سوريا أول

سوريا أول
بقلـم ألون ليل

تل أبيب – مرة أخرى تركز جهود صنع السلام الأميركية في الشرق الأوسط على مؤتمر دولي يضم هذه المرة القوى المعتدلة في المنطقة فقط. هل يستطيع مؤتمر كهذا أن يؤدي إلى اختراق أم هل سيتذمر "الرجال اللطفاء" المختصون بالشرق الأوسط مرة أخرى في رواق الرئيس بوش؟ لم تجر دعوة أي من القوى المعادية التي سيتوجب على إسرائيل أن تصل إلى اتفاق معها في المستقبل، بمن فيهم الرئيس السوري بشار الأسد. هل سيثبت أن هذه خطوة حكيمة؟

ليست السعودية مفتاحاً للتغيير.

لقد قيل الكثير عن ولع الرئيس بوش الشديد بهؤلاء اللاعبين في الشرق الأوسط الذي يذعنون بحماسة للسلطة الأميركية، ونفوره الشديد من تلك العناصر التي تجرؤ على تحديه. السعودية كانت مؤخراً أحد اللاعبين الإقليميين المفضلين لدى الرئيس بوش.

رغم أن جزءاً من سياسة واشنطن تجاه الشرق الأوسط هي إطراء السعوديين ومدحهم لمشاركتهم الإيجابية، إلا أن المملكة العربية السعودية ليست لاعباً هاماً في النزاع العربي الإسرائيلي. "فالمبادرة السعودية" التي تنطوي بشكل رئيسي على انسحاب إسرائيلي إلى حدود عام 1967 مقابل اعتراف عربي عام بإسرائيل، تعتمد بالدرجة الأولى على أطراف ثلاثة من أطراف النزاع – سوريا وإسرائيل والفلسطينيين. قد تكون السعودية لاعباً هاماً في منطقة الخليج وفي سوق النفط العالمية ولكنها ليست سوى ضيف في النزاع العربي الإسرائيلي. لن يسمح بشار الأسد وحتى أبو مازن (محمود عباس) للسعوديين أن يتدخلوا في مفاوضاتهم مع إسرائيل حول تطبيق الانسحاب إلى حدود عام 1997. لن تشارك في هذه المفاوضات مباشرة سوى الأطراف في النزاعات الحدودية. وقد يكون بإمكان السعودية ممارسة تأثير هام على جو المنطقة، ولكن فقط من خلال تعيين سفير لها في تل أبيب وبسرعة. وأنا متأكد أنها لن تتخذ خطوة كهذه بدون موافقة سورية فلسطينية.

وقد تستطيع القيادة الجمهورية في الولايات المتحدة، في محاولة يائسة لإظهار بعض التقدم الإيجابي في سجل نشاطها في الشرق الأوسط، الحصول على بعض النقاط مع الشعب الأميركي، إذا حضر السعوديون المؤتمر المخطط له هذا الخريف. إلا أن أطراف النزاع لن تحصل إلا على فائدة يسيرة جداً من الوجود السعودي.

تشتيت الشعب الفلسطيني

قد يتخلص "مؤتمر الطيّعين" هذا الخريف 2007 من آخر فرصة لإيجاد دولة فلسطينية قادرة على الحياة في الشرق الأوسط. سوف تكون أية تسوية دبلوماسية لا يوافق عليها إلا أبو مازن، بدون دعم حماس، مثل اتفاقية السلام التي وقعتها إسرائيل مع حكومة أمين الجميل في لبنان عام 1984. إذا تمكنت الأموال والأسلحة الأميركية من تفريق الشعب الفلسطيني فقد يكون القول الذي نتذكره من طفولتنا وتفوهت به رئيسة الوزراء غولدا مئير صحيحاً: "لا يوجد شعب فلسطيني".

سوف تؤدي دعوة "الفلسطينيين الجيدين" للاحتفال في واشنطن حيث تُغدَق عليهم الهبات الكثيرة، وفي الوقت نفسه عزل ومقاطعة "الفلسطينيين السيئين"، سوف تؤدي في أفضل الحالات إلى إنشاء دولتين فلسطينيتين: واحدة تساند أميركا في الضفة الغربية وأخرى تابعة لإيران في قطاع غزة. وفي أسوأ الحالات (إذا فشلت المحادثات) فإن المؤتمر سوف يؤدي إلى مزيد من دفن للجمود الدبلوماسي والحد من فرص إيجاد دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

من مصلحة إسرائيل، كما تقترح مصر وروسيا، إنعاش الحوار بين فتح وحماس وعدم المساهمة بتوسيع الفجوة بين المنظمتين الفلسطينيتين.

سوريا أولاً

رغم أن الوضع الفلسطيني أصبح معقداً إلى درجة كبيرة، ما زالت نافذة الفرص مفتوحة بالنسبة للسوريين. لقد لمحّ الرئيس بشار الأسد طوال السنوات الأربع الماضية عن رغبته في التفاوض مع إسرائيل. وقد فعل ذلك بشكل علني صريح في السنة الماضية وأكثر من مرة. سلوك الرئيس الأسد وهو يستهل سنته الثامنة في السلطة ينمّ عن المزيد من الثقة وعدم الريبة. هناك مؤشرات كثيرة على أنه راغب في التفاوض مع إسرائيل حول مستقبل مرتفعات الجولان والسلام بينما يتفاوض كذلك مع الولايات المتحدة حول السياسة المستقبلية لبلده في الشرق الأوسط. ليست إيران مسلحة نووياً أصولية بحليف طبيعي لسوريا. السوريون الآن مهتمون بـِ "صفقة مصرية" مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل كذلك. في نهاية المطاف عوّضت المعاهدة مع مصر القاهرة بسخاء لقاء ابتعادها عن الاتحاد السوفييتي.

يبدو أن هذه الرسالة السورية قد تم فهمها في واشنطن. من الواضح أنه تمت رؤيتها بشكل مميز ثم رفضها. الرئيس بوش رغب بمعاقبة بشار الأسد بدعمه العناصر المعادية لأمريكا في المنطقة. هذا الحقد الانتقامي منع البيت الأبيض من فهم هذه الفرصة. سوف يكون لإيجاد شرخ بين سوريا وإيران قيمة إستراتيجية أكبر بكثير من مؤتمر دولي، أطلقت عليه حماس وصف "فرصة لأخذ الصور التذكارية".

وكما يعلم أي إنسان يعيش في الشرق الأوسط المضطرب، تغلق نوافذ الفرص بسرعة. وقد تغلق النافذة السورية قريباً. سوف يحدث ذلك في المرة القادمة التي يزور فيها أحمدي نجاد دمشق. آخر مرة زار فيها الرئيس الإيراني سوريا قام بتسليم بعض الشيكات، وفي زيارته القادمة سوف يأتي ليَحصد ثماره. وحال قيام دمشق بصرف شيكات طهران، فسوف تفقد قدرتها على تخليص نفسها من تحالفها مع الإيرانيين. لن يمنع إغلاق نافذة الفرص المفتوحة حالياً سوى اجتماع فوري أميركي سوري على أعلى المستويات. ولكن الرئيس بوش لم يفوّض عقد مؤتمر كهذا. وكما قال الرئيس بوش في مؤتمره الصحفي المشترك مع أولمرت "لا يحتاجني رئيس الوزراء أولمرت ليعقد السلام مع سوريا"، مثبتاً مرة أخرى أنه لا يملك نظرة معمقة في العملية السياسية في المنطقة.

مع اقتراب المؤتمر الدولي، يتوجب على إسرائيل أن تعي التناقض بين مصالحها ومصالح الولايات المتحدة. إذا اتبعت إسرائيل سياسة واشنطن الحالية بشكل أعمى فقد تتوقع نزاعات مطولة على حدودها الثلاثية مع حزب الله وحماس وسوريا. سوف تكون واشنطن قانعة بلمّ شمل السلام وتقويته داخل "تحالف الطيّعين"، ولكن إسرائيل تحتاج لأن تفعل الكثير الكثير لضمان نتيجة شمولية.

###

*الدكتور ألون ليل هو الأمين العام السابق لمكتب العلاقات الخارجية الإسرائيلي أثناء رئاسة إيهود باراك للوزارة الإسرائيلية، وهو حالياً يدّرس بجامعة تل أبيب والجامعة العبرية في القدس ومركز عبر التخصصات في هيرتزيليا. تقوم خدمةCommon Ground الإخبارية بتوزيع هذا المقال الذي يمكن الحصول عليه من الموقع الإلكتروني www.commongroundnews.org .

المصدر: http://www.commongroundnews.org/article.php?id=21621&lan=ar&sp=1

الأكثر مشاركة في الفيس بوك