هل يمكن للطروحات المسلمة واليهودية أن تتعايش؟

هل يمكن للطروحات المسلمة واليهودية أن تتعايش؟
بقلـم ديبرا وايسمن

القدس – يقترح الصحفي توماس فريدمان في كتابه "خطوط الطول والمواقف" (2002) مستشهداً بستيفن كوهين، خبير الشرق الأوسط، أن الصراع الحقيقي في عالم اليوم ليس "بين الحضارات" (كما يناقش صامويل هنتنغتون) وإنما داخل كل حضارة أو دين – صدام بين قوى التطرف وقوى الاعتدال والتسامح أو ما يمكن أن يسمى "الإنسانية الدينية".

من بين التحديات التي تواجه جميع تقاليدنا إيجاد تلك الموارد الموجودة فيها، والتي يمكن أن تساعدنا على إفساح المجال للآخر. هناك العديد من الإستراتيجيات للتعامل مع النصوص الخلافية، التي تضم إبعاد التركيز عليها ووضعها في مضمونها التاريخي، وضمها في حوار مع نصوص أخرى وإعادة تفسيرها. بذلك نستطيع، بل ويتوجب علينا تطوير سرد أو حتى علوم دينية لعلاقتنا مع أعضاء في مجتمعات وجاليات أخرى.

وجد اليهود التقليديون في الغالب سهولة أكثر في التعامل مع الإسلام مقارنة بالمسيحية، وأحد الأسباب وراء ذلك تاريخي، فقد عانت الجاليات اليهودية أكثر في الأماكن المسيحية مما عانته في الأماكن المسلمة. وقد ذكر العالم العظيم مناحم بن سلومون هامئيري من بروفانس (1249 – 1316) أن المسيحيين والمسلمين هم "أناس هذّبهم الدين". إلا أن معظم حاخامات العصور الوسطى (وبعض حاخامات العصر الحديث) يرون أن الإسلام هو العقيدة الحقيقية غير الوثنية والوحدوية بشكل جذري.

ليس التقارب بين الإسلام واليهودية من حيث العلوم الدينية فحسب وإنما هو هيكلي أيضاً. تؤكد كلا الثقافتين الدينتين على النظام القانوني لإدارة الحياة اليومية. هذا النظام، المسمى بالعبرية Halakha (وجذر الكلمة معناه "أن يمشي") يشبه مسار يُطلب من اليهود سلوكه على أساس يومي، يكافئه في الإسلام "الشريعة". وتحكم القوانين كل شيء من الأكل إلى العلاقات الزوجية إلى الأعمال التجارية أو الأخلاقيات الطيبة، بحيث يتم ترسيخ المثل العقائدية والنبوية عبر خطوات تدريجية يومية.

نظرياً هناك على الأقل قضيتان دينيتان يُمكن لليهود والمسلمين أن يجعلاها قضية مشتركة، الأولى تتعلق بتوفير الطعام الكوشر/الحلال. يتأثر كل من اليهود والمسلمين بالحظر التي تحدّده الحكومة، مثل منع ذبح اللحوم بأسلوب الكوشر اليهودي في السويد. هناك العديد من جامعات أمريكا الشمالية التي افتتحت غرف طعام خاصة لتحقيق المتطلبات الغذائية لليهود والمسلمين معاً. قد يسهّل الجلوس لتناول وجبة مشتركة الحوار الصادق. أما القضية الثانية فتتعلق بالختان الذي تمارسه الطائفتان، ويخالف أحياناً قوانين بعض المجتمعات الغربية، حيث يُعتبر عملاً قاسياً. إنه لأمر مثير للاهتمام، ورمزي أن قضيتين دينيتين يتفق فيهما اليهود والمسلمون تتعلقان بالسكين. ألن يكون جميلاً أن نحوّل السكاكين إلى محاريث؟

ومن بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذين ينخرطون في الحوار ويمثلون أمتين وكذلك ثلاث ديانات – اليهودية والمسيحية والإسلام ـ كانت تجربتنا أحياناً أن بإمكان الذين يعرّفون أنفسهم من خلال دياناتهم وتقاليدهم أن يجدوا لغة مشتركة ويتواصلوا على هذا الأساس. لا بد أن هناك نوع من الاعتراف المتبادل بالطروحات كأساس للتفاهم والحوار.

يجب أن تتواجد الطروحات الفلسطينية واليهودية والصهيونية في نهاية المطاف جنباً إلى جنب، وما هو أقل صعوبة باعتقادي، هو التسوية بين الطروحات اليهودية والإسلامية. هناك نصوص في التقاليد الدينية لكل من الطرفين تدعم فكرة التنوع الديني. وقد يكون أكثر ما هو معروف هو الآية 13:46 في القرآن الكريم، التي يقول الله تعالى فيها أنه خلق الناس جماعات وقبائل "لتعارفوا".

ومن التحديات أن بعض التفسيرات في كل من التقاليد الدينية اليهودية والإسلامية، تنادي بمستقبل أكثر توحيد يتم فيه تحويل جميع الناس في نهاية المطاف إلى ذلك الدين المحدد. هناك على الأقل ثلاثة أساليب باقتراحي، لمواجهة هذا التحدي. أولها تحديد وتأكيد نصوص بديلة ضمن نفس التقاليد – نصوص تسمح بالتنوع حتى في "أوقات النهاية". يمكن لهذا النص، من التقاليد اليهودية، أن يكون Micah 4:5 "جميع الشعوب يسلكون كل واحد باسم إلهه ونحن نسلك باسم الرب إلهنا إلى الدهر والأبد". ويكون الأسلوب الثاني الانخراط في عملية جادة لإعادة تفسير النصوص الإقصائية. الباحث الإسرائيلي في الكتاب المقدس موشيه غرينبرغ كتب: "حتى الكرمة المختارة تحتاج للتشذيب الموسمي لضمان المزيد من النمو المثمر".

الإستراتيجية الثالثة، التي جرى تطبيقها في الحوار الكاثوليكي اليهودي، هي تأجيل تحقيق الدافع نحو التحول الديني إلى المستقبل البعيد وإجراء حوار مفتوح هنا والآن. ربما يكون هذا السبيل أقل إقناعاً على بعض المستويات، ولكنه قد يكون أكثر براغماتية. في جميع الحالات من الأساسي أن ينخرط اليهود والمسلمون في الحوار ويتغلبوا على المخاوف والصور النمطية ويعملوا معاً من أجل عالم أكثر سلاماً وعدلاً.

###

* الدكتورة ديبرا وايسمن هي تربوية يهودية مركزها القدس، وهي مديرة المجلس العالمي للمسيحيين واليهود www.iccj.org. تم تبنّي الآية القرآنية (13:46) أعلاه من قبل المجلس العالمي للمسيحيين واليهود كموضوع لمؤتمره السنوي 2010، والذي سيُعقد في تركيا. هذا المقال جزء من سلسلة خاصة حول اليهود والمسلمين في سرد كل منهما. كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.

المصدر: http://www.commongroundnews.org/article.php?id=27452&lan=ar&sp=1

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك