مرتكزات الحوار الإسلامي وخصائصه

مرتكزات الحوار الإسلامي وخصائصه
أ. د. حسين جمعة
ثقافة الحوار تخلق حالة من التوافق بين الذات والآخر لتحقيق المنافع الخاصة والعامة؛ وإن لم تبلغ مرتبة التطابق أو الاندماج. ولعل هذا ينمّي بينهما أجزاء غير قليلة من عملية التسامح، ومن ثم التعاون والتفاعل بدلاً من تأجيج حالات الكراهية والصراع.

فإذا كان مجتمعنا العربي والإسلامي يعاني اليوم من ازدياد الآثار الناجمة عن حالات العنف والقهر غير المشروع نتيجة استخدام القوى المعادية للقوة المفرطة مادياً ومعنوياً، تقنياً وعسكرياً؛ إعلامياً ومعرفياً، فإن هذا المجتمع أحوج ما يكون لتوظيف ثقافة الحوار لمنافعه وصالحه، ولاسيما أن تلك القوى الظالمة قد وصمت مقاومته المشروعة للاحتلال الصهيوني بالإرهاب...

وإذا كنا نركز على شروط الحوار بوصفها تتكامل فيما بينها وفق التراتب الآتي: الوعي والحق والعدل والموضوعية والحرية والمسؤولية وإرادة الاختيار فإننا نرى أن كل مفهوم يؤدي إلى الآخر، فإذا انتقص شرط فقدت ثقافة الحوار جوهرها. ومن ثم نظر الإسلام إلى المسلمين بوصفهم أمة واحدة، لا يجوز أن تفرقهم الأهواء والشيع، إذ الأصل بينهم واحد، وهو يتجسد بالقرآن والسنة المطهرة.

ولعل الذرائع الواهية التي يتمسك بها بعض المفكرين، أو بعض الدول تستند إلى ما يملكونه من قدرات وطاقات وموارد وتقنيات وقوة مادية وإعلامية... فيجعلونها سبيلاً إلى استغلال الآخر والتحكم بمصيره. وهو ما تدحضه مبادئ الشريعة

الإسلامية، والنواميس الكونية، وشرعة حقوق الإنسان. بل إن الفطرة السليمة تنفي استغلال الإنسان للإنسان والاستبداد به، أو إشعال الفتنة بين أبناء الأمم الأخرى للسيطرة عليهم كما حصل ويحصل في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان والصومال...

ومن ثم فإن ثقافة الحوار بين المذاهب والأطياف المتحاورة يجب أن تؤدي إلى رسالة إنسانية، وهذا يفرض على أبناء الأمة الواحدة ألا يجعلوا الاجتهاد في الرأي المذهبي خلافاً بينهم، يتقاتلون عليه؛ ما ينتج عنه ضعفهم وخروجهم من الفعل الحضاري.

فالأمة اليوم أحوج ما تكون إلى التكاتف والوحدة في عصر تسود فيه التكتلات الكبيرة، وتتوافق فيما بينها على الرغم من أنها لا تشترك في ثقافة واحدة، ولا في تاريخ متماثل و... وإذا كان الاختلاف الداخلي مشروعاً، وسنة كونية.

ولهذا لابدّ لنا من إبراز خصائص ثقافة الحوار؛ بوصفها مشروعاً إسلامياً حضارياً في الفكر المعاصر؛ إذ لم تكن في يوم ما طارئة عليه؛ أو مفروضة من الخارج على ثقافته ومنها:

1- اعتراف كل طرف بالآخر وقبوله في إطار الوعي بالذات، هوية وكينونة. ولا يمكن أن يتم الوعي الوجودي بالذات، كما لا يتم بناؤها وتطويرها إلا من خلال (الآخر) بإدراكه والوعي به؛ بتفسير دوره ومفاوضة مكانته، وبالصراع المستمر معه، سواء أكان ذاك (الآخر) حقيقة أم خيالاً، ومهما كان بعيداً نائياً، أو قريباً جوانياً.

2- احترام كل طرف للآخر ولو كان ضعيفاً، وعدم الوقوع في استخفاف أو استهزاء أي منهما بالآخر في منزلته، وجنسه ولونه و... إذ لا يجوز في هذا المجال الطعن أو الغمز أو اللمز من الآخر تبعاً لطبيعة الاختلاف أو طبيعة الانتماء إلى قومية ما، أو طائفة ما...

3- الإيمان بالندية والمساواة في منزلة الطرفين، إذ لا يجوز الانطلاق من العصبية والهوى أو الهيمنة والتسلط... أي لا بد من تنمية روح الإبداع، والتخلص العناصر الشخصية الذاتية لصالح الحوار الموضوعي.

4- الانفتاح على الآخر نفسياً وفكرياً وموضوعياً، وعدم وضع شروط مسبقة لمراجعة أي مسألة أو موضوع؛ وعدم اللجوء إلى توظيف إمكانيات التفوق في الحديث لإثبات الذات على حساب الآخر...

5- إشاعة التفكير النقدي الحر، والمستند إلى العقل المنتج والحيوي وفق المنهج العلمي الموضوعي وتنمية روح المبادرة، وتحمل المسؤولية، وتبني مناهج وتربية تلبي ذلك كله واعتماد لغة منطقية تبتعد عن الشعارات.

6- اعتماد الرغبة في الحوار، والثقة به في صميم تنمية الحرية المعتمدة على آليات الديمقراطية الواعية والمسؤولة، والإعلاء من منزلة الإرادة والمعرفة وتبني القيم الفاضلة للوصول إلى أهداف مشتركة تفيد الجميع... فالحوار بهذا المبدأ يحقق العدالة، ويبعده عن السقوط في الجدل العقيم غير المنتج... فالحوار ينبغي أن يقوم على نظام خلقي راقٍ على كل الصعد والمستويات للوصول إلى وظيفته وهدفه المرجوين.

المصدر: http://www.majlis-mc.com/ArticleShow.aspx?ID=40548

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك