التراث اليهودي الإسلامي وأهميته المعاصرة

التراث اليهودي الإسلامي وأهميته المعاصرة
بقلـم الحاخام نفتلي روثنبرغ
هار أدار، إسرائيل – يعتبر الرابط بين اليهودية والإسلام رابطاً عميقاً يكمن في جذور كل من الثقافتين الدينيتين. أقر الإسلام الكتب والنصوص اليهودية وعمل على ترجمتها، وتبنّى مبادئ من القانون اليهودي والمصادر الحاخامية في الشريعة الإسلامية. وتدين اليهودية للإسلام بالكثير لظهور الأعمال اليهودية الفلسفية الكاملة في القرون الوسطى. تضم هذه الأدبيات، التي برزت من حوار معمق مع الإسلام وتأثرت بالمفكرين المسلمين، ضمن أمور أخرى، كتابات الحاخام سعاديا غاوون وابن ميمون والحاخام باشايا ابن باكودا والحاخام يهودا هاليفي، وشكّلت حجر أساس للثقافة اليهودية حتى يومنا هذا.

يستطيع المرء أن يتكلم عن تراث يهودي إسلامي مشترك كان موجوداً منذ بداية الإسلام وحتى عصرنا الحاضر. إلا أنه خلال السنوات المائة الأخيرة، جرى إسكات التراث اليهودي المسلم. ولا يعود ذلك بالدرجة الأولى، كما قد ينزع البعض لأن يفترض، للنزاع العربي اليهودي، وإنما لظهور وسيطرة الطرح الأوروبي المهيمن والتأكيد على التراث "اليهودي المسيحي" داخله.

ما هي أهمية التراث اليهودي الإسلامي في عصرنا الحاضر؟ هل يمكن تجديد حوار بين الثقافات على أساس هذا التراث؟

ظهرت التقاليد اليهودية الإسلامية من أرض الواقع السياسي والثقافي الخصبة غير الموجودة اليوم، ولا نملك نحن اليهود أي سبب لأن نفقدها. لم يعد اليهود أقلية في إمبراطورية إسلامية وبالتالي فإن محاولات إنعاش هذه التقاليد ليست عملية. إلا أنه من المنطقي والمهم الاعتراف بوجودها. من الأهمية بمكان استيعاب المدى، على سبيل المثال، الذي اعتبرت فيه النصوص الإسلامية اللاهوتية والفلسفية، مثل المعتزلة بالذات، و"الكلام"، مهمة للحاخام سعاديا غاوون وغيره من المفكرين اليهود الذين تبعوه. ومن الأهمية بمكان أيضاً تذكر أن ابن ميمون يمتدح كتابات الفارابي وابن باجة وابن رشد، وكيف تبنى الحاخام يهودا هاليفي مبدأ "النكهة الصوفية" من أفكار الغزالي، وكيف أصبحت حكمة المسلم الصوفي حول "أهداف الأعضاء والقلب" أساساً لكتاب "دليل واجبات القلب" بقلم حاخامنا باشايا ابن باكودا.

تجري دراسات كتابات الحاخامات هذه وكثيرة مثلها في جميع الأوقات في أطر يهودية مختلفة. لدينا هنا فرصة تعليمية ممتازة لاستخدام الأطر التعليمية القائمة، في كل من الأنظمة التعليمية الرسمية وغير الرسمية، للوصول إلى جمهور يهودي واسع، بمن فيهم العديد من الشباب. من المفروض على كل أستاذ وتربوي التأكيد على المصادر العربية، خاصة وأن الكتّاب أنفسهم، مثل إبن ميمون، أكّدوا هذه الحقيقة. يقع الكثير من الناس فس سوء فهم ورؤية خاطئة بأن هناك فجوات كبيرة بل وحتى "صدام" بين اليهودية والإسلام. يمكن للتأكيد على أعمال المفكرين اليهود العظام، وتجذير وعي بالحوار المعمّق الذي جرى بين الديانتين أن يساعد على تعديل هذا الافتراض الخاطئ.

سوف تشكّل هذه العملية التعليمية محاولة يهودية داخلية، وقد تحمل في طياتها معانٍ ضمنية هامة، يمكنها أولاً وقبل كل شيء أن تحجب رؤية أن الحرب السياسية بين العرب واليهود ليست حرباً حول العقيدة، وأنه يتوجب على الديانتين أن تشجعا وتعدّا الجانبين للتفكير إيجابياً بالسلام. ويمكنها كذلك أن تشجع على التفاهم بأن الإسلام واليهودية يمكنهما التعايش، وبأن أي تعميم يشوّه الصورة.

ورغم كونها محاولة يهودية داخلية بالدرجة الأولى، يمكن لهذه العملية أن تكون لها نتيجة ملموسة على العلاقات بين المسلمين واليهود. يمكن لعملية التأكيد على الثقافة الإسلامية على أنها ليست ثقافة العدو، أن تمكّن المجموعات داخل الإسلام، التي تؤمن بضرورة وإمكانية التعايش الثقافي بين اليهودية والإسلام وبين حَمَلَة كل من الثقافتين.

من الممكن تجديد حوار الثقافات بين اليهود والمسلمين على أساس التراث اليهودي الإسلامي. كلما ازدادت ثقة كل من اليهود والمسلمين بأنفسهم وشعروا بالسلام مع تراثهم، كلما أمكننا أن نأمل بالوصول إلى مرحلة متقدمة من الحوار. بهذه الطريقة يمكننا أن نأمل ببناء بنية هيكلية عامة واسعة تستطيع أن تصبح في يوم من الأيام أساساً لسلام مستدام.

###

* الحاخام الأستاذ نفتلي روثنبرغ زميل رئيسي باحث في معهد فان لير القدس وحاخام بلدة هار أدار في إسرائيل. هذا المقال جزء من سلسلة خاصة حول المسلمين واليهود في سرد كل منهما، وقد كُتب لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

المصدر: http://www.commongroundnews.org/article.php?id=27810&lan=ar&sp=1

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك