الحاجة إلى قوانين دولية لتحقيق احترام متبادل للأديان والأنبياء

الحاجة إلى قوانين دولية لتحقيق احترام متبادل للأديان والأنبياء

سيد حسين نصر
تزايدت في الآونة الأخيرة صور ومظاهر الإساءة للإسلام والمسلمين، وبدأ الحديث عما يسمى بظاهرة «الإسلاموفوبيا»، وضرورة التعايش والحوار بين الثقافات والحضارات. ويعد البروفسور الأميركي الإيراني الأصل سيد حسين نصر، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة جورج واشنطن الأميركية، من رواد ومفكري ومؤرخي وفلاسفة العالم الإسلامي المرموقين، المهتمين والمتخصصين في شؤون الدعوة الإسلامية والحوار بين الثقافات والحضارات وبخاصة في الغرب. وقد تخرج البروفسور نصر من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، وحصل على درجة الدكتوراه في تاريخ العلم من جامعة هارفارد الأميركية، ويعد من الشخصيات البارزة المعروفة والشهيرة في الغرب والعالم الإسلامي. فقد تحدث في العديد من المؤتمرات والمناظرات وألقى العديد من المحاضرات للعامة وفي برامج الإذاعة والتلفزيون. كما ساهم في تأسيس العديد من برامج الدراسات الإسلامية في كثير من الجامعات الأميركية مثل برنستون ويوتاه وجامعة جنوب كاليفورنيا. وقد ألف العديد من الكتب والدراسات، من أهمها كتاب «جوهر الإسلام» الذي طبعت منه عدة طبعات، ويعد من الكتب الرائدة التي تتناول جوهر وحقيقة الدين الإسلامي، وكذلك كتاب «العلم والحضارة في الإسلام». وقد اختارته الأمم المتحدة للحديث ضمن مؤتمر نظمته عن ظاهرة «الإسلاموفوبيا».

وقد خص البروفسور نصر جريدة «الشرق الأوسط» بهذا الحوار في أتلانتا بولاية جورجيا:

> الإسلاموفوبيا يعتبر مصطلحا حديثا نسبياً، ما تعليقكم على هذا؟ وكيف تعرفونه؟ وهل يمكن اعتباره ظاهرة؟ وإن كان كذلك، فما هي الأسباب وراء ذلك؟

أولا مصطلح الإسلاموفوبيا Islamophobia في محتواه وحقيقته لا يعد حديثا إلا في كونه مصطلحاََ. فالإسلاموفوبيا كلمة مشتقة من الكلمة العربية «إسلام» والكلمة الإغريقية «phobia» وتعني «الخوف»، والكلمة بشقيها تعني «الخوف من الإسلام». وهذا يرجع بطبيعة الحال إلى القرن السابع، عندما فتح المسلمون إسبانيا، وبالتالي رأت الحضارة الغربية نفسها مهددة بسبب وجود الإسلام، ليس فقط باحتلال معظم الأراضي المسيحية الواقعة جنوب وشرق البحر المتوسط، بل أيضاَ في أوروبا نفسها. وتزايد هذا الخوف خاصة عندما احتل العثمانيون بعد بضعة قرون لاحقة معظم شرق أوروبا. لهذا فإن فكرة الخوف من الإسلام ليست جديدة على الإطلاق.

أما مصطلح الإسلاموفوبيا فقد تم اختراعه حديثا بسبب تسييس بعض المشاعر الدينية الغاضبة وتحويلها إلى آيديولوجيا تتصف بالعدوانية والعنف تجاه الغرب. وهنا يرى الغرب أنه مهدد وهذا التهديد هو الإسلام، وبالتالي ظهر مفهوم الإسلاموفوبيا. ويعتبر الإسلاموفوبيا الآن ظاهرة، لا شك في ذلك. فهناك العديد من القوى في الغرب تعمل جاهدة على دعم هذه الظاهرة لتحقيق أطماع سياسية واقتصادية. فالعالم الإسلامي مقارنة بالغرب أضعف بكثير اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. لذا ففكرة أن الإسلام يمثل خطرا يهدد الغرب هي فكرة ملفقة لا سبب وراءها سوى تحقيق أهداف سياسية.

> ما هو الدور الذي ينبغي على المسلمين القيام به لمواجهه ظاهرة الإسلاموفوبيا؟

في البداية لا بد من إبراز أن الإسلام والحضارة الإسلامية والشعوب الإسلامية جميعاَ ليسوا ضد الغرب وما يقوم به في نطاق حدوده. وقد تنعكس هذه الفرضية إذا تعارضت مصالح الغرب مع مصالح الشعوب الإسلامية داخل العالم الإسلامي. لذا فليس هناك مبرر أن يخاف الغرب من الإسلام أو حتى من أكثر القوى عنفا. لكن الخوف يأتي من تلك القوى التي تحاول عرقلة مصالح الغرب في العالم الإسلامي. إن الإرهاب الآن مأساة، وتحريف للحقيقة، إنه ضد التشريع الإسلامي. وفكرة أن بعض المسلمين المتطرفين يلجأون إلى العنف لمواجهة الإسلاموفوبيا يساعد على جعله ظاهرة. لذا يعتبر الإرهاب أسوأ أنواع الاستجابة لمواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا، إذ يعمل على زيادته لا الحد منه. ويمكن الحد من ظاهرة الإسلاموفوبيا عن طريق الحوار والتخاطب، وأيضا عن طريق التعقل ومساءلة الغرب بالتفكر في حقيقة لماذا تلجأ فئة قليلة مسلمة للعنف ضد الغرب؟ وأيضا التأكيد على أن هذا العنف ليس ضد الغرب وإنما ضد اتهامات الغرب الخاطئة للإسلام والمسلمين.

> ما هي العواقب التي نتجت عن أزمة الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية؟ وهل ترى أن هذه الأزمة غيرت من طبيعة العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي إلى الأبد؟

بدايةَ أقول، إنه ليس هناك أدنى شك في أن أزمة الرسوم الكاريكاتورية هي عمل استفزازي متعمد. فليس هناك رسوم كاريكاتورية للمسيح عليه السلام نشرت في هذا البلد . ولأزمة الرسوم الكاريكاتورية جانبان؛ الجانب الأول يتمثل في تصوير الرسول (عليه الصلاة والسلام)، فهذا في حد ذاته ليس عملا استفزازيا يثير رد فعل عارما وغاضبا كهذا الذي رأيناه. وذلك لأنه توجد أشكال فنية مصغرة، هندية وعثمانية وأخرى فارسية، تمثل شخص الرسول (عليه الصلاة والسلام) كرحلة الإسراء والمعراج مثلاَ. وأنا متأكد أن معظم المسلمين رأوها لأنها موجودة في معظم الكتب والمعارض في العالم الإسلامي. فما حدث على عكس ذلك تماماَ مما يمثل الجانب الآخر لأزمة الرسوم، فتصوير الرسول (صلى الله عليه وسلم) بشكل كاريكاتوري وربطه بالإرهاب، أحدث آلاماَ عميقة في مشاعر المسلمين في جميع أنحاء العالم. وكما قلت في مناسبات عديدة، إن الطريقة التي قدمت بها هذه الرسوم ورفض الحكومة الدنماركية حتى مجرد الاعتذار عما سببته زاد من تأجج هذه المشاعر.

وأعتقد أن هذه الأزمة أحدثت تغيراَ إلى حد ما في طبيعة العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي ولكن ليس للأبد. تغير بمعنى أن ما ادعاه المفكرون من العلمانيين في الغرب عن أن حرية الإنسان هي أسمى القيم قد ثبت زيفه، لأن هناك أنواعا معينة من الحريات لم يتقبلها المجتمع الغربي، منها الحرية الدينية والاجتماعية والأهم من ذلك الحرية التاريخية، أي أن الفرد لا يمكنه التحدث عن حقائق ووقائع تاريخية بحرية، كالهولوكوست مثلاَ، وأمور أخرى لا يمكن التحدث عنها بحرية مطلقة. فليس هناك مجتمع فيه ما يسمى حرية مطلقة لأننا بشر نعيش معا، وهذا يفرض قيوداَ معينة على حرياتنا. فمثلاَ في عالمنا الإسلامي الجار له على جاره حقوق، فيجب عليه ألا يصرخ في حديقة بيته ويمنع أطفال جاره من النوم، لذا فمجرد وجود جار لك يحد من حريتك إلا في إحداث قدر معين من الضوضاء، وإن كان ذلك داخل بيتك. وحقيقة أن اختيار الحضارة الإسلامية لهذا الاختبار له أهمية كبيرة، إذ جعل المسلمين يدركون أن هناك نفاقا كبيرا يحدث في الغرب باسم الحرية والتحرر.

> هل يمكن أن نطلق على أزمة الرسوم الكاريكاتورية «صراع حضارات»؟

ليس على الإطلاق! فاختراع مصطلح صراع الحضارات أمر غير موفق تماما. في الحقيقة إن ما لدينا هو صراع بين ما هو ديني وما هو علماني، وليس صراع حضارات. ولهذا السبب يرى الكاثوليك في روما أنهم أقرب بكثير إلى المسلمين في أمور عديدة منه إلى جيرانهم من ملحدي فرنسا. فمحاولة إظهار الحضارة الغربية على أنها حضارة مسيحية أمر خاطئ لأن معظم المسيحيين تمردوا على الطريقة المسيحية. والاعتقاد بأن جميع المسلمين ضد الغرب هذا أيضا أمر خاطئ. فقد تأثر المسلمون كثيراَ بالآداب والفنون والموسيقى الغربية، وبدا ذلك واضحاَ حتى في الملابس التي يرتدونها. فإذا كان هناك صراع حقيقي بين الحضارات، لما ارتدى الشباب المسلم أي ملابس غربية كالجينز مثلاَ، لكونه ينتمي إلى حضارة أخرى.

لذا فإن ما يطلق عليه بصراع الحضارات ما هو إلا تبسيط مبالغ فيه، قد لعب كنموذج طوال العشرين عاماَ الماضية، وبالتحديد منذ صدور كتاب صموئيل هنتنغتون الشهير، حيث حاول العديد من الناس إدراج كل ما يدور في العالم من صراعات تحت مظلة هذا النموذج. ولكني أعتقد أن النموذج الأكثر إقناعاَ هو ما ذكرته آنفا، وهو الصراع بين ما هو ديني وما هو علماني في ظل الحداثة التقليدية التي نراها في كل مكان، غير أن الغرب أكثر تحدثا وأكثر علمانية من العالم الإسلامي أو الهندوسي.

> يعتقد البعض أن الإسلام يحد من حرية التعبير والرأي لدى الأفراد.. ما تعليقكم على هذا؟

إن دور الأديان، سواء كان الإسلام أو المسيحية أو اليهودية أو الهندوسية أو البوذية أو أي دين آخر ، ليس إعطاء الذات الفردية الحرية وإنما تحرير أرواحنا من الذات. إنها ليست حرية الذات وإنما التحرر من الذات نفسها. لهذا فإن جميع الأديان بما فيها الإسلام وضعت قيودا على الحرية الفردية. فمثلا ما يطلق عليه بحرية التعبير، يسمح للفرد حرية تعرية جسده كشكل من أشكال حرية التعبير. لكن ليس هناك دين يمنح أتباعه حرية كاملة في مسألة تعرية الجسد، وذلك بغرض الحفاظ على توازن المجتمع.

فالمجتمع الغربي أصبح علمانيا بصورة واضحة، لهذا صارت الأحكام الدينية المفروضة على حرية التعبير أكثر ضعفا. لذا فأنا شخصيا لا أهتم بقضية أن الإسلام يحد من حرية التعبير، وكأنه الدين الوحيد الذي ينفرد بهذا. إن حرية التعبير مكفولة فقط في المجتمعات الديمقراطية، بشرط ألا تتجاوز النسيج الاجتماعي لهذه المجتمعات، وهذا ليس بجديد على الإسلام. وبشكل عملي فالإسلام يعطي قدرا كبيرا من الحرية للعقل البشري للبحث والتفكر في مجالات كثيرة، وبخاصة في العصر الذهبي للإسلام. ولكن هذه الحرية لم تكن مطلقة.

> ما هو الأسلوب الأمثل لمواجهة مثل هذه الأزمات في المستقبل؟ وهل ترى أن هناك ضرورة لإصدار قوانين دولية لمنع الإساءة للأديان والأنبياء؟

بدايةَ، أقول إن الإسلوب الأمثل فيما يتعلق بالإسلام هو محاولة التصرف وفق إسلوب عقلاني مدروس جيدا. لا وفق عواطف ومشاعر غاضبة وثائرة. وأيضاَ لا بد من إعداد حوارات فكرية ودينية يستطيع المجتمع الغربي فهمها بسهولة بغرض التأكيد على أهمية احترام معتقدات ومقدسات ومذاهب المجتمعات والحضارات الأخرى. فإذا تحدثنا عن أهمية وجود احترام متبادل، فهذا يستوجب على كل طرف أن يحترم الطرف الآخر. وعلى الذين لا يؤمنون بالمقدسات احترام من يؤمنون بها، وإلا فأين الإنسانية هنا؟ وعلى الذين يؤمنون بالمقدسات احترام حقوق المجتمعات التي لا تؤمن بها. لذا فليس هناك أي دخل للمسلمين إذا أراد الأوروبيون مهاجمة مقدساتهم اليهودية. لكن إذا تعرضت المقدسات والشخصيات التاريخية الإسلامية لأي هجوم، فهذا يصبح أمرا ذا أهمية قصوى بالنسبة لجميع المسلمين، ويجب ألا يتركوه يمر مر السحاب. فعليهم مواجهته بطريقة منطقية وبعزيمة دينية وروحية قوية وليس باللجوء للعنف.

وأعتقد أننا بحاجة إلى قوانين دولية لتحقيق احترام متبادل للأديان والأنبياء والقيم العليا بين الشعوب والمجتمعات المختلفة. ولكننا للأسف نتحدث عن قوانين دولية، ولكن السؤال هو: ما هو القانون الدولي؟ هؤلاء الذين يملكون القوة يحطمون القانون الدولي عن عمد، لأنهم يعتقدون أننا نعيش في عالم نضحك فيه على أنفسنا. وعلى أية حال فوجود قوانين أحسن بكثير من عدمه.

> هل ترى أن الحوار بين الحضارات والثقافات في أزمة؟ وفي رأيك ما هي متطلبات التعايش السلمي بين الشعوب؟

بدايةَ، أعتقد أن الحوار بين الثقافات والحضارات في أزمة. وبدأت هذه الأزمة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، الذي تميز بأحداث عديدة، أكثرها تأثيراَ أحداث الحادي عشر من سبتمبر. لقد شاركت لمدة خمسين عاماَ في العديد من الحوارات بين الإسلام والمسيحية واليهودية وأخرى ثقافية ودينية في أوروبا وشمال أفريقيا كجزء من العالم الإسلامي وأميركا والهند، وفي جميع أنحاء العالم. وفي هذا الصدد يمكن القول بأن الأوضاع تحسنت كثيراَ بين الإسلام والمسيحية خاصة قبل ظهور التطرف ليس فقط في الإسلام وإنما أيضاَ في الأصولية المسيحية، كما كان الحال بين المسلمين والهندوس في الهند حيث توفر مناخ أكثر مرونة للتواصل والحوار بين الطرفين حتى بعد الأحداث المأساوية نتيجة الصراع الحزبي منه بعد ظهور كل من الأصولية الإسلامية والهندوسية. وتعتبر الأصولية وجه العملة الثاني للعلمانية، ولذا فالأصولية لم تكن موجودة في العصور الوسطى بغض النظر عن قوة وهيمنة الكنيسة الكاثوليكية. وكذلك في العصر العباسي، حيث كان الإسلام في أوج عظمته وازدهاره، فإن ظاهرة تطرف الأصولية اليهودية أو المسيحية أو الإسلامية أو الهندوسية التي نراها اليوم لم تكن موجودة. فهذا يعتبر رد فعل من جانب المتدينين ضد أقوى أنواع الأصولية وهو أصولية الحداثة، وهو ما نطلق عليه الآن العلمانية. فهذه آيديولوجية تريد التفرد لنفسها، متصلبة في معارضتها لكل الآيديولوجيات الأخرى أكثر من أي دين. كل ما تبغيه العلمانية هو الهيمنة على هذه الديانات، ومحاولة تفهمها هو إضعاف لهذه الأديان. فالمناداة بالإصلاح والتطور دائماَ ما يسيران في اتجاه العلمانية. إن ديناميكيات الشارع العالمي في تغير مستمر، والتهديد المستمر للدين يولد ردود أفعال سلبية في معظمها، والتي يمكن أن تكون إيجابية في المستقبل، إذا أقلعت عن استخدام العنف في محاولة إحياء دين ما.

وفي الحقيقة، وعلى العكس من ذلك، فلماذا انتعشت المخاوف من الإسلام مرة أخرى خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والعودة إلى العصور الوسطى، كما كرر رجال الدين المسيحيون نفس الهجمات ضد الرسول (عليه الصلاة والسلام)، والتي كتبت باللاتينية قبل ألف عام. ويدرك عدد كبير من الناس أن الحوار والتفاهم مهمان جداَ الآن أكثر من أي وقتٍ مضى. ولذا، فهناك عمليتان مستمرتان في نفس الوقت؛ أولاَ إن شرط توافر تعايش سلمي هو توافر التعايش السلمي لوجهة نظر عالمية واحدة، وثانياَ يجب على المسيحية أن تتقبل الإسلام كدين أرسله الله عز وجل، وعلى المسلمين أيضاَ أن يتقبلوا المسيحية كدين أرسله الله تعالى، وألا يصفوا المسيحيين بالكفرة. وتعريف القرآن الكريم لكلمة كافرون واضح وصريح. إن وجهة الإسلام الحقيقية يجب ألا تدعي أن المسلمين سيدخلون الجنة وبقية الناس مصيرهم النار، وهذا ضد الشريعة الإسلامية لأنها تستوجب على المسلمين حماية مال ودم وحياة أهل الكتاب. وإلا فلماذا فرض الله تعالى علينا هذا إذا كان جميع هؤلاء الناس سيدخلون النار.

> ما هي القضايا والأمور والمفاهيم الإسلامية التي يحتاج الغرب معرفتها؟ وما هي أفضل الوسائل التي يمكن استخدامها لتوصيلها إلى المجتمع الغربي؟

من هذه الأمور، مبادئ الدين الإسلامي والأساسيات التي يقوم عليها وحدانية الله عز وجل، عمومية النبوة (أي أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعث للناس كافة)، وحقيقة أن المسلمين يحترمون جميع الأنبياء وليس فقط نبي الإسلام، وأيضاَ حقيقة أن كلمة إسلام موجودة منذ نشأة الكون، وقد أشار القرآن الكريم إلى إبراهيم وعيسى عليهما السلام بأنهما مسلمَان وأن الله تعالى جعل الإسلام الدين والقانون الأمثل لكافة البشر، وحقيقة أن الإسلام قدم للبشرية أعظم مدارس الفكر، الأمر الذي يجهله العديد من المسلمين في الوقت الحاضر، وكذلك إبراز حقيقة تأثير الإسلام القوي على الغرب في العصور الوسطى إلى درجة أنني دائماً أقول إن الحضارة الغربية بنيت على أثينا والقدس وبغداد وغيرها من المدن الإسلامية أو إسبانيا المسلمة، وليس فقط على القدس وأثينا كما يعتقد البعض من الناس. وإلى وقتنا هذا يبدو أن المسلمين غير قادرين على تقييم ومعرفة المواطن الغربي المراد مخاطبته، إذ تنفق العديد من الدول الإسلامية ملايين الدولارات على طباعة أعداد كبيرة من الكتب عن الإسلام، والتي دائماً ما يكون مصيرها التخزين في سراديب مباني سفارات هذه الدول لأنه لا أحد يريد قراءتها وذلك بسبب الطريقة التي كتبت بها. كما أننا لم نحسن استغلال وسائل الإعلام، وبخاصة السينما في عرض الرؤية الإسلامية بشكل صحيح. لذا فما نحتاج إليه هو تعليم جيل الشباب المسلم من الكتاب والصحافيين والمخرجين، بحيث يمكنهم نقل الأفكار والصور الصحيحة عن الإسلام من خلال وسائل الإعلام التي يعرفها المواطن الغربي مثلما يفعل زملاؤهم في لندن وبرلين وواشنطن، وهم في نفس الوقت متأصلون بالتقاليد الإسلامية.

وهنا تكمن المشكلة، فيوجد العديد من الكتاب الإسلاميين في الغرب وهم في حقيقة الأمر ليسوا مفكرين إسلاميين، بل مجرد أسماء إسلامية فقط، وهناك العديد من المفكرين المسلمين الجادين ولكن لا يمكنهم الكتابة الجيدة بالإنجليزية أو الألمانية أو الفرنسية، كما لا يجيدون مخاطبة الجمهور الغربي، وهؤلاء لا بد من تدريبهم جيدا.

> هل يمكن لمناهج التعليم في الغرب تحسين صورة الإسلام والمسلمين؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟

بالطبع يمكن ذلك، لأن كل الأميركيين والأوروبيين يذهبون إلى المدرسة، والطريقة التي يدرس بها الإسلام في فصول التاريخ والدين تؤثر على نظرة الطفل أو الشاب أو طالب الجامعة للإسلام والعالم الإسلامي ككل. ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟ أولاً: أعتقد أنه يجب علينا إعداد وتدريب عدد كافٍ من المفكرين الإسلاميين في الغرب لكي يصبحوا أساتذة دراسات إسلامية في الجامعات الغربية، بالضبط مثلما فعل أبناء عمومتنا من اليهود بعد الحرب العالمية الثانية. فلا يوجد اليوم مقعد مهم للدراسات اليهودية، ما عدا في نيوجيرسي على ما اعتقد، شاغر من اليهود المتخصصين. فأستاذ الدراسات اليهودية يهودي في الجامعات الأميركية المرموقة مثل شيكاغو وهارفارد وييل وبرنستون. وقد تمكنوا من تحقيق هذا في مدة 50 عاما، وهذا يعتبر إنجازا رائعا ومهما للمجتمع اليهودي في أميركا.

أما الموقف بالنسبة للمسلمين فقد تحسن بعض الشيء، إذ يوجد على الأقل 5 أو 6 أساتذة دراسات إسلامية مسلمين في الجامعات الرئيسية في بريطانيا، أما في أميركا فيوجد 50 أستاذا. ولكن هذا الرقم ما زال ضئيلا إذا قورن بما يزيد عن 2500 جامعة وكلية في الولايات المتحدة.

حاورته في أتلانتا: صفات سلامة
المصدر: http://science-islam.net/article.php3?id_article=834&lang=ar

الأكثر مشاركة في الفيس بوك