حوار الحضارات مقاربة فلسفية في ضوء الدراسات الإسلامية المعاصرة

د. محمد بن خالد البداح

 

ملخص البحث:

 

تعد مبادرة حوار الحضارات إحدى المبادرات العالمية المعاصرة والتي نشأت كرد على من أطلق نظرية صدام الحضارات, ويأتي هذا البحث ليتناول هذا الموضوع من وجهة نظر الفكر الإسلامي المعاصر, في عرض لمقاربة فلسفية تشتمل على عدة مقاربات أولاها لمحاولة فهم مقصد حوار الحضارات ومفهومه وتجلية الفهم الخاطئ تجاهه, المقاربة الثانية في بيان موقف الفكر الإسلامي من مبادرات حوار الحضارات وهل يتمثل هذا الموقف بالقبول المطلق أم التوجس؟ والمقاربة الثالثة هي عن محاولة التعرف على صور العلاقة بين الحضارات ليتم بناء الحوار على أصول علمية ومعرفية لا تغفل أي جانب من الجوانب المهمة, وهل هذه العلاقة علاقة استمداد وتكامل أم صراع وتغلب؟ والمقاربة الرابعة محاولة لاستشراف مستقبل حوار الحضارات ومبادراته وهل يمكن الاستمرار فيه أم التوقف عنه.

Abstract:

Dialogue of Civilizations initiative is one of the contemporary global initiatives which arose as a response to who fired the clash of civilizations theory, comes this research to address this issue from the perspective of contemporary Islamic thought, in the presentation of the approach philosophical include several approaches first is to try to understand the purpose of the dialogue of civilizations, understandable and shed light on the mistaken understanding towards him , the second approach in a statement the position of Islamic thought from the dialogue of civilizations initiatives and whether this position is accepted absolute or obsessing ?, and approach the third is trying to identify the images the relationship between civilizations are building dialogue on scientific and knowledge assets do not overlook any aspect of the important aspects, and whether this relationship to derive the relationship and integration or conflict and overcome ?, and approach the fourth attempt to explore the future of the dialogue of civilizations and initiatives, and whether it can continue or stop him.

المقدمة:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فهو المهتد, ومن يضلل فلا هادى له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, أما بعد, ففي هذه الدراسة سنلقي الضوء على قضية مهمة وهي حوار الحضارات والتي نتج عنها عقد العديد من المؤتمرات والندوات العالمية, نتيجة توجيه الاتهام للإسلام بأنها السبب الرئيس في صراع الحضارات, وأنه يسعى لطمس هوية الآخرين, والقضاء عليهم, فحوار الحضارات أضحى ضرورة ملحة للعيش في عالم آمن ومستقر, ويأتي هذا البحث كمحاولة منهجية للإجابة على عدة أسئلة فلسفية, ولقد قيل أن الفلسفة حوار, وبانعدام الحوار تنعدم الفلسفة.

وتلك الأسئلة من قبيل: أين يكمن الخلل في فهم مقصد حوار الحضارات؟ وأين يقف الإسلام من هذا الأمر؟ هل يقبله أم يتوجس منه؟ وهل أصل العلاقة بين الحضارات علاقة تكامل واستمداد وتعاطي؟, أم هي علاقة تجاذب وصراع؟ وما مستقبل حوار الحضارات؟ وفق رؤية استشرافية تتلمس الثمار, وتتعاطى مع تجاذب المصالح وتعددها.

كل هذه الأسئلة سيسعى البحث للعثور على إجابة لها وفق منهج الفكر والدراسات الإسلامية المعاصرة, إلا أن الدخول المباشر في زخم الإجابة عن هذه الأسئلة المتقاطعة قد يفرض على هذا البحث صبغة المنطق الصرف, وهذا قد يأخذ القارئ إلى آفاق من غموض العبارات وجدلية الفرضيات وفضاءات الأسئلة وحيرتها, ولهذا أجدني مضطراً لكتابته وفق المنهج العلمي المتعارف عليه في الدراسات الإسلامية المعاصرة, وسينتج عنه عرض منهجي لمحاور لابد للقارئ الاطلاع عليها أولاً وهي من قبيل:مفهوم حوار الحضارات بعد التعريف بالحضارة والحوار, ومجالات حوار الحضارات, والحضارة الإسلامية, والصلة بين الثقافة والحضارة, وقواعد الحوار مع الحضارات وأسسه, وشروط الحوار الحضاري....وغيرها , ليتم في ثنايا كل ذلك محاولة إيجاد المقاربة الفلسفية لهذه القضية.

ويردد بعض الفلاسفة أن الأفكار الجديدة والأطروحات الفكرية تحتاج لما بين عقد إلى عقدين من الزمان ليتم الحكم على تجربتها وتأثيرها وقبول المجتمعات لها, وفرضية حوار الحضارات أطلقت منذ العام 2000م بدعوة من الأمم المتحدة أن يكون العام 2001م هو عام الحوار بين الحضارات ومنذ ذلك الوقت أطلقت جملة من المبادرات الحكومية والمؤسسية.

وعقدت العديد من المؤتمرات والندوات حول هذا الموضوع, وألفت جملة من الأبحاث والكتب فيه, فأصبحت التجربة أكثر ثراءً, ويمكن تقييمها والحكم عليها من خلال تلك الأنشطة والبرامج والإصدارات لمعرفة مدى تقدمها من عدمه,إلا أن الأساس الأولي لدخول غمار حوار الحضارات هو فهمها الفهم الحق والتعرف على جذورها وأسسها التي بنيت عليها.

ويعد المفكر/ روجيه جارودي من أوائل من طرق هذا الموضوع في كتابه" حوار الحضارات" الذي طبع في العام 1978م وقد تناوله من جانب نقد الاتجاه الغربي من خارجه, فمن المصادفات وقد تكون الدافعات, أن يتم تبني حوار الحضارات بالتضامن مع الهجوم على برج التجارة العالمية والبنتاغون, فمنذ اعتماد الأمم المتحدة عام 2001م لفكرة حوار الحضارات والذي يعتبره البعض هو الانطلاقة إلا أن فكرة تداخل الحضارات قديمة مع نشوء تعدد الحضارات وتجاذبها.

من هنا برزت فكرة هذه الدراسة لإلقاء الضوء على موضوع حوار الحضارات من وجهة نظر الدراسات الإسلامية المعاصرة وبقالب التناول الفلسفي الذي بني على التساؤلات ومحاولة إيجاد إجابة مقنعة لها.

وتشتمل هذه الدراسة على تمهيد وثلاث محاور (مقاربات) وخاتمة.

التمهيد: ويشتمل على: مفهوم حوار الحضارات (أين يكمن موطن الخلل في فهم مقصد حوار الحضارات؟).

المقاربة الأولى: موقف الإسلام من حوار الحضارات ومجالاته, ويشتمل على:

المطلب الأول: موقف الإسلام من حوار الحضارات.

المطلب الثاني: مجالات حوار الحضارات في الإسلام.

المقاربة الثانية: العلاقة بين الحضارات(استمدا وتكامل أم صراع وتغلب؟)

المقاربة الثالثة: مستقبل حوار الحضارات (كيف يمكن تصور حوار الحضارات في ظل عالم تتجاذبه مجموعة اتجاهات متباينة؟)

الخاتمة.

 

التمهيد: ويشتمل على: مفهوم حوار الحضارات.

(أين يكمن موطن الخلل في فهم مقصد حوار الحضارات؟)

إن أغلب التأسيس الفلسفي لمفهوم حوار الحضارات وإجراءاته كان متبايناً انطلاقاً من مفارقته في بنيته المعرفية وما تم التأسيس عليه أصلاً, فنجد أن بعض هذه الرؤى تنطلق من عمق فكري تجريدي محض, والأخرى ذات عمق ديني لا تنفك عنه, ونادراً ما نجد رؤية شمولية عامة تأخذ بالأبعاد كلها, وصولاً إلى رأي مقنع مقبول عند أغلبية المطلعين, فحوار الحضارات مفهوم مركب من حوار وحضارة, لذا يجدر بنا ضرورة تعريف الحوار ثم الحضارة.

مفهوم الحوار:

 

تعريف الحوار في اللغة: (مشتق من كلمة (حور), والحور: الرجوع عن الشيء وإلى الشيء. والمحاورة المجاوبة. والتحاور: التجاوب, ومراجعة المنطق والكلام في المخاطبة)([1]).

ويراد بالحوار في الاصطلاح: (مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين لمعالجة قضية من قضايا الفكر والعلم والمعرفة بأسلوب متكافئ يغلب عليه طابع الهدوء والبعد عن الخصومة)([2]).

وقد قيل إنه: (عملية تبادل الأفكار والآراء بين محاورين اثنين أو أكثر لغرض بيان حقيقة مؤكدة أو رأي معين قد يتقبله الآخر, أو قد يرفضه. فإن ارتضاه فيكون حواراً قصيراً, أما إذا خالفه فيمكن أن يستمر الحوار بينهما لكي يقتنع الطرف الآخر, وقد لا يقنع الطرف الآخر, وحينئذ تبقى مسألة الخلاف قائمة بينهما؛ مما يؤدي إلى استمرار الحوار إلى أوقات أخرى)([3]).

مفهوم الحضارة:

 

الحضارة لغة: بفتح الحاء وكسرها- في دلالتها اللغوية, تعني:(الإقامة في الحضر وهي خلاف البادية)([4]).

الحضارة اصطلاحاً: وضحها ابن خلدون في مقدمته بأنها" تفنن في الترف وإحكام الصنائع المستعملة في وجوهه ومذاهبه([5]), و(ابن خلدون هو أول من استخدم فكرة الحضارة كفكرة مستقلة, فالحضارة في مفهومه عكس البداوة)([6]).

تعريف الحضارة من منظور إسلامي:

 

للحضارة في المنظور الإسلامي إطلاق منفرد من الجيد التعرف عليه, فيقال أنها:(هي حضارة المجتمعات الإسلامية, وهي الحضارة التي أوجدها الدين الإسلامي, فهي تستمد مفاهيمها وأسسها من القرآن الكريم والسنة النبوية, والحضارة الإسلامية قامت مع قيام الدين الإسلامي وتأصلت وترسخت مفاهيمها في المجتمعات الإسلامية منذ البعثة النبوية الشريفة وحتى الآن, وهي تبسط سيطرتها وسيادتها على الإنتاج في مجال الحضارة, فيجب أن يحمل هذا الإنتاج المفاهيم الإسلامية)([7]), فلماذا الخوف من الحضارة الإسلامية؟, مع أنها حضارة أممية عالمية وليست عربية فحسب.

والمقصود بالحضارة هنا: مجموعة نواتج القيم التي تسير عليها أمة من الأمم.

والمقصود بالحوار هو المبني على احترام القيم وتقديرها في ظل إنصات وإصغاء, وتبادل للآراء وتقبلها, وليس في ظل الهيمنة والإقصاء, ومبدأ التبعية للأقوى, ويمثل صور هذا المبدأ ترحيب غاندي بالحضارة على أنه ليس لقضاء الحضارات على بعضها البعض, فقد قال:"... أريد أن تهب علي كل الحضارات لكنني أرفض أن تعصف بي" ففرق بين تداول الحضارات بعضها من بعض, وسعي بعض تلك الحضارات للقضاء على بعضها البعض.

(وقد تطور استخدام كلمة الحضارة فأصبحت تشير إلى وضعية الرقي والتقدم على مستوى الفرد والمجتمع. وأخذ هذا المفهوم يختلط ويتداخل مع مفهوم الثقافة, مما نتج عنه اضطراب وعدم ضبط بينهما, كما أن مفهوماً آخر وهو المدينة قد بدأ يختلط ويتداخل مع المفهومين السابقين)([8]). ولهذا فلابد من التطرق لمحاولة فهم الصلة بين الحضارة والثقافة.

الفرق بين الثقافة والحضارة:

 

إن من الإشكالات المنهجية لدى البعض هو عدم قدرتهم التفريق بين مفهومي الحضارة والثقافة, فالحضارات تتداخل وتتفاعل مع معطيات الثقافة, وهناك من يرى من المتخصصين قدراً من التقاطع بين مفهومي وتراكيب كل من الحضارة والثقافة, وفي هذا المحور سيتم تناول هذه الجدلية, هل من مكونات الحضارة الثقافة أم العكس؟

فنرى أنه قد (اقترنت كلمة ثقافة منذ أوائل القرن الثامن عشر بشقيقة لها هي كلمة حضارة, وكثيراً ما نجدهما متتاليتين في نصوص تلك الفترة, على الرغم من أنهما توجدان في حقل دلالي واحد فإنهما ليستا مترادفتين, فالثقافة هي ما يحققه الفرد من رُقي تختلف مقاييسه من مجتمع إلى آخر ومن حقبة إلى أخرى, أما الحضارة فتعتبر حصيلة التقدم الذي تنجزه أمة أو مجموعة من الشعوب تنتمي إلى منبع واحد" العقيدة الدينية -اللغة– القومية التاريخية...." مهما تعددت أشكال التعبير عنه والحيز الجغرافي الذي حدثت فيه وقد يكون المقياس مدى التقدم المادي" الحضارة الصينية أو الرومانية أو الإسلامية أو الأوربية أو الأمريكية", أو التراث الفكري والأخلاقي والروحاني والجمالي كما هو الشأن في تلك الحضارات نفسها)([9]).

وعند التأمل في الحضارة نجد أنها تشمل على (معتقدات الإنسان وإنتاجه الفكري من فلسفة وآداب وعلوم وفنون إضافة إلى العادات والقيم والتقاليد كما تشمل أيضاً وسائل الإنتاج والتقنية, وإذا كانت التقنية تمثل جسم الحضارة, فإن الثقافة روحها. وهكذا تمثل الحضارة إبداع الإنسانية ومنجزاتها منذ وجودها وحتى الآن, سواء على الصعيد المادي أو المعنوي.

الحضارة = الجانب المعنوي+ الجانب المادي.

الحضارة = الثقافة + المدينة)([10]).

ونجد أن الثقافة كجزء من مكونات الحضارة له اعتباره في المواثيق والمعاهدات الدولية, كما ينص ميثاق الأمم المتحدة والعهود والاتفاقيات الدولية التي تحكم العلاقات المتبادلة بين الدول والشعوب على احترام التنوع الثقافي وأنها ذات قيمة بذاتها؛على الغير احترامها, وأن مجموع الثقافات تشكل إحدى مكونات الحضارة الإنسانية بأنساقها المتعددة وإن تباينت.

في حين يرى البعض (ضرورة الفصل بين الثقافة والحضارة, فيرى أن " الحضارة مقولة مادية", "والثقافة مقولة روحية"؛ فالحضارة هي الأشياء المادية التي يصنعها الإنسان: المدن والطرق والبيوت والمؤسسات الاجتماعية, وبعبارة أخرى هي جميع الأعمال التكنولوجية, والحضارة كذلك شمولية, عالمية وتعاونية وإنسانية).([11])

فالثقافة ما هي إلا فعل الترويض! لكن هناك نوع من القيم لها حالة استثنائية في المضاء والتأثر بها يفوق أي نوع من أنواع التأثير وسبله, وهذا ما تملكه الثقافة الروحية الإسلامية, فهي مؤثرة بذاتها حتى وإن تخلى عنها أهلها﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾([12]), إن المسير الأبرز والمكون الأساس لمنظومة الحضارات هو قيامها على قيم دينية سماوية, فهذا يعطيها قوة وتأثيراً أكبر.

ومما سبق يتضح لنا الصلة بين الثقافة والحضارة:

 

فإن الحضارة تنزع إلى العمومية, فبينما الثقافة هي جزء من الحضارة خاصة بأمة من الأمم, لا يشاركها فيه أحد, في حين أن الحضارة هي نسيج متكامل من مجموع ثقافات مكونة في مجموعها سياقاً حضارياً له أبعاده الحضارية المشتركة.

ومن خلال العرض السابق يمكن لنا توضيح المقصود بالمصطلح المركب (حوار الحضارات) في التالي:

مفهوم حوار الحضارات:

 

يعتبر مصطلح حوار الحضارات من المصطلحات الجديدة التي انتشرت مؤخراً في العالم, وما يزال لم تتحدد معالمه, إلا أنه في شكله العام يعني استبعاد العنف كوسيلة لحل الخلافات بين الكيانات الدولية, واختيار الحوار كبديل لتجاوز نقاط الاختلاف, ومحاولة تقبل الآخر وتسهيل سبل التواصل معه, أي أن يصبح الحوار تواصلاً إنسانياً يتعارف في ظله البشر ويتعاونون من أجل حياة أفضل للجميع مع الاحترام المتبادل للاختلافات العرقية, واللسانية, والثقافية, والدينية, والسياسية, في حياة الشعوب والأمم ([13]).

وهناك من يقسم الحوار بين الحضارات من جهة من يشارك فيه إلى: حوار الأنداد, وحوار الأضداد, فحوار الأنداد هو ما يتم بين حضارتين عميقتين ذاتا إرث تاريخي كبير وقيم راسخة واسعة, وحوار الأضداد هو ما يتم بين حضارتين تريان أن قيام حضارتهما لا يمكن أن يستمر ويقوى إلا بالقضاء على الحضارة الأخرى!, وهنا يكمن الخلل. ففعل حوار الحضارات دال على التقارب والتكامل والتجرد, لا على الإقصاء والقضاء على الآخر, (إن حوار الحضارات وحوار الثقافات سيظل مفهوماً ضبابياً ملتبساً إذا لم نبادر إلى ربطه باستراتيجية توازن المصالح من جهة, وإذا لم نرتفع به إلى المستوى الذي نقدم فيه تحليلات وردوداً مضادة وفي مستوى ما ينتجه الآخر من جهة ثانية)([14]).

 

تاريخ ظهور مفهوم حوار الحضارات:

 

إن حوار الحضارات مصطلح مبتكر جديد (ظهر على الساحة العالمية منذ سنوات قليلة, ويعد الرئيس الإيراني محمد خاتمي صاحب المبادرة الأولى في طرح هذا المصطلح حينما قدم اقتراحاً للأمم المتحدة عام 1997م يدعو فيه لإجراء حوار بين الحضارات بهدف إيجاد صيغة مشتركة للتعايش وإحلال السلام كبديل للصدام الحضاري الذي طرحه رجل الأمن القومي الأمريكي صموئيل هنتغتون عام 1993م)([15]). بعد انتهاء الحرب الباردة التي أعلنت انتصار وتفوق الرأسمالية الغربية.

وكانت مبادرة حوار الحضارات ترتكز على مبادئ خمسة هي (الأخلاق, الحرية, العدالة, الأمن, السلام) ثم بعد ذلك نشأ مفهوم (تحالف الحضارات).

ويحسن بنا لخوض غمار هذا الموضوع أن نتطرق لأبعاد الحضارة الإسلامية ومكوناتها كإحدى الحضارات العميقة التأثير, وهذا ما سيتم عرضه في العنوان القادم.

الحضارة الإسلامية:

 

إن الحضارة الإسلامية المجيدة التي انبثق نورها مع تنزل الوحي الرباني, وأصبحت ذات اسم راسخ في العالم نتج عنه تأثر العديد من الأمم والشعوب بتعاليم الإسلام وانبهارهم بأخلاقيات أهله؛كله كان انعكاساً لما تحمله هذه الحضارة من قيم راسخة مميزة كان لها القبول المباشر, واستمرت هذه الحضارة بالنمو حتى أوجدت لنفسها مكاناً لائقاً بين الحضارات الإنسانية الكبيرة. وعلى الرغم مما انتاب هذه الحضارة من مراحل إخفاق وأفول إلا أن مكوناتها العقدية الدينية والتشريعية الأخلاقية تمنحها القدرة على البقاء والتجدد الدائم.

(فسنة الله اقتضت أن يكون لبعض الحضارات السؤدد الحضاري في مقابل خمول البعض الآخر, وذلك لفترات زمانية محددة, ثم تتبدل الأدوار...وهكذا, مع الأخذ في الاعتبار أن سنة الله اقتضت أن تشكل الحضارة الإنسانية في مجملها سلسلة مشتركة الحلقات بين الأمم, بحيث تحمل كل حضارة بين طياتها مبدأ الأخذ من سابقتها, والعطاء للاحقتها. وبذلك تتحقق منظومة "التكامل" الإنسانية, وتمثل الحضارة الإسلامية حلقة هامة جداً -إن لم تكن أهم الحلقات- في سلسلة الحضارة الإنسانية التي لا يمكن أن يكتمل بناءها بعيداً عن أسس ومبادئ تلك الحضارة المجيدة) ([16]).

لقد كان للحضارة الإسلامية على امتدادها إسهام فاعل في تحولات الحضارة الإنسانية وازدهارها, ويتضح ذلك بما قدمته من عطاءات على المستويين المادي والنظري والتي استمرت آثارها إلى وقت حاضر ومن المنتظر لهذه الأمة أن تنهض من جديد وتسهم كما أسهمت من قبل.

فالحضارة الإسلامية تشغل مكاناً مرموقاً بين حضارات العالم المختلفة, وذلك بفضل ما قدمته للإنسانية جمعاء, وعلى وجه الخصوص في المجال العلمي التي أفادت منه الحضارات الأخرى وكانت بمثابة الأساس القوي المتين الذي قامت عليه الحضارة الغربية الحديثة, لذا لابد من الاعتراف بفضل الحضارة الإسلامية, واحترامها وحمايتها بدلاً من الحملات ضدها بين الحين والآخر للقضاء عليها ([17]).

إن ما يميز الحضارة الإسلامية قدرتها على التماهي مع كافة أنساق الحضارات الأخرى السابقة لها والمعاصرة على حد سواء, فقد تعاملت معها تعامل الند للند واعترفت بما لديها من مكتسب إنساني أخلاقي, واستطاعت أن تبرهن على ضعف وخطأ بعض الممارسات التي لا تستند على أصل قيمي ثقافي أخلاقي بكل هدوء وحكمة مستخدمة الأسلوب الرباني في التوجيه والإرشاد.

المقومات الأساسية للحضارة الإسلامية:

 

ترتكز الحضارة الإسلامية وتقوم على عدة دعائم مهمة أولها مصدرها الرباني وقيامها على أصل من المعتقد الصحيح وتوحيد الله, وبناء علاقة المرء بربه وبغيره, وسن التشريعات التي تحفظ للجميع حقوقهم, وكذا أصلها الأخلاقي السامي فهي تدعو إلى الحفاظ على الأخلاق الفاضلة, وتحث عليها, في حين يرى البعض (أن التركيز على الدين كمكون أساسي وحاكم في الهوية هو بمثابة ردة فعل للهجمات الغربية المتوالية على العالم الإسلامي)([18]), و(الحضارة مثل الكائن الحي تقوم في مجتمع أو أمة يؤمن أفرادها بالمعتقد الديني الذي قامت عليه الحضارة. أما الحضارة الميتة أو المندثرة, فهي الحضارة التي لم يعد هناك مجتمعات تؤمن بالمعتقد الديني الذي قامت عليه)([19]).

فهناك مقومات كثيرة جداً مشتركة بين الحضارات, وهو ما أطلقت عليه (المشترك العام بين الحضارات), وهذه الأمور المشتركة بين الحضارات أغلبها مفيد جداً في مجال التقدم العلمي, والاقتصادي, والصناعي, والتقني, أي في جانبها المادي.

(وحضارة الإسلام أعطت البشرية مكارم الأخلاق, ورسخت في المجتمعات الإنسانية معالم الأخوة والتسامح والتعايش وكرامة الإنسان, وخلفت أمة وحدها الفكر والمشاعر والارتباط بالله, أما الحضارة الغربية فقد قدمت للبشرية مع التقدم المادي كل ضروب العدوان والأثرة, والاستغلال والجشع, والعنصرية والغزو والقتل والاستبعاد, وخلفت في نختلف جنبات الأرض أشنع مظاهر الفقر والظلم, باعتراف خيرة علمائها ومفكريها)([20]), فحوار الحضارات ليس للمتعصب ولا لأحادي الثقافة المتشبث بها, بل يسود فيها الجانب الروحي وهو من طبيعة الإنسان.

إن الحضارة الإسلامية تدعو للحياة, والعمل الجاد المثمر, وكذا فإن من أهداف الحوار تحقيق التعايش السلمي والتناغم بين الشعوب.

خصائص الحضارة العربية الإسلامية:

 

تتميز الحضارة الإسلامية بالعديد من الخصائص منها أنها (حضارة إيمانية, وحضارة إنسانية, والنزعة السلمية والتسامح, الدعوة إلى الحرية والمساواة والعدل والإخاء والمحبة وتحرير الرقيق, النزعة الشورية, والنزعة العقلية, والنزعة الأخلاقية, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والتأمين والضمان الاجتماعي, والحضارة العربية الإسلامية حضارة عملية, والجهاد لتحقيق الدعوة الإسلامية, والتوازن بين المادة والروح)([21]), والذي يميز الحضارة الإسلامية أنها تقر بتعدد الحضارات لا تصادمها. وإمكانية أن تتعايش هذه الحضارات المتعددة بسلام في ظل عالم متعدد الأصول الحضارية.

(إن تأخر المسلمين وتخلفهم الذي نقر به ونعترف آسفين بوقوعه, إنما يرجع لإهمالهم وتراخيهم وتفرقهم, وبعدهم عن تعاليم ربهم, وليس نقصاً في دينهم)([22]).

السمات العامة للخصوصية الثقافية:

 

للحضارة الإسلامية جملة من السمات التي تميزها عن غيرها من الحضارات, وهي عوامل قوة لهذه الحضارة, وهي مسهم كبير في نضج الحضارة الإنسانية, فــــ(السمات العامة للخصوصية الثقافية: ارتباطها بالميراث الحضاري, وجاهزيتها للدفاع عن النفس, والجمع بين الثابت والمتغير, والاضطلاع بأدوار حضارية, وأنها وعاء يضم روافد مشتركة, والقدرة على الصمود والبقاء, وغلبة الطابع الديناميكي)([23]).

تحديات أمام الخصوصية الثقافية:

 

هناك تحديات تقف أمام الخصوصية الثقافية ومن ذلك:عقدة الخوف من الآخر, ومحاصرة اللغة العربية, وطغيان المادية المفرطة, والتخلف العلمي والتكنولوجي, ومساعي الهيمنة الغربية([24]).

مما سبق عرضه يتبين مكمن الخلل في فهم مقصد الحوار, بحيث أن كل فريق يكيف مقصد الحوار بين الحضارات من قبيل منطلقاته هو, دون أن تكون هناك أسس يتم الانطلاق منها, فهناك من يرى أن خيار حوار الحضارات خيار حتمي لا مناص عنه, ومن يرى أنه جهد ومضيعة للوقت ومناورة لكسب مواقف محددة سلفاً.

ومن هنا لا بد من التأكيد على ضرورة رسم خارطة واضحة المعالم للسير وفقها في هذا المسعى, مع التأكيد على أن تكون المقاصد نبيلة والأهداف معلنة محددة.

 

المقاربة الأولى: الموقف من حوار الحضارات ومجالاته. (ما الخيار الأمثل؟).

 

لتتضح مجريات حوار الحضارات ومجالاته لابد من الحديث عن الموقف العام من هذا الحوار, وبيان موقف الإسلام من حوار الحضارات ومجالاته.

المطلب الأول

موقف الإسلام من حوار الحضارات

يتأكد الحديث عن موقف الإسلام من حوار الحضارات ذلك أن القيم الإسلامية عنصر فاعل ومؤثر في مسيرة حوار الحضارات وهي موجهة له, وأحد أسس نجاحه واستمراريته, وللإسلام موقف مشرق من عموم الحوار, فهو يدعو له ويحث عليه ويؤسس لضوابطه وأصوله.

ونستطيع أن نجمل موقف الإسلام من حوار الحضارات في النقاط التالية:

 

أن الحوار قاعدة ثابتة من قواعد الإسلام, أرسى أركانها القرآن الكريم وجسدتها في الواقع السيرة النبوية الشريفة.

أن الأمة الإسلامية تقبل مبدأ الحوار وتساهم فيه بكل اقتدار نظراً لما تزخر به من قيم التسامح ومبادئ التكافل والتضامن والتعاون والإحسان.

من الدعائم القوية التي يقوم عليها الحوار في الإسلام أن الاختلاف بين الناس سنة من سنن الله في الوجود ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾([25]).

أن الكون قائم على التعددية سواء أكان ذلك في الشرائع أم في الأجناس والقوميات التي تبدو في اختلاف الألوان والألسنة, وأن هذا الاختلاف ليس للتصادم والعنف الذي يفضي إلى القضاء على الآخر وإفنائه, وإنما هو سبيل للتعارف ومن ثم للتعاون, فالتنوع في الإسلام تنوع تكامل وتعايش وليس تنوع تضاد وتصادم ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾([26]).

أن التعاون يقتضي بالضرورة الاعتراف بالآخر والتفاعل معه دونما تبعية, بحيث تكون علاقة المسلم بغيره علاقة الأداء المشترك لإنفاذ إرادة الله في عمارة الأرض بالخير.

أن التعارف مصطلح يمثل قيمة حضارية تستوعب جميع أشكال الاختلاف والتباين, وتؤسس لعلاقات إنسانية سوية تقوم على التعايش والتساكن وتبادل المصالح والمنافع.

تُعد سنة التدافع إحدى صور العلاقة التي تربط بين هذه الحضارات والثقافات المختلفة, فهو تعبير حي عن طبيعة النشاط الإنساني المعتاد, ويوحي بما يفرزه البشر بعضهم ببعض لقضاء مصالحهم ومزاولة وظيفتهم في الحياة من تنافس على حيازة الخيرات, وتحقيق المآرب, وإشباع الحاجات, والسير بالإنسانية دوماً إلى الأمام.([27])

فلسفة الإسلام قائمة على أنه لا يعمد إلى الصدام مع غيره من الثقافات بل يسعى للتعايش معها وعدم إقصاءها والقضاء عليها, ولهذا شواهده الكثيرة من التاريخ الإسلامي, فمن المهم تخليص الحضارات ذات الرغبة في التحاور من عقدة الذاتية المادية والرغبة في التغلب لذات التغلب, وإن محاولة رسم بنية الصراع أنه بين الغرب كعمق جغرافي والإسلام كإرث حضاري ثقافي هو محاولة لخلط الأوراق وتكريس مبدأ أن هوة الصراع مبعثها هو ارتكازها على أصل ديني ! فلماذا لم يقال: الصراع بين الغرب والشرق؟ مثلاً! أو الشمال والجنوب؟

فليس عامل النجاح في أي حضارة كانت قيامها باتهام الحضارات الأخرى أنها حضارات انحطاط!, إن انهيار الشيوعية كان سبباً في تصور كل من الغرب والعالم الإسلامي أنهما أصبحا أعداء بعد أن سقط العدو المشترك بينهما, فنتج عن ذلك تلك النظريات التي تؤجج العداء, كمحاولة للبحث عن عدو فحسب!.

إن الموقف يتطلب تسخير كافة الإمكانات المتاحة لتفعيل الحوار البناء وتعزيزه للوصول إلى قدر من المشتركات الإنسانية, والتعايش السلمي المدروس.

إن حاضرنا (يشهد في كل مراحل الزمن على الاختلاف والتعددية بين البشر, فلابد إذن من الحوار الذي يمثل الأداة الحضارية المثلى لضبط الاختلاف المذموم "اختلاف التصادم والتضاد", وإيجاد أرضية مشتركة بين الأطراف المختلفة أفراداً وجماعات, لتفعيل قيم التعارف والتعاون بين الناس, والانفتاح عليهم, وفهم وجهات نظرهم, والاستفادة الإيجابية من معطياتهم, وتحقيق المصالح المشروعة معهم, ولا سيما في هذا العصر الذي يدخل العالم فيه مرحلة من المتغيرات الجذرية والتطورات والتحولات الكبرى والسريعة على مختلف الأصعدة, ويشهد ثورة هائلة من وسائل الاتصال والإعلام وتدفق المعلومات, وما تفرضه هذه الثورة من إمكانات غير مسبوقة للتواصل الثقافي والفكري والقيمي بين الأطراف المختلفة في الشعب الواحد وبين الشعوب الكثيرة المتعددة)([28]).

موقف أهل الإسلام تجاه الحضارات:

 

ويمكن عرض مواقف أهل الإسلام تجاه الحضارات وفق التالي([29]):

أولاً: موقف الرفض:

 

وهو يعبر عن موقف الصراع بين الحضارات بوضوح, لكونه لا يرى سبيلاً للتفاهم والتعايش مع تلك الحضارات.

ثانياً: الموقف التغريبي:

 

وهو عكس موقف الرفض تماماً, فهو لا يرى للإسلام أي تميز يذكر, ولا يشعر بأدنى مسؤولية عند الله تعالى, ويدعو إلى مشاركة الحضارات في فكرها وأدبها ونظرياتها وإنجازاتها والاندماج بها بدون تحفظ.

ثالثاً: الموقف التوفيقي:

 

هو بين الموقفين السابقين, فهو يلتقي مع موقف الرفض في أهمية الاستمساك بالأصول الإسلامية وعدم التفريط بها, ويلتقي مع موقف التغريب في توسيع مفهوم دائرة الدين المقبول, والاتجاه نحو العقلانية في فهم النصوص وتفسيرها, فهو يؤمن بمبدأ الحوار مع الحضارات, وتلاقحها, وتمازجها, بدون أي تحفظ.

رابعاً: الموقف التأصيلي (المحافظ):

 

يقف موقفاً وسطاً بين موقف أهل الرفض المتجاهل للحضارات العالمية, وموقف التغريبين والتوفيقيين الذين يمدون حبال الأخوة والمودة والصداقة والثقة المطلقة بالحضارات, موقف يقوم على مبدأين, التسامح مع الحضارات العالمية, مع أخذ الحذر. والثاني: العزة الإسلامية.

إن الحوار مع المغاير الديني له سبله وطرقه التي يلزم الإلمام به و(المسلك الذي سلكه الإسلام مع المغاير الديني؛ عبر التعارف والاحتضان, الذي يجوز أن نطلق عليه "التعددية الدينية" في مقابل "التعددية الثقافية" المطلوبة اليوم, هدفاً محموداً ومنشوداً في الزمن الحالي. وفي حقيقة الأمر ثمة تقارب لافت بين مفهوم التعارف الإسلامي, الذي سميناه تجاوزاً "التعددية الدينية" ومفهوم التعددية الثقافية-أو الحضارية-, جراء اشتراكهما في المقصد نفسه. إذ يهدف كلاهما إلى بناء وفاق اجتماعي منفتح على الأفق الإنساني, ينتفي منه التسلط ويراعي الخصوصيات ويقر بالتنوع)([30]).

حوار الإسلام مع الحضارات:

 

من الأهمية أن يكون للإسلام كعقيدة ربانية وكسلوك إنساني إسهامه الخاص في مجال حوار الحضارات, من منطلق مبعث الصفاء في تعاليمه, إن (حوار الإسلام مع الحضارات يبدو فيه؛ حوار عام: وهو مطلق التفاهم والتعاون بين الإسلام والحضارات الأخرى, وتبدو ملامحه جلية في عموم العلاقات الدولية في جانبها السلمي التعاوني, وحوار خاص: وهو عقد المحاورات والمناظرات العلمية بين الإسلام والحضارات, والحوار بنوعيه يمكن أن يكون وسيلة تفاهم وتعاون بين الأطراف المختلفة)([31]).

 

التلاقح الحضاري:

 

إن معرفة الموقف من حوار الحضارات لابد أن يبنى على أصل أن الحضارات كان بينها قدر من التمازج, وأن بعضها كان يأخذ من بعض في جانبها المادي على وجه الخصوص, إن (من أهم أهداف الحوار تحسين علاقة الإنسان بالإنسان, بل الدول بالدول؛ ذلك أن تلك العلاقات إن قامت على أساس الحوار, واعتمدت المنطق الذي يقوم على العقل, كُتب لها النجاح.والحوار ضرورة حتمية لا تستغني عنها أي حضارة في سبيل تطوير ذاتها, فمن المعروف أن عملية التلاقح الحضاري تتم من خلال الاقتباس, والنقل, والتبادل المعرفي, وهذه أمور متداولة بين الشعوب قاطبة, فكل حضارة أبدعت, ونقلت, وأخذت, وأعطت. ولم توجد حضارة أبدعت, ولم تنقل عن غيرها؛ فالنقل, والتلاقح, والتفاعل, والأخذ, والعطاء الثقافي ليس وباءً, وإنما ضرورة حضارية وظاهرة صحية)([32]).

وكما أن لكل أمة خصوصيتها في جانبها الحضاري, فإن للأمة الإسلامية خصوصيتها الروحية في هذا المجال, ولا يعني التلاقح الحضاري الانصهار في الغير والتخلي عن الثوابت والأصول (وهناك ضابط لا ينبغي تجاهله في أثناء إجراء الحوار بيننا وبين الشعوب والأمم الأخرى, يقوم على ضرورة التمييز بين ما هو مشترك إنساني عام, لا غضاضة في الانفتاح عليه وتقبله, والسعي إلى تحصيله, وبين ما هو خاص بالأمة ذاتها, فلا يفهم من الحوار والتلاقح الحضاري, أنهما أدوات لتذويب الثقافة والهوية الحضارية لأمتنا)([33]).

نماذج حوار الحضارات:

 

عند الحديث عن نماذج الإسلام في ثقافة حوار الحضارات فإنه لا يغيب عنا تلك الممارسات في صدر الإسلام زمن النبوة, والخلافة الراشدة, وما تبعها من أزمنة الفتوحات والاختلاط بالأمم الأخرى في الأمصار والبلدان, (ولابد من الحوار لبناء المفاهيم الصحيحة وإيضاح الحق للناس وهذا ما سلكه النبي e)([34]). ومن النماذج:

حوار النبي e مع يهود المدينة ومعاهدته معهم.

تفاعل المسلمون مع الحضارات الأخرى واختلاطهم بها في الفتوحات الإسلامية.

امتداد الدعوة الإسلامية على يد الدعاة والعلماء والتجار أتاحت مجالاً واسعاً للتعايش مع الحضارات الأخرى لا إلغاؤها, ومن أبرز النماذج الحضارية التي سجلها التاريخ؛ ما حصل في بلاد الأندلس (لقد قدم الإسلام تجربة تعايش ناجحة بين الأديان الثلاثة في الأندلس, أتاح فيها لدينين كتابيين الحضور والنشاط. وكانت عملية التوازن الديني والاجتماعي من إنتاج الإسلام وبرعايته, باعتباره الدين المهيمن.والإسلا في روحه يعترف بالآخر وهو ما يميزه عن غيره من الأديان. واللافت في التجربة الإسلامية الأندلسية أن المسيحي الذي تعايش معه الإسلام هو مسيحي غير عربي, ولا تربطه صلات وثيقة بالتراث الشرقي)([35]).

كما ينبغي الإشارة هنا إلى أن القيم الدينية لا تأخذ موقفاً ضد التمدن والصناعات المبتكرة, وما يساعد في رفاهية الإنسان, بل هي تفرزه وتقوية وتدعمه, فلا يتصور أن الدين يقف في وجه الحضارة والمدينة بل هي تشجع عليها.

وهكذا يتضح لنا موقف الإسلام من أصل حوار الحضارات, أن هذا الحوار إذا بني على أساس واضح سليم فإن أهل الإسلام يرحبون به ويدعمونه.

المطلب الثاني

 

مجالات حوار الحضارات في الإسلام

 

تتعدد مجالات حوار الحضارات في الإسلام وتتنوع بحسب موضوعها ومقصدها, فهناك حوار تعارف, وحوار تعلم, وحوار تقارب, وحوار تعايش, وحوار تبادل مصالح وتجارة...وهكذا, ويمكن التركيز هنا حول أبرز تلك المجالات الحيوية والتي لها مسيس صلة بحياة الناس ومعاشهم ومنها: الحوار في الشأن المشترك من أمر الدنيا, وتبادل المصالح, وسن القوانين الكفيلة بحماية الحقوق, ودفع الظلم, وهذا قد يأخذ الطابع الفردي أو المؤسسي العام.

فمنها قضايا و(مسائل حقوق الإنسان وأوضاع الديمقراطية, والتغطية الإعلامية للقضايا والاستفادة من تكنولوجيا الإعلام, والإنفاق على المشاريع الخيرية, وتنمية وتطوير التعليم والتعاون بين الجامعات, والمشاركة في الفعاليات والمناشط الثقافية للتعرف على ثقافات الأمم والشعوب)([36]), وحوار بين الأفراد (عامة الناس, أو النخب, علماء الدين ومفكرون وجامعيون ومثقفون وغيرهم, وحوار بين الشعوب, وحوار بين الجماعات, وحوار بين المذاهب, وحوار بين الحكومات -ثنائي أو في إطار المنظمات والمؤسسات-, وحوار مع الأديان الأخرى, وحوار مع المدنيات والحضارات الأخرى)([37]), وتشمل تلك المجالات الحوار بين أتباع الأديان, وهذا النوع له أصوله وضوابطه, وسنتعرف فيما يلي على جملة من أهداف وقواعد حوار الحضارات وأسسه, وشروط الحوار الحضاري.

أهداف حوار الحضارات:

 

يسعى مشروع حوار الحضارات إلى تحقيق حزمة من الأهداف اللحظية أو بعيدة المدى (تغيير الوعي الثقافي, وإحلال نظام عالمي جديد يتسق مع متطلبات المستقبل, وكبح جماح التصور الغربي التسلطي العنصري, وتغيير مفهوم الإنسان الغربي عن العالم, والانفتاح على الإمكانات المستقبلية, والمشاركة والتعاون بدلاً من التسلط والتصارع, والتخلي عن النزعة العنصرية الفردية, وإثراء الجوانب الروحية بملء الفراغ الروحي أو الديني)([38]), فلا يتصور أن يكون غاية حوار الحضارات وهدفه الأساسي تنازل أي من أطرافه عن معتقداته وقيمه؛ لكنه يُعد أرضية صلبة لفهم الآخر والتعامل معه وفق المشتركات والقيم السائدة, ثم تأتي الغلبة والتأثير لأكثر الأفكار والثقافات ملائمة للفطر السوية.

(إن من أبرز أهداف الحوار حل النزاعات بين الأفراد والمجتمعات والدول, وكذلك العمل على تجديد فكر الأمة, والنهوض بالمشروع الحضاري, فالتنوع والتعدد يفترض له أن يسهم في إثراء فكر الأمة في مختلف جوانبه العقائدية, والفكرية, والاقتصادية؛ وذلك في إطار ممارسة الفكر بطرقه السلمية عبر مقارعة الدليل بالدليل, والحجة بالحجة, في حوار ينفتح فيه الجميع وتتبادل فيه الآراء والطروحات الفكرية بموضوعية وعلمية بعيداً عن التعصب)([39]).

و(يشترط الحوار حيثما مورس شيئين: من جهة أرضية مشتركة, نقف عليها ونبدأ تعاوناً سلمياً مشتركاً, ومن جهة أخرى اختلاف الأصل, وخاصة اختلاف الاقتناع, الذي لو كان غائباً لما كنا في حاجة لحوار)([40])

ويمكن الحديث عن قواعد الحوار مع الحضارات وأسسه من خلال أن:

هل ما تطرحه الثقافة الإسلامية من أسس للحوار وضوابط له تُعدُ هي التأسيس المثالي أم يمكن له أن يتطور ويتماها مع الحاجات المتجددة؟

للإجابة على هذا السؤال ينبغي لنا النظر بتجرد لمعايير المرونة الكبرى المتمثلة بحدود هذه الأسس والأصول, ففيها قدر من الملائمة لظروف الناس, وحاجاتهم.

 

شروط الحوار الحضاري:

 

تتمثل شروط الحوار المتصل بالحضارات بجملة من المحددات يمكن إيرادها في التالي:

الإنسان كأرضية مشتركة للحوار يقول الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾([41]).

الشرط الأخلاقي لهذا الحوار, ويمكن أن يبنى وفق القيم العليا المشتركة.

العقل كآصرة وحدة فهو يعد مصدر ثانٍ يجمع بين كل الناس.

الحقيقة كشرط للتعاون المشترك.

الانطلاق دوماً من المشتركات, ونقاط الالتقاء.

ولا يعني هذا أوتوماتيكياً بأن الفلسفة ستعوض العقيدة الدينية, كما لا يعني بأنها ستقضي على الاختلافات العقائدية, لكنها ستساعد على إيجاد قاعدة عريضة, يمكن أن نؤسس عليها في عالمنا بأكمله([42]), ومن نواتج ذلك التأسيس تفعيل حوار الحضارات, ونورد هنا مزيداً من الشروط, ومنها:حسن صياغة الأفكار وجودة مضمونها وترتيب أولوياتها, وملاءمتها جو الحوار بما لا يخل بثوابتها, والندية والتكافؤ: حيازة قدر معقول من الأهلية الحضارية, وإعادة اكتشاف الآخر, والاحترام المتبادل, والتفاهم والتعاون([43]), واحترام خصوصية الآخر, والتسلح بالشجاعة العلمية, والانطلاق من القضايا المتفق عليها([44]).

ومن الشروط اللازمة لقيام حوار الحضارات:

 

(أن يقوم الحوار على التفاهم.

 

إدراك كل طرف حقيقة الآخر دون أن ينحل إليها.

اقتناع طرفي الحوار بأن كل منهما سيفيد الآخر ويستفيد.

الاهتمام بدراسة وتدريس الحضارات الأخرى حتى تكون نظرته أكثر شمولية وموضوعية

الحوار لا يمكن أن يتم إلا في نطاق الإيمان, الذي هو القاسم المشترك لجميع الحضارات, بتعميق إيمانه وإدراكه لله بنفس عقيدته, وهو ما يطلق عليه(روح الحضارات).([45])

أهمية توظيف ثورة التواصل وتقنياته المعاصرة في حوار الحضارات.

القواسم المشتركة:

 

لعل من عوامل إنجاح مساعي حوار الحضارات البحث عن القواسم المشتركة, والانطلاق منها (ومن مبادئ الوحدة بين حوار الحضارات:معرفة القيم والفضائل الأخلاقية, ووحدة الكرامة الإنسانية)([46]), وهذا ما يطلق عليه في أسس الحوار التنزلُ مع الآخر, والقبول بالمشتركات, ومن أهم منطلقات التأسيس على القواسم المشتركة؛تتبع المشتركات الإنسانية والتركيز عليها كمنطلقات للقاء والحوار.

(وللحوار الفكري الديني المؤسس على مبدأ احترام الإنسان والحرية الدينية واحترام الضمير الديني للآخرين والتعاون دور مهم جداً الآن, خاصة إذا كنا نعلم أن المسلمين لم يجدوا في الفلسفة الغربية للقرون الماضية أي محاور جدي يمكن مخاطبته, لاجتياح تيارات فلسفية إما ملحدة أو نسبوية أو غير مبالية للفلسفة الغربية.لهذا السبب لابد من إعطاء الحوار دفعة جديدة في ظل تطورات العالم الحالي. وقد يساعد المسلمون الغرب في أزمة الفلسفة التي يعيشها حالياً, والتي يعتبرونها فلسفة انحلال معادية للدين.ولن يقوم هذا الحوار على مبدأ المنع والتحريم والمغالطات والقذف ولا على مبدأ العنصرية والعنف الممارس في حق المسلمين, بل على مبدأ الإقناع والاقتناع)([47]).

وإسهامات حوار الحضارات ليست محصورة على الأفراد أو المبادرات, فهناك بعض المنظمات لها إسهام فاعل في هذا المجال, ولبعض المنظمات في العالم الإسلامي إسهام بارز في مجالات حوار الحضارات, والتركيز على المشتركات الإنسانية كأرضية ملائمة لحوار بناء, ومن تلك المنظمات منظمة المؤتمر الإسلامي, فالحوار الحضاري يسعى إلى مناقشة المشكلات التي تواجهها الحضارات والبحث عن حلول لها.

والأهداف التي يسعى لها حوار الحضارات هي نفسها التي من أجلها أقيمت منظمة المؤتمر الإسلامي وهي:

العمل على محو التفرقة العنصرية.

القضاء على الاستعمار بجميع أشكاله.

اتخاذ التدابير اللازمة لدعم السلام والأمن الدوليين القائمين على العدل.

دعم كفاح الشعوب الإسلامية في سبيل المحافظة على كرامتها واستقلالها وحقوقه الوطنية.

إيجاد المناخ المناسب لتعزيز التعاون والتفاهم بين الدول الأعضاء والدول الأخرى.

التشاور والتعاون لإزاحة مخاوف العالم الإسلامي تجاه الأزمة الحالية واستشراف آفاق المستقبل([48]).

و(والصورة المشوهة عن عالمنا العربي والإسلامي التي تقدمها وسائل الإعلام في الغرب, والدراسات والمقالات الغربية المغرضة, يجب العمل على نشرها في الساحة الفكرية العربية من جهة وأن يتصدى لها المفكرون في العالم العربي والإسلامي لمناقشتها ودحضها بأسلوب علمي, كما يجب نشر الردود في نفس المجالات وغيرها من وسائل الإعلام في الغرب. وهذا من المهام الأساسية للجامعة العربية والمنظمات المتفرعة عنها, ومراكز الدراسات الإستراتيجية العربية, ومنظمة المؤتمر الإسلامي)([49]).

في المقابل فإن بعض النظريات والمبادرات التي تتخذ من الميل إلى التغلب والجنوح لإلغاء الآخر منطلقاً وحيداً, إن التلبس بهذا الأمر لمن يتصدر لممارسات حوار الحضارات هو نوع من أنواع الحكم على هذه الممارسات بالفشل والضياع, فلابد لمن يتصدر للمشاركة في حوار الحضارات أن يتجرد من كل نزعة من نزعات التغلب وإلغاء الآخر, وليكن مراده البحث عن الحق والحقيقة.

ولا يغيب عنا أن كل حضارة هي حلقة في منظومة الإرث الحضاري الإنساني, ولهذا يبرز دائماً التباين الواضح في تعامل الناس مع حوار الحضارات وفق منطلقاتهم وأخلاقياتهم وتأسيسهم الفلسفي.

والسؤال الجوهري الأساس في هذا المضمار؟, من يحتاج للحوار أكثر؟, ومن يسعى له أكبر؟, وهل للشعوب دور في الحوار؟, أم هي للنخب السياسية فقط؟, وما الهدف من جعله حواراً خاصاً بالنخب الثقافية فحسب؟, وهي تعني الإجابة على التساؤلات الكبرى: من؟ ولماذا؟ وكيف؟, من يحاور؟ ولماذا يحاور؟ وكيف يحاور؟

وللإجابة على سؤال: من يحتاج للحوار أكثر؟ ومن يسعى له أكبر؟ نقول: أن من يحتاج للحوار أكثر هي منظومة الحضارة الإنسانية بمجموعها, وكل ما كانت الحضارة ذات أصل قوي لم تحجم عن الحوار البناء, أو تعرض عنه, ولعل هذا ما يميز الحضارة الإسلامية أنها تدعو أتباعها لفتح آفاق الحوار المثمر العقلاني مع الآخر.

وهل للشعوب دور في حوار الحضارات؟, لا ريب أن للشعوب دورا مساعدا في إنجاح منظومة الحوار, بعد أن يقوم بالمبادرات النخب المثقفة, والنخب السياسية قد تفعل بعض المبادرات بمقاصد فعلية لحوار الحضارات, وقد تأخذ طابع المناورة في بعض الأوقات بغية كسب بعض المواقف.

ثم بعد ذلك يأتي تساؤل: هل هناك رغبة حقيقية في التواصل والحوار والتعايش؟, إذ كيف يمكن المسارعة في الدعوة لحوار الحضارات البعيدة دونما اللجوء إلى رتق الفتق الحاصل في كيان ذات الثقافة والحضارة الواحدة؟, إن من المهم قبل الهرولة نحو تفعيل الحوار الكوني وحوار الحضارات أن يتم المناداة بالحوار الديني في الثقافة ذاتها وإزالة كل ما يعكر صفو الوحدة والتواد والائتلاف الذي هو أحد مقاصد الشريعة.

وهذا يقودنا كذلك لتساؤل: من يكرس النظر إلى العالم على أنه إما متقدم أو متخلف؟!, وهذا يؤكد على أن نظرة العالم المتقدم المسيطر للعالم المتخلف المستضعف هي نظرة أحادية لا تشاركية, فلا بد قبل كل شيء بناء تلك العلاقة التشاركية أولاً, ثم الحديث بعد ذلك عن التواصل والحوار والتعايش.

ولا شك أن حوار الحضارات ميدان ذلك الفسيح (فالحوار والتعايش بين الحضارات والثقافات يساهم في درجة كبيرة في التقارب بين الشعوب والأمم, وإزالة الحواجز المتراكمة من سوء الفهم ومن الأفكار المسبقة المختزنة في ذاكرة الشعوب عبر قنوات فكرية تقوم في أغلب الأحيان على أسس غير صحيحة)([50]).

ولا ريب أن من يمتلك زمام المبادرة بثقة, ويبدع في أدواتها يمكنه ذلك من الحصول على مزيد قوة ومنعة (فالحوار قوة وسلاح من أسلحة السجال الثقافي والمعركة الحضارية, وهو وسيلة ناجحة من وسائل الدفاع عن المصالح العليا للأمة, وشرح قضاياها, وإبراز اهتماماتها, وتبليغ رسالتها, وإسماع صوتها, وإظهار حقيقتها, وكسب الأنصار لها, وجلب المنافع إليها, ودرء المفاسد عنها)([51]), ولن يتم تحقيق هذا النجاح إلا يتضافر الجهود وتكاتفها بغية الوصول لتحقيق أهداف الحوار.

وهنا يكمن تقديم جدلية متى يكون حوار الحضارات؟, إن حوار الحضارات لا يكون إلا بوجود التكافؤ والندية, والذي يسبقه سعي جاد في دخول مسارات حوار الحضارات رغبة في إثراءها وتقويتها, ولا يتم الحوار بين الحضارات إلا بوجود مبدأ التواصل بين الحضارات بعضها البعض أو بين النخب فيها على أقل تقدير, مع استحضار الهدف الأسمى لمبدأ الحوار وهو تحقيق العيش المشترك وفق المشتركات الإنسانية, والتناغم الإنساني الواسع.

فمبدأ فرض الحضارة عبر الإرغام على ثقافة بعينها بأسلوب التغلب والفرض والقوة أضحت فكرة مهترئة بائسة, إن فكرة التواصل العام في الفكر الإسلامي مبنية أساساً على التعارف وفق ما أمر الله به: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾([52])

فجوهر الحضارة الإسلامية هو جذور تكوينها وانفراد مصدريتها الربانية الإلهية, فهي خاتمة الديانات السماوية وتعاليمها التي ارتضاها الله ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾([53]) وما يميزها كذلك أنها خاتمة الرسالات التي جاءت قبلها, وهي تمامها وكمالها.

ونختم هذا المحور في الحديث عن أبرز مجالات استفادة المسلمين من الحضارات ومنها ما يلي:

تطوير الإنتاج في مجال الحضارة الإسلامية (الصناعات, العلوم, التقنيات), من بعد تدعيمها بالمفاهيم الإسلامية الرصينة.

مجال الإنتاج الثقافي: مجال الأدب والتأليف والكتابة.

مجال الفنون التشكيلية (الفنون البصرية) العمارة والزخرفة والنحت والحفر والتصوير.

التقدم في العلوم الطبيعية التجريبية.

مجال الصناعة, والتقنية الصناعية (الورق, الزجاج, السكر, العطور, المنسوجات- المعادن...)

مجال الزراعة وتطوير وسائل الري وتحسين الأراضي واستصلاحها([54]).

وقد طبق المسلمون عبر العصور مبدأ التعاطي الحضاري فقد استفادوا من مجمل الأعراق والشعوب من حولهم؛دون التأثر والتأثير على قيمهم الراسخة, فأخذوا من الرومان الدواوين دون أن يأخذوا بقوانين الرومان, وأخذوا من الإغريق العلوم التجريبية دون التأثر بوثنياتهم, وأخذوا من الحضارة الهندية علوم الفلك والحساب دون أن ينساقوا مع فلسفة الهنود الكونفوشوسية, وهكذا فقد حافظ المسلمون على هويتهم الحضارية الخاصة المتميزة, إن من الشطط عند البعض تصور أن من أهم أنماط الحضارة؛ الحضارة المادية التقنية؟ إذ هي لا تعدوا أن تكون ناتج إفراز وليس حضارة.

المقاربة الثانية: العلاقة بين الحضارات:

 

إن التأسيس الفلسفي لمقاربة الصلة بين الحضارات تحتم معرفة أصل هذه الصلة ومنشؤها وهل هي عملية تلقائية أم أنها تحتاج لمن يبادر بها ويتبناها ويسيرها؟ كل هذا يدفعنا إلى السؤال الأزلي: هل حوار الحضارات استمداد وتكامل أم صراع وتغلب؟.

سبق معنا بيان أن عموم الحضارات يأخذ بعضها من بعض, فهي في المحصلة الختامية تتكامل لكن هناك من يريد لهذه الحضارات أن تكون في موقع التجاذب والتنافر النكد, ولا يريد لها التقارب والتجاور, ومبعثهم في هذا متباين من شخص لآخر وفق منطلقات الاتجاهات والرؤى الضيقة, إن (احترام الرأي الآخر؛ له أثره الإيجابي في تطور الفكر؛ لأنه لا يتطور الفكر الإنساني من دون نقد بناء, وما لم يعبروا عن آرائهم بكل صدق, فلولا اختلاف الآراء والحوار من أجل اكتشاف الأصلح منها ما تقدم الاقتصاد أو السياسة, أو عرف الناس الصواب في أمور دينهم, أو تطورات العلوم الطبيعية. وما جعل العلوم تتطور هو وجود النقاش والجدل وتبادل الآراء, وتقبل العلماء لذلك كله بروح طيبة, وهذا ما ينبغي أن يكون في كل ناحية من نواحي الحياة).([55])

إن مكون حوار الحضارات لابد أن يسبقه تفعيل لحوار داخلي, إذ يطرح البعض تأسيس تلك العلاقة على الحوار الذاتي الداخلي, فأهمية (قيام حوار داخلي كأساس لنهضة حوار حضاري مع الآخر إذ يمكننا أن نتحدث عن حوار حضاري لا عن حوار حضارات, بما أن الموقف الحضاري يقتضي التسليم بوجود حضارة واحدة وثقافات متعددة)([56]), ولفهم واستيعاب حوار الحضارات لابد من فهم العلاقة بين الحضارات واستجلاء مكامن الالتقاء بينها.

وإذا تأملنا ديناميكية الحوار نجد أنها تنبع من الرغبة للتقارب (إن الحوار نابع من الضرورات الحياتية للمجتمعات البشرية وينظر إليه باعتباره منهجاً يعتمد على التفكر والعلم والإيمان لينتهي إلى حالة من المعرفة المتبادلة, وبهذا يقف الحوار في مواجهة النزاع, والتخاصم والاعوجاج أو الانحراف, والمنافع الضيقة)([57]).

وحتى تفهم العلاقة بين الحضارات لا بد من وضوح العوامل التي تكون سبباً في انعدام التقارب والتواصل بين الحضارات, مما ينتج عنه الصدام ولعل من أبرزها:

عوامل الصدام بين الحضارات:

 

يحكم المشهد العام عدة عوامل ترسخ تفضيل خيار الصدام على التقارب بين الإسلام والغرب, إن (عقدة الاستعلاء والتفوق أو المركزية الغربية, وعقدة الحروب الصليبية, وعقدة الخوف من الإسلام, وعقدة الهيمنة والنفوذ).([58]) كل هذه تحول دون التوصل لتقارب الحضارات وبناء الصلة بينها, فلابد من التغلب على هذه العقبات أولاً قبل تقديم أي مشروع للتقارب أو حتى لاندماج الحضارات بعضها ببعض, ولعل الصراع بين الحضارات ناتج من نواتج الحروب على مر العصور (والتي من أسبابها: النزاعات الإقليمية, والتنافس على موارد محدودة, والتسابق على أسواق مرغوب فيها, والغارات, والحماس الديني, واختلاف الآراء الأيديولوجي, ومعضلة الأمن التي تثيرها سباقات التسلح التي يمكن أن تكون عاملاً يدفع إلى حروب وقائية, ومصالح السيطرة للنخبة).([59])

وقد يلجأ بعض المفكرين لطرح صور من صراع الحضارات وتجاذبها سعياً منهم لصرف النظر عن الصراع الفعلي على قوى السياسة ومراكز الاقتصاد والتنافسية الفعلية بينهم, في حين يؤكد الدكتور الجابري على أن (فكرة صدام الحضارات من الناحية العلمية مجرد وهم, وفكرة غير معقولة. ولكن هذه الفكرة على صعيد الإستراتيجية السياسية والعسكرية والثقافية تنطوي على نوايا وأهداف, وبما أننا نحن كعرب ومسلمين في قمة المستهدفين فعلينا أن نكون على وعي بمضمونها وأهدافها, وأن نسعى إلى تعريتها وفضحها).([60])

فلابد من إثارة قضية الحوار بين الثقافات والحضارات مقابل الصدام أو الصراع بينها, فهذا هو الخيار الأوحد للتعايش بسلام بعيداً عن التغلب والخصام.

هذا وقد تم تلقف مفهوم (فكر صدام الحضارات, الذي وجد مجالاً خصباً منذ تواري الاتحاد السوفييتي وبروز العالم الإسلامي كإشكالية سياسية, فشهد المفهوم انتعاشاً بتنزيله إلى معترك الصراع الحضاري, ما أخرجه من الانكماش داخل الدائرة الدينية إلى التمدد داخل التفاعلات الحضارية)([61]), وهذا يدفعنا إلى القول: أن من الأسس التي تبنى عليها العلاقة بين الحضارات وحدة المعرفة وتكاملها بعيداً عن فرضيات الصراع المفتعل, ومن الجيد التعرف هنا على أبرز الآفات التي قد تصيب الحضارات وتكون سبباً في قطع طريق الصلة فيما بينها وبين الحضارات الأخرى.

آفات الحضارة المعاصرة وآثارها على الحياة البشرية:

 

يؤخذ على بعض الحضارات المعاصرة بعض الآفات يمكن ذكر بعضها هنا, فكثيراً ما تسفر بعض الدراسات التي تعدها مراكز مستوعبات الأفكار أو ما يطلق عليه (Think Tanks) إلى استغلال صراع الحضارات كأحد متغيرات العلاقة بين الأمم والشعوب, فيتضح من(تقرير مؤسسة راند أنه جاء في توقيت ملائم للمرحلة الحالية من المواجهة الفكرية بين الغرب من ناحية والعالم الإسلامي من ناحية أخرى. فلقد حرص التقرير على أن يكشف القناع عن حقيقة السياسة الأمريكية المقترحة للمنطقة, وعن طبيعة شركاء المرحلة القادمة, وما يجب أن يتوافر فيهم من صفات, والدور الذي يجب عليهم القيام به) ([62]).

إلا أن البعض يرى أن (تركيز الحوار على القواسم المشتركة وإهمال نقاط الضعف, يترك المجال مفتوحاً أمام بذور الصراع والاختلاف مجدداً. فضلاً عن أن فكر صراع الحضارات الذي قام على طروحات هنتجتون هو فكر خيالي إذ لا توجد كتل حضارية منفصلة عن بعضها)([63]).

والمؤكد أن تجسير العلاقة يبنى في الأغلب على التركيز على القواسم المشتركة بين الحضارات, إن مما يجلي حقيقة الدين الإسلامي وصلاحيته للتطبيق لكل زمان ومكان سعيه الدائم لتوضيح موقفه تجاه الآخر, واللجوء إلى الحوار المثمر بدلاً من الصدام المنفر, حيث إن فكرة (الصدام والصراع يلحق الضرر بالجميع, ولذلك ينبغي إحلال الحوار, ونبذ الصدام واستبعاده نهائياً. والتحاور بين الأمم والشعوب ليس بالأمر الجديد, وأن الحوار والتواصل بين الثقافات والحضارات قائم من آلاف السنين)([64]).

فالحوار الهادئ الهادف, تميل له النفوس, وتطمئن له القلوب, ويكون سبباً في تخطي العقبات والعراقيل, وتعاليم الدين الإسلامي تدعو إلى الحوار المفتوح, فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾([65]).

في حين يرى البعض أن الإغراق في الماديات المحضة هو ضرب من ضروب القضاء على الحضارة المعاصرة, إن(الإنسان في الحضارة الغربية المعاصرة, إنسان معطوب خاسر قد أفلتت منه السعادة, يلفه الشقاء واليأس, ويرجع ذلك إلى أنه أنحرف بحضارته وغرق في المادية وأن طلب الدنيا أعمى بصره وبصيرته وأفسد روحه ووجوده, فلم يبق له من طريق في الخلاص إلا أن يتوجه إلى دين الإسلام)([66]), وكل هذا يدعونا للسؤال الفلسفي القادم:

أصراعٌ أم حوار حضاري؟.

 

تتكاثر بعض الرؤى التي ترى أن مرحلة تمايز الحضارات وانتشارها يأخذ طابع الصراع في بعض مراحله, (إن منطق الحوار يستند إلى حقيقة أن الحضارات لا يمكن أن تكون جزراً منعزلة عن بعضها, بل هي على اتصال وتفاعل فيما بينها, تؤثر في بعضها, وتتأثر ببعضها)([67])

فيرى الدكتور الجابري أن شعار(" حوار الحضارات" يبدو نبيلاً ومعقولاً, إلا أنه غير بريء وذلك لأن الحوار بين الحضارات إما أن يكون عفوياً تلقائياً نتيجة الاحتكاك الطبيعي, فيكون عبارة عن تبادل في التأثير, أخذ وعطاء بفعل الصيرورة التاريخية. وهذا النوع من تلاقح الحضارات لا يحتاج إلى دعوة, ولا يكون بتخطيط مسبق, بل هو عملية تاريخية تلقائية يحكمها طلب الأفضل)([68]).

إذن فالحوار حالة إنسانية معقولة, بينما الصراع حالة عدوانية, ومقولة مزيفة, وقد تكون بنية الصراع مفتعلة عبر وسائل مغرضة من قبل الخصوم, مما يتوجب معه التصدي لهذا النشاط بنشاط مقابل ينفي الشبه ويرد عليها, ومن تلك الجهود التي ننادي بها (إزالة الالتباس لبعض نقاط التداخل في العلاقة بين الإسلام والغرب, حيث الإسلام مفهوم عقيدي يعني قيم وتقاليد وأحكام الدين الإسلامي, بينما نطاقه جغرافي يمتد من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى وسط آسيا وشمال الهند والصين..)([69]), وقطعاً لا يمكن لقائل أن ينادي أنه إذا عدم التقارب فلا بديل عنه إلا الصراع والخصام!.

(والبديل الإسلامي لصراع الحضارات, ليس حالة "السكون" في علاقات الحضارات بعضها بالبعض الآخر, لأن في السكون "مواتاً", ربما أفضى إلى "التبعية والتقليد", اللذين ينتهيان إلى الواحدية والمركزية الحضارية...وإنما البديل الإسلامي لفلسفة الصراع, هو فلسفة "التدافع" بين الحضارات)([70]). حيث إن التدافع قد ينتج عنه حوار مثمر في بعض سياقاته, إن من الأهمية بناء التقارب بين الحضارات وفق مبدأ التعاون المفضي لـ معادلة: رابح- رابح.

ويرى البعض أن (واقع الحوار الحضاري يتسم بالضبابية والغموض, إذ ليس في مرجعية الغرب –وهو صاحب القوة والقرار- ما يدفعه أو يشجعه على الاعتراف بالآخر وقبوله كند له يشاركه في صياغة مستقبل الإنسانية, وإيجاد نظام عالمي عادل تتنسم البشرية في ظله ريح السلام والأمن, وتتكافأ فيه فرص النمو والتقدم.وإذا كانت بعض الشرائح في المجتمعات الغربية قد أوصلتها قناعاتها وتجاربها الفكرية والحياتية إلى تقبل فكرة الحوار وتشجيعها, واستبعاد خيار الصراع والمواجهة, فإن القوى النافذة والفاعلة التي تشرف على إدارة دفة السياسة والاقتصاد في الدول الغربية لا تحبذ هذه الدعوة إلى الحوار, ولا تستسيغها لاصطدامها بمصالحها, وانعكاس تأثيرها سلباً على نفوذها وهيمنتها, ووقوفها في وجه أطماعها,والأمل معقود بالدرجة الأولى على النخبة المثقفة الواعية في كل حضارة, والتي توجد فيها أعداد من ذوي النظرة العلمية الموضوعية المنصفة)([71]).

وهكذا فقد تكاثرت الآراء التي تقدم حوار الحضارات كبديل عن صراع الحضارات(حوار الحضارات بديل لصراع الحضارات, حواراً نظرياً حول القيم والمبادئ والعلوم والفنون. حوار يتضمن المستوى النظري كنوع من التقارب بين طرفي الحوار, واكتشاف العناصر الإنسانية المشتركة بينهما).([72]), ومقتضى التدافع هو الوقوف بندية كاملة تجاه حملات محاولة إلغاء الآخر والقضاء عليه.

ومبدأ التدافع أشمل من الحوار, فهو يحوي الصراع والحوار في آن معاً, (وفلسفة التدافع هذه ليست مجرد "فكر إسلامي", حتى تكون من مناطق "الاجتهادات والمتغيرات", وإنما هي "دين ثابت", ومنهاج بلوره الوحي الإلهي في القرآن الكريم, باعتباره سنة من سنن الله في الاجتماع الإنساني, حاكمة للعلاقات بين الأفكار والشرائع والملل والأقوام والحضارات.فالله سبحانه وتعالى –عندما يخاطب رسوله e- فيقول له: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾([73]). يعلمنا سبحانه- معالم هذا المنهاج, فالتدافع لا يعني"صرع الآخر وإلغاءه", وإنما تحويل موقفه من "العداوة"-التي تجعله من أهل "السيئات"- إلى موقع وموقف "الولي الحميم"- الذي يجعله من أهل "الحسنات:!..فيت "الحراك", بواسطة "التدافع", مع بقاء "تعددية الفرقاء المتمايزين".([74])

ولإحلال الحوار بدلاً عن الصراع يجب علينا أن نكون على قدر كبير من الوعي بمكونات قوتنا, مع ضرورة حماية مكتسباتنا وتطويرها من خلال الحوار مع الآخرين([75]), ويتضح موقف الإسلام من فرضية الصدام بين الحضارات هو أنه لا يريد أن يهدم الحضارة المعاصرة, لأنها ستنهدم على رءوس الجميع, وإنما يريد أن نحميها من نفسها, وأن يقدم لها طوق النجاة من غرق يهددها, ويهدد البشرية معها([76]).

إنها حالة التكامل التي تمثلها تعاليم الدين الإسلامي القادرة على أن تؤسس لحضارة قابلة للحياة, (فالبشرية في حاجة ماسة إلى حضارة جديدة تعطيها الدين ولا تفقدها العلم, تعطيها الإيمان ولا تسلبها العقل, تعطيها الروح ولا تحرمها المادة, تعطيها الآخرة ولا تحرمها الدنيا, تعطيها الحق ولا تمنعها القوة, تعطيها الأخلاق ولا تسلبها الحرية)([77]) (ولن يكون ذلك إلا من خلال الرسالة الحضارية التي يحملها المسلمون للعالم, وهي رسالة ربانية إنسانية أخلاقية, تتميز بالتوازن والتكامل, وتهيء الإنسان ليقوم بعمارة الأرض وخلافة الله, وعبادته بالعلم النافع, والعمل الصالح, والتواصي بالحق والصبر)([78]).

إن أعظم الأسباب التي تؤدي إلى عدم القدرة على تنفيذ حوار حضارات متكافئ متفوق يكون سببه الاختلاف والتنافر, وفي كثير من الأحيان يكون السبب نابع من الذات نتيجة للانقسام(إن المشكلة الكبرى التي تعيق العرب والمسلمين في فتح حوار حقيقي مع الغرب تتمثل في انقسامهم, وتشرذمهم, وتباين آرائهم ووجهات نظرهم, وعدم قدرتهم على التعاون والتنسيق فيما بينهم, وإصرارهم على إقامة علاقات فردية مع الغرب حسب ما تقتضيه المصالح الخاصة لكل قطر, مما جعل من المستحيل الاتفاق على إستراتيجية واحدة تكون منطلقاً للحوار, وتساعد على صياغة أهداف يمكن أن تتحقق من هذا الحوار, أو أن توجد الأرضية الصلبة وتبني القاعدة المتينة التي يمكن أن يقوم عليها مثل هذا الحوار)([79]). ولأن أغلب الأطروحات المعاصرة فيما يتصل بحوار الحضارات يقدم الأنموذج الغربي (الأمريكي على وجه الخصوص) كصورة نمطية مثلى, فإن للمنطق (الفلسفة) حدود يقف عندها ولا يتجاوزها:

إن الحديث عن ضرورة صبغ كافة المجتمعات بصورة ونمطية الحياة الغربية كخيار أوحد للحضارة المدنية المعاصرة يصطدم بعدد من صور الممارسات التي توضح أنه حتى في المجتمع الأمريكي الواحد لم يستطع الوصول لهذا النمط الموحد, فهناك جملة من الصراعات المحلية الداخلية في نسيج المجتمع الأمريكي على سبيل المثال, بين من أصولهم مكسيكية وأفريقية أو صينية وإسبانية وهكذا. فلماذا يستغرب أن يقع مثل هذا في المجتمعات الأخرى؟!

إن الموقف يلزمه أن يبنى على التأكيد على (هويتنا العربية والإسلامية, وعلى وحدة الهدف والمصير, وعلى مصالحنا الوطنية والقومية, وعلى مطالبنا من الآخرين ورغبتنا في التعاون والتعامل معهم على أساس من الندية والاحترام المتبادل)([80]).

ولابد أن يسبق كل هذا الجهد بامتلاك (الإرادة والعزم والتصميم, فعندها نتمكن من صياغة خطاب إسلامي نتوجه به إلى العالم, ونستطيع عمل برنامج إسلامي علمي يحق لنا بموجبه أن نقول بأن الإسلام هو الحل)([81]), عندئذٍ يمكن لنا القول إن بناء هذه العلاقة وتجسيرها متى ما تهيأت الظروف المناسبة لذلك, ومن أهم تلك السبل بناء العلاقة على أصل التحاور لا التنافر, والتقارب لا الصراع والتباعد, ولكي ينتج هذا التقارب والعلاقة ثماره المرجوة لابد أن يبنى على أصل من التحاور البناء الذي يؤسس على مقومات الحوار الناجح والذي تتضح فيه الأهداف والغايات, مع اعتبار أن الحضارات والثقافات يأخذ بعضها من بعض, بحسب قربها من الفطرة التي فطر الله الناس عليها, وهذا يحتم قبول طابع المفارقة وعدم الاستعلاء الحضاري بل الإقرار بالحق في الاختلاف, إذ أنه في علاقة تقاربية طردية كلما تمكن المرء من اكتشاف مكونات حضارات الآخرين أمكنه أن يؤسس لخصوصياته الحضارية الثقافية أبعادها الملائمة, وهذا يقوده إلى البعد عن النزعة الذاتية الضيقة عند تحقق هذا المسعى.

ونعود للتساؤل الأساس في هذه المقاربة: ما موقفنا من حوار الحضارات؟, هل هو القبول أم التوجس؟.

ولعل العرض السابق تناول الإجابة على هذا التساؤل, وصفوة القول فيه: أن الحوار خيار ممكن وقد حث عليه الدين الإسلامي ورغب فيه, ووجود التوجس قد يكون مقروناً ببعض مقاصد الحوار المعلنة أو غير المعلنة من الآخر من قبيل الرغبة في التغلب, ومسخ هوية الآخرين, وغيرها, إن محاولة صهر الحضارات والهيمنة عليها قسراً ثم إعادة إنتاجها هي محاولة فاشلة للتسويق لفكرة حوار الحضارات وتقاربها.

فالخلاصة نقول: إنه لا وجود فعلي لما يطلق عليه صدام أو صراع الحضارات بل هي أطروحات غلب عليها التشنج وعدم وضوح الرؤية, ولي في الختام أن أطلق على هذا المسمى العالمي "الحوار الإنساني", بدلاً من حوار الحضارات.

المقاربة الثالثة: مستقبل حوار الحضارات (كيف يمكن تصور حوار الحضارات في ظل عالم تتجاذبه مجموعة اتجاهات متباينة؟).

من أسس المقاربة الفلسفية لحوار الحضارات محاولة استقراء مستقبل هذا الحوار واستشراف تعاطيه الحضاري وتحقيق أهدافه. ومدى ملائمة الاستمرار فيه وتطويره, أو التخلي عنه وتركه, إن النظرة الواقعية لمستقبل الحوارات لا يكاد يخرج من الأنماط والسيناريوهات المستقبلية التالية:

نجاح مساعي حوار الحضارات وفق ما خطط لها.

تعثر حوار الحضارات لأسباب عرقية أو ثقافية أو اقتصادية أو سياسية ونشوء نظريات مخالفة له تدعو للانكفاء على الذات والصدام مع الآخر وإقصائه.

ترنح حوار الحضارات بين النجاح والإخفاق.

والرؤية المستقبلية لحوار الحضارات هي إمكانية نجاحه متى ما أحيط بعدة عوامل نجاح تساعده على تحقيق أهدافه, والتخلص من كل عثرات قد تواجهه, ومن المهم في سياق الحديث عن مستقبل حوار الحضارات أن تكون صورته واضحة المعالم لمن يرغب في المشاركة فيه ويقبل بنتائجه, فمن الضروري معرفة مقاصده وإجراءاته, ونظرياته وثماره التي تعود بالنفع على الأفراد والجماعات, ولأجل هذا تبرز بعض النظريات المستقبلية الخاصة بالحديث عن انهيار الحضارات, ولهذا عدة عوامل.

عوامل انهيار الحضارات وفنائها:

 

وهذه إحدى سيناريوهات مستقبل حوار الحضارات, فمن السنن الكونية التي لا يمارِ فيها أحد أن الحضارات تأخذ طابع الكائن البشري الحي, فهي تمر بمراحل الولادة, والطفولة, والصبا, والقوة, والشباب, ثم الهرم, والكهولة, وتختم بالفناء, فكم من حضارة بدأت ضعيفة تسير بخطى ثقيلة, ثم يتطور حالها لتعيش القوة والتأثير ثم ما تلبث أن يصيبها عوامل الوهن والعجز فتتقلص وتتلاشى وتنتهي فتكون أثراً بعد عين, إن الوقوع في الشرك والكفر والطغيان من أكبر عوامل انهيار الحضارات وفنائها, ومن تلك الحضارات في العصر القديم: عاد وحضارتهم, ثمود وحضارتهم, قوم نوح, قوم لوط, فرعون وقارون وهامان.

سبق معنا الحديث عن إمكانية الاستفادة مما لدى الحضارات الأخرى في جانبها المادي واستثماره, في حين أن بعض أبناء المسلمين فُتن بما لديهم من ثقافة فسعى في التبشير بها في المجتمعات الإسلامية والحماسة لها.(ولكن الخلط الفكري والثقافي وعدم وضوح المفاهيم أدى إلى عدم الاستفادة من الحضارات الأخرى. إن بعض المسلمين تركوا ما هو مشترك عام بين الحضارات-مثل العلوم الطبيعية والصناعات والتقنيات الحديثة -وقاموا بنقل مفاهيم الثقافة العلمانية الغربية في مجالات كثيرة من الفنون) ([82]), وكما كان الفناء سنة ربانية للأمم الماضية, فإنها سنة ربانية باقية ومستمرة للحضارات, فأي حضارة معاصرة تبنى على الظلم والقهر فإن مآلها إلى الفناء نتيجة فسادها, وكما أن لقيام الحضارات عوامل بناء, فإن لها عوامل أفول وفناء, (ومن صور الفساد التي تهدد الحضارة العلمانية الغربية المعاصرة:

مشكلة الانحلال الاجتماعي وتفكك واختلال الأسرة.

مشكلة الاستنساخ والهندسة الوراثية واللعب في الخريطة الجينية للإنسان.

فالفساد والبغي والطغيان والفجور والفسق من أخطر الأمور على الأمم والحضارات, ولذلك جاءت أحكام الشريعة الخاصة بالحدود رادعة لتمنع الفساد والبغي والطغيان, وبالتالي حماية المجتمعات من الفساد وحفظ حياة الناس وأموالهم وأعراضهم)([83]), إن من أبرز عوامل فهم سياقات الحضارات على تنوعها فهم سنن التدافع, والمقصود به محاولة تغلب أمة على أخرى والسعي في القضاء عليها, إن إحدى الصور المستقبلية المتداولة لحوار الحضارات دخولها في خضم ما يسمى بتدافع الحضارات, سواءً كان هذا التدافع في سياقاته البناءة أو هو تدافع التغلب والقهر.

فهم سنة التدافع:

 

إن (فهم السنن الإلهية على وجهه الصحيح كما أرادها الله عز وجل, تعطي المسلم المعيار الصحيح فيتخذ القرار السليم المتزن,ويحافظ على الحضارة الإسلامية ويحفظ خصوصيتها الإسلامية ويحميها من التأثيرات السلبية للحضارات الأخرى ومن تلك السنن سنة التدافع وسنة التكامل وسنة التوازن وسنة التعارف وسنة التعاون. وفي سنة التدافع يقول تعالى: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾([84]) والتنافس والسبق وإحراز النجاح في شتى المجالات, وليس المجالات العسكرية فقط ضروري وهام في فهم سنة التدافع, ويحقق التقدم في المجالات المختلفة, والتخلي عن ذلك يعتبر ضعفاً وتخاذلاً والرسول e حذر من ذلك)([85]).

إن المتأمل في الحضارة الإسلامية يجد أنها قامت في أصلها وفرعها على مبعث رباني يمثل ختام الرسالات السماوية, وقد جاءت محققة لكل احتياجات الناس في جوانب حياتهم كلها, وهذا أكسبها تميزاً عن غيرها من الثقافات فأضحت قادرة على التغلب على أي نوع من أنواع المصاعب والصروف, مما ينبئ بأنها ستبقى قوية وقادرة في مستقبلها على تقديم الكثير, وتكون ذات منعة تقدم للناس فيوض إسهاماتها في مسيرة الحياة الإنسانية.

وهناك معطيات تساعد في تقديم الدين الإسلامي كرافد فهم للحضارة, وله بُعده في التعريف بالحضارة الإسلامية والدين الإسلامي عبر الخطاب الديني الحضاري المؤثر, (فالتعامل الإسلامي مع الإنسان –مهما يكن دينه وجنسه ولغته-ومع مستقبل الحضارة, لابد أن يكون أيضاً من خلال صفة أخرى, وهي أنه دين العقل والعلم.

وهذان هما –مع السماحة- مدخلنا الحقيقي للتأثير في الخطاب الحضاري العالمي, وتقديم المعالجات والمفاهيم لقضايا الإنسان التي تشمل قضايا: التعددية, والشورى, والأقليات, والمرأة, والشباب, والطفولة, ومواقف الاعتدال والوسطية, بأساليب علمية موضوعية تقنع الآخرين, مجردة من الانفعال والخطابية. وهذا كله يتطلب منا فهماً لقضايا العصر ومشكلاته, وإدراكاً لموقع الأمة وما تعاني منه, في خضم العلاقات والتكتلات الدولية القائمة على المصالح المحدودة والأهواء النفعية, بعيداً عن الاهتمامات الضيقة, والقضايا الشكلية, والمعالجات السطحية.ففهم المسلمون لذلك جعل علومهم حلقة أساسية في سلسلة الحضارة الإنسانية)([86]).

إن فكرة بناء حوار الحضارات على أساس ديني صرف دون النظر إلى ما سواه من عوامل مؤثرة هو حكم استباقي على فشل هذا المسعى, ذاك أن كل نظرية حضارية قائمة على أصل ديني ترى في ذاتها الأصالة المطلقة وتسعى بناء على هذا لإقصاء الآخر, أيّاً كان هذا الآخر, من هنا ينبع لدينا ضرورة المناداة لحوار حضارات قائم على أصل التثاقف المشترك, ومبدأ التطور الثقافي, ونزعة التحول في مجرياته.

إلا أن لقائل أن يقول: أن حوار الحضارات المبني على أصول الديانات السماوية الرئيسية الثلاثة ممكن لأنها تستقى من معين واحد! وهذا صحيح إذا تجاوزنا قناعة أنها متناسخة متطورة, إن منطلق وأساس الحوار هو الاعتراف بالآخر وحقه في الحياة. فإذا انتفى هذا البعد انتفى معه أي دعوة للحوار, كما أن فشو مبعث الندية في الطرفين سبيل إلى تحقيق أهداف الحوار ومقاصده, وفي غياب هذا الاتجاه فلا قيمة لحوار بين حضارتين متباعدتين.

وهذا يدعونا إلى أهمية احترام الآخر من قبل قوى الهيمنة والاستلاب, ويتحتم علينا تكرار أن القرآن الكريم كتاب دعوة للحوار المنظم (فالدارس للقرآن المجيد يستطيع أن يتبين في كل صفحة أنه كتاب حوار مع المؤمنين ومع الكافرين, وأنه ضم أشنع مقولات الملاحدة وافتراءات أعداء الله ومناقشتها والرد عليها, كما أرخ لمعظم الرسالات السماوية وكيف أنها قامت على الحوار والموعظة الحسنة من الله)([87]).

و(تحكم العلاقة بين الحضارات قوانين, يمكن لقارئ التاريخ وتطور الإنسانية أن يجد أنها:

الاستمرار: سلسلة لا انقطاع فيها ولا توقف.

التراكم: لا حضارة تبدأ من الصفر.

التماثل: أي استيعاب الحضارات السابقة وتمثيلها.

الإحلال: أي تحديد فعالية الحضارة السابقة, وإحلال عناصرها الإيجابية في مكونات الحضارة الجديدة.

العموم: أي لا تحصر إنجازاتها في إطار مكاني أو زماني معين).([88])

رؤية مستقبلية لدور المسلمين في حوار الحضارات:

 

ويمكن تحديد أُطر إسهامات المسلمين في حوار الحضارات بالتالي:

التأكيد على أهمية وضوح الهوية الفكرية والثقافية للأمة الإسلامية.

الثقة بالمواطن كوعاء لكل آمال التقدم وكأداة حية للنهوض الاجتماعي.

مضاعفة القدرات الإنسانية في بناء الهيكل الحضاري وتكوين مقوماته وأسبابه عن طريق الاستخدام الأمثل للقدرات العلمية.

إيجاد صيغة واقعية ممكنة لتعاون دولي, في ظل تبادل عادل للمصالح, واحترام كامل لقواعد المنافسة الاقتصادية.([89]).

القيام بحركة "استغراب" مقابلة لحركة "الاستشراق", تستهدف التعرف بشكل أعمق إلى حضارة الغرب ودياناته, والتعرف على تاريخه وتقدمه الفكري والثقافي, لذا يجب علينا إعداد الجامعات والمعاهد العلمية ومراكز البحوث لدراسة العالم الغربي وسائر الحضارات الأخرى من جميع جوانبها.

نشر مبادئ التسامح والتعايش.

رسم استراتيجية واضحة عن طريق الحوار الأكاديمي مع أصحاب الديانات الأخرى ضمن إطار المؤسسات الدولية مستهدفاً من ورائها على أن أصل الإنسان واحد.

إبراز المبادئ المشتركة في الأديان كافة كالعدالة والسلام.

التعاون في المحافظة على البيئة)([90]).

(احترام المعتقدات الدينية أو الروحية للآخرين والتسامح معها)([91]).

احترام حقوق الإنسان, والاعتراف بالكرامة الإنسانية.

الاعتزاز بالتراث كرمز للأصالة, وكتعبير عن الانتماء لحضارة متميزة, بأبعادها الإنسانية([92]).

(استحضار القيم الإسلامية: إن الأزمات تظهر اعتزاز الأمة بدينها, وتبين قدرتها على التوحد في مواجهة الخصوم, وتساعد الجميع على التعلم من أخطاء الماضي, وتجاوز التجارب الأليمة من ظلم ذوي القربى, أو تجاوز طرف على طرف من أطراف الكيان المسلم. كما أن الالتزام بالعدل والإنصاف والقيم الشرعية الراسخة في التعامل مع الناس, ومواجهة الخصوم ستكون أحد الأدلة العملية والواقعية على قيمة رسالة الإسلام للبشرية, وقوة الرصيد الحضاري للأمة, وعودتها إلى ساحات التأثير العالمي, واستعادتها تدريجياً لمكانتها اللائقة بين أمم الأرض)([93]).

(وحتى يكون الحوار ناجحاً وفعالاً لابد من الإعداد له بشكل جيد, وهذا يتطلب إقامة مؤسسات دائمة, تتفرع عنها لجان متخصصة مزودة بكفاءات علمية وخبرات عالية, وتتولى هذه المؤسسات جمع المعلومات والبيانات الدقيقة, وإجراء البحوث الجادة, ووضع سيناريوهات "مشاهد" متعددة, تبين الخيارات المتاحة لكل حالة من الحالات)([94]).

(تعلم لغة الأعلام والتعبير عن قضيته وإيصال موقفه برؤية جديدة تنطلق من موقف ثقة بالذات وليس الدفاع عن النفس

ضرورة مراجعة النفس.

الابتعاد عن التعميم, لأن التعميم يغلق باب الحوار من الجانبيين

الاستفادة من الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت) وتحويلها لأداة توصيل ودفاع عن القضايا العربية.

ترجمة الأعمال العربية الراقية إلى اللغات الحية)([95]).

(إنشاء مراكز عربية إسلامية متخصصة في مشروع حوار الحضارات.

الانتقال من مرحلة التنظير إلى التطبيق في موضوع حوار الحضارات.

التنسيق والتعاون بين الدول والمنظمات التي تدير مشروعات الحوار الحضاري.

دعم المراكز البحثية المعنية بموضوع حوار الحضارات.

أرشفة منشورات الحوار الحضاري لتعين الباحثين في بحوثهم القادمة.

تخصيص جوائز سنوية لأفضل بحث يساهم في إغناء جوانب مسألة" الحوار الحضاري".

ترجمة البحوث الأجنبية المتميزة والمتصلة بموضوع الحوار الحضاري).([96])

(تدريب فريق من الباحثين في الجوانب العملية والنظرية المتعلقة بحوار الأديان, ونقله إلى فضاء حوار الحضارات).([97])

والمتأمل يرى أن جُل المبادرات في مجال حوار الحضارات يغلب عليها الطابع الحالم الذي يغفل عن معطيات كثيرة, وتوحي نظرية فوكوياما بتفوق الإنسان الليبرالي الغربي, وأنه الأرقى والأكثر استقراراً على قدر كبير من الانهزامية والانبهار والتبعية للمنتصر, ولعل من أخطر ما نادى به المفكر الأمريكي (فوكوياما) هو ضرورة انتقال النزاعات فلابد للحضارة الغربية من عدو تقاتله لتأكيد التفوق الغربي, وهذه الدعوة تنطوي على شعور مخالف لما يتصوره القوممن تفوق هذه الحضارة, بل هو مؤشر على دنو نهاية عافيتها وبداية انهيارها, فلولا سيطرة هذا الشعور وتأكده لما أمكن المناداة بهذه الفرضية.

 

ونختم هذه المقاربة بتقديم تصور لأحد الكتاب حول الواقع والمأمول في حوار الحضارات:

الواقع:

 

(في الوقت الراهن أعلن الغرب الحرب على ما سماه (بالإرهاب), لشعورهم بأنهم ليسوا بحاجة إلى التعايش السلمي, أما المسلمون فقد رأوا -ممثلين بحكوماتهم وببعض دعاة الفكر- أنهم مستهدفون, فأصبحوا ينادون, وبإلحاح, إلى الحوار والتفاهم وعدم اللجوء إلى القوة, حرصاً على توطيد السلم, وتحاشي مخاطر الحرب)([98]).

المأمول:

 

التعاون بين المسلمين, وإعادة النظر في أوضاعهم الداخلية, لإصلاح ما يمكن إصلاحه

العلائق الدولية تختلف عن العلائق الفردية, لذا ينبغي للأمة المسلمة تهيئة نفسها لتحمل الأزمات والمفاجآت.

أن يفتح المسلمون باب الحوار مع أنفسهم أولاً) ([99]).

إن مهمة المشاركة الفاعلة في منظومة حوار الحضارات تتطلب أن نساهم فيها من منطلق القوة لا الهزيمة والضعف, وأن تكون مبنية بكل اقتدار على قناعات راسخة بفاعلية وأهمية ما لدينا من تميز ثقافي قادر على الإسهام في مجموع الثقافة الإنسانية, وتتمثل الرؤية المستقبلية لحوار الحضارات بأن فكرة المدافعة والانكفاء على الذات بان عوارها, وأنها هي مدخل الأعداء والمتربصين للانقضاض على الحضارة والثقافة الإسلامية وتحطيمها, غير أن الدخول في هذا الخضم من منطلق القوة والمنعة قد يكون مجدياً.

الخاتمة:

 

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على نبي المكرمات, هنا تكون الدراسة بلغت تمامها وقد عنيت بمعالجة موضوع مبادرة حوار الحضارات وهي إحدى المبادرات العالمية المعاصرة والتي نشأت كرد على من أطلق نظرية صدام الحضارات, ويأتي هذا البحث ليتناول هذا الموضوع من وجهة نظر الفكر الإسلامي المعاصر, في عرض لمقاربة فلسفية كلية تشتمل على عدة مقاربات فالأولى لمحاولة فهم مقصد حوار الحضارات ومفهومه وتجلية الفهم الخاطئ تجاهه, والمقاربة الثانية في بيان موقف الفكر الإسلامي من مبادرات حوار الحضارات وهل يتمثل هذا الموقف بالقبول المطلق أم التوجس؟ والمقاربة الثالثة هي عن محاولة التعرف على صور العلاقة بين الحضارات, وهل هذه العلاقة علاقة استمداد وتكامل أم صراع وتغلب؟ والمقاربة الرابعة أتت كمحاولة لاستشراف مستقبل حوار الحضارات ومبادراته وهل يمكن الاستمرار فيه أم التوقف عنه.

 

وقد خرج البحث بجملة من النتائج والتوصيات نذكرها على النحو التالي:

النتائج:

 

يمكن للحضارة الإسلامية استيعاب الحضارة المعاصرة والتماهي معها فهي تتوافق في مسار رغبتها في تحقيق مبدأ العالمية مع تحقيق مبدأ الخصوصية ومواجهة الانبهار وهي معادلة دقيقة.

إن منطق الحوار هو المحفز الكبير على تقارب الحضارات, ومما ميز القيم الإسلامية امتلاكها لأدوات الحوار والحث عليه حتى مع الخصوم.

إن جل منطلقات القناعة بصلاحية حضارة بعينها لتكون أنموذج كوني هو ليس نابع من تفضيل مكوناتها بالضرورة, بل بالنظر إلى الأسس الأخلاقية التي تبنى عليها فتسعى لاستيعاب الناس جميعاً وتحقق كرامتهم وآدميتهم وتحافظ على حقوقهم عبر منظومة متكاملة من القيم ومعطيات النظم, ولعل كل هذا تحققه قيم ونظم وفكر الثقافة الإسلامية الرحبة.

لا يكاد أي منصف ممن كتب في تاريخ الحضارات القديمة والحديثة أن يتجاهل عن عمد أو غيره ما قدمته الحضارة الإسلامية من إسهام فاعل في مسيرة العلم والمعرفة وتطويرها, وابتكار أساليب الفهم والتحليل, فالتاريخ الإسلامي الحضاري يزخر بجملة من تلك المعطيات الفريدة.

هناك تقاطع كبير بين مفهومي الحضارة والثقافة, فكل حضارة قائمة تعد الثقافات مكون كبير من مكوناتها, كما أن الثقافة تحتاج لدعائم الحضارة المادية منها لحملها والتبشير بها.

إن ما تمثله الدعوات المنحازة من قبيل دعوات هيقل, ونتشة, وهينيجتون, وفوكاياما, وكيسنجر, ما هي إلا إفراز لطبيعة ما ينتمون له من ثقافات ترى حتمية تفوق العنصر الآري والغربي على وجه الخصوص, والذي ينادي إلى أنه لا مكان لغير المنتجات الفكرية الثقافية النابعة منها.

تنطوي فكرة الصراع الحتمي للحضارات على ذريعة التدخل السافر في مقدرات الأمم والشعوب, ومحاولة السيطرة عليها وجعلها تفقد كل مقومات الحياة, لتكون أمة مستلبة الحاضر والمستقبل؛ وما هو إلا وجه مشوه وصورة قمئة للاستعمار الجديد.

إن محاولات بعض قوى الهيمنة العالمية فرض ثقافتها وقيمها الهجين كأنموذج كوني يحل محل كافة الحضارات قديمها وحديثها هو صورة من صور إرغام التغلب الذي ما يلبث أن يتلاشى ويلفظ.

إن فكرة أحادية القطب نشأت وتم الترويج لها على أنها نهاية الحضارات ووصولها إلى غايتها الختامية والتي تبنى على أساس ليبرالية الحياة المطلقة, وهذا يؤدي إلى عدمية الحضارة !, إذ الحضارة الحقة هي ناتج التقارب والانصهار.

أن من أسس نجاح حوار الحضارات أن يبنى على الاحترام المتبادل وثقافة النفع العام, ولطالما افتقر الحوار إلى عامل التواصل الأبرز والأساس الثابت الذي يؤكد على استمراريته وهو التركيز دوماً على نقاط الالتقاء وفق المشتركات الإنسانية والقيم المتفق عليها.

إن صورة المناداة بالعيش بسلام وطمأنينة للجميع لا يمكن لها أن تستمر ما لم تبنَ على أساس من الحوار المتبادل بين الأنداد.

أن من يقوم بالحوار هم العلماء المفكرون, ومن لديهم حصيلة متفوقة من العلوم والمعارف.والمحص ة الختامية هو الوصول إلى مبتغى حوار الحضارات وهو الحوار بين أتباع الأديان والحضارات.

أن القيم الإسلامية تدعو إلى الحوار في جملة من نصوص الوحيين الشريفين.

أن مبادرات حوار الحضارات وإن كانت تنطوي على أهداف سياسية دبلوماسية فيمكن توظيفها والاستفادة منها في توضيح موقف الإسلام من العديد من القضايا.

التوصيات:

 

على الدارسين في مجالات القضايا الإسلامية دخول غمار هذا الضرب من ضروب المعرفة بالبحث والحوار والنقاش.

لحوار الحضارات مستقبل في المنظور القريب من المهم للمتصدرين لدراسته أن يستبينوا معالمه ويرسموا حدوده ومراميه.

على مؤسسات التربية والتعليم دور فعال في إشاعة ثقافة حوار الحضارات والاستفادة مما لدى الآخرين دون الانصهار في ثقافتهم والانبهار بها بل الاعتزاز بما لدينا من موروث ثقافي علمي رائد.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش البحث:

[1]- لسان العرب, لمحمد بن مكرم بن منظور, مادة (حور), 4/217, ط1 ( بيروت:دار صادر ).

[2]- ضوابط الحوار في الفكر الإسلامي, مفرح سليمان القوسي, ص13, ط1(الرياض: مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني, 1429هـ).

[3]- هندسة الحوار, عبد القادر عبد الحافظ الشيخلي, ص15, ط1(الرياض: مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني, 1432هـ).

[4]- القاموس المحيط, الفيروز آبادي, ص481, ط2(بيروت: مؤسسة الرسالة, 1407هـ).

[5]- المقدمة, عبد الرحمن ابن خلدون, ص172, (بيروت: دار القلم, 1980م).

[6]- الثقافات والحضارات- اختلاف النشأة والمفهوم-, محمد الجوهري حمد الجوهري, ص59, ط1 (القاهرة: الدار المصرية اللبنانية, 2009م).

[7]- انظر: المرجع السابق, ص100.

[8]- انظر: الحضارة والفكر العالمي, مصطفى عبد القادر غنيمات, ص24, ط1( عمان: دار الثقافة, 2012م).

[9]- انظر: المسألة الثقافية وقضايا اللسان والهوية, محمد العربي ولد خليفة, ص23, ط1( الجزائر: ثالة الأبيار, 2007م).

[10]- انظر: الحضارة والفكر العالمي, مصطفى عبد القادر غنيمات, ص26, مرجع سابق.

[11]- انظر: كتاب الثقافة والتنمية, موضوع: الثقافة والإعلام, فاروق جرار, ص250 (عمان: وزارة الثقافة, 2003م).

[12]- سورة محمد, الآية:38.

[13]- انظر: حوار الحضارات-بين الأنا والآخر والمعادلة المفقودة, محمد زرمان, ص18-19, ط 1(عمان: دار الأعلام, 2010م).

[14]- انظر: حوار الثقافات, محمد عابد الجابري, بحث قدم في الندوة المنعقدة في عمان بتاريخ (20/3/2002م, بمناسبة إعلان عمان عاصمة للثقافة العربية عام 2002م.

[15]- حوار الحضارات-بين الأنا والآخر والمعادلة المفقودة, محمد زرمان, ص17, مرجع سابق.

[16]- انظر بتصرف: نماذج لعلوم الحضارة الإسلامية وأثرها في الآخر, خالد أحمد حربي, ص7, ط1(الإسكندرية: دار الوفاء لدينا, 2006م).

[17]- انظر: نماذج لعلوم الحضارة الإسلامية وأثرها في الآخر, خالد أحمد حربي, ص189, المرجع السابق.

[18]- مجلة سطور, الدين وسؤال الهوية, نصر حامد أبو زيد, عدد أكتوبر, 2006م.

[19]- الثقافات والحضارات- اختلاف النشأة والمفهوم-, محمد الجوهري حمد الجوهري, ص179, مرجع سابق.

[20]-انظر: إهدار الحقيقة, نعوم تشومسكي, ص45, ط1 (القاهرة: دار الشروق الدولية).

[21]- انظر: الحضارة والفكر العالمي, مصطفى عبد القادر غنيمات, ص253-269, مرجع سابق.

[22]-انظر: نهاية التاريخ تحت مجهر الفكر العربي-حوار فوكوياما بمرآة المثقفين العرب-, عبد العزيز قاسم, ص46, ط1(الرياض: العبيكان, 2007م).

[23]- الخصوصية الثقافية, بشير عبد الفتاح, ص23-33, ط1 (القاهرة: نهضة مصر, 2007م).

[24]- انظر: الخصوصية الثقافية, بشير عبد الفتاح, ص37-56, المرجع السابق.

[25]-سورة هود, الآية 118.

[26]-سورة الحجرات, الآية 13.

[27]- انظر: حوار الحضارات- بين الأنا والآخر والمعادلة المفقودة, محمد زرمان, ص25-28, مرجع سابق.

[28]- ضوابط الحوار في الفكر الإسلامي, مفرح سليمان القوسي, ص19-20, مرجع سابق.

[29]- انظر بتصرف: الإسلام وحوار الحضارات- قراءة الحاضر واستشراف المستقبل-, عبد الله إبراهيم الطريقي, ص114- 118, ط1(الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, 1429هـ-2008م).

[30]- الأديان الإبراهيمية-قضايا الراهن-, عز الدين عناية, ص27, ط1(الدار البيضاء: دار توبقال, 2014م).

[31]- انظر بتصرف: الإسلام وحوار الحضارات- قراءة الحاضر واستشراف المستقبل-, عبد الله إبراهيم الطريقي, ص45-47, المرجع السابق.

[32]- أصالة الفكر العربي, محمد عبد الرحمن مرحبا, ص152 (بيروت: منشورات عويدات, 1982م).

[33]- هندسة الحوار, عبد القادر عبد الحافظ الشيخلي, ص20, مرجع سابق.

[34]- الأديان الإبراهيمية-قضايا الراهن-, عز الدين عناية, ص26, مرجع سابق.

[35]- الأديان الإبراهيمية-قضايا الراهن-, ص26, المرجع السابق.

[36]- انظر بتصرف: الإسلام والغرب-مواجهة أم حوار-, محمد علي الفرا, ص138- 142, ط1( عمان: دار مجدلاوي للنشر, 2002م).

[37]- انظر: مؤتمر: كيف نواصل مشروع حوار الحضارات, قيم الحوار والتعايش في الرؤية الثقافية الإسلامية, محمد علي التسخيري, ج1, ص62-63 ( دمشق المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بدمشق, 2002م).

[38]- انظر بتصرف: فلسفة الحضارة وحوار الحضارات, سعيد محمد السقا, ص215-216, مرجع سابق.

[39]- فقه الحوار مع المخالف في ضوء السنة النبوية, رقية طه جابر العلواني, ص182, ط1(الرياض: جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة, 1426هـ-2005م).

[40]- تفاعل الحضارات- دور الفينومنولجيا الواقعية في حوار الحضارات والديانات-, يوسف سايفرت, ترجمة وتقديم حميد لشهب, ص26, ط1( الرباط: الأكاديمة العالمية للفلسفة بإمارة الليكتنشطاين, 2004م).

[41]- سورة آل عمران, الآية:64.

[42]- انظر بتصرف: تفاعل الحضارات- دور الفينومنولجيا الواقعية في حوار الحضارات والديانات-, يوسف سايفرت, ترجمة وتقديم حميد لشهب, ص27-51, مرجع سابق.

[43]- انظر: حوار الحضارات- إشكالية التصادم وآفاق الحوار حقائق ومفاهيم لا ينبغي أن تغيب-, عطية فتحي الويشي, ص273- 282, ط1( الكويت: مكتبة المنار الإسلامية, 2001م).

[44]- حوار الحضارات- بين الأنا والآخر والمعادلة المفقودة, محمد زرمان, ص123-129, مرجع سابق.

[45]- انظر بتصرف: فلسفة الحضارة وحوار الحضارات, سعيد محمد السقا, ص216-222, ط1( الإسكندرية: دار الوفاء لدينا للنشر, 2013م).

[46]- انظر بتصرف: تفاعل الحضارات – دور الفينومنولجيا الواقعية في حوار الحضارات والديانات-, يوسف سايفرت, ترجمة وتقديم حميد لشهب, ص53-64, مرجع سابق.

[47]- انظر بتصرف: تفاعل الحضارات – دور الفينومنولجيا الواقعية في حوار الحضارات والديانات, ص79, المرجع السابق.

[48]- المؤتمر العام التاسع المعنون بـ الإنسان ومستقبل الحضارة- وجهة نظر إسلامية-, تأملات حول الإنسان ومستقبل الحضارة, سيد حسين نصر, ص203, ط1 (عمان: المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية, 23-25/محرم/1414هـ-13-15/يوليو/1993م).

[49]- انظر: الحضارة والفكر العالمي, مصطفى عبد القادر غنيمات, ص306, مرجع سابق.

[50]- هندسة الحوار, عبد القادر عبد الحافظ الشيخلي, ص20-21, مرجع سابق.

[51]- الحوار وتحالف الحضارات, عبد العزيز عثمان التويجري, ص14 (المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة, 1430هـ).

[52]- سورة الحجرات, الآية:13.

[53]- سورة آل عمران, الآية:19.

[54]- الثقافات والحضارات- اختلاف النشأة والمفهوم-, محمد الجوهري حمد الجوهري, ص168-178, مرجع سابق.

[55]- صراع الحضارات- بين عولمة غربية وبعث إسلامي, جعفر شيخ إدريس, ص209, ط1( الرياض: مجلة البيان 1433هـ).

[56]- انظر بتصرف:حوار الحضارات من السؤال" الكيفي", إدريس هاني

http://iranarab.com\ Default.asp?Page=ViewArticle&A rticleID=597&SearchS tr=Viewall.

[57]- انظر: مؤتمر: كيف نواصل مشروع حوار الحضارات, مسجد جامعي, ج1, ص11, مرجع سابق.

[58]- حوار الحضارات-بين الأنا والآخر والمعادلة المفقودة, محمد زرمان, ص53-76, مرجع سابق.

[59]- تعايش الثقافات مشروع مضاد لهنتنغتون, ترجمة إبراهيم أبو هشهش, ص103-104, ط1(طرابلس: دار أويا 2005م).

[60]- انظر: العولمة والهوية الثقافية, محمد عابد الجابري, ص83-86, مجلة المستقبل العربي, العدد 228( 1998م).

[61]- الأديان الإبراهيمية-قضايا الراهن-, عز الدين عناية, ص81, مرجع سابق.

[62]-انظر: استراتيجيات غربية لاحتواء الإسلام-قراءة في تقرير راند 2007م, باسم خفاجي, ص44, ط1 (القاهرة: المركز العربي للدراسات الإنسانية, 23السنة الأولى, العدد الرابع, ربيع ثاني 1428هـ- مايو 2007م).

[63]-انظر الإسلام والغرب دراسة في تقويم القواسم المشتركة, محمد نصر مهنا, ص15, مرجع سابق.

[64]- انظر: الإسلام والغرب-مواجهة أم حوار-, محمد علي الفرا, ص209, مرجع سابق.

[65]- سورة آل عمران, الآية: 64.

[66]- المؤتمر العام التاسع بعمان المعنون بـ الإنسان ومستقبل الحضارة- وجهة نظر إسلامية-, الإسلام والمستقبل, فهمي جدعان, ص181, ط1 (عمان: المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية, 23-25/محرم/1414هـ-13-15/يوليو/1993م).

[67]- انظر: مجلة آفاق عربية, العولمة والهوية الثقافية, محمد مظفر الأدهمي, ص32, عدد 3 آيار, حزيران( 1997م).

[68]- انظر: قضايا في الفكر المعاصر, محمد عابد الجابري, ص130-131(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية, 1997م).

[69]-انظر الإسلام والغرب دراسة في تقويم القواسم المشتركة, محمد نصر مهنا, ص16, مرجع سابق.

[70]- حوار الحضارات-إشكالية التصادم وآفاق الحوار حقائق ومفاهيم لا ينبغي أن تغيب, عطية فتحي الويشي, ص17, مرجع سابق.

[71]- حوار الحضارات-بين الأنا والآخر والمعادلة المفقودة, محمد زرمان, ص133-142, مرجع سابق.

[72]- حوار الحضارات-ندوة فكرية دولية, عطية مسموح, ص41, ط1( دمشق: دار الينابيع, 2009م).

[73]- سورة فصلت, الآيتين: 34-35.

[74]- حوار الحضارات- إشكالية التصادم وآفاق الحوار حقائق ومفاهيم لا ينبغي أن تغيب-, عطية فتحي الويشي, ص17, مرجع سابق.

[75]- انظر بتصرف: تعايش الثقافات مشروع مضاد لهنتنغتون, ترجمة إبراهيم أبو هشهش, ص320-321, ط1( طرابلس: دار أويا 2005م).

[76]-انظر:المؤتمر العام التاسع المعنون بـ الإنسان ومستقبل الحضارة-وجهة نظر إسلامية-, الإسلام

حضارة الغد, يوسف القرضاوي, ص320, مرجع سابق.

[77]-انظر:المؤتمر العام التاسع المعنون بـ الإنسان ومستقبل الحضارة- وجهة نظر إسلامية-, الإسلام حضارة الغد, يوسف القرضاوي, ص320, مرجع سابق.

[78]-انظر:المؤتمر العام التاسع المعنون بـ الإنسان ومستقبل الحضارة- وجهة نظر إسلامية-, الإسلام حضارة الغد, يوسف القرضاوي, ص371, مرجع سابق.

[79]- انظر: الإسلام والغرب-مواجهة أم حوار-, محمد علي الفرا, ص220, مرجع سابق.

[80]- انظر: الإسلام والغرب-مواجهة أم حوار-, محمد علي الفرا, ص221, مرجع سابق.

[81]- انظر: الإسلام والغرب-مواجهة أم حوار-, ص224, المرجع السابق.

[82]- الثقافات والحضارات-اختلاف النشأة والمفهوم-, محمد الجوهري حمد الجوهري, ص179, مرجع سابق.

[83]- الثقافات والحضارات-اختلاف النشأة والمفهوم-, ص179, المرجع السابق.

[84]- سورة البقرة, الآية: 251.

[85]- انظر: الثقافات والحضارات-اختلاف النشأة والمفهوم-, محمد الجوهري حمد الجوهري, ص211-234, مرجع سابق.

[86]- المؤتمر العام التاسع بعمان المعنون بـ الإنسان ومستقبل الحضارة- وجهة نظر إسلامية-, كلمة صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال, ص11, مرجع سابق.

[87]-انظر: نهاية التاريخ تحت مجهر الفكر العربي-حوار فوكوياما بمرآة المثقفين العرب-, عبد العزيز قاسم, ص8, مرجع سابق.

[88]- انظر: حوار الحضارات- ندوة فكرية دولية-, عطية مسموح, ص16- 18, مرجع سابق.

[89]-انظر: بتصرف:المؤتمر العام التاسع المعنون بـ الإنسان ومستقبل الحضارة- وجهة نظر إسلامية-, نحو خطة موحدة لمستقبل العالم الإسلامي, محمد فاروق النبهان, ص452-453, مرجع سابق.

[90]-انظر بتصرف:المؤتمر العام التاسع المعنون بـ الإنسان ومستقبل الحضارة- وجهة نظر إسلامية-, أفكار وخواطر حول الإسهامات التي يمكن أن يقدمها العالم الإسلامي ونحن على اعتاب نظام عالمي جديد, أكمل الدين إحسان أوغلو, ص204, مرجع سابق.

[91]-انظر بتصرف:المؤتمر العام التاسع المعنون بـ الإنسان ومستقبل الحضارة-وجهة نظر إسلامية-, الإنسان ومستقبل الحضارة من منظور إسلامي, جاويد إقبال, ص204, مرجع سابق.

[92]-انظر بتصرف:المؤتمر العام التاسع المعنون بـ الإنسان ومستقبل الحضارة-وجهة نظر إسلامية- نحو خطة موحدة لمستقبل العالم الإسلامي, محمد فاروق النبهان, ص448-449, مرجع سابق.

[93]-انظر استراتيجيات غربية لاحتواء الإسلام- قراءة في تقرير راند 2007م, باسم خفاجي, ص59

مرجع سابق.

[94]- انظر: الإسلام والغرب-مواجهة أم حوار-, محمد علي الفرا, ص220, مرجع سابق.

[95]-انظر بتصرف: الإسلام والغرب دراسة في تقويم القواسم المشتركة, محمد نصر مهنا, ص18-20, مرجع سابق.

[96]- انظر: توصيات مؤتمر: كيف نواصل مشروع حوار الحضارات, ج1, ص312-314, مرجع سابق.

[97]- انظر: مؤتمر كيف نواصل مشروع حوار الحضارات, بين حوار الأديان وحوار الحضارات, أحمد عبد الله, ج2, ص178, مرجع سابق.

[98]- انظر: الإسلام وحوار الحضارات- قراءة الحاضر واستشراف المستقبل-, عبد الله إبراهيم الطريقي, ص201, مرجع سابق.

[99]- انظر بتصرف: الإسلام وحوار الحضارات- قراءة الحاضر واستشراف المستقبل-, عبد الله إبراهيم الطريقي, ص201-203, مرجع سابق.

ـــــــــــــــــــــــ

المراجع:

الأديان الإبراهيمية-قضايا الراهن-, عز الدين عناية, ط1(الدار البيضاء: دار توبقال, 2014م).

استراتيجيات غربية لاحتواء الإسلام-قراءة في تقرير راند 2007م, باسم خفاجي, ط1 (القاهرة: المركز العربي للدراسات الإنسانية, السنة الأولى, العدد الرابع, ربيع ثاني 1428هـ- مايو 2007م).

الإسلام وحوار الحضارات-قراءة الحاضر واستشراف المستقبل-, عبد الله إبراهيم الطريقي, ط1(الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, 1429هـ-2008م).

الإسلام والغرب دراسة في تقويم القواسم المشتركة, محمد نصر مهنا(الإسكندرية: مركز الإسكندرية للكتاب, 2007م).

الإسلام والغرب-مواجهة أم حوار-, محمد علي الفرا, ط1( عمان: دار مجلاوي للنشر, 2002م).

أصالة الفكرالعربي, محمد عبد الرحمن مرحبا (بيروت: منشورات عويدات, 1982م).

إهدار الحقيقة, نعوم تشومسكي, ط1 (القاهرة: دار الشروق الدولية).

تعايش الثقافات مشروع مضاد لهنتنغتون, ترجمة إبراهيم أبو هشهش, ط1( طرابلس: دار أويا 2005م).

تفاعل الحضارات- دور الفينومنولجيا الواقعية في حوار الحضارات والديانات-, يوسف سايفرت, ترجمة وتقديم حميد لشهب, ط1( الرباط: الأكاديمة العالمية للفلسفة بإمارة الليكتنشطاين, 2004م).

الثقافات والحضارات- اختلاف النشأة والمفهوم-, محمد الجوهري حمد الجوهري, ط1 (القاهرة: الدار المصرية اللبنانية, 2009م).

كتاب الثقافة والتنمية, موضوع: الثقافة والإعلام, فاروق جرار ( عمان: وزارة الثقافة, 2003م).

الحضارة والفكر العالمي, مصطفى عبد القادر غنيمات, ط1( عمان: دار الثقافة, 2012م).

الحوار وتحالف الحضارات, عبد العزيز عثمان التويجري (المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة, 1430هـ).

حوار الثقافات, محمد عابد الجابري, بحث قدم في الندوة المنعقدة في عمان بتاريخ(20/3/2002م, بمناسبة إعلان عمان عاصمة للثقافة العربية عام 2002م.

حوار الحضارات- إشكالية التصادم وآفاق الحوار حقائق ومفاهيم لا ينبغي أن تغيب-, عطية فتحي الويشي, ط1( الكويت: مكتبة المنار الإسلامية, 2001م).

حوار الحضارات- بين الأنا والآخر والمعادلة المفقودة, محمد زرمان, ط1( عمان: دار الأعلام, 2010م).

حوار الحضارات- ندوة فكرية دولية-, عطية مسموح, ط1( دمشق: دار الينابيع, 2009م).

حوار الحضارات – المعنى, الأفكار, التقنيات-, تأليف مجموعة من الباحثين, تحرير سهيل فرح؛ أوليجكولوبوف, ترجمة: سهيل فرح, ط1 ( القاهرة: المركز القومي للترجمة, 2009م).

الخصوصية الثقافية, بشير عبد الفتاح, ط1( القاهرة: نهضة مصر, 2007م).

صراع الحضارات- بين عولمة غربية وبعث إسلامي, جعفر شيخ إدريس, ط1( الرياض: مجلة البيان 1433هـ).

ضوابط الحوار في الفكر الإسلامي, مفرح سليمان القوسي, ط1(الرياض: مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني, 1429هـ).

فلسفة الحضارة وحوار الحضارات, سعيد محمد السقا, ط1( الإسكندرية: دار الوفاء لدينا للنشر, 2013م).

فقه الحوار مع المخالف في ضوء السنة النبوية, رقية طه جابر العلواني, ط1(الرياض: جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة, 1426هـ-2005م).

القاموس المحيط, الفيروز آبادي, ص481, ط2(بيروت: مؤسسة الرسالة, 1407هـ).

قضايا في الفكر المعاصر, محمد عابد الجابري(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية, 1997م).

لسان العرب, لمحمد بن مكرم بن منظور, ط1 (بيروت:دار صادر ).

مجلة آفاق عربية, العولمة والهوية الثقافية, محمد مظفر الأدهمي, عدد 3 آيار, حزيران( 1997م).

مجلة سطور, الدين وسؤال الهوية, نصر حامد أبو زيد, عدد أكتوبر, 2006م.

مجلة المستقبل العربي, العولمة والهوية الثقافية, محمد عابد الجابري, العدد 228( 1998م).

المسألة الثقافية وقضايا اللسان والهوية, محمد العربي ولد خليفة, ط1(الجزائر: ثالة الأبيار, 2007م).

المقدمة, عبد الرحمن ابن خلدون (بيروت: دار القلم, 1980م).

مؤتمر: كيف نواصل مشروع حوار الحضارات (دمشق: المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بدمشق, 2002م).

المؤتمر العام التاسع بعمان المعنون بـ الإنسان ومستقبل الحضارة- وجهة نظر إسلامية, ط1 (عمان: المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية, 23-25/محرم/1414هـ-13-15/يوليو/1993م).

نماذج لعلوم الحضارة الإسلامية وأثرها في الآخر, خالد أحمد حربي, ط1(الإسكندرية: دار الوفاء لدينا, 2006م).

نهاية التاريخ تحت مجهر الفكر العربي-حوار فوكوياما بمرآة المثقفين العرب-, عبد العزيز قاسم, ط1(الرياض: العبيكان, 2007م).

هندسة الحوار, عبد القادر عبد الحافظ الشيخلي, ط1(الرياض: مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني, 1432هـ).

 

المصدر: https://majles.alukah.net/t177616/

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك