الانفتاح أو التعصب
الانفتاح أو التعصب
بقلم الأستاذ : حجازي القصاص
حرص الإسلام أن تكون علاقة أبنائه مع الآخرين علاقة حب ووئام وألفة ، لا علاقة تحجر وكراهية و تعصب للذات ، وأما العمل الإسلامي ففي أساسه يعتمد علي عدة مرتكزات مثلت وجها مشرقا للإسلام افتخر بها المسلمون عل مر التاريخ ، ومن أهم هذه الركائز الانفتاح علي الآخرين وثقافتهم .
إن الانفتاح علي الآخرين يحتمل معنيين الأول سلبي والآخر الايجابي و الذي أقصده وأعنيه هو الانفتاح الايجابي علي الرأي والآخر .
لقد مرت علي الأمة فترات عصيبة حيث سياسات الانغلاق والتحجر على الرأي الواحد ، وكان الأمر بين مد وجزر مرة نحو الاستبداد الفكري وأخرى إلى الانفتاح مما كان له الأثر السلبي على مسيرة الأمة ونموها وتطورها ، فمتى ما ساد الانفتاح ساعد على التقدم ، ومتى تراجع تراجعت مسيرة الأمة وتقدمها .
أما في عصرنا هذا فقد أصبحت الاستفادة والاستعانة بالآخرين هي السمة المميزة له ،عن العصور السابقة ، وأصبح تبادل الخبرات والانفتاح علي الآخر من أهم عوامل نجاح الأفراد والمجتمعات والدول ، ولا يتم ذلك إلا بالاجتماعات والندوات والمؤتمرات والاتصالات المختلفة ، هذا هو الانفتاح ، أما التعصب فله أشكال وحالات متعددة منها :-
1- حالة العزوف والزهد في فكر الآخر:
والمتمثل في المجالات الأدبية ، والسياسية كالصحف والمجلات ، والكتاب... وجعلها من المحرمات والممنوعات لأنها تمثل فكر و رأي الآخر فقط .
2- منع انتشار الرأي الآخر:
وذلك عن طريق ترويج الدعايات والإشاعات المفتراة ضد هذا الكتاب أو تلك الصحيفة أو الفكرة أو الجهة ، والعمل على وضع العقبات والعراقيل أمام نشرها ، وفي كثير من الأحيان يتم استخدام الجماهير بالتظليل أو بالسيطرة حتى علي بيوت الله ومنع أي رأي أو كلمة أو درس يقال فيها إلا من فئة واحدة ولون واحد ، إن هذا العمل وهذا السلوك لا يمثل إلا الغلو والتعصب الفكري لشخص أو جهة أو فكر، وهو العائق الأكبر والعقبة الكؤود أمام مسيرة التقدم والتطور والنمو .وهذا مما قد يخرجنا عن حالة كوننا دعاة يجب أن نتحلى بأكبر قدر من الرويّة والرؤية والتشبع والفهم التام لأي حالة من الحالات التي نريد محاكمتها فكرياً أو ثقافياً.
الإسلام والتعصب للرأي
الإسلام دين العقلانية والبحث والاقتناع بالحقيقة، دعا إلى المعرفة والحقيقة منذ فجره الأول، ودعا أيضا إلى الحوار والانفتاح ولم يقف يوماً ضد العقل أو الفكر، فهو ما برح يدعو إلى التلاقي والحوار والاستفادة من الآخرين ، ويعمل على تحقيق كل ذلك بحكمة وفطنة وعلم ( الحكمة ضالة المؤمن هو أحق بها أنا وجدها ).
فقد قال الله تعالى : (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) العنكبوت 43
و قال عز من قائل : (...كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون) . الروم 28
وقال سبحانه و تعالى : (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) . الحج 46
التعصب صفة ذميمة يرفضها الإسلام ويحذر منها ،وقد سمعت يوما الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في احد اللقاءات يقول حين سئل عن التعصب وعلاجه فقال : من التعصب الذي ينبغي أن نحذر منه التعصب للفئة أو للحزب أو للجماعة التي ينتسب إليها المسلم ، تعصباً يجعله ينتصر لها بالحق وبالباطل ، على نحو ما قاله العرب في الجاهلية (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) قبل أن يعدل رسول الله (صلي الله عليه وسلم) مفهوم هذه الجملة، ويعطيها تفسيراً جديداً وجميلا يتفق مع قيم الإسلام .
ومن التعصب للجماعة أو الحزب، أن يضفى عليها من الصفات ما يشبه القداسة أو العصمة، فكل ما تقوله فهو حق، وكل ما تفعله فهو جميل، وكل ما يصدر عنها فهو صواب، وكل تاريخها أمجاد، وكل رجالها ملائكة!! وهذا ليس بصحيح فكل جماعة قامت لنصرة الإسلام وتجديده في العقول والأنفس والحياة والمجتمع ، ليست أكثر من مجموعة من المسلمين تجتهد في خدمة الإسلام وإعلاء كلمته ، وهي في اجتهادها تصيب وتخطئ، وهي مأجورة على كل حال أصابت أم أخطأت ،( فلكل مجتهد نصيب ، ولكل امرئ ما نوى ).
ومن مظاهر هذا التعصب : ألا يذكر لجماعته أو لحزبه ، إلا المزايا والحسنات، ولا يذكر للجماعات الأخرى إلا العيوب والسيئات، وأن يعظم رجال مجموعته مهما يكن فيهم من تقصير أو قصور، ويحقر رجال الآخرين مهما يكن فيهم من سمو في العلم والعمل.
والإسلام يوجب على المسلم أن يكون عادلاً مع مَن يحب ومَن يكره، يقوم لله شهيداً بالقسط ولو على نفسه، ولا يخرجه غضبه عن الحق، ولا يدخله رضاه في الباطل، ولا تمنعه الخصومة من الشهادة لخصمه بما فيه من خير، قال الله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) النساء: 135.
وقال سبحانه : (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) المائدة: 8.
ومن مظاهره أيضا : أن يفرح بأخطاء الآخرين ، وقد يشنع بها، ويضرب بها الطبل ، في حين يتعامى عن أخطاء فئته وجماعته، وإذا اعترف بها حاول أن يهون منها، ويعتذر لها، ويدافع عنها.
ومن مظاهر التعصب: المبالغة في المحافظة على الأشكال التنظيمية للحزب أو للجماعة، كأنها أمور تعبدية ، حتى يضحى ـ في بعض الأحيان ـ بمصلحة الدعوة الإسلامية، والأمة الإسلامية، كيلا تخدش الصورة التنظيمية. وهذا خطأ شنيع في الفهم ، فالأشكال التنظيمية (وسائل وأدوات) تتغير بتغير الزمان والمكان والإنسان، وليست (أصناماً تعبد) أو غايات تقصد لذاتها ، كما يفهم ذلك من تصرفات بعض الغلاة في احترام التنظيم!!!
ومن الضروري هنا التنبه والتنبيه على جملة من الأخلاقيات التي نراها لازمة للدلالة على التحرر من اسر التعصب حقاً ، ومن الواجب لفت النظر إليها والتذكير بها، فإن الذكرى تنفع المؤمنين .
ومن هذه الأخلاقيات : أن ينظر إلى القول لا إلى قائله، وان تكون لديه الشجاعة لنقد الذات، والاعتراف بالخطأ، والترحيب بالنقد من الآخرين، وطلب النصح والتقويم منهم ، والاستفادة مما عند الآخرين من علم وحكمة ، والثناء على المخالف فيما أحسن فيه ، والدفاع عنه إذا اتهم بالباطل، أو تطاول عليه أحد بغير حق.
إذن كفاكم تعصبا وتحجرا وهيا بنا إلي ما أمرنا الله به الانفتاح الايجابي علي الآخرين الذي ينفع دعوتنا وأمتنا وإلا فترقبوا الغضب من ربكم والخزي العاجل قبل الحساب الآجل ، ومزيدا من التخلف في الدنيا قبل العقاب والعذاب في الآخرة .