الأصول العشرة في أدب الحوار والمناظرة
الأصول العشرة في أدب الحوار والمناظرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله , وعلى آله وصحبه , أما بعد :
فقد تأملت في حال المهاترات والملاسنات التى تقع كثيراً في المحاورات على صفحات ( الأنترنت ) أو في بعض القنوات, فرأيت أن غالبها يرجع إلى أن الأطراف المتحاورة, قد ضيَّعت أصول الحوار والأدب في النقاش , فاستعنتُ بالله عزَّ وجلَّ على تدوين بعض الأصول في آداب النقاش والمحاورة, لتكون شعلةً مضيئةً في طريق الحوار الهادف البنَّاء , وما توفيقي إلا بالله, عليه أتوكل وإليه أُنيب .
فدونك – أيها الأخُ الحبيب – هذه الأصول , مع نصيحتي إليك أن تلتزمها في كل محاورة, ولو لم يلتزمها الطرفُ الذي تحاوره, فإنك إنْ فعلتَ ذلك فأنت الرابحُ في الحقيقة .
الأصل الأول :
الغايةُ من الحوار, هو الوصولُ إلى الحق , وليس الانتصار للرأي .
ولمَّا كان كثير من هؤلاء المتحاورين والمتجادلين في ( الأنترنت ), في القنوات, همُّه أن ينتصر لرأيه وأن يظهر على خصمه, رأيت العنادَ والمكابرةَ وبَطَرَ الحقِّ, ما يحوِّل المناظرةَ إلى جدل عقيم ومناقشة تافهة !
ومن الأقوال المشهورة عن الإمام الشافعي – رحمه الله – قوله : " ما ناظرت أحداً إلا لم أبال : بيَّن الله الحق على لساني, أو لسانه " . ( حلية الأولياء 9/188 )
لأن الحق عند هؤلاء الأئمة هو الغاية المقصودة والضالة المنشودة, وليس الانتصار للرأي ومغالبة الخصوم .
الأصل الثاني :
العنايةُ بالعلم والتأصيل وعرض الحجج, مع الإعراض عن السفاهة والبذاءة , فإن كثيراً من المتحاورين , إذا عَجَز عن مجاراة خصمه لجأ إلى الشتم والقذف ورمي التُّهم والدخول في المقاصد والنيات , علماً بأن بيان قصد القائل لا بأس به إذا أثبت المحاورُ الدليلَ على أن قصد محاوره كذا وكذا , أما الدخول في المقاصد والنيات رأساً وعجزاً عن مقارعة الحجة بالحجة فهو دليل العجز والإفلاس .
الأصل الثالث :
لا يُناظر أو يُحاور إلا العالم أو طالب العلم , أما الجاهل, فليس من أهل المناظرة ولا المحاورة, لافتقاره للأصول والقواعد العلمية التي يتحاكم إليها المتناظرون . كما لا يُناظر – أيضاً – من لم تكتمل أهليته العلمية؛ من أنصاف المتعلمين , أو غير المتخصصين, فالطبيب لا يُحاور في المسائل الشرعية, والصحفي لا يُناقش – بفتح القاف وكسرها – في الأمور الفقهية, واللغوي لا يحاور في المسائل الطبية أو السياسية . . .
الأصل الرابع :
تعيينُ أصلٍ عامٍ يُرجع إليه عند الخلاف , وبهذا تسير المناظرةُ مساراً صحيحاً , ويصل الطرفان إلى الحق فيما تناظرا فيه . أما إن كانت أصول المتناظرين مختلفة فمحال أن يصلوا إلى رأي يتفقان عليه . ومن هنا كانت مناظرة أهل البدع عبارةً عن جدل عقيم ؛ لأن أصول أهل البدع تخالف أصولَ أهل السنة , فالرافضي الذي يطعن في القرآن, ولا يُؤمن بالسنة ولا بالحديث إلا حديثاً يُروي من طريق أهل البيت – بزعمه – كيف يناظر ؟ وكيف نحاكمه بالأصول وهو لا يؤمن بها ؟ ولهذا حذَّر السلف من مناظرة المبتدعة ؛ لأن المبتدع قد يَضُرُّ السنيَّ بشبهاته, والسنيُّ لا يفيد المبتدع بعلومه وإفاداته .
الأصل الخامس :
قطعُ المناظرة إذا وصلت إلى طريق مسدود . فبقاءُ الحوار بعد انغلاق الأفكار, ضياعٌ للوقت وإهدارٌ للجهد .
الأصل السادس :
عدمُ الخروج عن قضية النقاش , فقد يكون الخروج عن مدار البحث وموضوع الحوار, نوعاً من الهروب, وضعفاً في المواجهة .
الأصل السابع :
إقامة الدليل وحده لا يكفي, بل لابد من الإجابة على دليل الخصم , فكما أنه يلزمُ المناظرَ أن يقيم الدليل على صحة رأيه, يلزمه – أيضاً - أن يجيب عن أدلة الطرف الآخر, أجوبةً مقنعةً, وليست تعسفيةً
الأصل الثامن :
توجيه النقد إلى القول لا إلى القائل ؛ فلا يُعيَّر المحاورُ محاوره بصغر سنه أو قلة علمه أو ضعف مؤهلاته وشهاداته , أو بأحد من شيوخه , أو بمواقفَ له سابقةٍ ليست لها علاقةٌ بموضوع الحوار . أو يفخرُ عليه بشهادته أو مشيخته أو منصبه أو تخصصه , فكل ذلك لا يغني من الحق شيئاً .
الأصل التاسع :
التزام الأدب أثناء الحوار, إن كان حواراً شفاهياً ؛ فلا رفعَ للصوت, ولا مقاطعةَ للكلام, ولا تحديقَ بالعين, كأنه يتطايرُ منها شرر, ولا تجريحَ بالعبارات, ولا تشنج في طرح المسائل والموضوعات .
هذا, ومن كان فاقداً للحلم سريعَ الغضب ضيقَ الصدر, فليتجنب المناظرات الشفاهية , فقد يُغلب فيها من كانت هذه حالته, لا لضعف حجته, بل لغضبه وتشنجه الذي أفقده اتزانه وإدلاءَه بحجته على الوجه المطلوب . وكم من ضعيف الحجة استطال بهدوئه ورباطة جأشه على خصمه المضطرب المتشنج .
الأصل العاشر :
الرجوعُ إلى الحق خير من التمادي في الباطل ؛ فمتى ظهر للمحاور صحةُ قول خصمه, وقوةُ دليله, فيجبُ عليه أن ينقاد للحق ويقبلَ به, ويقرَ لخصمه بذلك , بل ويشكره على ما بين له من الحق الذي يجب اتباعه, والباطل الذي يجب اجتنابه .
قال الإمام الشافعي – رحمه الله - : ما أوردتُ الحقَّ والحجةَ على أحد فقبلها مني إلا هبتُهُ واعتقدتُ مودتَه. ولا كابرني أحدٌ على الحق ودفع الحجة الصحيحة إلا سقط من عيني ورفضتُه. ( حلية الأولياء9/117 )
تمت بحمد الله تعالى
كتبه / عبدالحميد بن خليوي الجهني
ليلة الأربعاء 21 جمادى الأولى 1431 هـ
المصدر: http://www.mktaba.org/vb/showthread.php?t=16276