الاسلام في اميركا
الاسلام في اميركا
توطئة.
يعيش عالمنا اليوم في عصرالعولمة، حيث يطرح سؤال بديهي:
هل العولمة تحترمالتعدديةالثقافية؟ وهل العولمة تشكل تهديدا للدين؟ وللثقافة الدينية؟
بامكاننا الاجابة عن هذه الاسئلة، من خلال دراسة انتروبولوجية لمجتمع الولايات المتحدةالاميركية، بوصفه الانموذج الاهم لمجتمع تعددي، من حيث الدين واللغة والحضارة والعرقوالايديولوجيات وبوصفه، ايضا، ذا نزعة منفتحة على الانسان، علاوة على انه الراعيللعولمة، بالرغم من ان سياساته الخارجية غير الديمقراطية تلقى اشمئزازا.
دراسة هذا المجتمع وقراءة كيفية تطور تعامله مع الديانات وخصوصا الديانة الاسلامية منمنظور انتروبولوجي يعتمد على مبدا الجغرافيا والاخذ والعطاء في الثقافة، اضافة الىالبيولوجيا والتاريخ، سيساعدان الباحث على كشف مسير العولمة والعوائق الموجودة امامالثقافات الدينية.
قد تكون اميركا اهم ارض التقت فيها الفلسفة الكونية الشمولية الاسلامية مع الفلسفةالليبرالية التعددية في القرن العشرين حيث زاد فيها عدد المسلمين وخصوصا في العقدينالاخيرين، بسرعة كبيرة خارج معاقلها التاريخية، شانها شان الاديان الاخرى. هذا يعني،تبدل اهمية الوحدة المكانية للاديان الى شبكة العلاقات والاتصالات. فالاهم لاصحابالديانات في عصر العولمة، وصولهم الى شبكة تصلهم بعضهم ببعضهم الاخر بدل الحاجةالى تجمع مكاني. وحصيلة هذه الظاهرة كانت ازدهار الصحوة الدينية في الولايات المتحدة.لذلك نستطيع القول، ان اي ديانة لها خصوصية متحركة (La religion dynamique وايمتدنين يستحسن عملية التثاقف، (accuturation) التحرك القائم بين الانفتاح علىالاخر والعودة الى الذات وفق منطق التلفيق والتوفيق بين الدين والكون والواقع. والواقع يدلعلى ان المسلمين في اميريكا، بامكانهم، استشراق الشمس من مغربها.
طبيعة المجتمع الاميركي سكان اميركا الاصليون هم الذين سماهم «كريستوفر كولومبس» (1451 1506م)، لدىاكتشافه القارة الاميركية (وصل الى شواطى سان سلفادور في تشرين الاول سنة 1492م)،خطا، الهنود الحمر، فكولومبس كان يعتقد، عندما وصل الى العالم الجديد (القارة الاميركية)،انه وصل الى الهند.
وكان لهؤلاء «الاميركيين الاصليين» حضارات غنية، غير انها ابيدت بفعلالزحف الاوروبي، وبخاصة الاسباني في جنوب اميركا ووسطها، حيث اباد الاوروبيونحضارات بكاملها من اجل استعمار هذه البلاد والاستيلاء على الذهب والفضة والثرواتالاخرى. ولم يكن فاتحو العالم الجديد مثل العرب والمسلمين الذين كانوا، عندما يقيمونفي بلد ما، يتعايشون مع اهله تعايشا يفضي الى ان يكونوا معا مجتمعا واحدا. الاسبان لميفعلوا ما فعله المسلمون، بل قمعوا السكان الاصليين وابادوهم، وكذلك فعل البرتغاليون،غير ان هؤلاء كانوا افضل معاملة للسكان الاصليين في البرازيل، حيث قامت الامبراطوريةالبرتغالية الكبرى.
وحدث الامر نفسه في شمال اميركا، حيث كانت تعيش ايضا الشعوب الاصلية لهذه البلادعندما بدات الهجرة الانكليزية، في القرن السابع عشر، الى اميركا، ثم الفرنسية الى اميركاوكندا. لم يختلط الانكليز والفرنسيون بسكان البلاد الاصليين، بل همشوهم وحشروهم فيمستوطنات صغيرة تسمى .
RESERVATIONS وهذه المستوطنات لا تزال قائمة فياميركا وكندا، ويعيش اهلها، اجمالا، في فقر وفاقة مقارنة مع السكان البيض.
وجاء الى اميركا السود، او الزنوج، من افريقيا، ولا سيما من غربها، فهؤلاء وصلوا الىالولايات المتحدة الاميركية وبعض جزر البحر الكاريبي وجنوب امريكا ارقاء، اي عبيدايباعون. وكانت نسبة المسلمين بين هؤلاء تتراوح بين عشرين وثلاثين بالمئة، وقد حاولالمسلمون الذين كان لهم ائمة، ان يحافظوا على هويتهم الاسلامية، غير انهم لم يتمكنوا منذلك فطمست هذه الهوية، ومنذ وقت مبكر.
وفي زمن الهجرة الى امريكا، وقعت احداث اوروبية مهمة، منها:
طرد المسلمين واليهود منغرناطة، او ما يسمونها غرانادا آGRANADA وايزابيلاعام 1492م اسبانيا. وفي ذلك العام ابحر كريستوفر كولومبس الى اميركا. وفي اوائل القرنالسادس عشر قامت حركات الاصلاح البروتستانتية في اوروبا: مارتن لوثر تپثثآت LUTHERسويسرا، وسيطر على زوريخ وبرن، لكنه قتل في صدام بين الكاثوليكوالبروتستانت في سويسرا ويوحنا كلفين (calvin 1509 1564م) فقد نشر هذا المصلحالفرنسي، في فرنسا وسويسرا مذهبا حمل اسمه، وانشا اول دولة مسيحية في اوروبا فيمدينة جنيف السويسرية. وما لبثت هذه الحركات ان انتشرت، فامتدت الى بريطانيا وفرنساوهولندا، وهذه الاخيرة سرعان ما اصبحت دولة مستعمرة، فقد استعمر الهولنديون اندونيسيا(وهي الان اكبر دولة اسلامية في العالم)، واستعمر البريطانيون ما يعرف الان بالولاياتالمتحدة الاميركية، واستعمر الفرنسيون بعض مناطق كندا (كيبك) وجزءا من الولاياتالمتحدة الاميركية، اطلقوا عليه، في ما بعد، اسم ولاية لويزيانا (LOUISIANAفي ما بعد.
نتيجة لهذه الاحداث، هاجر الى اميركا العديد من الاوروبيين الذين اضطهدوا دينيا فيبلادهم. فتعددت الاديان، فهناك، على سبيل المثال، ولايتان احداهما في شمال شرقاميركا اسمها «رود ايلاند» هاجر اليها وسكنها الكاثوليك والاخرى اسمها بنسلفانيا هاجرتاليها واستوطنتها بعض الطوائف البروتستانتية المتطرفة. وهكذا فان المجتمع الاميركيمجتمع متعدد الاجناس والاديان منذ البدء.
وتعددت، في هذا المجتمع، وفي البدء، ايضا، اللغات، ثم صوت «الكونغرس» لصالح اللغةالانكليزية، وكان يمكن ان تكون اللغة الالمانية هي اللغة الرسمية، ولكن جرى تصويتعلى اختيار اللغة الانكليزية. وحديثا، بدات هجرة واسعة من اميركا اللاتينية الى اميركاالشمالية، ففي العديد من الولايات اليوم توجد لغتان:
اللغة الانكليزية، وهي اللغة الرسميةللبلاد واللغة الاسبانية، وهي اللغة الثانية في البلاد.
وهكذا نرى ان المجتمع الاميركي، من حيث الدين واللغة والحضارة والعرق، مجتمع تعددي،غير ان الحضارة واللغة اللتين سيطرتا ولا تزالان تسيطران عليه هما: الحضارة البروتستانتيةواللغة الانكليزية.
يربط ماكس فيبر (MAX WEBERآت اصل يهودي، عاش في اوائلهذا القرن، بين ما يسميه «الاخلاقيات والعقيدة البروتستانتية» وبين الاستعمار الاوروبي،وذلك لان البلاد التي صارت مستعمرة كانت في مجملها بروتستانتية. اما فرنسا والبرتغالوغيرهما من الدول فامر الاستعمار فيها مختلف، يقول فيبر: ان هذه الدول تتبنى افكار كلفنالقائلة: ان الانسان ممثل اللّه في الارض، وانه يقوم بادارة هذه الارض للّه، وليس له، ومن ثميجب عليه ان لا يضيع وقته في اللعب واللهو، وانما عليه ان يعمل جادا حتى يكون عبداامينا على ما استامنه اللّه عليه.
ومن هنا نشات، في بريطانيا، ولمدة قرن او اكثر، ومن ثم في اميركا، حركة ثآثپثجت ايحركة الانقياء الذين حاولوا تطبيق المسيحية النقية. فقد منع هؤلاء الموسيقى ومختلف انواعاللهو، واصبح عملهم جادا ودائبا بهدف الاعمار والسيطرة.
وساعد اتحاد هذه الاخلاقياتبالعمل على ان تغدو هذه الدول دولا مستعمرة.
اما الفرنسيون وسواهم، من غير البروتستانت، فانهم كانوا كالمستعمرين الاخرين بعامةيهدفون الى تحقيق امرين:
الامر الاول نشر الدين المسيحي من طريق المؤسسات والارساليات التبشيرية، والامرالثاني ارساء مبدا الحكومات العلمانية المستعمرة، ومفاده ان العرق الاوروبي الابيض هوالمتحضر والمتطور وان حضارته ينبغي ان تسود، فعندما يستعمر الانسان الابيض، باسمدولة معينة، مناطق واسعة من العالم، فهو ينقل الى هذه المناطق الحضارة الاوروبية المتفوقة.كان الفرنسيون يقولون ان لديهم رسالة حضارية، وهكذا اعتقد البريطانيون، ومن ثمالاميركان. وقد اخترع هؤلاء دينا علمانيا هو «الديمقراطية»، وعملوا على تسويقه الى باقياقطار العالم، وراحوا يحاربون الشعوب ويقتلون الناس بحجة نشر «الديمقراطية التي يؤمنونبها، وكما يرونها من منظور مصلحتهم.
المجتمع الاميركي، اذا، ومنذ بدايته وحتى الان، مجتمع تعددي: دينيا وحضاريا ولغوياوعرقيا وايديولوجيا.
ويلاحظ من يعيش في المجتمع الاميركي ان الاميركيين المسيحيين، وان كانوا غيرمتدينين، فانهم لا بد من ان يذهبوا الى الكنيسة اذا ارادوا ان ينجحوا سياسيا واجتماعيا،فالرجل الاميركي المثالي هو الذي يتانق في لباسه، ويكون اسرة:
فتكون له زوجة واطفال،ويكون له عمل ويذهب الى الكنيسة يوم الاحد. وان كان مؤمنا، او غير مؤمن، فلا شانللدولة بذلك.
ويرى المراقب ان كل رئيس اميركي لا بد من ان يباركه احد رجال الدين عندابتداء عمله في سدة الرئاسة، فمن هذا المنطلق اقول: ان المجتمع الاميركي مجتمع تعددي،وكثيرا ما يمزج، بطريقة او باخرى، بين الدين والعلمنة. النظام الاميركي، القائم اداريا علىالديمقراطية، هو نظام علماني وليس دينيا، ولكن تركيبة المجتمع الاميركي وتشديدالاميركيين على الاخلاقيات الظاهرة، يجعلان هذا المجتمع مجتمعا متدينا.
يجد الاسلام، في اميركا، مكانا له في هذه التعددية الدينية والايديولوجية. والارضيةالاميركية صالحة لانتشار الاسلام اذا كان المسلمون ملتزمين بالدعوة القرآنية المتمثلة بقولاللّه تبارك وتعالى: (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هياءحسن) [النحل، 16/124].
وقد يكون من الصعب ان نعين على وجه التحديد خصوصية الحضارة الاميركية التي تميزهامن الحضارة الاوروبية، ولكن يمكن القول:
ان النزعة العاطفية الافرو اميركية، في الموسيقى والدين والحضارة، اجمالا، هي التي كونتالاساس للحضارة الاميركية، فعندما هاجر السود الى اميركا كونوا نوعا من مشاعر الحنينالقائمة على اساس العقائد والنصوص التوراتية التي تتحدث، مثلا، عن استعباد بني اسرائيلفي مصر لدى فرعون، فبعض الاناشيد الدينية التي تسمى اغاني الانجيل تقول: «يا موسىانزل من الجبل، ويا فرعون دع شعبي يذهب...». هذا الحنين اعطى التدين الاميركي، الى حدما، خصوصيات اميركية مختلفة عن اوروبا. وقد عبرت عن هذا الحنين الموسيقى الاكثرشيوعا في اميركا، وهي موسيقى الجاز. هذه الموسيقى الصاخبة والعاطفية جدا في اميركااساسها، حسب اعتقادي، يتمثل في هذه الحضارة السوداء الاميركية التي تقوم على المفاهيمالدينية.
اما الحضارة الاسلامية، فكما قلت من قبل، فقد انطمست معالمها في وقت مبكر، ولكنهاعادت تنشط في زماننا هذا.
ولكن التدين الاسلامي الاسود في اميركا قريب، في كثير منجوانبه ومعالمه، من ذلك التدين العاطفي المسيحي ولم يؤثر حتى الان على الجالياتالاسلامية التي هاجرت من بلاد الاسلام الاخرى. واعتقد ان الجالية الاميركية الاسلاميةالسوداء او الافرو اميركية هي من اهم الجاليات الاسلامية في اميركا، لانها جالية متجانسة.السود فقط سود، ولكن الباقون عرب وافغانيون وباكستانيون وهنود وايرانيون، اي متعددواللغات والجنسيات. الاسلام ينمو بسرعة رهيبة بين هؤلاء السود المسلمين، ولكني اعتقد انعادات هؤلاء المسلمين السود وتقاليدهم لم تؤثر كثيرا على عادات المسلمين الاخرينوتقاليدهم في اميركا.
الاديان في المجتمع الاميركي
استعمرت البرتغال واسبانيا ما يمكن ان نسميه، الان، جنوب اميركا ووسطها، واستعمرتالدول الغربية: بريطانيا وفرنسا والمانيا وهولندا اميركا الشمالية وكانت هجرتهم اليها.
واميركاكلها، سواء اكانت جنوبية ام شمالية، اراض خصبة غنية بالثروات.
ونحن على ثقة، الان، بان الكثير من المسلمين (المورس)، من بلاد الاندلس، هاجروا الىالمكسيك، في موجات استيطانية لاحقة. ويرى مؤرخون ان بعض المسلمين كان بين بحارةكولومبس. وما يجعلنا نرجح هجرة الكثير من المسلمين، في تلك الموجات الاستيطانية،معالم البناء الاسلامي التي ما زلنا نراها حتى الان في المكسيك، علاوة على بعض الاسماءوالدلائل التي لا يمكن ان تنكر ابدا والتي تدل على انه كان هناك وجود اسلامي مهم فيالمكسيك في اواخر القرن الخامس عشر واوائل القرن السادس عشر الميلاديين.
ولكن اميركا اللاتينية تختلف عن اميركا الشمالية بخصوصية مهمة جدا، وهي ان الهجرة الىاميركا اللاتينية كانت في معظم الحالات هجرة كاثوليكية، والكاثوليك لا يقبلون بالتعدديةالدينية، فكانوا يكثلكون الناس عنوة، اي بالحديد والنار. هكذا فعلوا في الاندلس ثم فياميركا اللاتينية، وهكذا فعلوا في جنوب شرق آسيا، فالفليبين مثلا كانت، مثل ماليزياواندونيسيا، بلادا اسلامية، لكن عندما استعمرها الاسبان فرضوا الكثلكة بالحديد والنار،والان الاسلام في الفليبين يقتصر على منطقة «مندناو» في اقصى الجنوب، وحتى الان لايزال المسلمون يقتلون ويضطهدون من قبل السلطات الفلبينية الكاثوليكية، وان كان لا بدمن القول: ان الامور قد تغيرت بعد مجمع الفاتيكان الثاني، فانه حتى وقت قريب جدا ما زلنانرى ان البلاد الكاثوليكية اقل مراعاة للحرية الدينية من البلاد البروتستانتية.
الكثيرون من الذين هاجروا الى الولايات المتحدة الاميركية وكندا فعلوا ذلك بحثا عنالحرية الدينية، وهذا مهم جدا خصوصا في الولايات المتحدة.
وهناك سبب آخر للهجرة يمكن ايضاحه كما ياتي: كانت اوروبا تواجه، آنذاك مشكلةسكانية، اذ انها لم تعد تستوعب سكانها، فكان كثير منهم يهاجرون الى اميركا بحثا عنفرص للعمل وتحصيل الثروة. وهذا ما فعله كثير من ابناء القارتين الاخريين:
آسياوافريقيا.
هناك، اذا، سببان للهجرة: السبب الديني والسبب الاجتماعي.
قلنا، في ما يتعلق بالسببالديني: ان كثيرا من الاوروبيين هاجروا الى اميركا بحثا عن الحرية الدينية، وقد كفلالدستور الاميركي القائم على حرية العقيدة هذه الحرية، لكن تطور المجتمع ادى، في ما ادىاليه، الى ان يقوم صراع ليس بين الدين والعلمنة، وانما بين الدين والالحاد.
والالحاد، في اميركا، اخذ اشكالا كثيرة، في اول الامر كان الاميركيون يعارضون الالحادالاوروبي الذي نشا في عصر الاستنارة، وكانوا يعارضون، ايضا، الفكرة القائلة بالاله الصانعفقط وليس بالاله الصانع الحكيم الرحيم، ويعدون هذا الاعتقاد الحادا، ثم لما جاءتالماركسية اضحى الالحاد ماركسيا.
وقد ادت هذه الحرية الدينية، في نهاية الامر، الى قيام طوائف ومؤسسات دينية مهمة ينتمياليها الافراد ويكون لها طابع اميركي خاص، وهذا ما جعل الاقليات، في غير بلد من بلدانالعالم، والتي هاجر قسم من ابنائها الى اميركا، تحصل على شيء من القوة والنفوذ،فالمؤسسة البهائية، مثلا ، مقرها الاول والاهم في حيفا في فلسطين المحتلة، والثاني الذييليه في الاهمية في امريكا. فخارج مدينة شيكاغو، في ويلمت، هناك معبد بهائي مهم.والبهائيون نشيطون جدا في امريكا. اما اليهود فاكثر قوة ونفوذا، فقد تمكنوا، بعد ان طردوامن اسبانيا، وفي زمن غير طويل، من السيطرة على مراكز القوة والتاثير في اوروباواميركا.
اول الامر قال لوثر: ان اليهود اقرباء الرب، اي اقرباء المسيح، ويجب ان نحترمهم، ولكناليهود لم يتجاوبوا مع دعوته المسيحية فنقم عليهم، وبدا يقول: انهم قتلة الرب، وهم الذينصلبوا المسيح. بدا وضع اليهود يتحسن، في اوروبا، بعد الثورة الفرنسية. في نهاية القرنالتاسع عشر، اثيرت قضية تسمى «قضية دلايفوس»، وهو ضابط يهودي فرنسي اتهمبالخيانة، ثم تبين ان هذا الاتهام كان باطلا. وعلى اساس هذه القضية دعا الصحفي المجريتيودور هرتزل (دحشزحب 1860 1904)مؤسس الحركة الصهيونية الى قيام دولة يهوديةعلى اساس ان اليهود ليس لهم مستقبل في اي دولة في العالم الا في دولتهم الخاصة بهم.وقد تبنى الاستعمار الغربي (اوروبا ثم اميركا) هذه الدعوة، وعمل على تحقيق اهدافها، فقامالكيان الصهيوني على ارض فلسطين. فالحركة الصهيونية حركة سياسية تؤدي دورا فيخدمة المشروع الاستعماري الغربي. وفي اميركا حركات يهودية اخرى نتحدث عنها في ماياتي:
جاء اليهود، اولا، الى ولاية ميريلاند، ثم الى نيويورك، ثم الى الولايات الاخرى. واستقر بهمالمقام بعد شيء من المعاناة، لان الكثير من الاوروبيين الذين هاجروا الى اميركا لم يكونوايتقبلون اليهود بسهولة. ثم تغيرت الامور، وادى ذلك الى ان تنشا في اميركا حركات نسميها«الحركات البروتستانتية الالفية». وهذه تقوم على عقيدة مفادها انه قبل نهاية العالم سيرجعالمسيح، ويملك في الارض مدة الف سنة مع المسيحيين المؤمنين. وبعد ذلك تنتهي الدنياوتاتي الدينونة الكبرى.
ولكن المسيح، كما ترى هذه العقيدة، لا يرجع الى الارض قبل ان يرجع جميع اليهود الىفلسطين. وقد اخذ اتباع هذه العقيدة بعض نبوءات العهد القديم وطبقوها على العصرالحاضر.
فهناك، مثلا، نبوءة في احد الاسفار تقول: ان اللّه سيعيد اليهود الى ارض الميعاد، ايالى فلسطين، على اجنحة النسور. وهذا تعبير مجازي يعني ان العودة ستتم بسرعة وقوة،ولكن هم يقولون: ان النسور تعني اليوم الطائرات. تشجع هذه الحركات الكيان الصهيونيوتدعمه سياسيا وماليا، وذلك ليس حبا به، ولكن حتى يساعد على مجيء المسيح الثانيورجوع اليهود الى فلسطين. في هذه الحركات، الان، اتجاه عقلاني ومعتدل، ويدافع عنحقوق الفلسطينيين، وفيها اتجاه يمكن ان نسميه الاتجاه المتطرف، وهو ياخذ التوراةبحرفيتها، فاذا ما جاء في التوراة، مثلا، ان اللّه يعيد اليهود الى فلسطين، فاتباع هذا الاتجاهيرون ان ذلك لا بد من ان يحدث، وهذا الجناح المتطرف موجود في جميع هذه الطوائفالبروتستانتية تقريبا، في المعمدانية وفي ما نسميه كنيسة اللّه. وهناك طوائف شبه يهوديةبروتستانتية، مثل السبتيين المعمدانيين، وهؤلاء لا يعمدون الاطفال وانما يعمدون الذكوروالاناث عندما يبلغون الحلم حتى يعرفوا معنى المعمودية. الكنيسة المعترف بها، في معظمالدول الغربية، هي هذه الكنيسة المسيحية الانجيلية، والكنائس لا بد من ان تسجل نفسهاتحت اسم هذه الكنيسة. و «الكنائس الانجيلية» تسمية عامة للكنائسالبروتستانتية.
وتوجد في اميركا طوائف قوية جدا يمكن ان نسميها «الطوائف الالفية» او «الاستنالوجية»،وهي تقوم على نوع من «المهدية المسيحية» التي تقول: لا بد من ان يتغير العالم على يدالمسيح العائد. هذه الكنائس، في مجملها، شجعت على قيام «اسرائيل» وتشجع على بقائها،ومن ثم على اعادة بناء الهيكل اليهودي في فلسطين. والهيكل اذا قام، كما يقول اتباع هذهالطائفة، لا بد من ان يقوم فوق قبة الصخرة في المسجد الاقصى، لان هذا هو موضع الهيكلفعلا، وهم يسمون هذا المكان «جبل الهيكل».
لماذا؟ لانهم يعتقدون ان المسيح لن يعود الااذا عاد اليهود جميعهم الى ارض الميعاد، ويستشهدون على ذلك بالنصوص التوراتية التيياخذونها بحرفيتها ويطبقونها، ليس على التاريخ اليهودي قبل المسيح كما كان يتكلمحزقيل واشايا وغيرهما من انبياء العهد القديم الذين تكلموا عن رجوع اليهود، من السبي،من بابل وفارس، وانما على آخر الزمان. هؤلاء لهم «لوبي» في اميركا يدعم الكيانالصهيوني وسياساته المتطرفة، وهم اقرب «الان» الى اليمين الصهيوني المتطرف، لانهميعتقدون ان هذا التيار سياتي باليهود الى فلسطين، ويهيى الارض ويسرع عودةالمسيح.
وقد انتشرت هذه الفكرة بين المثقفين الذين لا يؤمنون بحرفية التوراة، وظهر ما يمكن اننسميه «لاهوت ملكوت اللّه».
ويوجد بعض المفكرين المهمين من الاساتذة والكهنةوسواهم، وهم اكثر صهيونية من الصهاينة انفسهم، فهم يعتقدون ان ملكوت اللّه لا تتحقق فيالعالم كما ارادها اللّه في الانجيل. الا اذا قامت دولة اسرائيل وقام لليهود كيان فيالعالم.
وهكذا نرى ان المجتمع الاميركي، اجمالا، مجتمع ديني، والاميركيون يفضلون التعامل معالمجتمعات الدينية. ولكن توجد الان في اميركا وخارجها مشكلة تتمثل في ما يسمونه«الارهاب». وهذا «الارهاب» ياخذ شكلا ايديولوجيا في الحركات «النيونازية» في اميركاوهي كثيرة، وربما ياخذ شكلا دينيا متطرفا يقوم على فكرة مفادها ان الدين المسيحي هوالدين الوحيد الذي يجب ان يسود في اميركا، واتباع هذا الاتجاه هم الذين فجروا مقرالحكومة في «اوكلاهوما»، وذلك لانهم يعتقدون ان هذه الحكومة هي المسيطرة علىالمجتمع الاميركي في حين ينبغي، ان يكون هذا المجتمع فرديا الى اقصى حد، ويعمل كلفرد فيه ما يحلو له.
الدين، بمعناه الجوهري، يعني الايمان باللّه الخالق. هذه فطرة جوهرية في الانسان، وهيفطرة اللّه التي فطر الناس عليها، ولكن الدين المؤسسة والتشريع يختلف. وانا اعتقد انالمجتمعات الشرقية، بمجملها، لا تقوم على حرية الفرد وانما على مؤسسة الامة، وانابوصفي مسلما، اعتقد على المستوى الشخصي، ان حريتي الشخصية تنتهي عند مصلحةالامة.
فحريتي الفردية تتمثل في ما اعتقده بيني وبين نفسي وبيني وبين اللّه، وهذا مهم. وانا يحقلي ان افعل ما اريد، ان آكل واشرب وغير ذلك، ولكن انا لست حرا في ان اكتب كتابا مثلكتاب سلمان رشدي، لان هذا في نهاية الامر يضر بالامة اجمالا. في الجانب المقابل، اذا كانلكل واحد الحق في ان يقول ويفعل ما يريد لا بد من ان تحدث الفوضى، لا بد، اذا، من انيكون هناك امر بين الامرين كما قال الامام علي بن ابي طالب (ع). ومن ناحية اخرى،يمكن ان تقوم دولة وتصادر الحريات جميعها، وتسيطر على كل شيء.
دخول الاسلام الى امريكا الشمالية كيف ومتى دخل الاسلام الى اميركا؟ ولا نعني باميركا الولايات المتحدة وكندا فقط بل القارةالامريكية بشكل عام.
اختلف العلماء في الاجابة عن هذين السؤالين. فبعض الابحاث الاثرية والتاريخية تشير وان لم يثبت ذلك نهائيا الى ان الاسلام دخل الى اميركا قبل وصول كريستوفر كولومبسالى هذه البلاد بقرون عديدة، وربما كان الذين سافروا الى اميركا من التجار الافارقة، وربمامن العرب، وهذا ما زال موضع تكهن.
وهناك من يقول: ان الاسلام دخل الى العالم الجديد، او الى القارة الاميركية الكبرى، معكولومبس عام 1492م، ففي باخرته التي ابحرت من اسبانيا، ايام فرديناند وايزابيلا، ملكااسبانيا، كان بعض المسلمين الذين كانوا يؤدون شعائرهم الدينية. ربما كان هذا القولصحيحا، لانه في السنة التي ابحر فيها كولومبس الى اميركا، معتقدا انه يكتشف طريقاجديدا الى الهند، وحد فرديناند وايزابيلا اسبانيا، وبدات محاكم التفتيش تعذب المسلمينوتحرقهم لتجبرهم على التنصر. ومن المحتمل ان بعض هؤلاء المسلمين حاولوا التخلصمن هذا الاضطهاد بالسفر الى العالم الجديد.
ولكن، في ما يتعلق بالولايات المتحدة الاميركية بالذات، فقد بدات هجرة المسلمين اليهافي القرنين السادس عشر والسابع عشر، وهذه الهجرة لم تكن هجرة اناس ارادوا ان يهاجروابارادتهم الى مكان آخر، ولكن كانت هجرة افارقة ارغموا على الهجرة، وغدوا في ما بعدعبيدا. وكان قسم كبير من هؤلاء مسلمين. ذلك ان الاسلام كان متاصلا في غربافريقيا. حمل الكثير من هؤلاء الافارقة الذين اسروا في مراكب الى اميركا. كانت الحياة في تلكالمراكب قاسية جدا، وكان المهجرون يعاملون معاملة الحيوانات. وقد حملوا الى اميركاليعملوا في مزارع القطن والتبغ. وتفيد المعلومات ان نسبة المسلمين بين هؤلاء كانت بين 20و 30%.
وقد اكتشفت، الان، السير الذاتية لبعض هؤلاء المسلمين، الذين كان بينهم ائمة يقراونالقرآن. وقد حاول بعضهم التخلص من نير الرق في اميركا، ومنهم من افلح في ذلك، وذهبالى بعض الجزر، مثل هاييتي وغيرها من جزر البحر الكاريبي، حيث لم يكن الافارقةمستعبدين مثلما كانوا في اميركا. لم يكترث اسياد هؤلاء المساكين العبيد: المسلمين وغيرالمسلمين، بالامور الانسانية، فلم يعنوا بان تبقى اسر هؤلاء الناس في مكان واحد، فكثيرا ماكانت تباع زوجة العبد في مدينة، ويباع هو في مدينة اخرى، ويباع اولاده في مدينة ثالثة.وهؤلاء المباعون كانوا يعاملون معاملة الحيوانات. ومع مرور الزمن، لم يعد للاسلام اثر يذكرعندهم. وقد اعتنق بعضهم المسيحية، واتخذوا اسماء اسيادهم، مثل جونسون واندرسون،واصبحوا في نهاية الامر مسيحيين.
والحق يقال: ان التراث الاميركي المسيحي الروحي الغني هو من صنع هؤلاء العبيد الذينكانت عواطفهم الدينية تعبر عن مآسي استعبادهم واضطهادهم، لان اسيادهم البيضالاميركان كانوا يعاملونهم معاملة اقل من معاملة الحيوانات.
ثم قامت، في اميركا، الحرب الاهلية، في سنة 1860م، وكان من اهدافها تحرير الرق.وانقسمت اميركا، آنذاك، الى قسمين:
الولايات الجنوبية الكونفدرالية والولايات الشماليةالشرقية، وكانت هذه الولايات الملاذ والملجا للعبيد الذين استطاعوا الهرب من الولاياتالجنوبية. ولما انتصر «ابراهام لينكلن» اعاد توحيد الولايات جميعها، وحرر العبيد رسميا، ولميعد هناك، بصفة رسمية، رق في اميركا، ولكن لا بد من ان نقول: ان عقلية الرق ونفسيةالرقيق بقيتا في هؤلاء الناس، ولا تزالان، حتى الان، تشكلان المرارة والاسى في نفوسهؤلاء الناس الذين لا يزالون من المحرومين والمستضعفين.
اخذ الاسلام موقعا خاصا لدى العبيد المحررين، لانهم وجدوا فيه المساواة بين الناس بغضالنظر عن اللون والعرق.. فهؤلاء ظلوا، حتى بعد تحررهم، يعانون من العنصرية ومشكلاتها.عرف هؤلاء، في بداية الامر، بال «نيغروز ژرزخحت اي الاسود، صاحب البشرة السوداءوالملامح الافريقية المعينة. وقد رفض المحررون هذه الكلمة في التعريف عن انفسهم، لانهاصارت تستعمل للتعبير عن الازدراء والاهانة، فاذا اشار الانسان الابيض الى الانسان الاسودبقوله: «نيغرو رزخحت فهذا يعني اهانة له، واختاروا اسم السود (Blacks). واخيرا صاروايعرفون، مسلمين وغير مسلمين، ب «: American People Africanخزحذآ الشعب الا فريقيالاميركي».
في منتصف القرن التاسع عشر، وخصوصا بعد الحرب الاهلية الاميركية التي دامت سنينعديدة وقضت على حياة الكثيرين من الاميركان البيض، عرفت البلاد حاجة الى الايديالعاملة، ففتحت ابواب الهجرة امام الشعوب الاوروبية وشعوب الشرق الاوسط، فهاجر الىاميركا وكندا الفرنسيون والبريطانيون والالمان والايطاليون والاسبان وغيرهم من شعوباوروبا التي انهكتها الحروب. وهاجر، ايضا، بعض المسلمين مما يعرف اليوم بسوريا ولبنان،ومن تركيا والبانيا، ومن شبه القارة الهندية، او ما يعرف الان بالهند وباكستان.
وهكذا نرى، ان الامة المسلمة في اميركا متعددة الجنسيات واللغات والاعراق، وهذا شيءمهم جدا، وهؤلاء المهاجرون الاوائل، الذين هاجروا الى المناطق الزراعية والصناعية اتواالى اميركا بغية الحصول على المال، وكان املهم ان يعودوا الى بلادهم ويتزوجوا ويقيموافيها، وبعضهم لم ينجح، فعاد الى بلاده بشيء من الاحباط، وبعضهم الاخر نجح وبقي فياميركا وكندا وارسل كثير منهم في طلب عائلاتهم واقربائهم... ولكن السواد الاعظم، منهؤلاء المهاجرين، غيروا اسماءهم، في نهاية الامر، فصار محمد ياخذ اسم مايكل وعليياخذ اسم جايمس وحسين اسم هنري وهكذا... وتزاوجوا مع السكان الاخرين في اميركاوكندا، وذابوا ونسوا اللغة والدين، وصاروا اميركيين.
وهكذا نرى ان هؤلاء الذين هاجروا، في منتصف القرن التاسع عشر، لم يشكلوا، بالفعل،جالية اسلامية في اميركا وكندا او في اميركا الشمالية. ولكن الهجرة هذه لم تتوقف، ففيالسنين التي سبقت الحرب العالمية الاولى، وفي سنوات الحرب من 1914 الى 1918 عرفتالبلاد العربية ضائقة مالية كبيرة ومجاعات، فاضطر الكثير من المسلمين وغير المسلمين، منالعرب، من لبنان وسوريا وفلسطين، الى الهجرة الى اميركا.
هاجر هؤلاء الى اميركا، وهم اكثر وعيا بامور دينهم وحضارتهم، فبداوا يبنون المساجد فياماكن هجرتهم. وربما كان اول مسجد بني في امريكا هو ذلك المسجد الذي بني في ولاية«ايوا» الزراعية في وسط الولايات المتحدة، وعلى وجه التحديد في مدينة «سيدر رابدزثاپتآث ثثباپا .
وهذا المسجد بني في العشرينات على يد المسلمين الذينهاجروا من منطقة البقاع اللبنانية. ثم بنى اقرباء هؤلاء مسجدا آخر في الوقت نفسه تقريبافي مدينة «ادمتن تتثتاب في كندا.
ولا بد من الاشارة، هنا، الى ان ظهور الاسلام بين الزنوج، او السود، في اميركا، في نهايةالقرن الماضي، ساعد على نشر الوعي الاسلامي بين المهاجرين، وذلك على الرغم من انهلم تكن هناك بالفعل جالية اسلامية لا عرقية، فالمهاجرون العرب والاسيويون لم يكونوايتعاملون كثيرا مع السود.
واول اوروبي اعتنق الاسلام، في اميركا، في نهاية القرن التاسع عشر، هو «راسل ويب»، وهوصحفي وديبلوماسي وتاجر مجوهرات، وقد سمى نفسه «محمد راسل ويب». وقد تعرفالى الاسلام في اثناء وجوده في الهند بين المسلمين، وكان هؤلاء يساعدونه في الكثير مننشاطاته الكثيرة في اميركا. اسس «محمد راسل ويب» حلقات دراسية اسلامية في مدنكثيرة، مثل شيكاغو ونيويورك وغيرها، في اوائل القرن العشرين. ثم اسس مجلة كانتتعرف ب «مسلم وورد» سنة 1908م، وتوفي بعد الحرب العالمية الاولى بقليل، ولم تستمرالمجلة ولا الحلقات الدراسية التي اسسها.
استمرت الهجرة من العالم الاسلامي الى اميركا وكندا بين الحربين العالميتين الاولى والثانية،واخذ عدد المساجد يزداد.
وبعد الحرب العالمية الثانية، وخصوصا في اواخر الاربعيناتوالخمسينات والستينات، ارتفع عدد المهاجرين المسلمين الى اميركا ارتفاعا ملحوظا،وتغيرت صورة الهجرة الاسلامية الى اميركا.
في بادى الامر، كان معظم الذين هاجروا الى اميركا غير مثقفين وقد تنصر بعضهم، وتخلىبعض آخر عن دينه وهويته الحضارية تماما ان لم يتنصر، وبعض حافظ على حضارتهودينه ما امكن، فكان يعتمد لاسمه اسمين: محمد جيمس مثلا.
وكثيرا ما كان هؤلاء ولايزالون، يحرفون اسماءهم الاسلامية حتى تتناسب واللهجات الانغلو اميركية. وكانوا يفعلونذلك خوفا من سخرية الاخرين من اسمائهم المسلمة، ولا سيما انهم كانوا يجهلون الكثيرعن حضارتهم ودينهم فما كان بامكانهم ان يدافعوا عن انفسهم وعن دينهم.
ولكن، بعد الحرب العالمية الثانية، كان الكثير ممن هاجر الى اميركا من الطلاب الذين جاؤواللدراسة، اي حضروا الى الجامعات للدراسة، ثم بقوا في اميركا ولم يعودوا الى بلادهم.
وهذاساعد في تنظيم الجالية الاسلامية في اميركا، حيث اصبح الناس مثقفين، واصبح لديهم علموشعور اعمق بالدين الاسلامي وبالمحافظة عليه.
وممن هاجر الى اميركا، بعد الحرب العالمية الثانية، المضطهدون في بلادهم سياسيا او دينيا.ونذكر، على سبيل المثال، بعض اعضاء جمعية «الاخوان المسلمون»، وهؤلاء لهم مواقفايديولوجيا معينة وجهت نشاطاتهم في اميركا، ما ادى، في نهاية الامر، الى نوع من الفوضى،او البلبلة، في حياة الجالية المسلمة في اميركا.
اما هجرة المسلمين الشيعة الى اميركا، فتحتاج الى شيء من التفصيل. كان الشيعة في منطقةسوريا ولبنان والعراق مضطهدين ايام الدولة العثمانية. وفي تلك الحقبة، لم تكن الدولةالايرانية، وهي الدولة الاسلامية الشيعية الكبرى في العالم، قوية جدا، اذ انها كانت تعاني منالاستعمار، فلم تستطع القيام بمساعدة الشيعة في سوريا ولبنان والعراق، الذين كانوا يعانونمن اضطهاد الحكم العثماني المتشدد، ثم من ظلم الاستعمار: البريطاني والفرنسيواستغلاله.
هاجر الكثير من شيعة لبنان، بعد الحرب العالمية الاولى، الى اميركا، وبخاصة الى مدينةديترويت وضواحيها. فآنذاك كان هنري فورد قد اكتشف السيارة والمحرك الذي يعملبالحرارة النفطية، وبدا يبني مصانع للسيارات في هذه المنطقة، اذ انه كان من ولاية ميتشغن.كان هنري فورد لا يحب اليهود، وكانت اميركا تشهد آنذاك هجرة يهودية كبيرة، وخصوصامن دول اوروبا الشرقية، ولم يكن معظم هؤلاء المهاجرين اليهود مثقفين، فبداوا يبحثون عنعمل، ولم يرد فورد ان يستاجرهم ليعملوا في مصانع السيارات، وفضل استخدام مهاجرينآخرين، منهم المسلمون الشيعة القادمون في معظمهم من جنوب لبنان وبخاصة من بلدتيبنت جبيل وتبنين وغيرهما من البلدان والقرى الشيعية.
بدا هؤلاء المهاجرون، ومنذ قدومهم، يقيمون اسس مجتمعهم في ضواحي مدينة«ديترويت»، وخصوصا في مدينة «ديربور»، فبنوا المساجد، وربما بني اول مسجد هناك فيالثلاثينات، وهو مسجد «ديربور». ثم هاجر الى هناك الشيخ محمد جواد شري وبنى المركزالاسلامي، وكان نشيطا جدا على مسارين: اولهما مسار العلاقات التقريبية بين المسلمين،فكان يسافر الى مصر وغيرها، وثانيهما: مسار العلاقات مع المسيحيين في منطقة ديترويتوفي اميركا كلها. والحق يقال: ان الشيخ شري، رحمه اللّه، اعطى الجالية الاسلامية الشيعيةمكانة مهمة، لانه كان انسانا عالما وطموحا ونشطا، وكثير السفر والمحاضرات.
اخذت هذه الجالية تكبر، واخذت مناطق انتشارها تتسع وتزداد من طريق الهجرة. ثم التحقبها، في ديترويت ايضا، جاليتان مهمتان، فبعد قيام الثورة الاسلامية في ايران حدثت هجرةايرانية الى اميركا، وبخاصة الى كاليفورنيا. وهناك، الان، جالية مهمة في «ديترويت»،والشيخ محمد علي الهي هو امام مسجد ايراني، وهو نشيط، فقد بنى مسجدا ومركزااسلاميا اسماه «بيت الحكمة» وهو يعمل بجد. وهناك جالية اخرى جاءت ايام الحربالعراقية الايرانية وبعدها، اي بعد حرب الخليج، عندما بدا صدام حسين بالتضييق علىالناس، فهرب قسم من المسلمين الشيعة الى السعودية، ثم هاجروا الى اميركا وكندا واوروبا،وهؤلاء ايضا نشيطون جدا في صفوف الجالية الاسلامية. ويمكن القول: ان الجالية اللبنانيةهي التي تقدم الاموال، فاللبنانيون نجحوا في مجال التجارة والاقتصاد، والعراقيون هم الذينيهتمون بالامور الدينية ومجالس العزاء والمحاضرات. اما اشتراك الجالية الايرانية في منطقةديترويت فلا يزال ضئيلا، فعددها بضعة آلاف فقط، واكثرهم يقيم في جنوب كاليفورنيا، فيمنطقة في لوس انجلوس يسمونها «طهران الصغيرة».
واعتقد ان الجالية الايرانية، في اميركا، لم تستطع، حتى الان، ان تكون لنفسها اطاراحضاريا دينيا معينا. يوجد للايرانيين مركز اسلامي ايراني يقع قرب مدينة «سانفرانسيسكو». وهذا المركز من اكثر المراكز تنظيما ونشاطا، لكنه لا يكفي نظرا لعددالايرانيين في اميركا. واني لعلى يقين بان للاسلام امكانات للانتشار في اميركا اكثر من ايبلد غربي، وبعض المثقفين المسلمين، في اميركا، يعملون لابقاء الهوية الاسلامية في اميركاوتطويرها. ونسال اللّه التوفيق سبحانه وتعالى، وهو القائل واعز القائلين: (وقل اعملوافسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون).
انتشار الاسلام في اميركا الشمالية قلنا، في ما سبق: ان اول من هاجر، من العالم الاسلامي، الى اميركا، كانوا من مناطق الشرقالاوسط التي كانت تخضع للحكم العثماني، وبعضهم كان من اوروبا، وخصوصا من مناطقالبلقان التي كانت تخضع للحكم العثماني ايضا. وقلنا:
ان الكثير من هؤلاء الناس ذهبوا الىاميركا وكندا اما فرارا من الخدمة العسكرية او من الظروف القاسية في بلادهم قبل الحربالعالمية الاولى وابانها، او انهم ذهبوا بدعوة من اقاربهم.
وكان جل هؤلاء الناس يعتقدون انهمسوف يبقون في اميركا لمدة بسيطة يحصلون فيها على بعض المال ثم يعودون الى بلادهم،وبعضهم عاد بالفعل بعد عدة سنوات وان لم يحقق نجاحا كبيرا، ولكن السواد الاعظم منهمبقي واندمج في المجتمع الاميركي، ولم يحتفظ من هويته الاسلامية الا ببعض الذكرياتالغامضة التي كانت تخطر في البال، كان يذكر ان هذا الانسان جاء من قرية كذا وكانت اسرتهتسمى كذا...
بقيت الحال هكذا حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية، ففي هذا الوقت بدا وجه الجالياتالاسلامية يتغير:
اولا: بدا عدد المهاجرين يزداد، وتضاعف اضعافا عن طريق هجرة الطلبة القادمين لمتابعةدراستهم في جامعات امريكا وكندا. وكثير من هؤلاء لاسباب اقتصادية او سياسية اواجتماعية... بقوا في بلاد الهجرة.
ثانيا: قامت مؤسسات تهدف الى الدعوة او التبليغ. بعض هذه المؤسسات كان امتدادالمؤسسات اسلامية في مصر كجمعية الاخوان المسلمين التي اسسها المرحوم حسن البنا فياواخر العشرينات. فقد انتشرت هذه الجمعية في اوروبا واميركا، وادت دورا مهما فيالاربعينات والخمسينات في اميركا، ولا تزال موجودة بطريقة او باخرى حتى اليوم. وفيالهند جمعية للتبليغ تسمى «جمعية التبليغ الاسلامي»، واعضاؤها من المثقفين والاطباءوالمهندسين، الذين يسافرون الى اميركا ليعملوا في مجال الدعوة للاسلام ويقوم رجالالدعوة بنشاطات عديدة:
اولها الدعوة بين المسلمين انفسهم، ويعني هذا ان جماعة التبليغ كانوا ينشطون في المساجدوهدفهم كان ارجاع المسلمين الى اللّه والى عيش حياة اسلامية، شبه سلفية في بعضالاحيان. وحسب اعتقادي فان هؤلاء الاخوة، ومعظمهم من الهند وباكستان، كانوا مخلصينفي ايمانهم ودعوتهم الى اللّه والاسلام، غير انهم لم يكونوا ممتلكين ثقافة اسلامية اجتماعيةعامة، فمجال عملهم كان ضئيلا، وكثير من الاشخاص الذين ذهبوا الى اميركا وكندا اماللزيارة او للعمل التبليغي كانوا مثقفين ويقومون باعمال جليلة، ومنهم من بقي في اميركا اوانه رجع الى اوروبا.
وثانيها الدعوة الى الاسلام في الجامعات والكليات والامكنة التي يدور فيها الحوار اجمالا،فالعديد من المفكرين المسلمين اهتموا بتاليف الكتب ونشرها واقامة الحوار بين المؤمنينبالديانات السماوية، او بما يمكن ان نسميه الحوار بين الاسلام واليهودية والمسيحية، ومنانشط هؤلاء كان استاذ فلسطيني مسلم توفي شهيدا هو اسماعيل راجي الفاروقي، قتل سنة1986م. قتله احد المعتوهين المسلمين من اصل افريقي (الاميركي الافريقي). والفاروقيعمل منذ الستينات وحتى الثمانينات، فكانت له نشاطات اسلامية عديدة في مجال المعرفة،فقد اسس مؤسسة مهمة جدا لدراسات الفكر الاسلامي سماها « THOUGHT IIIT INTERNATIONAL´ .
INSTITUTE OF ISLAMIومع ان اعمال هذه المؤسسة قدتقلصت الى حد كبير فانها لا تزال تعمل، ولا سيما في المجالات الثقافية، وبخاصة فيمجال الحوار الاسلامي المسيحي. و «اسلمة المعرفة» لا تزال من اهداف هذه المؤسسة،ويعني ذلك تطوير المسلمين ليصبحوا قادرين على انتاج المعرفة بواقعهم وتاريخهم فيمختلف المجالات.
وفي اواخر الخمسينات، اقيمت مؤسسة مهمة اخرى هي مؤسسة الطلاب المسلميMUSLEM STUDENT (ASSOCIATION ) وقد اصبح لها فروع في اميركا وكنداولدى الجاليات الاسلامية بمختلف اعراقها ولغاتها.
فمثلا، كان لهذه المؤسسة فرع للطلابالايرانيين، وكانوا يسمونه (M S A P G ) اي جمعية الطلاب المسلمين للناطقين باللغةالفارسية (THE PERSIN SPEAKING GROUP ). وعندما كبرت هذه الجمعية لمتعد تقتصر على الطلاب، ودخل فيها العديد من الناس، وتغير نظام عملها وتاسست مكانهاجمعية على مستوى الدولة الاتحادية في اميركا.
وللمؤسسة فرع في كندا يعرف ب (ISMA )وهي الاحرف الاولى ل (ISLAMIC SI OF AMERICA). وهذه الجمعية لها الان فياميركا مقر للتدريس ونشر الكتب باللغتين الانكليزية والعربية وغيرهما مناللغات.
المشكلة، في معظم هذه الجمعيات الاسلامية، انها تحتاج الى دعم خارجي، وهذا الدعميكبر او يتقلص حسب الاوضاع السياسية والاقتصادية في العالم الاسلامي.
فقد انشات المملكة العربية السعودية مؤسسة مهمة، وان كانت، الان، لم تعد نشيطة مثلماكانت من قبل، وتسمى «مؤسسة رابطة العالم الاسلامي» . وهي مؤسسة سعودية مكانرئاستها في مكة، وكان يشرف على نشاطها في اميركا، لمدة طويلة، عبداللّه عمرناصيف.
وهناك، ايضا، جمعيات اخرى تعمل خارج نطاق المؤسسات العلمية من جامعات وكليات،ففي كندا قامت جمعية تدعى المؤسسة الاسلامية في كندا (CMCC ) وكان لها نشاطاتكبيرة على مستوى الحوار، وكان لها ايضا تاثير لدى الحكومة الكندية، لكن للاسف بداتتضعف. وتبذل الان محاولات لاقناع الاخوة والاخوات المسلمين في كندا كي يعيدوا احياءهذه المؤسسة المهمة لانها كانت تمثل حلقة الوصل بين الدولة والمسلمين.
والدعوة، الان، تاخذ اشكالا كثيرة:
الدعوة، في اساسها، هي الدعوة الى اللّه تعالى، وليست الدعوة الى دين معين، ولكنها وبمجردان يلبي اي انسان هذه الدعوة يصبح معتنقا للاسلام بمعناه الجوهري العام. امر طبيعي انيستسلم لارادة اللّه واوامره كل من يقبل الدعوة ويتوجه الى اللّه سبحانه وتعالى، هذا مجالمهم للدعوة بمعناها العام.
وهناك مجال آخر جميعنا نقوم به، وهو نشر المعلومات الاسلامية اما عن طريق التدريس اوالكتابة وغير ذلك. وهدف هذه الدعوة التعريف بالاسلام وتقديم المعلومات الصحيحة عنه،ما يفضي الى تاليف القلوب، فالمعروف ان الصحافة الغربية، والاميركية بشكل خاص، كانت،ولا تزال، تقدم صورة مشوهة عن الاسلام بتصويره دين عنف وارهاب، ونحن نريد ان نظهرللعالم اجمع ان الاسلام دين محبة وسلام وتعاون واهتمام بحاجات الاخرين، وان المسلمينيعبدون الاله الواحد وان لا اله الا هو. وهذا يؤدي الى خلق جو غير معاد للاسلام وغير متوتربين المسلمين وغير المسلمين في اميركا.
ويبدو لي ان هذه الدعوة في الوقت الحاضر، هي التي يشير اليها القرآن الكريم بوصفهاالدعوة لتاليف القلوب (المؤلفة قلوبهم).
هؤلاء المؤلفة قلوبهم الان هم الذين يبدون الصداقةللمسلمين والاحترام للاسلام والذين يمكن ان نتعاون واياهم على زرع الالفة والمحبة فيقلوب المجتمع المتعدد في اميركا وكندا.
وهناك مجال آخر للدعوة يؤدي الى نشر الاسلام فعلا، وهو الزواج، فالكثير من المسلمين،خصوصا الرجال المسلمين، يتزوجون من فتيات غير مسلمات، وفي اغلب الاحيان تسلمالزوجة، ويصبح الاولاد مسلمين، وهذا يساعد على رفع مستوى الثقافة الاسلامية، لانالكثيرات من هؤلاء الاخوات مثقفات، وعندما يسلمن تكون لهن نشاطات مهمة في مجالالدعوة الى الاسلام.
الان، هناك، ايضا، كما هو الحال في جميع العصور الاسلامية، العمل الشخصي. فكثيرا مايكون للانسان اصدقاء يتعرف اليهم ويدعوهم الى المسجد والى قراءة بعض الكتب عنالاسلام، فيسلم بعضهم، ولكن هذا قليلا ما يحدث.
وهناك مجال آخر بدا ينشط، وان لم يكن قد وصل في اميركا الى حد بعيد من النشاط، وهونشر الاسلام عن طريق التصوف.
وفي اميركا وكندا، الان، طرق صوفية عديدة، وهي، فيمجملها، امتداد لبعض الطرق والزوايا الصوفية في العالم الاسلامي. مثلا، هناك بعض الطرقالايرانية النشيطة جدا، مثل «النور بخشية» و «نعمت اللهية»، وهاتان الطريقتان من انشطالطرق الصوفية في اميركا. وهناك، ايضا، الطرق القادرية والجراحية والخلوتية. هذه الطرقجميعها موجودة في اميركا ونشيطة. واعطي مثلا على ذلك، ففي مدينة فلادلفيا حيث اعملفي جامعة (TEMPLE ) تعرف بعض المسيحيين واليهود الى شيخ صوفي من سيريلانكا،وعاشوا معه في سيريلانكا، ثم احضروه الى اميركا عام 1974م، واقام في اميركا، فيفلادلفيا، يدعو الناس ويرشدهم الى اللّه والى الاسلام، وقد نجح في ذلك الى حد ما، فقبلوفاته، سنة 1986م، بسنتين بنى مسجدا، واصبح هذا المسجد مهما جدا في فلادلفيا.
وامامهرجل اميركي ابيض كان قد تعلم اللغة العربية لقراءة القرآن واقامة الصلاة، وهو صوفي. هذاالمسجد يرتاده البيض الذين كانوا في الاصل اما مسيحيين او يهودا واسلموا على يد الشيخ،واصبحوا يقيمون صلوات الجمعة والاعياد، وهم يتبعون الطريقة القادرية. ويبدو لي انالاسلام انتشر في الهند وفي اندونيسيا وفي جنوب شرق آسيا عن طريق التجار والمدرسين،وعبر الطرق الصوفية.
واعتقد انه سيكون لهذه الطرق اهمية كبرى في نشر الاسلام، اذا ما تم الانتباه الى بعضمخاطرها، فبعض المتصوفة يغالون، وان تكن الصوفية كرامات، فهذه يمكن ان تكونكرامات، ويمكن ان تكون شعوذات. لهذا، فنحن نتكلم عن التصوف المعتدل الذي لا يقومعلى الشعوذة وانما على روحانية الدين الاسلامي، اللّه نور السماوات والارض.
وهناك، ايضا، مجال مهم، وهن ما يمكن ان نسميه مجال الدعوة في السجون. نحن تحدثناعن الزنوج الاميركيين، او «الاميركيين الافارقة»، وقلنا ان نسبة 20 و30% من هؤلاء الناسالذين حملوا الى العالم الجديد عبيدا كانوا مسلمين، والاسلام عاد فبعث من جديد بينهم،وسنتحدث عن هؤلاء في الفقرة الاخيرة عندما نتحدث عن طابع الجاليات الاسلامية.
وهميعتنقون المذاهب السنية، ولا يتجهون نحو التصوف، وبعضهم الان يتعرف الى التشيع، وقدزرت مسجدا للشيعة الافارقة الاميركان في مدينة نيويورك، يقع على اطلنطك افنيو( ATLANTIK AVENUE). وهؤلاء في الحقيقة يتمتعون بطيبة بالغة وادب جم، ولكنالمسجد فقير بخلاف المساجد الاخرى التي تغذيها دول الخليج.
الاسلام، بالنسبة الى الزنوج في اميركا، هو عودة الى جذورهم الاصلية، وهم يعتقدون انالاسلام هو الذي يعطي الانسان الاسود الاعتداد بالنفس او الثقة بها، ويعطيه، ايضا، صورةايجابية عن نفسه وشعبه افضل من تلك التي خلفتها قرون الرق والعبودية في اميركا، فهممثلا يقولون: ان المسيحية هي دين العبودية بالنسبة اليهم والاسلام هو دين الحرية، وهؤلاءالناس يغيرون اسماءهم وانماط حياتهم لتتلاءم وديانتهم.
وبما ان ثقافة هؤلاء ضعيفة جدا فهم عرضة دائما لارتكاب الجرائم التي تؤدي بالعديد منهمالى السجون. وهناك ينشط المسلمون لنشر الاسلام، فعندما يسجن المرء تنقلب حياتهراسا على عقب، فينصرف الى عبادة اللّه، فيصلي ويمتنع عن المحرمات والمخدرات وغيرذلك. الاسلام ينتشر اكثر ما ينتشر بين هؤلاء السود. الذين يعتنقون الاسلام، من غير الجاليةالسوداء في اميركا، هم قلة قليلة. وفي الاونة الاخيرة، صار للمسلمين تاثير في المجتمعالاميركي، فمثلا منذ حوالى خمس سنوات طلب البيت الابيض من «وارث الدين محمد»،نجل «الايجه محمد»، رئيس المسلمين السود في شيكاغو واميركا حتى سنة 1970م تقريبا،ان يفتتح جلسة مجلس الشيوخ الاميركي بالصلاة الاسلامية. وقد حضرنا تلك الجلسة، لانذلك يمثل حدثا مهما جدا. في الولايات المتحدة الاميركية الان، حوالى 6 8 ملايينمسلم، وفي كندا حوالى مليون مسلم، عدد السكان قليل نسبيا في كندا اذ يبلغ حوالى 26مليونا، بينما عدد سكان الولايات المتحدة يفوق ال 250 مليون نسمة، ولا يزال السواد الاعظممن هؤلاء المسلمين من المهاجرين. بعض الناس يقولون ان عدد المسلمين اكثر من ذلكفي الولايات المتحدة فيرجحون انه يتراوح بين 6 و14 مليونا.
وهذه البداية مهمة لان المسلمين حديثو العهد في الولايات المتحدة، فالمسلمون الاوائلالذين جاؤوا وانصهروا في المجتمع ضاعوا وضاعت هويتهم، ولكن النشاطات الاسلاميةالتي تجعل للاسلام مكانا في المجتمع الاميركي جديدة، فلا بد من ان نعطيها الوقت الكافيلتؤتي ثمارها.
ولا بد للاسلام من ان ينتشر بوصفه قوة سياسية واجتماعية في المجتمع الاميركي، بمعنى انهلا بد للمسلمين من ان يكون لهم تاثير على السياسة الاميركية الداخلية والخارجية منطريق تشكيل «لوبي اسلامي». وقد اقمنا مؤسسة لهذا الغرض هي المؤسسة الاسلاميةالسياسية في اميركا، مقرها في واشنطن، لكنها لم تبدا بعد بالعمل الجدي، لانها حديثةالنشاة، ونحن لا نطلب من المؤسسة، او من اي مسلم في اميركا، ان يعتنق مبداء سياسيامعينا، وكل ما نريده هو ان ينخرط المسلمون، الى حد ما، في النظام الاجتماعي والسياسيلبلدهم الجديد. يوجد الان في اميركا حوالى ستة ملايين يهودي وثمانية ملايين مسلم،اليهود بداوا مثل المسلمين (عدم تنظيم، وتشتت)، ثم نظموا انفسهم، وانا اعتقد ان الجاليةالاسلامية تتجه الان في هذا الاتجاه.
توجد، في اميركا، مساجد كثيرة، بعضها صغير جدا وبعضها كبير، وعددها يفوق العشرة آلافمسجد في الولايات المتحدة الاميركية ومئات المساجد في كندا. واعتقد ان اميركا اقربالى تقبل الاسلام من اوروبا، لان المجتمع الاميركي مجتمع متدين بخلاف المجتمعالاوروبي. ولهذا فالعمل الاسلامي في اميركا مهم. والسؤال الذي يهمنا ان نثيره، بغية التفكيرفي الاجابة عنه اجابة ترسم معالم العمل هو: هل يمكن ان نتوقع تطورا ما بالنسبة للشخصيةالاسلامية الاميركية، او الغربية بعامة والاميركية الكندية بخاصة.
وقد يطرح سؤال عن وجود دور نشر مهمة، في اميركا، تهتم بنشر الاسلام؟ في الاجابة نقول: توجد بعض دور النشر الاسلامية في اميركا، منها دار نشر وتوزيع فينيويورك تسمى «ترتيل القرآن»، والقائمون على ادارتها يحصلون على الكتب من دولالعالم الاسلامي، ويوزعونها اما مجانا او باسعار بسيطة، ومؤسسة «اسنا» عندها دار نشروتوزيع. وهناك بعض النشاطات الفردية في هذا المجال، فقد اعددت ترجمة وتفسيرالمعاني «جزء عم» باللغة الانكليزية، ونشره اخ مسلم في «سيدر رابت» يمتلك مطبعة،ووزعه في المساجد هناك. وقد طبعت كتابي في التفسير في اميركا، ولكن الدار التي تولتالنشر ليست اسلامية فقط، وانما هي دار تنشر الكتب المتنوعة، ومنها الاسلامية، وهي تابعةلجامعة نيويورك. وكتابي، في تفسير القرآن (مجلدان)، موجود في المكتبات العامةويستفيد منه الطلاب في الدراسات الاسلامية ودراسات علوم القرآن، فهو لم يكتب خصيصاللقارى المسلم بل للمسلم وغير المسلم.
حضارات الجالية الاسلامية في اميركا لا بد من الاشارة، بداية، الى ان العالم الاسلامي عالم متنوع اللغات والحضارات والعادات،وهذا امر مهم جدا يتميز به الاسلام. ولمدة الف وتسعمئة سنة كانت المسيحية تعرف اذااستثنينا المسيحيين في آسيا وافريقيا الذين لم يكن لهم صوت حضاري مهم في الكنيسةالمسيحية قبل هذا القرن بوصفها ديانة الغرب. وبالرغم من الفروق الحضارية واللغوية، بيندول الغرب، والتي ادت الى حروب طاحنة، هناك قاسم مشترك يجمع بين ابنائها، مثلا بينالبريطاني والفرنسي والالماني والايطالي... ولكن من الصعب جدا ان تجمع حضاريا بينالمسلم الهندي والمسلم السعودي مثلا، وذلك لان الهند تاثرت بما نسميه الحضارة الفارسيةالمغولية او التيمورية.
والعالم الاسلامي يغطي رقعة حضارية من الارض اكثر تنوعا من ايديانة اخرى، لان العالم الاسلامي يمتد من «تنباكتون» في افريقيا الى المغرب، ثم منالمغرب الى اندونيسيا مرورا بالهند وايران وباكستان. ولهذه الدول حضارات عديدة ولغاتعديدة.
واميركا كانت دائما الملاذ المهم للفارين من بلادهم والمجال المناسب للساعين وراء العيشالرغيد والمال. لهذا عكست هجرة المسلمين الى اميركا هذا التنوع الحضاري الذي نتحدثعنه. ولا يمكننا ان نقول: ان هناك اسلاما اميركيا معينا، ولكن هناك اسلام اميركي تشتركفيه الجاليات الاسلامية في اميركا مع الامة الاسلامية في العالم. مثلا، لغة القرآن هي العربية،واينما وجد المسلمون فانهم يصلون باتجاه الكعبة المشرفة ويؤدون الصلاة باللغة العربية،ويؤمنون ويعملون باركان الاسلام، فمن حيث العبادات هناك وحدة اسلامية لا بد من انتلاحظ لدى المذاهب الاسلامية جميعها. وما خلا العبادات، هناك فروقات عديدة جدا، وقديكون من الممكن ان نقسم الجاليات الاميركية المسلمة الى قسمين اثنين مهمين:
اولهما مايمكن ان نسميه «المسلمين من الشعب الاميركي الاصيل»، وثانيهما المسلمونالمهاجرون.
في التعريف بمسلمي القسم الاول لا بد من ان ندقق كثيرا، فالشعب الاميركي الاصيل هومن سماهم «كريستوفر كولومبس» خطا بالهنود الحمر، وهم ليسوا هنودا، ولكنهم اهل البلادالاصليون، وينتمون الى العرق الاحمر، وكانت لهم حضارات غنية، والاسلام بدا ينتشر بينهؤلاء الناس ولكن ببطء شديد. فعندما نقول اسلام الشعب الاميركي نعني تحديدا اسلام غيرالمهاجرين، اي الذين ولدوا في اميركا على الاقل منذ ثلاثة اجيال. وهنا تبرز الجاليةالمهمة، وهي الجالية الزنجية، او الاميركيون السود، او ما يعرف الان ب «افريقان اميركان»الافارقة الاميركان. ولا بد من الاشارة هنا الى تعبير او لفظ نستعمله في العالم العربي، فعندالحديث عنهم نقول: العبيد، وهم في الحقيقة ليسوا عبيدا، فكلنا عبيداللّه، سبحانه وتعالى،وهذا يخلق في نفوس هؤلاء الاخوة نوعا من الاشمئزاز لانهم يريدون ان يتخلصوا منالعبودية بجميع صورها، فكيف نسميهم عبيدا، وقد تحرروا، واعتنقوا الاسلام كي يتخلصوامن آثار عبودية الرق التي كافحوا من اجل التخلص منها عدة قرون.
كنا قد تحدثنا عن بداية انتشار الاسلام بين هؤلاء الاخوة.
واسلامهم، من ناحية التطبيق،اقرب ما يكون الى ما يمكن ان نسميه المسيحية الانتعاشية الاحيائية او البعثية، المسيحيةالعاطفية. فالانسان، اثناء صلاته في الكنيسة، يعبر عن عواطفه، فان قال القس، مثلا، جملةمثيرة، قال له المصلون: آمين يا اخي، او هكذا الحق، وهذا غير مالوف في الخطب الاسلامية.اول ميزة لهؤلاء الاخوة السود في اميركا هي ان اسلامهم عاطفي يشبه اسلام المسيحيةالاصولية العاطفية في اميركا، اذ يمكن ان تثير عواطفهم بسرعة، ثم ياخذون بالتسبيحوالهتافات حتى في سياق المواعظ الدينية. ومن هنا نرى شدة تاثير خطب بعض زعمائهم،مثل اندرو جاكسون وقبله مارتن لوثر كينغ المسيحيين. وهذه الميزة تتجلى، الى حد ما، فيالعبادات، فعندما يلقي الخطيب خطبة الجمعة يطيل كثيرا، ويكثر من التعابير البلاغيةوالمثيرة، فيتجاوب المستمعون بان يقولوا: آمين.. انت معك حق وهكذا... فهذه عادة ما زالواعليها، اذ كانوا يفعلون هكذا عندما كانوا مسيحيين، وحافظوا على هذه التصرفات عندمااسلموا. ويتميز هؤلاء المسلمون بانهم لا يزالون يشيرون الى الادب والافكار التوراتية،فبعضهم يقول: البسملة (بسم اللّه الرحمن الرحيم) تعني باسم اللّه الرحمن ( REEDMER )بمعنى المخلص.
وطبعا هذا التفسير ليس له مكان في الفكر الاسلامي، غير ان التاثيرالسلفي، على بعض منهم، جعل من هؤلاء اناسا سلفيين الى اقصى السلفية، فمنهم من عاشفي السعودية لمدة سنين، ومنهم من درس في جامعة المدينة او تتلمذ على يد بعضالسلفيين، ولا يهم مساجد سلفية الى اقصى حد. ومساجد المسلمين السود بقيت لمدةطويلة مختلفة عن مساجد غيرهم من المسلمين كما هي الحال بالنسبة الى الكنائسالمسيحية تماما، فنرى ان الكنائس المسيحية التابعة للسود هي غير الكنائس المسيحيةالتابعة للبيض. وكان هذا معتمدا لسنين عديدة لدى «الايجة محمد» وغيره، فالمساجد التابعةللسود كانت تختلف عن مساجد غيرهم من المسلمين، ولكن بعد وفاة «الايجة محمد»، فيالسبعينات، تسلم ابنه السلطة المركزية، واعطى لاتباعه الحرية بالاندماج في المجتمعالاسلامي العالمي، وهذا الابن يدعى وارث الدين محمد، وهو لا يزال حيا يرزق، وهوانسان خلوق، وكلنا نذكر قصة مالكوم اكس هذا الشاب الذي اسلم ونفى ان يكون الاسلامللسود فقط، وان البيض شياطين، فقد راى الاسلام بشموليته وعالميته بعد ان حج الى بيت اللّهالحرام، ثم استشهد. ولا ندري اقتل على يد الاستخبارات الاميركية ام على يد اتباع الايجةمحمد الذين عارضوا افكار مالكوم اكس في التغيير الجذري من الاسلام المحلي الىالاسلام العالمي.
القسم الثاني من المسلمين في اميركا، والمتمثل بالمهاجرين، متنوع على غير مستوى. وقدكان للمهاجرين هؤلاء فوائد كثيرة ومضار كثيرة ايضا. ومن فوائدهم ان الكثير منهم جاء الىاميركا يحمل ثقافة اسلامية مهمة، وهذا ساعد على انتشار الاسلام بين الشباب الاميركيالمسلم، فالمهاجرون هم مادة الاسلام في اميركا، اذ انهم حافظوا على بقائه وعلى عدمانصهار الشباب المسلم الناشى في البوتقة الكبيرة الاميركية. ومن مضارهم، في نظري، انالعديد منهم، وربما الغالبية، ياتون الى اميركا من مصر او ايران او باكستان مثلا، من دون انيكونوا متدينين في بلادهم، وليست لديهم ثقافة اسلامية عميقة، وعندما يعيشون في اميركا،يشعرون بالمسؤولية ويرون انه لا بد من الدفاع عن الاسلام، فيصبح كل واحد منهم مفتيايحلل ويحرم، وهذا يخلق مشكلة كبرى، من مظاهرها، على سبيل المثال، ان ياتيالباكستاني ويقول: من السنة ان تلعق، عندما تفرغ من الطعام، بقية منه من الطبق باصبعك،هذا التصرف ليس من سنة الرسول (ص) وانما عادة اجتماعية ليس للسنة دخل فيها.
وقسعلى هذا قول بعضهم: ينبغي ان لا نستخدم فرشاة الاسنان وان لا نلبس الزي الغربي..
كل واحد يرى ان الاسلام الحق يتمثل بممارسة العادات التي عرفها في بلاده، ولا سيماالعرب الذين يعتقدون ان تكلمهم باللسان العربي يعطيهم الاولوية في الافتاء والحكم،فيصبحون، بحسب اعتقادهم، ارباب الاسلام في اميركا. هذه مشكلة، واعتقد ان في كل بلدعادات وتقاليد ومعالم حضارية خاصة به، فكل من حضارة ايران واليمن، على سبيل المثال،اسلامية، ولكنهما ليستا شيئا واحدا. ويبدو لي انه اذا انتشر الاسلام انتشارا واسعا في اميركا،واصبح للمسلمين هناك صوت مؤثر فلا بد من «اسلمة» بعض العادات الاميركية المتجذرةفي المجتمع الاميركي.
ويبدو ان ذلك بدا يتحقق، فرواد المساجد، في اميركا، مختلطو الاعراق، فيهم العربيوالهندي والاسود والابيض، اضافة الى وجود بعض المساجد التابعة لفئة معينة، كان يوجدمسجد للسود ومسجد للالبان، لكن هذه الظاهرة بدات تضمحل. كما ان بعض الجماعاتالاسلامية بدات تتزاوج في ما بينها ولكن بحدود، فالباكستاني، مثلا، يصر على زواج ابنتهمن رجل باكستاني، وان لم يتوافر هذا العريس في اميركا، فانهم ياتون به من احدى القرىالباكستانية التي لهم علاقة بها. ويمثل زواج الفتاة المسلمة مشكلة حقيقية في اميركا، فعندماتكبر الفتاة في المجتمع الاميركي، وتتمتع بالثقافة الاميركية، ثم يؤتى لها بعريس من خارجذلك المجتمع، فانه يصعب عليهما ان يتفاهما، وان يتعاملا، وان يبنيا حياة اسرية مستقرةوطبيعية لانهما ينتميان الى حضارتين مختلفتين.
تعبير «الامة في الاسلام»، ينطبق على الامة الاسلامية في العالم كله، فعندما نتكلم عن هذهالامة نتكلم عن المسلمين في جميع انحاء العالم، بصرف النظر عن المذاهب والانتماءاتالاخرى. واذا قدر ان تكون هناك فعلا «امة اسلامية» في اميركا فلا بد من ان تكون لهذهالامة بعض مميزات المجتمع الاميركي، وهي الوحدة في التعددية، او التعددية في الوحدة، مايعني ان يكون هناك اسلام واحد على مستوى العقيدة والعبادات، وان يكون لهذا المجتمعالاسلامي الاميركي بعض خصائصه التي ليست موجودة في المجتمعات الاخرى. فالمجتمعالاميركي، اجمالا، يتمتع بمستوى يغاير سواه من المجتمعات في الاعتماد على التكنولوجياالحديثة، وله نظرة معينة الى السياسة والدين، ايضا، تختلف عن نظرة باقي المجتمعاتالاخرى. وما تنبغي الدعوة اليه هو ان نقبل بهذه التعددية، وان نسمح للجيل الاميركيالمسلم الجديد بان يدير شؤونه بنفسه من دون ان تسيطر عليه عقلية المهاجرين المسلمين،كما هو الحال في العديد من المدن الاميركية والكندية. فعندما يوجد رجل مهاجر، مثلا، يقراالقرآن، فهو يعد نفسه عالما بكل شيء عن الاسلام، وهذا غير صحيح، فهذا الرجل تعلمالقرآن في بلده، وكان يمارس شعائر الجمعة والاعياد، ولكن لا قدرة لديه على الافتاءوالاجتهاد. ولا بد لنا من ان نوجه، نحن المثقفين، المجتمع الاميركي الاسلامي، ونترك له فيالوقت نفسه نوعا من المجال الحر والمتسع لكي يكون شخصيته بذاته. واذا لم يتحقق هذاالامر، فيبدو لي انه لن يكون للاسلام مستقبل مشرق في اميركا، فالمسلمون سيبقونمتشرذمين مشتتين، وكي يصبح المجتمع الاسلامي الاميركي مجتمعا اسلاميا اميركيا لا بدلافراده من ان يكونوه.
عندما كان السيد الخوئي (رحمه اللّه) على قيد الحياة ارسلني المؤمنون، في تورنتو في كندا،لمقابلته، بغية الاجابة عن جملة من الاسئلة التي حملوني اياها. وكانت هناك بعض الاسئلةالتي تتعلق بالتعامل المصرفي والربا وغير ذلك، اضافة الى اسئلة عن اللباس الشرعيوالحجاب. والسؤال المهم كان عن المسجد المختلط اذا صح التعبير، وهو: هل للمراة حقفي الدخول الى المسجد ام لا؟ اجاب السيد الخوئي عن هذا السؤال بما مفاده:
يجب ان لاتمنع المراة من دخول المسجد اذا كان ذلك لا يؤدي الى حرام، ويجب ان يسمح للمراة، غيرالمحجبة، بان تدخل الى المسجد حتى يكون الحجاب جزءا من ثقافتها الاسلامية، ففيالمساجد تقام النشاطات الاجتماعية والثقافية، اذا لم تؤد الى حرام كشرب الكحول والرقصاو غير ذلك من المحرمات.
وتمثلت المفارقة في ان رئيس الجالية اتصل بي، ليلة العيد، بعد ان قمت بترجمة هذه الاجابةالى الانكليزية، تمهيدا لتوزيعها، على الناس بعد صلاة العيد، وقال: لا يمكننا ان نفعل هذا،حتى وان قال ذلك السيد الخوئي، لاننا اعتدنا على ان نفصل بين النساء والرجال فيالمسجد منذ مئة وخمسين سنة.
لكن الامور بدات تتغير، فالمحافظون كبروا في السن، ولمتعد لديهم السلطة التي كانت لهم من قبل وكانوا يمارسونها من على المنبر.
في سبيل مستقبل مشرق وفي نهاية حديثنا، وبصرف النظر عن ذلك كله، فاني اعتقد ان للاسلام في اميركا مستقبلامهما جدا بعون اللّه، وانه في السنوات المقبلة لن تتمكن الحكومة الاميركية من تجاهلالمسلمين في بلادها. وبطبيعة الحال، اذا اصبح لدينا صوت في اميركا الشمالية، فان ذلكسيؤثر على السياسة الخارجية، فضغوط «اللوبي» هي التي تصنع السياسة الخارجية، ولهذاارى ان اختم ببعض ما اراه واقدمه بوصفه توصيات جديرة بان يعمل بها:
ويجب، على الاقل في هذه المرحلة من تكوين المجتمعات الاسلامية، في اميركا، ان لانقحم هذه المجتمعات بالخلافات والسياسات العربية كالخلاف بين الاردن والسعوديةوسوريا ومصر وهكذا..
انا اعتقد انه يجب ان لا نقحم المسلمين في اميركا بقضايانا المذهبية، ويجب ان نبحث عمايوحد، فنتبين ما يتفق عليه الجميع وننشره في اميركا يجب ان نبدا بهذا المستوى، ويبدو ليان الاميركي اذا قال: «لا اله الا اللّه، محمد رسول اللّه» اصبح مسلما، ثم اوجهه ما امكنبالنسبة للشعائر الاسلامية والاركان كالصلاة والصوم والحج وغير ذلك. واذا ما نما اسلامهونضج وكان مهياء، وكانت الظروف تسمح باءن ندخل في قضايا التاريخ الاسلامي والثقافةالاسلامية والمذهبيات الاسلامية، فلا باس بان نفعل ذلك.
ومن المهم للمسلمين، في جميع انحاء العالم الان، ان يقبلوا بالواقع الاسلامي، وهو واقعتعددي، والاختلافات المذهبية فيه جزء منه، وان يبتعدوا عن الخلاف، فالخلاف هو غيرالاختلاف.
نحن يمكن ان نختلف في بعض الامور المتعلقة بكيفية اداء الصلاة، على سبيلالمثال، ولكننا نتفق على اننا جميعنا نصلي صلاة واحدة، فانا لا اقلل من اهمية المذاهب، ولاادعو الى الغائها، ففي الاجتهاد رحمة. لكن اعداء الاسلام، في العالم، وهم كثر، لا يفرقون بينشيعي وسني.
لا بد لنا، اذا، من ان نوحد الكلمة وان نعتصم بحبل اللّه، وان لا نتفرق وان نمتثل لامر اللّه،حيث يقول: (واءطيعوا اللّه ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).
اعداد: محمد رضا وصفي خلاصة حوار اجراه مع ا.د. محمود ايوب
مصدر : المنهاج العدد 21
المصدر: http://www.taqrib.info/arabic/index.php?option=com_content&view=article&...