حتى نكون حَمَلة مشعل الحوار مع «الآخر»
حتى نكون حَمَلة مشعل الحوار مع «الآخر»
السبت, 19 يونيو 2010
عيد بن مسعود الجهني *
بين المسلمين والغرب حواجز كثيرة، منها أن الغرب ناصب المسلمين العداء في عهود تاريخية سابقة، ولذا فإننا عندما نتعامل مع الغرب وحضاراته ودياناته وفلسفته وأنظمته السياسية والاجتماعية نجد أن هذا العداء يترك تأثيره في أعماق نفوسنا، ولكننا مع هذا لا بد من أن نكرس الجهد للدخول في مرحلة جديدة من التفاهم تحت مظلة الحوار الواسعة مع دول الغرب والشرق، باعتباره أول شروط النجاح في تحقيق الأهداف وإيجاد جو من النقاش والتعاون والتفاهم، ولا سيما إذا وُضِعت الخطط والاستراتيجيات للحوار الإسلامي مع الحضارات والأديان.
ومع تسليمنا بأن الحوار هو الطريق لتقارب الرؤى والأفكار بل ووضع الحلول، إلا أن من المعروف سلفاً أن التطابق التام في وجهات النظر أمر مستبعد، فإن للغرب والشرق بعقيدته وفلسفته رؤيته للأمور وقضايا عدة، ولنا عقيدتنا وفلسفتنا ورؤيتنا الخاصة بنا من منطلق ديننا الحنيف ومبادئنا الإسلامية، لكن يبقى أن الحوار مع الغرب والشرق قد يخرج من رحِمه أسلوب ومنهج وفلسفة يقبل بها الجميع لينسجم مع مبادئ الشرعية الدولية والقانون الدولي والأعراف الدولية وميثاق الأمم المتحدة ويدفع عجلة العلاقات بين الدول في المنظومة الدولية.
وعلى كلٍّ فإن حوارنا مع الغرب وغيره سيظل مرتبطاً بمبادئنا الإسلامية وبفلسفتنا وأوضاعنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وما نملكه من عناصر القوة العسكرية والموارد الطبيعية، وفي مقدمها النفط الذي يسيطر العرب وحدهم على أكثر من 62 في المئة من احتياطاته المثبتة عالمياً، ناهيك أن العرب يسيطرون على أهم القنوات والممرات المائية التي يمر من خلال بواباتها أكثر من 50 في المئة من تجارة العالم.
تضاف إلى قوة المسلمين الاقتصادية قوة أخرى لا تقل أثراً ولا ثقلاً هي الإرث الثقافي، ولكن تقصيرنا حكوماتٍ وشعوباً وهيئاتٍ وعلماءَ ومفكرين ومثقفين في حق شرح الحقائق الصحيحة عن ديننا وأهله وعن ثقافتنا وتراثنا هو الذي جعل الغرب والشرق يجهلان هذا الجانب على رغم الأفضال الكبيرة التي تدين بها الحضارة الغربية للحضارة الاسلامية، فإن للفكر الإسلامي وللعلوم الإسلامية والعربية أفضالاً كثيرة على الغرب، بل إن نهضته الحديثة اعتمدت في بعض وجوهها على ما ورثه من تراث علمائنا، حتى إن جامعاتهم لا تزال تدرس كثيراً من كتب العلماء المسلمين والعرب في جامعاتها.
ومن هنا تأتي أهمية التعريف بالحضارة الإسلامية وإلقاء الضوء على أمجادها ومفاهيمها الإنسانية الراقية، فكثير من أهل الغرب بل أكثرهم لا يعرف عن الإسلام أمام تقصيرنا في تبليغ رسالة ديننا الحنيف ومفاهيم حضارتنا وثقافتنا، إلا تلك الأكاذيب التي ينشرها إعلامهم وتقنع الرأي العام هناك، بل أكثرهم لا يعرف تاريخ المسلمين وما كانوا عليه من أمجاد وما بلغوه من رقي، ولا يعرف الأيادي البيض لعلماء المسلمين على الغرب، ولا يعرف أن كثيراً من (حقوق الإنسان) التي يتبجحون بها اليوم وتتبناها مؤسساتهم أخذها منظروهم من تعاليم الإسلام وأن الإسلام سبقهم عليها منذ 14 قرناً.
ولذلك فإن نشر الثقافة العربية والإسلامية يعني في أحد صوره إنشاء المراكز الثقافية والجامعات والمكتبات العامة وتزويدها بأمهات المراجع عن الإسلام والحضارة والثقافة الإسلامية الصحيحة المعتمدة باللغة الإنكليزية وغيرها من اللغات في دول الغرب والشرق لتكون مراكز لتبادل الحوار بين الثقافات والديانات والمجتمعات الغربية بل والشرقية لنشر ثقافة التنوع في إطار التعاون الدولي من أجل الازدهار الإنساني والسلام والأمن والاستقرار في الألفية الثالثة المليئة بالحروب والنزاعات والصراعات التي امتدت إلى الثقافات والحضارات والأديان، لدفع عملية التعايش بينها باعتبارها قيمة راقية من القيم الإنسانية والأخلاقية بمعطياتها الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ليقربنا من مظلة التعايش بين الأديان والتناغم بين الحضارات على نحو يلبي الفطرة الإنسانية السوية للعيش في أمن واستقرار وسلام، وهي مبادئ عظيمة من مبادئ الإسلام بوسطيته العالمية.
إن هذا هو جوهر مبادئ الإسلام الحنيف الداعي إلى الإخاء الإنساني في مدلولاته العميقة وآفاقه الرحبة باعتباره رسالة عالمية تدعو إلى التسامح الذي هو أصل من أصول الإسلام، وإن التعايش بين المسلمين وبين غيرهم من أهل الكتاب مبدأ ثابت من المبادئ التي قامت عليها الحضارة الإسلامية منذ فجر نورها، والأمثلة كثيرة ساطعة في الغرب في الأندلس وفي الشرق في فلسطين وغيرها.
والمسلمون في هذا الزمن، زمن العولمة والإعلام، لا بد لهم من الخروج من أزماتهم الراهنة، فأولاً يجب أن يستعيدوا ثقتهم بأنفسهم بعد أن أفقدهم الضعف الذي عاشوه ردحاً من الزمن زاد على 60 سنة تلك الثقة، ثانياً عليهم أن يستشعروا عظمة دينهم وتراثهم وحضارتهم وتاريخهم بعد أن فقدوا الشعور بعظمتها نتيجة الانفصام الطويل بينها وبينهم، ومن دون هاتين النقطتين لن نستطيع أن نقنع أحداً وليس هناك جدوى أن نحاور أحداً فإننا إذا حاورنا - وشعور الضعف والمسكنة يسكن دواخلنا - سنكون عاجزين عن إقناع الآخر بقوتنا ومكانتنا.
وإذا حاورنا من دون أن نستشعر المكانة السامية لديننا ورفعة تعاليمه، ومن دون الشعور بعظم حضارتنا وتراثنا فسنكون عاجزين عن إقناع الآخر، وبالتالي يكون الحوار عديم الجدوى بل قد يكون ضرره أكثر من نفعه.
ومن المهم جداً أن نخترق الإعلام الغربي ونصرف على ذلك من دون استكثار، فبأموالنا الطائلة وبالعنصر البشري المؤهل والدعاة المخلصين ورجال العلم والفكر والثقافة المقنعين نستطيع أن نخترق ذلك الإعلام كما فعل اليهود ونصحح الصورة التي نقلها ذلك الإعلام للغرب عن الإسلام والمسلمين، ونوضح حقيقة هذا الدين العظيم وتعاليمه السمحة. ومن الأشياء المهمة أن لا ندخل الحوار مع الآخر بشعور المتهم الذليل الذي كل همه أن يثبت براءته، فشعورنا بالدونية أمام الغرب وعقدة النقص التي نشعر بها نتيجة ضعفنا ونتيجة تركيز الإعلام الغربي على مثالبنا جعلت همّنا في كل حوار أن ننفي عنا التهم من دون أن نقنع الآخر بالإمكانات الهائلة التي يمكن أن نسهم بها في تقدم العالم ورقيه، وأن نقنع الآخر بأن ديننا الإسلامي ليس هو سبب ضعفنا بل إن تخلّينا عنه هو الذي أدى إلى هذا الضعف.
المهم أن يكون المسلمون حملة مشعل الحوار بل وأخذ زمام المبادرة فيه في مدلولاته الثقافية والاقتصادية والسياسية والعلمية الشاملة التي تتجلى في العالمية والشمولية والوسطية والواقعية والموضوعية والتنوع في الوحدة، وأن يحاوروا من موقع القوة لا الضعف ومن موقع صاحب الحق لا المتهم، لأن الضعيف لن يظفر بحق وإن كانت كل القوانين والأعراف والشرعية الدولية تسند ذلك الحق.
إننا إذا أردنا أن ننشر مبادئ الإسلام السمحة وثقافتنا وحضارتنا وأعرافنا وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة يجب أولاً أن نكون نحن أنفسنا مقتنعين بعظمة تعاليم ديننا وبرقي ثقافتنا وحضارتنا... الخ، وللأسف فإن كثيراً من أبناء الإسلام تنقصهم هذه القناعة ربما بسبب الإعلام العربي الضعيف وكذلك بسبب الضعف الذي يعيشه المسلمون الآن. فإذا لم نملك القناعة بعظمة تعاليم ديننا وسمو حضارتنا فكيف نقنع بذلك الآخرين، وعلى الجانب الآخر يجب أن نضاعف من جهودنا لنشر تعاليم ديننا فإن الجهد المبذول يعتبر ضعيفاً جداً إذا قارناه بجهود الملل الأخرى في نشر معتقداتها على رغم باطلها، هذا إذا أردنا أن ننشر مبادئ الإسلام السمحة ونعرّف الآخر بتاريخنا وحضارتنا العظيمة بفتحنا الأبواب مشرعة للآخر للتعرف عن قرب على رسالة الإسلام والثقافة والحضارة والتاريخ الإسلامي.
* رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية