التربية بالتاريخ
التربية بالتاريخ
أعني بالتاريخ مجموع القصص و الإرث الثقافي للمجتمع، سواء كان محكيًا أو مكتوبًا، فهذه القصص نِتاج تجارب و مُحصلة فكر و بحث للأجيال السابقة؛ لذا لابد من تمحيص الماضي و أخد النافع منه و اجتناب الضَار، فليس كل موروث نأخذُه.
وَلا نقول كما قال كفار قريش لمحمد صلى الله عليه و سلم"هذا ما ألفينا عليه آباءنا"، كَما لا نقول بما يقوله أشباه المفكرين العصريين بأن كل موروث من الماضي و لابد من القطعِ معه , و أن الحداثة تعني القطع مع الماضي ؛ بل لابد من تمحيص مَورُوتنا القديم للاستفادة من تجارب الأجداد , كما لابد من اكتشاف كل جديد لتحديد الصالح من الطالح و المفيد من الضار .
و السؤال الذي يتبادر للدهن هو ما نفع التربية بالتاريخ و ما تأثيرها على الجيل الجديد، و الجواب له عدة أبعاد سأحاول التطرق لبعضها:
أولا لِأخذ الموعظة لأن هذا الإرث و هذه القصص تحكي على أناس نجحوا فنأخذ الموعظة بإتباع أسباب نجاحهم، وفيها أناس فشلوا فنأخذ الموعظة باجتناب أسباب فشلهم، وقد قيل قديما " الحكيم من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ بنفسه " .
و كذلك لفهم سنن الله تعالى في الخلق و الكون؛ فالله تعالى خلق الكون بعلم، وجعل فيه ثَوابت لا تتغير و لا تتوقف، وهذه السنن تعمل على الجميع الغني و الفقير المؤمن و الكافر، من هذه السنن :
" أن الله يُمهل و لا يُهمل " و" في الاتحاد قوة " و" أن الله لا يعذب إلا بعد التحذير " و" أن الله ينصر الدولة العادلة و لو كانت كافرة " .........
إن فهم الإنسان لهذه السنن و غيرها لا يَتأتى إلا بتدبر التاريخ و استنباط السنن، و بفهم هذه السنن نفهم الواقع و نستعد للمستقبل - فهم مآل الأمور - يعني الاستعداد للمستقبل؛ فالسنن التي سَرت على الأولين سَتسري على الآخرين، رغم اختلاف الوقت و الوسائل، إلا أن نفس المقدمات تؤدي إلا نفس النتائج، وبذلك يستثمر الإنسان حاضره فيما ينفعه في مستقبله انطلاقا من فهمه لسنن الله.
إن الإنسان مهما عاش و جرب لن يمر بكل التجارب، من هذا الواقع كان على الإنسان الاستفادة من تجارب و خبرات الأخريين لتنمية مهاراته و قدراته و فهمه للحياة، حيث أنه يأخذ خبرات و تجارب العديد من الأجيال، ويعيش عمرًا غير عمره و يفهم ما احتاج الناس من أجل فهمه لأجيال و أجيال، و بذلك يهيئ نفسه ليسير في هذه الحياة بأقدام ثابتة و قامة مرفوعة؛ فلا يختل توازنه بتجربة يمر بها فقد مر بها بالتأكيد أُناس قبله فيستفيد من خبرتهم في حلها و يستخدم عقله ليبتكر و يبدع حلول جديدة على ضوء الحلول السابقة.
و السؤال الثاني منبع هذا الإرث، وَمنبعه أولا القرآن الكريم لأنه احتوى العديد من القصص ذات المغزى التي يجب علينا تدبرها و فهمها، لنستعد على ضوئها للمستقبل ، ومن منابعِه كذلك سير الرسل و الأنبياء ثُم الصحابة و الناجحين في كل الأمم، فمِنها نأخذ العبر و أسرار النجاح و طريق الريادة، ثم من خلال قصص الحياة التي تصلنا سواء عن طريق الأصدقاء أو الآباء و الأجداد من تراثنا المحكي، و كذلك من قصص الفاشلين و الطغاة و المفسدين نأخذ العبرة بالابتعاد عن أسباب الفشل و النكوص.
الخلاصة :
إن المربي يزرع في المتربين حِس النجاح من خلال حكايات و قصص و سِير الناجحين و المصلحين، ويُحذرهم من الفشل عن طريق ذكر مآل الطغاة و المفسدين، لذلك كان على كل مربي أن يستفيد من هذا الإرث العظيم من التاريخ المحكي و المكتوب ، و الحَمد لله هناك الكثير من الكتب التي تحتوي قصص لكل الأجناس و الأعمار.
شعلة :
قال تعالى : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " ليكن القدوة و النموذج ولنستفد من سيرته العطرة و نُعلمها جيلا بعد جيل، وذلك بالعمل بها و التمسك بأسرارها لأن الإنسان يتعلم بالتجربة ما لا يتعلمه بالمحاضرة أو المناظرة .
تأصيل :
تسمية الله تعالى لسورة من سور القرآن ب" القصص" لهو أقوى دليل على قيمة القصص في تربية النفس.
قال تعالى " نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن و إن كنت لمن الغافلين " يوسف (الآية 2)
بقلم : أ. عبد الخالق نتيج