التطرف والإرهاب

التطرف والإرهاب
إذا افترق الحلُّ الأمنيّ عن الإصلاح، فهيهات أن يكون هنالك نجاح

--------------------------------------------------------------------------------

ما تزال ظاهرة التطرف والإرهاب منتشرة، بل متفاقمة، إذ أخفقت وسائل العنف في مواجهتها وكانت من أسباب انتشارها، وهذه مقالة من عام 1425هـ و2004م، تتناولها من الجذور، وقد واكبت في حينه بعض أحداث العنف في بلدان إسلامية.

--------------------------------------------------------------------------------

تفجيراتُ السعودية والمغرب وتركيا وإندونيسيا، وبعض بلدان أوروبا.. التي قتلتْ مَنْ قتلت مِن الأبرياء، وروَّعت مَنْ روّعت من الناس، ودمّرت ما دمّرت من الأبنية والمؤسسات، وأوقعت ما أوقعت من الخسائر والأضرار، لا تجوز في شريعة الإسلام، وفي ميزان الإنسانية والأخلاق.. هذه الأعمال -مهما كانت دوافعها- حرام وإجرام
يجب أن يقال ذلك بكل صراحة ووضوح
والنيّةُ الحسنةُ المدَّعاةُ، لا تشفع -في نظر الإسلام- للأعمال غير الحسنة؛ بل كيف يمكن أن توصف نِيّةٌ بالْحُسْن، وهي تخالف عن أمر اللَّه عزَّ وجلَّ في كتابه، وأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم في سُنّته، وتستهدف بالقتل نفوساً، أو لا تبالي أن تُصاب نفوسٌ، حرّم اللَّه قتلها إلاَّ بالحقّ، وتصنع ما صنعته من الدمار والفساد

♦♦♦

يقول بعض الناس:
- إنهم لا يقتلون من يقتلونهم لأنفسهم وأعمالهم؛ ولكنهم يعاقبون بقتلهم غيرَهم من القتلة والظالمين!!
ولكن أليس اللَّه عزَّ وجلَّ هو الذي يقول في كتابه العزيز: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} -فاطر: 18-
ما أخطر آفةَ الجهلِ، واعْتِسافِ الأمور، وقلّة الفقه!
ويقولون:
- إنّهم ينتقمون للإسلام والمسلمين من أعدائهم، ويُضحّون بأنفسهم في ذلك من أجلهم، ولا يُدركون أنهم، بأعمالهم الجاهلة المحرّمة هذه، يُوَجّهون إلى الإسلام والمسلمين أقسى الضربات، ويُلْحِقون بهم أشدَّ الأذى في كلّ مكان من الأرض، ويُقَدّمون الذرائع والمبرّرات لمن يعادون الإسلام، لمحاربته ومحاربة أتباعه وأنصاره، ومحاصرتهم والتضيّيق عليهم في كلّ مجال ومكان، والسّعي السّافر أو المستتر للقضاء على مُقَوِّماتهم الدّينيّة والثّقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، كما يُقضَى في البلاد الإسلاميّة ذاتها الآن على المقوّمات العسكريّة والسياسيّة وسائر المقوّمات الأخرى

♦♦♦

ظاهرة التطرّف والإرهاب المحرّم التي ننكرها ونستنكرها -وهي شيء آخر غير المقاومة المشروعة ديناً وقانوناً وطبيعةً وعُرْفاً وخُلُقاً للاحتلال والاستعمار والمعتدين والعدوان- لا تُعالَج معالجة أمنيّة فقط، ولا يَقْضي عليها القمعُ والعنف والتطرّفُ والإرهابُ المضادّ ؛ بل تستوجب دراسةً علميّةً أمينةً عميقةً شاملةً، لنشأتها، وأسبابها السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة والنفسيّة: الداخليّة والخارجيّة، المحليّة والإقليميّة والعالميّة، لفهمها بأبعادها المختلفة، ومعالجتها من جذورها وأسبابها، بالإصلاح الصادق الشّامل البصير، وإزالة ما يمكن إزالته من أسبابها المباشرة وغير المباشرة، لا بمجرد القوة الأمنيّة والقمعيّة وحدها، التي تقف غالباً عند الظواهر والأعراض، وتهتم غالباً باللحظة الراهنة، ولا تنظر نظرة أبعد وأصوب للمستقبل واحتمالات المستقبل

♦♦♦

وأودُّ أن أنبه هنا إلى أمر خطير:
مكافحة الإرهاب والتطرّف والقتل والتدمير قد تقترن أو تؤدّي بالمقابل إلى تطرّف آخر يخرج بالقائمين به أيضاً عن حدود الشريعة والقانون والعدل والإحسان، ويصيب البريء كما يصيب المذنب، ويتجاوز بالقمع أو العقاب الحدود الدينيّة والأخلاقيّة والإنسانيّة، ولا يَقضي بذلك على ما يريد القضاءَ عليه من التطرّف والانحراف والإرهاب، وإنّما يُغَذِّيه ويضاعفه على الزمن، ويزرع بذوراً جديدةً لتطرّف وانحراف وإرهاب جديد.. لا يعلم إلاّ اللَّه شكله ومنتهاه
أكرّر وأؤكّد:
يجب أن تكون قرارتُ السلطات المسؤولة وإجراءاتُها أخلاقيّة إنسانيّة عادلة منضبطة، تنطلق من روح المسؤولية والإصلاح، لا روح الانتقام والتشفِّي، وإلاّ استوى الطرفان: السلطاتُ ومن تكافحهم السلطات، في البعد عن الحق والقصد والصواب
وإذا تحوّلَ أصحاب السلطان من أطباء إلى أعداء، فهيهاتَ أن يكون هناك شفاء
وإذا افترق الحلُّ الأمنيّ عن الإصلاح، فهيهات أن يكون هنالك نجاح

♦♦♦

ولا أُغْفِلُ، ولا يستطيع أحد أن يُغفل، دورَ التربية والتعليم، والتوعية والتثقيف، والإرشاد والتوجيه، في هذا الأمر الخطير..
ولا دَوْرَ الحريّة والقانون الذي يحمي الإنسان وحقوق الإنسان، ويسمح له بأن يعبّر عن رأيه في وضح النهار، وأن يخالف أو يوافق سواه من الحاكمين والمحكومين، ويفتح له طريقاً شرعيّاً للعمل المشروع المكشوف على كل صعيد، ولا يلجئه إلى السريّة والتخفّي، والعمل تحت الأرض، وسلوك سُبُل غير مشروعة، يكون فيها -غالباً- كثير من التطرف والانحراف، والبعد عن الوسطيّة والاعتدال

♦♦♦

ومن أهم ما أحبّ الإشارة إليه من أسباب التطرّف في التفكير والسلوك، والتحوّل إلى أداة دمار عند بعض الشباب المخلصين الغيورين، ما يستشعره هؤلاء الشباب من ضعف وعجز في مواجهة مشكلاتهم، ومشكلات عالمهم وعصرهم الكبرى، وما يصيبهم ويصيب الإسلام والمسلمين من الضربات والنكبات والمظالم الصارخة
ولو أنّ هؤلاء الشباب فهموا دينهم وعالمهم وعصرهم فهماً صحيحاً، ورأوا بعلمهم ووعيهم وفكرهم سُبُل الصلاح والإصلاح، وملكوا مؤهلات ووسائل العمل والنجاح، لسلكوا طريقاً إيجابيّاً بنّاءً نافعاً غير الطريق الذي يسلكونه -أو يسلكه- بعضهم الآن؛ ولكنّهم عجزوا عن الرؤية الواسعة الواضحة، أو قَصَّرت بهم طاقاتُهم ومؤهّلاتُهم عن العمل الإيجابي على مستوى المطامح والأهداف، أو سُدَّت في وجوههم السبل للنهوض به على وجه مقبول؛ فلم يجدوا في مواجهة ما يواجهونه من حرب على الإسلام، ومن ظلم وعدوان، إلاّ هذا الطريق الخاطئ المردي
إنّنا بحاجة ماسّة إلى جهاد حقيقيّ صادق مستمرّ، لرفع أنفسنا إلى مستوى إسلامنا وعالمنا وعصرنا، ومستوى القدرة على تحقيق رسالتنا الإسلامية والإنسانية السّامية فيه، وهذا من أهم ما يُجَنِّبُنا الطرق السلبيّة اليائسة أو الخاطئة، ويمكننا من سلوك الطريق الإيجابي الصحيح لخيرنا وخير سائر البشر، ويملأ قلوبنا بالأمل والاستبشار، والثقة بأنفسنا وبالمستقبل، ويساعدنا على مدّ جسور التعارف والتعاون مع غيرنا على البرّ والتقوى، ويجعلنا رحمة لأنفسنا وأمتنا وسائر الناس، وهذه مهمةُ نبيّنا ورسالتِنا، ومهمتُنا:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} -الأنبياء: 107-
ولست مخطئاً -في اعتقادي- ولا مبالغاً إذا قلت: فَرْضٌ على كل مسلم في هذا الزمان وهذه الظروف، أن يفجر مواهبه وطاقاته واستعداداته، وينميها، ويصل بها في نطاق اختصاصه، ومجال عمله وواجبه.. إلى أبعد ما يستطيع، وذروة ما يستطيع؛ فدون ذلك لا يمكننا أن ننقذ أنفسنا، ونحقق أهدافنا النبيلة السّامية؛ ودون ذلك لا يمكننا أن نسهم في إنقاذ الإنسانيّة والإنسان، وخدمة الإنسانيّة والإنسان

عصام العطار
المصدر: http://www.issamelattar.net/ia/modules.php?name=News&file=article&sid=740

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك