الحوار وتحالف الحضارات
الحوار وتحالف الحضارات
في مفهوم التحالف الحضاري :
وإذا كانت الأمم المتحدة قد تبنّت أخيراً الفكرة التي طرحها رئيس الحكومة الإسبانية خوسي لويس ثباتيرو من فوق منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة حول التحالف بين الحضارات(1)، فإنَّ هذه الفكرة لم تكن جديدة علينا، فقد تطرّق إليها مفكرون وكتاب من العالم الإسلامي، كما أنني تناولت هذه الفكرة في بعض كتاباتي من نواحٍ شتَّى، هذا فضلاً عن أن المشتغلين بالحوار بين الحضارات، لم تكن فكرة التحالف لتغيب عن أذهانهم، بسبب من أن الحوار ليس غاية في حدّ ذاته، وإنما هو وسيلة إلى صيغة للتعايش والتفاهم والتعاون الإنساني، وهذه الصيغة هي (التحالف الحضاري)، الذي يبثّ الحياة في الحوار، ويجعله ذا فعالية ومردودية.
والحقّ أن كلّ فكرة تخدم المبادئ الإنسانية وتعزّز جهود المجتمع الدولي من أجل استتباب الأمن والسلم الدوليين وإشاعة ثقافة العدل والسلام، تصبُّ في قناة ثقافة التحالف بين الحضارات. وكلّ مسعى يقوم به فرد أو جماعة، في سبيل التقارب والتعاون والتعايش بين أمة وأخرى أو شعب وآخر، فإنه يُفضي لا محالة إلى تعزيز التحالف بين الحضارات، لأنه يلتقي مع أحد الأهداف المتوخّاة منه.
ولقد عالجت في كتبي ودراساتي المنشورة(2)، قضايا فكرية وثقافية من خلال رؤية حضارية انفتحت بها على العصر، وتطلّعت إلى آفاق المستقبل، وهي على تنوّعها لا تخرج عن دائرة الحوار والتحالف بين الحضارات، وإن كان بعضها يتطرق إلى أحداث تاريخية ومسائل لها صلة بالتجنّي على الإسلام، قد تُوحي بالابتعاد عن دلالات التحالف ومفاهيمه، ولكنه في العمق لا يبعد عن هذا المحور، لأنه من صميم القضايا التي تدور حول التحالف بالمعنى الواسع للتحالف بين الحضارات.
إنَّ القضايا التي أتناولها والموضوعات التي أبحثها في كتاباتي جميعاً، هي خطوة على طريق التحالف الحضاري، ممّا يمكن اعتباره إضافةً إلى فكرة التحالف وإغناءً لمضامينها، بحسبانه يجتهد في تجديد الفكرة، وتطويرها، وبلورتها، من نواحٍ شتَّى، وليس فحسب من ناحية واحدة، لأن للتحالف صوراً متعدّدة، وأوجهاً تختلف من مرحلة إلى أخرى حسب تطوّر الزمن وتجدّد القضايا الفكرية والسياسية التي تظهر في سياق التفاعل مع المستجدات والسعي إلى توفير أسباب السلام والوئام والتعايش بين البشر، وتجنّب الصراعات والأزمات التي تهدّد الحضارات الإنسانية بوجه عام.
إنَّ تحالف الحضارات هو النتيجة الطبيعية للحوار بين الحضارات، وثمرةٌ له، وهو خلاصةٌ للجهود الخيّرة التي بذلها حكماء هذا العالم على مدى عقود من السنين، خاصةً في السنوات الثماني الأخيرة، وبصورة أخص، منذ أن أعلنت الجمعية العمومية للأمم المتحدة عن قرارها بجعل سنة 2001 (سنةَ الأمم المتحدة للحوار بين الحضارات).
لقد انتقل المجتمع الدولي ممثلاً في النخب الفكرية والمنظمات والمؤسسات الدولية والإقليمية ذات الاهتمام، من مرحلة الحوار التي كانت تقتضي البدء من نشر ثقافة الحوار في مختلف الأوساط، وزرع الثقة بالحوار في شتى المنتديات والمحافل، وشدّ الانتباه إلى أهمية الحوار في التقريب بين وجهات النظر المتباينة، وفي تحقيق التقارب بين المجموعات الحضارية والثقافية المتعددة التي تشكل الأسرة الإنسانية، إلى مرحلة التحالف بين الحضارات الذي يتطلب إقامة تعايش حضاري على أسس من الاِحترام المتبادل والحرص على المصالح المشتركة، واستناداً إلى القوانين الدولية التي تساوي بين الدول، وتكفل الحقوق المتساوية للأمم والشعوب، وتضع الضوابط لاِستتباب الأمن والسلم في العالم.
إنَّ التحالف يقوم على قاعدة المساواة والاِعتماد المتبادل، كما هو الشأن في العلاقات بين الدول، ومن منطلق الإرادة المشتركة. ولا يشترط في التحالف التكافؤ بين الأطراف المتحالفة؛ لأن الاعتراف بالتكافؤ يتناقض مع التحالف من حيث هو حلفٌ يجمع بين فرقاء متعددي الثقافات متنوعي المشارب متفاوتي القدرات، يدفعهم إلى العمل في هذا الاِتجاه، الشعور المشترك بضرورة تجاوز الخلافات وتخطي العقبات التي تقف دون التفاهم الذي يحقق المنافع لهم جميعاً.
ـــــــــــــــ
(1) طرح السيد خوسي لويس ثباتيرو رئيس الحكومة الإسبانية، مبادرته حول تحالف الحضارات من فوق منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم 22 سبتمبر 2004 م. وقد كتبت له رسالة أعربت فيها عن تأييد الإيسيسكو لمبادرته. وجاء ني ردّ منه بالشكر على موقف المنظمة.
(2) منها الكتب الأربعة الصادرة لي عن دار الشروق في القاهرة : (على طريق تحالف الحضارات)، 2008، و(الحوار من أجل التعايش) 1998، و(أفكار للحوار)2006، و(الحوار مع الذات والآخر) 2009.
منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو ـ 1430 هـ/ 2009 م
المصدر:
http://www.isesco.org.ma/arabe/publications/Dialogue%20et%20Alliance%20d...