ثقافة الحوار وقبول الرأي الآخر
ثقافة الحوار وقبول الرأي الآخر
________________________________________
وليد المشرفاوي
الحرية الشخصية للفرد المتمثلة في حرية التعبير عن الرأي أو الكلام هي امتداد لحرية الفكر وحرية الاعتقاد والتحرر من العوز، والتحرر من الخوف وبقية الحريات الأخرى. لذلك كانت محط اهتمام ولها الأولوية في القوانين والتشريعات والدساتير المحلية والمواثيق الدولية , فلكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير , وهذا يتضمن الحق في عدم إزعاجه بسبب آرائه ,لكن البعض يتلذذ باستخدام العنف والثقافي والممارسة المتطاولة وبسط تسلطه على الآخرين من خلال المسؤولية التي يتمتعون بها , وعدم قبوله بالرأي الآخر وعدم الالتزام بأصول وآداب الحوار الديمقراطي الحر,دون أن يراعي انظمة وقوانين العمل وحرية الرأي والتعبير , وهذا أمر لا يحمد عقباه إذ يؤدي إلى إرباك الساحة السياسية والمجتمعية.
إن ثقافة الحوار الإطار العام ومقدمة لبناء أسس الديمقراطية ، وتدخل هذه الثقافة ضمن اللبنة الأولى من لبنات احترام الرأي والرأي الأخر ، ومفهوم ثقافة الحوار يحيلنا إلى قضية معرفية للبحث عن عمق مفهوم هذا التعبير وما هي مقدماته والخطوط التي يتم تأسيس تلك الثقافة على وفقها ,فالحوار يعني تبادل وجهات النظر والاستماع لوجهة النظر المتعارضة بشكل ينم عن احترام وتدقيق , ويقوم مستندا على التعددية ,مع اعتبار إن جميع وجهات النظر محترمة إلا إن الحقيقة نسبية وكل يملك جزءا لا يتجزأ منها , وان الحقائق دائما متغيرة تبعا لظروف الزمان والمكان ,
ويشكل العقل الأساس الذي يعتمد عليه منطق الحوار، وقد شكلت الحقبة الزمنية الفائتة في العراق تراكماً من التطبع والإصرار على إلغاء الآخر وشطبه ، واللجوء إلى استعمال الخطابات البعيدة عن الواقع والمنطق ، وانتهاج سياسة التخوين والتكفير والاتهامات ، وفتح النار على المخالفين ، واحتواء المتفقين ، في سلوك بعيد جداً عن السلوك الديمقراطي والحضاري الإنساني ، بعيدا عن لغة الحوار ومبادئ ثقافته . ويمكن أن ترتكز ثقافة الحوار على قدرة الإنسان في التفاعل مع الآخرين ، من خلال اعتماد القدرة على الحوار والاستماع إلى الرأي الآخر ، والقابلية على احترام وجهة النظر المعارضة بغية التحاور، بالإضافة إلى القابلية على طرح الأفكار بشكل عقلاني ومنطقي سليم يعتمد البساطة ، وتهدف المجادلة من أجل الوصول إلى القواسم الإنسانية المشتركة في أية قضية تطرح للحوار ، وتلك القدرة يتميز بها الإنسان دون غيره ، غير أن تلك القدرة ترتبط أيضا باحترام الرأي الأخر والاستماع له والمقدرة على مناقشته بالوسائل الإنسانية المعهودة .
ويبدو للمتابع أن ضعف ثقافة الحوار وتردي الالتزام بها في مجتمعنا ، ليس نتيجة للتراكمات السلبية للتناحر السياسي الحزبي أو التناقض الاجتماعي والطبقي ، بل هو نتاج خليط لتلك الحقبة الزمنية الطويلة من التربية السلبية الاجتماعية والثقافية التي امتزجت زمنا طويلا ، لتشكل تلك النتائج الهجينة في السلوك وتردي لغة الحوار وبالتالي انعكاس ذلك حتى على التربية الأسرية داخل البيت ، وتتعداه إلى المدرسة والمجتمع .
وكما يبدو أن ظاهرة إلغاء ثقافة الحوار التي استقرت في حقبات زمنية متفاوتة ، وأن خضعت إلى ظروف المجتمع وثقافته ، إلا أنها انتشرت بين أوساط العمل السياسي والاجتماعي ، حتى باتت ظاهرة سلبية من ظواهر المجتمع ، بل صارت سيفا حاداً مسلطاً بين أوساط المجتمع الملتزم بقيم وأعراف وتقاليد متزمتة وبائدة ، من الصعب التمرد عليها أو مخالفتها ، فهي تقيده وتحدد حركته ، ولهذا فقد باتت عملية إلغاء الآخر وشطبه والتطرف في محاربته ، واللجوء إلى أساليب التهميش والتسقيط ، وغرس الخنجر في الأعراض والشرف والطعن بالعائلة والسلوك الاجتماعي ، لما لها من تأثير نفسي كبير لدى العراقيين بشكل خاص ، جميعها أساليب تعني الارتداد والنكوص عن ممارسة الفهم الإنساني في عملية الحوار .
وفي الفترة الأخيرة قد نغالي إذا قلنا أن النصوص الدستورية التي جاء بها الدستور العراقي والتي تؤكد على الالتزام بالحوار والرأي و الرأي الآخر واحترام الفكر ، جميعها نصوص بحاجة إلى ترجمة عملية ، تعكس الأيمان الحقيقي بالالتزام بثقافة الحوار واحترام الرأي الآخر ، وأن نشرع في أن نخطوا الخطوات الأولى للالتزام بها لتطبيقها ، فالنصوص دون تطبيق كالأحلام والتمنيات ، لا قيمة لها دون أثر ملموس ، ودون إيمان حقيقي بالالتزام بها لممارستها ، هذه النصوص بحاجة ليس فقط لقناعتنا وموافقتنا على وجودها وتضمينها في نصوص حقوق الأفراد ، وإنما بحاجة إلى التطبيق وبحاجة أيضاً إلى أن نتعرف على مكامن الخطأ في السلوك والطريق إليها ، والوسائل الممكنة التي يمكن أن تسهل لنا سلوك هذه الثقافة الإنسانية ، لكننا يجب أن نصر على الوصول إلى الطريقة الأمثل في تطبيقها واستقرارها وكقاعدة من قواعد الديمقراطية التي نزعم إننا نريدها في العراق . وإزاء ما يحدث اليوم فأننا أمام تنافر وتعارض بين تلك المفاهيم التي استقرت زمنا ليس بالقصير وتطبع المجتمع على الالتزام بها سلوكا وممارسة ، وبين تلك الرؤى والأحلام التي طالما أردنا أن تكون سلوكنا الجديد في الزمن الجديد ، والأرضية التي تقوم عليها ثقافتنا ، وحين تحل القيم الجديدة في ثقافة الحوار ، فأن العديد من الوسائل والأشكال العاملة في مجال الفكر والخطاب السياسي والأعلام سيلتزم حتما بخطوطها المضيئة ، لأن إلغاء الآخر والعمل على شطبة سيكون حينها ضربا من ضروب انتهاك حق الإنسان في الفكر والعقيدة والاختلاف ، وإلغاء لحقوقه المنصوص عليها دستوريا التي يكفل حمايتها القانون .
ويبدو لنا من وجهة نظرنا المتواضعة أن هذا السلوك في تعميم ثقافة الحوار، قبول الرأي والرأي الآخر ، ينبغي أن يعم بين أوساط الطبقة المثقفة والمتعلمة ، وان تتم ممارسته بين تلك الأوساط لينتقل إلى غيرهم من باقي الشرائح ، وكما أن لمنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والأحزاب السياسية دورا فاعلاً وأكيداً في الجانب التنويري . كما أن للمشرع دوراً مهماً في ترسيخ قواعد تلك الثقافة من خلال القوانين التي تكفل السلوك العملي لهذه الثقافة ، وللقضاء العراقي الدور الفاعل والمهم أيضا في تطبيق تلك القوانين والحرص على أن تكون النصوص الدستورية التي تكفل حقوق الأفراد وحرياتهم مضمونة ومطبقة على الواقع المعاش .
وبعد كل هذا فأن لإشاعة ثقافة الحوار وتعميمها في أوساط المجتمع دورا مهماً في ترسيخ أسس هذه الثقافة في المجتمع.