في التواصل مع الآخر: معالم وضوابط ووسائل

 
في التواصل مع الآخر:
معالم وضوابط ووسائل

ورقة مقدمة إلى المؤتمر السنوي الثاني: نحن والآخر المقرر انعقاده ما بين 6-8 صفر لعام 1427هـ الموافق 6-8 مارس لعام 2006م بدولة الكويت
بتنظيم اللجنة العليا لصياغة البرامج والإجراءات والخطط الكفيلة بحماية الشباب من مظاهر الانحراف والتعصب الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة بدولة الكويت

إعداد
أ.د. قطب مصطفى سانو
وكيل الجامعة لشؤون الابتكارات العلمية والعلاقات الدولية
عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي بمنظمة المؤتمر الإسلاميِّ بجدّة
أستاذ أصول الفقه والماليّة الإسلاميّة بالجامعة الإسلاميّة العالميّة بماليزيا
 

في تقديم الدراسة:
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد،
فإنّه لمن نافلة القول أنَّ الإنسان مدنيٌّ بطبعه، ومجبول بفطرته على التواصل مع محيطه الإنسانيّ والماديّ، ولا يمكن له أن يعيش عيشة هانئة مستقرة بمفرده، كما لا يمكن له أن يجد للحياة طعمًا أو ذوقًا إذا عاش بمعزل عن الناس، واستغنى بفكره وذاته عن العالم الذي حوله، ذلك لأنّ الاستقرار والسعادة والأمن يتطلب كل أولئك قدرًا عاليًا من التفاعل الإيجابيّ الراقي مع الآخر والتكامل الحضاريّ مع الكون والوجود، والتفاعل البنّاء مع الحياة وما يغشاها من تطوراتٍ حثيثة وتغيرات متلاحقة وأوضاع متقلبة لا قبل للفرد بها، مما يستلزم ضرورة التواصل الإيجابي والتعاون الفعّال بين البشر، وتبني الإيجابيّة والموضوعيَّة والعلميَّة منهج حياة في التعامل والتفاعل مع الآخر.
إنّ الإسلام بحسبانه رسالة عالميّة شاملة، وبوصفه رسوله الكريم r الرحمة المهداة للعالمين، فإنه يسع الكون ومن فيه وما فيه من إنسٍ وجنٍ وحيوانٍ ونباتٍ، وجبالٍ وبحارٍ وأنهارٍ بتعاليمه المرنة السمحة العادلة، كما أنه ارتقى بتشريعاته بالإنسان من الفرديّة إلى الجماعيّة، ومن الانغلاق إلى الانفتاح، ومن التعصب إلى التسامح، ومن التعسير إلى التيسير، ومن التشديد إلى التسهيل، وتجاوز بفكر الإنسان ورسالته في الحياة من القوموية إلى الأمميّة، ومن الإقليميّة إلى العالميّة، ومن الانسحابيّة إلى الإقداميّة، ومن الانكفاء حول الذات إلى الانفتاح على الآخر. بل إنّ الإسلام بتعاليمه السمحة الخالدة تجاوز بفكرة التواصل بين المسلم وغيره فردًا أو جماعةً من التواصل الشكليّ المحدود إلى التواصل الفكري الموضوعيّ الواسع الشامل، ومن التكامل النظري مع الآخر إلى التكامل الحقيقيِّ، ومن التفاعل السلبيِّ إلى التفاعل الإيجابيِّ الرشيد.
ولئن تناول ـ قديمًا وحديثًا ـ عددٌ لا يستهان به من الكتَّاب والباحثين والمفكِّرين مسألة تواصل المسلم ـ فردًا ومجتمعًا ـ مع الآخر فردًا ومجتمعًا، فإنّ الناظر المتفحص فيما تزخر به الساحة الفكريّة المعاصرة من مؤلفات وأبحاث ودراسات وكتب، يجد أنّه لا تزال ثمة حاجة قصوى إلى مزيد من الدراسات العلميّة الجادَّة التي تنطلق من رؤيةٍ منهجيّة موضوعيّة واقعيَّة رشيدة رشيقة تستند في منطلقاتها إلى أصول الشرع العامّة، وتعتصم في مضامينها بالمقاصد السنيّة، وتلتفت في تطبيقاتها التفاتا مباركا إلى مآلات الوقوع الفعليِّ لما تتبناه من آراء واجتهادات سديدة إزاء مسألة التواصل مع الآخر تمكينًا للمسلم فردًا ومجتمعًا من القيام بمهمة الخلافة لله جلّ جلاله، وعمارة الكون، وإسعاد البشريّة جمعاء.   
ومن ثمَّ، فإنَّ هذه الوريقة المتواضعة ترنو ـ منهجيًّا ـ إلى تسليط الضوء على معالم التواصل المنشود مع الآخر، كما تسعى إلى إلقاء ظلال من الضوء على جملة الضوابط التي ينبغي مراعاتها عند التواصل مع الآخر، وستحاول الورقة تحقيق القول في جملةٍ حسنةٍ من الوسائل والآليات المعاصرة التي ينبغي توظيفها عند الهمِّ بالتواصل مع الآخر.
وتأسيسًا على هذا، فإنَّ الورقة ستنتظم ثلاثة مباحث رئيسة وخاتمة، يعنى أولها بتحقيق القول في مصطلح التواصل المنشود ومعالمه، وأما المبحث الثاني، فسيتناول بالتحرير والتحليل ضوابط التواصل المنشود ووسائله، وسيتصدى المبحث الثالث لتقديم اقتراح متواضع يقوم على الدعوة إلى الشروع في تأسيس علم الغرب "غَـرْبُولوجيا"westology"" في الجامعات والمعاهد والكليات في العالم الإسلاميّ؛ وأما الخاتمة، فستحتضن تلخيصا أمينا لأهم نتائج الدراسة ومقترحاتها.
وعلى العموم، إنني لأغتنم هذه السانحة الطيّبة لأهنئ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة المعروفة بوعيها وعمقها ووساطيتها، واللجنة التحضيرية والعلميّة والتنظيميّة لهذا المؤتمر الهامّ على حسن اختيارهم عنوانه ومحاوره وزمانه ومكانه، فقد سرّني جدًّا عنوانه الذي يعدّ تجاوزًا حكيمًا رشيدًا عن العناوين التقليديّة المتمركزة حول " الحوار مع الآخر"، ذلك أنّ الحوار غدا اليوم في خلد كثيرٍ من الناس الوسيلة المثلى الأوحد والأنجع للتواصل مع الآخر، والحال أنّ للتواصل مع الآخر وسائل جمّة لا يمكن حصرها أو محاصرتها في وسيلة بعينها، ولا يعدو الحوار ـ على الرغم من أهميّته ومكانته ـ أن يكون إحدى وسائل التواصل، ولهذا، فليس من المقبول في  منطق العلم والحكمة العكوف عند دراسة وسيلة من وسائل التواصل، كما أنّه ليس من الأجدى تجاوز إيلاء بقية الوسائل جانب التأصيل والتنظير والتحقيق إمعانا في مختلف السبل والطرائق التي تفضي إلى تحقيق تفاعل وتعاون إيجابيّ مع الآخر، فمادام للتواصل ـ باتفاق عامة المحققين من المفكرين ـ وسائل، ومادام للتواصل صور  وأشكال متعددة، لذلك، فإنّه من الحريّ بالالتفات والتنبه أن يتم النفاذ إلى طبيعة التواصل المنشود بغية تحديد الوسيلة المثلى التي تناسبها وتلائمها، والصدور عن هذه المنهجيّة في النظرة إلى وسائل التواصل من شأنه تجاوز الوقوف عند وسيلة بعينها، مما يفضي في نهاية المطاف إلى ضرورة استيعاب سائر الوسائل المتاحة، والبحث عن سبل توظيفها وتفعيلها لتحقيق التواصل المنشود مع الآخر. ومن ثم، فإنّ الحاجة تمس ـ كما أثبتنا ـ إلى الاستفادة القصوى من سائر وسائل التواصل، كما أنّ الرشد الفكريّ والنضج المنهجيّ يقتضيان ضرورة تجديد النظر الحصيف في مختلف وسائل التواصل والتفاعل التي تجود بها الأيام، وتظهر في دنيا الناس.
وفي إطار تحقيق هذا الهمّ المقصديّ المنفتح والمستوعب لتغيرات الزمان والمكان والحال، اختلفنا (ذهبنا) في هذه الدراسة إلى الدعوة إلى تأسيس علم جديد اصطلحنا عليه  علم الغرب، ليغدو مدخلا هامّا يتم من خلال تحقيق القول العلمي المنهجيّ الموضوعيّ في أشكال التواصل المنشود مع الآخر، ووسائله، وضوابطه، وآفاقه.  
وفي الختام، لا يسعني في هذا المقام إلا أن أعبر عن عميق شكري وعظيم تقديري للجنة على دعوتهم إيايّ للمشاركة في هذا الملتقى العلميِّ الرائع بجانب عدد من كبار المفكرين والعلماء في العالم الإسلامي، فعسى الله أن يوفقكم، ويسدّد خطاكم، ويبلغ مرامهم، كما لا يفوتني أن أعرب عن جليل عرفاني، وعميق امتناني لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة بدولة الكويت على تمسكهم الشديد وسعيهم الدؤوب لتمكين الوسطية الإسلامية الخالدة وبسطها في جميع أرجاء المعمورة تمكينا للإسلام من أداء رسالته الناصعة، فعسى الله أن يوفق القائمين على هذه الوزارة إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، وعساه ـ جل جلاله ـ أن يحفظ الكويت وأهله من كل مكروه، إنّه ولي ذلك وعليه قدير.
والله نسأل أن يجعل التوفيق حليفنا فيما سنطرحه في هذا الملتقى العلمي الرشيد الآني الموفق، وأن يجنبنا الخطأ والخطل والزلل، ويرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.

أعدّها الراجي غفران ربّه:
أبو محمد/ أ.د. قطب مصطفى سانو
كوالالمبور, ماليزيا
المبحث الأول
في مصطلح التواصل المنشود مع الآخر ومعالمه

الفقرة الأولى: في مصطلح التواصل مع الآخر:
انطلاقا من المقولة الأصوليَّة الشهيرة التي تقرر بأنَّ الحكم على شيء فرع عن تصوره، بل اعتدادًا بأهميَّة ضبط المفاهيم، وتحرير المعاني المرادة من المصطلحات، لذلك، أراني مستهلا هذا المبحث بوقفة هادئة عند مصطلح التواصل مع الآخر تمهيدا لبيان مفصل لمعالم التواصل المنشود، وضوابطه، ووسائله.
وبالنظر فيما جادت به الساحة الفكريّة المعاصرة من مؤلفات ودراسات وأبحاث ومؤتمرات وندوات علمية متنوعة، فإنَّ المرء ليجد ثمة حضورًا غير منكور لمصطلح الحوار مع الآخر، وحوار الحضارات، وحوار الأديان، وحوار الثقافات، وحوار الإسلام والغرب، وحوار الشمال والجنوب[1]، كما أنّ المرء يجد تساؤلا ثقيلا ومكرورًا عن مدى الحاجة إلى الحوار مع الآخر، وضوابط ذلك الحوار، ووسائله الخ..
وأما مصطلح التواصل مع الآخر، فإنّ المرء لا يكاد يجد له ذكرًا أو حضورًا في أروقة أولئك الباحثين والمفكّرين الذين أوسعوا ـ ولا يزالون يوسعون ـ مصطلح الحوار جانب التأصيل والتحقيق والتحرير والضبط؛ وليس من الهيّن ـ بل من المتعذر في الغالب الأعمِّ ـ أن يجد المرء تعريفا علميًّا واضحًا، أو تصورا منهجيًّا دقيقًا عن مصطلح التواصل مع الآخر؛ وقد بذلت ما وسعني من جهدٍ في تفحص معالجات تلك المؤلفات والأبحاث بغية الوقوف على تحديد علميٍّ واضح لهذا المصطلح، غير أنَّني لم أفلح في مسعاي، مما دفعني إلى أن أفزع إلى عددٍ من المعاجم والقواميس اللغويّة مستلهما منها مادة علميَّة رصينة يمكن الاستناد إليها في صياغة تصور مكين عن مصطلح التواصل مع الآخر وصولاً إلى صياغة موضوعيَّة منهجيّة لاهمّ المعالم التي يقوم عليها التواصل المنشود، فضوابطه، ثم وسائله.
وبالرجوع إلى المعاجم اللغويّة، نجدها تحدِّد المراد بكلمة "تواصل" بأنّها تعني عدم التصارم، وفي هذا يقول ابن منظور في لسانه: "..والوصل: ضد الهجران، والتواصل: ضدّ التصارم. وفي الحديث: من أراد أن يطول عمره، فليصل رحمه.."[2] ويقرّر الفارابي هذا المعنى، فيقول: "..والوصل: ضدّ الهجران.. وتوصّل إليه: أي تلطف في الوصول إليه. والتواصل: ضدّ التصارم.."[3] ، وذهب الزبيدي إلى هذا المعنى في تاجه، فقال: "..وصل فلان رحمه يصلها صلة.. وتوصل أي توسل وتقرّب، والتواصل ضدّ التصارم.."[4].
وإذا كان التواصل ضدّ التصارم لدى عامة علماء اللغة، فإنّ جميعهم يقرّرون بأنّ التصادم يعني التقاطع، وفي هذا يقول ابن منظور في لسانه: "..والصرم اسم للقطيعة، وفعله الصرم، والمصارمة بين الاثنين.. والانصرام الانقطاع، والتصارم التقاطع، والتصرم التقطع.."[5] وفي المعجم الوسيط: "..انصرم: انقطع، ويقال: انصرم الليل: ذهب، وانصرم الشتاء: انقضى.. تصارما: تقاطعا.."[6]
وثمّة معاجمُ وقواميسُ أخَرُ لا يتسع المقام لسردها تقرِّر ذات المعنى لكلمة "تَوَاصُل"، وكلمة "تصارم"، وبناءً عليه، فإنّه يمكن تقرير القول بأنّ التواصل ضدّ التقاطع وضدّ التدابر وضدّ التخاصم وضدّ التهاجر، وبتعبير آخر، فإنّ التواصل يعني لغة جميع أشكال التفاعل والتكامل المنبثق عن الإحسان والرفق، والرعاية، والعناية استنادًا إلى المعني الثاوي لكلمة "صلة الرحم" التي تعني عند عامّة أهل العلم باللغة والتفسير والفقه والأصول الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار، والعطف عليه، والرفق بهم، والرعاية لأحوالهم وإن بعدوا وأساؤوا..
وتأسيسًا على هذا، فإنّه يمكننا النفاذ من خلال هذه المعاني اللغويّة للتواصل إلى القول بأنّ التواصل مع الآخر يراد به من منظور هذه الدراسة جميع أشكال التفاعل والتعاون والتكامل الإيجابيّ البنَّاء المنبثق عن الإحسان والرفق والرعاية والعناية بين المسلم ـ فردًا ومجتمعًا ـ والآخر ـ فردًا ومجتمعًاـ وذلك بغية الوصول إلى ما فيه مصلحة كلا الطرفين دينًا ودنيًا، وحالا ومآلا، وينتظم هذا التفاعل والتعاون الإيجابيّ جانب الفكر، والاجتماع، والسياسة، والاقتصاد، والثقافة، والتربية، كما تحكم هذا التفاعل جملة من الضوابط الفكرية والموضوعيّة والمنهجيَّة الراسخة والمستخلصة من ثنايا نصوص الكتاب الكريم والسنّة النبويّة الشريفة، وأما وسائل تحقيق هذا التفاعل والتعاون الإيجابيِّ الشامل، فإنَّها متعددة بتعدد مجالات التفاعل والتعاون، ومتجددة بتجدد الزمان والمكان والأوضاع.
إنَّ هذا التصور لمصطلح التواصل يقودنا إلى القول بأنّ التواصل المنشود اليوم مع الآخر يشمل التفاعل والتعاون الفكريّ، والاجتماعيّ، والاقتصاديّ، والسياسيّ، والثقافيّ، والتربويّ التعليميّ، كما أنّ هذا التصور يلتفت التفاتا أمينا إلى أنّ التواصل المننشود لا يتوقف عند التواصل على مستوى المجتمعات والدول، ولكنه يشمل التواصل على مستوى الأفراد، فالتواصل كما يكون بين فرد وآخر، فإنّه يكون أيضا بين مجتمع وآخر، ويعني هذا أنّ التواصل المنشود مع الآخر ليس تواصلا على مستوى الحكومات والدول فحسب، ولكنه ينبغي ويجب أن يكون تواصلا على مستوى الأفراد، كل حسب قدرته وطاقته واستطاعته، وفضلا عن هذا، فإنّ هذا التصور عن التواصل المنشود يقوم على الإيمان بأنّ للتواصل وسائل متعددة بتعدد صوره ومجالاته، وتتجد تلك الوسائل بتجدد الزمان والمكان، ويعني هذا أنّ الجمود على وسيلة من وسائل التواصل والوقوف عند تلك الوسيلة دون سواها يمثل خروجًا على الجادّة، وتضييقا لواسعٍ.
وبناء على هذا، فإنّ ما نراه ونسمعه اليوم من دعوات مكرورة ونداءات متكاثرة إلى الحوار مع الآخر بحاجة إلى إعادة النظر، ذلك لأنّ الحوار ـ على الرغم من أهميته وجدواه وضرورته ـ لا يعدو أن يكون وسيلة من الوسائل المثلى التي يتحقق من خلالها صورة هامّة من صور التواصل المنشود مع الآخر، وهو التواصل الفكريّ والتواصل السياسي، وأما بقية صور التواصل، فإنّ لها وسائل أخر سوى الحوار، وينبغي الإيلاء من شأنها.
وبطبيعة الحال، إننا نبادر فنقرّر بأنّنا لا ننكر بأي حالٍ من الأحوال ما للحوار من أهمية قصوى، وضرورة عظمى، وذلك بحسبانه الأساس الذي يمكن الارتكاز عليه لتحقيق مختلف صور التواصل، بيْد أنّنا نرى أنّ ثمة حاجّة ماسّة إلى التوظيف المنهجيّ الموضوعيِّ للعديد من الوسائل التي يمكن أن تفضي إلى تحقيق بقية صور التواصل المنشود، فعلى سبيل المثال، يعدّ الزاوج، والمجاورة، والتعاملات الماليّة، والتبادلات الثقافية والتربويّة وسائل ناجعة ينبغي توظيفها توظيفا موضوعيّا ومقصديّا من أجل تحقيق صور التواصل المنشود في العصر الراهن.
الفقرة الثانية: في معالم التواصل المنشود:
لئن تبدى لنا مرادنا بالتواصل مع الآخر من منظور هذه الدراسة، فإنّه حريّ بنا أن نشفع ذلك البيان بتحقيق القول في أهمّ معالم ذلك التواصل مقرّرين ـ منذ البداية ـ بأنّ مرمانا بالمعالم جملة المبادئ والأسس التي يقوم عليها التواصل في النظرة الإسلاميّة الناصعة، ويمكننا إجمال تلك المبادئ والأسس في النقاط التالية:

أولا: الشمول والعموم في النظرة إلى صور التواصل المنشود:
لقد أوضحنا سابقا بأنّ التواصل المنشود مع الآخر تفاعل إيجابيّ يشمل الجانب الفكريّ، والاجتماعيّ والسياسيّ والاقتصاديّ والتربويّ، ويعني هذا أنّ الشموليّة والإحاطة تعدّ أهمّ معلم ومرتكز تقوم عليه النظرة الإسلاميّة الناصعة إلى التواصل مع الآخر، وقد وردت نصوص متعددة من الكتاب العظيم والسنة النبويّة الكريمة تؤصِّل لكل صورة من صور التواصل المنشود. فبالنسبة للتواصل الفكريّ مع الآخر، نجد آيّا كثيرة من الذكر الحكيم تدعو أهل الكتاب إلى كلمة سواء، ومن تلكم الآيات: قوله تعالى ?قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابًا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون? آل عمران: 64 وقوله تعالى محذرا من المجادلة العنيفة مع الآخر: ? ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا، وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون? العنكبوت: 46.
وأما التواصل الاجتماعي، فقد أقرّه الشرع من خلال إباحته الزواج بالمحصنات من أهل الكتاب في قوله تعالى ?اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لكم وطعامكم حلّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان، فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين? المائدة: 5.
وأما التواصل الاقتصادي، فثمة آيات عديدة تقرّر ذلك وتدعو إليه، منها قوله تعالى واصفا أهل الذمة والأمان من أهل الكتاب، وحاثّا على التعامل مع المؤتمنين من أهل الكتاب، ومحذرا ممن لا أمانة لهم منهم: ?ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤدّه إليك، ومنهم من إن تأمنه بدينارٍ لا يؤدّه إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون? آل عمران: 75.
وبالنسبة للتواصل السياسيّ، فإنَّ ثمة آيات تضمنت الدعوة إلى الانفتاح السديد والتعاون الإيجابيّ مع أولئكم الذين لا يقاتلون المسلمين، ولا يعتدون عليهم، وفي هذا يقول جل جلاله: ?لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إنّ الله يحبّ المقسطين? الممتحنة: 8، وقوله ـ تبارك اسمه ـ ملفتا النظر إلى أهمية العلاقات السياسية وأثرها في الأحكام الشرعيّة: ?وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ، ومن قتل مؤمنا خطأ، فتحرير رقبة مؤمنة، ودية مسلَّمة إلى أهله إلا أن يصدّقوا، فإن كان من قوم عدوٍّ لكم وهو مؤمن، فتحرير رقبة مؤمنة، وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاق، فدية مسلّمة إلى أهله وتحرير رقبة، فمن لم يجد، فصيام شهرين متتابعين توبة من الله، وكان الله عليما حكيمًا? النساء: 92، وقوله أيضا مقرّرا أهمية الحفاظ على حرمة المواثيق والمعاهدات: ?إنّ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض، والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا، وان استنصروكم في الدين، فعليكم النصر إلا على قومٍ بينكم وبينهم ميثاق، والله بما تعملون بصير? الأنفال: 72. وكذلك قوله ـ علا شأنه ـ  داعيا الأمة إلى قبول السلم والعمل بمقتضاه: ?وإن جنحوا للسلم، فاجنح لها، وتوكل على الله إنّه هو السميع العليم? الأنفال:61. .
وأما التواصل الثقافيّ والتربويّ، فإنّ القرآن الكريم، قد أرسى قواعده وأسسه من خلال جملة حسنة من الآيات الكريمات، منها قوله تعالى: ? يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنّ الله عليم خبير? الحجرات: 13
هذه الآيات ومثيلاتها في الذكر الحكيم تقرّر بجلاء ووضوح جميع صور التواصل الإيجابي مع الآخر سواء أكان ذلك الآخر فردًا أم مجتمعًا، وذلك في إطار من الموضوعيّة والمنهجيّة والانضباط والاحترام للمعتقدات والأديان.
وتأسيسًا على هذا، فإنّه لا مجال في شرعنا الحنيف للنظرات التعسفيّة الاعتسافيّة التي تدعو إلى تجاوز سنة التكامل والتفاعل والتواصل بين البشر، تلك السنة التي أودعها الله في خلقه، وحثّ على المحافظة عليها من خلال العديد من النصوص الآنف ذكرها، كما لا مجال في شرعنا لمحاصرة التواصل المنشود في جانب على حساب جانب آخر، ذلك لأنّ جميع صور التواصل تتكافأ وتتكامل، ومادام التواصل المنشود ينتظم الجانب الفكريّ والاجتماعيّ والسياسيّ والثقافيّ والتربويّ والاقتصادي، فإنّ التركيز على جانب دون سواه يعدُّ ذلك تضييقا لما وسّعه الله تعالى، كما يعدّ ذلك قضاء تدريجيّا مبرما على بقية صور التواصل، مما يفضي في نهاية المطاف إلى تعذر تحقق جميع صور التواصل بما فيه التواصل الذي يركّز عليه.
وبناءً على هذا، فإنّ ما نلحظه اليوم من تركيز باهرٍ واعتدادٍ مبالغٍ فيه بالتواصل الفكريّ والتواصل السياسيّ من خلال الإيلاء بشأن وسيلتهما المتمثلة في الحوار، قد أفضى ذلك إلى ضعف الاهتمام، وقلّة العناية ببقية صور التواصل المنشود، وخاصّة منها التواصل الاجتماعيّ والتواصل الثقافيّ، إذ ثمة ضعف جليّ في الاهتمام بهما، والتوعية بأهميّتهما وعلاقتهما المتينة والوثيقة بالتواصل السياسي والفكريّ معًا. ولهذا، فإنه قد حان الآوان إلى الاستفادة من جملة الوسائل المعينة على تحقيق التواصل الاجتماعيّ والثقافيّ وخاصة منها تلك الوسائل المتمثلة في الزواج، والمجاورة، ودراسة الآخر دراسة منهجيّة موضوعية رشيدة بعيدًا عن جميع أشكال وصور العاطفية والانفعاليّة عند التعامل مع الآخر، فهذه الوسائل ومثيلاتها نخالها لا تقل كفاءة وقدرة ونجاعة من الحوار والجدال بالتي هي أحسن.
ومهما يكن من شيء، فإنّنا نخلص إلى تقرير القول بأنَّ التواصل المنشود اليوم لا يقف عند جانب دون آخر، ولكنه يسع كل الجوانب، ويغشى سائر المجالات المتصلة بالاجتماع البشريِّ تحقيقا لمصلحة مختلف الأطراف والجهات المشاركة في التواصل.

ثانيًا: الاعتراف بالآخر أساسًا للتواصل[7]:
من المعلوم لدى القاصي والداني أنّ الإسلام دين يقوم على الاعتراف الإيجابي بالآخر، وإقراره على معتقده ودينه، وقد تضافرت نصوص كثيرة في الكتاب والسنّة النبويّة الشريفة مقرّرة ومؤكّدة هذا المبدأ الحضاري الناصع، وقد تكرر في القرآن الكريم لفظ "الدين" في أكثر من ستين موضعا تقريرًا وتأكيدًا على اعتراف الإسلام بالآخر، ولعلّه من أوضح النصوص القرآنية التي تؤصّل لهذا المبدأ قوله تبارك وتعالى في سورة الكافرون: ? لكم دينكم ولي دين? الكافرون: 6، وقوله ـ جلّ شأنه ـ داعيا أهل الكتاب إلى عدم الغلو في دينهم: ?قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق? النساء: 171. وثمة آيات عديدة لا يتسع المقام لسردها.
وأما السنن النبويّة القولية والفعلية والتقريرية التي وردت مؤكّدة هذا المبدأ الإلهيّ الخالد، فإنّها أكثر من أن تحصى وتعدّ لوفرتها ووضوحها وجلائها، ويكفي المرء أن يجيل نظرًا ثاقبًا وعقلاً متدبرًا في سيرته الغرّاء r ليجد نماذج حيّة واضحة لجميع أشكال التواصل مع الآخر.  فبالنسبة للتواصل الفكريّ، فإنّه r أرسى قواعده ومبادئه على أساس من النظرة الإيجابيّة والانفتاح الواعي على ما عند الآخر من قيم ومعاني وخصال، فحثّ على الاستفادة من الحكمة بغض النظر عن مصدرها، وقال r كلمته الجامعة المانعة في الحديث الذي أخرجه الترمذي في سننه: الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها، فهو أحقّ بها.
وأما التواصل الاجتماعيّ، فلقد طبّقه r من خلال زواجه بأم المؤمنين صفيّة بنت حيّي بن أخطب وهي بنت أعلى سلطة لبني قريظة في المدينة آنذاك، وكذلك زواجه r بأم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان ـ رضي الله عنهما، وذلك قبل إسلام أبي سفيان استمالة لسيد مكّة، وحثّا له على قبول الدين الذي جاء رحمة للبشرة.
وبالنسبة للتواصل الاقتصاديِّ، فإنّ المرء يجد له حضورا واضحا من خلال ما عرف عنه r من المعاملات الماليّة ـ بيعا وشراء ودينا ورهنا ـ مع أهل الكتاب في المدينة المنوّرة، وأما التواصل السياسيّ، فقد اعتمده المصطفى r من خلال جملة المراسلات والمخاطبات التي كانت تتمّ بينهم وبين سادة القبائل والأمم والشعوب، ورسائله r إلى الملوك والسادة آكد تعبير عن الرغبة الصادقة في التواصل مع الآخر، كما أنّ حثه r صحبه الكرام ـ رضي الله عنهم ـ على الهجرة إلى بلاد الحبشة التي قائلا: "..إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده، فألحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجًا ومخرجا مما أنتم فيه.."[8] يعدّ كل هذه البلاغات النبويّة الطاهرة نماذج ساطعة للانفتاح والتواصل السياسيّ الذي تميّز به في حياته r.
وبالنسبة للتواصل الثقافي والتربويِّ، فإنّ المرء يجده حاضرًا في حثه r بعض أصحابه كالصحابي الجليل حذيفة بن اليمان على تعلم العبرانية وسواها، كما يجد المرء حضورًا لهذا التواصل من خلال إقراره الحبشة على التعبير عن ثقافته في رحاب مسجده، وحثه r أم المؤمنين عائشة على مشاركتهم في ذلك.
ولئن تضافرت النصوص والممارسات النبويّة المؤصّلة لمبدأ الاعتراف بالآخر دينا وثقافة ومنهج حياة، فإنّ ثمة منهجيّة موازية سلكها الإسلام في تثبيت هذا المبدأ وإقراره، وتتمثل تلك المنهجيّة في النهي الصريح المأثور عن الشرع الحكيم عن جميع الممارسات والتصرفات التي تؤدّي إلى نفي الآخر، أو إقصائه، أو إكراهه، ذلك لأنّ الاعتراف اللفظي بالآخر لا ثبات له إذا لم يقترن بالاعتراف الفعلي والعمليّ به، وإمعانًا في هذا، فقد وردت نصوص صريحة تنهى عن نفي الآخر، وتحرّم إكراهه على تغيير دينه وعقيدته، ومن تلك النصوص، قوله تعالى: ? لا إكراه في الدين، قد تبيّن الرشد من الغيّ? البقرة: 256، وقوله جلّ شأنه: ?ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين? يونس: 99.
وصفوة القول، إنّ التواصل مع الآخر لا تحقيق له ما لم يكن ثمة اعترافٌ به وبدينه وثقافته وأسلوبه ومنهجه في الحياة، فالاعتراف المتبادل هو أسّ التواصل بجميع صوره وأشكاله.

ثالثا: الاعتراف بالاختلاف والتعدد والتنوع منطلقا للتواصل[9]:
اعتبارًا بأنّ التواصل المنشود يروم تحقيق تكامل وتفاعل إيجابيّ بين البشر لما فيه مصلحتهم، لذلك، فإنّ مشروعية التواصل في الإسلام ترتد إلى ضرورة الاعتراف بالتنوع والتعدد والاختلاف بين الأفكار والمعتقدات والأديان، فقد اقتضت سنة الله ـ جلّ جلاله ـ في الكون أن خلق الناس مختلفين في ألوانهم وألسنتهم ومعتقداتهم وأديانهم مصداقًا لقوله تبارك وتعالى: ?ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين? الروم: 22، وقوله: ?ألم تر أنّ الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها، ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور? فاطر: 27-28، كما اقتضت قدرته الإلهية تعذر إمكانية رفع الاختلاف وإزالته بين البشر مصداقا لقوله تعالى ? ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم? هود: 118، وإذا كان الآخر غير الذات، فإنّ ذلك يعني أنّ الآخر ـ فردًا ومجتمعًا ـ يختلف عن الذات ـ فردًا ومجتمعًا ـ وبالتالي، فإنّ التواصل مع الآخر يتوقف منطقيا على ضرورة قبول الاختلاف، وقبول التنوع والتعدد، والإيمان بتعذر إمكانية رفع الخلاف والاختلاف معًا نزولاً عند الإرادة الإلهيّة التي اقتضت أن يكون الناس مختلفين.
إنّ سيرة المصطفى r والتاريخ الإسلامي سجلان وافران وحافلان بإقرار هذا المبدأ والصدور عنه بوعي واقتدار اعتبارًا بأنّ قيام الحضارات ودوامها وثباتها يتوقف توقف وجود على قبول الاختلاف وضرورة الانفتاح على الآخر والتواصل معه تواصلا إيجابيّا رصينا، وفي هذا يقول أحد الباحثين المعاصرين: "..إنّ من مقومات الحضارة العربية ـ الإسلاميّة احترام الآخر والانفتاح عليه والتكامل معه، وليس تجاهله، أو إلغاؤه، أو تذويبه؛ ويشهد تعدد الأقليات الدينيّة والإثنية في العالم الإسلاميّ ومحافظتها على خصائصها العنصرية وعلى تراثها العقدي والديني على هذه الحقيقة وأصالتها. إنّ اعتراف الإسلام بالآخر ومحاورته بالتي هي أحسن وقبوله كما هو، لا يعود بالضرورة إلى سماحة المسلمين، إنما يعود في الأساس إلى جوهر الشريعة الإسلاميّة عقيدة وقيمًا.."[10]

رابعًا: وسائل التواصل مرنة وواسعة ومتجددة:
لئن كان التواصل المنشود مع الآخر يغشى جانب الفكر والسياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، فإنّه ليس من الوارد أن تكون ثمة وسيلة واحدة قادرة على تحقيق هذا التواصل بصوره المتعددة، ولذلك، فإنّ الشرع الحكيم تجاوز عن حصر وسائل التواصل المنشود في وسيلة بعينها دون سواها استصحابا لمبدأ المرونة والسعة الذي يعدّ أحد أهمّ مبادئ التشريع الإسلاميِّ، كما أنّ الشرع الحنيف اكتفى بالإشارة بصورة عامّة إلى بعض الوسائل التي ينبغي توظيفها لتحقيق مختلف صور التواصل المنشود مع الآخر، وترك المجالا فسيحا لاجتهادات المجتهدين في ضوء ما يستجد في واقعهم من تطورات وتغيرات.
وبناء على هذا، فإنّ مقتضى المرونة المعهودة عن الشرع في مجال التواصل المنشود أن تكون وسائله مرنة وواسعة وسمحة تنفتح على سائر وسائل التواصل والاتصال التي تجود بها الأيام، وتظهر في دنيا الناس مادامت تلك الوسائل قادرة على تحقيق مقصد التواصل الرشيد الرصين، مما يعني أنّ أيّة وسيلة قديمة أو جديدة تفضي إلى تحقيق مقصد التواصل الإيجابيّ تعدّ وسيلة مشروعة ومطلوبة ما لم يرد في شأنها نص حاظر من استخدامها وتوظيفها في الكتاب أو السنّة النبويّة الطاهرة، كما أنّّ تجديد النظر في وسائل التواصل المنشود بصوره المتعددة في ضوء مستجدات الحياة، أمر لا مناص منه تمكينا لتلك الوسائل من تحقيق المقصد الأجل المتمثل في التفاعل الإيجابي بين المسلم فردًا ومجتمعًا مع الآخر فردًا ومجتمعًا.
ومن ثم، فإنّه من الحريّ بالتقرير ضرورة تعهّد سائر وسائل التواصل بالمراجعة والتطوير والتحسين والتجويد، وضرورة الابتعاد عن الاكتفاء بوسيلة بعينها والجمود عندها، بل لا بد من توظيف مختلف الوسائل المتاحة وصولا إلى تواصل شامل متماسك وقويٍّ. وتحقيقا لهذا البعد في النظر إلى وسائل التواصل، أومأنا قبلُ إلى ضرورة التخفيف من غلواء وسيلة الحوار على غيرها من وسائل التواصل المشروعة، فمن الملاحظ اليوم ـ سلبًا ـ الاهتمام الزائد والمبالغ فيه بمسألة الحوار مع الآخر على حساب بقية وسائل التواصل مع الآخر! وما كثرة المصنفات والأبحاث والمؤلفات والمؤتمرات والندوات حول الحوار سوى دليل واضح على ما تحظى به هذه الوسيلة من اهتمام واسع! فهلا أوسع أولئك الباحثون والمفكرون وسائل التواصل الأخرى كالتعاملات الماليّة، والزواج، والمجاورة، والتبادلات الثقافية والتربوية جانب التأصيل والتحقيق والتنظيم والضبط تبيينا لكيفيات توظيفها لتحقيق التواصل المنشود مع الآخر في العصر الراهن.
إننا لنعتقد جازمين بأنّه قد آن الآوان لإعادة النظر الحصيف الناقد في تلك الجهود والاجتهادات والرؤى الفكريَّة الجادّة التي نسجت ولا تزال تنسج حول مسألة الحوار تأصيلا وتنظيما وتحقيقا، وذلك ليصرف شطر من تلك الجهود والأفكار والاجتهادات في التاصيل والتحقيق والتنظيم لبقية وسائل التواصل المتوافرة، ذلك لأنّ شرعنا وسطٌ في كل شيء إن في التفكير أو السلوك أو التنظيم أو التحقيق أو التأصيل، كما أنّ وسطيّة هذا الشرع ليست بين متناقضين أو ضدّين فحسب، ولكنها بين المتناقضات، والأضداد.  
المبحث الثاني
في ضوابط التواصل المنشود مع الآخر ووسائله (آلياته)

لئن ألقينا ظلالا من الضوء على أهمّ المعالم والمبادئ التي يقوم عليها التواصل المنشود مع الآخر، فإنّه حريٌّ بنا أن نشفع ذلك بتحقيق قول منيع رصين رشيق في الضوابط التي ينبغي أن تحكم ذلك التواصل المنشود مع الآخر تمكينا للمسلم ـ فردًا ومجتمعًا ـ من القيام بمهمة الخلافة لله في الأرض، وعمارة الكون، وإسعاد البشرية، كما أنّه حقيق علينا أن نبسط القول في أهم الوسائل التي ينبغي اللياذ بها لتحقيق التواصل المنشود مع الآخر.

الفقرة الأولى: في منهجية صياغة الضوابط والوسائل:
وقبل الخوض في تفاصيل تلك الضوابط والوسائل، فإنّنا نهرع إلى تقرير القول بأنّ ثمة حاجة موضوعيّة إلى تحقيق قولٍ منيعٍ رصينٍ رشيقٍ في منهجيّة صياغة الضوابط والوسائل متمثلٍ في جملةٍ من المبادئ العامّة التي ينبغي الانطلاق منها عند صياغة الضوابط والوسائل، وتتمثـل تلك المبادئ في الآتي:

أولاً: ضرورة الاعتداد باجتهاديّة ضوابط التواصل ووسائله وخضوعها للنظر المتجدد:
انطلاقا من عدم ورود نصوصٍ صريحةٍ من الكتاب الكريم والسنّة النبويّة الطاهرة تنصّ ـ صراحةً ـ على الضوابط التي يجب مراعاتها عند التواصل مع الآخر، لذلك، فإنّه ليس من سديد الرأي ولا من حصيف القول، تقديس تلك الضوابط والوسائل التي تزخر بها اليوم العديد من المؤلفات والأبحاث والدراسات المنسوجة حول التواصل مع الآخر، بل لا بدّ من ضرورة الوعي على كون تلك الضوابط والوسائل من جنس المجتهدات والمظنونات التي لم ولن تسمو ـ بأي حالٍ من الأحوال ـ على المراجعة الهادفة، والنقد العلميّ البنّاء.
إنَّ مراعاة هذا المبدأ والصدور عنه عند صياغة الضوابط والوسائل من شأنه أن يتعهد المرء  الضوابط والوسائل بالمراجعة الدائبة، والتطوير المستمر في ضوء ما يستجد في حياة البشر، وما يطرأ على الواقع من تغيرات وتحولات ينبغي الالتفات إليها.
وبطبيعة الحال، إنّ هذا المبدأ يدفع المرء إلى مواصلة البحث والتحقيق والابتكار والإبداع في البحث عن مختلف الضوابط والوسائل الناجعة التي يمكن اللياذ بها عند التواصل مع الآخر، كما يحول هذا المبدأ دون الجمود والعكوف على ضوابط ووسائل يجري عليها ما يجري على غيرها من تطور وتغير وتبدل وتحول.
إنّه من الملاحظ أنّ عددًا غير يسير من الباحثين المعاصرين لا يستفرغون طاقة في البحث عن وسائل جديدة للتواصل مع الآخر، والحال أنّه لا بدّ من تجديد النظر في مختلف الوسائل في ضوء مستجدات العصر وتقلبات الزمان، وتغيرات الأوضاع الفكريّة والاجتماعيّة والسياسية والاقتصاديّة والثقافية والتربويّة لعموم البشر في جميع أنحاء المعمورة.

ثانيًا: ضرورة مراعاة المرونة والسعة عند صياغة الضوابط والوسائل[11]:
لئن كان من المعلوم للعالمين اشتمال الأحكام الشرعيّة على أحكام قطعيّة لا مجال لتجديد النظر فيها لوضوحها وجلائها، وأحكام ظنيّة (اجتهاديّة) فيها مجالٌ فسيحٌ ووسيعٌ للنظر الاجتهاديِّ المتجدد بتجدّد الزمان والمكان، ولئن كان معلومًا لأهل الرسوخ من أهل العلم كون الأحكام القطعيّة أحكامًا ثابتة لا تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والأوضاع، وكون الأحكام الظنيّة أحكامًا مرنةً ومتغيرةً بتغيّر الأزمنة والأمكنة والأحوال والأوضاع، لذلك، فإنّ لا بدَّ من الالتفات إلى هذا البعد عند صياغة ضوابط التواصل ووسائله، بحيث تكون الضوابط والوسائل المصوغة مرنة وواسعة تراعي ظروف الزمان والمكان والأحوال والأوضاع، وتتجاوز العكوف والجمود والانكفاء ـ كما أسلفنا ـ عند الضوابط والوسائل المنبثقة عن اجتهادات ظرفيّة لم تخل بأي حالٍ من الأحوال من التأثر السلبيّ والإيجابيِّ بالأوضاع الفكريّة والاجتماعيّة والسياسية التي كانت سائدة غداة ظهور تلك الاجتهادات في الضوابط والوسائل. إنّ الانطلاق من هذين المبدأين من شأنه صيرورة ضوابط التواصل ووسائله ضوابط ووسائل واقعيّة عمليّة قابلة للتطبيق والتنفيذ والتمثل في واقع الناس.

ثالثًا: ضرورة الابتعاد عن صياغة ضوابط يتعذر معها تحقيق التواصل المنشود:
ما دام المقصد الأجل والهدف الأسمى من صياغة ضوابط  للتواصل تمكين كلا الطرفين من تحقيق الأهداف العليا والمقاصد السنية المرجوة من التواصل المنشود والمتمثلة في تقريب الشقة، ورأب الصدع، ولمّ الشمل، وردم الفجوة، وإزالة الجفوة، والتعاون على المشتركات، لذلك، فإنّه لا تحقيق لهذا المقصد وذلك الهدف من الصياغة إذا لم يتم الابتعاد عن صياغة ضوابط مثاليّة منبثقة عن قناعات قبليّة سلبيّة، أو قائمة على اجتهادات ظرفيّة زمنيّة.
فعلى سبيل المثال، لا بدّ من التبرؤ من تلك الضوابط الاجتهاديّة التي تضيق من فرص التفاعل الإيجابيِّ والتعاون المثمر والتكامل الحضاريِّ المكين بين المسلم والآخر، وذلك إما لتوغل تلك الضوابط في المثالية والنظرة الدونية والإكراه المستبطن للآخر على تغيير عقيدته ومنهج حياته، أو لعدم مراعاتها لكليات الشرع وأصوله العامّة ومقاصده في سائر الأحكام والمسائل المتعلقة بالآخر، ولهذا، فلا بدّ من الاستغناء عن تلك الضوابط الجافّة، واستبدالها بضوابط واقعيّة قابلة للتطبيق والتنفيذ. وينطبق هذا الأمر على وسائل التواصل، فلا بدّ من تجاوز الوسائل التقليدية التي تعمّق الجفوة، وترسّخ الفجوة بين المسلم فردًا ومجتمعا مع الآخر فردًا ومجتمعًا، وذلك لعدم مراعاة الواقع الذي يعيش فيه الآخر، والثقافة التي تحرّك مشاعره، وتؤثر في سلوكه وتوجهاته، ونظرته إلى الحياة والوجود.
          وصفوة القول، هذه بعض المبادئ العامّة التي نخال الصدور عنها عند صياغة الضوابط والوسائل عاصمة المرء من صياغة ضوابط ووسائل يتعذر معها تحقيق أدنى مستوى للتواصل المنشود مع الآخر. إنّنا نعتقد أنّ مراعاة هذه الأسس واستحضارها عند صياغة الضوابط والوسائل من شأن ذلك صيرورة التواصل شأنا ممكنا، وواقعًا ملموسًا، كما أنّ من شأن ذلك تجاوز جملة حسنةٍ من الضوابط والوسائل التي كانت ولا تزال تحول ـ بطريقة مباشرة وغير مباشرة ـ دون تحقيق أي تفاعل فكريِّ أو تعاون اقتصاديّ، أو اندماج اجتماعيّ أو تكامل ثقافي حضاريّ مع الآخر.

الفقرة الثانية: أهم ضوابط التواصل المنشود مع الآخر:
وإذ الأمر كذلك، فهلمّ بنا لنستعرض أهمّ ضوابط التواصل ووسائله في ضوء هذه الموجِّهات المنهجيَّة، وهي كالتالي:

الضابط الأول: التزام الوسطية في التواصل مع الآخر:
لئن أصلنا القول في كون التواصل المنشود مع الآخر يغشى الجانب الفكريّ والاجتماعيّ والسياسيّ والاقتصاديّ والثقافيّ والتربويّ، فإنّ تحقق المقصد الأجلّ من هذا التواصل يتوقف توقفا أساسا على الالتزام بوسطية الإسلام فكرًا وسلوكًا وممارسة وتطبيقًا. ومقتضى هذا الالتزام بهذه الخاصيّة الأزليّة للإسلام أن يتجنب المسلم فردًا ومجتمعا في تواصله مع الآخر الغلو بجميع أشكاله وصوره، فالغلو إما في التقديس أو في التجريح يعمي البصر، ويقضي على البصيرة، ويحول دون أي تفاعل إيجابيّ مع الآخر، كما أنّه يجب على المسلم ـ فردًا ومجتمعًا ـ أن يتجنب الجفاء والجور عند تواصله مع الآخر، فالإسلام يحرّم الظلم والجور وغبن الناس حقّهم.
وبناءً على هذا، فإنّ ما نراه اليوم من غلبة الغلو والجفاء على الخطابات الداعية إلى التواصل مع الآخر يعود إلى غياب لغة الوسطيّة، ومنهج الوسطيّة، وسلوك الوسطية عن تلك الدعوات والنداءات، ذلك لأنّ الوسطيّة تعصم الذات فردًا ومجتمعًا من الانهيار والانحلال معًا، كما تعصمه من الذوبان والاندثار.
وأما الغلو بحسبانه اعتداءً صارخًا على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، يفضي بصاحبه والمجتمع الذي حوله إلى الانهيار الماديِّ السريع والزوال المعنويِّ الأكيد، وكذلك الحال في الجفاء والجور والظلم، فإنّه هو الآخر يدمّر الذات فردًا ومجتمعًا، ويقضي على جميع سبل التعاون والتكامل والتفاعل.
وبطبيعة الحال، لا يخفى على أحدٍ من السادة المؤتمرين تضافر تلك النصوص القرآنيّة والأحاديث النبويّة التي تدعو المسلم ـ فردًا ومجتمعا ـ إلى تمثل الوسطيّة والاعتدال في جميع أفكاره، وتصرفاته وعلاقاته  ومعاملاته ?وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا ? البقرة: 143، والجدير ذكره أنّّ مصطلح " العدل" في القرآن الكريم مرادف لمصطلح الوسطيّة، وذلك لما بينهما من تلازم ذاتي، إذ لا عدل ولا عدالة إذا لم تكن ثمة وسطيّة، ولهذا، فالآيات القرآنية الواردة في الأمر والحث على العدل، تعد في حقيقتها آيات واردةً في الأمر بالوسطية.
على أنّ الإسلام لم يكتف بالأمر بالوسطية والاعتدال، وإنما أردف ذلك بالنهي الصريح الواضح الجلي عن الغلو والجفاء والتنطع والتفيهق وجميع أشكال الظلم والاستعلاء والاعتداء، فالغلاة والمتنطعون ظلمة وعصاة مغضوب عليهم عند الله وعند الملائكة والناس أجمعين مصداقا لجملة الأحاديث الواردة في النهي عن الغلو والجفاء والتنطع.
إنّ الوسطية التي نرومها في هذا المقام تعدّ موقفًا عقديًّا ناضجًا متوازنًا يقوم على الإيجابيّة والتبصر الحصيف بالسنن التي أودعها الله في هذا الكون، كما تعدّ انطلاقا واثقا من استراتيجية عمل متكامل، ورؤية منهجيّة موضوعيّة نافذة لموقع الإنسان المؤمن في الكون، والعالم، ونظرة موضوعيّة رشيدة إلى الوجود والحياة، وهذه الوسطيّة تعد في محصلتها قدرة فذّة على التزام التوازن والانضباط وعدم الجنوح صوب اليمين أو الشمال أو الشرق أو الغرب عند التعامل مع الآخر. والوسطيّة بهذا المعنى الحضاريّ الشموليِّ هي التي جعلت الأمة الإسلاميّة ذات يوم خير أمة أخرجت على الأمة، كما أنّها هي التي تستطيع أن تجعل من الأمة الإسلامية اليوم أمّة شاهدة على غيرها من أمم الأرض، ذلك لأنّها تمكنّها من الإشراف المتوازن على غيرها، فلا تميل ولا تجور[12].
وزبدة القول، لا بدّ للمسلم فردًا ومجتمعًا من التزام الوسطيّة عند تفاعله الإيجابي الفكريِّ والاجتماعيّ والسياسيِّ والاقتصاديِّ والثقافيّ والتربويِّ مع الآخر.

الضابط الثاني: ضرورة التمييز بين الثوابت والمتغيرات من الأحكام عند التواصل:
إنّ أحكام الإسلام العقدية والعمليّة والتهذييبة تنتظم أحكاما ثابتة غير قابلة للتغير والتطور والتبدل والتحول بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والأوضاع، وتستمد هذه الأحكام ثباتها من كونها صيغت في نصوص قطعيّة في ثبوتها ودلالتها، تسمو على المراجعة والتعددية، وتعد هذه الأحكام محل إجماع واتفاق بين عامَّة المسلمين من لدن المصطفى r إلى يوم القيامة، وبمقابل هذه الأحكام الثابتة القاطعة دابر كل خلاف معتبر، أحكام متغيرة بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والأوضاع، وذلك لكونها أحكامًا مصوغة في نصوصٍ ظنيّة في الدلالة والثبوت معًا أو في الدلالة دون الثبوت أو في الثبوت دون الدلالة، ولأنّ الظن يخالط هذه الأحكام إن في ثبوتها أو في دلالتها، لذلك، فإنّها كانت وستظل ميدانا فسيحا للتعددية والاختلاف، إذ كل تغير الزمان والمكان والوضع، كان نصيب هذه الأحكام التغير والتبدل والتحول.
إنّ إدراك الفروق الثاوية بين هذين النوعين من الأحكام الشرعيّة عند التواصل مع الآخر يقتضي ألا يخلط المرء بين هذين النوعين، وألا يساوي بينهما، فالثوابت ينبغي أن تبقى ثوابت لا تخضع للمساومة أو التنازل أو التحول، وأما المتغيرات، فإنّ للمرء أن يعيد النظر فيها في ضوء ما يستجد في واقعه وزمانه ومكانه من أوضاع فكريّة أو اجتماعيّة أو سياسيّة أو ثقافيّة، وذلك بغية ترجيح ما يتناسب مع زمانه ومكانه وواقعه.
إنّ حسن الصدور عن هذا الضابط عند التواصل مع الآخر يفتح أمام المسلم مجالا رحبا للاختيار والترجيح بين مختلف الاجتهادات العقدية والفقهيّة والتهذيبيّة، حيث يتبرأ من كل اجتهادٍ عقديّ أو فقهيّ يعمّق الفجوة والجفوة بينه وبين الآخر، ويأخذ بالاجتهادات التي تمكّن من التفاعل الإيجابي والتعاون البنّاء مع الآخر. ومن ثمّ، لا بدّ من مراجعة حصيفة راشدة لشطر غير يسيرٍ من الاجتهادات العقديّة والفقهيّة التي نسجت إزاء العديد من المسائل المتصلة بالآخر، وخاصّة منها تلك الاجتهادات التي تتخذ من الصراع أساسًا، وترى أنّ الحرب هي الأساس في العلاقة بين المسلم والآخر، والحال أنّ السلم كل السلم هو الأساس المتين الذي تقوم عليه علاقة المسلم بالآخر.

الضابط الثالث: ضرورة التكامل بين صور التواصل ووسائله:
لقد سبق أن أوضحنا إلى أنّ للتواصل المنشود مع الآخر صورا متعددة، فثمّة تواصل فكريّ، وتواصل اجتماعيّ، وتواصل سياسيّ، وتواصل اقتصاديّ، وتواصل ثقافيّ وتربويّ، ولكلّ واحدة من هذه الصور وسائل يتوقف على حسن توظيفها تحقيق المقصد الأسمى من التواصل.
واعتبارًا بتلك الصلة العميقة والعلاقة القويمة بين صور التواصل، بل انطلاقا من التداخل الجليِّ والترابط القويِّ بين تلك الصور، فإنّه من المتعذر أن يتحقّق المقصد الأجل من التواصل ما لم يكن ثمّ تطبيق لجميع صوره، وما لم تكن هنالك استفادة قصوى من مختلف الوسائل التي تفضي إلى تحقيق التواصل المنشود في العصر الراهن.
ومن هنا، فإنّ الحاجة اليوم تمسّ إلى ضرورة توظيف كافة الوسائل الممكنة التي تؤدي إلى تحقيق تواصل رشيد رصين مع الآخر، وليس من المقبول الانكفاء عند وسيلة بعينها، بل لا بدّ من تكثيف الاستفادة والتوظيف للوسائل المختلفة. فالحوار، والزواج، والتبادلات الماليّة، والعلاقات السياسيّة، والتبادلات الثقافيّة والتربويّة، والبرامج العلميّة، كل أولئك تعد وسائل لا بدَّ من توظيفها مجتمعة من أجل تحقيق مختلف صور التواصل المنشود مع الآخر.

الضابط الرابع: استحضار المقاصد والمآلات عند التواصل:
ليس من ريب في أنّ للشرع في جميع تشريعاته وأحكامه المتعلقة بالآخر مقاصدَ عامّة وخاصّة، كما أنّ لتلك المقاصد وسائلَ وطرائق موصلة إليها، وتمثّـل المقاصد العامّة من تلك الأحكام مجموع المعاني الجليلة العامّة الملحوظة للشرع الكريم في سائر أحكامه وتشريعاته المتصلة بالآخر، فمن المعاني العامّة، الاعتراف بالآخر، والإحسان إليه، ومعاملته ومجادلته بالحسنى، وإكرام إنسانيته، والابتعاد عن إيذائه والاعتداء على نفسه وعرضه وماله، وسوى ذلك، فهذه المعاني ملحوظة في الأحكام الشرعيّة المختصة بالآخر، وقد سبق أن أوردنا بعضًا من الآيات الكريمات التي تؤصّل لهذه المعاني، وذلك عند حديثنا عن صور التواصل المنشود. وبناء على هذا، فإنّ تحقيق التواصل المنشود مع الآخر يتوقف على ضرورة الانطلاق من هذه المعاني المعبِّرة عن مقاصد الشرع من أحكامه، فعلى المسلم ـ فردًا ومجتمعًا ـ استحضار هذه المعاني وتمثلها عند التواصل مع الآخر، كما أنّ عليه اتخاذ هذه المعاني السنيّة معايير وأسسًا للاختيار والترجيح بين مختلف الاجتهادات العقديّة والفقهيّة المتعلقة بالآخر.  
إنّ استحضار المقاصد وتفعيلها عند التواصل مع الآخر لا تمام له ما لم يتم ربط ذلك بالاعتداد الرشيد بالمآلات المعتبرة عند التعامل مع مختلف المسائل المتعلقة بالآخر، فالمآلات تمثّـل الضمانات التي يتم من خلالها التأكد من تحقيق مقاصد الشرع، وبالتالي، فإنّ استحضارها جنبًا إلى جنبٍ مع المقاصد أمر لا مناص منه تحقيقا لتواصل منشود أمين.
هذه هي أهم الضوابط التي ينبغي لها أن تحكم التواصل مع الآخر، وثمة ضوابط أخر، ولكن المقام لا يتسع لذكرها، وعسى الله أن يمدّ في الأجل، فنعود إلى هذه المسألة كرّة أخرى في العاجل القريب بإذنه جلّ جلاله.

الفقرة الثالثة: في أهم وسائل التواصل المنشود مع الآخر وآلياته
لئن كان التواصل المنشود عبارة عن تفاعل وتعاون إيجابي بين المسلم فردا ومجتمعا مع الآخر فردًا ومجتمعًا من أجل تحقيق ما فيه مصلحة كلا الطرفين، ولئن كان التواصل ـ كما أوضحنا ـ غاية ونتيجة، فإنّه من نافلة أن تحقيق هذه الغاية يتوقف توقفا أساسًا على ضرورة توظيف مختلف الوسائل الموصلة إلى صور التواصل المنشود في العصر الراهن.
وبإمعان النظر في صور التواصل المنشود، فإنّ للمرء أن يفزع إلى القول بأنّ ثمة وسائل متعددة للتواصل بصوره، بل يمكن للمرء أن يزعم بأنّ له وسائل فكريّة ووسائل اجتماعيّة ووسائل سياسيّة ووسائل اقتصاديّة ووسائل ثقافيّة ووسائل تربويّة، وهذه الوسائل برمتها تعدّ بطبائعها مرنة في مضامينها ومكوناتها، حيث إنّ محتوياتها تتجدّد بتجدّد الزمان والمكان، كما أنّها تتغيّر بتغيّر الأزمنة والأمكنة والأحوال، الأمر الذي ينبغي استحضاره عند الحديث عن وسائل التواصل.
وبطبيعة الحال، لقد أشار القرآن الكريم والسنة النبويّة الطاهرة إلى عددٍ من هذه الوسائل التي يمكن توظيفها لتحقيق التواصل المنشود مع الآخر، ومن أهمّ تلك الوسائل التي تحدّث عنها القرآن الكريم والسنة النبويّة الشريفة:
1. الحوار، والمجادلة بالتي هي أحسن، ثمة وفرة وكثرة في الآيات والأحاديث الداعية إلى الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن.
2. الزواج، وقد دلّ القرآن الكريم على هذه الوسيلة من خلال إذنه بالزواج بالمحصنات من لذين أوتوا الكتاب. 
3. التبادلات الماليَّة والتجاريّة: لقد اقتضت حكمة الله ـ جلّ جلاله ـ أن يكون الأصل في المعاملات الإباحة، كما اقتضت إرادته الأزلية أن تكون هذه الإباحة شاملة للأطراف التي يتم بينها التعاقد في التبادلات الماليّة، مما يعني أنّ للمسلم أن يتعامل في بياعاته ومعاملاته مع من يشاء من أهل الكتاب وخاصّة منهم أولئك الذين ائتمنهم بقنطار يؤدونه إليك.
4. عقد المواثيق والمعاهدات: وقد سبق أن أشرنا إلى الآيات الكريمات التي تدل على هذه الوسيلة، ولا بدّ لنا من توظيفه.

وأيّا ما كان الأمر، فإنّ هذه الوسائل تمثّل آليات دلّت عليها نصوص الكتاب والسنّة النبويّة، ولا تعدو أن تكون نماذج يمكن النفاذ منها لتحقيق تواصل مكين شامل مع الآخر. وكل واحدة منها بحاجة ماسة إلى تأصيل وتحقيق وتنظيم وتبيان لكيفية توظيفها لتحقيق التواصل المنشود. وبطبيعة الحال، ليس بخافٍ على أحدِ أنّ الحوار نال ـ كما أسلفنا ـ نصيبًا وافرًا من كتابات المعاصرين وتحليلات المفكّرين، كما حظي بتأصيل وتنظيم وتحقيق أكثر من غيره، ولا تزال بقية الوسائل تشكو ضعفًا في التنظير والتأصيل والتحقيق، بل إنّ عامّة الباحثين لا يلقون بالا يذكر بكيفية توظيف تلك الوسائل من أجل تحقيق التواصل المنشود.
ولهذا، فإنّنا ندعو الغيارى والجادين من الباحثين والمفكرين والعلماء إلى أن يوسعوا بقية الوسائل المشار إليها جانب التأصيل والتنظيم والتحقيق والضبط، كما أنّنا ندعوهم إلى التخفيف من غلواء الحوار وغلبته على غيره من الوسائل المتاحة للتواصل.
فعلى سبيل المثال، لا يجد الناظر في الدراسات والأبحاث العلميّة الجادّة المعاصرة تنظيرًا وتأصيلا وتوظيفًا للزواج بحسبانه وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعيِّ والثقافيّ مع الآخر، فعلى الرغم من مضي قرون مديدة على الوجود الإسلاميّ في كثير من الأقطار الغربيّة، غير أنّه لا يزال الاندماج والتواصل الاجتماعيّ من خلال علاقات الزواج والمصاهرة يعاني ضعفا شديدا، وتأرجحا مستمرًا، ذلك نتيجة إعراض الجاليّات الإسلاميّة في كثيرة من الأحيان عن توظيف الزواج وسيلةً مثلى لتحقيق الاندماج الاجتماعيِّ الإيجابي مع الآخر، ونتيجة عدم الاعتداد بتلك الآثار الاجتماعية الكبيرة التي يمكن أن تنتج عن الزواج من إنتاج أجيالٍ جامعة للثقافتين الإسلاميّة والغربيّة، وقادرة على إيجاد حلقات وصل وتواصل بين المسلمين والآخر، ومن الملاحظ في كثير من الأحيان التغييب المتعمد لهذه الوسيلة في واقع الجاليات التي تعيش خارج الأقطار الإسلاميّة.
إنّنا نعتقد أنّ ثمة حاجة إلى إعادة النظر الحصيف الناقد في النظرة السلبيّة السائدة عن الزواج بين المسلمين والآخر، ولا بدّ من الاعتداد بالآثار الإيجابية التي يمكن أن تنتج عن الزواج، وخاصّة فيما يتعلق بالآثار الاجتماعيّة والفكريّة والثقافيّة والسياسية على المدى البعيد. وإنّه من المعلوم للداني والقاصي أنّ ثمة جهات عديدة في العالم يتخذ من الزواج وسيلة للترويج لأفكارها، والتأثير على الآراء والرؤى، فضلا عن التجسس على الخصوم، والأغيار، فهلا أولى الباحثون والمفكرون والمنظرون الغيارى هذه الوسيلة جانب التأصيل والتحقيق أسوة بالحوار والمجادلة.
هذه ـ اختصارا ـ أهم الوسائل التي يمكن توظيفها من أجل تحقيق التواصل المنشود مع الآخر بجميع صوره وأشكاله.

المبحث الثالث
نحو تأسيس لعلم الغرب " غَـرْْبُولُوجيا"
مدخلا لتحقيق تواصل مستديم مع الآخر

تظلّ المعالجات الجزئيّة والنظرات الانفعاليّة محدودة الأجل، وقليلة المردود الحضاريّ المتماسك، ذلك لأنّ التصورات الجزئيّة لا تحيط بالموضوع إحاطة شموليّة تعين المرء على بلورة استراتيجيّة عمل متكاملة مترابطة متماسكة.
ومن ثمّ، فإنّ النظر المتفحِّص فيما جادت به الساحة الفكريّة الإسلاميّة المعاصرة من دراساتٍ وأبحاث وأطاريح ومؤلفات وكتب حول المسألة الغربيّة، يهدي المرء إلى أنّ المعالجات الجزئية كانت حاضرة بالقوة وبالفعل، كما كانت النظرات العاطفيّة والتحليلات الانفعاليّة والتعليقات الانبهارية في تلك الأعمال والاجتهادات الفكريَّة هي الأخرى ذات حظوظ وبروز باهرين في معظم تلك الدراسات والأبحاث والأطاريح.
وأما القرارات (المؤتمراتيّة) والتوصيات (الندواتيّة) التي أصدرها السادة المؤتمرون في أصقاع العالم حول المسألة الغربيّة، فإنّها هي الأخرى لم تخل من أن تكون من بنات ردود الفعل لما يقوم به الغرب بين الفينة والأخرى من استفزازات فكريّة لمشاعر الأمة، ونظرات استعلائيّة إلى ثقافة الأمة وحضارتها، وممارسات استخفافيّة تجاه قضايا الأمة، واعتداءات ثقافيّة على ثوابت الأمة، وشماتات حضاريّة لتخلف الأمة في مختلف ميادين العلم والمعرفة، مما جعل معظم تلك القرارات والتوصيات ـ إن لم يكن كلها ـ تذهب مع أدراج الأرياح؛ وتغدو ـ بفعل من البشر ـ شأنًا على ذمة التاريخ، إذ إنّ الغرب بقي غربًا فكرًا وسلوكًا ومنهج حياة وثقافة، كما أنّ الشرق بقي شرقا فكرًا وسلوكا ومنهج حياة.
واعتبارًا بوجود تناقض في الرؤى وتضارب في الأفكار إزاء المسألة الغربيّة في الذهنية الإسلاميّة منذ أمدٍ غير قصير، بل اعتدادًا بوجود ذات التناقض والتضارب لدى السواد الأعظم في الديار الغربيّة عن المسألة الإسلاميّة، لذلك، فلا غرو أن يظهر مفكّر متشائم كهنتغون ومن على شاكلته ليعلن على الملأ أنّ حرب الحضارات وشيكة وقادمة ولا محالة، ليقنع نفسه وغيره ـ مما لا معرفة لهم بالقواسم المشتركة بين الغرب والشرق عقيدة ومنهج حياة ـ بأنّه لا تلاقي بين الغرب والإسلام، فكلاهما عدوّ يتربض لبعضهم البعض. ولا عجب في أن ينهض جمع غفير من الباحثين والمفكّرين للردّ على النظرة الهنتغونية التشاؤميّة الصداميّة مقرّرين ومؤصّلين أنّ القادم المنتظر هو حوار الحضارات لا صراعها، وأنّ الجو الذي يسود هو جوّ حوار الأديان، لا تصادم الأديان، وأنّ الثقافة التي ستخيّم على الساحة هي ثقافة التعايش لا ثقافة التنافي والتناحر. وفي خضم تلاحم الرؤى وتناقض الاستنتاجات، تظل النظرات والأطاريح حول المسألة الغربيّة متجاذبة بين مختلف الأطراف والأطياف، ولا نخال الزمان سيجود في العاجل القريب برؤية واضحة تقبلها السواد الأعظم من الناس في العالم[13].
وانطلاقا مما للنظرات المنهجيّة الموضوعيّة من أهميّة بالغة في رسم الخطى وصياغة الإستراتيجيات المتكاملة والشاملة، بل اعتبارًا بما تقوم به المؤسسات التربوية والتعليميّة من أدوار ناجعة في إعداد الأجيال، وتسليحهم بمختلف أسلحة المعرفة، مما يجعل نظراتهم إلى الحياة والوجود والإنسان متسمة بالموضوعيّة والواقعيّة والمنهجيّة، كما يجعل سلوكياتهم إزاء الأحداث وردودهم للأفعال منبثقة عن رؤية واضحة ونظرة فاحصة لا مكان فيها للانفعالات العابرة والعواطف الغامرة، لهذا كله ولغيره، فإنّنا نرى أنّه قد حان الآوان بالانتقال بالأبحاث والدراسات والمؤلفات التي نسجت ولا تزال تنسج حول المسألة الغربيّة إلى رحاب المؤسسات التعليميّة الأكاديميّة المنظّمة، بحيث يغدو ثمة برنامج دراسيّ أكاديميّ يعرف ب"غربولوجيا" (علم الغرب) يتم من خلاله دراسة الغرب دراسة أكاديميّة متخصصة، كما يتمّ من خلاله تمكين الأجيال الصاعدة من أبناء الأمة من معرفة الغرب معرفة علميّة موضوعيّة لديانته وثقافته ومنهج حياته، ونظامه، ومبادئه، وقواننيه، ومصالحه، وتاريخه وواقعه.
وبطبيعة الحال، إننا نهرع إلى تقرير القول بأنّ ما عرفته الساحة الفكرية الإسلاميّة في الآونة الأخيرة من دعوات ونداءات إلى الاعتناء بدراسة الغرب من خلال ما يعرف بدراسات الاستغراب لا تعدو هذه الدعوات والنداءات ـ على الرغم من أهميتها ومكانتها ـ من أن تكون ردّة فعل للدراسات الاستشراقيّة التي عرفتها الساحة الفكريّة الإسلاميّة منذ أمد غير قصير؛ ولهذا، فإنّ الشأن في الدعوة إلى الدراسات الاستغرابية نخالها واقعة في ذات الدائرة التي تقع فيها سائر الدعوات المنبثقة عن ردود فعل لما تعاني منه الأمة من ابتلاءات حضاريّة في المرحلة الراهنة. وفضلا عن هذا، فإنّه من المعلوم أنّ المقصد  الأجلّ الذي هدفت إليه الدراسات الاستشراقيّة هو التعرف على الشرق بغية توظيفه من أجل تحقيق مطامع الغرب وتطلعاته لا من أجل التواصل مع الشرق، ولهذا، فإنّنا نخشى أن يكون ذات المقصد ملحوظا في الدراسات الموسومة بالدراسات الاستغرابيّة، مما دفعنا إلى تجاوز هذه الدعوة، والتوجه نحو تأسيس علم متكامل شامل يروم معرفة الغرب معرفة موضوعيّة منهجيّة متوازنة تحقيقا لتواصل إيجابيّ شامل معه لما فيه مصلحة البشريّة برمتها.
ومن هنا، فإنّنا نعود فنكرّر إلى أنّ المشروع الذي ندعو إليه في هذا المقام يتجاوز ردود الفعل، وينطلق من قناعة راسخة بضرورة معرفة الآخر (الغرب) معرفة موضوعيّة أصيلة بعيدًا عن الانفعالات والانبهارات والتهجمات، كما ينطلق المشروع من الإيمان العميق بضرورة البحث عن سبل التفاعل الإيجابي والتعاون المثمر بين المسلم فردًا ومجتمعا والآخر فردًا ومجتمعا، ذلك لأنّ معرفة الآخر معرفة دقيقة تمثل مقدِّمة ضروريّة للتفاعل الإيجابي المنشود، كما أنّ الجهل بالآخر من شأنه تعذر التفاعل والتعاون.
وفضلا عن هذا، فإنّه من الحريِّ بالتقرير أنّ جملة حسنة من العلوم التي نشأت في تاريخها تلبية للحاجة الماسة إلى معرفة الموضوع الذي يدور حوله تلك العلوم، فعلم القراءات، والحديث، والفقه، والخلاف، والعقيدة، والنحو، وسوى ذلك، كلها علوم نشأت تلبية لحاجة المجتمع إلى معرفة الموضوعات التي تعالج هذه العلوم معرفة عميقة رشيدة رصينة رشيقة. بل إنّ مجموع العلوم المسماة بالعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة من علم نفس، وعلم إنسان، وعلم اجتماع، وعلم اقتصاد، وعلم سياسة وسواها، نشأت هي الأخرى تلبية لحاجة الناس إلى تعميق الفهم بالموضوعات التي تعالجها تلك العلوم. وقد غدا ثمة توجه رشيد في أروقة المفكّرين الجادِّين إلى تحويل الموضوعات المتعددة الجوانب إلى علوم وفنون مستقلّة، بل إنّ عددًا من مفكّري الغرب ـ وخاصّة الفرنسيّين منهم ـ أسّسوا في جامعاتهم ومعاهدهم وكلياتهم ـ قسما يعرف باسلامولوجيا (علم الإسلام)، وتستقبل تلك الأقسام العلميّة أولئك المهتمين بدراسة الإسلام دراسةً موضوعيّة شاملة لمختلف الأغراض والغايات. والجدير ذكره أنّ هذه الأقسام في تلك الجامعات والمعاهد والكليات تغلب على توجهها الموضوعيّة والعلميّة في دراسة الإسلام خلافا للأقسام الموسومة بأقسام الدراسات الاستشراقيّة التي تمثّل مراكز بحث ودراسة تعنى بتقديم المشورة الفكريّة والاستشارة السياسيّة للجهات الراغبة في إخضاع العالم الإسلاميِّ لمزيد من الابتلاءات الحضاريّة، وتعميق الهيمنة الغربيّة على توجهات الشعوب الإسلاميّة وسياساتها وثقافاتها.
ولهذا، فلقد فضلنا أن نصطلح ـ غير مسبوقين ـ على هذا العلم الجديد علم غربولوجيا (علم الغرب لا علم الاستغراب) انطلاقا من إيماننا بأنّ الغرب غدا اليوم موضوعا واسعًا لا يمكن الإحاطة بجوانبه المتشعبة المتداخلة المعقّدة إلا من خلال دراسة موضوعيّة منهجيّة متسلسلة مترابطة تتخذ من الأصالة الأكاديميّة والرصانة المنهجيّة أساسًا لتقديم الرؤى والآراء والأفكار. فالغرب اليوم لم يعد مدلولا مختزلا في موقع جغرافي ضيِّق أو واسع، بل غدا الغرب مدلولا علميّا ومنظومة فكريّة واجتماعيّة وسياسية واقتصاديّة وثقافية وتربوية، وتاريخيّة، وأمسى معرفة هذه المنظومة المتكاملة متوقفة على صيرورتها مادة علميّة وبرنامجا أكاديميّا يتطلب فهمه الدراسة العلميّة الموضوعيّة الشاملة.
إنّنا نزعم اليوم بأنّ ثمة حاجة موضوعية ومنهجية إلى تأسيس هذا العلم الجديد في أروقة الجامعات والمعاهدات والكليات في أنحاء المعمورة، ذلك لأنّ فهم السواد الأعظم من أبناء الأمة للمسألة الغربيّة تعوزه الموضوعية والمنهجيّة والواقعيّة، كما تفتقر في كثير من الأحيان إلى الموضوعيّة في الطرح والتحليل، والمنهجيّة في الفهم، والواقعيّة في التعامل، والاستشرافيّة في التخطيط، مما أدّى إلى وجود تصورات متعددة متناقضة للغرب في الذهنية الإسلاميّة المعاصرة. فالغرب عند كثير من المسلمين صورة لعالم مغمور بنـزعة السيطرة والتفوق والمركزية الذاتية، والغرب عند مسلمين هو ذلك العالم الأكثر إنسانيّة وتحضرا، وهو معقل الحرية والعقلانية والإبداع.. والغرب عند طائفة ثالثة من أبناء الأمة عالم كله مصالح، فحيثما المصلحة فثمة الغرب، ولا وجود في ذلك العالم لشيء اسمه القيم والمبادئ والقوانين، بل المصالح ثم المصالح، فهي التي تحكم كل شيء، وقد حاور بعض المعاصرين الجادين استقراء أهمّ صور الغرب القارة للغرب في الذهنية الإسلاميّة المعاصرة، فقال ـ موفقا في تحليله ـ ما نصّه:
" ..أما الغرب، فقد تغير مفهومه.. بشكل لا يمكن اختراله في مدلول جغرافي وحيد أي أوروبا الغربية دون أمريكا، ولا حتى أوروربا وأمريكا الشماليّة، فلا هو غرب إيديولوجيا التنوير والعولمة والحداثة وما بعد الحداثة، وسيادة القانون، والمساواة، والحريات المطلقة النابضة بشتى حقوق الإنسان، ولا هو غرب الجنس الآري المتفوق، أو الدم الأزرق، أو النازية، أو الفاشية، أو الوجودية، أو حتى النزعة الإنسانية الطاوية في جوفها لمقاصد عامرة بالتفوق والاستعلاء. إن الجذر الأساسي للغرب هو مزيج من الجغرافيا والديانات اليهودية والمسيحية وكذا الإيدلوجيات، وحركات النهضة والتجديد والتنوير.. هو الغرب الموغل في الثقافة الهيلينية أي مزيج الحضارات والفلسفات الإغريقية والرومانية والمذاهب المسيحية الكاثوليكية والبروتستانية والقبطية إضافة إلى اليهوديّة التي جاءت وفي جوفها الأطروحة الصهيونية بأساطيرها واستراتيجيتها العنصرية الدموية وعقدها وبرامجها الدينية والدنيوية..فالغرب الحالي هو المزيج من أهمّ وأحدث الاكتشافات التقنية لتنمية وتطوير ملكات ومجتمع ودولة الإنسان الفرد.. وهو المزيج المركّب من الشركات الكبرى القابضة والعابرة للقارات وكذا المؤسسات المالية والإعلامية والاقتصادية العملاقة ذات الشبكات المتطورة والمتعددة.. وهو أيضا (الغرب) ذلك المزيج المركب من أحدث صيحات وفنون الآداب والإبداع المحمولة عبر الوسائط الإعلامية والاكتشافات التكنولوجية القادرة على توصيل المعلومات وتشكيل الصور والرؤى والأفكار مادامت تتمتع بجملة مسميات وتمظهرات.. وهو أيضا غرب الجمعيات الخيرية الإنسانية (المسيحية) والتطوعية والمواقف النضالية المتعاطفة مع الفقراء ضد نزعات الاستنساخ وتحديد النسل والإجهاض. وهو غرب التفوق الرياضي والفني الذي أصبح صنعة كما تقول الأعراب وفي جوفه الهواية والاحتراف ونزوع التفوق والإبداع وتكسير الحواجز والأرقام الدالة على قوة عزيمة ذلك الإنسان.."[14]
إنّ هذا التحليل الوافي والضبط الدقيق لعدد من صور الغرب عند المسلمين يعدّ في مغزاه ومعناه تقريرًا وتأكيدًا على ضرورة صيرورة المسألة الغربية (الغرب) موضوعا دراسيًا جدير التخصص فيه تخصصا أكاديميّا رصينا، وذلك بغية إعداد جيلٍ كفءٍ قديرٍ منهجيّ موضوعيّ متمكنٍ من فهم الغرب فهما موضوعيّا رصينا رزينا.
وصفوة القول، يحدونا أمل فسيح في أن يجد هذا المقترح دعما فكريّا وتشجيعا معنويّا وماديّا من السادة المؤتمرين ومن أولئك الغيارى المهتمين بمسألة التواصل الإيجابيّ مع الآخر على كافة الأصعدة تخفيفا على الذهنية الإسلاميّة تبعات التناقضات المفاهيمية والتضاربات التصوريّة عن الغرب ديانة وثقافة وأنظمة ومصالح وتاريخا وواقعا. إنّنا لعلى ثقة أنّه يوم أن يغدو هذا المشروع واقعا ملموسا، فإنّ على العالم الإسلاميّ أن يسعد ـ يومئذٍ ـ بجيل متكامل واعٍ رشيدٍ رزين يفرض على الآخر احترامه وتقديره والتعامل معه بنديّة واحترام. على أنّه من الجدير ذكره أنّه من الممكن البدء في تنفيذ هذا المقترح على مستوى الدبلومات، فالدراسات العليا، ثم الدراسات الجامعيّة.

الخاتمة: أهم نتائج الدراسة:
لقد خلصنا في هذه الوريقة المتواضعة إلى جملة من النتائج، يجمل بنا تلخيصها في النقاط التالية:
أولاً: إن التواصل المنشود مع الآخر ينتظم جميع أشكال وصور التفاعل الإيجابيّ الرشيد والتعاون الحضاريّ المكين والتكامل الإنسانيّ الواعي المنفتح مع الآخر بغية تمكين المسلم ـ أفرادًا ومجتمعات ـ من القيام بمهمة الخلافة لله، وعمارة الكون، وإسعاد البشريّة وفق المنهج المراد لله جلّ جلاله.
ثانيًا: إنّ التواصل المنشود مع الآخر، لا يتوقف عند التواصل الفكريّ أو السياسيّ فحسب، ولكنه ينتظم التواصل الاجتماعيّ والتواصل الثقافيّ والتواصل التربويّ، وذلك اعتبارًا بأنّ صور التواصل تتكامل وتتداخل وتترابط، مما يجعل الاكتفاء بصورة دون أخرى متعذرة في نهاية المطاف، ولهذا، فإنّ الحاجة اليوم تمس إلى البحث العميق والدراسة الواعية لكل صورة من صور التواصل بغية التعرف على الوسائل المناسبة لكل واحدة من تلك الصور.
ثالثًا: إنّ للتواصل وسائل متعددة بتعدد صوره وأشكاله ومجالاته، ومن أهمّ تلك الوسائل التي تناولها الذكر الحكيم بالإشارة والإشادة والتمثيل، الحوار، والزواج، والتبادلات الماليّة، والمعاهدات، والتبادلات الثقافيّة، وبناءً على هذا، فإنّ كل واحدة من هذه الوسائل وغيرها بحاجة ماسة إلى دراسات علميّة موضوعيّة واعية عميقة تبيّن أوجه وسبل الاستفادة منها بصورة علميّة متكاملة.
رابعًا: مادامت للتواصل وسائل متعددة، فإنّه ليس من سديد الرأي ولا من حصيف النظر العكوف عند وسيلة من تلك الوسائل، والاهتمام العظيم بتلك الوسيلة دون سواها، ولهذا، فما تنعم به ساحتنا الفكريّة المعاصرة وندواتنا الموسميّة ومؤتمراتنا السنويّة من رواج غير منكور لمسألة الحوار بحسبانه إحدى أهمّ وسائل التواصل، لا بدّ من إعادة النظر في ذلك الاهتمام الكبير والعناية الفائقة بهذه الوسيلة بعينها، بحيث يغدو ثمة اهتمام مواز وعناية متكافئة بغيره من وسائل التواصل تأصيلاً وتنظيرًا وتحقيقًا، وذلك انطلاقا من إيماننا الجازم بأنّ وسائل التواصل المنشود مع الآخر لا يمكن تحقيقها من خلال وسيلة واحدة، بل لا بدّ من الاستفادة القصوى من كافة الوسائل التي أشاد بها الذكر الحكيم وطبّقها المصطفى r في حياته، بل لا بدّ من البحث الجاد في مستجدات وسائل الاتصال والتواصل مع الآخر قصد توظيفها في تحقيق التواصل المنشود مع الآخر في كل زمان ومكان.
خامسًا: إنّه ينبغي الالتزام بجملة من المبادئ الإسلاميّة الناصعة والمتمثلة في الانفتاح والمرونة والسعة عند صياغة ضوابط التواصل مع الآخر، فالأولويّة والاعتبار ينبغي أن يكونا للضوابط التي تقوم على مراعاة تلك المبادئ تمكينا للتواصل من أن يغدو واقعًا ملموسا، وممارسة واضحةً.
سادسًا: مادامت ثمة ثوابت ومتغيرات في ملتنا الحنيفيّة، لذلك، ينبغي التفريق الدقيق بين الثوابت والمتغيرات عند التواصل مع الآخر، فالثوابت من الأحكام لا يصح التهاون فيها، ولا التنازل عنها، وذلك بحسبانها الأسس التي يقوم عليها الوجود الإسلاميّ، وأما المتغيرات، وهي المجتهدات العقدية والفقهيّة، فلا بد من المرونة فيها عند التواصل مع الآخر. ومن ثمّ، فإنّ الحاجة اليوم تمسّ إلى مراجعة الأحكام المنسوجة حول علاقة المسلم بالآخر وطرق تعامله معه، إذ إنّ بعضا من تلك الأحكام تندرج ضمن المتغيرات المظنونات التي لا محظور في إعادة النظر فيها في ضوء الواقع المعاش، ذلك لأنّها نسجت متأثرة في الأوضاع الفكريّة والاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة التي كانت سائدة آنذاك.
سابعًا: ينبغي تحكيم مقاصد الشرع في التواصل مع الآخر في جملة الاجتهادات الفكريّة والفقهيّة، بحيث يتم الاعتداد الصارم بتلك الاجتهادات الفكريّة والفقهيّة التي تقوم على مراعاة جملة المقاصد الشرعيّة في التواصل والمتمثلة في مقصد الوسطية في التعامل مع الآخر، ومقصد الاعتراف بالآخر، ومقصد احترام الكرامة الإنسانيّة، ومقصد الانفتاح الإيجابيّ المتوازن على الآخر. كما ينبغي تجاوز الاجتهادات الفكريّة والفقهيّة التي تعمّق الجفوة والفجوة مع الآخر، وترى الحرب والصراع الأصل في العلاقة مع الآخر، والحال أن الحرب كل الحرب لم تكن ذات يوم أصلا للعلاقة بين المسلم والآخر وذلك بشهادة محكمات النصوص والتاريخ. ولهذا، فلا بدّ من تجاوز تلك الاجتهادات الزمانيّة العاطفيّة تحقيقا للتواصل المنشود مع الآخر.
ثامنًا: اعتبارًا بتعدد وتناقض تصورات الذهنية الإسلاميّة عن المسألة الغربيّة، واعتدادًا بأهميّة العلميّة والمنهجيّة والموضوعيّة عند الحكم على الأشياء والتعامل معها، بل انطلاقا من تعذر الإحاطة العلميّة الرشيدة الدقيقة الواعية بالموضوعات الشائكة المتشعبة إذا لم يتم تناولها بصورة علميّة متوازنة شاملة، لذلك، فإنّ الدراسة اقترحت على السادة المؤتمرين وصناع القرارات التربوية والتعليميّة في عالمنا الإسلاميّ، تأسيس علم جديد اصطلحنا عليه بعلم الغرب "غَـربُـولوجيّا" "westology"، وسيعنى هذا العلم المقترح تأسيسه بدراسة الغرب ديانة، وثقافة، وأنظمة، ومصالح، ومنهج حياة، وتاريخا، وواقعًا بصورة علميّة موضوعيّة شاملة بعيدًا عن كل التحليلات والاستنتاجات العاطفية الظرفيّة المتقلبة والمتجددة. فالغرب اليوم لا يمكن اختزاله في مدلول جغرافيّ ضيّق، بل إنّه أمسى يعبّر عن منظومة متكاملة ومتنوعة ومتداخلة، إذ ثمة غرب مصالح، وغرب أديان، وغرب ثقافات، وغرب أنظمة وقوانين، وغرب مبادئ وقيم، وغرب منهج حياة، وغرب تاريخ، وغرب واقع.. وكل واحد من هذه الجوانب في الغرب يستحق دراسة وتحقيقا وتنظيرًا وتأصيلا، تمكينا من حسن فهم هذه الجوانب المتعددة والمتداخلة والمتناقضة في بعض الأحيان. ولهذا، فإنّنا نرى أنّ الأمل في تحقيق تواصل مستديم مع الآخر يتوقف توقفا أساسا على معرفة هذا الآخر معرفة موضوعيّة متكاملة وواضحة. وإننا نعدّ العلم المقترح من أنجع الوسائل والسبل الكفيلة لمعرفة الآخر معرفة رصينة عميقة.
تاسعًا: إنّنا نقترح أن يتمّ البدء في تنفيذ هذا المشروع على مستوى دبلومات دراسيّة، فالدراسات العليا، ثم الدراسات الجامعيّة، وبطبيعة الحال، ثمة حاجة إلى لجنة علميّة يعهد إليها القيام بمهمة صياغة المقررات الدراسيّة التي يتم من خلال الوصول إلى تمكين الأجيال القادمة من معرفة الغرب معرفة واعية واضحة تؤهّلهم لتواصل إيجابيّ متكامل ومستديم معه. ويوم أن يخرج هذا المشروع إلى النور، فليسعد العالم الإسلامي ـ يومئذٍ ـ بزوال ـ بلا رجعة ـ لتلك التحليلات الانفعاليّة والنظرات العاطفيّة وردود الأفعال المستعجلة غير المدروسة لمختلف إملاءات الآخر، واستفزازاته المتواصلة للمشاعر. فالجيل المؤهّل والمتمكن من فهم الغرب، سيضع حدّا مبرمًا بما يمتلكه من دراية ومعرفة لكل تلك التصرفات الحائفة والممارسات غير العادلة تجاه الأمّة الإسلاميّة، وما ذلك على الله بعزيز!
          وأخيرًا: إنّنا نكرّ على القول في نهاية هذه الدراسة إلى أنّ مصطلح "الآخر" الوارد في هذه الدراسة كما ينطبق على الغرب، فإنّه ينطبق أيضا على الشرق (غير المسلم)، فما أوردناه من تصور عن مصطلح التواصل، ومعالمه، وضوابطه، ووسائله، ينطبق انطباقا موضوعيّا على ذلك الجزء من الشرق.
          وبهذا نصل إلى نهاية هذه الدراسة المتواضعة، وأملنا أن نكون قد وفّقنا فيه إلى تقديم وجهة نظر يجري عليها ما يجري على غيرها من اجتهادات البشر من نقص وقصورٍ وزلل وخطأ، والله المسؤول أن يجعل ما توصلنا إليه مما يمكث في الأرض وينفع الناس، وأن يوفقنا جميعًا ـ ودوما وأبدًا ـ إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، إن نريد إلا الإصلاح ما استطعنا، وما توفيقنا إلا بالله العليّ العظيم، عليه توكلنا، وإليه ننيب.

أهم مراجع الدراسة: 
• البعد الحضاري لهجرة الكفاءات، مجموعة من المؤلفين، كتاب الأمة، العدد 89، السنة الثانية والعشرون، طبعة عام 2002م
• حوار الحضارات: تحليل نقدي لظاهرة الإسلاموفوبيا، عبد الله صالح أبو بكر، طبعة هيئة الأعمال الفكريّة، طبعة عام 2002م.
• حوار عن بعد حول حقوق الإنسان في الإسلام، الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه (دار الأندلس الخضراء، طبعة 2003م)
• الحوار مع أهل الكتاب: أسسه ومناهجه، خالد عبد الله القاسم (دار المسلم، طبعة 1414هـ).
• سماحة الإسلام في معاملة غير المسلمين، عبد الله بن إبراهيم اللحيدان (الرياض، دار الحضارة للنشر والتوزيع، طبعة 2004م)
• العلاقة مع الغرب: الموضوع، الإشكالية، المنهج، عبد الله إبراهيم (المركز الثقافي العربي، طبعة 2000م)
• الكتاب الأبيض حول الحوار بين الحضارات، إيسيسكو، طبعة ثانية لعام 2002م
• مجلة إسلاميّة المعرفة، السنة التاسعة، العدد 33-34، عام 2003م، مقال بعنوان: المسلم والآخر: رؤية تاريخيّة، عماد الدين خليل.
• مقدمة إلى الحوار الإسلامي ـ المسيحي، محمد السماك (بيروت، دار النفائس، طبعة 1998م).
• نحن والآخر: صراع وحوار، ناصر الدين الأسد (بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، طبعة أولى 1997م).  

________________________________________
[1] انظر: نحن والآخر: صراع وحوار، ناصر الدين الأسد (بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، طبعة أولى 1997م) ص69، وانظر: حوار عن بعد حول حقوق الإنسان في الإسلام، الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه (دار الأندلس الخضراء، طبعة 2003م) ، وكتاب الحوار مع أهل الكتاب: أسسه ومناهجه، خالد عبد الله القاسم (دار المسلم، طبعة 1414هـ).
[2]  انظر: (ابن منظور، ص728)،
[3]  انظر: (الصحاح، الفارابي، ص1498)
[4]  انظر: (تاج العروس، الزبيدي، ص157)
[5]  انظر: (لسان العرب ص332م)
[6] انظر: (المعجم الوسيط ص513)

[7]  انظر: مقدمة إلى الحوار الإسلامي ـ المسيحي، محمد السماك (بيروت، دار النفائس، طبعة 1998م) ص88 وما بعدها.
[8]  انظر: البعد الحضاري لهجرة الكفاءات، مجموعة من المؤلفين، كتاب الأمة، العدد 89، السنة الثانية والعشرون، طبعة عام 2002م، مقدمة الكتاب
[9]  انظر: الكتاب الأبيض حول الحوار بين الحضارات، إيسيسكو، طبعة ثانية لعام 2002م
[10] انظر: مقدمة إلى الحوار الإسلامي المسيحي ـ محمد السماك ـ ص91-92 باختصار.

[11]  انظر: سماحة الإسلام في معاملة غير المسلمين، عبد الله بن إبراهيم اللحيدان (الرياض، دار الحضارة للنشر والتوزيع، طبعة 2004م) ص 20 وما بعدها حيث أورد الباحث نماذج حيّة تدل على سماحة الإسلام في معاملة الآخر.
[12]  انظر: مجلة إسلاميّة المعرفة، السنة التاسعة، العدد 33-34، عام 2003م، مقال بعنوان: المسلم والآخر: رؤية تاريخيّة، عماد الدين خليل، ص130 وما بعدها.
[13]  انظر: العلاقة مع الغرب: الموضوع، الإشكالية، المنهج، عبد الله إبراهيم (المركز الثقافي العربي، طبعة 2000م) 23 وما بعدها.
[14]  انظر: حوار الحضارات: تحليل نقدي لظاهرة الإسلاموفوبيا، عبد الله صالح أبو بكر، طبعة هيئة الأعمال الفكريّة، طبعة عام 2002م، ص91-92 بتصرف واختصار.
المصدر:
http://www.uqu.edu.sa/page/ar/88575

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك