القيادة الإرغامية.. ومصارع الفراعنة الطغاة
القيادة الإرغامية.. ومصارع الفراعنة الطغاة
لا ريب أن الاستبداد هو الاستبداد مهما كان نوعه وفي أي زمان ومكان ومن أي حاكم صدر، ولما كان فرعون موسى عليه السلام أبشع صورة من صور الاستبداد فإنه أصبح المثل الأسوأ المتبادل في التاريخ للتحذير من كل فرعونية تهلك البلاد والعباد كما يذكر الدكتور سيف الدين عبدالفتاح في كتابه النظرية السياسية من منظور إسلامي ص 420، ونحن منذ البداية نشعر بأن هؤلاء الفراعنة المستعبدين حيثما حلوا دفعت الشعوب ثمن ظلمهم واستبدادهم كل غال ونفيس وأصبح الناس عبيدا أمام أولئك الأسياد، ومن المعروف في علم الإدارة والقيادة مدى خطر القيادة الإرغامية التي يمثلها كل فرعون أمام القيادة الإقناعية التي مثلتها الملكة بلقيس بكل حوار وشورى في دعوة سليمان عليه السلام حيث أدى بها عقلها الراجح إلى إسلامها في النهاية. ولعل في عقد مقارنة سريعة بين الذي كنا نلاحظه في قيادة القذافي على جميع المستويات في ليبيا والذي لمسناه وما زلنا نكتوي بناره في عهد حافظ الأسد وابنه بشار في سورية كنموذجين فرعونيين، فإن ذلك يضعنا على أهم صفات المستبدين الذين لا يفكرون إلا بنرجسيتهم غير مكترثين بالقيم والقوانين، فهم وحدهم النظام المعصوم الذي يعتبر كل من يدلي فيه برأي خارجا عنه ويجب أن يعاقب باسم القانون والوطن والحفاظ على هيبة الدولة! لقد اعتبر فرعون الأول أنه الوحيد الصالح للتخطيط والرأي السديد بل هو الحاكم المتأله المستكبر على الضعفاء (فقال أنا ربكم الأعلى)، "النازعات: 24".
(ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)، "غافر: 29"، والعلو الذي يدعيه جعله يفرق بين الرعية حتى لا يتفقوا على كلمة واحدة خدمة لمبدأ فرق تسد وبهذا يضمن خوف الشعب منه، وكذلك أدى به ذلك إلى استضعاف معظم الشعب إلا الفئة التي تلتقي مصالحها بمصالحه، ثم تسليط القسوة والبطش والذبح كأسلوب منهجي لسحق الآخرين، وأعوانه جاهزون لأنهم منتفعون ببقائه، هامان، السحرة، رجال القصر الذين عبر القرآن عنهم بالملأ (وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون)، "الأعراف: 127".
ومن المعروف أن مثل هؤلاء يكونون سببا قويا في تسلط الحاكم الذي لا يملك قدرة فاعلة من دونهم إضافة إلى الهمج الرعاع الذين يعتبرون بكثرتهم الظاهرية عناصر فاسدة وإذ هم عامة الشعب الذي يعجز عن رد فرعون عن ظلمه ولا شك أن صورة اليوم وقد رأيناها في ليبيا القذافي وما زلنا نعاني منها في سوريا الأسد من الفوقية وما يغار الناس بعضهم على بعض والاستعانة بالنخب المنافقة وبالكثرة العاجزة والخائفة هي الوجه القبيح لتعامل الحاكم الظالم مع شعبه بالطريقة الإرغامية التي تجعل الناس يسمعون له إما بسبب الخوف أو الطمع وذلك بعكس القيادة الإقناعية التي يطيع الناس فيها تلقائيا برغبة ومحبة وراحة ورضى وهذا ما يؤدي إلى رفع معنوياتهم، خاصة في الحروب والمواجهات أيا كانت ولذا نقل اللواء الركن محمود شيت خطاب رحمه الله في كتابه بين العقيدة والقيادة ص 42 أن نابليون بونابرت كان يرى أن قيمة المعنويات بالنسبة للقوى المادية 75% ثم جاء اللواء (فولر) وقرر أن هذه النسبة 50% لكل منهما بعد التطور الهائل في عالم الأسلحة وهكذا ففعالية الجيوش في القيادة الإقناعية أعلى كفاءة منها في القيادة الإرغامية كما ينقل الأستاذ محمد زكريا النداف في كتابه الأخلاق السياسية ص 292، فإذا عرفنا ذلك أدركنا مدى ارتفاع معنويات الثوار الليبيين المقتنعين بأهدافهم تحت قيادة النوع الأول في مواجهة كتائب القذافي المرغمة والمرتزقة تحت القيادة الثانية مما جعلها في النهاية مهزومة مأزومة وقد هلك القائد والمقود وكذلك فإن الجيش السوري المبني على الأفكار الفاسدة والطائفية من قبل من يرغمهم ما كان متوقعا منه بناء على ذلك أن يصبح مؤهلاً لحرب مع اسرائيل منذ عقود فهو غير مقتنع في معظمه بأن قائديه وطنيون مخلصون بل بات يعرف حق المعرفة أنهم هم حماة إسرائيل لا أعداءها والتصريحات في هذا غزيرة والأفعال أقوى من الأقوال وكذلك فإن ما نراه من انشقاقات زادت كثيرا مؤخراً إلا دليل على أن القيادة الفرعونية الإرغامية سوف تضمحل وأن الإنسان الشريف في الجيش لا يمكن أن يسهم في قتل المتظاهرين والمدنيين.
ثم يضاف إلى ذلك أن منطق الحاكم الفرعوني يقوم على عدم أو ضعف الاهتمام بحجم المعارضة ولكن مع شدة خوفه منها!
قال فرعون الأول: (إن هؤلاء الشرذمة قليلون وإنهم لنا الغائظون وإنا لجميع حاذرون)، "الشعراء: 54-56"، أي حذرون خائفون ولكن كيف يكونون قلة وفرعون خائف منهم متأهب لقتالهم!
إنه المنطق الحكومي نفسه في سورية حيث يزعمون أن عدد المتظاهرين والمعارضة قليل جدا مع أنهم أصبحوا بمئات الآلاف ثم يخدع النظام من لا يعرف سورية بمظاهرات ومسيرات تأييد في دمشق وحلب مباهيا بكثرة عددها وأنها خرجت عفوية تأييداً للأسد وإن كل حر في سورية لا يغيب عنه أنها مُسيَّرات وليس مسيرات بل تقول بالإجبار وتفرز وسائل النقل من كل مكان لنقل الموظفين والطلاب والعمال للمشاركة ثم يا ويل من لم يفعل على نفسه ورزقه و..، ثم أننا نتحداهم بكل قوة: إن مظاهراتكم محروسة ومحمية حتى بالحوامات ولكن مظاهرات الأحرار مستهدفة بالرصاص الحي يوميا، فإن كنتم صادقين فاسمحوا بالمسيرات دون قمع وقتل وستجدون، خاصة الآن ملايين السوريين في وجهكم وهذا ما يعني سقوطكم الفوري وهل دام حكمكم لولا الإرهاب والقمع والفرعونية؟
إن الناس باتوا جميعا يعرفون أن قيادتكم الإرغامية إلى زوال كما زال من قبلكم في تونس ومصر وليبيا والأيام بيننا ودماء الشهداء لن تذهب هباء وإن قيادتكم الإرغامية هذه هي التي جعلت سورية مناحر للمذابح والمجازر اليومية وخاصة في حمص وحماة وادلب ودرعا والرستن وريف دمشق ثم لا يخفى على أحد تضليلكم الإعلامي خاصة في قناة الدنيا كما كان القذافي يضلل الآخرين في تليفزيون الجماهيرية على مسلك تصريحات فرعون الذي يعتبر الإصلاح إفساداً لأنه يخالف السلطة ولابد من اقناع الرعاع بضرورة القضاء على المصلحين (وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد)، "غافر: 26".
تلك هي الظاهرة الفرعونية وفق الهوى لا وفق الشرع والقانون ثم لا ننسى نغمة الفراعنة من اتهام المخالفين من المعارضة بالتآمر دون أن يقيموا أي اعتبار لعقول البشر التي عرفت أن الثورة السورية ثورة شعبية عفوية ضاق صدرها حتى اختنق أمام هذا الاستبداد الشنيع.
هكذا قال فرعون لموسى (أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله...) وهكذا فإن كل من يتعشق السلطة يعتبر كل تذكير ونهي له مؤامرة انقلابية داخلية أو خارجية ثم ما أسهل أن تصاغ لها ادعاءات العصابات المسلحة والإرهابيين والعملاء، أما هم فملائكة أطهار لا نظير لديمقراطيتهم التي تعتبر فيها الشورى شكلانية وأعضاء مجلس الشعب ليسوا فيها إلا دمى وهل ننسى في ظل القيادة الإرغامية عضو مجلس التهريج في الخطاب الأول، حيث قام وقال للرئيس يا سيادة الرئيس العالم العربي قليل عليك تحكمه أنت يجب أن تحكم العالم كله يا سيادة الرئيس!!
لقد كاد الأجدر بالقذافي قبل أن يبلغ مصارع الطغاة والأجدر بالأسد أن يتبعا القيادة الإقناعية ولا يتكبرا على أمثالهم من الآخرين بوصفهم أشباه رجال. وأن يقنعوا شعوبهم بسجع الحمام لا بزئير الأسود كما قال وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو لبشار: ليس المهم أن تقنعني، لكن المهم أن تقنع شعبك، وهل من استفادة من مسلك الملكة بلقيس الإقناعي لا الإرغامي؟
وهل تتحرر الجامعة العربية فتقنع بشار بإيقاف حمام الدم وأنها مع الضحية لا مع الجلاد؟