا يجوز العدول عنها؛ حتى لا ينقلب إلى ضده ويكون تغييراً, أو تبديلاً, أو تحريفاً, أو إتباعاً للهوى, وكل ذلك منهي عنه, وحتى يكون التجديد مؤدياً الغرض منه يجب أن يكون مضبوطاً بالضوابط الآتية :
1. أن يكون التجديد فيما يجوز فيه الاجتهاد .
2. أن يكون وثيق الصلة بواقع المسلمين,ومن ثم يكيف الواقع على ضوء النص.
3. التطبيق العملي للتجديد .
4. تجديد روح الدين في نفوس الأمة .
كما يلزم فيمن يقوم بمهمة التجديد أمران :
1. معرفة مقاصد الشريعة ,وأراء العلماء من قبل .
2. معرفة أحوال الناس ,وأعرافهم , وتقاليدهم ,ومتابعة ما يطرأ على هذه الأحوال من تغير لابد أن تستجيب له الفتوى .
الضابط الأول من الضوابط العامة للتجديد الفقهي:
أن يكون التجديد فيما يجوز فيه الاجتهاد, وهو ما كان دليله ظنياً من الأحكام
الأحكام الظنية سواء الظني :الثبوت, أو الدلالة, أو هما معاً .فلا مجال للتجديد في الأمور القطعية قطعاً مثل :فرضية الصلاة ,والصيام ,والحج, وتحريم الخمر والخنزير, وأكل الربا ,وأكل مال اليتيم ,ووجوب رجم المحصن الزاني, وجلد الزاني غير المحصن , وقطع يد السارق , وتوزيع التركة بين العصبات :للذكر مثل حظ الأنثيين ,ونحو ذلك من الأحكام القطعية المعلومة من الدين بالضرورة, والتي أجمعت الأمة سلفاً وخلفاً عليها .
وهذا معناه مراعاة الأمور الآتية :
الأمر الأول : لا يجوز التجديد فيما ليس محلاً للاجتهاد .
و الأحكام التي ليست محلاً للاجتهاد أنواع ثلاثة :
النوع الأول : ما علم من الدين بالضرورة :كوجوب الإيمان بالله, وملائكته,واليوم الآخر, والقدر خيره وشره ,ووجوب الصلاة, والصيام والزكاة, وتحريم الربا والسرقة, والقتل ونحوها .
النوع الثاني : الأحكام التي جاء فيها نص قطعي الدلالة والثبوت مثل: كفارة اليمين الثابتة بآية المائدة في قوله تعالى : ] لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته .......... [ فهو نص قطعي الثبوت؛ لأنه قرآن , وقطعي الدلالة في مقدار الكفارة .وهكذا سائر المقدرات المنصوص عليها في القرآن والسنة المتواترة كالحدود والكفارات, ومقادير الزكوات ,وأعداد الصلوات ونحوها ,فلا مجال للاختلاف فيها ,ولا التجديد .
النوع الثالث : الأحكام العملية التي لا تحتمل تأويلاً, والثابتة بالسنة الفعلية للرسول e مثل : شروط الصلوات وأركانها ,ومواقيتها حيث قال e :" صلوا كما رأيتموني أصلي " وقوله e في مناسك الحج :" لتأخذوا مناسككم " , فلا مجال للتجديد في هيئة, ومناسك الحج, والصلاة, وشروط ذلك كله.
الأمر الثاني : محل التجديد ما للرأي فيه مجال وذلك يشمل :
1. ما فيه نص قطعي الثبوت ظني الدلالة مثل: عدة المطلقات من ذوات الإقراء, فإن النص فيها قوله تعالى : ]والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [ فالآية قطعية الثبوت ,لكنها ظنية الدلالة؛ لأن القرء لفظ (ظاهر ) مشترك وضع لمعنيين :إما الطهر ,وإما الحيض , ودلالته على أحدهما ظنية ,فعلى المجتهد بذل وسعه وجهده في الوصول إلى تحديد أي المعنيين المراد من النص .
2. ما فيه نص ظني الثبوت قطعي الدلالة مثل: ما نقل بطريق غير متواتر من المقدرات مثل :قوله e :" في خمس من الإبل صدقة أو شاة " فطريق الاجتهاد والتجديد في سنده الظني الثبوت لا في دلالته لأنها قطعية .
3. ما كان ظني الثبوت ظني الدلالة وهو كثير مثل قول النبي e :" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " فهو ظني لأنه خبر أحاد ,فطريقة الثبوت ليس قطعياً , كما أنه ظني الدلالة ؛لاحتماله أكثر من معنى إذ يحتمل : لا صلاة كاملة إلا بفاتحة الكتاب كما فهم الحنفية ,أو لا صلاة صحيحة إلا بفاتحة الكتاب كما فهم الشافعية .
4. ما لم يرد فيه نص بخصوصية, وهذا محل للتجديد بحثاً عن معرفة حكمها قياساً بنظائرها, وأشباهها مما نص عليه سواء بطريق القياس , أو المصالح, أو الاستحسان ,أو سد الذرائع ,وغيرها من الأدلة العامة المختلف في تحديدها وذلك مثل استخلاف أبي بكر على المسلمين بعد انتقال الرسول e قياساً على إنابته e له في الإمامة في الصلاة, وقالوا : رضيك رسول الله لديننا ,أفلا نرضاك لدنيانا ؟ وكذلك جمع المصحف بعد حروب الردة ,وجمع قراءاته في عهد عثمان-  - وغير ذلك مما لم يرد فيه نص, واجتهد الصحابة فيه إعمالاً لمبدأ المصلحة ,فكل الأمور القطعية لا يجوز فيها التجديد و الاجتهاد, بل ولا تقبله, ولا تختلف باختلاف الناس ولا يغيرها العرف مهما تباعدت العصور .
ومن أمثلة ذلك : ما قام به البعض من محاولة تسوية المرأة بالرجل في الميراث مخالفاً لنص الآية الكريم: ]يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين [ مدعيا بذلك تطوير الأحكام الشرعية بحسب ما يقتضيه تطور المجتمع . فمثل هذا تجديد فاسد ,واجتهاد باطل غير جائز, وتعد لحدود الشرع ,وحكم بغير ما أنزل الله الضابط الثاني : أن يكون التجديد وثيق الصلة بواقع المسلمين وعلى ضوء النصوص التشريعية .بمعنى أنه ينبغي الحذر من الوقوع تحت ضغط الواقع القائم في المجتمعات اليوم , وهو واقع لم يصنعه الإسلام بعقيدته ,وأخلاقه ,وشريعته , ولم يصنعه المسلمون بآرائهم ,وعقولهم ,وأيديهم , وإنما هو واقع صنع لهم, وفرض عليهم في زمن غفلة ,وضعف, وتفرق, وورثه الأبناء عن الآباء, والأحفاد عن الأجداد ,وبقي كما كان , فليس معنى الاجتهاد أن نحاول تبرير هذا الواقع الذي فرضه المستعمرون ,وأعداء الإسلام والمسلمين عليهم , ونفتعل الفتاوى لإضفاء الشرعية على هذا الواقع ,والاعتراف به مع أنه دعي زنيم . فيجب أن نعرف بين ما يحسن اقتباسه, وما يجب مقاومته ,فنرحب بكل جديد نافع كما نحتفظ بكل قديم صالح ,ومن ثم يجوز أن نأخذ من أنظمة الشرق والغرب ما لا يخالف عقيدتنا مما يحقق مصلحة لمجتمعنا على أن يصبغ بصبغة إسلامية حتى يعد جزءاً من نظامنا ويفقد جنسيته الأولى ,وبالتالي يلزم للتجديد المعاصر ,حتى يكون وثيق الصلة بالواقع في ضوء النص مراعياً ما يلي :
أ‌- مراعاة تغير الفتوى بتغير الزمان ,والمكان .
ب-الجمع بين الأصالة والمعاصرة, بالأخذ بالجديد النافع ,والتمسك بالقديم الصالح .
ج- أن نأخذ من أنظمة الغير ما يتفق مع شريعتنا, وتحقيق المصلحة ,ومحاولة تطويره؛ ليعد جزءاً من نظامنا ,ويعبر عن قيم المجتمع المسلم ,وتقاليده ,وهذا كله حتى لا نقع في تطوير النصوص ؛لتتفق مع الواقع, فنكون قد وقعنا في المحظور ,وبدلاً من التجديد سنكون قد انتهجنا طريق التغيير, والتحريف الذي سلكته الأمم السابقة من قبل ,فإن تدبر الواقع الذي صنع بتأثير الغزو الأجنبي المادي ,والأدبي, وإضفاء الشرعية عليه سواء كان واقعاً تحت تأثير الهزيمة النفسية, أمام حضارة الغرب ,وفلسفاته ,أو كان بحجة التيسير على الناس في أمر دينهم ,ودنياهم مع مخالفته لقواعد الشرع, فيه خلط للأمور, وتضييع للمصالح الشرعية, فلا تفريط ,ولا غلو, وإنما يكون التجديد مراعياً فيه الاعتدال, والعلم, والورع وذلك؛ لأن الاعتدال هو العاصم من الغلو والتفريط , والعلم هو العاصم من الجهل ,والخطأ ,والورع هو العاصم من الضلال والهوى , فلا يتعارض التجديد مع القواعد الشرعية المجمع عليها ,حتى يكون جامعاً بين محكمات الشرع, وبين مقتضيات العصر .
الضابط الثالث للتجديد هو التطبيق العملي له :
لأن التجديد ليس غاية في ذاته ,وإنما هو وسيلة لمواكبة الفقه للواقع ,والالتزام به, فإذا لم يجد الاجتهاد مجالاً للتطبيق, فلا جدوى منه إلا إذا ترجم إلى سلوك عملي, وواقع حياة ؛أن الفكر الذي لا يعرف سبيله للحياة ,والتفاعل معها يظل فكراً نظرياً محضاً لا ينفع الناس شيئاً, حتى يتحول من القول إلى الفعل .
فالتطبيق العملي للتجديد هو الذي يثبت صلاحيته للحياة, ويكشف عما به من سلبيات يمكن معالجتها؛ لتصبح أكثر ملائمة للعمل بها, وأكثر تأثيراً في الواقع .
وهذا نفسه هو وجه صلاحية الشريعة الدائمة ,مهما تباينت العصور ,واختلفت البيئات, وكثرت المشكلات ,ولأن الشريعة إنما جاءت من أجل العمل بها ,وليست نصوصاً يتبرك بها ,دون أن يأخذ الناس أنفسهم باليسير على منهجها في شتى مناحي الحياة ؛
ولذا يجب على الأمة أن تلتزم بفكر المصلحين ,وأراء المجددين ما دامت تمثل فكراً وفهماً صحيحاً مبنياً على قواعد الدين ,ودعائمه الأصلية , فإن أعرضت وأثرت على ذلك قيم الغرب ,وقوانينه ,فإنما تكون قد ساعدت على القضاء على فكر مجتهديها, ومجدديها ,وحكمت عليه بالموت ,والجمود فتغير بذلك الهمم, وتصاب حركة الاجتهاد بالضعف والجمود ,فضلاً عن أنها تكون قد أعرضت عن منهج الشريعة الغراء, والواقع الآن خير شاهد على ذلك, فقضايا المعاملات المالية والاقتصادية في كل الدول الإسلامية الآن بعيدة عن فقه المعاملات الإسلامي ؛بسبب هيمنة العالم الغربي على اقتصاد العالم بصفة عامة ,والشعوب العربية والإسلامية بصفة خاصة ,فأصبح البحث فيها يواجه صعوبات تفوق مسيرة التقدم فيه؛ لعدم التطبيق العملي له , بخلاف فقه الأحوال الشخصية ,إذ بسبب الاعتراف به في الفترة الأخيرة في كثير من الدول الإسلامية تطور تطوراً ملحوظاً, ونشطت الاجتهادات فيه بسبب وجود واقع عملي تطبيقي له في الحياة المعاصرة, يظهر إيجابيات ,وسلبيات الاجتهادات المتغيرة , فتجديد الفقه بدون الالتزام بتطبيقه ,وإيجاد تربة صالحة له , دعوة إلى الترف الفكري والدراسة النظرية المجردة التي لا تفيد شيئاً إلا تحبراً على الأوراق في بطون الكتب ,والمجامع الفقهية ,ومعامل الأبحاث دون أن ترى طريقها إلى حيز النور, والتطبيق , فلا مناص من أن يتفاعل التجديد مع حركة المجتمع كي يظهر أثره في تقدم المجتمع ,وقوته والنهوض برسالته الشريفة ,وكما قال الله تعالى : ]إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا [ وأنه كما يجب على المجدد أن يجدد فكره ,وأدواته في البحث, والاستنباط يلزم أيضاً تجديد نفوس الأمة , وتجديد إيمانها,فيظهر أثر المجددين في أخذ أيدي الأمة إلى حياة أفضل, وكما قال رسول الله  : "جددوا إيمانكم قيل : يا رسول الله ,وكيف نجدد إيماننا ؟ قال : أكثروا من قول لا إله إلا الله" فيجب أن يشمل التجديد كل مناحي الحياة, وفقاً لضوابط المنهج الإلهي, ولا تقدم إلا بذلك كما في قوله تعالى : ]ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور [ فلابد من تكوين جيل جديد ينهض بمسؤولية حمل الرسالة الخاتمة, ويعيد للفقه الإسلامي مجده وهيمنته على توجيه الحياة الإنسانية وجهة إسلامية خالصة , ولن يتحقق ذلك إلا بالتحرر من التبعية الثقافية ,والتشريعية للغرب المعادي للمسلمين ,والحاقد عليهم ,والذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ,ويأبى الله إلا أن يتم نوره ,ولو كره الكافرون .
الضابط الرابع : تجديد النفوس بالإيمان و تجديد روح الدين في نفوس الأمة .
إن الإسلام الذي ارتضاه الله لنا ديناً, التزم به السلف الأول وطبقوا تعاليمه كبيرها وصغيرها في كل فترات تاريخهم ,ورغم ما ظهر من فساد ,وانحراف على مستوى الطبقات الحاكمة ,فإن أحداً من الملوك, أو الأمراء لم يجرؤ على إلغاء حكم ,ولو جزئي فالقول بأن الإسلام انتهى بعد عصر الرسول ,وخلفائه ليس صحيحاً .
فقد بقي الإسلام الطابع العام في المجتمع ,واستمر تحكيم شرع الله بكامله في جميع شؤون الحياة ,دون تمييز بين حكم وآخر, حتى جاء الغزو الصليبي ,وانقض على العالم الإسلامي عسكرياً, وثقافياً, فعمل مجموعة من المفسدات أهمها :
1- تقسيم العالم الإسلامي إلى دويلات, اقتسمها المستعمرون فيما بينهم.
2- العمل على تقسيم المسلمين ,واتخذ في ذلك مجموعة من الأسس أهمها :
أ) وضع سياسة تعليمية تشوه الإسلام ,وتملأ عقول المسلمين بالشبهات.
ب) تنحية شريعة الإسلام عن الحياة ,وفرض قوانينه الوضعية .
ج) تغيير عادات المسلمين وتقاليدهم, بتقاليده وسلوكياته الفاسدة القائمة على اللاأخلاقية والإباحية ,وعبادة الجسد .
3- تعيين أو تسليط قيادات صنعها على يده على الشعوب ؛ليقوم بتنفيذ أغراضه, وتحافظ على مصالحه, فحدث بهذا أكبر انحراف في تاريخ الإسلام .انحراف المسلمين عن الإسلام,وبالرغم من أنه قامت حركات إصلاحية للمجتمعات تقاوم الاحتلال , وتحاول إصلاح ما أفسده ,إلا أنها وإن نجحت في إجلاء المستعمر ,إلا أنها لم تتمكن من إعادة هيبة الإسلام في نفوس المسلمين ,مما جعل بعض الكتاب ,والمفكرين يحكم على المجتمع الحالي بالجاهلية, كما فعل سيد قطب وأخوه محمد قطب في كتاب " جاهلية القرن العشرين " وبعضهم حكم بالردة على كثير من أفراده, كما فعل سعيد حوى في كتابه " جند الله ثقافة وأخلاق".
فقد غدا الإسلام غريباً, كما بدأ, فأصبحت الهوة سحيقة بين الإسلام والمسلمين ,حتى بدأ البعض يرتابون في صلاحية الإسلام للتطبيق, فضلاً عن أصحاب السلطة الذين يرفضونه أبداً, مما يجعل الحاجة ماسة إلى تهيئة المسلم ,وإعداده ,وتشكيل شخصيته التي فقدت ذاتها ,وانتماءها ,وهو أمر ليس باليسير ,ولا بالهين يستدعي عملاً إصلاحياً تربوياً أخلاقياً في شتى مجالات الحياة ,وكثيراً ما نادى المصلحون : وبحت أصواتهم لكن الغزو الثقافي ,والفكري ,والهيمنة العدوانية الغربية كانت أسرع خطا منهم ,فأصبح فريق من المسلمين في ظل الحملات الشرسة عليهم ,إلا أنهم قد استحوذت على مشاعرهم ,وانشغلت أوقاتهم عن الواجبات, ومضيعة للمال ومخدراً منوما للشعوب عما يدبر, ويكاد لهم .والذين يهتمون بالقضايا الدينية أغلبهم انشغلوا بالقضايا الفرعية والجزئية ,فعظَّموا الهين ,وهوَّنوا العظيم, فأقاموا الدنيا ,وأقعدوها من أجل البسملة في الصلاة يبدأ بها أم لا ؟ وهل يصلي ركعتين أثناء خطبة الجمعة أم لا؟ وهل يحرك الإصبع في التشهد أم لا ؟ وهل يؤذن للجمعة آذاناً أم أذانين ؟ وحرص البعض الآخر على الشكل دون المضمون فراح يولي اهتماماً بتطويل اللحية, وتقصير الثياب . والأغرب من ذلك هو الحكم بالفسق ,أو الكفر على حالق اللحية ,ومطول الثياب, وعدم صحة الصلاة خلفه ,وغير ذلك مما وسع دائرة النقاش والجدل ,وأقام الحجب أمام المسلمين بعضهم البعض ,والبعض الآخر يتفننون في طريقة لباسهم ,وتصفيف شعورهم .واهتمت وسائل الأعلام في الآونة الأخيرة بإحياء قضايا لا حاجة للناس بها, شَغلاً للرأي العام, وتضييعاً للوقت ,كقضية الختان ,وتولي المرأة القضاء, والمطالبة بخطاب أنثوي , والكتابة بحرية عن الجنس ... وغير ذلك كثير في ظل هذه المعاناة التي يعيشها المسلمون اليوم لابد من إحياء المنهج في تلك النفوس المتصارعة المتضاربة بل إن تجديد المنهج في نفوسهم ليس بأولى من تجديد فهم المجدد فالتجديد أصبح ضرورة على كل المستويات تجديدا عاما شاملا .

الفرع الثاني
ضوابط خاصة بالمجدد
إن الذي يقوم بمهمة التجديد الفقهي يقع علي عاتقه مهمة كبيرة ,وخطيرة ,فليس كل من لبس لبوس العلماء ,وحمل ألقابهم يعد منهم, فضلاً عن أن يصلح للقيام بهذه المهمة, كما لا يصلح لهذه المهمة من باع آخرته بدنياه, وغدا علمه تابعاً لهواه, فانقلب عليه جهلاً وضلالاً , قال تعالى: ] أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله [ وكذلك أدعياء التطور الذين يريدون أن يكون التجديد وفق هواهم, وما تشتهيه أنفسهم ,فيجعلون العقل والهوى سلطاناً على النص, إتباعاً للغرب ,والتقليد الأعمى له ,ومن أدعياء التجديد فئة تفسر النصوص الشرعية ,وفق مفاهيم خاصة ومنطلقات فكرية يمليها عليهم واقعهم, أو عقولهم المخالفة للنصوص الشرعية, لكنها متفقة مع معطيات الحضارة الغربية, وهؤلاء بما صدر عنهم من أفكار يعكسون جهلاً بمقاصد الدين ,وخلطاً في فهم آياته , ويذهبون إلى أن الإسلام مجرد كليات أقرب إلى المواعظ الأخلاقية ,ويقصرون أحكامه على عصر النبيe وصحابته, ويفسرون النصوص الشرعية تفسيراً لا يتفق مع منطق اللغة ,ولا مع ما أجمعت عليه الأمة من مسلمات الدين منذ أربعة عشر قرناً, إن مثل هذا الفكر الحاقد على الثقافة الإسلامية , والذي يحاول توجيهها إلى الانتماء الثقافي الغربي نتيجة افتتانهم بالحضارة الغربية, لا يمكن أن يتحقق من تجديدهم المذعوم ,إلا رمي الفقه الإسلامي بالتخلف والجمود , والفقهاء بالميل إلى الحكام والعصبية المذهبية ونحوها من ادعاءات تبرير التخلص من الضوابط المنهجية الفقهية الأصولية في الكتابات الحديثة ؛
ومن أجل هذا كان لزاما على المجدد أن يراعى أمرين إضافة إلى شروط الاجتهاد المعتبرة وهما :
الأمر الأول : معرفة مقاصد الشريعة في موضوع البحث أو المسألة المراد البحث فيها واستقصاء آراء العلماء فيها ؛لأن الفقه الذي تركه لنا السلف غني بمادته وبنظريات, وقواعد, وآراء تجعل الدارس لها على بصيرة بطرق الفهم, وقواعد الاستنباط الصحيحة, فدراسة الفقه الموروث تمكن من أمور أهمها :
1. معرفة قواعد الاستنباط عن الأئمة .
2. التعرف على كيفية معالجتهم لواقع عصرهم ومشكلاته .
3. كيفية ربط الأئمة الفروع بالقواعد الكلية, المشتملة على أسرار الشريعة وحكمها ومصالحها , فإذا استطاع أن يصل إلى ذلك سوف يكون قادراً على تكييف واقعه ,ومشكلاته بالحكم المناسب له ,على ضوء مسالك الأئمة من قبل .
الأمر الثاني :معرفة أحوال الناس, وأعرافهم ,وتقاليدهم, فكما تختلف الفتوى باختلاف الزمان والمكان, تختلف باختلاف حال السائل ,وقد أشار إلى ذلك الإمام الشاطبي : أن على المجتهد أن ينظر فيما يصلح لكل مكلف في نفسه ,بحسب وقت دون وقت, وحال دون حال....... إلى أن قال : وصاحب هذا التحقيق هو الذي رزق نوراً يعرف به النفوس ,ومراقبها ,وتفاوت إدراكها ,وقوة تحملها للتكاليف ,وصبرها على أعبائها ,أو ضعفها ,ويشهد لهذا السنة العملية للنبي e , فقد كان يُسأل في أوقات مختلفة عن: أفضل الأعمال ؟ فيجيب بأجوبة مختلفة؛ لاختلاف صاحب السؤال ,وضرورة اختلاف أحوال الناس , وهو ما يسمى بفقه الواقع , وهو فقه يرتفع عن العموميات ,وإجراء النص إجراءً واحداً دون التفات لتغير وقائع الحال . وقد راعى النبي e أحوال المخاطبين ,والسائلين , وحال كل شخص ومن ذلك :
1-ما رواه أبو موسى رضي الله عنه قال : قالوا يا رسول الله أي الإسلام أفضل ؟ فقال e : من سلم المسلمون من لسانه ويده " عن أبي الخير أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول إن رجلا سأل رسول الله r أي المسلمين خير ؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده "
2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سئل e أي العمل أفضل ؟ فقال :" إيمان بالله ورسوله " قيل ثم أي؟ قال : الجهاد في سبيله . قيل : ثم أي ؟ قال : حج مبرور .
3- وعن عبد الله بن عمرو أن رجلاً سأل النبي e أي الإسلام خير؟ قال : أن تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف "
قال ابن حجر : قال العلماء : اختلاف الأجوبة في ذلك باختلاف الأحوال , واحتياج المخاطبين.
وعلق النووي على حديث إفشاء السلام قائلا : إنما وقع اختلاف الجواب في خبر المسلمين؛ لاختلاف حال السائل, والحاضرين, فكان في أحد الموضعين الحاجة إلى إفشاء السلام, وإطعام الطعام أكثر وأهم ؛ لما حصل من إهمالها ,وفي الموضع الآخر إلى الكف عن إيذاء المسلمين.
وعلق ابن تيمية مبينا أن هذا التنوع لأفضلية العبادة من شخص لآخر: والأفضل يتنوع بتنوع الناس ,فمن الأعمال ما يكون جنسه أفضل,ثم يكون تارة مرجوحاً, أو منهيّاً عنه ..... وقد يكون شخص يصلح دينه على العمل المفضول دون الأفضل ,فيكون في حقه هو ,ومن الناس من تكون القراءة أنفع له من الصلاة, ومنهم من يكون الذكر أنفع له من القراءة , فالشخص الواحد يكون تارة هذا أفضل له ,وتارة هذا أفضل له , ثم قال : ومعرفة حال كل شخص وبيان الأفضل له لا يكون في كتاب بل لابد من هداية يهدي الله بها عبده إلى ما هو أصلح , وما صدق الله عبداً إلا صنع له , وكما راعت السنة أحوال المخاطبين من شخص لآخر قد تراعى الأحوال العامة للجماعة ,فمثلا عندما يشتد الكفار في عدائهم, وضررهم على بلاد المسلمين يكون الجهاد أفضل من الحج ,وعند اشتداد الأزمات والكوارث تكون الصدقة أفضل , وعندما يظهر قصور في الاحتراف والتصنيع يكون الصناعة ,وإتقان العمل أفضل ,وهكذا , فهذا التغيير في قيمة العمل بناء على الظروف والحاجة الداعية إليه , كذلك أيضاً على المجدد أن يراعي فقه النصوص قال د/ القرضاوي : من حسن الفقه للسنة إدراك ما بني على ظروف زمنية خاصة ؛ليحقق مصلحة معتبرة, أو يدرأ مفسدة معينة ,أو يعالج مشكلة قائمة في ذلك الوقت بعينه ,ومعنى هذا لابد من التفريق بين ما هو خاص , وما هو عام , وما هو جزئي, وما هو كلي ,فلكل منهما حكمه ,والنظر إلى السياق والملابسات, والأسباب تساعد على سداد الفهم .
فمراعاة فقه الواقع, وفقه النصوص ,وفقه أحوال المخاطبين كل ذلك سداد الفهم, وحسن البصيرة التي تعين على الوصول إلى الحكم الصواب؛ولهذا يقرر العلماء جميعا :إن الفتوى البصيرة تضع كل شيء في نصابها الوضع الأصلي ,والوضع الاستثنائي ,وتوازن بين المصالح ,والمفاسد ,وتضع في حسابها المصلحة الشرعية وتأثير الأوضاع والأعراف على بعض الأحكام ,فالذي يحسن فهم الكتاب والسنة ولا يفهم الواقع لا يتمكن من الوصول إلى الصواب في فتواه .
قال ابن القيم : لا يتمكن من الفتوى الحق إلا بنوعين من الفهم :
أولهما : فهم الواقع والفهم فيه ,واستنباط علم حقيقة ما وقع بالأمارات ,والقرائن والعلامات حتى يحيط به علماً .
ثانيهما : فهم الواجب في الواقع ,وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله e في هذا الواقع, ثم يطبق أحدهما على الآخر .
وقرر الدكتور القرضاوي أن: الذي لا يعي الواقع ,ولا يحس بمشاكل الناس ,لا يجوز له أن يفتي, أو يقضي بينهم . وهذا يعني أنه مهما تجدد العرف يجب اعتباره,ومتى سقط لايعتبر, فقد يكون الفقيه ملماً بآراء الفقهاء قدامى ,ومحدثين ,لكنه غير عليم بحقيقة الواقع الذي عليه الناس ,فيقع في الخلط ,والغلط ,لاسيما بعد تعقد الواقع,وظهور أنواع من التصرفات والمعاملات, ربما يحتاج فيها الفقيه إلى الاستعانة بأهل الخبرة في علوم السياسة,أو الاجتماع, أو الاقتصاد ونحوها . وهذا أمر ضروري حتى يكون المجدد ملماً بقضايا العصر وأفكاره, وثقافته ( مجتهدا = مفكرا = مثقفا = مجددا) ,وعندئذ لا يقوم بالتجديد إلا أهله, و المتخصصون به, وهذا مطلب شرعي وعقلي. قال تعالى : ] فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون[ وقوله : ]فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول [ فالمعنى بهذا هو: المجتهد المفكر الذي استوعب علوم العربية ,وعلوم القرآن ,والسنة الشريفة ,وقواعد الفقه, وأصوله, وعلم الخلاف , ولا يسمح لغيره من ذوي الاختصاصات الأخرى أن يفتوا في قضايا الشريعة ,وهذا ليس وصاية على الفكر, أو الدين ,وإنما إعطاء الحرية للفكر الإسلامي المتخصص, كما تترك للطبيب حرية الحركة في علم الطب ولا نسمح للفقيه التدخل في علم الطب, وعلاج الأمراض, وإلا كان الأمر فوضى وحدث ما لا تحمد عقباه .
قال الشاطبي : إنما تحصل درجة الاجتهاد ,لمن اتصف بوصفين :
أحدهما : فهم مقاصد الشريعة على كمالها .
الثاني : التمكن من الاستنباط بناءً على فهمه فيها .
وعلل اشتراط الأول بأن: الشريعة مبنية على اعتبار المصالح,وأن المصالح إنما اعتبرت من حيث وضعها الشارع كذلك ,لا من حيث إدراك المكلف ,إذ المصالح تختلف عن ذلك بالنسب والإضافات .
وأما الثاني فهو: كالخادم للأول ,فإن التمكن من ذلك إنما هو بواسطة معارف محتاج إليها في فهم الشريعة أولاً, ومن هنا كان التمكن من الاستنباط خادماً لفهم مقاصد الشريعة .
وعلل الشيخ عبد الله دراز في هامشه بقوله : لأنه لا يفهم مقاصد الشريعة إلا بواسطة هذه المعارف ,وقد تقدم أنه لابد من الكليات,التي هي ضوابط المصالح ,والمفاسد مضمومة إلى الجزئيات, التي هي الأدلة الخاصة من الكتاب, والسنة ,والإجماع والقياس ,وما يتعلق بها من المباحث ,ولا يستغنى بالكليات عن الجزئيات ,ولا بهذه عن تلك ,فالجزئيات يفهم بها مقاصد الشريعة أولاً, فهي تخدمها من هذه الجهة ,وعند الاستنباط لابد من ضمها معاً , وقد جعل التمكن شرطاً قانوناً للحصول على الاجتهاد, وفهم المقاصد شرطاً أولياً, حتى عبر عنه بالسبب الذي هو أقوى من الشرط .
وعلله بأنه: المقصود , ولا يتمكن المفتي ,ولا الحاكم من الفتوى ,والحكم إلا بنوعين من الفهم : أحدهما : فهم الواقع والفقه فيه ,واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن, والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما .
والنوع الثاني : فهم الواجب في الواقع, وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه, أو على لسان نبيه e في هذا الواقع , ثم يطبق أحدهما على الآخر .ثم قال : فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله كما توصل شاهد يوسف عليه السلام بشق القميص من دبر إلى براءته ,وصدقه .وكما توصل سليمان عليه السلام بقوله: ائتوني بالسكين حتى أشق الولد بينكما " إلى معرفة عين الأم ,وكما توصل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بقوله للمرأة التي حملت كتاب حاطب لما أنكرته : لتخرجن الكتاب أو لأجردنك . إلى استخراج الكتاب منها , وقد أشار إلى عمر رضي الله عنه في كتاب القضاء بقوله : فافهم إذا أدلي إليك , إن الفهم الصحيح نعمة .
قال ابن القيم مبينا معناه: الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد, يميز به بين الصحيح والفاسد , والحق والباطل , والهدى والضلال , والغي والرشد ,ويمده حسن القصد وتحري الحق ,وتقوى الرب في السر والعلانية ,ويقطع مادته اتباع الهوى ,وإيثار الدنيا وطلب محمدة الخلق, وترك الفتوى .
وقد ذكر ابن القيم آداب المفتي والمجتهد ومن أهمها ما يلي:
1- السكينة عند القيام بوظائف العبودية ؛لأن ذلك يورث الخضوع, والخشوع, وغض الطرف ,وجمعية القلب على الله بحيث يؤدي عبوديته بقلبه وبدنه ,والخشوع نتيجة وثمرة لهذه السكينة , وخشوع الجوارح نتيجة لخشوع القلب , والدليل على ذلك قوله e لما رأى الرجل يعبث في لحيته أثناء الصلاة :" لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه "
أي الأسباب المحصلة والمؤدية والجالبة لها استيلاء مراقبة العبد لربه جل جلاله كأنه يراه . وكلما اشتدت هذه المراقبة أوجبت له من الحياء ,والسكينة ,والمحبة والخضوع ,والخشوع ,والخوف,والرجاء ما لا يحصل بدونها, فالمراقبة أساس الأعمال القلبية كلها, وعمودها ,ولقد جمع e أصول أعمال القلب, وفروعها في كلمة واحدة وهو قوله :" الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه "
قال ابن القيم : فتأمل كل مقام من مقامات الدين ,وكل عمل من أعمال القلوب . كيف تجد هذا أصله ومنبعه؟ والمقصود أن العبد محتاج إلى السكينة عند الوساوس المعترضة في أصل الإيمان ؛ليثبت قلبه ,ولا يزيغ , وعند الوساوس والخطرات القادمة في أعمال المخاوف على اختلافها ؛ليثبت قلبه ,ويسكن جأشه ,وعند أسباب الفرح ؛لئلا يطمح به مركبه, فيجاوز الحد الذي لا يعبر ,فينقلب ترحاً وحزناً , وكم ممن أنعم الله عليه بما يفرحه ,فجمع به مركب الفرح ,وتجاوز الحد, فانقلب ترحاً عاجلاً ,ولو أعين بسكينة تعدل فرحه, لأريد به الخير ,وكذلك محتاج للسكينة عند الأسباب المؤلمة على اختلافاتها الظاهرة ,والباطنة . فما أحوجه إلى السكينة حينئذ, وما أنفعها له, وأجداها عليه , والسكينة في هذه المواطن علامة على الظفر, وحصول المحبوب, واندفاعه المكروه, وفقدها علامة على ضد ذلك ,لا يخطئ هذا ولا هذا . ومن تتبع سير العلماء المجددين في الدين وجد لهم همة عالية في التقوى, والورع ,وسيرهم مدونة مشهورة غنية عن التعريف .
فالفقه أثر الفقيه ,ولا يكون فقيهاً بالعلم وحده ,ولكن العلم والعمل جميعاً مع التقي والورع اللازم لذلك كله, مما لا يتحقق إلا للخاصة المخلصين, فمن جمع ذلك كان مجدداً حقا ً.
2- معرفة الناس هذا أصل عظيم يحتاج إليه المفتي ,والحاكم,فإن لم يكن فقيهاً فيه فقيهاً في الأمر والنهي, ثم يطبق أحدهما على الآخر ,وإلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح, فإنه إذ لم يكن فقيهاً في الأمر ,وله معرفة بالناس تصور له الظالم بصورة المظلوم, وعكسه , والمحق بصورة الباطل وعكسه , وراج عليه المكر والخداع والاحتيال , وتصور له الصديق في صورة الزنديق, والكاذب في صورة الصادق ولبس كل مبطل ثوب زور تحتها الإثم ,والكذب, والفجور ,وهو لجهله بالناس وأحوالهم وعوائدهم وعرفياتهم؛ لا يميز هذا من هذا , بل ينبغي أن يكون فقيهاً في معرفة مكر الناس وخداعهم ,واحتيالهم, وعوائدهم ,وأعرافهم؛ فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان, والمكان, والعوائد ,والأحوال, وذلك كله من دين الله .
لكن كيف نصنع المجددين ؟
يجب أن يراعي ما كان عليه السلف من مراعاة أهمية التربية والتنشئة؛ لما لها من أثر في تكوين الشخصية ,فمن المعلوم أنه ليس التجديد لكل أحد , وإنما لمن توافرت فيه شروط الاجتهاد , وكان عنده القدرة على فهم النصوص ,واستخراج المعاني المحققة للمصالح , والتي لا تتعارض مع النصوص الأخرى , ولا يتحقق ذلك إلا إذا كان الناظر في النص عنده مقومات ,وأدوات خاصة يستطيع منها فهم ذلك , والدليل على ذلك قوله تعالى :) فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ( فقد دلت الآية على أمرين :
أولهما : وجوب سؤال أهل الذكر عما لا يعلم .
ثانيهما : يجب أن يكون في الأمة من يوصفون بأهل الذكر,حتى يمكن سؤالهم, ومراجعتهم فيما لا يعلمه العامة ,ومن ثم يجب على الأمة أن تخصص من يقوم بهذا الأمر أن يكون لديها علماء, تتوافر عندهم القدرة على ذلك بأن: تكون لهم تربية ,وعناية ,ورعاية خاصة؛ من أجل العلم ,والفقه والشريعة, لا من أجل غاية أخرى . وإن كان اليوم تتعدد المدارس ,والمعاهد والجامعات في كل الدول الإسلامية, ويتعدد نظام التعليم ,فمنه الحكومي, والأهلي, والعام ,والخاص ,والديني والعلماني لكن يلاحظ أن: الكل يهدف في النهاية إلى الحصول على شهادات وأوسمة عامة, وإن خضعت لمعايير دولية, أو محلية في الحصول على تلك الشهادات, إلا أنها في الغالب ليست قادرة على تخرج من يحمل لقب المجدد, وإلا لو كانت كذلك ,لكانت الجامعات, ومراكز البحوث مليئة بالمجددين ,ولما كانت الحاجة ماسة إلى الكلام عن التجديد من وقت لآخر , كما أن كثير من الذين يتميزون بفكر جديد في مجال الدعوة ,والفكر والفقه غالباً لم يصلوا إلى آخر ما يمكن تحصيله من الشهادات العلمية ,والعالمية, بما يعني أن الأمر يحتاج إلى إعداد خاص ,ومختلف عما عليه عامة الناس . ومما يؤيد ذلك ما يلي :
أولا : أن الناظر في سير الأولين ,والعلماء المجددين, يجد أن لهم حياة خاصة مختلفة عن غيرهم من الناس, ومن غيرهم من العلماء لهم تربية خاصة ,وتعليم خاص, وتوجيه ديني وإيماني خاص ,وهذا يستوجب النظر في الأجيال ,وكيفية إعدادهم ,وتربيتهم, ومدى قدرتهم على النبوغ ,والتفوق, ومراعاة التدريس لكل على حسب طاقته ,وما يمكن أن يجيد فيه .
ثانيا : الاستفادة من سير العلماء السابقين ,وما انفرد به كل منهم في طريقه للنبوغ , والوصول إلى حد العلماء وتوفيره مناخا للنوابغ من الأجيال كي يمكن إعدادهم إعداداً خاصاً, حتى يتمكنوا من الإبداع, فليس التعليم مقصوراً على آراء السابقين والعلوم التي خلفوها , وإنما أن نتعلم من سيرتهم ,وكيفية حياتهم كيف نشئوا؟ وكيف تعلموا ؟وكيف برعوا ؟, كي تتحقق الأسوة والقدوة, فيمكن الإبداع مثل ما أبدعوا ,مادمنا قد تشبهنا وتأسينا في تعليمهم , أما إذا أردت أن تزعم التجديد والإبداع بدون أن تصل إلى مثل ما وصلوا, فهذا يكون استعجالاً لطلب الثمار في غير أوانها ,وفي غير زمان حصادها , وستكون الثمار غير طيبة ؛لعدم نضجها ؛ أو لعدم صحتها في معالجة ما ينتظرها ؛لعدم استوائها على سوقها ,فهي لا تعدو عن أن تكون ضرباً من الشعارات الجوفاء ,التي لا قيمة لها في المجال العلمي والتطبيقي ,وحتى المجال النظري أيضاً., ولهذا اهتم العلماء قديماً وحديثاً بدراسة سير الأعلام من العلماء في كل وقت ومصر؛ لما لها من أهمية في ذلك ,وهذا أصل معمول به في الشرع, لا يمكن إغفاله وهو :التأسي والاقتداء بالأنبياء والمرسلين وخاتمهم r من أهل الاقتداء بهديهم, والتخلق بأخلاقهم ,والسير على نهجهم في طريق الهداية إلى رب العالمين , وكذلك أيضاً الاقتداء بالعلماء في تربيتهم ,لعلمهم واقتفاء آثارهم من أجل الوصول إلى مثل ما وصلوا ,والإبداع مثل ما أبدعوا .قال تعالى :) لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة(
ثالثا : في معرفة سير الأعلام السابقين وآثارهم فضلاً عن اقتفاء آثارهم ,التعرف على أهل الأهواء وأصحاب الدعوات المعادية ,وأهل الإلحاد, والفكر المنحرف من أجل التبصير بهم ,وأفكارهم ,وتحذير الناس من السير على نهجهم, وبيان عاقبتهم , وكيف يمكن تخريج علماء متخصصين في ظل العولمة, وآثارها المتعددة تكون عندهم القدرة على الفهم ,والنبوغ ,والتجديد ,والحفاظ على الثوابت التي لا يمكن المساس بها شرعاً, ويكون لهم فكر جديد بعيداً عن الفكر المنحرف, والمعادي للفقه والدين الحنيف ,فعلى سبيل المثال أبسط ما يمكن تصوره هو: أنه يجب أن يتوافر في ذلك النموذج ما يلي :
1- الحفظ الجيد للقرآن الكريم .
2- حفظ قدر من الحديث الصحيح كعشرة آلاف حديث مثلاً .
3- معرفة العقيدة الصحيحة ,والعقائد الباطلة .
4- الإلمام بسير مجموعة من الصحابة ,التابعين والفقهاء ,وكيفية حياتهم وتحصيلهم للعلوم . فمثلاً : كيف نبغ الأئمة الأربعة ؟وأشهر تلاميذهم ؟وابن خلدون ,وابن رشد , والرازي ,والغزالي ,والسيوطي, وابن عابدين ,والشوكاني وغيرهم من رموز الفكر والثقافة؟ وما نشئوا عليه من العلم ,وكيفية امتثالهم لما وصلوا إليه من علم, وكما في قوله تعالى :) واتقوا الله ويعلمكم الله ( وكما روي عن أنس بن مالك أن النبي  قال :" من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم " , فهذا شيء مهم, يجب توافره في عالم الفقه ,فيكون على قدر كبير من الصدق والإخلاص, وحسن الارتباط بالله تعالى حيث لا يتم الفقه في الدين إلا بذلك , وقد روي أن الإمام مالك كان لا يحدث بحديث النبي r إلا وهو على وضوء, ولا يفتي إلا وهو على طهارة متمكناً . قالوا: وينبغي أن يكون المفتي ظاهر الورع، مشهوراً بالديانة الظاهرة، والصيانة الباهرة.وكان مالك - رحمه الله - يعمل بما لا يلزمه الناس، ويقول: :لا يكون عالماً حتى يعمل في خاصَّةِ نفسه بما لا يلزمه الناس مما لو تركه لم يأثم".وكان يحكي نحوه عن شيخه ربيعة كما جعل من شروط المفتي كونه مكلفاً مسلماً، وثقةً مأموناً متنزِّهاً عن أسباب الفسق وخوارم المروءة، فقيهَ النفس، سليمَ الذهن، رصينَ الفِكر، صحيح التصرف والاستنباط، متيقظاً. وجعل ذلك أمراً عاماً سواءٌ فيه: الحرُّ والعبد ,والرجل والمرأة ,والأعمى،والبصير, والأخرس والناطق إذا كتب أو فُهمت إشارته.
قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح : واتفقوا على أن: الفاسق لا تصح فتواه، ونقل الخطيب فيه إجماع المسلمين، ويجب عليه إذا وقعت له واقعة أن يعمل باجتهاد نفسه,وأما المستور ,وهو الذي ظاهره العدالة ,ولم تختبر عدالته باطناً، ففيه وجهان: أصحهما:جواز فتواه ; لأنَّ العدالة الباطنة يعسر معرفتها على غير القضاة.
والثاني: لا يجوز كالشهادة، والخلاف كالخلاف في صحة النكاح بحضور المستورين.
وقد أثر عن الأئمة ما يفيد ذلك المعني ,قال الربيع وهو يبين بعض ما كان عليه الإمام الشافعي : نمت في منزل الشافعي ليالي، فلم يكن ينام من الليل إلا يسيرًا. وقال بحر بن نصر: ما رأيت ولا سمعت في عصر الشافعي من كان أتقى لله ,ولا أروع, ولا أحسن صوتًا بالقرآن منه.
وقال الحميدي : كان الشافعي يختم في كل يوم ختمة .
وقال الشافعي حاكيا عن نفسه : ما كذبت قط، ولا حلفت بالله صادقًا ولا كاذبًا. وقال: ما تركت غسل الجمعة في برد, ولا سفر ,ولا غيره. وقال: ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعة طرحتها من ساعتي.
وفى رواية: من عشرين سنة. وقال: من لم تعزه التقوى ,فلا عز له.وقال: ما فرغت من الفقر قط. وقال: طلب فضول الدنيا عقوبة عاقب الله بها أهل التوحيد,وقيل للشافعي: ما لك تدمن إمساك العصى, ولست بضعيف؟ فقال: لأذكر أنى مسافر، يعنى في الدنيا. وقال: من شهد الضعف من نفسه نال الاستقامة. وقال: من غلبته شدة الشهوة للدنيا لزمته العبودية لأهلها، ومن رضي بالقنوع زال عنه الخضوع. وقال: خير الدنيا والآخرة في خمس خصال: غنى النفس، وكف الأذى، وكسب الحلال، ولبس التقوى، والثقة بالله عز وجل على كل حال.
وقال: من أحب أن يفتح الله قلبه ,أو ينوره, فعليه بترك الكلام فيما لا يعنيه، واجتناب المعاصي، ويكون له خبئة فيما بينه وبين الله تعالى من عمل.
وفى رواية: فعليه بالخلوة، ,وقلة الأكل، وترك مخالطة السفهاء، وبعض أهل العلم الذين ليس معهم إنصاف, ولا أدب.
وقال: يا ربيع، لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنك إذا تكلمت بالكلمة ملكتك ولم تملكها. وقال ليونس بن عبد الأعلى: لو اجتهدت كل الجهد على أن ترضى الناس كلهم, فلا سبيل، فاخلص عملك ونيتك لله عز وجل.
وفي مناقب الإمام أحمد قال الميموني: ما رأيت مصليًا قط أحسن صلاة من أحمد ابن حنبل، ولا أشد اتباعًا للسنن منه.
وقال إبراهيم بن الحارث من ولد عبادة بن الصامت: قيل لبشر الحافي حين ضرب أحمد بن حنبل في المحنة: لو قمت وتكلمت كما تكلم؟ فقال: لا أقوى عليه، وإن أحمد قام مقام الأنبياء.
وقال الحافظ أبو سعد السمعانى في سيرة أبي إسحاق الشيرازي : كان الشيخ أبو إسحاق إمام الشافعية، والمدرس ببغداد في النظامية، شيخ الدهر، وإمام العصر، رحل إليه الناس من الأقطار، وقصدوه من كل النواحي والأمصار، وكان يجرى مجرى أبى العباس بن سريج. قال: وكان زاهدًا، ورعًا، متواضعًا، ظريفًا، كريمًا، سخيًا، جوادًا، طلق الوجه، دائم البشر، حسن المحاورة، مليح المجاورة، وكان يحكى الحكايات الحسنة، والأشعار المليحة، وكان يحفظ منها كثيرًا، وكان يضرب به المثل فى الفصاحة .وقال أيضًا في موضع آخر: تفرد الإمام أبو إسحاق الشيرازى بالعلم الوافر، كالبحر الزاخر مع السيرة الجميلة، والطريقة المرضية. قال القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري: كان ذا نصيب وافر من مراقبة الله تعالى، والإخلاص، وإرادة إظهار الحق، ونصح الخلق.وقال أبو الوفاء بن عقيل: شاهدت شيخنا أبا إسحاق لا يخرج شيئًا إلى فقير إلا أحضر النية، ولا يتكلم في مسألة إلا قدَّم الاستعاذة بالله تعالى، وأخلص القصد في نصرة الحق، ولا صنَّف شيئًا إلا بعدما صلى ركعات، فلا جرم شاع اسمه واشتهرت تصانيفه شرقًا وغربًا ببركة إخلاصه. قالوا: وكان مستجاب الدعوة , وقد ورد أن الإمام البخاري رحمه الله ما وضع في صحيحه ترجمة إلا وصلى لها ركعتين استخارة , فهذا نوع أدب خاص من آداب العلماء, لاشك أنه لا يتوافر لكل أحد ,وإنما لمن توافر عنده درجات من الصدق ,والإخلاص ,والورع ونحوها مما لا غنى عنه لمن يتصف بصفة الفقيه الذي يبدع ,ويؤلف ويؤثر في غيره ,وينفع الله به الناس ,فإن سر النفع ,والبقاء يكمن في الصدق ,والإخلاص ,والأدب؛ ولهذا فإن الحاجة ماسة إلى الفقيه من قبل طالب العلم الذي يبتغي وجه الله تعالى ,ويصدق في طلبه ويستمر على ذلك ,ويخلص ,ويتأدب ظاهراً, وباطناً لله تعالى, فلا يكون ذلك متوافر مع صاحب بدعة ,ولا فكر ضال, ولا من يطلب العلم للشهرة ,وحب الرياسة ,والمناصب في ظل تعدل الأنظمة السياسية, وشاشات الإعلام ,وظهور كثير ممن يلبسون ثياب التجديد شكلاً, وادعاءً, وهو لا يتورعون عن المحرمات التي يجب على المؤمن اجتنابها سواء فيما بينهم, وبين الله, أو فيما بينهم وبين الناس.
5- الإحاطة بقواعد اللغة .
6- - الإحاطة بقواعد الفقه, والأصول والقراءات, وما ينبغي للمفسر باعتبار أن: ذلك كله ضرورة من ضرورات فهم النصوص الشرعية ,بالإضافة إلى الضوابط التي يجب مراعاتها في الناس, والواقع ونحو ذلك .
رابعا : في تنشئة طلاب العلم ,والعلماء على: نهج الصحابة, والتابعين, والفقهاء إحياءً لمنهج الصحابة ,والسلف الصالح في فهم سنة الرسول الأكرم r حيث قال : " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم " ففي الحديث إشارة إلى أمرين :
الأول : بيان فضل الصحابة, وتابعيهم على من بعدهم من الأئمة .
الثاني : الإشارة إلى ما يجب اتباعه ,والاقتداء بهم من أعلام الأمة ,فهؤلاء خير القرون الذين يجب الاقتداء بهم في كل وقت وعصر ؛ولهذا قال ابن مسعود t : من كان متأسياً فليتأسى بأصحاب محمد r ,فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً, وأقلها تكلفاً, وأقومها هدياً, وأحسنها حالاً . قوم اختارهم الله لصحبة نبيه r ,وإقامة دينه فاعرفوا فضلهم ,واتبعوهم في أفكارهم, فإنهم كانوا على الهدي المستقيم ؛ ولهذا أيضا قال الشاطبي : يجب على كل ناظر في الدليل الشرعي مراعاة ما فهم منه الأولون ,وما كانوا عليه في العمل به,فهو أحرى بالصواب ,وأقوم في العلم والعمل .
وقد أشار ابن خلدون إلى ذلك المعنى فبين أن المتعلم يرجع إلى من سبقه بعلم, أو زاد عليه بمعرفة,أو إدراك, أو يأخذه ممن تقدمه من الأنبياء الذين سبقوه, فيلقن ذلك عنهم, ويحرص على أخذه, وتعلمه ثم إن فكره ونظره يتوجه إلى واحد ,واحد من الحقائق ,وينظر إلى ما يعرض له لذاته واحداً بعد آخر , ويتمرن على ذلك حتى يصير إلحاق العوارض بتلك الحقيقة ملكة له , فيكون حينئذ علمه بما يعرض لتلك الحقيقة علماً مخصوصاً . وتتشوق نفوس أهل الجيل الناشئ إلى تحصيل ذلك, فيفزعون إلى أهل معرفته, ويجيء التعليم من هذا . وقد ذكر في موضع آخر أن: تعليم القرآن شعار من شعائر الدين أخذ به أهل الملة درجوا عليه في جميع أمصارهم؛ لما يسبق فيع إلى القلوب من رسوخ الإيمان, وعقائده من آيات القرآن وبعض متون الحديث ,وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعده من الملكات ,وتحفيظ في الصغر ؛لأن تعليم الصغر أشد رسوخاً ,وهو أصل لما بعده؛ لأن السابق للقلوب كالأساس للملكات, وعلى حسب الأساس ,وأساليبه يكون حال ما يبنى عليه, فيجب أن يراعي ذلك في تنشئة الأجيال, وتربية الأبناء وتعليم الطلاب حتى يتحقق منهم الفائدة المرجوة ,والتي فيها صلاحهم دنيا ودين, وصلاح الأمة في حاضرها ومستقبلها .
رابعا : الربط بين العلم والعمل ؛لأن ثمرة العلم العمل, وأثر العمل بما علم ,علم مالم يعلم,ومن ثم يجب التأكيد علي ضرورة الربط بين العلم والعمل؛ لأن من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم ؛وهذا ضابط مهم ؛لأن الفقه ليس طريقه مجرد النظر, وإنما حسن الفهم, وهو توفيق من الله ,وفضل, وذلك لا يكون إلا بالعمل والصدق والإخلاص لله تعالي ,وقد نبه كثير من السلف إلي ذلك, وعللوا ذلك بأن: من سمع بأذنه حكى , ومن سمع بقلبه وعظ , ومن عمل بما علم هدى واهتدى.
فقد روي عبد الواحد بن زيد قال: كان يقال من عمل بما علم فتح الله له ما لا يعلم.
وأصل ذلك الكتاب والسنة وبيانهما فيما يلي :
فمن الكتاب المجيد : قوله تعالى:] والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا [
فكل حكمة تظهر من القلب بالمواظبة على العبادة من غير تعلم ,فهو بطريق الكشف والإلهام ,وفي القرآن شواهد هذا متعددة في مثل: قوله:] ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما [ وعلل ابن تيمية في الفتاوى بالآية ,وفرع عليها فقال :ولهذا أيضا يجزى الرجل في الدنيا على ما فعله من خير الهدى بما يفتح عليه من هدى آخر؛ ولهذا قيل : من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم , وقد قال تعالى : { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا } إلى قوله : { مستقيما } وقال : { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام } وقال : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم } وقال : { إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا } فسروه بالنصر والنجاة كقوله : { يوم الفرقان } وقد قيل نور يفرق به بين الحق والباطل ومثله قوله : { ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب } وعد المتقين بالمخارج من الضيق, وبرزق المنافع.
ومن للسنة النبوية مايلي:
1- ما روي عن أنس أن النبي r قال :" من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم.
2-وقد قال النبي r : "من أراد عزاً بلا عشيرة, وغنى بلا مال, وعلماً بلا تعلم, فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله ,فإنه واجد ذلك كله"
3-وما روي أنهr قال : " إذا زهد العبد في الدنيا وكل الله سبحانه بقلبه ملكاً يغرس فيه آثار الحكمة ,كما يغرس أكار أحدكم الفسيل في بستانه"
وجه الدلالة: وحقيقة الأمر أنه لا بد من الأمرين ,فلا بد من العلم, والقصد, ولا بد من العلم والعمل به, ومن علم بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم.
فالعلم والاعتقاد يدعو إلى العمل بموجبه ,والإرادة رغبة, ورهبة ,والعمل بموجبها يؤيد النظر ,والعلم الموافق لتلك الإرادة ,والعمل كما قال: من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم.
وقد وردت آثار عن الصحابة والسلف تؤيد ذلك منها مايلي:
1- ما روي عن علي قال : يا حملة العلم اعملوا به, فإنما العالم من عمل بما علم, ووافق علمه عمله , وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم,خالف عملهم علمهم , وتخالف سريرتهم علانيتهم ,يجلسون حلقاً, فيباهي بعضهم بعضاً حتى أن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره, ويدعه. أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله.
2- وقد كان عمر بن الخطاب t يقول - ويكتب بذلك إلى عماله : ( احفظوا عن المطيعين لله ما يقولون فإنه يتجلى لهم أمور صادقة )
3- كان عمر بن عبد العزيز يقول : ( جهلنا بما علمنا تركنا العمل بما علمنا, ولو عملنا بما علمنا لفتح الله على قلوبنا غلق ما لا تهتدي إليه آمالنا"
وهذا يعني أنه:كلما استعمل العبد عقله, وعمل بعلمه ,وأخلص في عمله, وصفا ضميره ,وجال بفهمه في بصيرة العقل ,وذكاء النفس ,وفطنة الروح, وذهن القلب, وقوى يقينه, ونفى شكه, وضبط حواسه بالآداب النبوية ,وقام على خواطره بالمراقبة, وتحرى ترك الكذب في الأقوال والأفعال ,وصار الصدق وطنه ,وذهب عنه الرياء والعجب, وأظهر الفقر والفاقه إلى معبوده ,وتبرأ من حوله وقوته ,ولزم الخدمة ,وقام بحرمة الأدب ,وحفظ الحدود ,والاتباع ,وهرب من الابتداع ,زيد في معرفته ,وقويت بصيرته, وكوشف بما غاب عن الأعيان ,وصار من أهل الزيادة بحقيقة مادة الشكر الموجبة للمزيد. قال ابن تيمية: فلا ريب أن الله يفتح على قلوب أوليائه المتقين ,وعباده الصالحين؛ بسبب طهارة قلوبهم مما يكرهه, واتباعهم ما يحبه, ما لا يفتح به على غيرهم ,وهذا كما قال علي: إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه ,وفى الأثر: من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم . وقد دل القرآن على ذلك في غير موضع, كقوله :] ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما [ فقد أخبر سبحانه أنه من فعل ما يؤمر به يهديه الله صراطاً مستقيماً, ويزيده هدي ورشاد, ويجعل له من أمره يسرا ,ومن ذلك الآيات الآتية: قال تعالى:]يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام [ وقوله تعالى :]والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم[ وقوله:] إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى[ يعني زادهم إيماناً, وبصيرة, أو يسرهم للعمل الصالح من الانقطاع إلى الله تعالى ,ومباعدة الناس ,والزهد في الدنيا وهذه زيادة على الإيمان ومعلوم أن الزهد له أثره في تلقي الحكمة, فهدايات الله تعالي كثيرة وفضله واسع ولا يعطيه إلا من اتبع هداه .

المطلب الثالث
من صور التجديد الفقهي المعاصر
لقد تعددت الفتاوى المعاصرة ,والتي يمكن من خلالها رصد مجموعة من صور التجديد الفقهي المعاصر في مسائل ,وقضايا كثيرة, وذلك لضرورة أن التطور الحضاري الهائل في عصرنا قد حفل بأشكال , وأعمال كثيرة وقضايا ,ومسائل لم تكن موجودة من قبل ,أو كانت موجودة بشكل وبمضمون آخر مما يجعل الحكم فيها حتما مختلف عما كان قبلا, وكما هو معلوم أن الفتوى تتغير بتغير الزمان ,والمكان والأشخاص ؛لأن مبناها بالمصالح ,فإذا وجدت المصلحة ,فثم الشرع ,أو كلما كان الشرع كانت المصالح ,فيأخذها يعرف الآخر لكن أمام كثرة المسائل والقضايا, وتعدد وجهات النظر فيها ,نلاحظ تنوع واختلاف آراء المجتهدين ,أو المفتين وترتب على ذلك أن يكون هناك نوعان من صور التجديد الفقهي المعاصر وهما :
النوع الأول : تجديد فقهي مستوف الضوابط ,والقواعد الفقهية .
النوع الثاني : تجديد فقهي غير مستوف ضوابطه, وغير مطابق لقواعده ,والسبب في وجود هذا الاختلاف, أو التناقض بين النوعين من أنواع التجديد الفقهي يرجع إلى ما يلي :
1. حرص البعض على وجود آراء فقهية توافق الواقع ,حتى ولو كانت غير موافقة للقواعد الشرعية والفقهية ,فيقومون بإضفاء الشرعية على الواقع من أجل مسايرة التقدم الحضاري زعماً منهم أن :ذلك هو الصواب ؛لأن القواعد الفقهية غير مستندة للشرع ,والاعتماد عليها, أو الرجوع إليها اليوم يعد رجوعاً بالزمن إلى الوراء؛ لأنها لم تعد صالحة للزمن المعاصر .
2. إدعاء الاجتهاد مع الجهل بأحكام الشريعة ,وقواعد الفتوى ,وكيفية استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية ,فيكون رأيه موافقاً للهوى ومصادماً للنص ,ومخالفاً له؛ لعدم معرفته به, أو عدم فهمه له.
3. عدم مراعاة الضوابط العامة, أو الخاصة للتجديد, فمثلاً :عدم فهم الواقع يؤدي إلى رفض الجديد , وعدم القدرة على الربط بين القديم والحديث يؤدي إلى تضارب الفتاوى, وعدم فهم آراء الأئمة ,أو الإحاطة بها, ومقاصدها يؤدي إلى رفض فتاويهم , ورمي الفقه الموروث بالتخلف والجمود ,ولا ذنب فيه إلا عدم القدرة على فهمه؛ وبسبب هذا قد تكون بعض الفتاوى بعيدة عن جوهر الدين ,وبعضها يوصف بالتشدد والغلو , والبعض الآخر يوصف بالتسيب والانحلال , والكل يزعم التجديد, بل ويزعم أن رأيه هو الصواب ,ومخالفه باطل ,ولا يمكن اعتبار أحدهما مجدداً؛ لأن التجديد هو: رؤية الواقع في ضوء النص, وإعمال القواعد الأصولية والفقهية في تكييف الواقع ,وبيان الحكم الشرعي ,أو الفقهي المناسب له, فهو مبني على جودة في فهم النصوص واستنباط الحكم منها ,وجودة في تنزيل حكمها على الواقع, بعد فهمه فهماً سليماً, وفقاً للقواعد الفقهية والأصولية, وكما قال السيوطي : المفتي طبيب الأديان كما أن الطبيب طبيب الأبدان .
وعلى هذا فالتجديد لا يعني التخلص من القديم وإنما يعني :
1. الاحتفاظ بالقديم ,وفهمه ,والاستفادة منه .
2. التوفيق بين فقه الواقع ,وفهم النصوص على ضوء القواعد المقررة التي سار عليها الأئمة في فتاويهم من قبل ,وهذا النوع من التجديد هو المأمول؛ لأنه المطابق للقواعد, والذي ينتفع به الناس ,ويحقق مصالحهم ,ويحافظ على حقوقهم في الدنيا والآخرة, وسوف أبين فيما يلي صور, ونماذج لهذين النوعين من التجديد المعاصر ,وبيان الفرق بينها وذلك في الفرعين التاليين :
الفرع الأول : من صور التجديد غير المستوفى لضوابطه .
الفرع الثاني :من صور التجديد المستوفى لضوابطه.

الفرع الأول
من صور التجديد غير المستوفى لضوابطه .
في ظل الدعوات الكثيرة ,والمتكررة لتجديد الفقه ظهرت مجموعة من الفتاوى والاجتهادات التي تزعم التجديد,زعم أهلها أنهم قادرون عليها, واعتقدوا أنهم المجددون ,والأوصياء على الدين والمجتمع ,وأفتوا بالرأي ,أو الهوى, أو العصبية بالرغم من أنهم ليسوا من أهل الاجتهاد ,وغاب عنهم أن الاجتهاد إذا صدر من غير أهله ,أو لم يبذل الفقيه فيه وسعه, وجهده ,وصولا للحكم الشرعي يكون اجتهاداً باطلاً , وليس خطأ . فالمخطئ من المجتهدين مأجور ؛لأنه اجتهد, وبذل الوسع في سبيل الوصول للحكم, وغلب على ظنه أنه صواب ,لكنه لم يصل إليه, فهو معذور في خطئه, بخلاف الذي يزعم الاجتهاد ,وهو من غير أهله, أو لم يبذل قصارى جهده في الاستنباط ,فإنه مقصر ومعتد, فاجتهاده باطل ومأزور لا مأجور؛ لجهله ,ولا يعذر في الجهل آنذاك؛ لأنه تعمَّد فعل شيء ليس من حقه, وهو من غير أهله ,فقد تعمد الكذب على الله ورسوله ,وصور ذلك كثيرة من بعض العلماء الغير متخصصين في الفقه خاصة ,وفي علوم الشريعة عامة ,وأصدروا فتاوى في مسائل خطيرة ,لو عرضت على عمر بن الخطاب  وسائر أهل الفتوى من الصحابة, لجمعوا لها أهل الحل,والعقد ومن ذلك ما يلي
1. قصر تحريم الربا على المضاعف دون غيره .
أفتى بعض العلماء كالشيخ عبد العزيز جاويش - رحمه الله -بجواز الفائدة القليلة , واقتصار الحكم بالتحريم على الفائدة المركبة, أو المضاعفة , وقد حكم القضاء بذلك حيث: أباحت الدولة العثمانية للقضاة أن يحكموا بالفائدة على ألا تبلغ مثل الدين الأصلي , أي لا تبلغ ضعف القرض ؛ لأن الضعف يعتبر حراماً ,أما أقل من الضعف ,فإنه يكون مباحاً . وكان مستندهم في تلك الفتوى قوله تعالى : ] يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة[ ويرد على هؤلاء بما يلي :
أولا : ليست هذه الآية هي التي تبين حكم الربا في القرآن؛ لأنها تمثل مرحلة من مراحل التدرج في تحريم الربا ,وليست المرحلة الأخيرة,فهي منسوخة يعني: أبطل حكمها بالآيات التي تناولت المرحلة الأخيرة من مراحل التدرج في تحريم الربا, كما هو مجمع عليه عند الفقهاء والأصوليين .
ثانيا : أن تحريم الربا قليله ,وكثيره ثابت بقوله تعالى : ] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين [ ولا خلاف أنها من أواخر آيات القرآن الكريم نزولاً, فهي ناسخة لما قبلها من آيات تناولت حكم الربا قبلها عملاً بالقاعدة أن: المتأخر ينسخ المتقدم ,وأن الحكم يتعلق بها بالإجماع .
ثالثا : لو كان للمفتي أدنى صلة بالفقه, أو اطلاع على فقه الربا, لعلم أن : الربا أنواع : ربا نسيئة , وربا فضل , وكلاهما محرم بصرف النظر عن كون الزيادة قليلة ,أو كثيرة ,بل إن ربا النسيئة يحرم لمجرد وجود الأجل ,حتى ولو لم يكن هناك زيادة عملاً بقول النبي e :" الذهب بالذهب والفضة بالفضة والتمر بالتمر والبر بالبر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد من زاد أو استزاد فقد أربى " وقد تناول كثير من العلماء المنصفين الرد على هذه الفتوى في أوقات متعددة, لكن المؤسف والعجيب أن تعالج الموضوعات بهذا الشكل ,وبهذا الأسلوب الذي يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه .
2-الفتوى بإباحة فوائد ,وأرباح شهادات استثمار البنك الأهلي المصري بأنواعها الثلاثة ,باعتبار أنها معاملة حديثة لا ينطبق عليها أحكام عقود المضاربة, أو الوديعة ,أو القرض ,أو أنها من قبيل المسكوت عنه ,المدلول عليه بقوله e :" إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان ,فلا تسألوا عنها " والغريب أن شهادات الاستثمار اختلف فيها اختلافاً كبيراً : بعض العلماء خرجها على أساس المضاربة الفاسدة , وبعضهم خرجها على أساس الوديعة المأذون في استثمارها ,وغير ذلك , وكل رأي يحاول تبرير وجهته بأدلة قانونية ,أو فقهية ربما نقول أنها من قبيل الاجتهاد المخطئ وذلك لصدورها من علماء يشتغلون بالفقه والفتوى ,لكن هذه الفتوى تصدر ممن لا صلة له بالفقه ,ولا الفتوى مما يعني أنها مبنية على الرأي المجرد عن الأدلة ,أو حكم بالهوى, والشهوة في محاولة لإضفاء الشرعية على الواقع المعاصر ,ولو أدى إلى مخالفة النص ,والخروج عليه .
وقد رد كثير من الفقهاء على ذلك بأنا: لو سلمنا أن شكل شهادات الاستثمار يختلف عن أشكال العقود : المضاربة, والوديعة, والقرض ,وإذا كان يتمسك البعض بأن :علة الربا لا يتحقق منها ولا تعتبر من قبيل قرض جر منفعة بالرغم من تحقق ذلك كله فيها , فلو سلمنا ذلك لما خرجت عن أن تكون ضرباً من ضروب القمار,والرهان,والميسر فهذه الشهادات ,وخاصة المجموعة (ج) التي يكون العائد فيها توزيع جوائز قد تخطئ, وقد تصيب ,هي المقامرة والمراهنة طبيعة واحدة, وذلك كله من العقود الفاسدة المنهي عنها شرعاً, باعتبارها من الميسر المنهي عنه في قوله تعالى : ]إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس .... [ ويأخذ حكم الميسر جميع أنواع القمار, وكل ما فيه خطر ,ويتوقف الكسب والخسارة فيه على معنى المقامرة ,والمراهنة ,والمقامرة ,والخالية عن عمل, أو سبب مشروع لاستحقاق العائد, أو الجائزة على أن هناك من المقامرة ما يدخل تحت معنى الجعالة المشروعة مثل :السباق النافع, فمن سبق أخذ كذا, ومن لم يسبق لم يأخذ شيئاً , ففيه تحريض على عمل مفيد ,ونافع بشرط أن يكون العمل نافعاً, ومفيداً, وأن تكون المكافأة من شخص ثالث, أما لو كان التحريض على غير عمل, أو على عمل غير مفيد, فإنه لغو وعبث .
وأما المجموعة (أ) ,(ب) فهي مقابل فائدة مثلها مثل سائر الودائع البنكية ,فلا يختلف حكمها عن حكمها . وكل من له صلة بالفقه, أو كان ذا نظر وبصيرة بالفوائد ,وآثارها السيئة, وقف أمام هذه التبريرات الخاطئة,وبين أن وراءها الشر والفساد على مختلف الأصعدة اقتصادياً, وسياسياً, واجتماعياً .
وقد أصدرت دار الإفتاء المصرية فتاوى عدة في تحريم عائد شهادات الاستثمار بأنواعها, وأنها من قبيل القرض بفائدة ,وكذلك فوائد دفاتر التوفير ,والإيداع بفائدة, ومن ذلك فتوى الشيخ جاد الحق في صفر سنة 1400ﮬ عن عائد شهادات الاستثمار المجموعة (ج) وجوائز التوفير ,ومنها جعل الجوائز مباحة باعتبارها من قبيل الوعد بجائزة الذي أباحه الفقهاء ,أما الشهادات ذات الفوائد المحددة سلفاً, فإنها ربا محرم شرعاً ,وفي الفتوى رقم 1256 أكد نفس الفتوى السابقة .وكما قال د/ القرضاوي : ولا ريب أن البشر لو تركوا لتقدير مصالحهم وحدهم دون اهتداء بالوحي ,يضلوا الطريق ,ويضخموا بعض المصالح على حساب أخرى ,وإن كانت أعظم منها ,وأبقى, أو يقدروا بعض المصالح غافلين عما تعقبه من مفاسد تفوقها بل كثيرا ما اعتبروا بعض المفاسد الكثيرة مصالح؛ لأن فيها تحقيق شهوة عارضة لهم, أو إشباع لذة عاجلة في حياتهم .
2- التسوية بين الذكر والأنثى في الميراث
بالرغم من أن الميراث منصوص على أكثر أحكامه في القرآن الكريم والسنة ,ففي القرآن الكريم بين الله تعالى أن :الميراث يقسم بين الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين, كما بين أن ذلك لا يتنافى مع قضية المساواة بين الرجل والمرأة ,حيث قال : ] ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض [ وهل في زيادة النصيب تفضيل أم مراعاة للأعباء, والحقوق التي تتعلق بصاحب ذلك النصيب ,وحتى إذا لم يكن ذلك هو الحكمة من التوزيع, فإن النص على التوزيع يقتضي عدم الاجتهاد معه ,وإلا كان اجتهاداً باطلاً , وقد قعد الفقهاء قاعدة مقالها : أن لا اجتهاد. وأن الاجتهاد مع النص يكون اجتهاداً باطلاً . ومع ذلك ظن بعض المسلمين في العراق وتونس وغيرهما من الذين يزعمون التنوير ,والتقدم إلى وجوب مساواة المرأة للرجل في الميراث ,ولا دليل لهم إلا مخالفة الله تعالى ورسوله بزعم التطور والتجديد, وحقوق المرأة , وإرضاء القرب , وربما ظن هؤلاء أن التفاوت في ميراث الابن والبنت مبناه قوامة الرجل على المرأة ,وأنها قد زالت بخروج المرأة للعمل, واتفاقها على نفسها ,أو أحيانا على أسرتها ,وزجها ,وهذا اعتقاد باطل ,وزعم خاطئ ؛لأنه من الخطأ أن تحاول تطوير ما لا يقبل التطوير ,والاجتهاد من المواطن التي لا محل فيها للاجتهاد, ومن المعلوم أن الأحكام القطعية لا تقبل الاجتهاد ,لأنها ثابتة نصا ,وإلا فيكون ذلك من إتباع الهوى , ,إتباع الهوى بعيد عن سبيل الله ,ويؤدي إلى الفساد في الأرض, كما قال تعالى : ]ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن [ فمثل هذا الاجتهاد لا يعد اجتهاداً تجديدياً, وإنما هو تحريف ,وتغيير لحكم شرعي ثبت بطريق قطعي , وبدلالة قطعية لا تقبل التأويل ,ولا الاجتهاد ,فهو اجتهاد فاسد لأمرين وهما :
الأمر الأول : أنه صدر من غير أهله قطعا لأن المجتهد يعلم ما يجوز له وما لا يجوز فإذا اجتهد في غير ما يجوز له تبين أنه غير أهل للاجتهاد .
الأمر الثاني : أنه اجتهاد في غير محله ؛لأن القطعي ليس محلاً للاجتهاد, فهو اجتهاد غير مشروع, والمجتهد فيه ليس مخطئاً, وإنما متجاوزاً متعدياً, فهو مأزور غير مأجور؛ لتعمده مجاوزة الحد ,ومخالفة الشرع .

الفرع الثاني
من صور التجديد الفقهي الصحيح
لا يمكن حصر التجديدات الفقهية المعاصرة, والتي توافرت فيها ضوابط التجديد الفقهي على تعدد أنواعها ,فالقضايا التي تعرض كثيرة ومتعددة ,ومؤسسات الفتوى كثيرة كدار الإفتاء المصرية والسعودية ,والمجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي ,والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ,ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف ,وغير ذلك من العلماء المعنيين بالفقه وتجديده , أعلام العصر أمثال الشيخ الشعراوي, والشيخ جاد الحق, والغزالي ,و القرضاوي, و الزحيلي ,والمرزوقي والتركي ,وابن باز ,وابن عثيمين, وآل شيخ ,وغيرهم أعضاء المجمع الفقهي بمكة المكرمة ,والذين انتشر علمهم, وتغطي فتاويهم أكثر القضايا المعاصرة على العالم اليوم, وسوف أتناول بعض الفتاوى التجديدية التي يظهر منها توافر ضوابط التجديد الفقهي , ومن ثم تحقيق المصالح ,ودرء المفاسد مع عدم مخالفة النصوص الشرعية, والقواعد الأصولية والفقهية ,ومسايرة التطور الحضاري, وتعد أيضا بمثابة برهان على مرونة الفقه الإسلامي ,وتطوره ,ومسايرته لكل زمان, ومكان وفيما يلي أهم تلك الصور التجديدية الفقهية :
1- وجوب توثيق عقد الزواج
بالرغم من أن الزواج كان ينعقد على عهد النبي e بحضور الولي ,والشهود والزوج ,ولم يوجد ما يسمى بالتوثيق, فقد رأت الآن كل قوانين الأحوال الشخصية الإلزام بتسجيل عقود الزواج ,وإن تفاوتت فيما بينها في الطريقة ,والأثر المترتب على ذلك ,وبالرغم من بعض الفتاوى التي تجيز عقد الزواج بدون التوثيق المعهود الآن إلا أن في القول بتوثيق عقد الزواج مراعاة للواقع المعاصر, وهو من أحسن السياسة الشرعية التي ألزم بها ولاة الأمور الرعية؛ لما في ذلك من مراعاة المصالح ,والحفاظ على الحقوق, ودرء المفاسد التي لا حصر لها عند عدم التوثيق ووجه القول بمشروعية التوثيق ولزومه ما يلي :
أ‌- اختلاف الحال اليوم عما كان في عهد الرسول e ,فلا جدال أن أحوال الناس تغيرت ,فقد كانوا في عهده e أبر الناس وأقواهم إيماناً, وحزماً , أما اليوم فقد ضعف الوازع الديني , وخربت كثير من الذمم, مما يخشى معه ضياع الحقوق وإنكارها .
ب‌- أن التوثيق من المبادئ المعمول بها ,والمدلول عليها شرعاً في حالات كثيرة سواء بالإشهاد, أو الكتابة أو هما معاً, بل إن التوثيق يعد من مقاصد الإشهاد والإعلان المطلوبين في الزوجين بطريق الوجوب ,وقد وثق النبي e كثير من معاملاته ومراسلاته, وأمر بالكتابة في الصلح مع المشركين , وهذا يعني أهمية التوثيق في كل وقت .
ت‌- إذا كان توثيق الزواج بالشهادة ثابتاً, بحديث النبي e :" لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل " فإن ذلك لا يمنع التوثيق بالكتابة ,والشهادة مقابل يكون واجب بطريق الأولى , وإذا كانت العادية غير الرسمية واجبة ,فتكون الكتابة الرسمية وهي :المساه بالكتابة المسجلة ( التوثيق) واجبة بطريق الأحرى؛ لأنها أقوم , وأضمن ؛لحفظ العقد وحقوقه من الكتابة العادية,حيث يمكن أن تتطرق الشبهة والخطأ والتزوير في الكتابة الغير موثقة , فقد يدعى كل أحد الزواج بورقة عرفية (غير موثقة) على رجل أو امرأة بقصد النيل منه ,ومن سمعته ,وشرفه لسهولة إثباتها ,أو ادعائها ,ولا يمكن ذلك مع الكتابة الموثقة رسمياً؛ ولهذا فإن القول بوجوب توثيق عقد الزواج من أحسن الفتاوى التي تقوم على فهم الواقع,والربط بين النصوص التشريعية ,والقواعد الفقهية ,وأحوال الناس المختلفة ,و من أحسن الفقه لحفظ الحقوق والآثار المترتبة على عقد الزواج, فضلاً عن أنها الوسيلة الوحيدة التي تؤدي إلى منع انتشار الزواج العرفي, أو السري الذي انتشر في كثير من الدول ,والمدخل الوحيد للقول بتحريم ذلك النوع من الزواج وتحريمه . لاسيما وأن قوانين الأحوال الشخصية في أكثر الدول الإسلامية الآن, لا تستمع لدعوى الزوجية إلا إذا كان العقد موثقاً رسمياً . وقد كان كذلك في مصر حتى صدر القانون 100لعام 2000م وعدل القانون بسماع دعوى التطليق إذا كان الزواج مدوناً في ورقة عرفية مع الزوجة ,لكن يبقى إمكانية التزوير,والتشهير ونحوها قائمة .
2- جواز إخراج صدقة الفطر بالقيمة
بالرغم من أن فقهاء المالكية ,والشافعية, والحنابلة يرون أن الأصل في صدقة الفطر أنها : لا يجوز إخراجها إلا من الأصناف المنصوص عليها في الحديث الذي رواه أبو سعيد : كنا نخرج صدقة الفطر صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من أقط , أو صاعاً من زبيب " , ونص المالكية على أنه :يجب إخراجها من غالب قوت البلد ,وقال الحنفية المراعى فيها القدر والقيمة احتياطاً؛ لأن نصف صاع من دقيق يساوي نصف صاع من بر, أو يزيد . وقد راعى المفتون بدار الإفتاء المصرية في الآونة الأخيرة في دار الإفتاء المصرية الأخذ برأي الحنفية باعتبار أنه: الذي يتفق مع تحقيق مصلحة الفقراء اليوم ,ولأن من مقاصد صدقة الفطر إغناؤهم في ذلك اليوم عن ذل السؤال , والإغناء يتحقق بالنقود ( القيمة) أكثر من الحبوب ,فيكون دفعها بالقيمة أنفع للفقراء ,فيتوجه الفتوى بها لمصلحة الفقراء .
ومما يؤيد ذلك أن ابن القيم رجح أن: تكون صدقة الفطر على حسب قوت المخرج وعلل ذلك بأن: ما فرضه النبي eباعتبار غالب قوت البلد ,ومن ثم يختلف الحكم باختلاف ما يغلب على كل شخص الاقتيات منه عرفاً .
وعليه: فمن كانت عادته اتخاذ الأطعمة ليوم العيد ,يخرج منها كما أنه لما كان قوت المسلمين يوم الأضحى اللحم, ندب لهم أن يطعموا منها القانع والمعتر .
وهذا يعني أن: ابن القيم رأى أن الحكم مبناه العرف ,وأنه يختلف باختلافه ,ولا يتوقف مع حرفية النص ,وقد قررت دار الإفتاء المصرية سنة 1997م أنه لا مانع من الأخذ برأي أبي حنيفة في إخراج القيمة, مع مراعاة عدم التقيد بالسعر الرسمي, فإن الفقير ربما لا يستطيع أن يحصل على القوت بهذا السعر, فيؤخذ بالسعر العادي الجاري ,وكلما زاد عليه كان أفضل .
3- تحريم الزواج بغير المسلمة
لا خلاف بين العلماء على أن الأصل في زواج المسلم بالكتابية هو الإباحة بشروط أهمها :
1- أن تكون كتابية .
2- أن تكون حرة .
3- أن تكون عفيفة . وذلك عملاً بقوله تعالى : ] اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين .. [ وإذا كان قد تزوج بعض الصحابة من كتابيات إبان الفتح ,فقد رأى عمر  أن سمة مفاسد تترتب على ذلك الزواج, يخشى من كثرته, وضعف المسلمين في المستقبل ,فيكون سبباً في ردة بعض الأزواج الذين يتأثرون بثقافة زوجاتهم . أو يقع المسلمون في زواج المومسات ,وغير العفيفات ,وقد لفت الأنظار بذلك إلى أن :الحكم أصله الإباحة ,ومبني على قوة المصالح المترتبة عليه, ويتغير بتغيرها , الأمر الذي جعله يدعو المتزوجين من الصحابة من كتابيات أن يطلقوهن ؛ولهذا رأى فقهاء المذاهب الأربعة : تحريم الزواج بالكتابية الحربية, وكراهة الزواج بالذمية . وجعلوا مدار الحكم على المصالح والمفاسد, ومدى الحاجة إلى الزواج منهن , مما جعل فقهاء العصر ينادون اليوم بتحريم الزواج بالكتابية ,وبهذا أخذت دار الإفتاء المصرية ,فأفتى الشيخ محمد بخيت بكراهة الزواج بالكتابية التابعة لغير دار الإسلام كراهة تحريمية , وأما التي في دار الإسلام فتكره كراهة تنزيهية .
كما أفتى الشيخ جاد الحق أيضا بأن: الزواج من الكتابية ,وإن كان مباحاً إلا أن الأولى أن ينكح مسلمة؛ لتمام الألفة من كل وجه, ولينشأ الأولاد بين والدين مسلمين . وقد نادوا بتحريم الزواج بالكتابية لما يلي :
1- لعدم الحاجة إلى الزواج منهن ,لاسيما وأن في المسلمات كثرة تغني عن الزواج منهن .
2- أنه غالبا مع ضعف المسلمين ,لم يعد الزواج منهن سبباً في رجاء إسلامهن, بل يخشى منه الفتنة للمسلمين .
3- أنه لا يأمن أن تكون عفيفة,لاسيما في ظل الحرية المطلقة ,والإباحية الجنسية التي يعيشها الغرب اليوم ,مما لا يؤمن معه أن تنسب إليه ابناً ليس من صلبه ؛ولهذا كان من محاسن الفتاوى :جعل الحكم في تلك القضية مبنياً على المصالح التي تترتب عليه ,والمفاسد التي يمكن حدوثها أو درئها.
وإذا ثبت ذلك في الكتابية ,فإنه من المعلوم عدم حل النكاح بالمشركة ,ومَنْ لا كتاب لها :كالبوذية, والهندية ,والبهائية, والملحدة ,والشيوعية ,والمرتدة,والدرزية ,وعبدة الشيطان ,وغيرهم, ممن لا دين لهم .عملاً بالنص لقوله تعالي :"ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " ؛ولهذا فإن الأفضل والأحرى الزواج بالمسلمة ؛لكثرة المشاكل التي تحدث من الزواج بالكتابيات ,خاصة مع الأقليات المسلمة التي تعيش في أمريكا, وأوربا وغيرها .هذا وقد رجح ذلك هيئة البحوث والإفتاء بالرياض و دار الإفتاء المصرية ,وغيرها.
4- جواز البيع المؤجل والمقسط مع زيادة في السعر عن البيع النقدي أو الحال :
بيع التقسيط يعد نوعاً من بيوع الآجال التي تباع فيه السلعة بثمن مؤجل أعلى من السعر الحالي, وقد يكون دفع الثمن على أقساط متقاربة, أو متباعدة,وفي النهاية يكون المبيع ملكاً للمشتري ,و الفتوى اليوم عند عامة العلماء من أهل الفقه ,والفتوى على جوازه ,وقد أقرت دار الإفتاء المصرية القول بمشروعيته, وإن كان فيه زيادة في السعر المؤجل عن السعر الحالي ؛لعموم الأدلة الدالة على جواز البيع ,ولأن فيه دفعاً للحرج والمشقة عن المكلفين لاسيما في الوقت الراهن, الذي تعقدت فيه التعاملات المالية ,وكثرت مشكلاتها ,لاسيما بعد العولمة الاقتصادية ,والهيمنة البنكية على الأموال ,وشيوع الفوائد الربوية, وقلة أو انعدام القرض الحسن, فكانت الحاجة ماسة للقول بمشروعيته تسهيلاً للحصول على حاجاتهم ,وتيسيراً عليهم, وقد وضعوا لذلك ضوابط يجب مراعاتها من أهمها :
1- أن تكون مدة الأقساط معلومة .
2- أن يكون الثمن معلوماً حين العقد ,ومن ثم تكون الأقساط معلومة ومحددة .
3- عدم اشتمال الأقساط على فوائد ربوية .
4- الخلو من شبهة الربا ,حيث هناك بيوع لايجوز فيها الأجل مثل: بيع الصرف ونحوه. كما دعا العلماء أن :يراعي كل من البائع والمشتري الآداب الآتية :
أ‌- عدم التوسع في هذه المعاملة؛لما قد يشوبها من استغلال,لحاجات المضطرين أحياناً.
ب‌- عدم استغلال حاجة الناس إلى التأجيل ,والتقسيط بالمغالاة في رفع الأسعار؛ لأن الأصل في الأموال أنها :لا تحل إلا بطيب النفس,وهذا شرط قد غفل عنه كثير من الناس .
ث‌- مراعاة أن يكون كل من البائع والمشتري حسن القضاء, اقتداءً بالنبي e حيث قال :" خيركم أحسنكم قضاء" , وقوله e :" من أنظر معسراً كان له بكل يوم صدقة ,ما لم يحل, فإذا حل الدين أنظره بعد الحل, فله بكل يوم مثله صدقة " 5- جواز بيع التورق ,وتحريم التورق المصرفي كما تجريه البنوك المعاصرة . أفتى مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة في دورته الخامسة عشرة المنعقدة يوم السبت 11 رجب 1419 ﮬ ,والموافق 31/10/1998م بجواز بيع التورق الذي هو: عبارة عن شراء سلعة في حوزة البائع ,وملكه بثمن مؤجل, ثم يبيعها المشتري بنقد لغير البائع للحصول على النقد (الورق), فهذا البيع جائز للحاجة إليه ,ولخلوه من الربا ,ودخوله في عموم قوله تعالى : ]وأحل الله البيع وحرم الربا [ كما أفتى بحرمة التورق المصرفي الذي تقوم به بعض المصارف, والبنوك :كالبنك العربي الوطني , والبنك السعودي الأمريكي ,والبنك السعودي البريطاني ,باعتبار أن ذلك النوع من التورق المصرفي ,يختلف عن التورق الجائز شرعاً .
وصور التورق المصرفي كما يلي :
أ‌- في البنك العربي الوطني . يشتري الشخص المتورق سلعة من السلع المطلوبة والدارجة في السوق عن طريق البنك, ثم يوكل البنك لبيع السلعة ,وفقاً لبيع التورق المجاز شرعاً .
ب‌- وكذلك البنك السعودي الأمريكي يوفر السيولة للعميل عن طريق شراء سلعة بالتقسيط ,ومن ثم يبيعها نقداً إلى طرف ثالث لحساب العميل إذا رغب في ذلك . فوجه الاختلاف بين ما تفعله تلك البنوك ,وبين صورة التورق المباح أنه :يشترط أن تباع السلعة بالثمن الذي اشتراها به المصرف يعني بأقل مما اشتراها بها المستورق في حين أن :في التورق الفقهي الجائز : المستورق هو الذي يتولى بيع السلعة التي اشتراها ,ولا دخل للبائع, وقد يبيع السلعة بأقل مما اشتراها به ,أو بمثله أو بأكثر منه . كما أنه لا يدخل أيضاً في بيع العينة الذي أجازه الشافعي ؛ لأن الشافعي -رحمه الله - اشترط لجوازه ألا يكون هناك ارتباط بين البيعتين , البيع الذي يكون بالأجل , والبيع النقدي , وألا تظهر نية الحصول على النقد , وهذان الشرطان غير متحققين في التورق المصرفي بين البيعتين موجود ومنصوص عليه في العقد ,فالمصرف هو الذي يبيع السلعة نسيئة بأكثر على ثمنها نقداً, ويشترط على المتورق ذلك بأن يوكله في بيعها نقداً بأقل مما باعها له به نسيئة, ويسلمه الثمن ,ويلتزم المصرف بذلك, ولولا التزام المصرف ببيع السلعة نقداً, وتسليمه الثمن ما قبل المستورق شراء السلعة من المصرف بأكثر من ثمنها نقداً , وأما نية الحصول على النقد, فظاهر بل مصرح بها في عقد التورق المصرفي.وهذا معناه: أن المستورق لا رغبة له في شراء سلعة ,ولا بيعها ,وإنما رغبته الحصول على النقد, واتخذ السلعة وسيلة للوصول إلى النقد .
قال الشوكاني : إذا كان المقصود من العينة التحايل للحصول على النقد في الحال, ورد أكثر منه بعد أيام, فلا شك أن ذلك من المحرم الذي لا ينفع في تحليله الحيل الباطلة . وقد ذكر الأستاذ الصديق محمد الضرير : أن التورق المصرفي ليس بديلاً عن القرض بفائدة ,وإنما هو شبيه به, ومثيل له . وإنما البديل الحقيقي للتمويل النقدي هو المضاربة التي يكون فيها المصرف رب مال ,وطالب التمويل مضارباً .ثم ضرب أمثلة يوضح بها الفرق بين الربا والربح,أو بين التعامل المحرم والتعامل المباح ,وأثر كل منهما, فقال : ثلاثة تجار أخذ التاجر الأول قرضاً مقداره مائة , بربح عشرة من بنك تقليدي , واشترى الثاني سلعة ثمنها مائة بمائة وعشرة نسيئة من مصرف إسلامي ,ووكل المصرف في بيعها بمائة نقداً, ففعل وسلمه المائة , وأخذ التاجر الثالث مائة من مصرف إسلامي, يضارب بها ,والربح بينهما مناصفة ,فإذا أراد كل واحد من هؤلاء التجار الثلاثة أن يربح خمسة من تجارته بالمائة التي أخذها كل واحد منهم, فإن التاجر الأول المرابي لابد أن يبيع ما يشتريه بالمائة بمائة وخمسة عشر . لكي يربح خمسة وكذلك التاجر الثاني المستورق أما التاجر الثالث المضارب ,فيمكنه أن يبيع ما أخذه بمائة فقط بمائة وعشرة فيربح عشرة يعطي منها المصرف خمسة ,ويأخذ هو خمسة ويستفيد الجمهور بالخمسة التي يأخذها المرابون . ثم قال : إن عملية التورق المصرفي هي: استحلال للربا باسم البيع ,وقد قال e :" يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع " وقد نهي رسول الله  عن بيع المضطرين " بينما أفتى كثير من العلماء بجوازه في المصارف لمسيس الحاجة إليه سواء من الأفراد أو البنوك .
6-الفحص الطبي قبل الزواج
أفتى كثير من العلماء بمشروعية الفحص الطبي قبل الزواج؛ لما له من المنافع العديدة التي تنعكس على الحياة الزوجية بآثارها الحميدة ,ومن تلك المنافع ما يلي
1- معرفة الأمراض الوراثية التي قد تنتقل إلى الذرية, بسبب القرابة القريبة كالأمراض المعدية, والخطرة كفيروس الكبد ,والزهري ,والإيدز وغيرها .
2- معرفة الخصائص الوراثية للزوجين حتى يكونا على بينة منهما قبل الإقدام على الزواج ,خاصة إذا كان هناك ما يؤثر على الجنين كالأمراض الوراثية التي تنتقل بالوراثة,هذا وقد أيد الفقهاء مشروعية الفحص الطبي قبل الزواج بما يلي :
أولا : أن الله جعل الذرية الطيبة هي الصالحة ,والسليمة من الآفات ,والأمراض قال تعالى : ]رب هب لي من لدنك ذرية طيبة [ ,وكما في قوله تعالى : ] ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين [ وقوله تعالى : ] وبشروه بغلام عليم[
ثانيا : حث النبي e الراغبين في الزواج على حسن اختيار زوجاتهم ,وأمهات أولادهم؛ لما لهم من أثر على ذرياتهم سواء في الصحة, أم في التربية قال e :" تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس " وقال e :" إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه " كما حذر من المرأة الحسناء في المنبت السوء ,كما في قوله e :" إياكم وخضراء الدمن قالوا : وما خضراء الدمن ؟ قال : المرأة الحسناء في المنبت السوء . وقال e للرجل الذي ولدت زوجته ولداً أسوداً خلاف لون أبيه وأمه : فهذا عسى أن يكون نزع به عرق " وعاب عليه نفيه لولده أو شكه في نسبه ,فدل كل ذلك على أن: للوراثة أثر كبير ,وأن الذرية تتأثر بالصفات الوراثية للأب والأم والأجداد والجدات .
ثالثا : إذا دلت الآيات والأحاديث على الوقاية من الأمراض المعدية ,وتجنب أسباب المرض ,والهلاك, كما في قوله تعالى : ] ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة [ وكما في قوله e :" فر من المجذوم فرارك من الأسد " وقوله e :" كلم المجذوم وبينك وبينه رمح ورمحين " وقوله e :" لا يوردن ممرض " أي مريض يمكن أن يعدي غيره على صحيح " كل ذلك يدل على مشروعية الوقاية من الأمراض قبل حدوثها لاسيما في الوقت الراهن التي كثرت فيه المشكلات الصحية والزوجية كما أن الفحص الطبي قبل الزواج , سيؤدي إلى ديمومة السعادة والحياة الطيبة بين الزوجين ,أو يكون سبباً من أسباب ذلك ,وأنه لا ضرر فيه ,وقد قال e:" لا ضرر ولا ضرار" , ومن القواعد الفقهية أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ,ولهذا أمر به كثير من الدول ,وأجازه المجمع الفقهي .

الخاتمة
نتائج البحث وتوصياته
مما سبق نستخلص النتائج الآتية:
أولا: أن تجديد الدين بصفة عامة,والفقه بصفة خاصة سنة من سنن الإسلام, كما أن: تجديد الفقه ليس ضرورة شرعية, فحسب ,وإنما من الضرورات الاجتماعية أيضاً, وذلك لصياغة حياة المسلمين في كل عصر صياغة جديدة ,تواكب التغيرات المعاصرة من ناحية , وتحافظ على حيوية الإسلام من ناحية أخرى , وتشق للمسلمين طريقاً للمشاركة في صنع التقدم الحضاري , ولا سبيل لذلك إلا عن طريق تجديد الفهم , وتجديد النفوس تمهيداً للإثراء بالمزيد من الإبداع, الذي يضيف جديداً إلى دنيا الناس في جميع المجالات , الأمر الذي من شأنه أن يصلح للناس دينهم ,ودنياهم على حد سواء.
ثانيا : أن المراد من تجديد الدين إحياء العمل بالكتاب ,والسنة, وتفهيم الناس ما لبث عليهم فهمه, وأن المجدد لابد أن يكون عالماً بالعلوم الدينية الظاهرة ,و الباطنة ناصراً للسنة قامعاً للبدعة , وأن يعم علمه أهل زمانه , وهذا يعني أن التجديد ليس لكل أحد ,وإنما هو لمن توافرت فيه ضوابط ,وشروط خاصة حتى يكون مجدداً .
ثالثا: أن التجديد قد يعني الاجتهاد المطلق أي :الاجتهاد الإنشائي الذي يكون فيه معنى الابتكار, والإبداع, فيكون اجتهاداً إنشائياً سواء كان عاماً, أو خاصاً , كلياً أو جزئياً.
رابعا : قد يراد بالتجديد بيان ما غفل عنه الناس ,وتركوه ,أو أهملوه ,وحثهم على العمل به ,فهو يربط بين العلم والعمل, فلا يلزم من التجديد إضافة شيء جديد إلي الدين ,ولا حذف شيء منه ونبذه.
خامسا: حتى يكون التجديد مؤدياً الغرض المراد منه , فأوصي بأن يكون مضبوطاً بالضوابط الآتية :
1- أن يكون التجديد فيما يجوز فيه الاجتهاد .
2- أن يكون وثيق الصلة بواقع المسلمين ,ومن ثم يكيف الواقع على ضوء النص. .
3-التطبيق العملي للتجديد .
4- تجديد روح الدين في نفوس الأمة.كما يلزم فيمن يقوم بمهمة التجديد أمران :
الأمر الأول : معرفة مقاصد الشريعة في موضوع البحث ,أو المسألة المراد البحث فيها ,واستقصاء آراء العلماء فيها ؛لأن الفقه الذي تركه لنا السلف غني بمادته وبنظريات ,وقواعد ,وآراء تجعل الدارس لها على بصيرة بطرق الفهم وقواعد الاستنباط الصحيحة.
الأمر الثاني : معرفة أحوال الناس ,وأعرافهم ,وتقاليدهم ,ومتابعة ما يطرأ على هذه الأحوال من تغير ,لابد أن تستجيب له الفتوى .
سادسا: إن الذي يقوم بمهمة التجديد الفقهي يقع علي عاتقه مهمة كبيرة,وخطيرة , فليس كل من لبس لبوس العلماء, وحمل ألقابهم يعد منهم, فضلاً عن أن يصلح للقيام بهذه المهمة, كما لا يصلح لهذه المهمة من باع آخرته بدنياه ,وغدا علمه تابعاً لهواه ,فانقلب عليه جهلاً, وضلالاً.
سابعا: يجب الاستفادة من سير العلماء السابقين, وما انفرد به كل منهم في طريقه للنبوغ ,والوصول إلى حد العلماء ,ومحاولة توفيره مناخاً للنوابغ من الأجيال ؛كي يمكن إعدادهم إعداداً خاصاً, حتى يتمكنوا من الإبداع ,فليس التعليم مقصوراً على آراء السابقين, والعلوم التي خلفوها , وإنما أن نتعلم من سيرتهم, وكيفية حياتهم كيف نشئوا ؟ وكيف تعلموا ؟وكيف برعوا ؟ كي تتحقق الأسوة ,والقدوة في المجال العلمي ,والتطبيقي ,وفي المجال النظري أيضاً.
ثامنا: ضرورة معرفة سير الأعلام السابقين ,واقتفاء آثارهم في التعرف على أهل الأهواء ,وأهل الإلحاد من أجل التبصير بهم ,وأفكارهم ,وتحذير الناس من السير على نهجهم ,وبيان عاقبتهم ,وكيف يمكن تخريج علماء متخصصون في ظل العولمة وآثارها المتعددة ,تكون عندهم القدرة على الفهم ,والنبوغ,والتجديد والحفاظ على الثوابت التي لا يمكن المساس بها شرعاً, ويكون لهم فكر موضوعي للفقه والدين وعلى سبيل المثال يجب أن يتوافر فيمن يقوم بالتجديد إضافة لما سبق ما يلي :
1- الحفظ الجيد للقرآن الكريم .
2- حفظ قدر من الحديث الصحيح كعشرة آلاف حديث مثلا .
3- معرفة العقيدة الصحيحة ,والعقائد الباطلة .
4- الإلمام بسير أشهر الصحابة, والتابعين, والفقهاء ,وكيفية فهمهم, وتحصيلهم للعلوم . فمثلاً :كيف نبغ الأئمة الأربعة ,وأشهر تلاميذهم ,وابن خلدون ,وابن رشد والرازي, والغزالي ,والسيوطي, وابن عابدين, وغيرهم من رموز الفكر ,والثقافة وما نشئوا عليه من العلم ,وكيفية امتثالهم فيما وصلوا إليه من علم وفكر . 5- ضرورة الربط بين العلم والعمل؛ لأن من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم,وهذا ضابط مهم؛لأن الفقه ليس طريقه مجرد النظر ,وإنما حسن الفهم ,وهو توفيق من الله ,وفضل وذلك لا يكون إلا بالعمل ,والصدق ,والإخلاص لله تعالى.

من أهم المراجع
1- أحاديث في ذم الكلام وأهله لأبي الفضل المقرئ الناشر : دار أطلس للنشر والتوزيع بالرياض الطبعة الأولى سنة 1996م تحقيق د/ عبد الرحمن بن محمد الجديع .
2- أحكام أهل الذمة لمحمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله ابن القيم الناشر / رمادي للنشر دار ابن حزم – الدمام –بيروت الطبعة الأولى سنة 1418 هـ سنة 1997 م تحقيق يوسف أحمد البكري – شاكر توفيق .
3- أحكام القرآن لأبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص الحنفي المتوفى سنة 370 هـ، ط دار الفكر القاهرة بدون سنة طبع0
4- أدلة معتقد أبي حنيفة الأعظم في أبوي الرسول عليه الصلاة والسلام تأليف علي بن سلطان محمد القاري – الناشر / مكتبة الغرباء الأثرية – المدينة المنورة – الطبعة الأولى سنة 1993م – تحقيق مشهور بن حسن بن سلمان .
5- مختصر إرواء الغليل رواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل في شرح الدليل لإبراهيم بن محمد بن ضويان تأليف المحدث العلامة محمد ناصر الدين الألباني الناشر / المكتب الإسلامي بيروت – الطبعة الثانية سنة 1405 هـ 1985م.
6- إرشاد الفحول إلى الحق من علم الأصول لمحمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة 1255 هـ
7- أصول الشاشي لأبي علي أحمد بن محمد بن إسحاق ط دار الكتاب العربي بيروت 1402 هـ.
8- إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن قيم الجوزية المتوفي 751 هـ ط دار الكتب العلمية بدون سنة طبع0
9- الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي _ المؤلف علي بن عبد الكافي السبكي . الناشر دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى سنة 1404 هـ .
10- التجديد في الإسلام كتاب المنتدي الإسلامي بالرياض الطبعة الرابعة 1422 هـ.
11- الأحكام في أصول الأحكام لأبي الحسن علي بن محمد الآمدي ط دار الكتاب العربي بيروت 1404 هـ ت د / سيد الجميلي.
12- الاجتهاد المعاصر بين الانضباط والانفراط د/ القرضاوي الناشر / دار الطبعة والنشر الإسلامية بالقاهرة 1414 هـ .
13- الأدب المفرد لمحمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي . الناشر : دار البشائر الإسلامية – بيروت الطبعة الثالثة سنة 1409 هـ ـ- 1989 م تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي .
14- الأسرة تحت رعاية الإسلام عطية صقر.
15- الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه السادة الشافعية للإمام جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 ﻫ ط/ دار الكتب العلمية بيروت.
16- الأم لمحمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله المتوفى سنة 204 هـ ط :: دار المعرفة بيروت سنة 1393 هـ الطبعة الثانية .
17- البداية والنهاية لإسماعيل بن محمد بن كثير القرشي أبو الفداء الناشر / مكتبة المعارف بيروت .
18- التجديد في الفقه الإسلامي د/ محمد الدسوقي القسم الثاني العدد 78 – المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة سنة 1422 هـ .
19- التجديد في الفكر الإسلامي عدد 75 تقديم د/ حمدي زقزوق ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سنة 1422 هـ..
20- التعريفات للسيد الشريف الجرجاني المتوفى سنة 816 هـ الناشر / دار الكتاب العربي بيروت – الطبعة الأولى سنة 1405 هـ - تحقيق /إبراهيم الإبياري ط- الحلبي سنة 1938م .
21- الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة لزكريا محمد بن زكريا الأنصاري أبو يحيى – الناشر / دار الفكر المعاصر بيروت – الطبعة الأولى سنة 1411 هـ تحقيق د/ مازن مبارك .
22- الجامع لأحكام القرآن لمحمد بن أبي بكر بن فرج القرطبي المتوفى سنة 671 هـ ط- دار الشعب القاهرة سنة 1372م الطبعة الثانية تحقيق أحمد عبد العليم البردوني طبعة دار الغد بالقاهرة 1409هـ .
23- السلسلة الصحيحة ط/ مكتبة المعارف بالرياض سنة 1415 هـ , 1995 م .
24- الفقه الإسلامي مرونته وتطوره الشيخ جاد الحق ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة .
25- الفقه الإسلامي بين الأصالة والمعاصرة د/ القرضاوي مكتبة وهبة الطبعة الثانية 1419 هـ .
26- الفقه الإسلامي وأدلته لوهبة الزحيلي ط/ دار الفكر سنة 1417 ﻫ, الطبعة الثالثة .
27- القاموس المحيط لمحمد بن يعقوب الفيروز أبادي ط/ دار الدعوة
28- القواعد النورانية الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ط- إدارة ترجمان السنة لاهور – الطبعة الأولى – سنة الطبع 1402 هـ، تحقيق الشيخ محمد حامد الفقي.
29- القوانين الفقهية لابن جزي المالكي المتوفى سنة 741 هـ ط دار الفكر بيروت .
30- الكافي في فقه الإمام أحمد لابن قدامة المتوفى سنة 630هـ الطبعة الثالثة بيروت سنة 1402هـ .
31- اللمع في أصول الفقه لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي ط دار الكتب العلمية الطبعة الأولي بيروت 1405 هـ.
32- المحلى لابن حزم الظاهري المتوفى سنة 456 هـ تحقيق أحمد محمد شاكر ط- دار التراث القاهرة .
33- المدخل لدراسة الفقه الإسلامي د/ حسين حامد حسان.
34- المستدرك على الصحيحين لمحمد بن عبد الله أبو عبد الله الحاكم النيسابوري المتوفى 405 هـ دار النشر دار الكتب العلمية مدينة النشر بيروت سنة 1411 هـ - 1990م الطبعة الأولى ت/ مصطفى عبد القادر عطا.
35- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي للعلامة أحمد بن محمد المقري الفيومي – ط مصطفى البابي بمصر – بدون سنة الطبع – تصحيح مصطفى السقا .
36- المطلع على أبوات المقنع تأليف الإمام عبد الله شمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي ط المكتب الإسلامي بيروت 1401 هـ ت محمد بشير الأدلي.
37- المعجم الأوسط لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى 360 هـ دار الحرمين القاهرة سنة 1415 هـ ت / طارق بن عوض الله بن محمد ,‏ عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني.
38- المغني لعبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامه المقدسي المتوفى سنة 620 هـ ط/ بيروت سنة 1405 هـ .
39- الموافقات في أصول الفقه لإبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي ( الشاطبي) الناشر دار المعرفة بيروت تحقيق عبد الله دراز.
40- المهذب للإمام الشيرازي المتوفى 476هـ، ط دار الفكر العربي
41- بداية المجتهد ونهاية المقتصد للإمام ابن رشد الحفيد القرطبي – ط دار المعرفة بيروت الطبعة الخامسة 1401هـ .
42- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام الكاساني المتوفى 587 ﻫ –ط دار الكتاب العربي بيروت الطبعة الثانية 1394 ﻫ .
43- بيع التقسيط د/حسن خطاب ,بحث بمجلة كلية الآداب بالمنوفية سنة 2005م .
44- تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي ط/ دار الفكر - ط المطبعة العمالية بمنشأة مصر 1306 هـ .
45- تاريخ الخلفاء لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي – الناشر مطبعة السعادة مصر – الطبعة الأولى سنة 1371ﻫ سنة 1952م تحقيق محمد بن محي الدين عبد الحميد .
46- تاريخ دمشق تصنيف الإمام العالم الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي المعروف بابن عساكر 499 - هـ - 571 هـدراسة وتحقيق علي شيري دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
47- تفسير القرآن العظيم لإسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي أبو الفداء
48- تفسير الماوردي الشافعي ت الشيخ خضر محمد خضر ط دار الصفوة بالقاهرة 1413 هـ.
49- حاشية الدسوقي المتوفى 1230هـ، على مختصر سيدي خليل ط دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة بدون سنة طبع.
50- حكم الزواج بغير المسلمة د/ حسن خطاب مجلة علمية محكمة بمركز الخدمة للاستشارات البحثية العدد الثالث مايو 2002م .
51- حكم الزواج العرفي د/ القرضاوي - موقع المنتدى بالشبكة العنكبوتية بتاريخ 18/ 4 / 1998 م .
52- حكم توثيق عقد الزواج د/ حسن خطاب بحث منشور بمجلة كلية الآداب بالمنوفية العدد الثامن والأربعون لسنة 2002م .
53- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني . الناشر / دار الكتاب العربي بيروت الطبعة الرابعة سنة1405 ﻫ .
54- سبل السلام شرح بلوغ المرام لمحمد بن إسماعيل الضعاني اليمنى المتوفى 1182هـ تحقيق إبراهيم عصر ط دار الحديث بالقاهرة بدون سنة طبع0
55- سنن أبي داود لسليمان بن الأشعث السجستاني الأذدي المتوفى سنة 275 ھ ط/ دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الثانية سنة 1415 ھ .
56- - سنن الترمذي لمحمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي المتوفى 279 هـ نشر دار إحياء التراث العربي ط بيروت.
57- سنن ابن ماجه المتوفى 275 هـ- تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي- ط فيصل الحلبي القاهرة0 بدون سنة طبع 0
58- شرح ابن القيم على سنن أبي داود.
59- شرح العقيدة الطحاوية الناشر المكتب الإسلامي بيروت الطبعة الرابعة سنة 1391 ﻫ.
60- شرح المعتمد في أصول الفقه شرح ونظم الدكتور محمد الحبش
61- شرح فتح القدير المسمى نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار لشمس الدين أحمد بن قودر المعروف بقاضي زاده أفندي وهي تكملة شرح فتح القدير للمحقق الكمال بن الهمام الحنفي على الهداية شرح بداية المبتدي لشيخ الإسلام برهان الميرغناني المتوفى سنة 593 هـ ومعه شرح العناية على الهداية للبابرتي المتوفى 786 هـ وبحاشيته حاشية المحقق عيسى المفتي الشهيد بعدي حلبي ومسعدي أفندي المتوفى 945 هـ ط – دار الفكر ببيروت .
62- شرح منتهى الإرادات للبهوتي ط- مطبعة أنصار السنة المحمدية بالقاهرة سنة 1974م .
63- صفة الصفوة لعبد الرحمن بن علي بن محمد أبو الفرج – الناشر دار المعرفة – بيروت سنة 1399 هـ - 1979م تحقيق محمود فاخوري – محمد رواس قلعجي .
64- عون المعبود شرح سنن أبي داود لمحمد شمس الحق العظيم أبادي أبو الطيب . الناشر / دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الثانية سنة 1415 ﻫ
65- فتاوى دار الإفتاء المصرية لمائة عام ولجنة الفتوى بالأزهر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة باب من أحكام التعامل مع البنوك , حكم تقسيط الثمن – الموضوع رقم 1249 للشيخ جاد الحق على جاد الحق في ربيع الأول سنة 1400 هـ فتاوى دار الإفتاء المصرية والموضوع 25 زواج عرفي مايو 1997 م المفتي الشيخ عطية صقر والموضوع زكاة الفطر للشيخ عطية صقر سنة 1997م والموضوع 70 زواج المسلم من الكتابية والمفتي الشيخ محمد بخيت في سنة 1919 م والموضوع 1175 زواج المسلم بغير المسلمة للمفتي الشيخ جاد الحق علي جاد الحق في فبراير سنة 1981 م .
66- فتح الباري شرح صحيح البخاري للإمام أحمد بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ , ت عبد العزيز بن باز, الطبعة الثانية للمكتبة السلعية ت محب الدين الخطيب تصحيح قصي محب الدين الخطيب.
67- فضائل القرآن لإسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي أبو الفداء هدية مجلة الأزهر عدد رمضان 1410 هـ .
68- قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام المتوفى سنة 660 ﻫ ط –مؤسسة الريان بيروت سنة 1410 ﻫ- 1990م .
69- كشف الظنون لمصطفى بن عبد الله القسطنطيني الروسي الحنفي المولود سنة 1017ﻫ المتوفى سنة 1067ﻫ - ط/ دار الكتب العلمية بيروت سنة 1992م
70- لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري الناشر دار صادر بيروت الطبعة الثانية
71- مؤتمرات المرأة للسيد محمد أبو العزايم الكتاب الثامن والثلاثون سلسلة كتب التصوف الإسلامي .
72- مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد62 ربيع الأول سنة 1425 هـ أبريل سنة 2004 م .
73- مجلة البحوث الإسلامية بالرياض العدد 70 و العدد 72 لسنة 1417 هـ بحث بعنوان التأصيل الفقهي للتورق في ضوء الاحتياجات المعاصرة للشيخ عبد الله بن سليمان المنيع .
74- مجلة المجمع الفقهي الإسلامي السنة التاسعة عشرة العدد الحادي والعشرين 1427 هـ - 2006 م - حكم التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر بحث للدكتور الصديق الأمين الضرير لندوة البركة للإفتاء الإسلامي منشور بمجلة المجمع الفقهي الإسلامي.
75- مجلة الوعي الإسلامي عدد 212 لسنة 1402 هـ .
76- مجلة منبر الإسلام عدد ذي الحجة سنة 1403 هـ .
77- مجموع فتاوى ابن تيميه الطبعة الثانية سنة 1400هـ الناشر مكتبة ابن تيمية بالقاهرة 0
78- مدارس مصر الفقهية في القرن الثالث الهجري دراسة فقهية مقارنة ا د محمد نبيل غنايم الطبعة الأولي 1419ه دار الهداية بالقاهرة .
79- مستجدات في الزواج والطلاق د أسامة عمر الأشقر .
80- مسند الشافعي لمحمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله الشافعي – الناشر دار الكتب العلمية بيروت .
81- مسند الشهاب لمحمد بن سلامة بن جعفر أبو عبد الله القضاعي . الناشر / مؤسسة الرسالة بيروت – الطبعة الثانية سنة 1407 هـ سنة 1986م تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي .
82- مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني المتوفى 977هـ ط الحلبي سنة 1378 هـ .
83- موطأ الإمام مالك لمالك بن أنس أبو عبد الله الأصبحي رواية محمد أبو الحسن الناشر دار القلم – دمشق – الطبعة الأولى سنة 1413 هـ سنة 1991 م تحقيق د/ تقي الدين الندوي أستاذ الحديث الشريف بجامعة الإمارات العربية المتحدة .
84- فيض القدير شرح الجامع الصغير لعبد الرءوف المناوي – الناشر المكتبة التجارية الكبرى مصر – الطبعة الأولى سنة 1356ﻫ

الفهرس
الموضوع رقم الصفحة
المقدمة ................................................................... 2
المطلب الأول ............. ............................................... 6
الفرع الأول : معنى الفقه وتطوره. ........................................ 6
أولا : معنى الفقه في اللغة .................................................. 6
ثانيا : المعنى الاصطلاحي للفقه : ......................................... 6
ثالثا : العلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي ........................... 7
الفرع الثاني : معنى التجديد ومشروعيته ................................... 10
أولا : معنى التجديد في اللغة ............................................. 10
ثانيا : المعنى الاصطلاحي للتجديد ....................................... 13
ثالثا : مشروعية تجديد الفقه في الكتاب المجيد ........................... 15
الفرع الثالث : العلاقة بين تجديد الفقه ومصادره ........................17
المطلب الثاني : ضوابط التجديد الفقهي ...................................20
الفرع الأول : الضوابط العامة للتجديد الفقهي .............................20
الضابط الأول من الضوابط العامة للتجديد الفقهي: ..........................20
الضابط الثاني : أن يكون التجديد وثيق الصلة بواقع المسلمين ..............23
الضابط الثالث للتجديد هو التطبيق العملي له . ............................. 24
الضابط الرابع : تجديد النفوس بالإيمان تجديد روح الدين في نفوس الأمة ....26
الفرع الثاني : ضوابط خاصة بالمجدد ..................................... 29
المطلب الثالث : من صور التجديد الفقهي المعاصر ......................... 48
الفرع الأول : من صور التجديد الغير مستوف لضوابطه .................. 50
1-قصر تحريم الربا على المضاعف دون غيره .............................50
2- الفتوى بإباحة فوائد ,وأرباح شهادات استثمار البنك الأهلي المصري ..... 51
3- التسوية بين الذكر والأنثى في الميراث ............................... 53
الفرع الثاني : من صور التجديد الفقهي الصحيح ...........................55
1- وجوب توثيق عقد الزواج .........................................55
2- جواز إخراج صدقة الفطر بالقيمة .................................. 57
3- تحريم الزواج بغير المسلمة ..................................... 58
4- جواز البيع المؤجل والمقسط مع زيادة :............................ 60
5- جواز بيع التورق وتحريم التورق المصرفي ........................... 61
6-الفحص الطبي قبل الزواج . ........................................... 63
الخاتمة ونتائج البحث ..................................................... 65
أهم المراجع .............................................................. 68
الفهرس .............................................................. 76

بسم الله الرحمن الرحيم
تجديد الفقه وتجديد الخطاب الديني أصبح لغة ينادي بها كل من يعرف الفقه ومن لا يعرفه , ويحاول البعض أن يخلط بين التجديد وبين التغيير والتبديل والإلغاء فينادي البعض بفقه جديد يعتمد على لغة العصر دون التقيد بالقواعد الأصولية والفقهية حتى ولو أدى إلى رفض بعض النصوص الشرعية بحجة التغيير وموافقة الواقع , ويدعى البعض قدرته على الإبداع الفقهي عندما يتحرر من ضوابط الشرع باسم الحرية الفكرية والتي تتناغم في تجديد الخطاب الديني .
ولهذا كان من الضروري إظهار القواعد الحاكمة لفهم الدين والتي الاجتهاد الفقهي حتى لا يظن كل أحد قدرته عليها وحتى لا يختلط الفقهاء بالجهلاء وحتى لا يحرف الدين باسم تجديده , ويهدم الفقه على أيدي أدعيائه لاسيما وضوابط تجديد الفقه الإسلامي كثيرة من أهمها ضوابط خاصة بالمجدد , وضوابط بالمجتمع وضوابط في محل التجديد فإذا استوفى التجديد شروطه وضوابطه كان مفيدا مثمرا , وإذا أخل بإحداها أو كلها كان تحريفا وتبديلا كما في مساواة المرأة للرجل في الميراث باسم الحرية أو إباحة أنواع من الربا أو الأنكحة الباطلة بجكم الظروف المتغيرة ونحوها

Some contemporary application s of cultivator and share cropping in Islamic jurisprudence
DR/ Hassan Elsaid KHattab
Abstract
The study aimed to discus the important of cultivator and share cropping contracts ,through the lights of our Islamic society . this discussion show the fallowing :
We are in Abad need to be acquainted with these contracts and its condition , control.
In order to give every one his legal rights ,also designed a new forms of contracts depend on Sharia at this side, on the other side present an over review in finance system in companies , banks and all economic organization.
All require s of production receive the reputations from Gross profit with Justice- legal way .
.

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك