رحلة الثعالبي الإصلاحية: من أسوار التعصب الى دروب التحرر
رحلة الثعالبي الإصلاحية: من أسوار التعصب الى دروب التحرر
زهير الخويلدي
"إن حياتي تنقسم الى قسمين,قسم عام يتصل بالنضال السياسي وقسم يخص البعث الإسلامي وهذا القسم متصل اتصالا وثيقا بالحركة الإصلاحية في العالم العربي إلا أن هذا القسم الثاني مغمور بالنسبة للأول..."[1]
توطئة:
لاشك أن الحديث عن الإصلاح والتحديث والتطوير لايستقيم ولا تصبح له جدوى دون ذكر المصلحين والأفكار التحديثية وتجارب التطوير المدني التي قاموا بها ولا ريب أيضا أن التطرق الى وسائل النهوض وطرق الترقي دون التعرض الى أسباب السقوط والإنحطاط ودون تشخيص علل وأمراض الأمم والأمصار هو كالنفح في السراب والعويل في الصحراء.كما أن أي مجتمع من المجتمعات لا تقوم له قائمة ولا يتدعم بنيانه ما لم تظهر فيه فئة من المصلحين يعملون على تغيير أنظمته في التفكير ومبادئه الإعتقادية والقيم التوجيهية لأفعاله,وهذا الأمر الجلل والمهمة الجسيمة لا يتجرأ عليها ولا يضطلع بها إلا أصحاب الفطر الفائقة من الحكماء الراسخين في العلم الذين اشتروا أنفسهم ودنياهم لآخرتهم ولم يغنهم من الحق شيئا,ولعل المصلح التونسي عبد العزيز الثعالبي(19877-1944) هو واحد من هؤلاء الرجال الأفذاذ الجهابذة الذين أتوا من بطون الغيب وجادت بهم علينا الحضارة نادرا عرفوا الحق وعملوا به ولم يخشوا في ذلك لومة لائم والذين نذروا أنفسهم لخدمة قضايا مجتمعاتهم والرد على التحديات التي تواجهها شعوبهم.
اللافت للنظر أن الثعالبي ظل طيلة حياته وحتى بعد مماته موضع شبه ونقطة اختلاف ومفترق طرق بين عدة وجهات نظر حوله,فهو رجل اشكالي جمع في جبته بين الكفاح السياسي ضد الإستعمار والتغريب وبين الدعوة الى التقدم والتربية ضد التخلف والركود والثورة الثقافية ضد الخرافة والجهل والاصلاح الديني ضد التعصب والتحريف.ومن المعروف بالنسبة للقاصي والداني أن هذا المصلح الذي بعثت به الأقدار الى هذه الأمة في أيام حالكة السواد كان زعيما ومناضلا على مستوى العالم الإسلامي بأسره وليس على البلاد التونسية أو شمال افريقيا فحسب,بحيث اعتبره البعض واحدا من الذين أيقظوا الشرق من سبات القرون الوسطى ووضعوا أسس النهضة الحاضرة وأرسوا سبل الرشاد للناشئة العربية.وان أرجع البعض شهرته في المشرق والمغرب على السواء الى نضاله السياسي وتزعمه حركة التحرر الوطني,وبالخصوص تأليفه لكتابه الذي أثار ضجة كبيرة عند ظهوره والذي عنوانه:"تونس الشهيدة" زيادة على مقالاته النارية التي تصدى فيها لمكائد المستعمرين ومن تحالف من"المغربين" فإن ثمة رأيا آخر يركز على مساهماته في المجال الفكري الحضاري مبينا أن تسليط الأضواء على الجانب السياسي من هذه الشخصية هو في الحقيقة اختزال لإضافاته النوعية في الجانب الحضاري واهمال لمآثره في المجال الديني الاجتهادي العلمي أين توجد ابداعاته الجوهرية وبالتحديد في كتابه الهام:"روح التحرر في القرآن" الذي مضى الآن قرن كامل على صدوره دون أن يدرس دراسة مستفيضة وفي دروسه وكلماته وخطبه التي ألقاها في بغداد والقاهرة وتونس.
اذا كان مقصدنا هو انتشال هذه الشخصية من النسيان واعادة الاعتبار لهذا المصلح الكبير ومد جسور التواصل من جديد بين فكره والبيئة المشرقية التي تعلم فيها ووجه اليها أفكاره وآراءه فإنه من الضروري أن نتوقف عند هذا العلامة المستنير صاحب الحنكة السياسية والنظرة المستقبلية المتبصرة,ونستجلي الظروف والدواعي التي جعلته يرفع راية الإصلاح شعارا ويولي وجهه شطر النهوض قبلة ويقصد لغة الضاد أداة للبيان والتبيين والفهم العقلاني التطوري للإسلام مذهبا والسياسة الراشدة المبدئية نموذجا للحكم مستوضحين في كل ذلك خفايا رحلته الإصلاحية التي اصطدمت بأسوار الجهل والتعصب والإستعمار وحاولت فتح أبوابها لتخط دروبا للتحرر والتقدم والتنوير ولترسم مسالك للتحضر والإنعتاق والإبداع.
اذا كانت نيتنا ترنو في هذا المبحث الى معرفة مباديء الإصلاح عند الثعالبي وكيفية تشخيص الداء العضال الذي أصيبت به الحضارة العربية الإسلامية واقتراحه الدواء الشافي لها من هذا الداء فإنه لابد أن نعزم على تقصي طبيعة هذه الأسوار التي حجبت عن العقل العربي الإسلامي أنوار المعاصرة والأصالة والتطور في مقام أول,ثم نشرع في مقام ثان في فحص وتمحيص الإمكانات النقدية والوسائل العلاجية التي اتبعها هذا المصلح لفتح ماهو مغلق وتحريك ماهو جامد واخراج ماهو بالقوة الى ماهو بالفعل لنعرج في نهاية المطاف في مقام ثالث على دروب التحرر التي سلكها والآفاق المعرفية التي استشرفها واللحظات الثورية الصادقة التي عاشها اما منعزلا مهاجرا غريبا أو بمعية قلة من رفاقه ومريديه وأنصاره. ربما يكون من المفيد أن نقسم خطة البحث الى ثلاثة محاور كبرى:
1- المجال السياسي وما شهده من نشاط حزبي وهو الأكثر بداهة.
2- المجال الديني وقد اختلط الحابل بالنابل ولم يقع تخليص درر الرجل العلامة والمفاخر العلية من الشوائب والبدع.
3- المجال الفكري وهو سجل مدفون ظل طي النسيان ومجال اهمال ولذلك لابد من نفض الغبار عنه واضاءة ماهو نافع وجديد وكوني منه.
ان ماحركنا نحو مثل هذا الإهتمام ليس تقاسم الوطن مع هذا المصلح الكبير فحسب ولا الإعجاب برحلته وسيرته وعاقبته الحسنة بل الانتباه الى قدرته العجيبة على الوصل بين المتناقضات:مقاومة الإستعمار والتغريب ومقارعة الإستبداد والتعصب وذلك بالعودة الى الأصول والاقتداء بالسلف الصالح اضافة الى تحريضه على الإستفادة من الآخر والتعليم والتربية مع عمله على احداث تغيير شامل في النفوس من أجل أن تنهض لتغيير العالم.
I- أسوار التعصب والإنحطاط:
"انطوى العرب بعد أن فقدوا صولة الحكم في جميع الأقطار وذبلت مدنيتهم وتغلبت على لسلنهم رطانة الأعاجم واستعاظوا عن أدب القوة والفلسفة الواقعية...ولما جاء دور تغلب الآريين الغربيين وجدوهم موطى الرقاب خاضعين للإستعباد فقراء النفوس ليست لديهم من الحصانة ما يخففون به عن أنفسهم وطأة القادمين...من تصدى لتنفيذ هذه المهمة الشاقة العظيمة كما وصفناها منحنية الظهر مثقلة بأوزار الماضي وهي على ماهي عليه من جهل وفاقة وفقر فيالأخلاق والآراء؟ هل بادية العرب يوكل اليها انقاذ ذلك التراث في العصر الحاضر عصر الكهرباء والنور وهي لم تزل تتخبط في عصر الجهل وقد أضاعت ما كان لها من مميزات قديمة من تعقل وشيم لتأثير التقليد الأعمى وسذاجة الفهم لروح الدين...ولا أرى لها أهلا غير الجامعات التي تكون لها مخططات مدققة في الإحياء والتجديد لا تلك المتزمتة التي لا تخرج عن عقول آلية تتحرك بإرادة غيرها..."[2] يميز الثعالبي بطريقة بارعة ولافتة للنظر بين التقدم الحضاري ويلاحظ التفاوت والبون الشاسع بين تقدم الحضارة الغربية وتأخر الواقع الحضاري الشرقي العربي الإسلامي ويحدد صنفين من الأسباب التي أنتجت هذا التفاوت وساهمت في توسيع هذا البون والهوة ومضاعفة الإنحطاط والتأخر:
1- أسباب خارجية متمثلة في الإستعمار الأروبي والتحدي الاستيطاني الصهيوني وهيمنة الحضارة الغربية وانحرافها نحو الحرب والتدمير.
2- أسباب داخلية متمثلة في سد باب الاجتهاد والوقوع فريسة التقليد الأعمى والتزمت الفكري وظهور البدع والفرق والمذاهب.
من هذا المنطلق يشخص الثعالبي الحالة بقيافة وفراسة العرب القدامى قائلا:" هناك أسباب أخرى تكتسي صبغة داخلية خالصة ان صح القول.فالمسلم يرجع كل شيء الى دينه سواء موقفه السياسي أو حياته الخاصة أو ما يمكن |أن يتخذ من قرارات الخ...فكل شيء في نظره منصوص عليه ومنظم في القرآن وبناء على ذلك فقد كان هم جميع المفسرين التوفيق بين المواقف السياسية والمباديء الدينية.كما كان الطغاة والمغتصبون في حاجة الى الاستناد الى سلطان القرآن لتبرير وتمرير جرائمهم واغتصابهم وأحكامهم..."[3] يمكن أن نسمي هذه الأسباب والدواعي بالأسوار أو الحواجز التي أعاقت حركة التقدم الحضاري وحجبت عن العرب رياح التمدن وأنوار العقل ومنعتهم من فهم ظواهر الطبيعة والتمتع بالحرية وعطلت أي رغبة في التجديد والتغيير وأجهضتها في منابتها. لقد نتج عن هذا التفاوت الحضاري تكون نظرة فوقية لدى الغرب تستند الى تمركز حول الذات التي لاتعترف بالآخر بل تذلها وتلصق به كل الصفات اللاإنسانية نتيجة خضوعها لمنطق الإقصاء, في هذا الأمر يقول الثعالبي:"وكان المسلم أو العربي يعتبر بالنسبة الى تلك الشعوب[الأروبية] بمثابة الألعوبة المفيدة...هوشيء آخر غير المادة الصالحة للدراسة إذ أنه رجل يقاسي العذاب..."[4] وقد تجلت هذه النظرة العنصرية في الدراسات الإستشراقية وبحوث العلوم الأنثربولوجية والأثنولوجية التي تدرس الآخر باعتباره بدائيا وبربريا وهمجيا ينتمي الى ما قبل التاريخ الرسمي للتحضر. الجدير بالملاحظة أن هذا المصلح حدد ثلاثة أسوار حرمت أمة العرب والإسلام من الأنوار وهي:
1- سور الخرافة والجهل في المجال الفكري.
2- سور التمذهب والتزمت في المجال الديني.
3- سور التقوقع والإستبداد في المجال السياسي.
فكيف حورت أنظمت الحكم والمذاهب والطرق الصوفية الشريعة الإسلامية لفائدة مريديها ولخدمة أغراضها الخاصة وتبرير ممارستها اللاعقلانية؟ وهل يمكن أن يصبح تأويل القرآن تأويلا متعصبا ومناهضا للحرية وللعقل سببا من أسباب التخلف يحول دون النهوض والتقارب بين الشعوب؟
أ- سور التعصب والجهل:
" الخرافات والأوهام تفسد الأرواح وتغالط الأفكار وتشوه الطبائع وتوجه اإرادة البشرية في طريق الضلال وتحدث في العقول عالما من الأوهام لا يشبه العالم الحقيقي في شيء وتحمل الإنسان على الإعتقاد في الأمور العجيبة التي يظن أنها تستطيع نفعه أكثر بكثير من جهوده وأعماله ومثابرته."[5]
دعا الثعالبي الى الإصلاح الإجتماعي والتجديد الفكري بتحرير العقل من الشوائب والإبتعاد عن الجمود فبعث معالم النهوض وجمع بين السياسة والإصلاح الديني والإجتماعي ورأى أن العرب في أداء واجبهم وحماية الأمانة التي كلفوا بها وهي طلب العلم ونشر رسالة الإسلام قد طغت عليهم الأوهام والآراء الفاسدة. وقد شخص هذه الأمراض التي أدت الى السقوط الحضاري في ثلاث نقاط: 1- انتشار الأولياء والزوايا.
2- ظهور الطرق الصوفية وكثرة مريديها.
3- اقبال على علوم السحر والتنجيم.
من هذا المنطلق اهتم هذا الرجل الفذ بمحاربة هذه العوائد الفاسدة وبمقاومة البدع المقحمة والدخيلة على الإسلام,ورأى أن العرب لم يذلوا في حاضرهم الا أنهم غفلوا عن أسرار دينهم وابتعدوا عن أهدافه الرفيعة ووقعوا بين براثن الخرافة والأساطير التي عمل على تسريبها بعض الطفيليين من المندسين الذين يؤثرون فتات موائد الدنيا على نعيم الآخرة.
لقد فسر الثعالبي انتشار الأوهام بتأثر العرب ب:
المعتقدات الوزثنية القديمة التي كانوا يمارسونها في الجاهلية والتي استعادوها حتى بعد ظهور الإسلام وانتشاره اما ردة أوحنينا الى الماضي أو عودة للمكبوت.
تسرب بعض المعتقدات الأجنبية الى ديار الإسلام سواء عن طريق الشعوب الداخلة الى الدين الجديد من بربر وأحباش وفرس أو عن طريق أهل الكتاب من يهود ونصارى ومجوس وصابئة. فماهي هذه السخافات واتلأوهام التي سعى الثعالبي الى محاربتها واقتلاعها من الجذور؟
ان الداء العضال الذي ألم بأمة العرب والإسلام حسب الثعالبي هو الإنزياح والإنحراف من الإيمان الصافي بالمنهاج القويم كما عاشه السلف الصالح الى الإيمان العجائزي الموروث الذي يغلب عليه الإتباع والتقليد,ومن عبادة الله الواحد الصمد الذي لا يشاركه أحد في ملكوته ولا توجد وساطة بينه وبين خلقه الى عبادة الأولياء والدراويش والأضرحة والزوايا واتخاذها وسائط للتقرب من الله تحت تأثير بعض المعتقدات البالية والأساطير الساذجة.ويمكن أن نذكر من بين هذه الآراء الخاطئة ما يلي:
الإعتقاد في تأثير الكواكب والنجوم في حياة اإنسان وتعلق ما يجري في الأرض بما يحدث في السماء.
التطير والتشاؤم من مقابلة بعض الأشخاص ورؤية بعض الحيواناتو الإيمان بالكهنة والسحر.
تصور أنه باستطاعة هؤلاء السحرة والعرافين والمشعوذين أن يتنبأوا بالمستقبل وامتلاك قدرات خارقة وكرامات وشطحات وألعاب بهلوانية لا يقدر عليها غيرهم من الناس.
العودة الى بعض المعتقدات الوثنية وتقديس الأشخاص والأماكن والأزمنة والأشياء وتبني نزعة احيائية.
استعمال بعض المبادىء من تلك الأساطير في تفسير المقدسات والقرآن وفي تأليف رؤية للتاريخ العام بالانطلاق من بعض الخرافات القديمة.
انتشار الإسلام الطرقي الشفوي واهمال الإسلام الرسمي الحضري المدون والمكتوب وتعريضه لإمكانية الاهمال والنسيان وخلطه مع معتقدات أخرى منقولة شفويا.
تحريف عقائد الدين تحريفا تاما واقامة نظام طقوسي مماثل للوثنية ويغلب عليه التقليد والجمود بحيث صار الناس يقولون: الاعتقاد ولاية والانتقاد جناية.
تفرد السحرة والأولياء والدراويش بالمراوغة والخداع وتزييف الحقائق ولجوئهم الى السفسطة والألاعيب اللغوية لإخفاء عجزهم واقتياد الناس نحو أغراضهم.
اعتبار رؤساء الفرق أنفسهم أمثلة نموذجية يقتدى بهم يستحقون بفضل استقامتهم ومساعدتهم الناس على قضاء حوائجهم الظفر بالنعيم الأخروي.
ادعاء هؤلاء الأولياء علم الغيب والقدرة على تغيير مستقبل العباد ومصائر الشعوب والأقوام.
اخضاع كل شيء لسلطة الولي ووضعها تحت تصرفه وتسخيير جميع الثروات لمصلحة القطب بانتزاع الأراضي وامتلاك المتاجر.
اعتماد بعض فرق الصوفية على مجموعة من الآراء الباطلة والمشاعر الجياشة تقوم في معظمها على الأنانية والمصالح الشخصية الضيقة أين تساهم في نشر الحقد والكراهية وحيث تقوم باحتقار الأجساد وعالم الدنيا لتهتم بالروح وعالم الآخرة.
انعقاد تحالف رهيب بين شعوذات الجمهور وأساليب الأنظمة الملكية في الحكم والتسيير وتواطىء بعض الطرق الصوفية مع الإستعمار وتبرير أفعاله واعتبارها مجرد محنة وامتحان الهيين. يقول الثعالبي متحدثا عن التأثير السلبيلهذه الخرافات والأوهام:" ولقد أثرت تلك الطرق في الإسلام تأثيرا سيئا حيث أفقدت المسلمين كل روح مبادرة.فلماذا يجتهد الإنسان مادام يكفيه أن يتوسل لأحد الأولياء ليضمن لنفسه السعادة والثراء؟ ولماذا يعالج نفسه اذ يكفيه أن يتضرع الى أحد الأولياء ليستعيد صحته..."[6]
ب- سور التمذهب والتقوقع :
" ان ما كان يرمي اليه بعض المفسرين هو شن الحرب وتقوية الغريزة العدوانية التي تشكل جوهر الطبع العربي وبعبارة أخرى ذات مدلول سياسي حديث,تغذية روح القومية الضيقة لاسيما أن الحروب التي يدعون اليها كانت دائما مكللة بالنصر ومتبوعة بأعمال النهب وجمع الغنائم وقد استعملت مكذا لتنمية الغرائز الدموية لدى العساكر والعوام..."[7]
يححد هذا المصلح مظاهر التخلف والتعصب في ثلاث أمراض:
1- بروز المذاهب وادعاء كل فرقة أنها الفرقة الناجية وتمثل الإسلام الحقيقي.
2- تفضيل العرق العبي واعتبار الإسلام دين العرب وحدهم دون غيرهم من الأعراق والشعوب.
3- الوضعية المادية والروحية المزرية التي ظل يتخبط فيها الإنسان العربي ابان الإحتلال الإستعماري خصوصا ارتفاع نسبة الأمية وتفشي الفقر والحاجة وكثرة الأوبئة والأمراض وانتشار نظرة دونية للمرأة.
من هنا تعتبر الفرقة والتشرذم والتشتت من أهم الأسباب الداخلية التي أدت الى حصول تفاوت حضاري بين غرب متقدم وشرق متأخر,فإذا كانت الحضارة الأروبية تتباهى بالقيم التواصلية كالمشاركة والحوار والتكاتف والإجماع والتبادل والإندماج والتسيير الذاتي,فإن الحضارة الإسلامية تعاني من القيم الفاسدة مثل الفوضى والعنف والصراع والتطاحن والغوغائية وبالتالي انعدام الحوار بين المكونات الداخلية للمجتمعات الشرقية من فئات وشرائح وطوائف.فكيف تحولت النعرة المذهبية الى أداة للبغضاء والتعصب؟ يشخص الثعالبي الظروف التي ساهمت في نشأة المذاهب وتكون الفرق ويربطها بالعوامل السياسية الحزبية والمصالح القبلية الطائفية والتصورات العقائدية الاجتهادية ويرى أن نشوب معارك بين الصحابة [الجمل/صفين] وبروز الردة وادعاء النبوة وانتشار نزعات التمرد والعصيان والخروج والإنحراف نحو الإغتيالات والتآمر على أرواح الناس وكذلك تحول مؤسسة الخلافة الى ملك عضوض واستبدال الشورى والبيعة العامة بنظام التعيين والوصية والتوريث.كل ذلك كان سببا كافيا لتكون عدة المذاهب.لقد أحصى هذا المصلح العديد من الفرق والمذاهب تختلف باختلاف الانتماء الساسي أو الولاء القبلي أو العقيدة الدينية وذكر منها ما يلي:
*المذهب الشيعي[علي ابن أبي طالب] وقد انقسم بدوره الى ثلاث فرق:الزيدية[زيد بن علي] والبكرية والجعفرية[ جعفر الصادق].
*المذهب اليزيدي [يزيد ابن معاوية].
* المذهب السني الذي ينقسم بدوره الى الشافعية والحنابلة والمالكية والحنفية.
تنقسم هذه المذاهب من ناحية ثانية الى ثلاث أنواع:
مذاهب تعنى بالعقائد والعبادات.
مذاهب تعنى بالحدود والقوانين.
مذاهب تعنى بشؤون المعاملات بين البشر.
وقد ترتب عن موجة التمذهب هذه الإنقسام والتجزئة بين مفاصل جسد الأمة والتعصب للأحكام المسبقة والتقوقع داخل الطائفة والإنكماش على الذات وهذا بدوره يؤدي الى نشوب صراعات ومطاحنات بين هذه الطةوائف ومجادلات وتزاحم ومزايدات بين أنصار كل مذهب وتعدد التأويلات للنصوص المقدسة من قرآن وأحاديث نبوية وبالتالي الانشغال بالآيات المتشابهات وضياع الإيمان الأول الصافي والإختلاف حول الأصول والمحكمات.
يقول الثعالبي في هذا السياق:" يتعذر على صاحب المذهب الاصداع بذلك لكي لايرمي بالمروق عن الدين لذلك فإنه يعمد الى ارهاق النص بما لا يطيقه الى أن يصل الى استنتاجات لا معنى لها ولا يتسنى له اقناع الناس بها الا بالإلتجاء الى مقاييس فاسدة ومفارقات حقيقية..."[8]
ما يسترعي الانتباه أن هذه التأويلات الزائغة قد تسببت في ظهور مذاهب وفرق أخرى تتباعد في المبادىء والغايات والوسائل وذلك لأن:
كل خصم قد استند الى القرآن ليمسك بزمام الحكم.
تأويل القرآن في الإتجاه المؤيد لعقائد المذهب.
سوء النية لدى العلماء ومراعاة المصلحة الشخصية.
تبرير الأوضاع السائدة طمعا في جزاء أو خوفا من عقاب.
ضياع أتباع المذاهب في التفاصيل وعجزهم عن الإلمام بالكليات والإبتعاد عن الينابيع والأصول. وآيتنا في ذلك أن أحد الأمة قد قال:" اذا كان حديث من الأحاديث النبوية متعارضا مع مذهبي فيجب عليكم اتباع الحديث والعدول عن مذهبي لأن مذهبي هو ما تؤكده الأحاديث."[9]
يرى الثعالبي أن بعض الفقهاء قد أخطأوا وارتكبوا هفوة فادحة عندما جعلوا الدين حكرا على العرق العربي دون غيره وقد استنتجوا ذلك من ربط الاعجاز القرآني ببلاغة اللغة العربية التي كتب بها وحجتهم في ذلك أن النبي عربي اللسان وهو قد بعثه الله لقومه ليخرجهم من الظلام الى النور ويجعلهم أعزة القوم بعد أن كانوا أذلة وهم الأقدر من غيرهم على تأويل القرآن ونشر الرسالة لأنهم الأعرف بلغتهم والأدرى بحقائقها ومجازها بيد أنه قد فاتهم أن الإسلام حضارة واحدة متعددة الثقافات وأن المسلمين أمة واحدة متعددة القوميات ربما استثناء القومية العربية من بين القوميات الأخرى أن الإسلام ساهم في تشكيل أمة العرب بينما انتشر بين قوميات تامة التكوين مثل الفرس والأتراك والهنود.ان أي اعتقاد بأن القرآن قد جعل للعرب دون سواهم هو أمر على غاية من السقوط وعودة الى النعرة القومية الجاهلية وتعصب أعمى للعرق العربي وهو اعتقاد يؤجج مشاعر الكراهية والتباغض بين العراق والشعوب.يقول الثعالبي:" الدين الإسلامي لا يمكن أن يكون دينا خاصا بالجنس العربي بل هو دين شامل لسائر الأجناس".[10]كما أن القرآن لم يجعل للعرب دون غيرهم بل نزل للناس كافة. على هذا النحو فإن المصائب والنوازل ونوائب الدهر التي أصابت الأمة وما ألم بالمسلمين من انحطاط وجمود مع توفر ما في الدين من دواعي النهوض وأسباب الرقي هما التعصب الديني المتمثل في الولاء للمذاهب والطائفة على حساب الانتماء للوطن ومصلحة الأمة والتعصب العرقي المتمثل في تفضيل الولاء للقبيلة والقوم على حساب الولاء للدين والحضارة. وينفر الثعالبي أيما نفور من قول سني وشيعي ويرى أنه لا موجب لهذه التفرقة التي أحدثتها مطامع الملوك وبغية تحقيق أغراض سياسية ولمصالح فئات ضيقة مثل بني أمية وأهل البيت وأهل العراق وأهل الشام وأهل الحجاز وأهل اليمن. ولتفادي ذلك يدعو ازالة المذاهب والقضاء على الملل والنحل بالعودة الى الأصول واستلهام الينابيع الأولى وببناء نظرة جديدة متحررة للعقائد تحتكم الى العقل وتتفق مع الطبيعة وتقدس حرمة النفس والمال والحياة وترعى المصالح والحقوق العامة للناس.
ج- سور النص المغلق والتفسير الضيق:
" ان تكاثر التأويلات تكاثرا مهولا قد أثار الشك في العقول حول المسائل التي من الواجب أن يرتكز عليها العلم والحقوق والفلسفة والدين..."[11]
يحدد الثعالبي الوقوع في التفسير الضيق الأحادي الجانب بتقديس النص والتعامل معه كشيء مكتمل يتضمن جميع الحقائق ومستنفذ الدلالات ويفسر التجاء البعض من الفقهاء الى سلاح تكفير الخصوم بتكاثر التقليد والايمان العجائزي والنظرة الضيقة للإعتقاد. ويرى أن التحريف هو زيغ في التفسير وتقهقر من تغليب التأويل الى تغليب التفسير وانثيال في التطبيق وهو ناتج عن تفشي الجهل والخوف والظلم والمروق. أما التكفير فيعني الاتحريم والمنع والاقصاء والجنوح الى رفض الاخر والميل الى القتال والرغبة في الاثأر والقصاص وتغذية روح الإنتقام.
* التحريف:
" ان هذه النظرية الدينية التي هي على غاية من الرونق والصفاء قد تعرضت منذ العصور الإسلامية الأولى الى شيء من التحريف وتغير هذا التأويل الماتحرر للقرآن في اتجاه معاكس..."[12] العرب هم عند الثعالبي الذين كشفوا للغرب عن مبادىء الفلسفة وهم أول من أثبتوا العلاقة المتينة الموجودة بين الإيمان والعقل والشريعة والحكمة ولكنهم قيدوا الفكر الحر بأصول العقائد وغلبوا قوانين النحو اللغوي على حساب قوانين المنطق الفلسفي مما عطل الاحتكام الى قواعد البرهان وأشاع الاعتماد على البيان والعرفان ولم يخفوا ما تكتسيه الحروف من قيمة عددية من حيث المدلول بل استخدموها في التفسير والفهم وأهملوا المعانى والأفكار وضبطوا عددا من القواعد لإستنباط الأحكام من القرآن والحديث وهم في ذلك وقعوا في الحصر والتقييد.يرجع التحريف حسب الثعالبي الى الزيغ في التفسير ويرجع الزيغ في التفسير الى تأثر الفقهاء وعلماء الكلام بالنظرية القبلانية اليهودية التي كانت تفسر التوراة تنفسيرا رمزيا ضنينين بها لا يبوحون بأسرارها لغير ملتهم وكانوا يؤمنون بأن الحروف لها تأثير على مدلول النصوص, وقد توقفت مسيرة الحضارة منذ أن وضعت تلك القواعد الإصطلاحية المفتعلة ومنذ أن أصبحت متداولة بين المفسرين.
من هذا المنطلق كان الفقهاء يلقنون أصول الشريعة الواردة صراحة أو المضمنة في القرآن والتي يتضح مدلولها حسب سياق الجمل والكلمات المستعملة وكان تعليمهم يرتكز على فقه اللغة والنحو وعلم الأصوات والصرف والنحو ونقد الشعر, ولذلك فقد درسوا التعابير الواردة في القرآن دراسة لغوية وفسروها حسب أسباب النزول ومدلولها لحظة تلقي الوحي والشروع في نشره وتحليله. وتحت تأثير الأفكار اليهودية المبهمة حول القبلانية وبعد تسرب بعض الإسرائليات إلى العلوم الإسلامية حصر المفسرون كل القواعد المساعدة في الشرح والتفسير في جملة من العبارات التي تساعد الذاكرة وتقوي الخيال واستخرجوا منها مجموعة من الحدود والقوانين ووضعوا عدة قواعد عامة سموها المدلول المحتمل والمفهوم والاقتداء والتخريج والقياس والاستنباط واتحاد العلة بالمعلول مع مراعاة الاستحسان والرخصة اللازمة والذهاب الى أخف الضررين دون وجود تعارض بين المعلوم والمفهوم.
ما يلفت النظر أن كل هذه القواعد غامضة ومعقدة وغير معقولة وتقف حجرة عثرة أمام فهم النصوص وفك رموزها وحل عقدها. فالتخريج مثلا هو أن يضبط المشرع القوانين المتعلقة بالمسائل التي لم يرد ذكرها بصريح العبارة في الكتاب والسنة واذا لم يجد الفقيه نصا من أئمة المذهب في المسألة التي يبحث عنها فإنه يعطيها حكما بالإعتماد على أصول المذهب وقواعده ونظيرها المنصوص عليها. بيد أن هذه المقاييس المفروضة والتي ضبطت بشكل متعسف حدود الدين ووضعت جملة الأحكام المفصلة وشرعت مجموعة القيم والحقوق تحولت الى مجموعة من الأسوار والقيود وفرضت على جميع العلوم عبارات ومعارف معينة لا يمكن تجاوزها وعطلت تطور الرقي الحضاري وتوقف العمل الاجتهادي الابداعي والنمو الثقافي وانجر عنها جمود الفكر وانحباس المعرفة وتشعبها الى فرق ومذاهب واتجاهات ومدارس تتناحر فيما بينها وتتصارع وتدور في الفراغ دون أن تقدم أي شيء جديد, بل أفقدت المبادىء العتيقة من قيمتها وأفرغت الكلمات من معناها وأزالت عن النصوص المقدسة هالتها ومدلولها الحقيقي.
* التكفير:
" وبسبب تلك الأوهام...فإن تلك الطرق تعتبر بقية الفرق الإسلامية الأخرى معادية لها.فيلعن بعضها البعض وتشهر كل فرقة حربا لا هوادة فيها على الفرقة الأخرى..."[13] تتميز البنية الذهنية العربية الإسلامية في السياق الثقافي والتاريخي والاجتماعي الذي عاصره الثعالبي بالخصائص التالية:
سيطرة التقليد على الأذهان وفساد طرق التربية والتعليم.
السقوط في التنازع والتفرقة عوض التشجيع على التلاقي والاجتماع.
هيمنة عقيدة الجبر والقضاء والقدر وذلك لبروز النزعة الانتظارية والتواكل والعجز.
تفشي عقلية التقديس وشخصنة الأفكار وعبادة الأمكنة والأزمنة.
رفض الفعل في الدنيا والعزوف عن الكدح باسم انتظار النعيم في الآخرة.
الوقوع فريسة الجهل والخوف نحو الفهم الخرافي للدين. علاوة على ذلك واجه العالم الإسلامي في تلك الحقبة تحديا أكبر تمثل في الاستعمار وما فرضه من حروب واستغلال واقصاء ولدت ردة فعل عنيفة تمظهرت في شكل تكفير وتمركز على الذات.
السبب الأول الذي أدى الى الوقوع في خطأ التكفير هو النظرة الضيقة للوجود في العالم,اذ لما كانت الذهنية العربية بهذا الشكل من العلل فإنه من البديهي أن تسقط في خطأ رفض الآخر وأن تتمركز داخل أسوار الذات وتستميت في المحافظة على منابت الهوية بكل الوسائل حتى العنيفة منها بأن تلجأ الى التكفير وتنادي بالقتال والقصاص,الأمر الذي ينتج عنه نشر روح الانتقام ومعاداة الشعوب الأخرى وخاصة حضارات أهل الكتاب. وما عقد الوضعية أن احتكاك العرب بالغرب ومخالطة المسلمين للجيوش الغازية قد أثر فيهم سلبا فقد أعجبوا بميلهم الى سفك الدماء وسرعتهم الى استعمال السلاح وتغطرسهم وتعصبهم لعقيدتهم فقلدوهم في سخفهم وتحيزهم لملتهم,ومن هذا المنطلق اعتبروا المعارض والمتمرد والثائر والخارج عن الملة لأسباب دينية أوسياسية باغيا أو مارقا أو كافرا أو مقعدا وبالتالي فاقدا للإيمان ولا ينتمي الى جدائرة الانسانية وعلى ضوء ذلك لا يستحق أية شفقة ولا رحمة وينبغي ازهاق روحه. لقد آل الأمر ببعض الفقهاء أن حرموا على الأجانب اٌتمة في دار الإسلام ودعوا الى الإنغلاق وغلق الأبواب والا تعرض الى التعذيب والحرق والسلب والقتل بحد السيفغ لإنتهاكهم حرمة الشريعة ومخلفتهم سنن الطبيعة. إن هذه النظرة غير معقولة وموغلة في التطرف وناتجة عن ميل الى التكفير وتحريف للنصوص وتعبر عن حقد وتعصب وتحيز.لقد نتج عن اعتبار الآخر عدوا مطلقا بالنسبة للأنا تكون مجموعة من الأحكام الفقهية الخاطئة التي تشرع الى ضرولارة الغزو وتمدح النفير وتدعو الى المرابطة دون تقييد ذلك بمجموعة من الشروط مثل التعرض للهجوم الخارجي أو للدفاع عن النفس وبالتالي وقع اختزال الاجتهاد في الجهاد وحصر الجهاد في القتال ورد القتال الى الحرب المقدسة.
أما السبب الثاني للتكفير فهو اقتصار بعض الفقهاء على تفسير المأثور بالمأثور والتعويل على الأحاديث الموضوعة والسيرة المشوهة لتأويل القرآن دون التعويل على العقل أو العودة الى الواقع الحضاري وفحص هذا التأويل على محك التجربة التاريخية للأمة.زيادة على ذلك فإن ظهور عدة فرق ومذاهب يؤدي حتما الى ارتكاب أخطاء في التأويل وسوء للفهم والتناقض والتشاحن وتفضيل المصلحة الخاصة للطائفة قبل مصلحة الأمة والدفاع عن حق المذهب قبل حق الملة. في هذا السياق يصرح الثعالبي:" إن جميع المتعصبين وجميع الذين يريدون من مصلحتهم اعتبار القرآن أداة للبغضاء والتعصب... يستشهدون بالآيات القرآنية الموجهة ضد اليهود والمشركين."[14]
خلاصة القول أن الثعالبي يعتبر التكفير سبب التعصب والتباغض والتمذهب سبب الفرقة والضعف كما أن التحريف هو سبب التأويل الزائغ. إن هذا التأويل الخاطىء لهو مضر من جميع الأوجه اذ يحدث شرخا في جسد الأمة ويسبب عداوة بين الشعوب والحط من شأن القيم والتعاليم القرآنية في عيون الشعوب الوافدة والمغايرة. وبذلك حولوا تلك المبادىء الى مصدر للعبودية والبغضاء والتحيز وأصبح حراس الدين أنفسهم مصابيح ظلام ودعاة تشدد. فهل يجوز أن ننظر الى الآخر دائما وأبدا على أنه عدو وخصما يجب محاربته؟ ماهي الطرق التي سيتوخاها الثعالبي لإصلاح ما وقع افساده ولإجتياز أسوار التعصب والسير على دروب التحرر؟
II/ منهج الإصلاح عند الثعالبي:
"على الشرقيين أن يعملوا لإصلاح النفوس ومتى أصلحوها وثقفوها أصلحوا الشرق وهي لا تصلح بغير العلم الناضج والتربية الصحيحة والتحول من الأعمال الفردية الى الجهود الإجتماعية واحداث الأنظمة لها والمؤسسات..."[15]
توزع منهج الإصلاح عند الثعالبي على ثلاث جبهات:
اصلاح الاعتقاد من خلال تجربة التجديد الديني.
اصلاح العمل من خلال المشاركة في النضال السياسي.
اصلاح التفكير من خلال الابداع الثقافي والفكري.
1- النضال السياسي:
"اني ما جئت لهذه البلاد الا لكي أدافع عن استقلالها وهو عهد صريح مني للشعب كما عاهدته أيضا أن أمد يدي لكل عامل مخلص لبلاده بلا استثناء...وألا أكون لأحد دون آخر بل أكون لكل تونسي يحدب على بلاده, وقد رأيت أن أسنى مهمة أقوم بها لتحقيق هذا العهد هي السعي في لم شعث الأمة وتوحيد كلمتها واستلال السخائم من الصدور والأحقاد من النفوس."[16]
قيل كثيرا عن جهود الثعالبي الاصلاحية في الشأن السياسي فقد رسم نهجا فريدا للحركة الوطنية التونسية وجعلها مترابطة عضويا بالمقاومة العربية للاستعمار,هذا النهج سار فيه أغلب زعماء حركات التحرير عندما رفضوا الاحتلال وأقبلوا على الكفاح السياسي بالسيف والقلم معا. اذا كانت بديات الثعالبي الحركيو خجولة ومحتشمة فإن تدهور الأوضاع وتفاقم المشاكل الاجتماعية والأزمات الاقتصادية في تونس وفي مختلف أصقاع العالم الاسلامي وبالتحديد في ثاني القبلتين وثالث الحرمين القدس الشريف قد أجبره على تعديل مواقفه والانضمام الى حركة الشباب التونسي التي أسسها على باش حانمبة سنة 1907 لمناهضة الاستعمار الفرنسي. وقد رأت هذه المنظمة الشبابية أن الاصلاح الداخلي لا يتحقق ضمن بلاد محتلة يتحكم الأجنبي في شؤونها ومصير عبادها بل يقتضي طرد المحتل وتحرير البلاد من كل أشكال الوصاية. لذلك لم تكن عقيدة الثعالبي الوطنية مجرد حب للوطن بل رغبة في انقاذ تونس الشهيدة من براثن الفتك والقرصنة الغربية, ولم تكن السياسة عنده عاطفة جاشت في نفسه ولكنها كانت وعيا متبصرا نجد أصولها في درايتها العميقة بتاريخ بلاده ودعوته الى الاستقلال والرفعة والحرية. لقد آمن الثعالبي في نضاله السياسي وحياته الكفاحية بالمبادىء التالية:
مقاومة الاستعمار الغربي بجميع الوسائل والسعي لتحرير البلاد العربية الاسلامية من كل الأجانب.
انشاء دولة عربية كبرى تضم جميع الأقطار وتحيي مجد العرب التالد.
انشاء روابط علمية واقتصادية وثقافية بين المجتمعات العربية والشعوب الاسلامية.
لتحقيق هذه الأفكار لم يتوانى مصلح تونس من المشاركة في الاجتماعات القومية ولم يتورع عن الدفاع عن المصالح العربية والجهاد ضد الاستعمار والصهيونية وضد الاستبداد السياسي التقليدي المتفشي آنذاك في ديار الاسلام. وقد كان تأثيره بالغا في توجيه مؤتمر القدس حول القضية الفلسطينية مع الحاج الحسيني نحو النجاح والتشبث بالحقوق الاسلامية والثوابت العربية جامعا في ذلك بين السياسة والكياسة وبين الخطابة والحصافة.على هذا النحو كانت أنظاره السياسية متجهة نحو بنا مؤسسات وطنية مثل الأحزاب والبرلمانات والدساتير كما أكد على دور الصحف من أجل تحقيق نهضة سياسية عارمة تتكفل بتحقيق الاستقلال الاجتماعي والاقتصادي للشعوب المضطهدة. فهو القائل في الشأن:" أنا مضطرم النفس على الفساد وبواعثه ومسببه ثائر على الاستعمار وأعوانه وعلى التبعية والتغرب الذي يدعو اليه الجواسيس والعملاء..."[17]ولتحقيق هذا الغرض التمس الثعالبي الاتزان الحكيم وكانت له كلمات حاسمة ومواهب خطابية جعلته ينتهي الى الشدة على الاستعمار وأعوانه ويعبر بإحساس عن الضمير الانساني لما تميز به من قدرة على التحليل وبسطة الذهن وفصاحة اللغة وأخلاق السلف الصالح نقلته من الجهاد الأصغر في الغربة الى الجهاد الأكبر في الميدان,"فأهل السياسة في تونس يحبون أن يتلقوا عنه كما تلقى قدماء الاغريق الوحي المقدس من دلف..."[18]
لقد شخص "ابن جامع الزيتونة المعمور" الحال فرأى أن الشعب لم يكن موجودا والأمة على حافة الانهيار بسبب الاستعمار والاستبداد والجمود والتشرذم فأكد على ضرورة حدوث شيء ما يزرع بذور حياة جديدة في جسد الملة ويرى الواقع الماضي والحاضر بعيون المعاصرة والمستقبل ويحمل الطموح القومي الحر نحو آفاق أرحب ودروب أكثر تحررا وأصالة. ولم يهمل الثعالبي الجوانب الاجتماعية والنشاط المادي للأفراد بل اهتم بالقضايا الاقتصادية وحاول معالجة الأزمات التي يعاني منها المجتمع مثل البطالة والتواكل واحتكار الثروة والربا وتفطن الى تخلف التشاريع والقوانين عن مستجدات العصر.ولذلك رفض سيطرة أصحاب رؤوس الأموال على السياسة وتوظيفهم الدين وفضح القراءة الاقطاعية الخاطئة للدين التي تبرر ميل الأقلية للسيطرة على الأغلبية وتفضيلهم مصالحهم ومآربهم الشخصية على الخير العام والمصلحة المشتركة,لذلك ركز على الزكاة لآبتعاده عن تغليب المال على الدين وعلى السياسة الشرعية. ويفسر أصل تكدس الثروات ليس نتيجة القسمة الالهية والحظ في الدنيا بلب بسبب الجد والكد والعمل الانساني اذ يقوا في هذا السياق:"إن العامل هو موجد الثروة ومكونها..." والحق أن الثعالبي قد تأثر في هذا الوقت بالأفكار والمذاهب الاشتراكية التي بدأت أسهمها تتصاعد في العالم آنذاك.
2- التنوير الديني:
" نرجو أن يستفيد المسلمون من دراسة المبادىء المستمدة من القرآن والحديث دراسة صافية وصحيحة وفاضلة..."[19] تتميز النزعة التجديدية في الفكر الديني للثعالبي بالثراء والعمق فقد حارب التمذهب وانقسام الملة الى فرق وطوائف(سنة وشيعة) ودعا الى توحيد أصول الدين وبناء فهم حقيقي غير محرف للقرآن. وقد شمل التجديد الأسس الأربعة التي يرتكز عليها الاسلام وهي القرآن والشريعة والعبادة والسيرة ولهذا السبب اقترن اسمه بالتنوير الدجيني واستئناف الاجتهاد والبحث عن اسس صلبة للتأويل الصحيح.
من البين أن العلوم التقليدية التي تدرس لا توصل الا الى الضلالة ولا تصلح لكي تكون وسيلة لفهم القرآن فهما أصيلا ومتكاملا ولذلك لابد من الاطلاع على العلوم الحديثة والاستفادة من الثقافات ا|لأخرى والتسلح بالمناهج العقلية المنطقية القادرة على تنظيم أية عملية بحث واستقصاء واجتهاد.وواضح أن الثعالبي قد حارب دون هوادة مصابيح الظلام ودعاة البدع من المنحرفين أصحاب التأويلات الزائغة والأقاويل المغشوشة وكان من أنصار الاسلام المستنير ومن أول من حاول ارساء مدرسة فقهية تفسر القرآن تفسيرا متحررا متسامحا يضع المسلمين على طريق التحضر والرقي.وقد حاول الثعالبي استبدال التفسير الحرفي النصي بالتفسير التاريخي العصري الذي يعتمد على العقل والواقع والمصلحةوذلك بغية بناء رؤية جديدة للدين تسمح تكوين انسان عربي مسلم جديد قادر على الوعي بالعالم وبالآخر ومواكبة الحضارة ومواجهة التخلف والاستعمار والظلم.
من هذا المنظور آمن الثعالبي بتطور الشريعة وتغير مدلول الوحي من عصر الى آخر ورأى أن الشرع قادر على استيعاب المراحل التاريخية المتجددة والتأقلم مع روح أي شعب ينتشر فيه.كما فهم الاصلاح على أنه مراجعة للمفاهيم السائدة للدين ونقد الممارسات والطقوس والشعائر الدارجة لإرساء ممارسات وتجارب جديدة تتوجه نحو تثبيت الانسان في الأرض عوض انذجابه نحو السماء وتعزيز تمسكه بأرضه وعصره وتمكينه من صناعة مستقبله دون فصله عن جذوره ومنابت هويته.
لا يترك الثعالبي الفرصة تمر دون أن يعرج على وضعية المرأة المزرية ودون أن يشخص الأمراض التي تعاني منها ويحصر أسباب التخلف والاقصاء في ما يلي:
تحريم الفقهاء اظهار المرأة المسلمة لوجهها.
غياب القوانين التي تنصفها وتعطيها حقوقها.
ابعادها عن المشاركة في الحياة العامة وعزلها داخل البيت.
حرمانها من التعليم وبقاؤها على حالة من الجهل.
تحميلها مسؤولية الفساد والنظر اليها غرائزيا.
في هذا الاطار يعلن الثعالبي:"إن تحريم الظهور بين العموم على النساء قد كانت له أسوأ الآثار وأوخم العواقب..." [20] لقد تمثلت نزعته التجديدية على مستوى التنوير الدين في تأكيده أن الدين الاسلامي قد أعطى للمرأة أربع حقوق لم تكن موجودة قبل ذلك وهي:
حق الحياة بتحريمه وأد البنات.
تمكينها من حق الميراث بعد أن كانت محرومة من ذلك.
المساواة بينها وبين الرجل عندما خاطبها الله في القرآن باسم الانسان عامة ولم يفضل عليها الرجل والآيات في ذلك كثيرة.
احترام ديانة الزوجة ومساعدتها على اقامة شعائرها بكل حرية بل سمح الاسلام للرجل المسلم بالتزوج بالكتابيات والعكس مزال محل نقاش بين الفقهاء.
علاوة على ذلك أكد على ضرورة تخليص الدين مما اختلط به من باطل وبدع لأنها كانت منافية لروح التوحيد وقد عبر بذلك الثعالبي عن طموحات الشباب العربي في مطلع القرن العشرين في الرقي والمجد وعما يختلج في صدورهم من رغبات ترمي الى النهوض بالأمة وتسعى الى تأسيس الحياة الاجتماعية والمدنية على أسس وأصول الدين الحنيف وقد برهن الثعالبي على أن الدين الاسلامي في شكله الثقافي المستنير لايتنافى مع الأنوار الغربية ولا يتناقض مع المدينة الحديثة.
3- الثورة الثقافية:
"إن العلوم-لئن كان بإمكانها تحقيق تقدم الحضارة- فإنه لا يمكن اكتسابها الا بعقول تخلصت مما علق بها من جميع الأفكار المسبقة وجميع الخرافات..."[21]
حاول الثعالبي اصلاح طريقة الشرقيين في التفكير من خلال دعوته الى احداث ثورة ثقافية تركز على التربية والتعليم تقس المعرفة وتحرص على الابداع والتمدن في مواجهة الجمود والتخلف.لقد رأى الثعالبي المسلمين الذين حققوا تقدمهم الحضاري والرقي والتسامح والحرية بالاعتماد على دينهم أنهم يستطيعون اليوم أن يكرروا هذه التجربة التقدمية اذا ما أزالوا من أذهانهم كل تلك الأفكار الخاطئة التي أملاها عليهم بعض المفسرين واذا ما طبقوا مبادىء التحرر التي نلاحظها في كل آن وحين من خلال تدبرنا لكل آية من آيات القرآن.غني عن البيان أن الثعالبي هو نموذج المثقف العضوي والرجل المجاهد الرسالي الذي انتقل من الجهاد الأكبر للنفس الى الجهاد الأضغر للعدو المستعمر الذي خرب البلاد وتحكم في مصائر العباد آخذا بعين الاعتبار قيمة الوقت والمال والعمل.لقد "كان عمل الثعالبي واسعا ومتعددا فلم يكن قاصرا على العمل الوطني وحده بل إن العمل الوطني الذي أداره الثعالبي كان يتحرك به في دائرة اسلامية جامعة ولا يقتصر على ما يسمى بالعمل السياسي وحده. وعندما هاجر من تونس الى العالم الاسلامي ركز كثيرا على العمل الاسلامي الثقافي الكبير الذي يحرر الجماعة الاسلامية كلها من النفوذ الأجنبي ومن الغزو الثقافي..."[22]
لقدج وضع الثعالبي مسؤولية النهوض على كاهل المثقفين الذين طالبهم بضرورة التحلي بروح المغامرة والاستقامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصحه بالامتناع عن التقرب من الحكام والملوك والابتعاد عن أولياء الطرق وفقهاء السلاطين من الذين باعوا ضمائرهم لمحافظتهم على ماهو سائد وتقليدهم لماهو موروث بنما هو قد دعاهم الى الثورة والتجديد والابتكار وتصور ماهو أفضل. يحذر مصلح تونس الأول من بقاء المثقفين منفردين منعزلين ويرى أن غربتهم تعرضهم للمخاطر والعزلة لذلك يدعوهم الى الالتحام بالشعب والتقرب من الناس للإنصات الى صراخ الناس والعمل على حل مشاكلهم ومقاومة التخلف والمرض والفقر والاستعمار والقهر والتشرذم والتطاحن. وقد قال في هذا السياق:"إن بقاء العلماء منفردين ومنعزلين من شأنه أن يعرضهم للمخاطر"[23] وبالتالي دعا الى حماية المفكرين ورعاية مصالحهم بالتفاف الشعب حولهم وباعتنائهم هم بقضايا هذا الشعب المضطهد. لقد تأثر الثعالبي في دعوته الى الثورة الثقافية بالمشروع النهضوي الأول الذي أسسه كل من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمان الكواكبي أذ أخذ منذ عودته من المشرق في نشر النظريات التي تلقاها عن رشيد رضا وبث الأفكار الاصلاحية التي روجت لها مجلة المنار.
III/ دروب التحرر:
"والحال أن القرآن هو أداة عجيبة من أدوات الرقي والحضارة اذ أنه يؤكد ويقر ويفرض جميع مبادىء التحرر الحق ولكن المسلمين لم يتبعوا نواميس التطور الطبيعي التي تتوق دوما وأبدا الى الأفضل."[24]
يحدد الثعالبي مسالك الاصلاح من خلال الدروب الثلاثة التالية:
العقل والواقع بدل الخرافة والوهم.
التأصل والوحدة بدل الانبتات والفرقة.
التسامح والاجتهاد بدل التكفير والتحريف.
1- درب العقل والواقع:
"اعلم أن الكثير من العلماء الإسلاميين يقولون انه ليس في القرآن شيء من العلوم الفلسفية التي يبحث عنها المتكلمون وأصحاب النظر. ويقولون ليس فيه الا ما يعلق بالفقه والأحكام.وهو ادعاء غريب في بابه ربما عد عليهم من قبيل السهو وقلة التفكر لأنهم لو تفكروا قليلا في القرآن لما وجدوا سورة طويلة متفردة بذكر الأحكام ولوجدوا سورا كثيرة خصوصا المكية ليس فيها الا مباحث الفلسفة وتقرير حقائق الأشياء والكلام على الفطرة والنواميس الكونية وخلق العالم واثبات الخالق والحديث عن النفس والإرادة والاختيار وعن الرسالة والوحي والبعث والخلود وكل ذلك من علوم الفلسفة..."
لا سلطان على العقل الا العقل ذلك هو الشعار الذي رفعه الثعالبي وتبناه ضمنيا في كل مشروعه الاصلاحي وجعل منه المفكر الذي يمتلك وعيا باللحظة التاريخية ويستوعب تحديات عصره ويشرع في مواجهتها مع عودته الى الطبيعة ومستلزمات الحياة الدنيوية وابتعاده عن الأخرويات والأبعاد الغيبية. وتعود مراهنته على العقل والواقع الى ثقته فيهما لبناء انسان حر متعلم ومتفتح على كل ما له علاقة بالرقي بالحضارة الانسانية. ولا يكتفي هذا المصلح بجعل العقل هو المنار الهادي للإنسان في حياته بل يجعله طريق العرب والمسلمين نحو فهم حقيقي للوحي وذلك بإبداع التأويل الصحيح له.ولا يكون ذلك كذلك الا بأن يستمد الفرد المسلم عناصر التجديد من العقل ويعمل على تحويلها الى قدرات فردية تقضي على المروق والتغريب والظلام والخرافة.
والحق أن الثعالبي يبدأ بإصلاح العقل قبل استخدامه,فتهذيب السلاح واصلاحه يكون دائما أسبق من سلاح التهذيب والاصلاح نفسه,واصلاح العقل لا يكون الا بالوعي التاريخي والعودة الى الطبيعة والمصالحة مع الواقع بتحريره من الأوهام وتخليصه من الشوائب لأن التغيير الإجتماعي المادي لن يتحقق الا اذا سبقه تغيير رمزي في الذهنية والعقول,في هذا السياق يصرح رائد الاصلاح في تونس:"انه لا سبيل الى تحقيق ذلك الا بتخليص العقلية الاسلامية من شوائب الجهل والأوهام والنعصب ونشر التعليم وتأويل القرآن تأويلا صحيحا وحقيقيا وانسانيا واجتماعيا..."[25]
لقد نتج عن تقديسه للعقل نفي الجبرية والارجاء والكسب والقول بالحرية الانسانية وتحميل الفرد واتلناس مسؤولية أحوالهم المزرية ومصيرهم المجهول لأن"ما أحيط بنا من كروب ومصائب لم يكن من عمل الأقدار بل هي سنن لن تتغير ولن تتحول فللإنحلال سنن وللإرتقاء سنن ومن أراد لنفسه أن يكون منحطا لا يمكن للأقدار أن تخالف ما أراد". هنا يطرح الثعالبي قضية الارادة الانسانية والمشيئة الإلاهية ليفرق بين كسب البشر وسببية الطبيعة فإذا كان الفكر الجبري انتصر الى المشيئة الإلهية ونفي الحرية عن الإنسان في فعله وقوله وقد ساد هذا الاعتقاد طوال عصور الانحطاط خاصة مع الأشعرية التي حجبت عن العيون السببية القائمة على الاقتران بين العقل والنتيجة في الطبيعة وبين الايمان والعمل في الشريعة والفعل والجزاء في المجتمع فإن الثعالبي قد آمن بالحرية عتق الانسان وقدس فعله وعقله ورفض طريقة التقليد عند الذين ألبسوا أسئلة العصر أجحوبة التراث, كما حمل هذا الرجل على طريقة المتغربين الذين ارتموا بين أحضان الغرب وسقطوا في التلفيقية والتبعية واكتفوا بالاسقاط والاستنساخ ليخط لنفسه طريقا ثالثا بين السلفية والعلمانية يربط فيه بين السيف والقلم وبين الأصالة والمعاصرة وبين التراث والحداثة وبين قيم الدين وحقائق العلم محاولا أن يقدم أجوبة جديدة للأسئلة الراهنة.
انه القائل:"ومن تأمل في المعارف القرآنية علم أنه ليس لعلماء الملة افسلامية من طريق لإثبات حقائق الوجود الا القرآن وهي المشار اليها بقولهتعالى:"تلك ءايات الله نتلوها عليك بالحق",أي المثبتة بالدلائل العقلية القاطعة. والعلماء مجمعون على أن الدلائل النقلية موقوفة على سيف العلم بالدلائل العقلية ولولاها لما ثبت شيء من الدين ومن لم ينتفع بهذه الآيات فلا شيء بعد يجوز أن ينتفع به.وهي صريحة في ابطال قول من يزعم أن التقليد كاف وقد تقرر في أصول الملة أنه يجب على المكلف التأمل في الدلائل قبل الايمان حتى يكون الايمان صحيحا متينا."
من البين أن الثعالبي أصبح شخصية مرموقة معروفة بفضل ميله بتكوينه الفكري الى اليسار لا يماري بحق العرب في الاستقلال لأنه ضد الاضطهاد مهما كان سببه أو الغاية التي يتذرع بها.لقد كان هذا الرجل بفضل حنكته ودرايته بالقضايا السياسية وخطاباته همزة وصل بين ماضي المجد الاسلامي وحاضر الثورة العربية فقد وجدت فيه كل بذور المرحلة المقبلة لتمكنه من فهم العقلية الغربية التي تعتمد على حجة الأرقام والاخصاءات وتقدس الوقت العمل وتحسن التصرف في الموارد والثروات وبراعته في التعامل مع هذه العقلية دون محاكاة أو اقصاء.
2-التأصل والوحدة:
"نتمنى أن يتمكن الفكر الاسلامي المستند الى أصول الدين من التخلص من جميع تلك الشوائب المجحفة والمضرة التي لا طائل من ورائها..."[26] الفكر الاصلاحي عند الثعالبي غير منقطع عن منابت الهوية فهو يعتمد بالأساس على التراث وخزائن الثقافة العربية لمقاومة التخلف والتشتت والانحطاط. ومن أجل ذلك خاض الثعالبي معركة اللغة العربية ضد اللغات الأجنبية الآمرة معركة التعريب ضد الفرنسة والفرنجة فكان حنينه الى الضاد هو حنينا للقومية العربية والأصالة الاسلامية لأنه لا يفرق بين العروبة والاسلام كما يفعل بعض المشارقة من المسيحيين ولأن اللغة تختلط عنده بالشعب والأمة.أن ولعه باللغة العربية وصل الى حد العشق الصوفي وحبه للضاد كان حب عبادة لأن البيان القرآني كتب بها ولأنها حفظت العرب من الضياع في العالم. وحتى عندما استقبلته القدس عروس العرب والمسلمين سنة 1932 فانها استقبلته بوصفه زعيما قوميا عربيا ومصلحا دينيا اسلاميا جاء ليحررها من براثن الانتداب البريطاني وأطماع الصهاينة ولذلك انضم الى القسم الرافض من الحركة الدستورية العربية والذي لم يرضى بأنصاف الحلول ولم يقبل بالترقيعات الاصلاحية فكان مبشرا ومؤمنا بقضية فلسطين من النهر الى البحر بماهي قضية العرب والمسلمين المركزية وبأن الصراع العربي الاسرائيلي هو الصراع المركزي الذي ينبغي للأمة أن تخوضه وتعمل من أجل الانتصار فيه والا ذهب ريحها واضمحلت دون رجعة. لقد كان الثعالبي مناضلا من أجل انعتاق الشعوب المضطهدة وكان رسول سلام وخلاص أدى تمسكه بنهجه الى سجنه ونفيه وتوجيه تهم التآمر والخيانة والالحاد اليه.
إن اعتصام الثعالبي باللغة العربية هو اعتصاما يكاد يكون ايمانا عنوصيا لكون العروبة تمثل بالنسبة اليه تدينا أصيلا وحنينا لللحظة الذي امتزج عندها القرآن بمكارم الأخلاق الموروثة من الحضارات الوافدة والتي جعلت الأمة تصل الى المجد والعظمة والعزة.لقد بحث الثعالبي بلا هوادة عن حقوق العرب المهدورة وعن مجد الاسلام الضائع ودافع بكل ما أوتي من جهد على استقلال الشرق وحق اقامة الخلافة وجمع بين راية العروبة وراية الاسلام ودعا الى بناء المؤسسات الدستورية ونصح بالتكاتف والتوحد والتنظم الحضاري في هيئات وأحزاب.وقد كانت الصحف الوطنية لسانه الذي يتحدث به للناس ومرآة صاقدة يترجم عبرها آرائه ويعكس مواقفه من القضايا التي تجد في مجتمعه .لقد كان أحد أعمدة الحركة الوطنية اذ أمسك بزمام القيادة الحزبية في الميدان السياسي منذ1907 وكان من أبرز الخطباء الناطقين باللغة العربية لطول نفسه وقدرته على التأليف بين حرارة الحماس للوطن وتدفق الاحساس القومي الصادق معبرا في نفس الوقت عن الغليان الاجتماعي والشعور الديني,فكان "أعظم خطيب عربي عرفه هذا القرن"على رأي معاصريه. على هذا النحو جمع الشيخ بين السياسة والأدب وبين الاصلاح الديني والتغيير الاجتماعي والثورة الثقافية وكان بذلك باعث روح التمدن والتقدم عند الشرق بأسره وقد كان من دعاة تجديد اللغة العربية باعتبارها الأفق الوحيد القادر على ربط الانسان الشرقي بماضيه وحاضره ومستقبله وكان كثير المناظرة والاستفهام وعارفا بالمسائل المنطمسة والمسالك المستعصية.
لقد ألف هذا المصلح بين التأصل والتحديث وبين التوحد واحترام حقوق الأقليات ومراعاة الخصوصيات الثقافية وما يلزم ذلك من تسامح مع معتنقي الديانات الأخرى ودعا الى عدم اجبارهم على اعتناق الاسلام بالقوة. الثعالبي مفكر أصولي لأنه يعتمد في مشروعه النهضوي على علم الأصول ويدعوا الى العودة الى السلف الصالح والينابيع الأولى ولدفاعه المستميت على ثوابت الأمة وقيمها المجيدة, ولكنه في الوقت نفسه مفكر تحديثي يؤمن بالحداثة لأنه ينادي بمواكبة العصر ونقل المدنية الى ديار العروبة وحصون الاسلام المنيعة علاوة على تأكيده على ضرورة طرد الاستعمار والتمسك بالأرض وتوحيد الأمة فهو لم يكن يؤمن بالحدود المزيفة التي رسمها الاستعمار وكان معادي للقطرية المقيتة ويردد كثيرا بأنه عربي مسلم باعتزاز كبير وليس مجرد مغاربي أو تونسي أو جزائري الأصل. من أجل تحقيق هذا المطمح راهن الثعالبي على العلم والتربية فعمل على نشر التعليم وحث على اتقان الفنون والصناعات وشجع على امتلاك الوعي الجماعي والتحلي بقيم التسامح والايثار وحب الغير لأنه يجب على المؤمن أن يحب لغيره ما يحب هو لنفسه ولذلك رفض التباغض بين الأعراق ودعا الى ازالة الحدود والعلامات العازلة للطوائف والمذاهب بعضهم عن بعض وحرض على ضرورة رص الصفوف بين أعضاء الأمة بتوحيد الأطراف ولم الشتات والجمع بين المشرق والمغرب ومعالجة جسدها المريض من خلال القرآن والسنة النبوية الشريفة وما فيهما من العلاج الشافي لكل الهموم.ولعل خير منهج لذلك هو ردم الهوة الفاصلة بين العرب والغرب والفجوة القائمة بين الواقع الحضاري المتخلف والتقدم الحضاري وتحقيق المصالحة بين الواقع والمثال وبين المبادىء الثورية التقدمية التي يمكن استنباطها من منابع الاسلام والقوى الفاعلة والطبقات الناشئة القادرة على تحريك المجتمع واحداث التغيير المنشودوفشتان بين المبادىء الضارة الفاسدة التي يروج لها بعض الحاقدين من المتآمرين وبين القيم الصافية والسمحة المكتنزة في آيات القرآن.
3- درب التسامح والاجتهاد:
"إن الدين الاسلامي باعترافه بسائر الأديان الأخرى مضطر الى دعوة المسلمين الى التحلي بالتسامح الى أقصى حد ممكن تجاه متبعي الأديان الكتابية الأخرى..."[27]
لا يختلف اثنان في أن الثعالبي هو كان من بين الأول الذين طالبوا بدستور لتونس وبرلمان تونسي يرفقه حكم ديمقراطي وهو أول القائلين باللجوء الى كل الوسائل لحفز نضال الأمة من أجل تحرير الشعوب المهضومة الحقوق بما في ذلك الكلمة المسموعة والمقروءة والجهاد بالمال والنفس في سبيل الله والوطن. كما أنه لم ينظر الى الالام على أنه مجرد دين قومي أنزله الله للعرب بل فهمه على أنه رسالة للعالمين ودين للبشرية جمعاء وأممية جديدة تتعارض مع منطق الهيمنة والسيطرة الامبراطورية الذي كان سائدا وفي ذلك دليل على نزعته الكونية وغلبة روح التحرر لديه.
من هذا المنطلق هاجم الثعالبي دون مصانعة ولا خوف التخلف في معاقله وحارب المتعاونين مع الدخلاء من التقليدين الانتهازيين تجار الدين من الفقهاء والمتصوفة المشعوذين وحمل على المتغربين المنبرهرين الذين دعوا الى الذوبان والتفسخو كما رفض التبشير المسيحي الهادىء القابل بماهو موجود كطريق للخلاص ورأى فيه خطرا يضيق على المعتقد الاسلامي. لهذا السبب اعتبر الجهاد هو الذي يوقظ الشعوب والنفوس من سباتها وهو كذلك الذي يخلص الناس من متاعب العصر وأدران الواقع لأن من يصانع ويرضى يصبح بعضا من ذلك الواقع فيخنع بخنوعه فلا تبقى له القدرة على مجابهته حتى بالفكرة لأن الفكر ليس كابحا للصراع بل هو مرآة تعكسه ومجال تجليه. لقد سعى الثعالبي الى تكوين نخبة أو طليعة قادرة على التحلي بالتربية الفلسفية وآدابالاجتماع والتنافس في مضمار العلوم والفنون الصناعية.علاوة على ذلك رفض هذا الشيخ أفكار التعصبوالتفكيروالتحريف في التأويل وكل اقصاء للآخر لأنها آراء لا علاقة لها بالإسلام,فالقرآن سعى الى التكاتف والتعاطف والتقريب بين الشعوب وجلب الخير العام والمنفعة للجميع دون تمييز. كما أن الإسلام اعترف بالديانات الأخرى وأشاع روح التسامح والتآخي والتآزر والتدافع ولم يحرض على الكراهية والبغضاء والتقاتل,يقول في هذا السياق مصلح تونس:"ينبغي حينئذ أن تتمثل المبادىء العامة للدين الاسلامي فيالتعاليم المقامة على حب الغير والتسامح أي باختصار المبادىء الاجتماعية..."[28]
إن فكرة التسامح هذه في الواقع هي فكرة اسلامية فهي الفكرة السائدة واللازمة في القرآن بل ان الله عز وجل رحيم غفور وكل الرسل والأنبياء أوصوا باحترام جميع الآراء المخالفة وضمنوا حرية العقيدة والفكر وحرموا الاعتداء على المعتقدات والمقدسات مهما كانت الأسباب وجعلوا الهداية والتوبة أمرا من أمور المشيئة الالهية بل أوكلوا تجربة الايمان الى الاقتناع الذاتي الذي يحصل نتيجة سماع الكلمة الطيبة والحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة الحرة. نظر الثعالبي الى قيام علاقات تجاور واحترام وتعايش بين العرب والمسلمين وغيرهم من الشعوب المتفاعلة معهم مستنكرا كل الحروب والتصادمات التي أفرزت مشاعر البغضاء والكراهية,ومن هذا المنطلق رفض أن يكون الجهاد مقتصرا على القتال من أجل الانتقام وللقضاء على الأعداء وشرع للمقاومة والكفاح ضد الاحتلال لردة الغزاة ودرء الاستعمار. ويستدل على ذلك بالقرآن الذي يؤثر السلم على الحرب والصلح على التقاتل ويرى أن النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام لم يقوموا بالغزوات الا للدفاع عن النفس وليس لنشر الدعوة بل أمسكوا عن هدر الدماء وجنحوا الى العفو والحلم كما المناطق التي انتشر فيها الدين الجديد بحد السيف فقدت وعادت الى ديانتها القديمة (مثل الأندلس) أما المناطق التي انتشر فيها الاسلام عن طريق الدعوة والتنجارة فقد ظلت متمسكة بدينها الجديد (مثل ماليزيا وأندنوسيا).يقول في هذا السياق:" لقد حارب الرسولدوما وأبدا للدفاع عن نفسه ولم يكن قط هو المعتدي..."[29]ألم يقل هذا النبي العربي الكريم لأهل مكة من المشركين الحانثين يوم الفتح المبين والنصر الكبير:"اذهبوا فأنتم الطلقاء" وأمنهم على ممتلكاتهم وأرواحهم رغم قيامه بتحطيم جميع الأوثان وازالة كل رموز الجاهلية من البيت الابراهيمي الحرام.
يحمل الثعالبي مسؤولية تردي الأوضاع في ديار الاسلام والعروبة الى انتشار غريزة الطغيان وغلق باب الاجتهاد والوقوع في التقليد والتكرار وانتشار التأويلات الفاسدة المحرفة التي ترهق النصوص وتحملها ما لا تطيق من آراء جاهزة وبدع مضللة ودعا الى فتح باب الاجتهاد والبحث عن تأويل أعمق وفهم شامل للنصوص والآيات يراعي المصالح المرسلة ويحترم التنجيم وأسباب النزول في عملية التفسير ويتوخي أسلوبا على غاية من الوضوح والدقة لبناء حركة اجتهادية تقدمية تقوم على نمط من التأويل الاجتماعي المتحرر والمتسامح والذي يتيح امكانية قيام مشروع حضاري يحقق رقيا شاملا. يقول الثعالبي في هذا الصدد:" إن لكل آية سببا معينا واضحا لا يمكن أن يتطرق اليه أي شك ونعني بذلك طبعا الآيات المتحدثة عن واقعة من الوقائع التي عاشها الرسول صلعم أو المتعلقة بأحد المبادىء التشريعية"[30],اذ تقتضي حكمة التشريع أن يظهر في كل عصر فهم جديد للقرآن وتأويل واقعي للوحي.
خاتمة:
" أيها القرآن كم تقترف من جرائم باسمك..." تلك هي صرخة الثعالبي المدوية وذلك هو احتجاجه على التوظيف السيء والرجعي والمصلحي الذرائعي للقرآن.فإلى أي مدى يضع التأويل الصحيح حدا لهذا الزيغ والظلال؟ وهل بمجرد تأويل واقعي يستطيع العرب اليوم تحقيق حلم الرقي والتطور؟ صفوة القول إن الثعالبي مصلح الديار التونسية وموقظ الشرق وباعث للدين الاسلامي من الجمود لم ير مثله من المصلحين وذلك لتكامل مشروعه واعتداله ومعقوليته ولرصانة أسلوبه وحنكته ودرايته وتبصره.فقد جمع بين الولاء للقطر والانتماء للأمة والوفاء للديانة والانخراط في البشرية.فكان شرقي الهوى عربي الهوية انساني الانتماء,ولعل التضحيات التي قام بها والغربة التي عانها والترحال الدائم الذي اقترن باسمه هو خير دليل على أن هذا المجاهد الأكبر كان له رأي سديد وقول ثاقب وموقف حازم. اننا نشعر اليوم بعد مرور قرن تقريبا على تأليفه كتاب 3روح التحرر في القرآن" بحاجة ماسة اليه والى مثله حتى يسد هذا الفراغ ويمسك بزمام العصر لا في الجانب السياسي فحسب بل كذلك في الجانب الفكري والثقافي لأنه الأكثر راهنية خصوصا في مستوى صراع التأويلات والبحث عن تأويل صحيح للقرآن ومسألة فتح باب الاجتهاد وتدعيم مبادىء حرية الاعتقاد والتسامح والحوار بين الحضارات ومناهضة العولمة الاختراقية والنهج الاستعماري الغربي.
لكن هناك أسئلة ظلت عالقة حول حياة هذا الرجل هي: لماذا بقيت جهود الثعالبي حبرا على ورق؟
وما معنى حديث البعض عن كبوة الاصلاح عند الثعالبي؟
هل أن الاصلاح مشروع لا يكتمل أبدا ينبغي استبداله بالكفاح والثورة أم أن حال العرب والمسلمين المتأزمة لا تكفي تجربة اصلاحية متدرجة لمعالجتها؟
ألا يكمن بيت القصيد في الدين طالما أن نقد الدين هو الشرط الممهد لكل نقد؟
الهوامش
[1] الثعالبي، سيرة ذاتية.مخطوط المكتبة الوطنية، تونس.رمز: c.D.N
[2] مجلة الهلال،1939.
[3] الثعالبي،المصدر.ص43
[4] الثعالبي، المصدر.ص15
[5] الثعالبي،المصدر.ص58
[6] الثعالبي،المصدر.ص83
[7]الثعالبي،المصدر.ص99
[8] الثعالبي، المصدر.ص50
[9] الثعالبي، المصدر.ص55
[10] الثعالبي، المصدر. ص88
[11] الثعالبي، المصدر. ص54
[12] الثعالبي، المصدر.ص19
[13] الثعالبي، المصدر.ص
[14] الثعالبي، روح التحرر في القرآن،دار الغرب الإسلامي.بيروت، 1985.ص100
[15] الثعالبي، مجلة الهلال. 1939
[16] الثعالبي، الكلمة الحاسمة، دار المعارف. سوسة، تونس.1989 ص70
[17] الثعالبي،أمة اجتمعت في إنسان، دار المعارف. سوسة تونس.1989 ص28
[18] الثعالبي،المصدر.ص48/49
[19] الثعالبي،المصدر.ص84
[20] الثعالبي، المصدر.ص31
[21] الثعالبي،أمة اجتمعت في إنسان، دار المعارف. سوسة تونس.1989 ص18
[22] أنور الجندي،الثعالبي رائد الحرية،دار الغرب الإسلامي. 1984ص190.
[23] الثعالبي، روح التحرر في القرآن،دار الغرب الإسلامي. 1985ص70
[24] أنور الجندي،الثعالبي رائد الحرية،دار الغرب الإسلامي. 1984ص117
[25] أنور الجندي، المصدر.ص118
[26] أنور الجندي، المصدر.ص84
[27] أنور الجندي، المصدر.ص97
[28] أنور الجندي، المصدر.ص88
[29] أنور الجندي، المصدر.ص108
[30] أنور الجندي،الثعالبي رائد الحرية،دار الغرب الإسلامي. 1984ص199
المصدر: http://science-islam.net/article.php3?id_article=689&lang=ar