هل نحن المتطرفون ؟

هل نحن المتطرفون ؟

 

حين دخل الصليبيون القدس ... وحين دخلها صلاح الدين ... المقارنات التاريخية الحضارية بين سلوكنا نحن المسلمين المتَّهمين بالعنف والإرهاب ، وبين سلوك النصارى في تاريخهم معنا أو مع غيرنا ... مثل تعاملهم مع الهنود الحمر في أمريكا .. وتعاملهم مع بعضهم من خلال ما يسمى بحروب المذاهب المسيحية ، وما تولد عنها من محاكم التفتيش، ورمي كل طائفة بالهرطقة واستباحة إبادتها بأرقى الطرق الوحشية. هذه المقارنات التاريخية بين سلوك المسلمين وسلوك النصارى ـ عبر التاريخ ـ مطلوبة الآن جدًا.. لأن نثبت أننا الأرحم والأرقى والأكثر تسامحًا واحترامًا لحقوق الإنسان ـ فحسب ـ بل ليعرف إخواننا في عالم النصرانية أنهم عند الحساب الصحيح ـ بعيدًا عن التضليل الإسلامي وتزييف التاريخ ـ سيخسرون كثيرًا ... وأنهم ـ أكثر من غيرهم ـ هم الذين ضاقت صدورهم بالآخرين ، ورفضوا الاعتراف بحقوق الإنسان ، وبقيم التسامح والرحمة .. وبالتالي ـ وهو الأهم ـ يعودون إلى الحوار بدل الصدام ، ويفتحون صفحة جديدة مع المسلمين والإنسانية كلها .. ونقدم هنا ـ صورة واحدة ـ من صور المقارنات التاريخية بيننا وبينهم في القدس الشريف. # # # ـ كان يوم الجمعة الموافق 15 يونية (حزيران) من سنة 1099م (492هـ) .. يومًا من الأيام السوداء في تاريخ القدس .. ـ كان يوم المأتم ـ بحق ـ أو بتعبيرنا المصري القديم ـ يوم (الجنائز الجماعية) .. ـ إنه اليوم الذي كان كل شيء قبله قد انتهى .. فلعدة أيام سابقة كانت جيوش الصليبيين (الباسلة) التي كانت امتدادًا لما عرف بحملة الأمراء [لاحظ ـ الأمراء ـ فكيف لو كانوا غوغاء !!!] ، قد اقتحمت أسوار القدس ، ودخلتها وقتلت معظم من فيها من السكان .. لدرجة أنهم في ساحة المسجد الأقصى قتلوا أكثر من سبعين ألفًًا (كما يذكر المؤرخ المسلم ابن الأثير) !! وذلك في يوم الجمعة 15 حزيران 1099 (492هـ). لكن ربما كان (ابن الأثير) ـ المسلم ـ مبالغًا .. فلنترك الحديث للمؤرخ الصليبي (وليم الصوري) .. يقول وليم : " لقد اندفعوا ـ أي جيوش الصليبيين ـ خلال شوارع المدينة مستلّين سيوفهم ، وقتلوا جميع من صادفوا من الأعداء بصرف النظر عن العمر أو الحالة ودون تمييز ... وقد انتشرت المذابح المخيفة في كل مكان ، وتكدست الرؤوس المقطوعة في كل ناحية بحيث تعذّر الانتقال إلاّ على جثث المقتولين (!!!) ويقل وليم : "وكان القادة ـ أي الأمراء !! ـ قد شقوا في وقت سابق طريقاً لهم .. و أحدثوا عندما تقدموا قتلاً لا يوصف .. . وتبع موكبهم حشد من الناس متعطش للدماء ومصمم على الإبادة .... ـ [طبعًا لابدّ أن يكون الغوغاء على دين أمرائهم !!] ويقول (وليم) : "لأفُضَّ فوه ـ حاكياً المزيد من الأمجاد الأوربية المتأمركة حديثًا!!". لقد كانت المجزرة التي ارتكبت في كل مكان من المدينة مخيفة جدًا ، وكان سفك الدماء رهيبًا جدًا لدرجة عانى فيها حتى المنتصرون من أحاسيس الرعب والاشمئزاز !! ـ ويقول : (وعَلِم القادة الآخرون ، بعد أن كانوا قد قتلوا من واجهوا في الأجزاء المختلفة من المدينة أن الكثير قد هربوا للالتجاء في الأروقة المقدسة للهيكل ، ولذلك اندفعوا بالإجماع إلى هناك , ودخلت مجموعة كبيرة من الفرسان والرجالة قتلت جميع الذين كانوا قد التجأوا إلى هناك، ولم تظهر أي شفقة لأي واحد منهم ، وغمر المكان كله بدم الضحايا. ويكمل (وليم الصوري) الملحمة ... قائلاً : وطاف بقية الجنود خلال المدينة بحثًا عن التعساء الباقين على قيد الحياة ، والذين يمكن أن يكونوا مختبئين في مداخل ضيقة وطرق فرعية للنجاة من الموت ، وسحب هؤلاء على مرأى الجميع وذبحوا كالأغنام ، وتشكل البعض في زمرٍ واقتحموا المنازل ، حتى قبضوا على أرباب الأسر وزوجاتهم وأطفالهم ، وجميع أسرهم وقُتلت هذه الضحايا، أو قُذفت من مكان مرتفع حيث هلكت بشكل مأساوي ، وادعى كل واحد من المغيرين ملكية دائمة للمنزل الذي كان قد اقتحمه ، وذلك بالإضافة إلى تملك كل ما كان موجودًا فيه (!!!). وينبري لرصد نهاية الملحمة كاتب صليبي آخر (أنتوني برج) فيرسمها بتعبير (مأساوي ملهاوي مزدوج)... يقول : "وعندما لم يبق من يقتلونه سار المنتصرون خلال شوارع المدينة التي لا تزال مفروشة بالجثث وتفوح منها رائحة الموت ، إلى كنيسة القيامة لتقديم الشكر للرب لرحمته العظيمة المتنوعة !!! # # # ـ لكن أين كان العرب ـ والمسلمون ـ خلال أيام الإبادة المشئومة هذه ؟ ـ لقد كانوا ... في مثل حالنا ـ تقريبًا بالضبط ـ !! ـ كانت الخلافة العباسية جثة هامدة .. اسمًا على غير مسمى كأكثر الدول الإسلامية الآن؟ ـ وكان السلاجقة الذين سيطروا على الخلافة العباسية بعد طرد البوهيين نشطين في تقسيم أملاك الخلافة بين مجموعة الأمراء السلاجقة .. مما أضعف البلاد وجعلها (دول مدن) و (ولايات مستقلة هزيلة) قريبة من أعضاء جامعتنا العربية الموقرة (!!!). ـ وقد حوصرت أنطاكية التي زحف منها الصليبيون على القدس مدة تسعة أشهر، فلم تتقدم (دويلة عربية) لمّ يد العون لها، على الرغم من أن حاكمها (ياغي سيان السلجوقي) قدّم عشرات الاستغاثات .. فلم يؤبه به ، وربما كانت العواصم العربية مشغولة بالشجب والإدانات !! ـ أما الفاطميون (الأشاوس) في مصر، فقد منعوا المساعدات عن أنطاكية حتى تسقط ـ سريعًا ـ بأيدي الصليبيين بعد أن خدعهم الآخرون بأنهم سيسمحون لهم بالسيطرة على بيت المقدس ... لينهكوا بيت المقدس بهم ... تمهيدًا لأخذها وإبادة أهلها إبادة جماعية!!). أما دعاة التطبيع والاستسلام ، فقد قدموا خدماتهم الإعلامية والعسكرية ، وذلك من خلال التعاون الذي قام بين الأرمن وبين جيش لبنان الطليعي (نعم : صدقوني كان هناك جيش لبناني طليعي مهَّد لاستيلاء الصليبيين على أنطاكية والقدس ببسالة !!). وكان الصليبيون يسمونهم (المؤمنين) من أهل المنطقة .. أما البقية فكفار يستحقون الإبادة والدمار. # # # ثم نعبر نحو تسعين سنة ... إلى يوم جمعة آخر !! ـ ففي يوم الجمعة 27 رجب سنة 583هـ فتح صلاح الدين القدس (12/10/1187م) ، أي بعد ثمان وثمانين سنة ميلادية (فقط مجرد تذكير الصليبيين المحاصرين بما فعله آباؤهم بالمسلمين سابقاً في القدس .. ؛ أجل : "مجرد تذكير" ... لكن "مجرد التذكير" جعلهم يهددون بالانتحار انتحاراً جمعياً ... لأنهم كانوا يعرفون جيداً الأمجاد الدموية لآبائهم الصليبيين !! ثم كان من صلاح الدين ما هو جدير بحضارة : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} ( ).

 

المصدر: http://www.el-wasat.com/portal/News-55554900.html

 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك