التعـصب الديني
التعـصب الديني
التعصب خروج على العقل بالائتمان للنفس والاحتكام للنزعة العقائدية والفكرية أو العرقية والطائفية بقواعدها الفاصلة بين المسلمات المعرفية في ثوابت الوجود والنظام والحياة.
ومعناه التشدد والغلو في تقبل الآراء والمفاهيم والقوانين التي تحكم النظم والعلاقات الاجتماعية وقواعد الشراكة في الحياة والتعايش الطبيعي احتكاما لمسلمات الفكر العقائدي .
والتعصب في مشهد الأمر الإلهي يمثل الخطيئة الأولى التي تحقق بها إبليس في معارضة الأمر الإلهي بالسجود لآدم عليه السلام وطاعته تعالى في مشهد الخلق والتكليف وعقل الانشطار الذاتي الواهم بامتلاك الحقيقة ..
إذ سجد الملائكة جميعاً إلا إبليس أبى غروراً وتعصباً لحقيقته اعتقاداً منه بأفضليته على آدم في الخلق والتكوين ..
ومن هنا كان التعصب هو بذرة الشر الأولى التي أفرزت الصراع المتوالد في الكون مشاهد مختلفة من الكراهية والحقد والعداء والفرقة والحروب في سلسلة العمار الأبدي وتأريخ الذاتية الفكرية والعقائدية,أو السياسية والاقتصادية في ميزان التعارض والأطماع .
ويقودنا العقل إلي مدرك الحق في مشهد إبليس وهو الأب الأول للملائكة (أنوار الطاعات) وقد تكاثف عنصره بفعل الغيرة وتحول إلي عنصر آخر هو النار,يجسد لنا شاهد العصيان والندية للحق الإلهي في نزوعه من صفة العبودية آلي تجسيد النقيض الفكري والأخلاقي الملتبس في غيه وعصيانه.. فكانت حقيقته محض اختبار للخليقة في اختيار الطريق الصحيح إليه سبحانه بوعي العقل والعلم وحرية الإرادة بين مسلكين..
الأول - حقيقته الثابتة في فكر أسمائه وصفاته وأفعاله المنظومة في تركيبة الخلق والإبداع وشواهد الجلال والجمال والكمال في معاني وجوده.
الثاني _ حقيقة إبليس الموقوفة على قرينة الفصل بين حقيقة الخلق الواحدة وهي حقيقة الإنسان المخلوق على الكمال وتجسيد النزعة الذاتية المفرطة في الغلو والتعصب الأعمى للنفس الأمارة بالسوء والاحتكام للطبع المتكاثف..
وفى التعصب الديني موقف من المشيئة الإلهية التي سمحت لإبليس بالخروج عن طاعتها بل ومنحته حرية التصرف الآثم في إغواء الخلق ابتداءً بآدم وحتى قيام الساعة .. وموقف من الإرادة الإلهية التي صاغت النظام الكوني على التوافق والانسجام الفكري بين العناصر الطبيعية التي تشكل عنها الوجود وتوحد بها الإنسان فكراً وحساً فقامت بهيئته حقيقتها ..
طبيعة التعصب
والتعصب طبيعة ذاتية تتنامَ في اللاشعور الفردي أو الكيان العقائدي الجماعي وفق قاعدةٍ ارتباطيه معرفية تطبيعية تتشكل مفاهيمها في إطار محصور وبراهين جدليه لا تحيد عن القالب الحكمي والمعرفي لقضية معرفية بعينها فلا يقبل الاستماع أو الفهم أو الاستجابة لمفاهيم الآخر .
مثال ذلك التعصب العرقي والطائفي والديني والسياسي المنظوم في دائرة توصيف الصراع الديمقراطي.
وكل فرضيه من فرضيات التعصب لها قالبها الفكري وحججها المنطقية التي تؤصل وعيها وتحفظ كيانها ضد الآخر.
فالتعصب العقائدي مثلاً لا يقف عند الثوابت الإلهية آلتي تلتقي حولها الأديان .. بفرض أن الدين هو مجموع المبادئ والقيم السماوية التي تجمع الناس على طاعة الله وتوحيده في معاني الوجود والحياة والتعايش الآمن .. وإنما تستند عصبيته إلى تمثيل الهوية العقائدية بقيمها المجردة ومبادئها الفاصلة في دواعي الاستحقاق .
وبرغم الاتفاق الضمني على أن الدين لله وعلى القيم العليا التي تجسد الذات والصفات والأفعال الإلهية, وعلى أن الرسائل السماوية هي أنوار المعرفة التي توحد الناس على معرفة الله, غير أن الاستثناء اللاواعي في الذات البشرية لم يرى الحقيقة بعين الحق الإلهي مصدر الرسالات جميعاً لحكمةٌ أريد للعقل الذي يراها أن يقف خلف حجبها بحثاً عن الحقيقة في سلسلة من التدرج المعرفي غاية الوصول إلى الكمال..
وكان في تعاقب الرسالات شاهد انتقال وتحول فكرى بين المراحل ودليل منظور على التجدد والتطور والتغيير وليس الثبات المقيد بعين الشاهد المنهجي الموروث بخيره وشره في طبيعة الإنسان وتكوينه .
فكل رسالة هي إضافة معرفية آلي مدرك الحق الإلهي وليست فصلاً بين الحقائق وما كان للأنبياء أن يفرقوا الناس في عبادته بحق الأتباع لهم وهو حق كامل لله وحده..
كما لم تأتي كل رسالة لتشكل إلوهة فاصلة بين العباد في استحقاق عبادته تعالى ويصبح الأنبياء في وعي الخلق أشبه بمرجعيةٍ للتعصب والخلاف وكل مجتهد أو إمام أو عالم دين يشكل حالة تأصيل ذاتي له قاعدته الاستثنائية في توصيف الدين على هوى مسلماته ونزعاته الذاتية التي تجسد هويته الفكرية بخصوصية يتفرد بها عن سابقيه لتفرق الناس في كل دين ..
المصدر: http://almontadar.com/?no=16&ac=3&d_f=15&t=5&lang_in=Ar