حوارات فقهية عن جميع الأحكام والسائل

بسم الله الرحمن الرحيم
الفهرست التفصيلي
تمهيد
ها أنذا اليوم أكملت السنة الخامسة عشرة من عمري، لم أدرك حين أفقت من نومي صبيحته أن يومي هذا سيكون مسكوناً بالدهشة، والمفاجأة، والترقب، والزهو، والإنبهار، ممهوراً بالمتعة، والشغف، والمحبة، ولذة الاكتشاف. يوماً سينقلني من مرحلة سلفت، ويضعني على أعتاب مرحلة أخرى بدأت.
استيقظت مبكراً كعادتي كل يوم، وما أن أنهيت واجباتي اليومية المعتادة ـ تلك التي تفصل بين يقظتي وجلوسي إلى مائدة الإفطار الصباحي ـ حتى أبصرت على وجه أبي شيئاً ما مختلفاً عما كنت آلفه منه كل يوم، شيئاً ما جعلني أخمن أن أمراً يخصني بات يراوده ويشغله، ويستأثر باهتمامه. فالعينان المفتوحتان أكثر من المعتاد، كما لو كانتا تحدقان في الفراغ، والشفتان المضمومتان الملمومتان بعض الشيء كما لو كانتا تتهيآن لقول مثير، تهمّان أن تفضيا به ثم تمسكا، والأصابع التي تنقر بانتظام وتتابع نقرات وقورة على مائدة الإفطار تنبئ بأن القلب ممتلئ بعصارة أمر هام، ويوشك لفرط امتلائه أن يفيض.
وما أن جلست قبالته على الطرف الثاني من المائدة حتى بادرني وفي عينيه فرح رزين مكتوم قائلاً:
اليوم يا بنيّ ودّعت مرحلة سلفت من عمرك، واستقبلت مرحلة جديدة بدأت.. اليوم أصبحت في نظر المشرّع الإسلامي رجلاً تام الأهلية لأن تكلف.. اليوم منّ الله عليك فخاطبك بالتكليف، وتلطف فأمرك ونهاك.
وأضاف أبي:
كنت حتى البارحة في نظر المشرّع الإسلامي طفلاً لم تبلغ بعدُ مرحلة الرجال، فلم يجدك المشرّع أهلاً لأمره ونهيه فتركك وشأنك.. أما اليوم فقد تغير كل شيء.. أنت اليوم رجل كالرجال، معترف لك بالرجولة والأهلية التامة للخطاب، وحين بلغ بك النضج هذه المرحلة، وأسلمك إليها، منّ الله عليك فخاطبك بأمره ونهيه.
ـ عفواً، لم أفهم قصدك كيف يمنّ الله عليّ فيأمرني؟ أيكون الأمر منّة؟! كيف يكون ذلك؟
ـ دعني أوضح لك الأمر بمثال كيف يكون أمره لك منّة عليك.. أنت الآن طالب في المدرسة، تقف مع زملاء لك طلاب، بينكم الذكي، والمواظب، والمجدّ، والملتزم، والواعي، وبينكم غيرهم، تقفون مستعدّين لأمر ما جديد سيفجؤكم، تقفون ويمرّ السيد المدير يستعرضكم، وما أن تلتقي عيناه بعينيك حتى يتريث، ويتطلع إليك برضا أول الأمر، ثم يزفّ إليك ـ مبتسماً ـ بشرى انتقالك لمرحلة طالما حلمت بها، معترفاً لك من خلال ذلك بأهليتك التامة لمرحلتك الجديدة، متوجهاً إليك مميزاً لك من بين زملائك، بأمر ما ينمّ عن اعتراف بأهليتك.
ألا تشعر يومئذٍ باعتزازٍ من نوع خاص لأمره، وحب لما أمرك به، مشوب بالاعتداد والثقة بالنفس، لتوجيهه الخطاب إليك من دون غيرك من أقرانك، متبوع بسعي حثيث لتنفيذ ما أمرك به.. كل ذلك والآمر مدير مدرستك، فكيف سيكون شعورك لو كان الآمر هو السيد المدير العام لتربيتك؟! بل كيف سيكون الحال لو كان الآمر هو السيد المفتش العام؟! كيف سيكون شعورك لو كان الآمر...
واستمر أبي يرتقي بالآمر المخاطب رتبة رتبة، ومع كل رتبة يرتقيها يتجلى لي أكثر فأكثر شيء ما كان خافياً عليّ من قبل.. كما لو أني أفقت للتوّ من سبات عميق.
وما أن وصل أبي إلى أمر الله عز وجل وخطابه إليّ، وتكليفه إياي حتى صُعقت.
ـ الله يخاطبني أنا.. .. يأمرني أنا.. أنا.
ـ نعم يا بني: الله يخاطبك أنت.. أنت ابن خمس عشرة سنة.. ويكلّفك أنت.. أنت ابن خمس عشرة سنة .. ويأمرك أنت .. وينهاك أنت.
ـ أوَأستحقّ أنا كل هذا التكريم .. خالق الخلق كلهم يشرّفني فيكلّفني .. جبار السماوات والأرض يتلطف فيأمرني وينهاني .. ما أحلى يومي هذا، وما أجمل سنتي هذه .. ما أبهى الرجولة.
ـ عليك يا بني أن تطيع ما أمرك به خالقك فشرّفك به.
ـ بل سأسعى بشغف عاشقٍ إلى تطبيق تكاليفه الحبيبة. ولكن..
ـ ولكن ماذا..؟
ـ ولكن ما هي هذه التكاليف التي كلّفني بها؟
ـ التكاليف الشرعية على خمسة أنحاء ... واجبات، ومحرمات، ومستحبات، ومكروهات، ومباحات.
ـ وما هي الواجبات؟ وما هي المحرمات؟ وما هي المستحبات؟.. والمكروهات ؟.. والمباحات؟
ـ كل ما تحتم عليك فعله فهو من الواجبات، كالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، والخمس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها كثير.
وكل ما تحتم عليك تركه فهو من المحرمات، كشرب الخمر، والزنا، والسرقة، والتبذير، والكذب، وغيرها كثير.
وكل ما حسن فعله من دون إلزام فهو من المستحبات، كالصدقة على الفقير، والنظافة، وحسن الخلق، وقضاء حاجة المؤمن المحتاج، وصلاة الجماعة، واستعمال الطيب، وغيرها كثير.
وكل ما حسن تركه والابتعاد والنأي عنه من دون إلزام فهو من المكروهات، كالبخل، وتأخير زواج الرجل والمرأة، والغلاء في المهر، وسوء الخلق، ورد طلب المؤمن المحتاج إلى القرض مع القدرة عليه، وغيرها كثير.
أما ما تركت لك حرية الاختيار فيه، أن تفعله أو تتركه فهو من المباحات، كالأكل والشرب والنوم، والجلوس، والسفر، والسياحة، وغيرها كثير.
ـ وأنّى لي أن أميز الواجبات من المستحبات، والمحرمات عن المكروهات. كيف أعرف أن هذا واجب فأفعله وأؤديه وألتزم به، وهذا حرام فأجتنبه وأدعه وأتركه وأنأى عنه؟ كيف أعرف أن...؟
قاطعني أبي مبتسماً، ثم نظر إليّ نظرة رحمة وإشفاق، وهَمّ أن يقول شيئاً إلا أنه أعرض عنه مؤثراً التريث، ثم انكفأ فغاص في تأمل عميق.
وساد لوهلة صمت عميق كثيف كالفراغ لم أستطع أن أخمن خلاله ما دار في رأس أبي، غير أني كنت أرقب سحابة داكنة معتمة تمرّ متأنية على جبهته ثم تنشطر لتغطي بقية قسمات وجهه وصولاً إلى شفتيه اللتين انفرجتا عن صوت ضعيف، فيه من الرقة والعطف الشيء الكثير.
ـ ستميز الواجبات من المحرمات، والمستحبات من المكروهات إذا استعرضت كتب علم (الفقه الإسلامي). وستجد أن لبعضها أركاناً وأجزاء وشرائط، ولبعضها حركات خاصة يجب أن تؤدى بها، ولبعضها خصوصيات لا يمكن أن تحيد عنها، ولبعضها... ولبعضها... راجع كتب الفقه الإسلامي وستجد فيها ضالتك.. ثم ستكتشف بعد ذلك أنه علم واسع، غزير، كتب فيه مئات المجلدات، وأشبع العلماء مسائله وطروحاته بحثاً، وتمحيصاً، بعمق قلّ نظيره في علوم إنسانية أخرى.
ـ وهل يجب عليّ أن ألمّ بكل هذه الكتب لأعرف ما يجب عليّ أن أفعله؟
ـ بل يكفيك أن تراجع أخصرها وأيسرها على الفهم، وستجد أنها قُسّمت إلى قسمين: قسم خاص بالعبادات، وقسم خاص بالمعاملات.
ـ وما العبادات؟ وما المعاملات؟
ـ تمهل قليلاً، وراجع كتب الفقه الإسلامي، وستعرف تدريجياً ما أنت الآن بصدد معرفته.
درجت أعدو إلى المكتبة، علّني أعثر على كتب الفقه الإسلامي هذه.. أعدو، ويعدو معي شوقي وحاجتي. وما أن وقعت عيناي عليها حتى أسرتني فرحة غامرة هزت كياني كله هزاً عنيفاً، أو هكذا خيّل إليّ.
ـ ها هي ذي كتب الفقه الإسلامي، لقد وصلت أخيراً إلى غايتي .. سأقرأها، وسأجد فيها إجابات شافية عن أسئلتي .. وسأستريح.
وعدت إلى غرفتي لهفان مسرعاً، مزهواً بما أنجزت، فتحت الباب على عجل، ودخلت الغرفة على عجل، وفتحت كتابي على عجل. وما أن بدأت أقرأ حتى ارتسمت على ملامحي خطوط من غرابة متوحشة أول الأمر، سرعان ما تحولت إلى دهشة مكتومة، ثم استقرت متخذة شكل وجع حارق متوهج مؤلم.
لقد وجدت نفسي أقرأ كثيراً، ولا أفهم شيئاً ذا بال مما قرأت.
تُرى: كيف لي أن أعالج حيرتي، وحيرتي من نوع خاص غير مألوف.
وكابرت. قلت فلأواصل القراءة، ومحاولة الفهم، وإعادة القراءة، وإعادة محاولة الفهم، علّني أستفيد.
ومر الوقت ثقيلاً، بطيئاً، متأنياً، كان صدري يرزح خلاله تحت ثقل ضاغط، جاثم. لا ينفك يطاردني ويضيق خناقه علي، وبين يدي الكتاب وإذ أتلو، ثم أتلو، ثم أعيد تلاوة ما تلوت، ولا أفهم شيئاً.
وبدأت سحب الخيبة تتجمع حولي شيئاً فشيئاً، ثم راحت تتحول تدريجياً إلى ما يشبه سحابة من حزن شفيف تطلع بين عيني.
لقد قرأت كثيراً، وعليّ أن أعترف أنني لم أفهم شيئاً ذا بال مما قرأت.
لقد وجدت نفسي أمام كلمات لم تطرق سمعي من قبل .. فلم أعرف ماذا تعني كلمات (النصاب، والبينة، والمؤنة، والأرش، والمسافة «الملفقة»، والحول، والدرهم «البغلّي»، والآبق، والذمي).
كما أخذت تتقافز أمام عيني مفردات وتركيبات يبدو أنها مصطلحات خاصة بعلم لم يسبق لي دراسته. فلم أدر ما المقصود بـ «العلم الإجمالي، والشبهة المحصورة، والحكم التكليفي، والحكم الوضعي، والشبهة الموضوعية، والأحوط لزوماً، والتجزي في الاجتهاد، والصدق العرفي، والمناط، والمشقة النوعية».
وقرأت بعد ذلك جملاً مسبوكة سبكاً خاصاً، لم أعتده من قبل، وجملاً عالجت قضايا لا وجود لها في حياتي المعيشة اليوم، لا أدري لماذا ذكرت، وجملاً فيها من التشقيق والتفريع والعمق والتشطير الدقيق وأحياناً الغريب للاحتمالات، تركتني في حيرة من أمرها.
فلم أفهم ماذا تعني ـ مثلاً ـ جملة: «إذا علم البلوغ والتعلق ولم يعلم السابق منهما لم تجب الزكاة، سواء أعلم تاريخ التعلق وجهل تاريخ البلوغ، أم علم تاريخ البلوغ وجهل تاريخ التعلق، أو جهل التاريخين. وكذا الحكم في المجنون إذا كان جنونه سابقاً وطرأ العقل، أما إذا كان عقله سابقاً وطرأ الجنون، فإن علم تاريخ التعلق وجبت الزكاة دون بقية الصور».
ولا جملة: «الظن بالركعات كاليقين، أما الظن بالأفعال فكونه كذلك على إشكال، فالأحوط فيما إذا ظن بفعل الجزء في المحل أن يمضي ويعيد الصلاة، وفيما إذا ظن بعدم الفعل بعد تجاوز المحل أن يرجع يتداركه ويعيد أيضاً».
ولا جملة: «الأقوى أن التيمم رافع للحدث رفعاً ناقصاً لا يجزي مع الاختيار، لكن لا تجب فيه نية الرفع ولا نية الإستباحة للصلاة مثلاً».
ولم أعِ المقصود بـ «إذا توضأ في حال ضيق الوقت عن الوضوء، فإن قصد أمر الصلاة الأدائي بطل، وإن قصد أمر غاية أخرى ولو الكون على الطهارة صح».
ولا بجملة: «يكفي في استمرار القصد بقاء قصد نوع السفر، وإن عُدّ من الشخص الخاص».
ولا بجملة: «فلو أحدث بالأصغر أثناء الغسل أتمّه وتوضأ، ولكن لا يترك الاستئناف بقصد ما عليه من التمام أوالإتمام، ويتوضأ»
ولا بجملة: «مناط الجهر والإخفات الصدق العرفي، والمشقة النوعية».
وغيرها كثير مما وقعت عيناي عليه، ولم أدرك كنهه. ودارت الدنيا في عيني.. ثم دارت دورة ثانية.
تُرى: كيف يتسنى لي أن أعرف حلال الله فأواقعه، وحرام الله فأجتنبه؟
ورفعت رأسي إلى السماء ـ وفي عيني نثيث من عصارة دمع محترق ـ وتمتمت...
إلهي أعلم انك كلفتني، ولكني لا أعلم بماذا كلفتني.
إلهي أنّى لي أن أعرف ما طلبت مني، لأُنجز ما طلبت مني.
اللهم أعنّي على فهم ما أقرأ.
اللهم أعن كتب الفقه على الإفصاح عما تريد قوله، لأحقق ما تريد قوله.
وانتظرت أبي على المائدة الليلية مساء اليوم...
وحين حلّ المساء، بدت عيوني متعبة، قلقة، منكسرة الأجفان أول الأمر، ثم ما لبثت أن أخذت تومض ببريق كالفضة، امتزج فيه الأسى بالإصرار على التحدي.
وما أن انتظمت بنا المائدة، وحضر أبي حتى أخذ قلبي يدق، وتوردت وجنتاي، وارتفعت درجة حرارة أذني كأن حمى مفاجئة أشعلتهما، وداهمني شعور بالحرج، والخجل، والحيرة، والارتباك، والتردد، وأنا أعيد في ذاكرتي واُردد كلمات وجملاً توحي بالعجز عن استيعاب مادة مقروءة.
واستنجدت بشجاعتي وبعزمي على الاعتراف بالنقص، وقلت لأبي:
ـ لقد راجعت كتب الفقه فاستعصت عليّ، وأبت أن تفتح لي قلبها...
وما كدت أنهي حرفي الأخير من كلمتي الأخيرة، حتى شردت عينا أبي، وغارتا كما يبدو في مستنقع من الماضي عميق، ثم عادتا بعد برهة كمن يعود من سفر شاق ممضّ طويل، ودارتا حول عيني كأنهما تريدان أن تقولا شيئاً، غير أن شفتيه انفرجتا عن صوت خافت مشوب بحزن عميق:
لقد مررت بتجربة شبيهة بتجربتك، عندما كنت في حدود سنك. لقد قرأت كتب الفقه فلم أفهم منها شيئاً ذا بال، مثلك تماماً.. غير أني لم أمتلك شجاعتك فأعترف بعجزي عن فهمها.
لقد حالت تربيتي المحافظة، وحجز حيائي الشديد، بيني وبين سؤال أبي عن بعض خصوصيات مرحلة المراهقة، ثم الرجولة، فلم أكن أدرك أن البلوغ قد يتحقق بغير العمر الزمني المحدد له، إلى أن..
وقاطعت أبي:
ـ وهل يتحقق البلوغ بغير ذلك؟
ـ نعم، يتحقق البلوغ في الذكر إذا توفرت إحدى علامات ثلاث:
أولها: أن ينهي خمس عشرة سنة قمرية من عمره، وهو الحساب المعتمد في التاريخ الهجري.
ثانيها: أن يخرج السائل المنوي منه، سواء أخرج باتصال جنسي، أم باحتلام ليلي، أم بغيرهما.
ثالثها: أن ينبت الشعر الخشن على الوجه أو على العانة. أقول الشعر الخشن المشابه لشعر الرأس، لأستثني بذلك الشعر الناعم الذي يغطي ـ عادة ـ أكثر مناطق الجسم كاليدين مثلاً.
ـ وما العانة؟
ـ العانة منطقة تقع أسفل البطن فوق نقطة اتصال العضو التناسلي بجدار البطن مباشرة.
ـ هذه علامات البلوغ للذكر، أما الأنثى؟
ـ يتحقق البلوغ في الأنثى إذا أنهت تسع سنين هجرية قمرية من عمرها.
ـ أما وقد أفصحت لك اليوم عن قصوري، وتلكؤي، وعجزي عن استيعاب كتب الفقه، فاسمح لي أن أقترح عليك ـ تحت ضغط الحاجة ـ أن تعقد لي جلسات تتناول فيها بالشرح والتبسيط كل ما عسر عليّ فهمه، مما يتوجب عليّ فهمه والإحاطة به واستبيانه، لتطبيق حكمي الشرعي، صحيحاً كما شرعه الله سبحانه وتعالى لي، وأمرني به.
ـ كما تحب.
ـ ويا حبذا لو كانت جلساتنا تنهج نهج الحوار والمساءلة.
ـ كما تحب كذلك.
ـ ولكن، بماذا سنبدأ حواريتنا الأولى؟
ـ سنبدأها (بالتقليد) فهو الأساس الذي سيحدد لنا تقاطيع وملامح ما سنطبقه من فقهنا.
ـ اتفقنا.
الفهرست التفصيلي
حوارية التقليد
قال أبي ـ وهو يبدأ حوارية التقليد ـ :
دعني أشرح لك أولاً معنى التقليد.
التقليد: أن ترجع إلى عالم مجتهد لتطبيق فتواه، فتفعل ما انتهى رأيه إلى فعله، وتترك ما انتهى رأيه إلى تركه، من دون إعادة نظر وتمحيص، فكأنك وضعت عملك في رقبته (كالقلادة) محملاً إياه مسؤولية عملك أمام الله.
ـ ولماذا نقلّد ..؟
ـ عرفت في ما مضى أن الشارع المقدس قد أمرك، ونهاك.. أمرك بواجبات يتحتم عليك أن تؤديها، ونهاك عن محرمات يتحتم عليك أن تمتنع عنها، ولكن بماذا أمرك وعن ماذا نهاك. بعض ما أمرك به تستطيع ـ ربما ـ من خلال ما ربّتك عليه بيئتك الملتزمة أن تشخصه، وبعض ما نهاك عنه تستطيع ـ ربما ـ من خلال تنشئتك المحافظة أن تميزه. والكثير الكثير ما بين هذه وتلك من الواجبات والمحرمات، ستبقى مجهولة لك غائبة أو غائمة.
أضاف أبي:
ـ أنت تعرف أن الشريعة الإسلامية قد ألمّت بجميع جوانب حياتك المختلفة، فوضعت لكل واقعة منها حكماً. فكيف ستعرف حكمك الشرعي وأنت تمارس نشاطاتك الحياتية المختلفة. كيف ستعرف أن هذا الفعل يحله الشارع المقدس فتباشره، وأن هذا العمل يحرمه الشارع المقدس فتنأى عنه وتجانبه. تُرى هل يمكنك أن ترجع في كل صغيرة وكبيرة إلى الأدلة الشرعية لتستخرج منها حكمك الشرعي؟
ـ ولم لا؟
ـ لقد بعدت الشقة يا بني بين عصرك وعصر التشريع، وقد أضفى هذا البعد مع ضياع كثير من النصوص الشرعية، وتغير لغة وأساليب وأنماط التعبير، مع وجود الوضّاعين الذين اختلقوا أحاديث كثيرة وسرّبوها مع أحاديثنا الصحيحة صعوبات ومعوقات عسرت عملية استخراج الحكم الشرعي.
ثم أضافت مشكلة وثاقة ناقلي الروايات لذلك عقدة أخرى في طريق الساعين لذلك. ثم لنفترض أنك استطعت أن تتحقق بشكل ما من وثاقة رواة النص، وصدقهم، ودقتهم في ما ينقلون، وضبطهم؛ وأنك استطعت أن تختزل الزمن لتضبط نبض إيقاع المفردات في دلالتها على معانيها، فهل ستستطيع أن تهضم علماً عميقاً، واسعاً، متشعباً يحتاج إلى مقدمات طويلة، وسبر أغوار عميقة؟! لتحصل منه بعد ذلك أو لا تحصل على ما أنت بصدد معرفته، والبحث عنه واستبيانه.
ـ وكيف العمل إذاً؟
ـ ترجع إلى المتخصصين في هذا العلم، فتأخذ أحكامك منهم.. (تقلدهم). ليس هذا في مجال علم الفقه فقط، بل في كل علم. لقد أنتجت الحضارة الحديثة مبدأ التخصص في العلوم، فقد غدا لكل علم رجاله ومتخصصوه يُرجع إليهم كلما طرأت حاجة ما لشأن من شؤون ذلك العلم.
واستطرد أبي قائلاً:
لنأخذ مثلاً لذلك من علم الطب.. فلو مرضت ـ عافاك الله ـ فماذا ستفعل؟
ـ أراجع الطبيب، وأعرض عليه حالتي المرضية ليشخّص وليصف لي الدواء المناسب.
ـ ولماذا لا تشخّص أنت بنفسك مرضك وتصف الدواء؟
ـ لست طبيباً.
ـ كذلك الحال في علم الفقه أنت محتاج إلى مراجعة الفقيه المتخصص لمعرفة أمر الله ونهيه، أو لعرض مشكلتك الشرعية عليه، كاحتياجك إلى مراجعة الطبيب المختص، لمعرفة أمر طبي ما، أو لعرض حالتك المرضية.
فكما أنك محتاج إلى (تقليد) الطبيب في مجال اختصاصه، أنت محتاج إلى (تقليد) الفقيه المجتهد في مجال اختصاصه.
وكما أنك ستبحث عن طبيب فاضل، عالم في مجال اختصاصه ولا سيما إذا كان مرضك خطيراً؛ فأنت ملزم بالبحث عن مجتهد عالم في مجال اختصاصه (لتقلّده) وتأخذ منه حكمك الشرعي، كلما استدعتك الظروف المعيشة لاستيضاح حكم شرعي ما فيها.
ـ وكيف أعرف أن هذا الرجل مجتهد؟ أو أنه أعلم المجتهدين وأفضلهم؟
قال أبي مجيباً:
دعني أسألك.. كيف تعرف أن هذا الطبيب فاضل أو أنه أفضل الأطباء في مجال اختصاصه، لتراجعه، وتسلمه جسدك يفعل به ما يراه مناسباً لعلاجه.
قلت:
أعرف ذلك من سؤال المهتمين بشؤون الطب، العارفين به، ممن لهم علم، ومعرفة، ودراية، و(خبرة)، وتجربة فيه؛ أو أعرفه لشهرته بين الناس و(شيوع) وانتشار، وذيوع اسمه في هذا الحقل العلمي.
ـ بالضبط.. وكذلك تعرف المجتهد، أو المجتهد الأعلم.
تسأل رجلاً ملتزماً ثقة صالحاً لأداء مثل هذه الأمانة.. تتوفر فيه المعرفة بآراء العلماء و (الخبرة) على تمييز المستوى العلمي للأشخاص في مجال الاختصاص.
أو أن (يشيع) ويشتهر ويذيع بين الناس: اجتهاد شخص، أو أعلميته في الاجتهاد، بحيث تجعلك تلك الشهرة الواسعة وذلك الذيوع والانتشار، و(الشيوع) متأكداً من اجتهاده، أو أعلميته في الاجتهاد.
ـ وهل هناك شروط أخرى في من يجب علينا تقليده، بعد أن نصل إلى سن البلوغ عدا شرط الاجتهاد؟
ـ أن يكون مقلدك: [رجلاً، طاهر المولد]، عاقلاً، مؤمناً، على درجة عالية من التقوى والعدالة يتحصّن بها عن الوقوع في أية معصية، ولو وقعت منه نادراً لأسرع إلى التوبة والإنابة إلى الله.
ـ ها أنذا قد بلغت مبلغ الرجال، وقد عرفت منك شيئاً عن التقليد، فماذا يجب علي أن أفعل الآن؟
ـ تقلّد أعلم المجتهدين، وتلتزم بما يفتي به في عباداتك المختلفة.. في أحكام وضوئك ـ مثلاً ـ وغسلك، وتيممك، وصلاتك، وصومك، وحجّك، وخمسك، وزكاتك، وغيرها، كما تقلدّه في معاملاتك .. في أحكام بيعك ـ مثلاً ـ وشرائك، وحوالتك، وزواجك، وزراعتك، وإجارتك، ورهنك، ووصيتك، وهبتك، ووقفك...
ورحت اُعدد مع أبي:
وأمرك بالمعروف، ونهيك عن المنكر، وإيمانك بالله، وأنبيائه ورسله و..
ـ لا .. الإيمان بالله وتوحيده، ونبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله)، وإمامة الأئمة الإثني عشر (عليهم السلام)، والمعاد.. هذه أمور لا يجوز التقليد فيها، فهي من أصول الدين، ولا يجوز التقليد في أصول الدين. بل يجب أن يعتقد كل مسلم بها اعتقاداً جازماً لا شك فيه، ولا شبهة ولا ضبابية ولا التواء واصلاً إلى إيمان قاطع بالله، باحثاً عنه بجهودك، مسخراً ما منحه الله من طاقات فكرية فيه منتهياً من خلال ذلك كله إلى قناعة تامة راسخة لا تتزعزع به.
ـ طيب ألا يحق لي أن أقلد مجتهداً مع وجود مجتهد أعلم منه في مجال اختصاصه؟
ـ لا يمكنك ذلك [إذا توقعت وجود الاختلاف بين فتاوى مقلدك وفتاوى المجتهد الأعلم في مسائلك التي تحتاجها لتعمل بها].
ـ أستطيع حين أراجع الطبيب أن أعرف رأيه في حالتي الصحية لو استدعت صحتي مراجعته، فكيف أستطيع أن أعرف فتوى مقلَّدي في مسائلي الشرعية؟ كيف أصل إلى فتاواه لأطبّقها؟ هل أراجعه في كل مسألة؟
ـ تستطيع معرفة فتاواه .. بسؤاله مباشرة عنها، أو بسؤال من تثق بنقله ومعرفته وأمانته في نقل تلك الفتاوى، أو مراجعة كتبه الفقهية كرسالته العملية الممضاة من قبله.
ـ أو بسؤالك أنت.
ابتسم أبي بوقار رزين، واعتدل في جلسته بينما راحت عيناه تومئ بوميض موعد جلسة قادمة.
قلت: نبدأ بالصلاة.
قال: نبدأ بالصلاة، وأضاف..
غير أن الصلاة تتطلب طهارة الإنسان من كل ما يدنس طهارته.
ـ وما الذي يدنس طهارة الإنسان؟
ـ تدنس طهارة الإنسان:
أمور مادية تقع في نطاق عمل الحواس كالنجاسات.
وأمور معنوية غير مدركة بالحواس لو (حدثت) بأحد أسبابها من جنابةٍ أو حيضٍ أو استحاضةٍ أو نفاسٍ أو مس ميت أو موت أو خروج بول أو غائط أو ريح أو نوم، للزم إزالتها بالوضوء أو الغسل أو التيمم.
وتستدعينا هيكلية البحث وصولاً إلى الصلاة أن نبدأ حوارنا (بالنجاسات). فنتعرف عليها أولاً، ثم نتعرف بعد ذلك على (مطهراتها)، لنضمن طهارة الجسد من كل ما يسلب طهارته، ويخدش نقاءه.
ثم ننثني فنتحاور بما لو (حدث) لوجب (غسله بالوضوء) أو (مسحه بالتيمم) سواء أحدث من بول أم غائط أم ريح أم نوم أم استحاضة قليلة أم غيرها.
ونستأنف، فنتجاذب أطراف الحديث بما لو (حدث) لوجب (غسله بالغسل) أو (مسحه بالتيمم) سواء أحدث من جنابة أم حيض أم استحاضة أم نفاس أم مس ميت أم موت، رافعين من طريقنا كل ما يعترض أو يعيق حرمة التقرب لله عز وجل بالصلاة، فائزين بعد ذلك بلذة الوقوف بين يديه مكبّرين مهلّلين حامدين موحدين منعّمين بولع ذكره ودعائه، راجين أن يجعلنا ممن ترسخت أشجار الشوق إليه في حدائق صدورهم، وأخذت لوعة محبته بمجامع قلوبهم، متناولين بعد الصلاة ما يتطلب ـ مثلها ـ الطهارة كالصوم والحج، معرّجين بعد ذلك على الخمس والزكاة والبيع والشركة و..وغيرها.
ـ إذاً سنبدأ بالنجاسات أولاً.
ـ نعم، سنبدأ بها أولاً يوم غد إن شاء الله.
ـ إن شاء الله.
حوارية النجاسة
بدأ أبي حواره وفي عينيه بريق من حزم رصين قائلا:
دعني أضع أمامك قاعدة عامة ذات أثر كبير في حياتك وهي «كل شيء لك طاهر».. كل شيء.. البحار، والأمطار، والأنهار، والأشجار، والصحاري، والجبال، والشوارع، والعمارات، والبيوت، والأجهزة، والأدوات، والملابس المختلفة، وإخوانك المسلمون،.. و..و..كل شيء طاهر ..كل شيء حتى يتنجس إلا..
ـ إلا ماذا؟
ـ إلا ما كان نجساً بطبيعته، بتكوينه، بذاته، (بعينه).
ـ وما الذي يكون نجساً بطبيعته، بذاته..؟
ـ عشرة أشياء سأعددها لك على شكل نقاط متسلسلة..
1 - الغائط من الإنسان ومن كل حيوان يحرم أكل لحمه إذا كانت له نفس سائلة.
2 - البول من الإنسان ومن كل حيوان يحرم أكل لحمه إذا كانت له نفس سائلة.
ـ وإن لم يكن له نفس سائلة؟
ـ إن كان له لحم [فبوله نجس] وإن لم يكن له لحم فبوله طاهر.
ـ وما النفس السائلة؟
ـ مصطلح سيمر عليك أكثر من مرة في هذا الحوار، يحسن أن نلقي عليه بعض الضوء .. نقول: لهذا الحيوان نفس سائلة.. إذا اندفع الدم منه عند ذبحه بقوة، لوجود شريان عنده. ونقول: ليس لهذا الحيوان نفس سائلة.. إذا سال الدم منه عند ذبحه بفتور، وهدوء، وأناة، لعدم وجود شريان عنده.
3 - الميتة من الحيوان ذي النفس السائلة وإن كان حلالاً أكله، وكذلك أجزاؤها الحية المقطوعة منها.
ـ وما هي الميتة..؟
ـ كل ما مات من دون أن يذبح على الطريقة الشرعية الإسلامية.
ـ مثلاً؟
ـ الحيوان الذي يموت لمرض أو بحادث، أو أن يذبح بطريقة غير شرعية، هذه كلها من الميتة.
4 - مني الإنسان، ومني كل حيوان ذي نفس سائلة إذا كان يحرم أكل لحمه.
5 - الدم الخارج من جسد الإنسان، ومن جسد كل حيوان ذي نفس سائلة.
ـ ودم الحيوان الذي ليس له نفس سائلة..؟
ـ طاهر.. كدم السمك، ودم البرغوث والقمل.
6 - الكلب البري بكل أجزاء جسده، حياً وميتاً.
7 - الخنزير البري بكل أجزاء جسده، حياً وميتا.
ـ والكلب والخنزير البحريان..؟
ـ طاهران.
8 - الخمر وسائر المشروبات المسكرة.
9 - [الكافر المنكر] للديانات السماوية. وأما أهل الديانات السماوية من اليهود والنصارى والمجوس فهم طاهرون.
10 - عرق الإبل الجلاّلة [بل كل حيوان جلاّل].
ـ وما هو الجلاّل؟
ـ الحيوان الذي يتغذى على غائط الإنسان.
هذه الأشياء العشرة نجسة بطبيعتها، وتنقل النجاسة منها إلى كل ما لاقاها ومسها واحتكّ بها مع وجود البلل.
ـ وإذا لم يوجد بلل بينهما؟
ـ إذا لم يكن هناك بلل فلا تنتقل النجاسة، لأنها لا تنتقل في حالة الجفاف أبداً.
ـ هل بول أو غائط الحيوانات التي يحل أكلها، كالبقر، والغنم، والدجاج، والطيور بأنواعها المختلفة، والعصافير، والزرازير طاهر أو نجس..؟
ـ طاهر.
ـ ومخلفات الخفاش..؟
ـ طاهرة.
ـ والريش من الميتة والوبر،والصوف،والأظافر، والقرون، والعظام، والأسنان، والمناقير، والمخالب..؟
ـ كلها طاهرة.
ـ واللحم الذي نشتريه لنأكله، فنلاحظ عليه دماً؟
ـ هذا الدم طاهر..وكل دم يبقى متخلفاً في الذبيحة المأكولة اللحم بعد ذبحها بطريقة شرعية، طاهر غير نجس.
ـ وفضلات الجرذ والفأر..؟
ـ نجسة غير طاهرة. ولو فكرت قليلاً فيما عدّدت لك من نقاط، لاستطعت أن تجيب عن هذا التساؤل بنفسك..نعم لأجبت عنه بنفسك، ذلك أن لها شرياناً يتدفق منه الدم عند الذبح.
وعاد لعيني أبي ذلك البريق الرصين الذي لمحته في أول حوارنا هذا فحدّق بي، ثم أردف قائلاً:
لقد بدأت معك حواريتي هذه بقاعدة عامة ذات أثر كبير في حياتك. وسأختتمها بقواعد عامة هي الأخرى ذات أثر كبير في حياتك.
القاعدة الأولى: كل شيء كان طاهراً في ما مضى، ثم تشك هل تنجس بعد ذلك أو بقي على طهارته السابقة.. فهو طاهر.
ـ اضرب لي مثلاً على ذلك.
ـ شرشف نومك ـ مثلاً ـ كان طاهراً سابقاً، وتشك الآن هل لاقته نجاسة ما فنجّسته، أم بقي على طهارته السابقة؟ تقول: شرشف نومي طاهر.
القاعدة الثانية: كل شيء كان نجساً في ما مضى، ثم تشك هل طهرته بعد ذلك، أم بقي على نجاسته السابقة..؟ فهو نجس.
ـ مثلاً؟
ـ يدك ـ مثلاً ـ كانت نجسة، أنت متأكد من ذلك قبل الآن، وشككت بعد ذلك، هل طهّرتها من نجاستها السابقة، أم لم تطهّرها منها، تقول: يدي نجسة.
القاعدة الثالثة: كل شيء لا تعلم حالته السابقة، أكان نجساً هو قبل الآن أم كان طاهراً، فهو الآن طاهر.
ـ مثلاً؟
ـ كأس الماء هذه ـ مثلاً ـ، تجهل حالتها السابقة لا تدري أنجسة كانت هي قبل الآن، أم طاهرة؟ تقول: كأس الماء طاهرة.
القاعدة الرابعة: كل شيء تشك هل أصابته نجاسة فتنجس بها أو لم تصبه، عندئذٍ لا يجب عليك الفحص والتحري والتدقيق للتأكد من طهارته. بل تقول هو طاهر من دون الحاجة إلى فحص واستكشاف حتى ولو كان الفحص سهلاً يسيراً عليك.
ـ مثلاً؟
ـ ثوبك كان طاهراً ـ مثلاً ـ، أنت متأكد من ذلك قبل الآن، وشككت الآن هل أصابه بول فتنجس به أو بقي على طهارته السابقة؟
عندئذٍ .. لا يجب عليك فحص ثوبك، والبحث عن أثر البول فيه حتى لو كان ذلك البحث والفحص سهلاً يسيراً عليك، بل تقول: ثوبي طاهر.
الفهرست التفصيلي
حوارية المطهِّرات
قبل أن يحضر أبي جلسة حوارنا هذه، كنت مستغرقاً في تأمل عميق، محاولاً تطبيق المعلومات النظرية.. تلك التي سلفت في (حوارية النجاسة) على واقع حياتي اليومية المعيشة، مصححاً من خلال ذلك موروثاتي الخاطئة عن النجاسة، منتظراً بشغف وترقب أن ألحظ في جلسة اليوم كيف ستستعيد الأشياء طهارتها الأولى ونقاءها الجميل بعد أن صافحتها يد النجاسة فلوثتها.
وما أن حضر أبي حتى بدأته:
قلت لي أمس: إن الأشياء الطاهرة تفقد طهارتها إذا لاقت النجاسة.
تُرى كيف ستستعيد تلك الأشياء طهارتها المفقودة؟
ـ أكثر ما يعيد للأشياء المتنجسة طهارتها السابقة المسلوبة (الماء)، أن تغتسل من أدرانها بالماء، أو أن تُغسل به، لذلك فسنبدأ بـ:
المطهِّر الأول: الماء.
أضاف أبي:
الماء مطلق ومضاف.
ـ وما الماء المطلق..؟
ـ الماء المطلق.. ذلك الذي نشربه نحن، وتشربه الحيوانات ويسقى به الزرع.. ماء المحيطات والبحار والأنهار والآبار والجداول والأمطار، ماء الأنابيب الذي يصلنا عبر خزانات المياه المنتشرة في المدن والقرى والنواحي، ويبقى الماء مطلقاً حتى لو اختلط مع قليل من الطين أو الرمل.
ـ والماء المضاف..؟
ـ الماء المضاف تعرفه بسهولة من إضافة لفظ آخر إلى الماء كلما نطقت به، فتقول: ماء الورد، ماء الرمان، ماء العنب، ماء الجزر، ماء البطيخ، وماء مساحيق الغسيل، وهو كما تلاحظ من الأمثلة ليس مما يعنينا أمره هنا، فنحن نتحدث عن الماء ذلك الذي نطهّر به ونشربه، نتحدث عن الماء لا عن ماء الرمان وماء العنب مثلاً.
ثم إن الماء أو الماء المطلق على قسمين..كثير وقليل.
ـ وما الماء الكثير..؟
ــ الماء الكثير: ما بلغ بالوزن «465» كغم تقريباً، وبالحجم ما مكعبه «27» شبراً [بالشبر المساوي لربع المتر تقريباً]، وهو مقدار الكر، سواء أكان الماء جارياً أم راكداً.
وطبيعي أن تكون مياه البحار، والأنهار، والروافد، والجداول، والترع الكبيرة، والعيون، والآبار، وكذلك الماء الجاري في الأنابيب ذاك الذي يصل إلى بيوتنا من خزانات المياه الكبيرة المنتشرة في المدن، وماء خزاناتنا الموضوعة على سطوح منازلنا إذا كان حجم مائها أو وزنه الحجم أو الوزن المذكورين آنفاً، وماء خزاناتنا الصغيرة ما دام يتصل بها الماء الجاري؛ طبيعي أن تكون كل تلك المياه مياهاً كثيرة.
ـ وما الماء القليل..؟
ـ الماء القليل ما كان وزنه أو حجمه أقلّ من الوزن أو الحجم المذكورين في الماء الكثير.. أي أقلّ من الكر، ولم يكن من ماء المطر أثناء هطوله، مثل الماء في الأواني والقناني والكؤوس وغيرها.
أما وقد حددنا معنى الماء المضاف ،والماء المطلق بقسميه: الكثير منه والقليل، فساُبين لك حكم كل منهما إذا لاقى النجاسة سواء مسها أم مسته.
ـ وما حكم الماء المضاف؟
ـ الماء المضاف يتنجس بمجرد ملاقاته النجاسة سواء أكانت كميته كثيرة أم قليلة كالشاي مثلاً. وتلحق بالماء المضاف السوائل الأخرى كالحليب، والنفط، ومحاليل الأدوية، وغيرها فإنها تتنجس بمجرد ملاقاتها النجاسة.
ـ وحكم الماء القليل..؟
ـ يتنجس بمجرد ملاقاته النجاسة.
ـ وحكم الماء الكثير..؟
ـ لا يتنجس بملاقاة النجاسة كماء الإسالة، وماء الكر وغيرها إلا إذا تأثر بها لونه أو طعمه أو رائحته،.. وكذلك كل...
ـ كل ماذا؟
ـ كل ماء قليل اتصل به الماء الكثير صار كثيراً، فخزان الماء الصغير إذا جرى عليه أنبوب الإسالة صار كثيراً، وماء القِدر الموضوع في المغسلة إذا فتحت عليه أنبوب الماء المتصل بالكر، فاتصل ماء القِدر بماء الأنبوب صار ماء القِدر كثيراً، وهكذا..
ـ لو وقعت قطرات من الدم في خزان ماء راكد بحجم كر..؟
ـ لا يتنجس إلا إذا كثرت القطرات فتغير لون ماء الكر فاصفرّ بتأثير لون الدم.
ـ إذا وقعت في إناء صغير؟
ـ يتنجس الإناء.
ـ وإذا فتحنا عليه ماء الإسالة..؟
ـ يطهر الإناء.
ـ إذا صببنا من ماء الإبريق على شيء نجس، فهل يتنجس ماء الإبريق؟
ـ لا، لأن النجاسة لا تتسلق إلى عمود الماء الساقط من الإبريق، فلا عمود الماء يتنجس ولا ماء الإبريق.
ـ وكيف يطهّر ماء المطر الأشياء..؟
ـ إذا تقاطر عليها مباشرة سواء أكان المتنجس أرضاً، أم ماءً، أم ثياباً وأفرشة بعد أن ينفذ فيها، أم إناءً، أم ما شاكل ذلك وشابهه بشرط أن يصدق عرفاً على النازل أنه المطر.
ـ وكيف نطهّر بالماء القليل أو الكثير الأشياء المتنجسة..؟
ـ نطهّر كل شيء متنجس.. كل شيء بغسله بالماء قليلاً كان أو كثيراً مرة واحدة عدا ما يأتي..
1 - المتنجس بالبول؛ تغسله بالماء القليل مرتين.
2 - الإناء الذي يشرب منه الكلب؛ فإنه يغسل بالتراب الممزوج بالماء ثم يغسل بالماء القليل مرتين، وإذا غُسل بالكثير فمرة واحدة.
3 - الإناء الذي لطعه الكلب أو وقع فيه شيء من لعابه؛ [تغسله بالتراب الممزوج بالماء ثم تغسله بالماء القليل ثلاث مرات] وبالكثير مرة واحدة.
4 - الإناء الذي يلغ فيه الخنزير؛ تغسله بالماء القليل سبع مرات وبالكثير مرّة واحدة.
5 - الإناء الذي تنجّس بموت الجرذ؛ [تغسله بالماء القليل سبع مرات] وبالكثير مرّة واحدة.
6 - باطن الإناء الذي يجتمع فيه الماء ونحوه إذا تنجس بغير ما تقدم؛ تغسله بالماء القليل ثلاث مرات وبالكثير مرّة واحدة.
ـ وظاهر الإناء..؟
ـ يطهر بغسله مرة واحدة، حتى بالماء القليل، وهكذا الإناء الذي لا يجتمع فيه الماء كالصحن.
ـ كيف اُطهّر كفي المتنجسة وعندي ماء قليل؟
ـ صب عليها الماء فإن انفصل ماء التطهير عن كفك فقد طهر كفك.
المطهّر الثاني: الشمس.
ـ وماذا تطهّر الشمس..؟
ـ تطهّر الأرض وكل الأشياء الثابتة عليها كالأبنية، والحيطان، والأبواب، والأخشاب، والأوتاد والأشجار وأوراقها، والنباتات، والثمار قبل قطافها، وغير ذلك مما لا ينقل.
ـ كيف تطهّر الشمس الأشياء الثابتة..؟
ـ بشروقها عليها حتى تجف بتأثير أشعتها مع زوال عين النجاسة.
ـ وإذا كانت الأرض النجسة جافة، وأردنا تطهيرها بالشمس؟
ـ صببنا عليها الماء حتى إذا جففتها الشمس طهرت.
ـ وإذا تنجست الأرض بالبول وأشرقت عليها الشمس فجفت؟
ـ طهرت الأرض.
ـ والحصى والتراب، والطين، والأحجار المعدودة جزءً من الأرض إذا تنجست بالبول فجففتها الشمس؟
ـ طهرت.
ـ والمسمار النابت في الأرض، أو في البناء..؟
ـ حكمه حكم الأرض، يطهر كذلك بالشمس بعد أن تجففه.
المطهّر الثالث: زوال عين النجاسة عن جسد الحيوان.
ـ اضرب لي مثلاً على ذلك.
ـ مثلاً، بمجرد أن يزول الدم عن منقار الدجاجة يطهر منقارها، وبمجرد أن يزول الدم عن فم القطة يطهر فمها، وهكذا...
ـ بقي أن أسألك عن كيفية التطهير داخل جسم الإنسان مثل باطن الفم.
ـ باطن جسم الإنسان لا ينجس أصلاً، فباطن الفم والأنف والأذن والعين كلها طاهرة حتى مع وجود الدم فيها.
ـ وهل تتنجس الإبرة -إبرة الدواء- إذا زرقت داخل جسم الإنسان أو الحيوان، فلاقت الدم داخل الجسم؟
ـ لا، لا تتنجس إذا خرجت الإبرة من داخل الجسم وهي غير ملوثة بالدم فملاقاة الدم داخل الجسم لا توجب نجاسته.
المطهّر الرابع: الأرض.. كل ما يسمى أرضاً فهو مطهّر كالحجر، والرمل، والتراب والجص والإسمنت، وغيرها، ويشترط في الأرض أن تكون يابسة وطاهرة.
ـ وكيف أعرف أنها طاهرة؟
ـ ما دمت لا تعرف أنها قد تنجست فهي طاهرة، ومن ثم فهي مطهّرة.
ـ وماذا تطهّر الأرض؟
ـ تطهّر باطن القدم، والحذاء، بالمشي عليها بعد أن تزول عن القدم والحذاء النجاسة العالقة بهما من الأرض، بشرط أن تكون النجاسة قد حصلت بسبب المشي.
المطهّر الخامس: التبعية.
ـ اضرب لي مثلاً على التبعية؟
ـ الكافر مثلاً إذا أسلم طهر، وطهر (تبعاً له) طفله الصغير.
والخمر إذا انقلب خلاً طهر، وطهر ( تبعاً له) إناؤه الموضوع فيه.
والميت إذا غُسل الأغسال الثلاثة طهر، وطهرت (تبعاً له) يد الغاسل، والسدة التي غُسل عليها، وثيابه التي غُسل بها.
والثوب المتنجس إذا غسلته بالماء القليل ـ مثلاً ـ طهر، وطهرت (تبعاً له) اليد التي غسلته، وهكذا.
المطهّر السادس: الإسلام.
ـ وكيف يطهّر الإسلام؟ ومن يطهّر؟
ـ يطهّر الإسلام الكافر بعد أن يسلم، فيطهر هو ويطهر تبعاً له شعره، وأظافره، وغير ذلك من أجزاء جسده.
المطهّر السابع: الانتقال.
ـ مثلاً؟
ـ دم الإنسان ـ مثلاً ـ ذاك الذي يتغذى عليه البق والبرغوث والقمل، إذا شربه الحيوان فأصبح جزءً منه، ثم قتلت الحيوان، فصبغ ذلك الدم جسدك أو ثيابك، فهو دم طاهر.
المطهّر الثامن: الاستحالة.
ـ وما الاستحالة؟
ـ الاستحالة: تبدل شيء إلى شيء آخر مختلف عنه، وتحوله إليه.
ـ أضرب لي مثلاً على ذلك.
ـ الخشب المتنجس إذا احترق وصار رماداً، فالرماد طاهر. ومخلّفات الحيوان إذا استعملت وقوداً للنار فرمادها في التنور طاهر، وهكذا...
المطهّر التاسع: خروج الدم بالمقدار الطبيعي من الذبيحة المأكولة اللحم، بل وغير المأكولة اللحم غير النجس العين بعد ذبحها بطريقة شرعية. عندئذٍ سنحكم بطهارة الدم الباقي داخلها.
المطهّر العاشر: انقلاب الخمر خلاً، ذلك أن الخل أثناء تكونه يتخمر في مرحلة ما أحياناً فيتنجس ثم ينقلب بعد ذلك إلى خل فيطهر.
المطهّر الحادي عشر: الحيوان الجلاّل إذا منع من أكل العذرة مدة طويلة حتى يتغذى على غيرها فإنه تطهر مخلفاته التي تنجست بسبب أكل العذرة.
ـ أريد أن أسألك عن مسألة قد أحتاجها في تعاملي مع أصدقائي.
ـ سل.
ـ قد أرى حاجة لأحد أصدقائي المسلمين قد تنجست ثم يفارقني ويعود بعد فترة وهو يعاملها معاملة الحاجة الطاهرة، فهل لي أن أعتبرها طاهرة من دون أن اسأله؟
ـ إذا كان صديقك قد علم بنجاستها واحتملت أنه قد طهرها في غيبته فلك أن تعاملها معاملة الطاهرة فتأكل وتشرب بها [نعم إذا كانت ثياباً ونحوها فلا تصلّ بها حتى تسأله عن طهارتها].
الفهرست التفصيلي
حوارية الجنابة
سبقني ـ على غير العادة ـ أبي هذا اليوم إلى جلسة الحوار هذه.
وحين حضرت لم يلحظ أبي أول الأمر حضوري، كان صامتاً، متأملاً، مطرقاً برأسه إلى الأرض، مرخياً عينيه في قلبه، تاركاً ـ كما يبدو ـ لمشاعره حرية التسلل خارج جدران الغرفة المفضضة ببياض الأسئلة وبراءة قلبها الطفل.
وما أن لمحني حتى عاد لعينيه حزمهما الجميل الهادئ، فرنا إليّ قائلاً:
سأبدأ حواري بمقدمة تسلمني إلى فحوى حديث اليوم.. إلى حوارية الجنابة، ثم أردف:
حدثتك في (حوارية النجاسة) عن النجاسات، تلك التي تسلب من أجسادنا وأجساد الأشياء طهارتها الأولى التي كانت عليها.
ثم حدثتك في (حوارية الطهارة) عن المطهّرات، تلك التي تعيد مرة أخرى لأجسادنا وأجساد الأشياء طهارتها المغصوبة.
ولو رجعت بقلبك إلى (النجاسات) لوجدت أنها أشياء مادية طارئة على الجد، منه أو من غيره.
غير أن هناك أموراً معنوية غير محسوسة، لو (حدثت) لسلبت من الإنسان طهارته ولاحتاج بعدئذٍ إلى ما يعيد له طهارته المسلوبة ونقائه الجميل المفقود.
ذلك (الحدث) على نحوين.. أكبر وأصغر.
فالحدث الأكبر كالجنابة والحيض والنفاس والاستحاضة بقسميها، ومس الميت والموت.
والحدث الأصغر كالبول والغائط والريح والنوم والاستحاضة القليلة وغيرها.
والحدث الأكبر (يغسله الغسل) أو (يمسحه التيمم).
والحدث الأصغر (يغسله الوضوء) أو (يمسحه التيمم).
وستتناول حوارياتنا القادمة هذه الأمور أمراً أمراً مبتدئين اليوم بـ (الجنابة).
قلت لأبي:
ـ بماذا تتحقق الجنابة؟
قال: تتحقق بأحد أمرين:
أولاً: خروج السائل المنوي، سواء أخرج بممارسة جنسية، أم باحتلام ليلي، أم بعادة سرية.
ـ وما هي صفات السائل المنوي؟
ـ سائل لزج كثيف، رائحته رائحة العجين المختمر، حليبي اللون يميل لونه أحياناً إلى الصفرة أو الخضرة، يخرج عند بلوغ الشهوة الجنسية ذروتها مصحوباً بالدفق وملحوقاً بارتخاء وفتور للجسد.
ـ وإذا شككت بأن هذا السائل اللزج الخارج هل هو سائل منوي أو غيره من السوائل الأخرى؟
ـ سأعطيك علامات ثلاثاً، إذا اجتمعت ثلاثها فهو سائل منوي.
هذه العلامات هي: الشهوة، والدفق، وارتخاء الجسد أو فتوره. وفي النائم تكفي الشهوة والدفق. وفي المريض تكفي الشهوة.
ـ ولو تحققت لغير النائم واحدة منهن أو اثنتان؟
ـ قل إنه ليس سائلاً منوياً، سوى المريض كما ذكرت قبل قليل.
ثانياً: الاتصال الجنسي ولو لم يؤد إلى نزول السائل المنوي، ويكفي في تحقق الاتصال الجنسي دخول رأس العضو التناسلي الذكري (الحشفة) في الفرج [أو الشرج].
ـ وإذا خرج السائل المنوي أو تحقق الاتصال الجنسي؟
ـ تحققت الجنابة، للفاعل والمفعول به من غير فرق بين الكبير والصغير، والعاقل والمجنون.
ـ وإذا تحققت الجنابة..؟
ـ وجب عليك الغسل لتصلي ـ مثلاً ـ أو لتطوف في حجك. فإن الصلاة والطواف تتوقف صحتهما على الغسل، وسأشرح لك في (حوارية الغسل) التي ستأتي كيف تغتسل.
علماً أنه تحرم عليك ما دمت جنباً أمور:
1 - مس كتابة القرآن الكريم ضمن المصحف الشريف [بل حتى الآيات الموجودة في الكتب].
2 - [مس لفظ الجلالة (الله)، وأسماء الله وصفاته كـ(الخالق)] إلا أنه يجوز مس ما يكتب على العملات من القرآن الكريم وأسماء الله.
3 - قراءة آية السجدة من كل سورة من سور العزائم الأربع، وهي: (العلق، والنجم، والسجدة، وفصّلت).
4 - دخول المساجد لوضع شيء فيها أو المكث فيها. ويجوز للجنب اجتيازها بالدخول من باب والخروج من باب آخر إلا المسجدين الشريفين المسجد الحرام بمكة والمسجد النبوي بالمدينة [ولا يجوز المكث في المشاهد المقدسة للمعصومين(عليهم السلام)].
ـ وهل يلحق الصحن والرواق بالمشهد؟
ـ كلا، لا يلحق به.
ـ قبل أن نودع حوارية الجنابة اُحب أن أسألك وأخجل.
ـ سل ما شئت دون خجل فلا حياء في الدين، أقولها دائماً دائماً.
ـ أحياناً بعد أن أثار جنسياً أشاهد نقطة لزجة لسائل أبيض شفاف تخرج من الإحليل.
ـ نعم، هذا السائل طاهر لا ينجّس الملابس ولا الجسد، ولا يجب عليك الغسل إذا خرج، وهناك سائل آخر يخرج بعد البول أحياناً، إنه كذلك طاهر ولا يجب عليك الغسل إذا خرج.
ـ والعادة السرية؟
ـ العادة السرية محرّمة يجب عليك اجتنابها. كما أن الدراسات الطبية تنبّه إلى ضررها الصحي على النفس والجسد معاً، وقد حدا ذلك بالأطباء إلى إرشاد الناس وتوجيههم وحثهم على تركها والابتعاد عنها.
حوارية المطهِّرات
قبل أن يحضر أبي جلسة حوارنا هذه، كنت مستغرقاً في تأمل عميق، محاولاً تطبيق المعلومات النظرية.. تلك التي سلفت في (حوارية النجاسة) على واقع حياتي اليومية المعيشة، مصححاً من خلال ذلك موروثاتي الخاطئة عن النجاسة، منتظراً بشغف وترقب أن ألحظ في جلسة اليوم كيف ستستعيد الأشياء طهارتها الأولى ونقاءها الجميل بعد أن صافحتها يد النجاسة فلوثتها.
وما أن حضر أبي حتى بدأته:
قلت لي أمس: إن الأشياء الطاهرة تفقد طهارتها إذا لاقت النجاسة.
تُرى كيف ستستعيد تلك الأشياء طهارتها المفقودة؟
ـ أكثر ما يعيد للأشياء المتنجسة طهارتها السابقة المسلوبة (الماء)، أن تغتسل من أدرانها بالماء، أو أن تُغسل به، لذلك فسنبدأ بـ:
المطهِّر الأول: الماء.
أضاف أبي:
الماء مطلق ومضاف.
ـ وما الماء المطلق..؟
ـ الماء المطلق.. ذلك الذي نشربه نحن، وتشربه الحيوانات ويسقى به الزرع.. ماء المحيطات والبحار والأنهار والآبار والجداول والأمطار، ماء الأنابيب الذي يصلنا عبر خزانات المياه المنتشرة في المدن والقرى والنواحي، ويبقى الماء مطلقاً حتى لو اختلط مع قليل من الطين أو الرمل.
ـ والماء المضاف..؟
ـ الماء المضاف تعرفه بسهولة من إضافة لفظ آخر إلى الماء كلما نطقت به، فتقول: ماء الورد، ماء الرمان، ماء العنب، ماء الجزر، ماء البطيخ، وماء مساحيق الغسيل، وهو كما تلاحظ من الأمثلة ليس مما يعنينا أمره هنا، فنحن نتحدث عن الماء ذلك الذي نطهّر به ونشربه، نتحدث عن الماء لا عن ماء الرمان وماء العنب مثلاً.
ثم إن الماء أو الماء المطلق على قسمين..كثير وقليل.
ـ وما الماء الكثير..؟
ــ الماء الكثير: ما بلغ بالوزن «465» كغم تقريباً، وبالحجم ما مكعبه «27» شبراً [بالشبر المساوي لربع المتر تقريباً]، وهو مقدار الكر، سواء أكان الماء جارياً أم راكداً.
وطبيعي أن تكون مياه البحار، والأنهار، والروافد، والجداول، والترع الكبيرة، والعيون، والآبار، وكذلك الماء الجاري في الأنابيب ذاك الذي يصل إلى بيوتنا من خزانات المياه الكبيرة المنتشرة في المدن، وماء خزاناتنا الموضوعة على سطوح منازلنا إذا كان حجم مائها أو وزنه الحجم أو الوزن المذكورين آنفاً، وماء خزاناتنا الصغيرة ما دام يتصل بها الماء الجاري؛ طبيعي أن تكون كل تلك المياه مياهاً كثيرة.
ـ وما الماء القليل..؟
ـ الماء القليل ما كان وزنه أو حجمه أقلّ من الوزن أو الحجم المذكورين في الماء الكثير.. أي أقلّ من الكر، ولم يكن من ماء المطر أثناء هطوله، مثل الماء في الأواني والقناني والكؤوس وغيرها.
أما وقد حددنا معنى الماء المضاف ،والماء المطلق بقسميه: الكثير منه والقليل، فساُبين لك حكم كل منهما إذا لاقى النجاسة سواء مسها أم مسته.
ـ وما حكم الماء المضاف؟
ـ الماء المضاف يتنجس بمجرد ملاقاته النجاسة سواء أكانت كميته كثيرة أم قليلة كالشاي مثلاً. وتلحق بالماء المضاف السوائل الأخرى كالحليب، والنفط، ومحاليل الأدوية، وغيرها فإنها تتنجس بمجرد ملاقاتها النجاسة.
ـ وحكم الماء القليل..؟
ـ يتنجس بمجرد ملاقاته النجاسة.
ـ وحكم الماء الكثير..؟
ـ لا يتنجس بملاقاة النجاسة كماء الإسالة، وماء الكر وغيرها إلا إذا تأثر بها لونه أو طعمه أو رائحته،.. وكذلك كل...
ـ كل ماذا؟
ـ كل ماء قليل اتصل به الماء الكثير صار كثيراً، فخزان الماء الصغير إذا جرى عليه أنبوب الإسالة صار كثيراً، وماء القِدر الموضوع في المغسلة إذا فتحت عليه أنبوب الماء المتصل بالكر، فاتصل ماء القِدر بماء الأنبوب صار ماء القِدر كثيراً، وهكذا..
ـ لو وقعت قطرات من الدم في خزان ماء راكد بحجم كر..؟
ـ لا يتنجس إلا إذا كثرت القطرات فتغير لون ماء الكر فاصفرّ بتأثير لون الدم.
ـ إذا وقعت في إناء صغير؟
ـ يتنجس الإناء.
ـ وإذا فتحنا عليه ماء الإسالة..؟
ـ يطهر الإناء.
ـ إذا صببنا من ماء الإبريق على شيء نجس، فهل يتنجس ماء الإبريق؟
ـ لا، لأن النجاسة لا تتسلق إلى عمود الماء الساقط من الإبريق، فلا عمود الماء يتنجس ولا ماء الإبريق.
ـ وكيف يطهّر ماء المطر الأشياء..؟
ـ إذا تقاطر عليها مباشرة سواء أكان المتنجس أرضاً، أم ماءً، أم ثياباً وأفرشة بعد أن ينفذ فيها، أم إناءً، أم ما شاكل ذلك وشابهه بشرط أن يصدق عرفاً على النازل أنه المطر.
ـ وكيف نطهّر بالماء القليل أو الكثير الأشياء المتنجسة..؟
ـ نطهّر كل شيء متنجس.. كل شيء بغسله بالماء قليلاً كان أو كثيراً مرة واحدة عدا ما يأتي..
1 - المتنجس بالبول؛ تغسله بالماء القليل مرتين.
2 - الإناء الذي يشرب منه الكلب؛ فإنه يغسل بالتراب الممزوج بالماء ثم يغسل بالماء القليل مرتين، وإذا غُسل بالكثير فمرة واحدة.
3 - الإناء الذي لطعه الكلب أو وقع فيه شيء من لعابه؛ [تغسله بالتراب الممزوج بالماء ثم تغسله بالماء القليل ثلاث مرات] وبالكثير مرة واحدة.
4 - الإناء الذي يلغ فيه الخنزير؛ تغسله بالماء القليل سبع مرات وبالكثير مرّة واحدة.
5 - الإناء الذي تنجّس بموت الجرذ؛ [تغسله بالماء القليل سبع مرات] وبالكثير مرّة واحدة.
6 - باطن الإناء الذي يجتمع فيه الماء ونحوه إذا تنجس بغير ما تقدم؛ تغسله بالماء القليل ثلاث مرات وبالكثير مرّة واحدة.
ـ وظاهر الإناء..؟
ـ يطهر بغسله مرة واحدة، حتى بالماء القليل، وهكذا الإناء الذي لا يجتمع فيه الماء كالصحن.
ـ كيف اُطهّر كفي المتنجسة وعندي ماء قليل؟
ـ صب عليها الماء فإن انفصل ماء التطهير عن كفك فقد طهر كفك.
المطهّر الثاني: الشمس.
ـ وماذا تطهّر الشمس..؟
ـ تطهّر الأرض وكل الأشياء الثابتة عليها كالأبنية، والحيطان، والأبواب، والأخشاب، والأوتاد والأشجار وأوراقها، والنباتات، والثمار قبل قطافها، وغير ذلك مما لا ينقل.
ـ كيف تطهّر الشمس الأشياء الثابتة..؟
ـ بشروقها عليها حتى تجف بتأثير أشعتها مع زوال عين النجاسة.
ـ وإذا كانت الأرض النجسة جافة، وأردنا تطهيرها بالشمس؟
ـ صببنا عليها الماء حتى إذا جففتها الشمس طهرت.
ـ وإذا تنجست الأرض بالبول وأشرقت عليها الشمس فجفت؟
ـ طهرت الأرض.
ـ والحصى والتراب، والطين، والأحجار المعدودة جزءً من الأرض إذا تنجست بالبول فجففتها الشمس؟
ـ طهرت.
ـ والمسمار النابت في الأرض، أو في البناء..؟
ـ حكمه حكم الأرض، يطهر كذلك بالشمس بعد أن تجففه.
المطهّر الثالث: زوال عين النجاسة عن جسد الحيوان.
ـ اضرب لي مثلاً على ذلك.
ـ مثلاً، بمجرد أن يزول الدم عن منقار الدجاجة يطهر منقارها، وبمجرد أن يزول الدم عن فم القطة يطهر فمها، وهكذا...
ـ بقي أن أسألك عن كيفية التطهير داخل جسم الإنسان مثل باطن الفم.
ـ باطن جسم الإنسان لا ينجس أصلاً، فباطن الفم والأنف والأذن والعين كلها طاهرة حتى مع وجود الدم فيها.
ـ وهل تتنجس الإبرة -إبرة الدواء- إذا زرقت داخل جسم الإنسان أو الحيوان، فلاقت الدم داخل الجسم؟
ـ لا، لا تتنجس إذا خرجت الإبرة من داخل الجسم وهي غير ملوثة بالدم فملاقاة الدم داخل الجسم لا توجب نجاسته.
المطهّر الرابع: الأرض.. كل ما يسمى أرضاً فهو مطهّر كالحجر، والرمل، والتراب والجص والإسمنت، وغيرها، ويشترط في الأرض أن تكون يابسة وطاهرة.
ـ وكيف أعرف أنها طاهرة؟
ـ ما دمت لا تعرف أنها قد تنجست فهي طاهرة، ومن ثم فهي مطهّرة.
ـ وماذا تطهّر الأرض؟
ـ تطهّر باطن القدم، والحذاء، بالمشي عليها بعد أن تزول عن القدم والحذاء النجاسة العالقة بهما من الأرض، بشرط أن تكون النجاسة قد حصلت بسبب المشي.
المطهّر الخامس: التبعية.
ـ اضرب لي مثلاً على التبعية؟
ـ الكافر مثلاً إذا أسلم طهر، وطهر (تبعاً له) طفله الصغير.
والخمر إذا انقلب خلاً طهر، وطهر ( تبعاً له) إناؤه الموضوع فيه.
والميت إذا غُسل الأغسال الثلاثة طهر، وطهرت (تبعاً له) يد الغاسل، والسدة التي غُسل عليها، وثيابه التي غُسل بها.
والثوب المتنجس إذا غسلته بالماء القليل ـ مثلاً ـ طهر، وطهرت (تبعاً له) اليد التي غسلته، وهكذا.
المطهّر السادس: الإسلام.
ـ وكيف يطهّر الإسلام؟ ومن يطهّر؟
ـ يطهّر الإسلام الكافر بعد أن يسلم، فيطهر هو ويطهر تبعاً له شعره، وأظافره، وغير ذلك من أجزاء جسده.
المطهّر السابع: الانتقال.
ـ مثلاً؟
ـ دم الإنسان ـ مثلاً ـ ذاك الذي يتغذى عليه البق والبرغوث والقمل، إذا شربه الحيوان فأصبح جزءً منه، ثم قتلت الحيوان، فصبغ ذلك الدم جسدك أو ثيابك، فهو دم طاهر.
المطهّر الثامن: الاستحالة.
ـ وما الاستحالة؟
ـ الاستحالة: تبدل شيء إلى شيء آخر مختلف عنه، وتحوله إليه.
ـ أضرب لي مثلاً على ذلك.
ـ الخشب المتنجس إذا احترق وصار رماداً، فالرماد طاهر. ومخلّفات الحيوان إذا استعملت وقوداً للنار فرمادها في التنور طاهر، وهكذا...
المطهّر التاسع: خروج الدم بالمقدار الطبيعي من الذبيحة المأكولة اللحم، بل وغير المأكولة اللحم غير النجس العين بعد ذبحها بطريقة شرعية. عندئذٍ سنحكم بطهارة الدم الباقي داخلها.
المطهّر العاشر: انقلاب الخمر خلاً، ذلك أن الخل أثناء تكونه يتخمر في مرحلة ما أحياناً فيتنجس ثم ينقلب بعد ذلك إلى خل فيطهر.
المطهّر الحادي عشر: الحيوان الجلاّل إذا منع من أكل العذرة مدة طويلة حتى يتغذى على غيرها فإنه تطهر مخلفاته التي تنجست بسبب أكل العذرة.
ـ أريد أن أسألك عن مسألة قد أحتاجها في تعاملي مع أصدقائي.
ـ سل.
ـ قد أرى حاجة لأحد أصدقائي المسلمين قد تنجست ثم يفارقني ويعود بعد فترة وهو يعاملها معاملة الحاجة الطاهرة، فهل لي أن أعتبرها طاهرة من دون أن اسأله؟
ـ إذا كان صديقك قد علم بنجاستها واحتملت أنه قد طهرها في غيبته فلك أن تعاملها معاملة الطاهرة فتأكل وتشرب بها [نعم إذا كانت ثياباً ونحوها فلا تصلّ بها حتى تسأله عن طهارتها].
الفهرست التفصيلي
حوارية الجنابة
سبقني ـ على غير العادة ـ أبي هذا اليوم إلى جلسة الحوار هذه.
وحين حضرت لم يلحظ أبي أول الأمر حضوري، كان صامتاً، متأملاً، مطرقاً برأسه إلى الأرض، مرخياً عينيه في قلبه، تاركاً ـ كما يبدو ـ لمشاعره حرية التسلل خارج جدران الغرفة المفضضة ببياض الأسئلة وبراءة قلبها الطفل.
وما أن لمحني حتى عاد لعينيه حزمهما الجميل الهادئ، فرنا إليّ قائلاً:
سأبدأ حواري بمقدمة تسلمني إلى فحوى حديث اليوم.. إلى حوارية الجنابة، ثم أردف:
حدثتك في (حوارية النجاسة) عن النجاسات، تلك التي تسلب من أجسادنا وأجساد الأشياء طهارتها الأولى التي كانت عليها.
ثم حدثتك في (حوارية الطهارة) عن المطهّرات، تلك التي تعيد مرة أخرى لأجسادنا وأجساد الأشياء طهارتها المغصوبة.
ولو رجعت بقلبك إلى (النجاسات) لوجدت أنها أشياء مادية طارئة على الجد، منه أو من غيره.
غير أن هناك أموراً معنوية غير محسوسة، لو (حدثت) لسلبت من الإنسان طهارته ولاحتاج بعدئذٍ إلى ما يعيد له طهارته المسلوبة ونقائه الجميل المفقود.
ذلك (الحدث) على نحوين.. أكبر وأصغر.
فالحدث الأكبر كالجنابة والحيض والنفاس والاستحاضة بقسميها، ومس الميت والموت.
والحدث الأصغر كالبول والغائط والريح والنوم والاستحاضة القليلة وغيرها.
والحدث الأكبر (يغسله الغسل) أو (يمسحه التيمم).
والحدث الأصغر (يغسله الوضوء) أو (يمسحه التيمم).
وستتناول حوارياتنا القادمة هذه الأمور أمراً أمراً مبتدئين اليوم بـ (الجنابة).
قلت لأبي:
ـ بماذا تتحقق الجنابة؟
قال: تتحقق بأحد أمرين:
أولاً: خروج السائل المنوي، سواء أخرج بممارسة جنسية، أم باحتلام ليلي، أم بعادة سرية.
ـ وما هي صفات السائل المنوي؟
ـ سائل لزج كثيف، رائحته رائحة العجين المختمر، حليبي اللون يميل لونه أحياناً إلى الصفرة أو الخضرة، يخرج عند بلوغ الشهوة الجنسية ذروتها مصحوباً بالدفق وملحوقاً بارتخاء وفتور للجسد.
ـ وإذا شككت بأن هذا السائل اللزج الخارج هل هو سائل منوي أو غيره من السوائل الأخرى؟
ـ سأعطيك علامات ثلاثاً، إذا اجتمعت ثلاثها فهو سائل منوي.
هذه العلامات هي: الشهوة، والدفق، وارتخاء الجسد أو فتوره. وفي النائم تكفي الشهوة والدفق. وفي المريض تكفي الشهوة.
ـ ولو تحققت لغير النائم واحدة منهن أو اثنتان؟
ـ قل إنه ليس سائلاً منوياً، سوى المريض كما ذكرت قبل قليل.
ثانياً: الاتصال الجنسي ولو لم يؤد إلى نزول السائل المنوي، ويكفي في تحقق الاتصال الجنسي دخول رأس العضو التناسلي الذكري (الحشفة) في الفرج [أو الشرج].
ـ وإذا خرج السائل المنوي أو تحقق الاتصال الجنسي؟
ـ تحققت الجنابة، للفاعل والمفعول به من غير فرق بين الكبير والصغير، والعاقل والمجنون.
ـ وإذا تحققت الجنابة..؟
ـ وجب عليك الغسل لتصلي ـ مثلاً ـ أو لتطوف في حجك. فإن الصلاة والطواف تتوقف صحتهما على الغسل، وسأشرح لك في (حوارية الغسل) التي ستأتي كيف تغتسل.
علماً أنه تحرم عليك ما دمت جنباً أمور:
1 - مس كتابة القرآن الكريم ضمن المصحف الشريف [بل حتى الآيات الموجودة في الكتب].
2 - [مس لفظ الجلالة (الله)، وأسماء الله وصفاته كـ(الخالق)] إلا أنه يجوز مس ما يكتب على العملات من القرآن الكريم وأسماء الله.
3 - قراءة آية السجدة من كل سورة من سور العزائم الأربع، وهي: (العلق، والنجم، والسجدة، وفصّلت).
4 - دخول المساجد لوضع شيء فيها أو المكث فيها. ويجوز للجنب اجتيازها بالدخول من باب والخروج من باب آخر إلا المسجدين الشريفين المسجد الحرام بمكة والمسجد النبوي بالمدينة [ولا يجوز المكث في المشاهد المقدسة للمعصومين(عليهم السلام)].
ـ وهل يلحق الصحن والرواق بالمشهد؟
ـ كلا، لا يلحق به.
ـ قبل أن نودع حوارية الجنابة اُحب أن أسألك وأخجل.
ـ سل ما شئت دون خجل فلا حياء في الدين، أقولها دائماً دائماً.
ـ أحياناً بعد أن أثار جنسياً أشاهد نقطة لزجة لسائل أبيض شفاف تخرج من الإحليل.
ـ نعم، هذا السائل طاهر لا ينجّس الملابس ولا الجسد، ولا يجب عليك الغسل إذا خرج، وهناك سائل آخر يخرج بعد البول أحياناً، إنه كذلك طاهر ولا يجب عليك الغسل إذا خرج.
ـ والعادة السرية؟
ـ العادة السرية محرّمة يجب عليك اجتنابها. كما أن الدراسات الطبية تنبّه إلى ضررها الصحي على النفس والجسد معاً، وقد حدا ذلك بالأطباء إلى إرشاد الناس وتوجيههم وحثهم على تركها والابتعاد عنها.
حوارية الجنابة
سبقني ـ على غير العادة ـ أبي هذا اليوم إلى جلسة الحوار هذه.
وحين حضرت لم يلحظ أبي أول الأمر حضوري، كان صامتاً، متأملاً، مطرقاً برأسه إلى الأرض، مرخياً عينيه في قلبه، تاركاً ـ كما يبدو ـ لمشاعره حرية التسلل خارج جدران الغرفة المفضضة ببياض الأسئلة وبراءة قلبها الطفل.
وما أن لمحني حتى عاد لعينيه حزمهما الجميل الهادئ، فرنا إليّ قائلاً:
سأبدأ حواري بمقدمة تسلمني إلى فحوى حديث اليوم.. إلى حوارية الجنابة، ثم أردف:
حدثتك في (حوارية النجاسة) عن النجاسات، تلك التي تسلب من أجسادنا وأجساد الأشياء طهارتها الأولى التي كانت عليها.
ثم حدثتك في (حوارية الطهارة) عن المطهّرات، تلك التي تعيد مرة أخرى لأجسادنا وأجساد الأشياء طهارتها المغصوبة.
ولو رجعت بقلبك إلى (النجاسات) لوجدت أنها أشياء مادية طارئة على الجد، منه أو من غيره.
غير أن هناك أموراً معنوية غير محسوسة، لو (حدثت) لسلبت من الإنسان طهارته ولاحتاج بعدئذٍ إلى ما يعيد له طهارته المسلوبة ونقائه الجميل المفقود.
ذلك (الحدث) على نحوين.. أكبر وأصغر.
فالحدث الأكبر كالجنابة والحيض والنفاس والاستحاضة بقسميها، ومس الميت والموت.
والحدث الأصغر كالبول والغائط والريح والنوم والاستحاضة القليلة وغيرها.
والحدث الأكبر (يغسله الغسل) أو (يمسحه التيمم).
والحدث الأصغر (يغسله الوضوء) أو (يمسحه التيمم).
وستتناول حوارياتنا القادمة هذه الأمور أمراً أمراً مبتدئين اليوم بـ (الجنابة).
قلت لأبي:
ـ بماذا تتحقق الجنابة؟
قال: تتحقق بأحد أمرين:
أولاً: خروج السائل المنوي، سواء أخرج بممارسة جنسية، أم باحتلام ليلي، أم بعادة سرية.
ـ وما هي صفات السائل المنوي؟
ـ سائل لزج كثيف، رائحته رائحة العجين المختمر، حليبي اللون يميل لونه أحياناً إلى الصفرة أو الخضرة، يخرج عند بلوغ الشهوة الجنسية ذروتها مصحوباً بالدفق وملحوقاً بارتخاء وفتور للجسد.
ـ وإذا شككت بأن هذا السائل اللزج الخارج هل هو سائل منوي أو غيره من السوائل الأخرى؟
ـ سأعطيك علامات ثلاثاً، إذا اجتمعت ثلاثها فهو سائل منوي.
هذه العلامات هي: الشهوة، والدفق، وارتخاء الجسد أو فتوره. وفي النائم تكفي الشهوة والدفق. وفي المريض تكفي الشهوة.
ـ ولو تحققت لغير النائم واحدة منهن أو اثنتان؟
ـ قل إنه ليس سائلاً منوياً، سوى المريض كما ذكرت قبل قليل.
ثانياً: الاتصال الجنسي ولو لم يؤد إلى نزول السائل المنوي، ويكفي في تحقق الاتصال الجنسي دخول رأس العضو التناسلي الذكري (الحشفة) في الفرج [أو الشرج].
ـ وإذا خرج السائل المنوي أو تحقق الاتصال الجنسي؟
ـ تحققت الجنابة، للفاعل والمفعول به من غير فرق بين الكبير والصغير، والعاقل والمجنون.
ـ وإذا تحققت الجنابة..؟
ـ وجب عليك الغسل لتصلي ـ مثلاً ـ أو لتطوف في حجك. فإن الصلاة والطواف تتوقف صحتهما على الغسل، وسأشرح لك في (حوارية الغسل) التي ستأتي كيف تغتسل.
علماً أنه تحرم عليك ما دمت جنباً أمور:
1 - مس كتابة القرآن الكريم ضمن المصحف الشريف [بل حتى الآيات الموجودة في الكتب].
2 - [مس لفظ الجلالة (الله)، وأسماء الله وصفاته كـ(الخالق)] إلا أنه يجوز مس ما يكتب على العملات من القرآن الكريم وأسماء الله.
3 - قراءة آية السجدة من كل سورة من سور العزائم الأربع، وهي: (العلق، والنجم، والسجدة، وفصّلت).
4 - دخول المساجد لوضع شيء فيها أو المكث فيها. ويجوز للجنب اجتيازها بالدخول من باب والخروج من باب آخر إلا المسجدين الشريفين المسجد الحرام بمكة والمسجد النبوي بالمدينة [ولا يجوز المكث في المشاهد المقدسة للمعصومين(عليهم السلام)].
ـ وهل يلحق الصحن والرواق بالمشهد؟
ـ كلا، لا يلحق به.
ـ قبل أن نودع حوارية الجنابة اُحب أن أسألك وأخجل.
ـ سل ما شئت دون خجل فلا حياء في الدين، أقولها دائماً دائماً.
ـ أحياناً بعد أن أثار جنسياً أشاهد نقطة لزجة لسائل أبيض شفاف تخرج من الإحليل.
ـ نعم، هذا السائل طاهر لا ينجّس الملابس ولا الجسد، ولا يجب عليك الغسل إذا خرج، وهناك سائل آخر يخرج بعد البول أحياناً، إنه كذلك طاهر ولا يجب عليك الغسل إذا خرج.
ـ والعادة السرية؟
ـ العادة السرية محرّمة يجب عليك اجتنابها. كما أن الدراسات الطبية تنبّه إلى ضررها الصحي على النفس والجسد معاً، وقد حدا ذلك بالأطباء إلى إرشاد الناس وتوجيههم وحثهم على تركها والابتعاد عنها.
حوارية الحيض
جلس أبي على مقعده المعدّ له في غرفة الحوار هذا اليوم، وعلى شفتيه ابتسامة عريضة، جعلتني أخمن أن أمراً غير مألوف يراوده، جلس ليقول:
سأحدثك اليوم عن الحيض.
لم أكن أعرف قبل اليوم ماذا يعني الحيض، وإن كنت أذكر أني قد سمعت هذه اللفظة من قبل.. غير أن ما أثار فضولي لمعرفتها.. أني سمعتها تلفظ منهن على استحياء.. تلفظ همساً رقيقاً عاجلاً كأن في الكلمة ما يخجل. وبمجرد ما تيقنت أن الحديث عن الحيض قد بدأ؛ خجلت ورحت أداري خجلي فسألت نفسي: لماذا يوظب الخجل نفسه ليحضر معي؟ وألح عليّ هذا التساؤل... ثم تطاول فاستحكم تُرى لماذا يوظب الخجل نفسه ليحضر هنا؟
واستحوذت عليّ الفكرة وأسرتني.. لماذا الخجل.. ولمَ؟ إذا كان الحيض أمراً مخجلاً حقاً فكيف سيحدثني عنه أبي هذا اليوم؟ ثم .. لماذا يحدثني عن أمر مخجل يحسن ألا يتحدث به أحد؟!
واستذكرت.. فموضوع حوارياتنا كلها يدور حول أحكام شرعية فلا بد أن يكون الحيض موضوعاً يتناوله بالبحث الفقه الإسلامي. وإذا كان الأمر كذلك فما معنى أن نخجل من الحديث في أمر يذكره القرآن الكريم ويتناوله النبي الكريم محمد (صلى الله عليه وآله) ويتحدث عن أحكامه المعصومون (عليهم السلام) لأصحابهم، ثم بعد ذلك ما معنى أن نخجل من أمر يجب أن نحيط بأحكامه لنطبقها.
وأفقت على صوت أبي يقول:
سبب الحيض، خروج دم الحيض، وهو دم تعتاد عليه النساء وتعرفه. يخرج في فترات منتظمة كل شهر تقريباً ويوصف بأنه (أحمر) أو مائل إلى (السواد)، وحار، ويخرج بحرقة.
ـ هل أن دم الحيض حالة مرضيّة للمرأة أو أنه حالة طبيعية لها؟
ـ الحيض حالة طبيعية للمرأة، ولهذا فإن كل ما تراه المرأة من الدم وكان جامعاً للشروط الآتية فهو حيض..
ـ وما هي الشروط؟
ـ شروط الحيض..
1 - أن لا يستمر الدم أكثر من عشرة أيام.
2 - أن لا تكون الفترة بين خروج الدم وانقطاع دم الحيض السابق أقل من عشرة أيام.
3 - أن لا يقل خروج الدم عن ثلاثة أيام.
ـ وهل يشترط في الثلاثة أيام أن تكون متوالية بلا انقطاع؟
ـ لا يشترط التوالي في الأيام الثلاثة. نعم يشترط أن يكون الدم في ثلاثة أيام في ضمن عشرة أيام. فمثلاً إذا خرج الدم يوماً كاملاً ثم انقطع يومين، ثم عاد في يوم آخر، ثم انقطع يومين وعاد في يوم ثالث كاملاً، فإن الدم في الأيام الثلاثة يكون حيضاً.
ـ وهل المقصود من اليوم اليوم التام (أربع وعشرون ساعة)؟
ـ نعم، فلا يكفي وجود الدم في النهار دون الليل أو بالعكس.
ـ وإذا استمر الدم أكثر من عشرة أيام؟
ـ فإن بعضه ليس بحيض، وسيأتي بيان أحكامه.
ـ وإذا كانت فترة الطهر وانقطاع الدم بين خروج الدم الجديد والدم السابق أقلّ من عشرة أيام.
ـ فهذا يعني أن الدم الثاني ليس بحيض.
ـ متى تعد المرأة نفسها حائضاً؟
1 - إذا رأت المرأة الدم أول مرة، ولم يكن أقلّ من ثلاثة أيام ولا أكثر من عشرة أيام فهو حيض.
2 - إذا رأت المرأة الدم مرة أخرى بعد فترة طهر أكثر من عشرة أيام من الدم الأول، فإنها تتحيض. فإن استمر الدم ثلاثة أيام فهو حيض، وإن لم يستمر ثلاثة أيام -ولو متفرقة- فهو استحاضة. سواء جاءها الدم في وقت عادتها المحدد أم لا.
ـ وكيف تكون للمرأة عادة؟
ـ تكون للمرأة عادة إذا تكرر نزول الدم منها في نفس الموعد المحدد، فإذا اتفق الدم الثاني مع الدم الأول في الموعد والعدد فإنها تسمى ذات عادة وقتية وعددية، وأما إذا اتفق الدم الثاني مع الدم الأول في الموعد دون العدد كان لها عادة وقتية فقط، مثلاً: إذا رأت الدم الأول في أول الشهر لمدة سبعة أيام ورأت الدم الثاني في أول الشهر الثاني ولمدة سبعة أيام أيضاً، كانت ذات عادة وقتية وعددية. وإذا اختلف العدد كانت ذات عادة وقتية فقط، وحكمها أنها إذا رأت الدم في أول الشهر تتحيض إذا كان الدم مستمراً ثلاثة أيام ولو متفرقة في ضمن عشرة.
ـ وإذا اتفق الدم الثاني مع الدم الأول في العدد فقط دون الموعد؟
ـ تكون المرأة ذات عادة عددية فقط.
ـ وهل لها حكم خاص؟
ـ نعم، فإنها إذا رأت الدم بعد فترة طهر عشرة أيام أو أكثر واستمر الدم أكثر من عشرة أيام، فلها أن تتحيض بمقدار عادتها فقط ويكون الزائد استحاضة. ولها أن تضيف يوماً أو يومين أو ثلاثة إلى أن تكمل العشرة وتجعل الباقي استحاضة.
ـ والتي لم تستقر لها عادة كيف تتحيض؟
ـ إذا رأت الدم بعد عشرة أيام أو أكثر من نقائها من الحيض السابق واستمر ثلاثة أيام ولو متفرقة فإنها تعرف نفسها حائضاً.
ـ عرفت حكم المرأة التي ترى الدم وتعرفه، فإذا كانت المرأة حائضاً وانقطع الدم في الظاهر، ولكن بقيت تحتمل وجوده في الباطن؟
ـ وجب عليها الفحص، وإذا كان الشك ليلاً جاز لها تأخير الفحص إلى النهار.
ـ وكيف تفحص؟
ـ أن تدخل القطنة في موضع خروج الدم وتتركها فترة، ثم تخرجها فإن كانت بيضاء نقية فهي طاهرة، وعليها أن تغتسل وتأتي بعباداتها كالصلاة والصوم ـ مثلاً ـ. وإن كانت ملوّثة بالدم فهي ما زالت حائضاً.
ـ هل الحيض ملازم للمرأة في جميع أدوار حياتها؟
ـ لا حيض قبل بلوغها تسع سنين. كما أنه إذا بلغت المرأة خمسين سنة من عمرها وكانت غير قرشية فلا حيض لها ويعبر عنها يائس.
ـ وإذا كانت قرشية؟
ـ فإنها تتحيض بنزول الدم بالشروط المتقدمة إلى أن تبلغ ستين سنة، فإذا بلغتها فلا تتحيض وتكون يائساً.
ـ وإذا علمت المرأة أنها حائض، فماذا تفعل وماذا تترك؟
ـ يترتب على الحائض ما يأتي:
1 - لا تصح منها الصلاة.. لا الصلاة الواجبة ولا المستحبة.
2 - لا تقضي ما يفوتها من الصلاة أثناء الحيض.
3 - لا يصح منها الصوم.
4 - يجب عليها قضاء ما يفوتها أثناء الحيض من الصيام.
5 - لا يصح منها الطواف في الحج.. واجباً كان [أو مستحباً].
6 - لا يصح طلاقها وهي حائض. إلا في حالات خاصة.
7 - يحرم الاتصال الجنسي بها.
8 - يحرم عليها [جميع] ما يحرم على الجنب (راجع حوارية الجنابة).
9 - يجب عليها بعد انتهاء فترة الحيض أن تغتسل للصلاة.
وسأشرح لك كيف تغتسل في حوارية قادمة.
الفهرست التفصيلي
حوارية النفاس
قال أبي: سأحدثك اليوم عن النفاس.
ـ وما النفاس؟
ـ دم تراه المرأة عند الولادة أو بعدها مع علمها بأن سببه الولادة وتسمى المرأة نفساء.
ـ وكم يستمر النفاس؟
ـ أكثر النفاس عشرة أيام، وسيأتي حكم من استمر الدم عندها أكثر من عشرة أيام.
ـ وما أقله؟
ـ لا حدّ لأقله، فقد يكون دقيقة واحدة وقد يكون أقل من ذلك.
ـ وهل تختلف النساء في النفاس؟
ـ نعم تختلف، وسأذكر لك منهن ثلاثة أقسام:
الأول: من لا يتجاوز دمها عشرة أيام.
ـ وما حكمها؟
ـ تعتبر فترة نزول الدم كلها نفاساً.
الثاني: من يتجاوز الدم عندها عشرة أيام، ولها عادة في الحيض محددة، كأن تكون عادتها في الحيض خمسة أيام من كل شهر.
ـ وما حكمها؟
ـ أن تعتبر مدة عادتها نفاساً، [وتضيف عليها] يوماً واحداً أو يومين أو أكثر إلى تمام العشرة.
ـ والأيام الباقية؟
ـ تعتبرها استحاضة.
الثالث: من يتجاوز نزف دمها عشرة أيام، وليس لها عادة في الحيض محددة.
ـ وما حكمها؟
ـ حكمها أن تجعل عشرة أيام نفاساً ثم بعدها [تجمع بين تروك النفساء وواجبات المستحاضة إلى ثمانية عشر يوماً]، وإن استمر الدم أكثر من ذلك أخذت أحكام المستحاضة.
ـ إذا كانت النفساء ذات عادة في الحيض محددة، وتجاوز نزف دمها عدد أيام عادتها، وهي لا تدري هل سينقطع نزف الدم قبل عشرة أيام، أو سيستمر إلى ما بعد العادة؟
ـ يمكنها أن تترك العبادة إلى تمام عشرة أيام، فإن انقطع نزف الدم اعتبرت المدة كلها نفاساً، وإن تجاوز الدم اليوم العاشر تغتسل وتعمل عمل المستحاضة. ويمكنها أن تترك العبادة أيام عادتها [وتضيف لها] ولو يوماً واحداً، وتجعل الباقي استحاضة، أو تضيف يومين والباقي استحاضة، أو تضيف أكثر إلى تمام العشرة.
ـ إذا انقطع نزف الدم في اليوم الأول ثم عاد لينقطع مرة أخرى في اليوم العاشر مثلاً أو أي يوم كان قبله..
ـ حكمها في فترة انقطاع الدم حكم الطاهر.
ـ إذا انقطع نزف الدم ثم عاد، ثم انقطع، ثم عاد، وهكذا، ولكنه لم يتجاوز بمجموعه عشرة أيام؟
ـ كانت أيام الدم كلها نفاساً، لكنها في أيام الانقطاع طاهرة.
ـ إذا أتمت النفساء نفاسها، ثم رأت الدم بعد ذلك؟
ـ كل دم تراه النفساء بعد إتمام نفاسها وإلى عشرة أيام لاحقة فهو استحاضة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الدم بصفات الحيض أو لم يكن، وسواء كان في أيام عادتها أم لم يكن، ولكنه إذا جاءها بعد عشرة أيام طهر وكان جامعاً لشروط الحيض فهو دم حيض.
ـ وما يترتب على النفساء من أحكام؟
ـ يترتب عليها كل ما يترتب على الحائض من أحكام سواء كانت واجبات أم محرمات أم مستحبات أم مكروهات (راجع حوارية الحيض).
الفهرست التفصيلي
حوارية الاستحاضة
جلس أبي جلسته المعتادة مزداناً به مكانه المخصص له كل يوم، وبدأ فأضفى على حوار اليوم اسم (الاستحاضة).
وما أن تمت كلمة الاستحاضة بتكوينها اللفظي واستوت كجسد من كلام حتى فوجئت، حروف الكلمة هي حروف كلمة الحيض، مصاغة منها، أو محورّة عنها. وإذ استولى علّي هذا الخاطر برق في ذهني خيط من دم راعف، تشكلت في ذهني صورة على هيئة امرأة، فقلت: وهل الاستحاضة من مختصات النساء؟
قال: نعم.
قلت: وهل هي نضح دموي؟
قال: نعم.. ولكن..
ـ ولكن ماذا؟
ـ لكن شرط ألا يكون دم حيض، ولا نفاس، ولا جرح، ولا قرح، ولا افتضاض بكارة.
قلت: معنى هذا أن الاستحاضة هي كل دم لا يكون حيضاً ولا نفاساً ولا جرحاً ولا قرحاً ولا دم تمزق غشاء البكارة؟
قال: نعم.
قلت: هذه دماء عديدة.
قال: بعضها دليل خصوبة المرأة وشبابها. ألا ترى أنها حين تشيخ، وينقطع عنها دم الحيض لا تنجب.
قلت: دم الجروح والقروح والنفاس معروفة عادة. ولكن كيف تعرف المرأة أن هذا الدم دم استحاضة وليس دم حيض؟
قال: تذكر مواصفات دم الحيض؟
قلت: نعم، فهو دم أحمر أو أسود، يخرج بحرقة وحرارة.
قال أبي: غالباً ما تكون مواصفات دم الاستحاضة مخالفة لمواصفات دم الحيض، فدم الاستحاضة غالباً دم يميل إلى الاصفرار، ورقيق، ويخرج بلا لذع وحرقة.
قلت: وكيف تشخص المرأة أن هذا الدم ليس بدم تمزق غشاء البكارة إذا صادف ذلك يوم الزواج؟
قال: دم تمزق غشاء البكارة يحيط بالقطنة، ويطوّقها كهلال من دم، بينما قد تنغمس القطنة بدم الاستحاضة وقد يزيد فيتجاوزها إلى الخارج.
ـ إذن دم الاستحاضة قد يستوعب القطنة بخضابه؟
ـ نعم، وقد لا يستوعبها، فالاستحاضة على ثلاثة أقسام:
استحاضة كثيرة: إذا انغمست القطنة بالدم وزاد، فتجاوزها وسال إلى خارجها.
واستحاضة متوسطة: إذا انغمست القطنة بالدم ولكنه توقف عندها فلم يسل إلى الخارج.
واستحاضة قليلة: إذا لوّن الدم القطنة ولم يغمسها، لقلّته.
ـ وما حكم كل منها؟
ـ في الاستحاضة الكثيرة: يجب على المرأة أن تغتسل ثلاثة أغسال...غسلاً لصلاة الصبح، وغسلاً لصلاتي الظهر والعصر إذا جمعتهما، وغسلاً لصلاتي المغرب والعشاء إذا جمعتهما.
ـ وإذا فرّقت بينهما؟
ـ اغتسلت لكل صلاة.
وفي الاستحاضة المتوسطة: يجب على المرأة أن تتوضأ لكل صلاة، ثم تغتسل كل يوم مرة واحدة.
ـ اضرب لي مثلاً على ذلك.
ـ قبل صلاة الفجر ـ مثلاً ـ اكتشفت المرأة أنها مستحاضة فاختبرت نفسها فكانت استحاضتها متوسطة تغتسل لصلاة الفجر من دون وضوء، ويكفيها غسلها هذا لكل صلوات ذلك اليوم مع وضوء لكل صلاة، فإن حل اليوم الثاني اغتسلت قبل صلاة الفجر وتوضأت للصلوات الآتية..وهكذا لو توالت عليها الأيام وهي على استحاضتها المتوسطة.
وفي الاستحاضة القليلة، يجب عليها فقط أن تتوضأ لكل صلاة واجبة أو مستحبة.
ـ ذكرت لي أن دم الاستحاضة مائل إلى الاصفرار فهل يختلف حكمه إذا كان الخارج سائلاً أصفر مما لا يمكن تسميته دماً؟
ـ نعم، لأنه إذا لم يكن دماً فحكمه أن تتوضأ لكل صلاة وإن كان كثيراً.
ـ وهل تتبدل استحاضة المرأة من قسم إلى قسم؟
ـ نعم، قد تتبدل فتتحول القليلة إلى الكثيرة، والكثيرة إلى متوسطة وهكذا. بل قد تتبدل من كون الخارج مائلاً إلى الصفرة وبالعكس، بل أكثر من ذلك قد تكون للمستحاضة فترة لا ينزل فيها الدم.
ـ وإذا كان لها فترة لا ينزل فيها الدم فما حكمها؟
ـ إذا كانت الفترة تتسع للطهارة ـ من غسل أو وضوء ـ والصلاة وجب على المرأة انتظارها وتتطهر وتصلي فيها.
ـ وكيف تعرف المرأة بعدم نزول الدم أو بتبدل استحاضتها من قسم إلى آخر؟
ـ بالاختبار وإدخال القطنة. فإن خرجت القطنة نقية كانت لها فترة نقاء وإن خرجت ملوثة فعلى الأقسام الثلاثة.
ـ إذا خرجت القطنة ملوثة بالدم فهل يجب على المرأة تبديلها للصلاة؟
ـ نعم يجب تبديلها، ولكن إذا كان حكم المستحاضة الجمع بين الصلاتين فلا يجب تبديلها للصلاة الثانية، ويجب على المستحاضة بعد الغسل أو الوضوء أن تتحفظ من خروج الدم مهما أمكن.
ـ معنى هذا أن تسرع إلى الصلاة بعد الغسل أو الوضوء؟
ـ نعم.
ـ وماذا يترتب على الاستحاضة من أحكام؟
ـ أولاً: يجب على المستحاضة أن تتطهر بعد انقطاع الدم بالوضوء إن كانت استحاضتها قليلة، وبالغسل إن كانت استحاضتها متوسطة أو كثيرة.
ثانياً: يحرم على المستحاضة بأقسامها الثلاثة مس كتابة القرآن الكريم.
ثالثاً: [يحرم على المستحاضة الدخول إلى الكعبة الشريفة].
رابعاً: لا يترتب على المستحاضة ما يترتب على الحائض من أحكام، فيجوز الاتصال الجنسي بها، ويصح طلاقها، ولا يحرم عليها دخول المساجد والمكث فيها وأخذ شيء منها ووضع شيء فيها، ويجوز لها قراءة آيات السجدة، لكن الأفضل أن تقوم بواجباتها التي مرّ ذكرها في ما سبق أي تغتسل وتتوضأ قبل الدخول للمساجد، وقراءة آية السجدة.
خامساً: يصح الصوم من المستحاضة بجميع أقسامها، ولا يشترط في صحة صومها أن تغتسل قبل الفجر.
حوارية الموت
لا أكتمكم أني ساعة بدأ أبي حواره عن الموت كنت متوتراً، مستفز الأعصاب، مستنفراً، قلقاً، مشدوداً شداً عنيفاً إلى وجه أبي ونبرات صوته وانحناءاتها وهو يتحدث عن الموت ببطء حذر، ينمّ عن توجس محسوب.
ولا أكتمكم كذلك أني كلما تفوه أبي بكلمة (الموت) ـ تلك الكلمة المخيفة المبهمة الغامضة ـ أحسست بتسارع غير طبيعي لنبض بات ـ لفرط خوفه مما يصغي إليه ـ يصبغ وجهي وأذني ـ على غير قصد مني ـ بصفرة داكنة وينشر فوق جبهتي وأنفي حبات مكتنزة من عرق محموم.
وإذ اكتست نبرة صوت أبي الخفيضة وشاحاً رمادياً من حزن دافئ رقيق وهو يسرد التفاصيل عن «الموت و الميت» راحت وتائر خوفي وقلقي تتصاعد شيئاً فشيئاً حتى فضحتني. ثم زادت، فضيقت عليّ بعد افتضاح أمري فرجة بوابة الاعتراف.
وحين لاحظ أبي إمارات الخوف على تضاريس وجهي وحدقات عيني طاغية مستحكمة سألني..
أأنت خائف..؟
ـ وكيف لا أخاف!
ـ أخائف أنت من الموت أم من الميت؟
وإذ كنت أخاف من الميت أكثر مما أخاف من الموت، قلت:
ـ من الميت.
لقد كان خوفاً مرعباً ذاك الذي اعترفت به اليوم. فلم أكن قد شاهدت طيلة عمري شخصاً يحتضر أو يموت. بل لم أكن قد سمعت قبل يومي هذا سرداً عما ينبغي عليّ أن أفعله وأمامي من يحتضر أو يموت.
كنت قبل هذا اليوم حين أشاهد جنازة محمولة تنتابني حالة اكتئاب مضجر، وضيق موجع حتى لأحوّل بصري عنها لأقطع خيط الذاكرة من أن يسترسل.
ـ نعم أخاف من الميت.
قلتها مرة أخرى لأعيد تثبيت قناعتي.
ـ أتخاف من الميت أكثر مما تخاف الموت وما بعد الموت؟
قالها أبي وأضاف:
أتخاف ممن كان قبل لحظة موته حياً مثلك يأكل، ويشرب، ويبكي، ويضحك، ويتنزه، ويحلم، وينام...، ثم.. ثم هجم عليه ما لو هجم على كل حي لصرعه.
لماذا لا تكون واقعياً أكثر، فتخاف الموت؟
أسألت نفسك أين ذهبت كل تلكم الأمم السالفة وأجيالها المتعاقبة يوم «أصبحت مساكنهم أجداثاً، وأموالهم ميراثاً، لا يعرفون من آثارهم، ولا يحفلون بـمن بكاهم، ولا يجيبون من دعاهم».
فكم.. و (كم تركوا من جنات وعيون و زروع ومقام كريم ونَعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوماً آخرين).
ثم أين ذهب من تعرف ممن مات ورحل؟
أين آباؤك السابقون، وأجدادك الماضون.. أين فلان.. أين فلان.. أين فلان.. لقد «استبدلوا بظهر الأرض بطناً، وبالسعة ضيقاً، وبالأهل غربة، وبالنور ظلمة».
ثم أنشد أبي:
كلنا في غفلة والموت يغدو ويروح
نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوح
لست بالباقي ولو عمرت ما عمّر نوح
وران صمت كثيف على وجهه كانت الدقائق تمر فيه ثقيلة بطيئة متأنية كمن يعيد ترتيب صورة ما في ذهنه، أو يعيد تجميع شيء متناثر هنا وهناك في ذاكرته حتى قطع صوته حبل ذلك الصمت قائلاً:
رحمك الله يا أبا الحسن يوم قلت قبل ساعة موتك: «أنا بالأمس صاحبكم، وأنا اليوم عبرة لكم، وغداً مفارقكم، ليعظكم هدوئي، وخفوت إطراقي، وسكون أطرافي، فإنه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ والقول المسموع».
ويوم قلت:
«واعلموا أنه ليس لهذا الجلد الرقيق صبر على النار، فارحموا نفوسكم فإنكم قد جربتموها في مصائب الدنيا. أفرأيتم جزع أحدكم من الشوكة تصيبه، والعثرة تدميه، والرمضاء تحرقه. فكيف إذا كان بين طابقين من نار، ضجيع حجر، وقرين شيطان! أعلمتم أن (مالكاً) إذا غضب على النار حطم بعضها بعضاً لغضبه، وإذا زجرها توثبت بين أبوابها جزعاً من زجرته».
وأردف أبي:
آن لك ـ وقد تكلّفت ـ أن تخاف الموت وهول ما بعد الموت (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد). وليكن الميت أو المحتضر مذكّراً لك بما سيؤول إليه مصيرك لا مخيفاً مرعباً لك.
وأخذت حينها أتدبر ترتيب مخاوفي من جديد، إلى أن قطع أبي عليّ تأملاتي مؤكداً:
ـ إذا صادف أن حضرت محتضراً مؤمناً فدع مخاوفك جانباً ووجّهه إلى القبلة فإنه يستحب ذلك.
ـ وكيف أوجّهه؟
ـ ضعه على قفاه واجعل باطن رجليه إلى القبلة.
ـ معنى هذا أن اُمدد رجليه باتجاه القبلة.
ـ بالضبط. سواء أكان المحتضر رجلاً أم امرأة، كبيراً أم صغيراً، كما يستحب أن تلقّنه الشهادتين، والإقرار بالنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)، وتقرأ عنده سورة (الصافات)؛ ليسهل عليه النزع ويكره أن يحضر المحتضر مجنب أو حائض، وأن يمس حال النزع.
ـ وإذا مات؟
ـ إذا مات يجب أن توجّهه إلى القبلة ويستحب أن تغمض عينيه، وتغلق فمه، وتمد يديه إلى جانبيه، وساقيه، وتغطيه بثوب، وتقرأ عنده القرآن، وتضئ المكان الذي مات فيه إن مات في الليل، وتخبر المؤمنين بموته ليحضروا جنازته، ويستحب الإسراع في تجهيزه إلا أن تشتبه بموته وتشك فيه.
ـ وإذا اشتبهت بموته؟
ـ عندئذٍ يجب تأخيره حتى تتأكد من موته، فإذا تأكدت وجب تغسيله رجلاً كان أو امرأة، صغيراً كان أو كبيراً.
ـ والسقط؟
ـ حتى السقط إذا كملت خلقته ونمت أعضاؤه [أو أتم أربعة أشهر ولو قبل تمام خلقته]، يغسّل ويحنّط ويكفن ويدفن، ولكن لا تجب الصلاة عليه.
ـ وكيف اُغسّل الميت؟
ـ تغسّله ثلاثة أغسال، يغسّل الذكرُ الذكر، وتغسل الأنثى الأنثى، إلا في الزوجين، وفي من عمره ثلاث سنين أو أقل. نعم... تغسّله ثلاثة أغسال:
الأول: بماء السدر.
الثاني: بماء الكافور.
الثالث: بالماء الخالص. على أن يكون:
أ - السدر بمقدار يحصل به تنظيف الجسد، والكافور بمقدار يحصل به تطييب الميت.
ب - أن يكون الماء المستعمل في الغسل طاهراً غير نجس.
ج - ومباحاً غير مغصوب.
د - أن يكون الماء في الغسل الثالث مطلقاً غير مضاف.
هـ - وأن يكون السدر، والكافور، والصخرة التي يغسّل عليها الميت، والإناء المستعمل في الغسل، والفضاء الذي يجري فيه الغسل، مباحاً غير مغصوب.
ـ وهل أخلع ملابس الميت أثناء الغسل؟
ـ يجوز تغسيله بملابسه، ولعله أفضل مما لو كان مجرداً منها.
و - أن يغسّله مماثله في الذكورة والأنوثة، إلا في الصبي والصبية دون ثلاث سنين، كما يجوز للزوج أن يغسل زوجته، ويجوز للزوجة أن تغسّل زوجها [لكن عند عدم وجود رجل يغسله]، [لكن لا يجوز لهما النظر إلى العورة].
ـ وإذا لم يكن هناك من يماثل الميت ليغسّله؟
ـ غسّله أحد محارمه، كالبنت تغسل أباها أو أخاها، أو الولد يغسّل اُمه أو اُخته أو عمته أو نحو ذلك ولا يجوز النظر إلى العورة حينئذٍ.
ـ وإذا لم يكن هناك مماثل أصلاً ولا كان أحد من محارمه؟
ـ استحب أن يغسّله غير المماثل لكن من وراء الثياب.
ـ وإذا تنجس جسد الميت بنجاسة خارجية أو بنجاسة من الميت أثناء الغسل؟
ـ وجب تطهير ما تنجس منه. ولا تجب إعادة الغسل.
ـ وبعد أن ننتهي من تغسيل الميت؟
ـ يجب تحنيطه وتكفينه.
ـ وما التحنيط؟
ـ مسح مواضع السجود السبعة بالكافور المسحوق المحتفظ برائحته المباح غير المغصوب [والطاهر].
ـ وكيف نكفن الميت؟
ـ يجب تكفين الميت بقطع ثلاث:
1 - القميص: ويجب أن يستر ما بين الكتفين إلى الفخذين.
2 - الأزرار: ويجب أن يستر البدن كله إلا الرأس منه.
3 - الرداء: ويجب أن يستر البدن كله حتى الرأس.
ـ وهل هناك شروط أخرى لهذه القطع؟
ـ [أن تكون كل قطعة منها ساترة لما تحتها غير شفافة، أي غير حاكية عما تحتها].
ـ وإن لم تتيسر القطع الثلاث؟
ـ يكفن الميت بما يتيسر منها، ويشترط..
ـ يشترط ماذا؟
ـ يشترط في الكفن أن يكون طاهراً، ومباحاً غير مغصوب، وأن لا يكون من الحرير، [ولا من الجلد الطبيعي ونحوه مما لا يكون منسوجاً] إلا مع الضرورة.
ـ وماذا بعد تغسيل الميت وتحنيطه وتكفينه؟
ـ تجب الصلاة عليه إذا كان بالغاً.
ـ وكيف نصلي عليه؟
ـ الصلاة على الميت تختلف عن الصلاة اليومية فهي خمس تكبيرات لا قراءة سورة فيها، ولا ركوع، ولا سجود، ولا تشهد، ولا تسليم.
ـ زدني توضيحاً.
ـ يكفي أن تكبّر التكبيرة الأولى وتتشهد الشهادتين ثم تكبّر التكبيرة الثانية وتصلي على النبي محمد وآله (صلى الله عليه وآله) ثم تكبّر التكبيرة الثالثة وتدعو للمؤمنين، ثم تكبّر التكبيرة الرابعة وتدعو للميت، ثم تكبّر التكبيرة الخامسة وتنصرف.
ـ هل هناك أشياء معتبرة في الصلاة على الميت؟
ـ يعتبر فيها أمور:
1 - النية.
2 - القيام إذا كان ممكناً.
3 - أن تكون بعد غسل الميت وتحنيطه وتكفينه.
4 - أن يكون رأس الميت على يمين المصلي ورجلاه إلى يساره.
5 - أن يوضع الميت على ظهره عند الصلاة عليه.
6 - أن يستقبل المصلي القبلة.
7 - أن يكون الميت أمام المصلي.
8 - أن لا يحول بين الميت والمصلي عليه حائل كالحائط ـ مثلاً.
9 - أن لا يفصل بين الميت والمصلي بعد مفرط، وألاّ يعلو أحدهما على الآخر علواً مفرطاً.
10 - ان يأذن ولي الميت ـ كأبيه أو ابنه مثلاً ـ للمصلي بأداء الصلاة.
11 - [أن يوالي المصلي بين التكبيرات والأدعية].
ـ لماذا لم تذكر شرط طهارة المصلي كأن يكون على وضوء أو غسل أو تيمم؟
ـ لأنها غير واجبة في هذه الصلاة.
ـ وإذا انتهت الصلاة؟
ـ يجب دفن الميت بمواراته في الأرض بما يؤمن حفظه من الحيوانات المفترسة وإخفاء رائحته، واضعيه على جانبه الأيمن في قبره، موجّهين وجهه إلى القبلة.
ـ وهل من شروط لمكان الدفن؟
ـ نعم..
1 - أن يكون المكان مباحاً غير مغصوب.
2 - ألاّ يستلزم هتك حرمة الميت المسلم كأن يدفن في مواضع قذرة أو مزابل أو في مقابر الكفار.
ـ وبعد الدفن؟
ـ روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «لا يأتي على الميت أشد من أول ليلة، فارحموا موتاكم بالصدقة»، وروي أنه يصلى ليلة دفن الميت ركعتان له، يقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي، وفي الثانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرات. يقول المصلي بعد السلام: «اللهم صل على محمد وآل محمد وابعث ثوابها إلى قبر فلان» ويسمي الميت.
ـ ذكرت لي في حوارية سابقة غسلاً أسميته غسل مس الميت.
ـ نعم، يجب الغسل على من مس بدن الميت بعد أن يبرد جسمه مسلماً كان أم كافراً، وقبل أن يتم تغسيله لو كان مسلماً.
ـ مع وجود البلل؟
ـ معه وبدونه، سواء أكان مس الميت اضطرارياً أم اختيارياً.
ـ وماذا يترتب على من مس الميت؟
ـ يترتب عليه:
1- وجوب الغسل لما يشترط في صحته الطهارة كالصلاة، فإذا أراد أن يصلي يجب عليه أن يغتسل أولاً.
2 - حرمة مس كتابة القرآن الكريم، وكل ما حرم على المحدث مسّه.
قال أبي ذلك ثم صمت قليلاً وأضاف:
إذا توفي الزوج وجبت على زوجته العدة والحداد مهما كان عمر الزوجة، بما في ذلك غير المدخول بها، لكن لا حداد على الصغيرة. وتعتد الزوجة غير الحامل أربعة أشهر وعشرة أيام تترك خلالها الزينة في الجسد والملابس، حيث يحرم عليها لبس الملابس التي تعتبر ملابس زينة كالملابس الحمراء مثلاً وغيرها، كما يحرم عليها لبس الحلي والاكتحال واستعمال الطيب والخضاب والحمرة. بينما يحق للمعتدة تنظيف الجسد والملابس وتقليم الأظافر والاستحمام والخروج من البيت، وخاصة لأداء حق أو قضاء حاجة أو فعل طاعة أو ضرورة.
أما الزوجة الحامل إذا توفي عنها زوجها فحكمها أن تبقى معتدة حتى تضع حملها وتلد، ثم تنظر فإن كان قد مضى على وفاة زوجها عندما ولدت أربعة أشهر وعشرة أيام فقد انتهت عدتها، وإن لم تكن قد مضت هذه المدة تستمر في عدتها حتى تبلغ هذه المدة.
ـ هل يجوز للزوجة أن تتزوج أثناء فترة العدّة؟
ـ كلا، لا يجوز لها، بل يكون زواجها باطلاً أيضاً.
الفهرست التفصيلي
حوارية الوضوء
عن الوضوء سأحدثك اليوم قال أبي، وسأحدثك بعده عن الغسل والتيمم.
فقلت في سري: إذن نحن على باب أول مطهّر لجسد سلب منه (حدث) مّا طهارته.
ورحت استذكر على عجل نماذج مما (يحدث) فيسلب طهارة جسدٍ كان متنعماً قبل ذلك بنقائه مكسواً ببياض طهارته.
وحين تم لي ذلك التذكر وطاوع ذاك الاسترجاع عدت فسألت نفسي.. تُرى لماذا أتطهر بالوضوء؟ ثم عنّ لي أن أنقل هذا التساؤل إلى أبي مادام هو أمامي الآن..
ـ ولماذا نتوضأ؟
ـ حتى نصلي .. حتى نطوف حول بيت الله الحرام في الحج أو العمرة.. حتى يجوز لنا مس كتابة المصحف الشريف [ولفظ الجلالة وسائر أسمائه تعالى وصفاته]، أو أتوضأ لأن الله يحب المتطهرين.
ـ أتوضأ بالماء طبعاً.. ولكن هل من شروط في الماء الذي أتوضأ به؟
ـ نعم..
1 - أني كون الماء طاهراً، وأعضاء وضوئك كلها طاهرة، ويكفي في أن يكون غسلها بالوضوء على النحو الذي يتحقق به تطهيرها.
2 - أن ينوي التقرب إلى الله تعالى بالوضوء، ولهذا لا يصح الوضوء بالماء المغصوب ولا بالفضاء المغصوب مع الالتفات.
3 - أن يكون مطلقاً غير مضاف، كماء الإسالة، وماء الكأس الذي تشربه، لا ماء الرمان ـ مثلاً ـ.
4 - إذا كان ماء الوضوء قليلاً فيجب ألا يكون قد سبق استعماله في التطهير من النجاسة.
5 - أن لا يكون الماء مستعملاً في غسل واجب مثل غسل الجنابة أو الحيض أو النفاس أو الاستحاضة.
ـ وكيف أتوضأ؟
ـ بعد أن تنوي الوضوء تقرباً إلى الله تعالى تبدأ:
أولاً: تغسل وجهك الذي يتحدّد من حيث الطول بمنبت الشعر أعلى الجبهة إلى الذقن، وما دارت عليه الإبهام والإصبع الوسطى من حيث العرض. فإذا فتحت كفك على سعتها ووضعتها على وجهك فكل ما استوعبته كفك ما بين طرف الإبهام وطرف إصبعك الوسطى فهو ما تغسله من عرض وجهك [مع ملاحظة أن تغسل وجهك مبتدئاً من أعلاه إلى أسفله] من دون حاجة إلى تخليل الشعر الكثيف.
ثانياً: تغسل يديك من المرفق إلى أطراف الأصابع مبتدئاً باليد اليمنى ثم اليسرى غاسلاً من أعلى المرفق ونازلاً إلى أطراف أصابعك منتهياً بأصابعك دائماً.
ـ وما المرفق؟
ـ مجمع عظمي العضد والذراع.
ثالثاً: تمسح مقدم رأسك [بباطن كفك اليمنى ـ برطوبتها من دون أن تختلط بماء جديد ـ].
رابعاً: تمسح رجلك اليمنى بماء كفك [اليمنى] [ثم] رجلك اليسرى بماء كفك [اليسرى] ـ برطوبتها [من دون أن تختلط بماء جديد ـ] من دون حاجة إلى تخليل الشعر. ملاحظاً في وضوئك ما يلي..
أ - الترتيب، فتغسل وجهك قبل يدك اليمنى، ويدك اليمنى قبل يدك اليسرى، وتمسح رأسك قبل مسح رجليك. [وتمسح رجلك اليمنى قبل رجلك اليسرى].
ب - الموالاة والتتابع: بأن تغسل كل عضو أو تمسحه قبل أن يجف ماء الأعضاء السابقة على ذلك العضو الذي تغسله، فإن جفت جميعها بطل الوضوء.
ج - المباشرة: بأن تتوضأ بنفسك إن أمكنك ذلك.
ـ وإذا لم يمكنّي ذلك؟
ـ إذا لم تستطع يمكن أن يوضئك غيرك ـ لكن بطلب منك ـ. فيرفع يدك ويغسل بها وجهك، ثم يغسل يديك ويمسح بكفك الأيمن رأسك ثم يمسح بكفيك رجليك بماء يديك طبعاً.
د - ألاّ يكون هناك حائل يمنع وصول ماء الوضوء إلى البشرة كالصبغ والصمغ وطلاء الأظافر للنساء وغيرها، علماً بأن الدسومة لا تضر ولا تحجب.
هـ - ألاّ يكون هناك سبب يمنعك من استعمال الماء كالمرض، وإلاّ وجب عليك التيمم بدلاً من الوضوء.
ـ إذا توضأت للصلاة فهل يمكن أن ينتقض وضوئي ويتهدم ويزول فيجب عليّ أن أتوضأ مرة أخرى؟ أو أبقى متوضئاً دائماً؟
ـ نواقض الوضوء ونواسخه سبعة: البول، والغائط، وخروج الريح، والنوم، [وكل ما يزيل العقل كالإغماء والسكر] والاستحاضة القليلة، والمتوسطة، والكثيرة (راجع حوارية الاستحاضة)، والجنابة.
ثم لمعت عينا أبي فحدست أن قاعدة مّا أو قواعد بدأت تلملم خيوطها في ذهنه فصدّق الواقع حدسي.
ها هو ذا أبي يقول: سأختتم حواريتي بقواعد عامة عن الوضوء تنفعك..
القاعدة الأولى: كل من توضأ ثم شك بعد ذلك هل انتقض وزال وضوءه بأحد النواقض السبعة الماضية أو بقي على طهارته؛ فهو باق على طهارته.
ـ مثلاً..؟
ـ توضأت صباحاً، أنت متأكد من ذلك الآن، وحين حلّ وقت صلاة الظهر أردت أن تصلي، فشككت هل دخلت المرافق بعد وضوئك فانتقض وضوءك أو لم تدخلها فبقيت على طهارتك، حينئذٍ تقول: أنا متوضئ وتصلي.
القاعدة الثانية: كل من لم يتوضأ أو توضأ وانتقض وزال وضوءه، ثم شك بعد ذلك هل توضأ ثانية أو لم يتوضأ، فهو غير متوضئ.
ـ مثلاً..؟
ـ استيقظت من نومك صباحاً وحين حلّ وقت صلاة الظهر أردت أن تصلي فداهمك الشك: تُرى هل توضأت بعد استيقاظي من نومي أو لم أتوضأ؛ حينئذٍ تقول: إني غير متوضئ فتتوضأ وتصلي.
القاعدة الثالثة: كل من توضأ وانتهى من وضوئه، ثم شك في صحة وضوئه بعد فراغه منه؛ فوضوءه صحيح.
ـ مثلاً..؟
ـ توضأت وانتهيت من وضوئك، ثم شككت بعد ذلك: تُرى هل غسلت وجهي أو لم أغسله، أو هل أن غسلي لوجهي كان صحيحاً أو لا؟ حينئذٍ تقول: وضوئي صحيح.
ـ وإذا شككت في مسح الرجل اليسرى؟
ـ إذا كنت ترى نفسك قد فرغت من وضوئك فلا تعيد وضوءك.
حوارية الغسل
ها نحن اليوم سنتحاور في الغسل، وسأخرج عما قليل بعد نهاية محاورتي هذه، مزهواً بما تعلمته اليوم، متباهياً بما افدته، فرحاً بما اوتيته، فتطهير الجسد من أدرانه يستهويني، وربما أضفى عليه حبي للماء، وولهي به، وعشقي له، طعماً إضافياً آخر، بنكهة محببة لم تكن لو لا الماء لترد أو تكون، فأنا عاشق للماء قديم، أحببته مذ كنت طفلاً، أتراشق به مع أبي، وأكركر، كلما سنحتلي فرصة اللعب به، والغطس فيه، والتسلي بضربه برفق على صفحة وجهه، والفرح بملاعبته. وإذ تهيأت لي فرصة تعلم السباحة ـ والسباحة مستحبة كما قال لي أبى ـ كنت أظما للماء كلما أبعدت عنه قسراً ظمأ ربما قارب ظمأ سمكة ولهى أبعدت بفضاضة عن صدر حبيبها الماء قسوة وغلظة وشراسة وعسفاً.
نعم أنا كلف بالماء، مولع به، منذ اكتشفت انه وحده المطهر والمنظف ـ والنظافة من الإيمان ـ اغسل به جسدي، وبه اغتسل، وسيشرح لي أبى هذا اليوم كيف أغتسل.
الغسل.. قال أبي قسمان: ترتيبي وإرتماسي..
ـ وما الارتماسي؟
ـ ان تغمس جسدك بالماء دفعة واحدة.
ـ والترتيبي؟
ـ يكفي أن تغسل رأسك ورقبتك وشيئاً مما يتصل بها من البدن أولاً، ولا تنس غسل أذنيك من الخارج والداخل، ثم تغسل جسمك مبتدئاً بجانبك الأيمن وبعضاً مما يتصل به من الرقبة وبعضاً من الجانب الأيسر. ثم تثنّي وتغسل جانبك الأيسر، وشيئاً مما يتصل به من الرقبة وشيئاً من الجانب الأيمن، ولا يجب ان يكون غسلك لبدنك بعد تمام الرأس، لكن يجب أن تبدأ بالرأس.
ـ وهل للغسل من شروط؟
ـ يشترط فيه ما اشترط في الوضوء من نية التقرب إلى الله، وهو لا يحصل مع غصب الماء والمكان مع الالتفات إلى ذلك، كما يشترط فيه طهارة الماء وإطلاقه وطهارة أعضاء الجسد، ويشترط البدء بالرأس في الغسل الترتيبي ويشترط أن يباشر المغتسل غسله بنفسه ـ إن أمكنه ـ وان لا يكون هناك مانع من استعمال الماء شرعاً كالمرض (راجع حوارية الوضوء) ولكنه يختلف عن الوضوء في أمرين:
ـ وهما؟
ـ الأول: لا يشترط في غسل كل عضو هنا أن يكون غسله من الأعلى إلى الأسفل كما كان في الوضوء.
الثاني: لا يشترط في الغسل هنا الموالاة والتتابع كما كان في الوضوء، فيمكنك أن تغسل الرأس والرقبة، ثم تغسل بقية جسدك بعد فترة حتى لو جف رأسك ـ قبل أن تحدث ـ كما انك في الوضوء حين تغسل وجهك وتمر على شعر حاجبيك مثلاً تغسل ظاهرهما، وحين تمسح رأسك تمسح ظاهر الشعر منه، بينما يجب في الغسل أن توصل الماء إلى بشرة الرأس، وكذلك في شعر الحاجبين والشارب واللحية، ثم انه..
ـ ثم ماذا؟
ـ ثم أن غسل الجنابة يغني عن الوضوء.
ـ معنى هذا إني إذا اغتسلت للصلاة فلا أتوضأ بعد الغسل.
ـ نعم، تصلي بغسلك رأساً بلا وضوء. كما انه إذا اجتمعت عليك أغسال متعددة كغسل الجنابة والجمعة مثلاً جاز لك أن تغتسل غسلاً واحداً بقصد الجميع، أو لك ان تنوي غسلاً واحداً ـ كالجنابة مثلاً ـ فيغنيك عن الجميع.
ـ وإذا احتاجت المرأة إلى غسل الجنابة وغسل الحيض والجمعة مثلاً؟
ـ يمكنها أن تغتسل غسلاً واحداً بنية الجميع، أو تنوي غسلاً واحداً منها فيكفيها ذلك عن الجميع.
أضاف أبي..
سأذكر لك ملاحظات تنفعك في غسلك..
تأكد من أنك أزلت كل أثر للسائل المنوي كان على جسدك قبل أن تبدأ بالغسل.
تدخل المرافق للتبول قبل أن تبدأ بالغسل، لتخرج بقايا السائل المنوي مع البول.
يجب أن تزيل كل حاجب أو حائل يمنع وصول الماء إلى البشرة كالصمغ مثلاً، أما إذا تعذر أو تعسر عليك إزالته [فاجمع بين المسح عليه والتيمم].
إذا اعتراك شك أثناء الغسل تعتني به وتغسل المكان الذي شككت في غسله، وإذا كان شكك بعد الفراغ من الغسل فلا تعره أيّ اهتمام.
ـ غسل الجنابة والحيض والنفاس والاستحاضة والموت ومس الميت هذه كلها أغسال واجبة سبق أن حدثتني عنها، ولكنه مر عليّ في الحوار غسل أسميته أنت (غسل الجمعة) فهل هناك أغسال أخرى لم تذكرها لي؟
ـ نعم، هناك أغسال أخرى كثيرة، ولكنها مستحبة غير واجبة سأعدد لك بعضها..
أ - غسل الجمعة وهو مستحب مؤكد..ووقته يوم الجمعة من طلوع الفجر إلى الظهر، ولكنه بعد الزوال يكون بنية القضاء.
ب - غسل ليلة عيد الفطر.
خ - غسل يومي العيدين (الفطر والأضحى)، ووقتهما من طلوع الفجر إلى الظهر.
د - غسل اليوم الأول ، وليلة السابع عشر وليلة التاسع عشر وليلة الحادي والعشرين وليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك.
هـ - غسل الوليد عند ولادته.
وهناك غيرها كثير مما لا يسع المجال في هذه العجالة لذكره.
ـ بقي أن أسألك سؤالي الأخير، وهو؛ إذا اغتسلت وانتهى كل شيء ثم خرجت بقايا سائل منوي بعد ذلك؟
ـ يجب عليك الغسل ثانية حتى ولو خرج السائل المنوي بدون شهوة وبدون ملاعبة، كما إذا لم تستبرء بالبول بعد جنابتك قبل أن تغتسل، أو علمت بكونه منياً ولو في غير تلك الصورة.
الفهرست التفصيلي
حوارية التيمم
حين قال أبي سنتحدث يوماً عن التيمم، أحسست أن هذه الكلمة ليست غريبة عليّ، بل هي أليفة ودافئة، غير أني ـ ساعتها ـ لم أستطع تحديد سبب هذا الدفء ومنشأ تلك العذوبة، وسر نكهة ذاك العطر.
وما أن حلّ يوم الحوار حتى اكتشفت علة تلك الألفة المحببة، فلفظة (التيمم) سبق أن قرأتها وسمعتها وأنا أتلو القرآن الكريم، أو أستمع إليه مقروءً بصوت أحد مقرئيه المشهورين، فقد عودني أبي أن أقرأ كل يوم من كتاب الله العزيز ما يتيسر لي قراءته، وقد درجت على هذا المنوال كل يوم تقريباً.. أقرئه فيتطيب بتلاوته فمي، وقلبي، ورئتاي، وذاكرتي. وأتدبره فأعيد على هداه ترتيب قناعاتي وأولوياتي، وأقوّم وفق نهجه أبجديات سلوكي وتصرفاتي في مجتمعي، ومع أفراد أسرتي، ومعارفي، وإخواني وأصدقائي.
ولكني رغم اكتشافي لألفة تلك المفردة وطيبها، إلا أني لم أتمكن من استحضار الآية القرآنية الكريمة التي تضمنتها، ولا استذكار اسم السورة التي وردت فيها، ولذلك فقد بدأت حواري اليوم بالسؤال التالي.
ـ أبي..لقد حاولت استحضار اسم السورة التي وردت فيها لفظة (التيمم) فلم تسعفني ذاكرتي.
ـ إنها سورة (النساء)، قال تعالى: (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوّاً غفوراً).
لقد بينت الآية الكريمة ـ كما تلاحظ ـ متى، وبماذا، وكيف نتيمم، ولنبدأ بهنّ واحدة واحدة..
ـ ومتى يا أبي أتيمم؟
ـ تتيمم عوضاً عن الغسل، أو الوضوء، وبدلاً عنهما في مواضع منها:
1 - إذا لم تجد من الماء ما يكفيك للغسل أو الوضوء ، كلّ في محله.
2 - إذا وجدت الماء، ولكنه كان مما يحرم التصرف به، كما إذا كان مغصوباً مثلاً.
3 - إذا خفت على نفسك العطش، أو على من يهمك أمره ممن يتعلق بك كأهلك وعيالك، بل حتى حيواناتك التي يهمك أمرها.
4 - إذا كان يجب صرف الماء في غير الوضوء والغسل، كتطهير المسجد أو تطهير البدن أو الثياب للصلاة، أو كان هناك نفس يجب إنقاذها من التلف نتيجة العطش، فإن ذلك كله مقدم على الوضوء والغسل.
5 - إذا خفت على نفسك الضرر من استعمال الماء في الغسل أو الوضوء، لأن استعماله يسبب مرضاً، أو يطوّره ويعقّده، أو يطيل أمد شفائه، ولم يمكنك المسح على (الجبيرة).
ـ وما الجبيرة..؟
ـ سأحدثك عنها تفصيلاً في حواريتنا القادمة.
ـ عرفت الآن متى أتيمم، ولكن بماذا أتيمم؟
ـ تتيمم بوجه الأرض من تراب، أو رمل، أو حجر، أو حصى، أو صخر أملس، أو ما شاكل ويجوز التيمم بمثل الجص والإسمنت شرط أن يكون ما تتيمم به طاهراً، وغير مغصوب.
ـ وكيف أتيمم؟
ـ سأتيمم أمامك لتتعلم..
قال أبي ذلك وبدأ..
فخلع خاتماً كان في يده، وضرب بباطن كفيه معاً على الأرض ضربة واحدة، فضمهما ليمسح بهما جبهته.
ثم مسح بكفه الأيسر تمام ظاهر كفه الأيمن من الزند إلى أطراف الأصابع. ومسح بعد ذلك بكفه الأيمن تمام ظاهر كفه الأيسر من الزند إلى أطراف الأصابع.
ـ أبهذه البساطة والسرعة ينتهي التيمم؟
ـ نعم، وليس التيمم وحده فقط بهذه السهولة واليسر. قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
ـ وهل للتيمم شروط، إذا ما تحققت صح لي التيمم؟
ـ نعم، وهي:
1 - أن تكون معذوراً لا تستطيع الغسل أو الوضوء ـ كما مر سابقاً ـ.
2 - أن تنوي التيمم قربة لله تعالى؛ ولهذا لا يصح التيمم بالمغصوب مع الالتفات.
3 - أن يكون ما تتيمم به طاهراً، وغير ممزوج بما لا يصح التيمم به كالرماد مثلاً، [كما يجب أن تكون أعضاء التيمم طاهرة عند التيمم].
4 - أن يكون مسحك الجبهة من الأعلى إلى الأسفل.
5 - [أن تتيمم بعد دخول وقت الصلاة إذا كان تيممك للصلاة].
6 - أن تباشر بنفسك قدر الإمكان.
7 - [أن تتابع المسح فلا تفصل بين أفعال التيمم].
8 - أن لا يكون هناك فاصل أو حائل بين ما تمسح به وما تمسحه، أي بين كفك وجبهتك مثلاً.
9 - أن تمسح جبهتك قبل كفك اليمنى، وكفك اليمنى قبل اليسرى.
ـ أنا الآن معذور، لا أستطيع استعمال الماء، لا في الغسل ولا في الوضوء، ولكني أعلم أن عذري سيزول قبل خروج وقت الصلاة، فهل اُصلي الآن أو أنتظر وأتريث لحين زوال العذر؟
ـ انتظر وتريث حتى يزول العذر، ثم اغتسل ـ إذا كان حكمك الغسل ـ أو توضأ للصلاة بعد ذلك.
ـ إذا كنت معذوراً من استعمال الماء للغسل أو الوضوء بسبب مرضي فتيممت وصليت، ثم راجعت الطبيب فسمح لي باستعمال الماء وكان هناك وقت للصلاة؟
ـ اغتسل أو توضأ وأعد الصلاة التي صليتها بالتيمم ما دام وقت الصلاة لم ينته بعد.
ـ إذا منعني الطبيب من استعمال الماء عدة أيام لمرض، فتيممت وصليت، ثم سمح لي باستعمال الماء بعد شفائي، فهل اُعيد صلوات الأيام الماضية التي صليتها بالتيمم؟
ـ لا، لا تعدها.
ـ إذا تيممت بعد دخول وقت الصلاة وصليت، ثم حلّ وقت صلاة أخرى ولم يرتفع العذر. فهل أتيمم مرة أخرى لهذه الصلاة؟
ـ لا، لا حاجة لإعادة التيمم ما دام العذر موجوداً وأنت محتفظ بعدُ بتيممك.
ـ إذا تيممت بدلاً من غسل الجنابة فهل أتوضأ للصلاة؟
ـ لا، فهو يغنيك عن الغسل والوضوء معاً.
ـ وإذا تيممت للغسل ثم دخلت إلى المرافق مثلاً أو نمت. فهل أتيمم مرة أخرى للوضوء أو الغسل؟
ـ تتيمم للوضوء. وإذا أمكنك الوضوء فتوضأ ولا يصح منك التيمم.
ـ إذا شككت في مسح الجبهة أو مسح الكف اليمنى وأنا أمسح الكف اليسرى؟
ـ لا تُعِر شكك هذا أي اهتمام.
ـ وإذا شككت فيهما بعد انتهائي من التيمم؟
ـ كذلك لا تعر شكك هذا أي اهتمام.
ـ أحببت أن أسألك أني إذا فقدت الماء ولم أتوقع تحصيله في أثناء الوقت فهل لي أن أتيمم؟
ـ نعم، لك أن تتيمم.
ـ فإذا حصلت على الماء بعد الصلاة، والوقت بعد لم ينته فهل أعيد الصلاة.
ـ لا تعد صلاتك التي صليتها بتيمم، ولكن توضأ للصلوات الآتية.
الفهرست التفصيلي
حوارية الجبيرة
قلت لأبي ـ وقد حضرت ساعة الحوار ـ: ذكرت لي أمس (الجبيرة) وأرجأت الحديث عنها إلى اليوم.
ـ نعم، فإذا وضعت على جرح أو قرح أو كسر أو ورم أو نحو ذلك، لفافة أو ما شابهها، فقد صنعت (جبيرة).
ـ وكيف أغتسل أو أتوضأ أو أتيمم مع وجود الجبيرة؟
ـ إذا أمكنك رفع الجبيرة بدون ضرر فارفعها، واغسل أو امسح تحتها ما يجب غسله أو مسحه.
ـ وإذا لم يمكنّي رفع الجبيرة لأنه يضر بالجرح؟
ـ فحاول أن توصل الماء إلى بشرتك ولو بغمس العضو في الماء إذا لم يضرك الماء.
ـ وإذا أضرني الماء ولم يمكنّي ذلك؟
ـ اغسل ما حول الجبيرة مما يمكنك غسله من البشرة، وامسح على الجبيرة عوضاً عن الجزء المغطى بالجبيرة مع ملاحظة ما يأتي:
1 - أن يكون ظاهر الجبيرة ـ ذاك الذي تمسح عليه بيدك المبلولة ـ طاهراً، ولا يهمك نجاسة باطن الجبيرة الملاصق للجرح.
2 - أن يكون حجم الجبيرة بالمقدار المعتاد والمتعارف والطبيعي لحجم الجرح أو الكسر.
ـ وإذا كان ظاهر الجبيرة نجساً، ولم يمكنّي تبديلها أو تطهيرها، أو نزعها وترك الجرح مكشوفاً؟
ـ [فاجمع بين التيمم و الوضوء]، من دون مسح على الجبيرة إذا كانت نجسة.
ـ وإذا كان حجم الجبيرة أكثر مما تحتاجه طبيعة الجرح ولم يمكن نزعها، كما لم يكن هناك غيرها لتبديلها؟
ـ [اجمع بين التيمم والوضوء].
ـ إذا أمكنني رفع الجزء الزائد عن حجم الجرح من الجبيرة؟
ـ ارفعه واغسل ما تحته.
3 - ألا تكون الجبيرة مغصوبة.
ـ إذا استوعبت الجبيرة تمام وجهي، أو تمام إحدى يديّ، فكيف أغسلهما في الوضوء؟
ـ تتوضأ بالمسح على الجبيرة.
ـ وإذا استوعبت تمام موضع المسح من الرأس، أو تمام إحدى رجليّ فكيف أمسح في الوضوء؟
ـ امسح على الجبيرة.
ـ وإذا كان في وجهي أو يدي جرح أو قرح مكشوف بدون لفاف، ولكن الطبيب منعني من إيصال الماء اليه، فكيف أتوضأ؟
ـ اغسل ما حوله واترك غسله.
ـ وإذا كان في وجهي أو يدي كسر مكشوف ـ يضره الماء ـ من دون جرح. فكيف أتوضأ؟
ـ توضأ واغسل ما حوله.
ـ وإذا كان الجرح المكشوف الذي يضره الماء في أحد مواضع المسح، كما إذا كان في الرجل أو الرأس، فكيف أمسح في الوضوء؟
ـ امسح عليه، [وإن لم تتمكن فضع قطعة لفاف، أو ما شابه ذلك عليه، ثم امسح على القطعة].
ـ وإذا أردت الغسل، وكان في جسدي جرح أو قرح مكشوف؟
ـ اترك غسل الجرح أو القرح واغسل ما حوله.
ـ وإذا كان في جسدي كسر مكشوف، فكيف أغتسل؟
ـ اغسل ما حوله.

حوارية الصلاة الأولى
ها نحن الآن قد وصلنا في حوارنا إلى الصلاة ـ قال أبي ـ، والصلاة ـ كما ورد في الحديث النبوي الشريف ـ عمود الدين أن قبلت قبل ما سواها، وإن ردّت ردّ ما سواها..
إنها ـ أضاف أبي ـ مواعيد لقاءات محددة ثابتة بين الخالق ومخلوقه. رسم الله (سبحانه وتعالى) أوقاتها السعيدة، وطرائقها، وصورها وكيفياتها وأوضحها لعباده.. تقف خلالها بين يديه، متوجهاً إليه بعقلك وقلبك وجوارحك، تحادثه وتناجيه، فيسكب عليك خلال تلك المناجاة صفاءً ذهنياً ونفسياً رائعاً، وشفافية روحية تسبح خلالها بطيب المشافهة؛ وتنعم معها بدفء وعذوبة ووله وسعادة ولذة الوصال والتلاقي، وطبيعي أن تعتريك تلك الرهبة المحببة وأنت تقف بين يدي خالقك العظيم..الرحيم بك، الرؤوف بحالك، السميع البصير.
لقد كان استغراق جدك أمير المؤمنين (عليه السلام) بعبادة ربه وتوجهه إليه بكلّه فرصة مناسبة لاستلال النصال من جسده في معركة صفين، لانشغاله عن معاناة ألم الجسد، بمناجاة ربه.
وكان إمامك زين العابدين (عليه السلام) إذا توضأ للصلاة اصفرّ لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم.
وكان إذا قام إلى الصلاة أخذته الرعدة، فيجيب من يسأله: أريد أن أقوم بين يدي ربي وأناجيه، فلهذا تأخذني الرعدة.
وكان إمامك الكاظم (عليه السلام) إذا قام إلى الصلاة وخلا بربه بكى واضطربت أعضاؤه، وخفق قلبه خوفاً من الله عز وجل وخشية ووجلاً منه.
ولما أودعه (الرشيد) ظلمة سجنه الرهيب تفرغ لطاعة الله وعبادته. شاكراً ربه على تهيئته هذه الفرصة الجميلة الحبيبة له مخاطباً ربه قائلاً: (رب إني طالما كنت أسألك أن تفرّغني لعبادتك وقد استجبت مني فلك الحمد على ذلك).
والصلاة ـ أردف أبي ـ إبراز حسي ظاهري لحاجة داخلية متأصلة في النفس هي الانتماء لله عز وجل والارتباط بالخالق المكوّن، المسيطر، المالك، المهيمن، فحين تقول (الله اكبر) محدثاً صلاتك فإن مُثل المادة وأنظمتها ونماذجها وأنماطها وزخارفها ستتضاءل في نفسك، وربما تضمحل، لأنك واقف بين يدي خالق الكون المسيطر على مادته المسخر لها بقوة مشيئته، فهو أكبر من كل شيء وبيده كل شيء.
ثم حين تقول ـ وأنت تقرأ سورة الحمد ـ : (إياك نعبد وإياك نستعين) فأنت تغسل نفسك وجسدك من كل أثر للاستعانة بغير الله القادر الحكيم أيّاً كان.
بتلك النكهة المحببة للخشوع تستحم كل يوم خمس مرات صباحاً وظهراً وعصراً ومغرباً وعشاءً، وإن شئت زدت على ذلك بما يستحب لك منها.
ـ معنى هذا أن الصلوات واجبة ومستحبة؟
ـ نعم، فهناك صلوات واجبة وأخرى مستحبة.
ـ الصلوات الواجبة أعرفها.. إنها الصلوات التي نؤديها كل يوم.. إنها صلاة الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء.
ـ ليست هذه فقط هي الصلوات الواجبة، بل هناك صلوات واجبة أخرى غيرها وهي..
1 - صلاة الآيات (انظر حوارية الصلاة الثانية).
2 - صلاة الطواف الواجب في الحج (انظر حوارية الحج).
3 - الصلاة على الميت (انظر حوارية الموت).
4 - الصلاة التي لم يصلّها الرجل الميت فيجب على ورثته الذكور قضاؤها عنه إذا كان هو عازماً على قضائها في فترة حياته (انظر حوارية الصلاة الثانية).
5 - الصلاة التي تجب بالنذر أو اليمين أو غيرهما.
وسأحدثك عن كل منها بعد حين.
ـ إذن ستبدأ حديثك بالصلاة اليومية؟
ـ نعم، غير أن للصلوات اليومية خمس مقدمات هي..
أ ـ وقت الصلاة.
ب ـ القبلة.
ج ـ مكان الصلاة.
د ـ لباس المصلي.
هـ ـ الطهارة في الصلاة.
سأعرض لهن بالتفصيل واحدة واحدة.
ـ ستبدأ إذن بوقت الصلاة؟
ـ نعم، باُولاهن..
1 - وقت الصلاة: لكل من الصلوات اليومية وقت محدد لا يجوز تخطيه، فوقت صلاة الصبح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ووقت صلاة الظهرين (الظهر والعصر) من زوال الشمس إلى غروبها، لكن يختص أول الوقت بصلاة الظهر، وآخره بصلاة العصر.
ـ وكيف أعرف الزوال ـ ذلك الوقت الذي تبدأ به صلاة الظهرين ـ؟
ـ إنه منتصف الوقت بين طلوع الشمس وغروبها.
أما وقت صلاة العشاءين (المغرب والعشاء) فهو من أول غروب الشمس إلى منتصف الليل، لكن يختص أول الوقت بصلاة المغرب، وآخره بصلاة العشاء.
وإذا كنت لم تعرف وقت غروب الشمس فاجعل زوال الحمرة المشرقية علامةً على غروبها.
ـ وما الحمرة المشرقية؟
ـ إنها حمرة في السماء من جهة المشرق في الجهة المقابلة لغروب الشمس تزول بعد غروب الشمس بحوالي (12) دقيقة عادة.
ـ وكيف اُحدد منتصف الليل ـ ذلك الذي ينتهي به وقت صلاة العشاء ـ؟
ـ إنه منتصف الوقت بين غروب الشمس وطلوع الفجر.
ـ وإذا انتصف الليل ولم أتمكن أن اُصلي صلاتي المغرب والعشاء؟ أو نسيت؟
ـ عليك أن تصليهما قبل الفجر من دون أن تقصد أداء الصلاة ولا قضاءها [وكذا إذا تعمدت تأخيرهما إلى نصف الليل] علماً أنه يحرم تأخيرهما إلى منتصف الليل من دون ضرورة.
مع ملاحظة هامة في كل صلاة وهي أن تتأكد من دخول وقت الصلاة قبل البدء بها، سواء أكانت صلاة الفجر أم الظهر والعصر أم المغرب والعشاء.
2 - القبلة: يجب عليك أن تستقبل القبلة وأنت تصلي، والقبلة ـ كما تعرف ـ هي الكعبة الشريفة بمكة المكرمة.
ـ وإذا لم أتمكن من معرفة جهة القبلة؟
ـ صلّ إلى الجهة التي تظن أنها جهة القبلة.
ـ وإن لم أستطع أن اُرجح جهة على أخرى؟
ـ صلّ إلى أية جهة تحتمل أنها جهة القبلة.
ـ وإذا تأكدت أن جهة ما هي جهة القبلة وصليت، ثم عرفت بعد الصلاة أنني كنت على خطأ؟
ـ إذا كان انحرافك عن القبلة ما بين اليمين والشمال صحت صلاتك.. وإذا كان انحرافك أكثر من ذلك أو كانت صلاتك إلى الجهة المعاكسة لجهة القبلة ولم يمض وقت الصلاة بعد، أعد صلاتك؛ وإن انتهى وقت الصلاة فلا إعادة عليك.
3 - مكان المصلي: يجب أن لا يكون مكان صلاتك مغصوباً، ذلك أن الصلاة لا تصحّ في المكان المغصوب مع الالتفات. ويُعدّ من المغصوب ما وجب أن تدفع خمسه أو زكاته ولم تدفع خمسه أو زكاته، بيتاً كان أو فراشاً أو غيرهما. وسأشرح لك بالتفصيل ما يجب فيه الخمس والزكاة في (حواريتي الخمس والزكاة) القادمتين، غير أني اُشير هنا فقط.. ضرورة عدم السقوط في هاوية الغفلة، والتسامح، واللامبالاة تلك التي سقط فيها كثيرون، فعطلوا حداً من حدود الله، ومنعوا حق الله عز وجل في أموالهم.
ـ افترض أن الأرض كانت غير مغصوبة ولكنها مفروشة بفراش مغصوب؟
ـ كذلك لا تصح صلاتك بها على ذلك الفراش مع الالتفات.
أضاف أبي: ثم يجب أن يكون مكان سجودك طاهراً غير نجس.
ـ تقصد بمكان السجود موضع سجود الجبهة؟
ـ نعم، طهارة مكان السجود فقط أي التربة وأشباهها.
ـ وبقية مكان المصلي، موضع الرجلين مثلاً، المكان الذي يحتله بقية الجسد في الصلاة؟
ـ لا يشترط فيه الطهارة، إذا كان يابساً لا تسري النجاسة منه إليك.
ثم إنه بقيت هناك موضوعات تخص مكان المصلي سأحددها لك على شكل نقاط..
أ ـ لا يجوز التقدم في الصلاة على قبور المعصومين (عليهم السلام) بمعنى أن لا تجعل قبر المعصوم (عليه السلام) خلفك.
ب ـ تصح صلاة كل من الرجل والمرأة إذا كانا متحاذيين متجاورين، وعلى مستوى واحد، أو إذا كانت المرأة متقدمة، ولكنه مكروه.
ج ـ تستحب الصلاة في المساجد، وأفضل المساجد المسجد الحرام ثم مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) ثم مسجد الكوفة والمسجد الأقصى. كما تستحب الصلاة في مشاهد الأئمة المعصومين (عليهم السلام).
د ـ من الافضل للمرأة أن تصلي في بيتها.
4 ـ لباس المصلي: وفيه شروط.
أ ـ أن يكون طاهراً.
ب ـ أن يكون مباحاً غير مغصوب ـ مع الالتفات طبعاً ـ.
ج ـ أن لا يكون من أعضاء الميتة النجسة التي تحلها الحياة، كجلد الحيوان المذبوح بطريقة غير شرعية.
ـ والميتة الطاهرة؟
ـ أن كان لها جلد كالأفعى [فلا تصلّ في جلدها وأجزائها] وإن لم يكن لها جلد فلا بأس بالصلاة في أجزائها.
ـ وهل تصح الصلاة في الحزام الجلدي المأخوذ من يد المسلم والمصنوع في بلاد إسلامية مثلاً، وهو غير معلوم التذكية؟
ـ نعم تصح الصلاة فيه، إلا إذا علمت أن المسلم أخذه من الكافر، وأن المسلم لا يبالي بذلك، عندئذٍ لا تصح الصلاة فيه.
ـ والحزام الجلدي المأخوذ من يد الكافر أو المصنوع في بلاد كافرة؟
ـ لا تصح الصلاة فيه.
ـ وإذا لم أتأكد من أن هذا الحزام الجلدي ـ مثلاً ـ مصنوع من جلد طبيعي أو صناعي؟
ـ تجوز الصلاة فيه حتى لو أخذته من يد الكافر، أو استورد أو كان مصنوعاً في بلاد كافرة.
د ـ أن لا يكون لباس المصلي مصنوعاً من الحيوانات التي لا يجوز أكل لحمها، وأن لا يكون شيء من أجزائها (1).
هـ ـ أن لا يكون من الحرير الخالص بالنسبة للرجال، أما النساء فيجوز لهن الصلاة في الحرير الخالص.
و ـ أن لا يكون من الذهب الخالص أو المغشوش بالنسبة للرجال.
ـ ولو كان خاتم يد أو حلقة زواج؟
ـ ولو كان خاتم يد أو حلقة زواج، فإنه لا تصح صلاة الرجل به. كما أنه يحرم التزين بالذهب [ولبسه ولو من دون تزيّن] للرجل دائماً.
ـ حتى في غير وقت الصلاة؟
ـ دائماً..دائماً حتى في غير وقت الصلاة.
ـ والأسنان الذهبية الظاهرة التي تصنع لبعض الرجال، والأوسمة التي يحملها الرجال؟
ـ إذا كانت ظاهرة وزينة لهم فتحرم عليهم وتبطل صلاتهم بها.
ـ إذا كان الرجل لا يعلم أن خاتمه ذهبي وصلى فيه. أو أنه كان يعلم أنه ذهبي ونسي وصلى فيه ثم تذكّر بعد انتهاء الصلاة؟
ـ صلاته صحيحة.
ـ والنساء..؟
ـ يجوز لهن لبس الذهب دائماً وتصح صلاتهن به.
بقيت في لباس المصلي ملاحظة ذات أهمية وهي أنه يجب على الرجل ستر عورته في الصلاة، وهي الاحليل والخصيتان والمخرج فقط.
ويجب على المرأة ستر جميع جسدها في الصلاة بما في ذلك الشعر، حتى لو كانت وحدها ولا يراها أحد، عدا وجهها ـ وحدّه ما بين قصاص الشعر إلى ما تحت الذقن المسامت للرقبة ـ والكفين والقدمين.
هذه هي مقدمات الصلاة، أما الصلاة نفسها فسأقسمها تسهيلاً لك إلى أجزاء عدة، وهي: النية، وتكبيرة الإحرام، والقراءة، والركوع، والسجود، والتشهد، والتسليم.
ـ ولماذا لم تبدأ بالأذان والإقامة؟
ـ الأذان والإقامة في الصلوات اليومية الواجبة من المستحبات المؤكدة التي يحسن أن يأتي بهما المصلي، ولكنه يجوز له تركهما.
أتمنى أن لا تترك الأذان ولا الإقامة في صلواتك الواجبة اليومية فتخسر ثوابهما.
ـ وإذا أردت أن أؤذن فكيف أؤذن؟
ـ تقول..
اللّه أكبر ... أربع مرات
أشهد أن لا إله إلا اللّه ... مرتين
أشهد أن محمداً رسول اللّه ... مرتين
حي على الصلاة ... مرتين
حي على الفلاح ... مرتين
حي على خير العمل ... مرتين
اللّه أكبر ... مرتين
لا إله إلا اللّه ... مرتين
ـ والإقامة؟
ـ في الإقامة تقول:
اللّه أكبر ... مرتين
أشهد أن لا إله إلا اللّه ... مرتين
أشهد أن محمداً رسول الله ... مرتين
حي على الصلاة ... مرتين
حي على الفلاح ... مرتين
حي على خير العمل ... مرتين
قد قامت الصلاة ... مرتين
اللّه أكبر ... مرتين
لا إله إلا اللّه ... مرة واحدة
ـ والشهادة بولاية الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام)؟
ـ إنها مكملة للشهادة بالرسالة ومحببَّة، ولكنها ليست جزءاً من الأذان ولا من الإقامة.
ـ إذاً فأول أجزاء الصلاة هي ما أسميتها أنت بالنية؟
ـ نعم.
ـ وما النية؟
ـ أن تقصد الصلاة تقرباً لله تعالى بحيث يكون دافعك للصلاة هو التقرب إلى الله تعالى لا خوفاً من شخص ولا بهدف أن يمتدحك الآخرون.
ـ وهل للنية لفظ مجرد مخصوص؟
ـ لا، إنها من أعمال القلب لا اللسان، ولذلك فليس لها لفظ محدد ما دام محلها القلب، فتقصد الصلاة تقرباً إلى الله تعالى.
ثانيها: تكبيرة الإحرام.
ـ وكيف اُكبّر تكبيرة الإحرام؟
ـ تقول: اللّهُ أكبر، وأنت واقف على قدميك [مستقر في وقوفك]، متوجهاً إلى القبلة.. تقولها باللغة العربية، موضحاً لدى نطقك بها صوت حرف (الهمزة) في كلمة (أكبر) ولا تقل ( الله وكبر) كما يقرؤها كثير من الناس، [فاصلاً بين تكبيرة الإحرام هذه وبداية سورة الحمد بشيء من الصمت قليل حتى لا تلتصق التكبيرة بأول سورة الحمد].
ـ قلت لي يجب أن تكبرّ وأنت قائم على قدميك، فلو لم أستطع القيام على قدمي لمرض مثلاً فكيف اُكبّر؟
ـ كبّر وأنت جالس، وإن لم تتمكن كذلك كبّر وأنت مضطجع على جانبك الأيمن ووجهك إلى القبلة.
ـ وإن لم أستطع؟
ـ كبّر وأنت مضطجع على جانبك الأيسر ووجهك إلى القبلة.
ـ وإن لم أستطع؟
ـ كبّر وأنت مستلق على قفاك ورجلاك إلى القبلة.
ثالثهاً: القراءة.
وتأتي بعد التكبيرة حيث تقرأ سورة الحمد وسورة كاملة أخرى بعدها، شريطة أن لا تكون من سور العزائم الأربع، قراءة صحيحة دون خطأ، مع ملاحظة أن البسملة جزء من كل سورة تجب قراءتها معها بقصدها المخصوص، فإذا خصصت البسملة لسورة معينة لم يجز لك قراءة غيرها من السور إلا بعد إعادة البسملة لها.
ـ وإذا لم يسعفني الوقت لقراءة السورة الثانية بعد سورة الحمد؟
ـ اترك قراءة السورة واقرأ الحمد وحدها..كذلك تفعل إذا كنت خائفاً، أو إذا كنت مريضاً أو مستعجلاً [يشق عليك قراءة سورة ثانية بعد سورة الحمد].
ـ وكيف أقرأ السورتين؟
ـ يجب على الرجال قراءة السورتين (جهراً) أي بصوت عال لصلوات الصبح والمغرب والعشاء، وقرأتهما بهمس أي بصوت واطئ خفيض لصلاتي الظهر والعصر.
ـ والنساء؟
ـ لا يجب الجهر على النساء.
ـ إذا أخطأت فقرأت السورتين أو بعضهما بصوت واطئ وأنا اُصلي الصبح أو المغرب أو العشاء، أو قرأتهما أو بعضهما بصوت عالٍ وأنا اصُلي الظهر أو العصر، أي عكس المطلوب؟
ـ صلاتك صحيحة.
ـ هذا ما سأقرأه في الركعتين الأولى والثانية، وماذا عن الثالثة والرابعة؟ ماذا اقرأ بهما؟
ـ أنت مخيّر بين أن تقرأ في الركعتين الثالثة والرابعة سورة الحمد وحدها، أو أن تقرأ التسبيحات، بصوت واطئ طبعاً في كلتا الحالتين.
ـ وإذا اخترت التسبيح فماذا أقول فيه؟
ـ يكفيك أن تقول ـ بصوت واطئ ـ (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) مرة واحدة أو ثلاث مرات، وهو أفضل.
ـ وهل هناك ملاحظة أخرى في القراءة؟
ـ احذف همزة الوصل وأنت تسترسل في قراءتك وتنطلق بها، وأظهر همزة القطع بحيث تبدو على لسانك واضحة بيّنة جلية.
ـ مثّل لي همزة الوصل وهمزة القطع.
ـ الهمزة في (الله، الرحمن، الرحيم، اهدنا) مثلاً همزة وصل، لا تظهر على اللسان في النطق أثناء الدرج والانطلاق والاسترسال، بينما همزة (إياك، أنعمت) مثلاً همزة قطع، تظهر على اللسان واضحة جلية أثناء النطق بها .. ثم..
ـ ثم ماذا؟
ـ ثم إذا رغبت أن تقرأ سورة التوحيد بعد سورة الحمد واخترتها من بين السور الأخرى، فمن الأيسر لك والأسهل عليك أن تقف على كلمة (أحدْ) فسكّنها وأنت تقرأ الآية الكريمة: (قل هو اللّه أحد) أي تتريث قليلاً قبل أن تقرأ الآية اللاحقة بها (الله الصمد). ومن أجل أن تضمن صحة قراءتك في صلاتك أنصحك بأن تصلي أمام من يحسن الصلاة ليضبط لك قراءتك وصلاتك، فإن تعسر عليك ذلك فلا أقل من أن تدقق قراءتك للسورتين (سورة الحمد والسورة اللاحقة لها) وفق قراءة أحد المقرئين المعروفين بصحة النطق المهتمين بدقة الضبط، تقرأ مع قراءته السورتين وتتابع على هدي قراءته قراءتك، فستكتشف عندئذ أخطاءك ـ أن وجدت ـ لتصححها.
ذلك أجدى لك من أن تستمر على قراءة خاطئة نشأت عليها منذ الصغر حتى إذا اكتشفت خطأك بعد حين، تكون قد صليت سنوات صلاة غير صحيحة القراءة.
رابعها: الركوع.
وبعد قراءتك للسورتين يجب أن تركع.
ـ وكيف أركع؟
ـ تنحني بمقدار ما تصل أطراف أصابعك إلى ركبتيك، ويحبّذ أن تنحني بحيث تضع باطن كفيّك على ركبتيك، [وحين يستقر بك الركوع] تقول: (سبحان ربي العظيم وبحمده) مرة واحدة، أو تقول ( سبحان الله) ثلاثاً، أو (الله أكبر) ثلاثاً، أو (الحمد لله) ثلاثاً، أو غيرها مما هو بقدرها من ذكر الله. كالتهليل ثلاثاً.
ثم تقوم من ركوعك وتستقيم، حتى إذا استقر بك القيام هويت للسجود.
خامسها: السجود.
ويجب في كل ركعة سجدتان.
ـ وكيف أسجد؟
ـ تضع بعضاً من جبهتك، وكفيك وركبتيك وإبهامي قدميك على الأرض. ويشترط في ما تسجد عليه وتضع عليه جبهتك أن يكون من الأرض أو من نباتها غير المأكول ولا الملبوس.
ـ مثّل لي لما لا يجوز السجود عليه لأنه مأكول أو ملبوس؟
ـ البقول والفواكه لا يجوز السجود عليها لأنها مأكولة، والقطن والكتان لا يجوز السجود عليها لأنها ملبوسة.
ـ على ماذا أسجد مثلاً؟
ـ اسجد على التراب، أو الرمل، أو الحصى، أو الصخر، أو الطين، أو الطابوق، أو الإسمنت، أو الخشب، أو ما لا نأكله من أوراق الشجر.. اسجد على التبن، وغير ما ذكرت كثير. ولا تسجد على الحنطة والشعير والقطن والصوف والقير والزجاج والبلور.
وأفضل ما تسجد عليه التراب، وأفضله (التربة الحسينية).
ـ وإن دخلت المسجد مثلاً فلم أجد ما يصح السجود عليه لعدم توفره مثلاً؟
ـ اسجد على ثيابك [واختر منها ما كان من القطن أو الكتان أن تيسر] وإن لم يتيسر الثوب فاسجد على ظهر كفك.
مع ملاحظة أن يكون موضع سجودك بمستوى موضع وقوفك ومساجدك الاُخرى، فلا يزيد ارتفاع أحدهما عن الآخر أكثر من أربع أصابع مضمومة.
ـ لو وضعت جبهتي وكفي وأصابع قدمي وركبتي على الأرض فماذا أصنع؟
ـ قل [بعد أن يستقر بك السجود]: (سبحان ربي الأعلى وبحمده) مرة واحدة، أو قل: (سبحان الله) ثلاثاً، أو (الله أكبر) ثلاثاً، أو (الحمد لله) ثلاثاً، أو غيرها من الأذكار التي هي بقدرها.
ثم ارفع رأسك حتى تجلس مطمئناً، فإن جلست مطمئناً مستقرّاً فأعد الكرة، واسجد السجدة الثانية واقرأ فيها أحد الأذكار المتقدمة.
ـ وإن لم أتمكن من السجود لمرض مثلاً؟
ـ [حاول الانحناء أقصى ما تستطيع ثم ارفع ما تسجد عليه إلى جبهتك واضعاً جبهتك عليه].
ـ وإن لم أتمكن من ذلك أيضاً؟
ـ أومئ برأسك إلى موضع السجود، وإن لم تتمكن فأومئ بعينيك.
سادسها: التشهد.
ويجب بعد السجدة الثانية من الركعة الثانية في كل صلاة، وفي الركعة الثالثة من صلاة المغرب، وفي الرابعة من صلوات الظهر والعصر والعشاء.
ـ وماذا أقول فيه؟
ـ يكفيك أن تقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وآل محمد) تقولها بنطق صحيح، وأنت جالس، [مطمئن] في جلوسك.
سابعها: التسليم.
وهو واجب في الركعة الأخيرة من كل صلاة، تقوله بعد التشهد وأنت جالس [مستقر في جلوسك].
ـ وماذا أقول فيه؟
ـ قل: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) أو (السلام عليكم)، ويستحب أن تضيف عليها (ورحمة الله وبركاته)، كما يستحب أن تجمع بينهما. ويستحب أن تقول قبلهما: (السلام عليك أيُّها النبي ورحمة الله وبركاته).
هذه هي أجزاء الصلاة تؤديها متسلسلة كما عددتها وفصلتها لك متوالية يلي بعضها بعضاً ويمسك بعضها بزمام بعض.
ـ لم تذكر لي القنوت رغم أنك ترفع يديك وتقنت في صلاتك؟
ـ القنوت مستحب في كل صلاة وليس واجباً، فبعد قراءتك للسورتين من ركعتك الثانية وقبل ركوعك ارفع يديك للقنوت إذا أردت أن تفعل المستحب.
ـ وهل له ذكر محدد أقوله؟
ـ لا، يمكنك أن تتلو فيه آية قرآنية تدعو فيها الله سبحانه وتعالى، أو تناجي ربك وتدعوه بأي دعاء شئت.
ـ الآن وقد عرفت منك كيف اُصلي، وماذا أقول أو أفعل في كل جزء من الصلاة، اُحب أن أسألك عما يبطل الصلاة فهل هناك أمور تبطل الصلاة؟ فيجب علي أن اُكرر أعيد صلاتي لو حصلت.
ـ نعم، وسأعددها لك:
1 - أن تفقد الصلاة أحد أجزائها السابقة عمداً من النية أو تكبيرة الإحرام أو الركوع أو السجود أو غيرها.
2 - أن يحدث المصلي أثناء الصلاة مضطراً أم مختاراً (راجع بداية حوارية الجنابة).
3 - أن يلتفت المصلي عن القبلة بتمام جسده عمداً أو سهواً.
ـ والالتفات بالوجه فقط مع بقاء البدن إلى جهة القبلة؟
ـ يبطل الصلاة إذا كان كثيراً بحيث يرى ما خلفه، وكان ذلك عمداً.
4 - أن يضحك المصلي عامداً ولا يضر التبسم إذا كان بلا صوت.
5 - [أن يبكي المصلي لأمر من أمور الدنيا عامداً] ولا يضر جريان الدموع إذا كان بلا صوت كما لا يضر البكاء لأمرٍ من أمور الآخرة.
6 - أن يتكلم المصلي عامداً سواء كان له معنى أم لم يكن أثناء صلاته، باستثناء رد السلام بمثله فإنه واجب.
7 - أن يأكل المصلي أو يشرب أو يصفق أو يخيط أو يحوك أو ما شاكل ذلك بحيث يخلّ عمله بصورة الصلاة وهيئتها.
8 - أن يضع المصلي إحدى يديه على الأخرى عامداً معتبراً ذلك جزء اً من أجزاء الصلاة وهو المسمى بالتكفير.
9 - [أن يقول المصلي عامداً كلمة (آمين) بعد أن ينتهي من قراءة سورة الفاتحة].
ثم عندنا بعد ذلك ما يحسن أن أشير إليه موضوع الشك في الصلاة.
ـ وهل الشك في الصلاة مبطل لها؟
ـ ليس الشك في الصلاة مبطل لها دائماً وفي جميع الحالات، فبعض الشكوك مبطل للصلاة، وبعضها قابل للعلاج، وبعضها لا يعتنى به بل يهمل. وبشكل عام سأحدد لك قواعد عامة تتناول بعض حالات الشك.
القاعدة الأولى: كل من شك في صحة صلاته بعد أن أنهى صلاته اعتبر صلاته صحيحة.
ـ مثلاً؟
ـ إذا شككت بعد أن صليت صلاة الصبح وانتهيت منها هل أنك صليتها ركعتين أو أكثر أو أقل فقل: صلاتي صحيحة.
القاعدة الثانية: كل من شك في صحة جزء من أجزاء صلاته بعد أن أداه اعتبر ذلك الجزء الذي شك فيه صحيحاً وصلاته صحيحة.
ـ مثلاً؟
ـ إذا شككت في صحة قراءتك أو صحة ركوعك أو سجودك بعد أن أنهيت القراءة أو الركوع أو السجود، فقل قراءتي صحيحة، أو ركوعي صحيح، أو سجودي صحيح.. ثم صلاتي بعد ذلك صحيحة.
القاعدة الثالثة: كل من شك في الإتيان بجزء من أجزاء الصلاة بعد أن دخل في الجزء اللاحق به فيعتبر نفسه قد أتى بذلك الجزء المشكوك فيه وصلاته صحيحة.
ـ مثلاً؟
ـ إذا شككت وأنت في السورة الثانية هل أنك قرأت سورة الفاتحة، أو نسيتها فلم تقرأها فقل: (إني قرأتها) واستمر في صلاتك فهي صحيحة.
القاعدة الرابعة: كل من كثر شكه عن الحد الطبيعي يهمل الشك ولا يعتني به ولا يلتفت إليه إذا لم يكن ذلك لسبب طارئ كخوف أو مرض، وصلاته التي شك فيها صحيحة.
ـ مثلاً؟
ـ إذا كنت كثيراً ما تشك ـ وأنت تصلي صلاة الصبح مثلاً ـ في عدد ركعاتها، عليك أن تهمل هذا الشك وتقول: (صلاتي صحيحة) وإذا كنت كثيراً ما تشك في أنك سجدت سجدة واحدة أو سجدتين تقول: إنك سجدت سجدتين ولا تلتفت ولا تهتم بالشك بل تعتبر صلاتك صحيحة، وهكذا.. دائماً كثير الشك في الصلاة يهمل شكه ويعتبر صلاته صحيحة..دائماً.. دائماً.
ـ وكيف أعرف أني كثير الشك؟
ـ كثير الشك يعرف نفسه بسهولة.. يكفي أن يزيد شكه على الناس الطبيعيين من أمثاله، ويكفي أيضاً أن لا يصلي ثلاث صلوات متتالية إلاّ ويشك في كل واحدة منها.
القاعدة الخامسة: كل من شك في عدد ركعات صلاة الصبح، أو صلاة المغرب، وفي الركعتين الأولى والثانية من كل صلاة رباعية، ولم يترجح في ذهنه أحد الاحتمالين على الآخر.. لم يترجح في ذهنه عدد معين للركعات، بل بقي متحيراً شاكاً لا يدري كم ركع فقد بطلت طلاته.
ـ مثلاً؟
ـ إذا شك وهو يصلي صلاة الصبح هل أنه الآن في الركعة الأولى أو الثانية، تأمل قليلاً، وفكر ثم فكر.. وإذا لم يصل إلى قرار محدد ولم يترجح في ذهنه أنها الركعة الأولى مثلاً أو أنها الركعة الثانية فقد بطلت صلاته.
ـ وإذا ترجح في ذهنه أحد الاحتمالين، كأن ترجح في ذهنه إنها الركعة الأولى؟
ـ إذا ترجح في ذهنه عدد معين للركعات عمل وفق ما يقتضيه ذلك الاحتمال الراجح، مثلاً قد يترجح في ذهنه احتمال أنها الركعة الأولى، فيأتي بالركعة الثانية ويتم صلاته فهي صحيحة.
وكذلك الحال في صلاة المغرب، وفي الركعتين الأولى والثانية من كل صلاة رباعية.
ـ عرفت الآن حكم الشاك في صلاتي الصبح والمغرب، وفي الركعتين الاُولى والثانية من صلوات الظهر والعصر والعشاء، ولكن ما هو حكم الشاك في الركعتين الأخيرتين الثالثة والرابعة من الصلوات الرباعية؟
ـ إذا ترجح في ذهنه عدد معين للركعات، عمل بمقتضى ظنه ووفق ما ترجح في ذهنه.
ـ وإذا بقي متحيراً شاكاً متردداً؟
ـ عندئذ ستحتاج إلى تفصيل أكثر فلكل موضع هنا حكمه الخاص به، وسأتناول بعضها بالتعداد ولا أطيل.
1 - من شك بين الركعة الثالثة والرابعة، قال إنها الركعة الرابعة وأتم صلاته، ثم جاء بركعتين من جلوس، أو بركعة من قيام.
2 - من شك بين الركعة الرابعة والخامسة بعد أن أنهى السجدتين، قال إنه في الركعة الرابعة، ثم يتم صلاته ويسجد سجدتي السهو بعد الصلاة.
3 - من شك بين الثانية والثالثة بعد أن أكمل ذكر السجدتين. قال إنه في الركعة الثالثة ويأتي بالرابعة بعدها، ثم بعد أن يفرغ من صلاته [يأتي بركعة من قيام].
ـ وكيف يأتي بركعة من قيام؟
ـ بعد أن ينتهي من صلاته مباشرة ومن دون أن يلتفت يميناً أو شمالاً، ومن دون أن يفعل ما يبطل الصلاة يقوم بصلاة ركعة من قيام، فيكبّر ثم يقرأ الفاتحة بصوت خافت ولا يقرأ بعدها سورة أخرى، ثم يركع ويسجد ويتشهد ويسلّم.
ـ وسجود السهو ذاك الذي ذكرته؟
ـ تنوي وتسجد بعد الصلاة [مباشرة] ومن دون أن تكبّر، ويكفي أن تقول في سجودك: (بسم الله وبالله السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته)، ثم ترفع رأسك من السجود وتجلس ثم تعاود السجود المتقدم مرة ثانية، ثم ترفع رأسك وتجلس [وتتشهد وتسلّم] وبذلك تنهي سجود السهو.
وليكن في اعتبارك أنك تسجد سجود السهو ليس فقط عندما تشك بين الركعة الرابعة والخامسة بعد السجدتين، بل في مواضع اُخرى غيرها،، فحالات وجوب سجود السهو هي..
أ ـ إذا تكلمت في صلاتك سهواً وغفلة، أو تصوّرت أنك خارج الصلاة.
ب ـ إذا تشهدت وسلّمت سهواً في غير موضعهما. [وكذلك إذا زدت التسليم فقط سهواً ـ مثلاً أتيت بالتسليم في غير الركعة الأخيرة ـ فقلت: (السلام عليكم) أو قلت: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)].
ج ـ إذا شككت بين الأربع والخمس بعد السجدتين.
د ـ إذا جئت في حال الجلوس بما يجب أن تأتي به قائماً أو بالعكس سهواً. مثلاً سهوت وقرأت سورة الفاتحة وأنت جالس بدلاً أن تقوم وتقرأها.
هـ ـ إذا سبّحت في الركعتين الأوليين سهواً بدل القراءة. أو قرأت في محل يجب التسبيح فيه، كحال الركوع والسجود.
و ـ إذا علمت بأنك إما زدت أو نقصت في صلاتك من دون أن تبطل.
ز ـ إذا نسيت التشهد الأول في صلاتك، فتسجد سجود السهو بعد إكمال الصلاة وقضاء التشهد.
أما إذا نسيت التشهد الأخير حتى سلّمت، فاقض التشهد بعد السلام [واسجد سجود السهو].
ويفضّل أن تسجد سجدتي السهو لكل زيادة أو نقيصة في الصلاة.
ـ وإذا تكرر مني ما يوجب سجود السهو في صلاتي، كما إذا سهوت مرتين في صلاة واحدة.
ـ كرر سجود السهو بعدد ما يوجبه، أي اسجد مرتين.
كدت بعد أن انتهى بنا الحوار إلى هذا الموضع من الصلاة أطلب من أبي أن يقدم لي درساً تطبيقياً لصلاة رباعية، كونها أطول صلاة يومية واجبة لألاحظ عن كثب وأناة كيف يكبّر أبي ويقرأ ويركع ويسجد ويتشهد ويسلّم، غير أني آثرت أن أتراجع عن طلبي هذا بعد أن تذكرت أنه يصلي كل يوم صلاة العشاء وهي صلاة رباعية جهرية، فقلت في نفسي: إذاً فلأراقبه وهو يصليها.
وحين همّ أبي بأن يبدأ صلاته الرباعية الجهرية تلك كنت مشدود الأعصاب إليه، شديد اليقظة وأنا ألحظ كل شاردة وواردة من حركات صلاته، وسأصف لكم كيف صلى أبي..
بدأ أولاً فأسبغ وضوءه. ووقف في مصلاه مستقبلاً القبلة وهو خاشع فأذّن للصلاة وأقام. ثم بدأ صلاته، فكبّر قائلاً: (الله اكبر)، ثم قرأ سورة الفاتحة وأتبعها بقراءة سورة التوحيد.
ولما أتمها وهو واقف منتصب ركع، ولما استقرّ به الركوع سبّح قائلاً: (سبحان ربي العظيم وبحمده).
وبعد أن انتهى من نطق الحرف الأخير من التسبيح وهو راكع، انتصب مستقيماً واقفاً على قدميه.
ولما استقر به القيام هوى للسجود، وإذ هدأ سبّح قائلاً: (سبحان ربي الأعلى وبحمده)، وبعد أن أتم نطق الحرف الأخير منها وهو ساجد جلس من سجوده، وحين استقرّ به الجلوس هوى للسجدة الثانية فقرأ فيها كما قرأ في اُختها السجدة الاُولى: (سبحان ربي الأعلى وبحمده).
ثم رفع رأسه من سجوده وجلس ليقوم منتصباً على قدميه للركعة الثانية.
وحين استقرّ به القيام قرأ سورة الفاتحة ثم أتبعها هذه المرة بقراءة سورة القدر.
ولما فرغ من قراءتهما رفع يديه للقنوت وقرأ في قنوته الآية القرآنية الكريمة: (ربِّ اغفر لي ولوالديَّ ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تباراً).
ثم أسبل يديه من القنوت وهوى للركوع وحين استقر به الركوع قرأ: (سبحان ربي العظيم وبحمده).
ثم انتصب قائماً يهوي للسجود، وحين سجد قرأ في سجوده: (سبحان ربي الأعلى وبحمده) ثم جلس من سجدته الأولى ليهوي للسجدة الثانية وحين سجد قرأ: (سبحان ربي الأعلى وبحمده)، ثم جلس من سجوده.
ولما استقرّ به الجلوس تشهّد فقرأ: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه، اللهم صل على محمد وآل محمد).
ولما فرغ من تشهده قام منتصباً للركعة الثالثة فبدأها بعد أن استقرّ به القيام بالتسبيح قائلاً: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) ثلاثاً وبصوت واطئ.
ثم هوى للركوع فقرأ فيه كما قرأ في ركوعه السابق: (سبحان ربي العظيم وبحمده).
ثم انتصب قائماً من ركوعه، وهوى للسجود فقرأ فيه كما قرأ سابقاً في سجوده: (سبحان ربي الأعلى وبحمده)، ثم جلس مستقراً ليهوي للسجدة الثانية فيقرأ فيها: (سبحان ربي الأعلى وبحمده) كذلك.
ولما أتمها انتصب قائماً على قدميه للركعة الرابعة والأخيرة، فبدأها كما بدأ سابقتها بالتسبيح قائلاً: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) ثلاثاً.
ثم هوى للركوع قارئاً: (سبحان ربي العظيم وبحمده).
ثم انتصب ليهوي للسجود قارئاً فيه: (سبحان ربي الأعلى وبحمده)، ثم جلس يسجد سجدته الثانية والأخيرة في هذه الصلاة فقرأ فيها ـ كعادته ـ (سبحان ربي الأعلى وبحمده).
ثم جلس مطمئناً ليتشهد قارئاً كما قرأ في تشهده الأول: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وآل محمد).
ولما أتم تشهده سلّم، ليختتم صلاته فقال: (السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته) (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته). وبه أنهى صلاته.
هكذا صلى أبي صلاة العشاء وكان قد صلى مثلها بالضبط صلاتي الظهر والعصر ـ وهما رباعيتان كذلك ـ غير أنه قرأ السورتين في ركعتيهما الأولى والثانية بصوت واطئ خفيض.
ولقد راقبته وهو يصلي صلاة المغرب فوجدته يصليها كما يصلي العشاء، غير أنه لما انتهى من سجدته الثانية وهو في ركعته الثالثة، جلس ليتشهد ويسلّم ويختم صلاته (لأن صلاة المغرب ثلاث ركعات).
ثم راقبته كذلك وهو يصلي صلاة الصبح فوجدته يصليها كما يصلي صلاة العشاء، غير إنه لما انتهى من سجدته الثانية وهو في ركعته الثانية تشهد وسلّم هذه المرة ليختم صلاته (لأن صلاة الصبح ركعتان).
هكذا صلى أبي صلواته اليومية، غير أني ـ إمعاناً مني في الملاحظة والتثبّت والضبط والدقة ـ سأثبت لكم بعض خصوصيات الصلاة كما صلاّها أبي على شكل نقاط..
1 - كان يحرص حرصاً شديداً على أن يصلي صلاته في أول وقته، فهو يصلي الظهر مثلاً عندما يحين وقت صلاة الظهر (الزوال)، وهو يصلي المغرب في أول وقتها، وهكذا، وحين سألته عن سبب المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها، تمثل بحديث للإمام الصادق (عليه السلام) قال فيه: ( فضل الوقت الأول على الأخير كفضل الآخرة على الدنيا).
2 - وكان عندما يقف بين يدي ربه ليصلي تظهر عليه آثار الخشوع والخضوع والتذلل، وكان يردد أحياناً بينه وبين نفسه ـ ولكن بصوت مسموع قبل أن يتوجه إلى مصلاه ـ قوله تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون)، وكأنه يروّض نفسه لها قبل أن يشرع بها فيذكّر قلبه بأهمية الخشوع لله في الصلاة.
3 - وكان قبل أن يصلي صلاة الصبح يصلي ركعتين، ويصلي ثماني ركعات ـ ركعتين ركعتبن كصلاة الصبح ـ قبل صلاة الظهر، وأخرى بقدرها قبل صلاة العصر، ويصلي أربعة ركعات ـ ركعتين ركعتبن كصلاة الصبح ـ بعد صلاة المغرب، ويصلي ركعتين من جلوس بعد صلاة العشاء، وبعد منتصف الليل يصلي ثمان ركعات ثم يتبعها بركعتين ثم بركعة واحدة ويقنت في هذه الركعة قنوتاً طويلاً وهو في حالة بكاءٍ وخشوع.
سألته مرة عن تلك الصلوات فقال إنها (النوافل)؛ تلك التي قال عنها الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): إنها إحدى علامات المؤمن.
4 - ولأن الهمزة في كلمة (أكبر) من جملة (الله أكبر) همزة قطع، فيجب أن تظهر واضحة جلية على لسانك عندما تكبرّ. هكذا قال أبي.
ـ قلت له مرة: أن بعض الناس ينطقون هذه الهمزة شبيهة بالواو كما لو كانت الجملة (الله وكبر).
فقال: حذار أن تنطقها كنطقهم، إنهم مخطئون. وأضاف: وكذلك الحال في همزة (أنعمت) من الآية الكريمة من سورة الفاتحة: (صراط الذين أنعمت عليهم) فهي همزة قطع، ويجب أن تظهر على لسانك واضحة جلية أثناء النطق بها. ومثلها تماماً همزة (الأعلى) من (سبحان ربي الأعلى وبحمده) في السجود فهي همزة قطع ويجب أن تظهر على لسانك واضحة جلية أثناء النطق بها.
5 - وقال لي: حاول أن تقف على حرف الدال من كلمة (أحدْ) وأنت تقرأ الآية القرآنية الشريفة من سورة التوحيد: (قل هو الله أحدْ). ثم تتريث قليلاً قبل أن تردفها بالآية الكريمة التالية لها: (الله الصمد)، ذلك أسهل عليك وأيسر، كما يفضل أن تقرأ كلمة (كفواً) في سورة التوحيد بضم الفاء، كما هي مكتوبة في المصحف الشريف.
6 - سألت أبي مرة: أسمعك حين تقرأ قوله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم) تكسر حرف النون من كلمة (الرحمن) وحرف الميم من كلمة (الرحيم)، وتقرأهما كذلك بالكسر عندما تقرأ قوله تعالى: (الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين) من سورة الحمد. بينما أسمع بعض الناس يقرأهما بالضم وهم يصلّون.
كما أسمعك حين تقرأ قوله تعالى من سورة الحمد: (إياك نعبُد) تضم الباء من كلمة (نعبد)، بينما أسمع بعض الناس يكسرونها وهم يصلّون.
فقال: ألم تدرس النحو بعد؟
قلت: درسته.
قال: فما يقول علم النحو في حركة كلمتي (الرحمن الرحيم)؟
قلت: الكسرة كما تقرأ أنت.
قال: هات لي نسخة من القرآن الكريم. فأتيت له بنسخة من كتاب الله كانت قريبة مني.
قال: أخرج سورة الحمد ولاحظها، فأخرجت سورة الحمد فوجدت الكسرة ظاهرة على آخر كلمتي (الرحمن الرحيم)، ووجدت حرف الباء من كلمة (نعبد) من قوله تعالى: (إياك نعبُد) مضمومة لا مكسورة.
قلت: وجدتها كما تقرأها أنت.
قال: اقرأ إذن كما هو محرّك في كتاب الله، وانتبه إلى الأخطاء الشائعة في القراءة كي لا تقع فيها.
7 - وكان لا يبدأ بقراءة الذكر في الركوع أو السجود إلا بعد أن يستقرّ به الركوع أو السجود، ولا يرفع رأسه إلاّ من بعد أن ينتهي من نطق الذكر تماماً وهو راكع أو ساجد.
8 - وكان إذا رفع رأسه في سجدته الأولى تريث قليلاً حتى إذا استقرّ به الجلوس هوى للسجدة الثانية.
9 - سألته مرة أسمعك تدعو لنفسك ولأبويك ولإخوانك المؤمنين بعد الصلاة مباشرة؟
قال: نعم، فقد قال أبو الحسن (عليه السلام): (من دعا لإخوانه من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وكّل اللّه به عن كل مؤمن ملكاً يدعو له).
10 - وسألته: أراك تسبّح بعد كل فريضة؟
قال: إنه تسبيح الزهراء (عليها السلام) علّمها إياه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو: (اللّه أكبر) أربعة وثلاثين مرة، ثم (الحمد لله) ثلاثاً وثلاثين مرة، ثم: (سبحان الله) ثلاثاً وثلاثين مرة، فيكون المجموع مائة تسبيحة.
ـ وهل لتسبيح الزهراء (عليها السلام) فضل؟
ـ نعم، فقد قال الإمام الصادق (عليه السلام) لأبي هارون المكفوف: (يا أبا هارون إنّا نأمر صبياننا بتسبيح الزهراء (عليها السلام) كما نأمرهم بالصلاة فالزمه، فأنه لم يلزمه عبد فيشقى). وقال (عليه السلام): (تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام) في كل يوم في دبر كل صلاة أحبّ إليّ من صلاة ألف ركعة في كل يوم).
ولو كان هناك ما هو أفضل منه لعلّمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) لمكانتها عنده، كما ورد عن الأئمة (عليهم السلام).
11 - كان أبي أحياناً يصلي صلاة الظهر ثم يتبعها مباشرة بصلاة العصر، أو يصلي صلاة المغرب ويلحقها مباشرة بصلاة العشاء، بينما كان أحياناً أخرى يفصل بين الصلاتين، فيصلي الظهر ثم يتفرغ لبعض شؤونه، حتى إذا حلّ وقت العصر صلّى العصر، وكذلك يفعل مع صلاتي المغرب والعشاء.
وحين سألته عن ذلك أجابني..
ـ أنت مخيّر بين أن تفصل بينهما وأن لا تفصل (2)، وإن كان الفصل بينهما أفضل؟
12 - أسمعك ـ قلت لأبي ـ حين تقرأ سورة القدر تظهر حرف اللام عندما تقرأ قوله تعالى: (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) بينما أسمع بعض الناس لا يظهرونه حتى كأن حرف اللام غير موجود، ـ يقرؤونها (أنزنّاه) ـ؟
وأسمعك تقرأ: (سُبحان ربي العظيم وبحمده) فتضم حرف السين في (سُبحان) وتظهر الفتحة في (ربيَ) بينما أسمع بعضهم لا ينطقونها كما تنطق؟
وأسمعك حين تتشهد وتقول: (اللهم صل على محمد) تصمت قليلاً ثمتردفها بعد (وآل محمد) [أو تحرّك وتدغم حين تدرج]، بينما أسمع بعض الناس يدرجون بالساكن فلا يحركون ولا يدغمون؟
ـ ألم أقل لك انتبه لقراءتك.
(1) ولا فرق في ذلك بين ما له نفس سائلة [وما لا نفس سائلة له إذا كان له لحم] [حتى الشعيرات].
(2) وقد جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين الصلاتين من غير عذر ولا سفر. على ما رواه الفريقين.
حوارية الصلاة الثانية
قبل أن يحين موعد حوارية الصلاة الثانية حاولت أن أعيد استذكار ما دار في حوارية الصلاة الأولى من أفكار لأختبر مدى فعالية ذاكرتي ولأسأل عما لم أحفظ أو لم أستوعب ما دمنا بعدُ لم نودع حوارية الصلاة، وما أن حضر أبي حتى بادرته بسؤال عنّ لي فلم استطع الجواب عنه، قلت له:
ـ أيمكن أن اصلي صلاة العشاء بركعتين؟
ـ لا.. ألم أقل لك أنها صلاة رباعية.
ـ ولكني رأيتك صليتها مرة بركعتين.
ـ أكنّا في سفر؟
ـ نعم.
ـ هذا صحيح، فالصلاة الرباعية (صلاة الظهر والعصر والعشاء) يجب أن تقتصر على ركعتين في السفر، إذا تمت شروط قصرها التالية..
1 - أن تقصد السفر لمسافة تبعد (46 كيلو متراً) تقريباً أو تزيد عن محل سكناك، سواء أكانت هذه المسافة للذهاب فقط أم للذهاب و الإياب.
ـ وضح لي أكثر.
ـ إذا سافر مسافر ما لمدينة تبعد عن محل سكناه (46 كم) فأكثر، يجب عليه التقصير في صلاته بأن يصلي الصلاة ذات أربع ركعات ركعتين فقط. وكذلك إذا سافر لمدينة تبعد (23 كم) عن محل سكناه وكان عازماً على الرجوع منها لبلده مرة أخرى. فكيف سيصلي في تلك المدينة صلاته؟! كيف سيصليها؟
ـ وهل يجب عليه أن يصليها قصراً؟
ـ نعم، يجب عليه أن يصليها قصراً إن كانت صلاته رباعية كالظهر أو العصر أو العشاء.
ـ ومن أي مكان يبدأ بقياس المسافة؟
ـ من آخر بيوت المدينة ولمسافة (46 كم).
2 - أن لا يكون الهدف من سفره ذاك ارتكاب معصية كشرب الخمر أو الزنا أو السرقة، ولا الهدف الصيد من اجل اللهو واللعب.
ـ وإذا كان قاصداً من سفره ارتكاب معصية؟
ـ يتم صلاته أثناء السفر في ذهابه ولا يقصّر.
3 - أن لا ينوي المسافر المرور بوطنه أو مقر إقامته أثناء السفر، ولا ينوي الإقامة عشرة أيام فصاعداً في البلد الذي سافر إليه، فإنه عندئذٍ يقصّر في صلاته من أول سفره ولا يتم، وإذا بقي المسافر متردداً في بلدةٍ لا يدري متى سيغادرها، واستمر تردده لمدة ثلاثين يوماً فإنه يقصّر صلاته أثناء هذه الفترة ويتم صلاته إذا بقي فيها بعد هذه الفترة.
ـ وإذا نوى المرور بوطنه، أو مقر إقامته أثناء سفره ذاك، أو كان عازماً على الإقامة في البلد الذي سافر إليه عشرة أيام فصاعداً، أو كان قد بقي متردداً لا يدري متى سيعود من سفره ذاك مدة ثلاثين يوماً؟
ـ عندئذ يتم صلاته.
4 - أن لا يكون السفر من طبيعته كالسائق والملاح والراعي.
ـ معنى هذا أن السائق يتم صلاته أثناء السفر؟
ـ نعم، فمن كانت مهنته القيادة يتم صلاته أثناء ممارسته مهنته.
ـ والتاجر والطالب والموظف إذا كان يقيم في بلد ما وجامعته أو دائرته أو مركز تجارته في بلد آخر يبعد عن محل إقامته (46 كم) فأكثر وهو يسافر كل يوم أو يومين ليلتحق بها؟
ـ يتم صلاته ولا يقصّر.
ـ ومتى يبدأ المسافر بالتقصير؟
ـ عليه التقصير إذا لم يعُد يسمع أذان مؤذن بلده، ولم يعد يرى أشخاص ساكنيه فإنه عندئذٍ يقصّر في صلاته.وإذا تحقق أحد الأمرين دون الآخر فيصلي صلاته مرتين تماماً وقصراً.
ـ قلت لي: إذا مر المسافر بوطنه أو مقر إقامته يتم صلاته، فماذا تقصد بوطنه ومقر إقامته؟
ـ اقصد بالوطن هنا: المكان الذي يسكنه الإنسان سكن مكث واستقرار، ولا فرق في ذلك بين أن يملك فيه مسكناً وأن لا يملك.
ومقر الإقامة: هو المكان الذي يتخذه الإنسان للإقامة فيه طويلاً من دون أن ينوي الاستقرار فيه دائماً، مثل البلد الذي يمكث فيه الطلاب للدراسة الجامعية.
ـ معنى هذا..
1 - إذا مر المسافر بوطنه أو مقر إقامته الطويلة.
2 - وإذا قصد الإقامة عشرة أيام متتالية أو أكثر في مكان ما سافر إليه.
3 - وإذا سافر لبلد ما وبقي فيه مدة ثلاثين يوماً متردداً لا يدري متى سيعود منه إلى وطنه.
فإن المسافر في هذه الحالات الثلاث يتم صلاته ولا يقصّر؟
ـ نعم.
ـ وإذا سافر ولم يعترضه شيء من هذه النقاط الثلاث المتقدمة؟
ـ يقصّر في صلاته. فكل مسافر ـ لغير معصية ـ لمسافة تبعد (46 كم) فأكثر عن مدينته يقصّر في صلاته، إلا إذا مرّ بوطنه، أو مقر إقامته أو أقام ناوياً عشرة أيام.. أو..
ـ نعم.. نعم... وإذا حان وقت الصلاة وهو مسافر ولم يصلِّ أثناء السفر، بل عاد لبلده، فكيف يصلي في بلده؟
ـ يتم صلاته، لأنه حين صلّى صلّى في بلده.
صلاة الجماعة
ـ أشاهد بعض الأحيان مجموعة من الناس يصلون الفرائض سوية يركعون معاً ويسجدون معاً ويقومون معاً.
ـ إنهم يصلون صلواتهم اليومية المفروضة (جماعة) لا فرادى.
ـ وكيف نصلي صلاتنا جماعة؟
ـ إذا اجتمع شخصان أو أكثر وكان أحدهما جامعاً لشرائط إمام الجماعة جاز لهم أن يقدموه ليصلي بهم جماعة فينالوا بذلك أجراً إضافياً.
ـ إذن صلاة الجماعة مستحبة؟
ـ نعم، ولها ثواب عظيم، خاصة خلف الرجل العالم ، وخلف القرشي، الجامعين لشرائط إمام الجماعة، ففي الحديث: (الصلاة خلف العالم بألف ركعة، وخلف القرشي بمائة)، فكيف إذا كان إمام الجماعة عالماً قرشياً؟ ثم إنه كلما زاد عدد أفراد الجماعة زاد فضلها.
ـ وما هي شرائط إمام الجماعة تلك التي أشرت إليها في حديثك؟
ـ يشترط في إمام الجماعة أن يكون [بالغاً] عاقلاً غير مجنون، مؤمناً، عادلاً [صحيح القراءة فيما يتحمله من القراءة بدلاً عن المأموم إذا كان المأموم صحيح القراءة أيضاً، وكان الإئتمام في الركعتين الأولى أو الثانية من صلاة جهرية] ولادته شرعية، وإن لا يكون محدوداً بحد شرعي، ولا جاهلاً بالأحكام الشرعية ـ بحيث تكثر منه مخالفة الحكم الشرعي بسبب جهله ـ فلا يصح للعارف بالأحكام أن يصلي خلف الجاهل المذكور.
ـ وكيف نعرف أن هذا الرجل مؤمن، عادل حتى نصلي خلفه؟
ـ يكفي فيه حسن ظاهره، أو شهادة عادلين مطلعين على عدالته.
ـ وكيف اصلّي صلاتي جماعة؟
ـ تختار شخصاً معيناً جامعاً لشرائط إمام الجماعة مارة الذكر وتصلي خلفه جماعةً مراعياً ما يلي:
أ ـ تقف إلى جانبه [متأخراً عنه قليلاً] أو تقف خلفه مباشرة.
ب ـ أن لا يفصل بينك وبينه حائل كالجدار مثلاً.
ج ـ أن لا يرتفع موضع وقوفه على موضع وقوفك بمقدار ملحوظ [حتى بمقدار يزيد على ثلاث أصابع].
د ـ أن لا يكون الفاصل بينك وبين إمام الجماعة، أو بينك وبين المصلي إلى جنبك أو قدامك المرتبط بإمام الجماعة [ما يقارب المتر والربع].
ـ إذن على المصلين أن لا يفصل بين أحدهم وصاحبه أكثر من متر وربع تقريباً.
ـ نعم، ويكفي أن يرتبط المصلي بصاحبه ولو من جهة واحدة، يكفيه أن يرتبط بمصلٍّ أمامه أو بمصلٍّ عن يمينه أو بمصلٍّ عن شماله بحيث يكون هناك ارتباط بالإمام ولو من خلال واحد.
ـ وماذا بعد ذلك؟
ـ إذا كبّر إمام الجماعة مبتدئاً صلاته كبّر المصلون خلفه، فإذا قرأ سورة الحمد والسورة اللاحقة لها لم يقرأ المأمومون، والأفضل أن يسمعوا صوت تلاوته وينصتوا له، ذلك أن تلاوته تجزئ عن تلاوتهم فهو يتحمل عنهم قراءتهم، فإذا ركع ركعوا خلفه، وإذا سجد سجدوا خلفه، وإذا جلس جلسوا، حتى التسليم فالأفضل لهم أن يسلموا بعد تسليمه ليكمل لهم بذلك فضل الجماعة.
ـ وهل أتلو الذكر في ركوعي وسجودي وتشهدي، وهل أتلو التسبيحات في الركعتين الثالثة والرابعة، أو اصمت أنصت له؟
ـ بل اقرأ كما كنت تقرأ وأنت تصلي منفرداً.. اقرأ الذكر في الركوع والسجود والتشهد، وردّد التسبيحات في الركعتين الثالثة والرابعة كما اعتدت.. ولا يتحّمل عنك إلا قراءة السورتين إذا التحقت به في الركعة الأولى أو الثانية، ثم إن عليك متابعته بأفعال الصلاة كلها.
ـ ماذا تقصد؟
ـ عليك أن تتابع إمام الجماعة في كل فعل يفعله من الصلاة، فإذا ركع ركعت معه، وإذا سجد سجدت معه، وإذا رفع رأسه من السجود رفعت رأسك معه، وهكذا...
ـ ومتى التحق بإمام الجماعة؟
ـ التحق بالإمام بعد تكبيره إلى قبل قيامه من الركوع، لتحسب لك ركعة، وإذا التحقت به بعد قيامه من الركوع لم تحسب لك ركعة.
ـ إذا التحقت به وهو يتلو السورتين فلا اقرأ السورتين فإنه يتحملهما عني كما قلت لي، ولكن إذا كان راكعاً فكيف التحق به؟
ـ كبّر لصلاتك ثم اركع مباشرة حتى إذا أنهى إمام الجماعة ركوعه وقام قمت معه.
ـ وقراءتي للسورتين؟
ـ تسقط قراءتهما عنك إذا التحقت به وهو راكع.
ـ إذا التحقت به وهو قائم يسبّح لركعته الثالثة أو الرابعة؟
ـ كبّر ثم اقرأ السورتين بصوت خافت.
ـ وإذا لم يسعني الوقت لإتمامهما؟
ـ اقرأ ما تيسّر لك.
ـ التحق بإمام الجماعة لأصلي صلاة الظهر، وإمام الجماعة يصلي العصر؟
ـ نعم، يحق لك أن تلتحق بالجماعة، يحق لك وإن اختلفت صلاتك مع صلاة إمام الجماعة من حيث الجهر والاخفات، أو القصر والتمام، أو القضاء والأداء.
ـ وهل للنساء جماعة كالرجال؟
ـ نعم، فيجوز للمرأة أن تصلي صلاتها جماعة خلف رجل تتوفر فيه شروط إمام الجماعة مارة الذكر، كما يجوز لها أن تأتمّ بالمرأة ولكن إذا أمّت المرأة النساء [وجب أن تقف في صفهن وتتقدم عليهن قليلاً على أن لا تخرج من صفهن].
ـ وإذا صلّت النساء مع الرجال؟
ـ إذا صلّت النساء مع الرجال وجب أن يصلين إمّا خلف الرجال، أو بصفّهم. ويجوز وضع الحائل حينئذٍ ولو كان جداراً. ولا تصح صلاة الرجل جماعة خلف المرأة...
هذه هي صلاة الجماعة.
صلاة الجمعة
ـ غير أني أسمع بصلاة تسمى (صلاة الجمعة) فهل هي غيرها؟
ـ نعم، إنها ركعتان جهريتان كصلاة الصبح، غير أنها تمتاز عنها بوجود خطبتين قبلها، حيث يقف الإمام ويتكلم فيهما بما يرضي الله وينفع الناس، وأقلّ ما يجب عليه في الخطبة الأولى أن يحمد الله ويثني عليه، ويوصي بتقوى الله، باللغة العربية. أما إذا كان الحاضرون لا يعرفون العربية فيوصيهم بتقوى الله [باللغة العربية وبلغتهم] ويقرأ سورة من القرآن الكريم..
ثم يجلس قليلاً ليقوم مرة أخرى للخطبة الثانية، فيحمد الله ويثني عليه، ويصلي على محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله) [وعلى أئمة المسلمين (عليهم السلام)، يذكرهم واحداً واحداً] ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات، باللغة العربية طبعاً كما تقدم في الخطبة الأولى.
ويشترط في صحتها:
أ ـ أن يدخل وقت صلاة الظهر.
ب ـ أن يجتمع خمسة مصلّين رجال بضمنهم إمام الجمعة.
ج ـ أن يكون إمام الجمعة جامعاً للشرائط تلك التي مرّ ذكرها في إمام الجماعة.
وإذا أقيمت صلاة الجمعة في بلدٍ ما جامعةً للشرائط تخير المسلمون بين إقامتها وبين إقامة صلاة الظهر، ولهذا لا يحرم البيع والشراء المنافيان للصلاة بعد النداء لها، وإذا حضرت لصلاة الجمعة فلا يجوز التكلم أثناء اشتغال إمام الجمعة بخطبته، بل ينبغي الإصغاء إلى كلامه.
ـ ولو صلى المصلي صلاة الجمعة؟
ـ لو صلى المصلي صلاة الجمعة الجامعة للشروط اكتفى بها عن صلاة الظهر فهي تجزئ عنها.
بقي أن أشير إلى أمرين:
أولهما: أن المسلم مخيّر بين أن يقيم صلاة الجمعة بشروطها المتقدمة وبين أن يصلي صلاة الظهر.
ثانيهما: أن لا تكون المسافة بينها وبين صلاة جمعة أخرى اقلّ من (6 كم) تقريباً.. هذه هي صلاة الجمعة.
ـ أحببت أن أسألك سؤالاً استحي أن اسأله.
ـ سل ما شئت فلا حياء في الدين.
ـ إذا لم اُصلِّ بعض الصلوات الواجبة لعذر تارة، وبسبب التسامح واللامبالاة والجهل تارة أخرى؟
ـ يجب عليك قضاؤها، فان كانت جهرية كصلاة الصبح والمغرب والعشاء تقضيها بصوت جهري عال، وإن كانت اخفاتية كصلاة الظهر والعصر تقضيها بصوت خافت واطئ، وإن كانت قصراً تقضيها قصراً وإن كانت تماماً تقضيها تماماً. وليكن في بالك أن ترك الصلاة إذا كان عن إهمال ولا مبالاة فهو من المحرمات ويجب عليك التوبة إلى الله تعالى.
ـ وهل اقضي صلاة الظهر عندما يحين الزوال من يوم آخر، واقضي صلاة العشاء عندما يحين وقت صلاة العشاء وهكذا.
ـ لا، بل يحق لك قضاء أية صلاة فاتتك متى شئت، ليلاً كان وقت القضاء أم نهاراً، فيحق لك أن تقضي صلاة الصبح مساءً وهكذا العكس.
ـ وإذا لم اعلم كم صلاة فاتتني فكم صلاة اقضي؟
ـ صلِّ ما تأكدت من فواتها عليك وأنك لم تصلها في وقتها، أما التي تشك في فواتها فلا يجب عليك قضاؤها.
ـ اضرب لي مثلاً.
ـ إذا تأكدت أنك لم تصلِّ صلاة الصبح منذ شهر وجب عليك قضاء صلاة الصبح لمدة شهر... لكن إذا لم تكن متأكداً من فوات صلاة الصبح عليك فلا يجب عليك القضاء.
مثال آخر: إذا كنت تعلم أنك لم تصلِّ صلاة الصبح مدة من الزمن، ودار الأمر في نفسك بين احتمالين، إما أنك مطلوب شهراً واحداً، أو مطلوب شهراً وعشرة أيام، جاز لك حينئذٍ أن تصلي الشهر وتقتصر عليه وحده دون الزائد عليه.
ـ وهل يجب أن نقضي ما فاتنا فوراً وبدون تأخير؟
ـ لا، بل يجوز التأخير من دون تهاون أو تسامح، وأوصيك أن تقضي كل صلاة تفوتك في نفس اليوم الذي فاتتك فيه، فإذا لم تستيقظ لصلاة الصبح مثلاً فاقض صلاة الصبح في نفس اليوم عندما تصلي الظهر، قبلها أو بعدها، لئلا تتراكم عليك فيصبح قضاؤها صعباً. أعاذك الله من التهاون والتسامح في القضاء، ووفّقك لأداء صلواتك في أوقاتها المحددة لها.
ـ دعنا نعود إلى الوراء قليلاً، ففي بداية حوارية الصلاة الأولى ذكرت لي ـ وأنت تعدد الصلوات الواجبة ـ صلاة تفوت الرجل الميت فيجب على ورثته الذكور قضاؤها...
ـ نعم يجب على ورثة الميت الذكور قضاؤها إن كان الميت عازماً على القضاء، لكن لا يتحتّم على الولي أن يباشر القضاء بنفسه بل يحق له أن يستأجر غيره للقضاء نيابة.
صلاة الآيات
ـ وذكرت لي صلاة الآيات.
ـ تجب صلاة الآيات على كل مكلف عدا الحائض والنفساء، عند كسوف الشمس، أو خسوف القمر ولو جزئياً، [وعند الزلازل حتى إذا لم توجب الخوف] وكل مخوف سماوي كالصاعقة والصيحة والريح السوداء وغيرها، [ومخوف ارضي كالخسف] وتصلى صلاة الآيات جماعة وتصلى فرادى.
ـ ومتى يجب أداء صلاة الآيات؟
ـ وقتها موسّع في الكسوف والخسوف من بدايتهما إلى نهايتهما.
ـ وفي الزلازل والصاعقة وكل أمر سماوي أو ارضي مخيف؟
ـ تجب الصلاة فوراً.
ـ وكيف اصلي صلاة الآيات؟
ـ إنها ركعتان، في كل ركعة منها خمسة ركوعات.
ـ وكيف ذاك؟
ـ تكبّر أولا ثم تقرأ سورة الفاتحة وتلحقها بسورة تامة غيرها ثم تركع، فإذا رفعت رأسك من ركوعك تقرأ الفاتحة مرة أخرى وسورة تامة غيرها، وهكذا... إلى أن تركع الركوع الخامس، فإذا رفعت رأسك منه هويت للسجود فتسجد سجدتين كما كنت تسجد دائماً في صلواتك، ثم تقوم للركعة الثانية فتفعل فيها كما فعلت في أختها الركعة الأولى تماماً، ثم تتشهد وتسلّم، وبذلك تختم صلاتك، وبهذا يتضح أنها تحتوي على عشرة ركوعات ولكن ضمن ركعتين.
وهناك صور أخرى لهذه الصلاة أسهل، فيكفيك أن تكبّر ثم تقرأ سورة الفاتحة وتختار سورة ذات خمس آيات أو أكثر فتقرأ منها بعد الفاتحة آية واحدة، وبعدها تركع ـ مثل ما تفعل في صلاتك اليومية ـ ثم ترفع رأسك منه فتقرأ آية أخرى من تلك السورة، وبعدها تركع الركوع الثاني ثم ترفع رأسك منه فتقرأ آية أخرى من تلك السورة، وبعدها تركع الركوع الثالث وهكذا.. إلى أن تركع الركوع الخامس، فإذا رفعت رأسك منه تهوي للسجود حينئذٍ فتأتي بسجدتين ـ كما كنت تسجد في صلاتك اليومية ـ ثم تقوم للركعة الثانية فتفعل فيها كما فعلت في هذه الركعة ثم تتشهد وتسلّم، فتنهي صلاتك.
ـ وإذا حصل كسوف أو خسوف، ولم اعلم بحصوله حتى تم الانجلاء، وانتهى كل شيء؟
ـ إذا كان الكسوف أو الخسوف كلياً بحيث شمل القرص كله وجب عليك القضاء، وإن لم يكن كلياً بل كان جزئياً بأن شمل بعض القرص لا كله لم يجب عليك القضاء.
ـ والزلزلة والصاعقة؟
ـ إذا علمت بهما حين وقوعهما ولم تصلّ [فاقض الصلاة] وإذا لم تعلم بحدوثهما حتى مضى الوقت فلا قضاء عليك.
ـ وهل يجب عليّ أن اصلي صلاة الآيات عندما يحدث خسوف أو كسوف في أية بقعة من بقاع الأرض؟
ـ لا، بل تجب عليك الصلاة عندما يقع الحدث في بلدك وما يلحق به أو يشترك معه في رؤية الحدث لو وقع. ولا تجب عليك الصلاة عندما يقع الحدث في مكانٍ ما من العالم بعيد عنك.
ـ قلت لي: إن الصلوات واجبة ومستحبة، ولم تحدثني عن الصلوات المستحبة؟
ـ إنها كثيرة لا يسع المجال لذكرها هنا، ولذلك فسأقتصر على بعض منها فقط:
1 ـ صلاة الليل: ووقت أدائها من منتصف الليل حتى الفجر، وكلما اقترب الوقت من طلوع الفجر كان افضل، وهي ثماني ركعات يسلّم المصلي بعد كل ركعتين منها مثل صلاة الصبح، فإذا انتهى من ذلك صلى الشفع وهي ركعتان، ثم صلى الوتر، وهي ركعة واحدة، فيكون المجموع إحدى عشرة ركعة.
ـ علمني كيف أؤدي الوتر وهي ركعة واحدة.
ـ كبّر لها أولا ثم اقرأ الحمد، ويستحب أن تقرأ بعدها سورة التوحيد ثلاثاً وسورتي الناس والفلق، ثم ترفع يديك بالدعاء فتدعو بما شئت.
ويستحب لك أن تبكي من خشية الله، وأن تستغفر لأربعين مؤمناً تذكرهم باسمائهم، وأن تقول سبعين مرة:(استغفر الله ربي وأتوب إليه) وسبع مرات: (هذا مقام العائذ بك من النار) وثلاثمائة مرة:(العفو). فإذا فرغت من القنوت فاركع ثم اسجد كما كنت تركع وتسجد في صلواتك اليومية ثم تتشهد وتسلم. ولك أن تقتصر على الشفع والوتر وحدهما، بل على الوتر وحدها، وخاصة إذا ضاق بك الوقت.
ـ وما هو فضل صلاة الليل؟
ـ لصلاة الليل فضل كبير، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (قال النبي (صلى الله عليه وآله) في وصيته لعلي (عليه السلام): وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الليل) وعن النبي (صلى الله عليه وآله) أيضاً: (صلاة ركعتي في جوف الليل احب إلي من الدنيا وما فيها). وعن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام): أنه جاءه رجل فشكا إليه الحاجة فأفرط في الشكاية حتى كاد أن يشكو الجوع، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): يا هذا أتصلي بالليل؟ فقال الرجل: نعم، فالتفت أبو عبد الله (عليه السلام) إلى صاحبه فقال:كذب من زعم أنه يصلي بالليل ويجوع بالنهار، إن الله عز وجل ضمن بصلاة الليل قوت النهار).
2 ـ صلاة الوحشة أو صلاة ليلة الدفن: ووقت أدائها الليلة الأولى من الدفن في أية ساعة شئت منه، وهي ركعتان تقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي، وتقرأ في الركعة الثانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرات، وبعد التشهد والسلام تقول: (اللهم صلِّ على محمد وآل محمد وابعث ثوابها إلى قبر فلان) وتسمي الميت.
3 ـ صلاة الغفيلة: وهي ركعتان بين المغرب والعشاء تقرأ في الركعة الأولى بعد الحمد الآية الكريمة: (وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين). وتقرأ في الركعة الثانية بعد الحمد الآية الكريمة: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين).
ثم ترفع يديك بالدعاء فتقول: (اللهم إني أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا) وتذكر حاجتك، ثم تقول: (اللهم أنت وليُّ نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحق محمد وآله عليه وعليهم السلام لمّا قضيتها لي) ثم تسأل حاجتك، فإنها تقضى أن شاء الله.
4 ـ صلاة اليوم الأول من كل شهر: وهي ركعتان تقرأ في الركعة الأولى بعد الحمد سورة التوحيد ثلاثين مرة، وتقرأ في الركعة الثانية بعد الحمد سورة القدر ثلاثين مرة، ثم تتصدق بما تيسّر. تشتري بذلك سلامة الشهر ويستحب قراءة بعض الآيات القرآنية المخصوصة بعدها.
5 ـ صلاة الإمام علي (عليه السلام): وهي أربع ركعات تصليها ركعتين ركعتين كصلاة الصبح تقرأ في كل ركعة سورة الحمد مرة وسورة التوحيد خمسين مرة.
يقول الإمام (عليه السلام): (من صلى أربع ركعات يقرأ في كل ركعة (قل هو الله أحد) خمسين مرة لم ينفتل وبينه وبين الله ذنب).
6 ـ صلاة لتيسير الأمر العسير: وهي ركعتان، قال الإمام أبو عبد الله (عليه السلام): (إذا عسر عليك أمر فصل ركعتين تقرأ في الأولى فاتحة الكتاب و (قل هو الله أحد) و (إنا فتحنا).. إلى قوله: (وينصرك الله نصراً عزيزاً).
وفي الثانية الفاتحة و (قل هو الله أحد) و (ألم نشرح لك صدرك).
وقد جُربِّت.
حوارية الصوم
بدأ أبي حديثه عن شهر رمضان وفي صوته بحّة مرتعشة، وفي عينيه نثارة من دمع متوهج مشتعل، وفي روحه ينبوع من حنان متفجر. فاسم رمضان يقترن عنده بكل المعاني العذبة الجميلة الخيرة للصفح والسماح والبركة والرحمة والمغفرة والرضوان.
ومن أجل أن يثبّت قناعاته تلك ويوثق مشاعره نقلني إلى مشهد يعبق بعطر الجلال ووسامة المهابة.. إلى حيث يقف رسول الله (صلى الله عليه وآله) محاطاً بأهل بيته وأصحابه يخطب فيهم، فيقول:
(أيها الناس انه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله افضل الشهور، وأيامه افضل الأيام، ولياليه افضل الليالي، وساعاته افضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجُعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فسلوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فان الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم.
أيها الناس أن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتّحة، فسلوا ربكم أن لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلقة، فسلوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة، فسلوا ربكم أن لا يسلطها عليكم).
ثم انعطف بي إلى شق آخر من خطبة النبي الكريم (صلى الله عليه وآله)، وكأنه يريد أن يشير لي إلى ما ينبغي عليّ عمله في هذا الشهر المبارك فقرأ عليّ قوله (صلى الله عليه وآله): (أيها الناس من فطّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه، قيل: يا رسول الله وليس كلنا يقدر على ذلك. فقال (صلى الله عليه وآله): اتقوا النار ولو بشق تمرة، اتقوا الله ولو بشربة من ماء، فإن الله تعالى يهب ذلك الأجر لمن عمل هذا اليسير إذا لم يقدر على أكثر منه.. يا أيها الناس من حسّن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام، ومن خفف في هذا الشهر عمّا ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه، ومن كفّ فيه شره كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه.. ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور).
وما أن انتهى بي إلى هذا الموضوع من خطبة النبي (صلى الله عليه وآله) حتى تناول بالنقد والتجريح بعضاً من المظاهر السلوكية لصائمين يظنون أن الصوم هو الامتناع عن الأكل والشرب فقط، موثقاً تجريحه ذاك بحديث للإمام علي (عليه السلام) قال فيه: (كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا العناء). ثم أردف بحديث آخر للإمام الصادق (عليه السلام) قال فيه: (إذا أصبحت صائماً فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك وجميع جوارحك)، وقال (عليه السلام) أيضاً: (إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحدهما، فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب وغضّوا أبصاركم عما حرّم الله، ولا تنازعوا، ولا تحاسدوا، ولا تغتابوا، ولا تسابوا ولا تشاتموا، ولا تظلموا.. واجتنبوا قول الزور والكذب، والخصومة وظن السوء والغيبة والنميمة، وكونوا مشرفين على الآخرة، منتظرين لأيامكم، منتظرين لما وعدكم الله متزودين للقاء الله، وعليكم السكينة والوقار والخشوع والخضوع وذل العبيد الخيف من مولاها خائفين راجين).
ثم قصّ عليّ بعد ذلك قصة حدثت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقد سمع النبي (صلى الله عليه وآله) امرأة تساب جارية وهي صائمة، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بطعام فقال لها: كلي. فقالت: إني صائمة يا رسول الله. فقال: (كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك إن الصوم ليس عن الطعام والشراب، وإنما جعل الله ذلك حجاباً عن سواهما من الفواحش من الفعل والقول، ما أقلّ الصوم وأكثر الجوع).
قلت لأبي وقد تملكتني رهبة وشدّني خشوع مهيب :
ـ يجب عليّ إذن أن أصوم شهر رمضان هذه السنة، ولكن كيف أعرف أن شهر رمضان قد بدأ حتى أصومه؟
ـ تعرف ذلك بثبوت الهلال فإذا ثبت لديك أن هلال شهر رمضان قد هلّ فقد وجب عليك صوم الشهر.
ـ وكيف اعرف أن هلال شهر رمضان هلّ؟
ـ تعرف ذلك مما يأتي:
1 - أن ترى الهلال بنفسك.
2 - أن يشهد رجلان عادلان برؤيته.
3 - أن يمضي ثلاثون يوماً من شهر شعبان فستعرف أن شهر شعبان قد انتهى بالتأكيد وبدأ شهر رمضان اليوم.
4 - أن يشيع ويشتهر عند الناس ثبوت هلال شهر رمضان فتتيقن بثبوته.
ـ وإذا لم أعرف أول الوقت هل ثبت هلال شهر رمضان فأصوم غداً أو لم يثبت. فهل أصوم وأنا لا أدري أن يوم غداً هو آخر يوم من شعبان أو أنه أول يوم من شهر رمضان؟
ـ صمه على أنه من شعبان، فإذا تبين بعد ذلك أثناء النهار أنه من شهر رمضان جددت النية، وحسب لك من شهر رمضان ولا شيء عليك، ويجوز لك أن لا تصوم يوم الشك.
ـ وكيف أعرف أن شهر رمضان قد انتهى وأن شهر شوال قد بدأ فافطر؟
ـ بالطريقة المتقدمة نفسها التي عرفت بها بداية شهر رمضان بأن ترى هلال شهر شوال بنفسك أو.. أو...
ـ نعم.. نعم.. وإذا ثبت لدي أن هلال شهر رمضان قد هلّ؟
ـ وجب عليك الصوم وعلى كل مسلم، بالغ، عاقل، آمن من ضرر الصوم عليه، حاضر غير مسافر، ولا مغمىً عليه.
وبالنسبة للنساء يجب الصوم على المرأة الطاهرة من الحيض والنفاس، فالحائض أو النفساء لا تصوم.
ـ وإذا خاف الإنسان على نفسه من الصوم؟
ـ لا يصوم من خاف على نفسه الإصابة بمرض جرّاء الصوم، أو اشتداد مرض، أو تأخير شفاء مرض.
ـ والمسافر؟
ـ إذا سافر بعد الزوال بقي على صيامه.
ـ وإذا سافر بعد الفجر؟
ـ إذا سافر بعد الفجر وكان عازماً على السفر من الليل أفطر، وإذا لم تكن لديه نية سفر من الليل وسافر بعد الفجر بقي على صيامه.
ـ إذا أردت أن أصوم فكيف أصوم؟
ـ تقصد أو تنوي أو تعزم على ترك المفطرات من أول الفجر إلى غروب الشمس قربة لله تعالى.
ـ وما المفطرات التي أعزم على تركها؟
ـ المفطرات تسعة..
1 و 2 ـ تعمد الأكل والشرب قليلاً كان أو كثيراً.
ـ وإذا لم أتعمد بل نسيت أني صائم فأكلت وشربت؟
ـ ما دمت غير عامد فصومك صحيح.
ـ وهل يحق لي أن أغسل فمي بالماء ثم أرمي بالماء خارجاً؟
ـ نعم، يحق لك ذلك، ولكن إذا سبقك الماء فنزل إلى حلقك ولو بدون تعمد وجب عليك القضاء، إلا عند مضمضة الوضوء للفريضة.
3 ـ تعمّد الكذب على الله أو على رسوله (صلى الله عليه وآله) أو على الأئمة المعصومين (عليهم السلام).
4 ـ تعمّد الاتصال الجنسي أو الجماع في الفرج [أو الدبر] فاعلاً أو مفعولاً به.
ـ والزوج الصائم والزوجة الصائمة؟
ـ يحق لهما ممارسة الجنس في ليل شهر رمضان فقط لا نهاره.
5 ـ الاستمناء وهو خروج المني بملاعبة أو ممارسة (العادة السرية) بأية صورة من الصور المثيرة للشهوة.
6 ـ تعمد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر، فلو أجنب الإنسان ـ لأي سبب كان ـ أثناء الليل وجب عليه أن يغتسل قبل أن يطلع الفجر، كي يطلع عليه الفجر وهو طاهر فيصوم.
ـ ولو أجنبت أثناء الليل ولم أتمكن من الاغتسال لمرض مثلاً؟
ـ إذا كنت تعلم من نفسك أنك لا تتمكن من الغسل فلا يجوز لك إجناب نفسك، ولو أجنبت عامداً بطل صومك، وعليك القضاء والكفارة، وإن لم تكن تعلم أنك لا تقدر على الغسل وأجنبت فلا شيء عليك.
ـ والمرأة؟
ـ إذا طهرت المرأة من الحيض أو النفاس ليلاً وجب عليها أن تغتسل حتى يطلع عليها الفجر وهي طاهرة فتصوم، علماً بأن المرأة الحائض أو النفساء لا تصوم، ويجب عليها قضاء ما فاتها من صوم بعد ذلك، ولا يجب عليها قضاء الصلاة.
ـ ولو احتلمت فنزل مني السائل المنوي أثناء النهار وأنا صائم، ولما أفقت من نومي وجدت نفسي مجنباً؟
ـ احتلام الصائم لا يفسد صومه، فلو أفاق في أية ساعة من ساعات النهار فوجد نفسه مجنباً اغتسل من جنابته وصومه صحيح إلا في قضاء شهر رمضان إن علم بحدوثها في نومه قبل الفجر.
ـ وهل يحق للصائم أن ينظف جسمه بالماء ويغسله؟
ـ نعم، يجوز له أن ينظف جسمه بالماء وأن يغسله متى شاء ولا يؤثر ذلك على صومه. لكن ينبغي للصائم أن لا يرمس رأسه في الماء، فيمكنه ـ تخلصاً من ذلك ـ أن يصب الماء على رأسه أو جسمه، حتى يغسله كله.
7 ـ [التدخين بالنحو المتعارف في زماننا ومنه (الغرشة)].
8 ـ تعمد القيء.
ـ وإذا لم يتعمد الصائم القيء بل ألقى ما في معدته دون عمد؟
ـ لا يضر ذلك بصومه.
9 ـ تعمد الاحتقان بالماء أو بغيره من السوائل.
ـ ولو تعمد الصائم في شهر رمضان فارتكب إحدى المفطرات مارة الذكر؟
ـ بطل صومه ذلك اليوم، ووجب عليه الإمساك بقية النهار، ووجب عليه بعد ذلك أن يكفّر عن فعله ذاك إما بتحرير رقبة، أو بإطعام ستين مسكيناً، أو بصوم شهرين متتابعين عن كل يوم أفطره، إن كان إفطاره على شيء محلل كالأكل مثلاً، ثم يقضي ذلك اليوم أيضاً، ويستثنى من ذلك الإفطار بالاحتقان وتعمد القيء والكذب على الله ورسوله والأئمة (عليهم السلام) فلا كفارة عليه.
ـ وإذا كان إفطاره على شيء غير محلل؟
ـ إذا أفطر الصائم على شيء محرّم كشرب الخمر، أو ممارسة الجنس المحرّمة مثلاً وجب عليه أن يجمع بين هذه الخصال الثلاث عن كل يوم أفطره بذلك ثم يقضي بعد ذاك يومه الذي أفطر فيه أيضاً.
ـ تقصد يصوم شهرين متتابعين ويطعم ستين مسكيناً ويعتق رقبة عن كل يوم؟
ـ نعم.. نعم، ثلاثتها عن كل يوم أفطر بذلك.
ـ وإذا لم يتمكن من عتق رقبة لعدم وجودها؟
ـ يقتصر على ما يتمكن منه.
ـ لو وجب عليّ إطعام ستين مسكيناً، فكم سأطعم كل مسكين؟
ـ تطعمه (900) غرام تقريباً من التمر أو الحنطة أو الطحين أو الرز أو الماش أو غيرها مما يسمى طعاماً عن كل يوم، ويجوز لك إشباع المسكين، ولا يجوز لك دفع المال له بدل الطعام بل الطعام وحده دون سواه، نعم يجوز أن تعطيه مالاً وتوكله أن يشتريه عنك ثم يتملكه لنفسه.
ـ ولو أردت أن أصوم شهريين متتابعين فكيف؟
ـ يكفيك أن تصوم شهراً ويوماً واحداً متتابعة، ثم يجوز لك أن تصوم تتمة الشهر الثاني متفرقة غير متوالية.
ـ وإذا أفطرت يوماً من شهر رمضان لعذر كالمرض المانع من الصوم أو السفر مثلاً؟
ـ يجب عليك القضاء حينئذٍ بأن تختار يوماً من أيام سنتك غير العيدين فتصومه عوضاً عن ذلك اليوم الذي مرضت فيه أو سافرت فيه.
ـ وإذا استمر فيّ المرض أو توالت عليّ أعذار أخرى فلم أتمكن من القضاء من شهر رمضان إلى شهر رمضان الآتي؟
ـ سقط عنك القضاء حينئذٍ ووجبت الفدية.
هذا وقبل أن أودع حوارية الصوم اُحب أن أشير إلى ما يلي:
1 ـ لا يجوز صوم يومي العيدين (عيد الفطر وعيد الأضحى) قضاء ولا غير قضاء.
2 ـ إذا وجب على الرجل الصوم وكان عازماً على أدائه فمات وجب على الذكور من ورثته القضاء عنه ولو بأن يستأجروا شخصاً لقضاء الصيام عن الميت.
3 ـ وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص معدودين لم يجب عليهم صيام شهر رمضان منهم:
أ ـ كبار السن من الشيوخ والعجائز، وكذلك المريض بداء العطش (ذو العطاش) إذا تعذّر عليهم الصوم، أو كان يسبب لهم مشقة وحرجاً، وحينئذٍ تجب عليهم الفدية عن كل يوم أفطروا فيه، ومقدارها (900) غرام تقريباً من الطعام وأفضل أنواع الطعام الحنطة، ولا يجب عليهم قضاء الصوم.
ب ـ الحامل المقرب، إذا كان الصوم مجهداً لها ولم يكن فيه ضرر عليها أو على جنينها فيجوز لها الإفطار، وعليها القضاء والفدية معاً.
ج ـ المرضع إذا أوجب الصوم شحة لبنها أو انقطاعه كما هو الغالب من دون أن يسبب ضرراً عليها أو على رضيعها فيجوز لها الإفطار، وعليها بعد ذلك القضاء والفدية.
ـ هذا إذا لم يضر الصوم بهما، فإذا أضّر بهما؟ أو بالحمل؟ أو بالرضيع ولم يمكن تعويضه عن الرضاعة من أمه؟
ـ وجب عليهما الإفطار كما يجب على المريض، وعليهما القضاء بعد ذلك.
4 ـ وكما أن الصلاة واجبة ومستحبة، فالصوم واجب ومستحب أيضاً، بل هو من المستحبات المؤكدة، فقد ورد في الروايات أنه (جنة من النار)، وأنه (زكاة الأبدان)، و(به يدخل العبد الجنة) و(نوم الصائم عبادة، ونفسه وصمته تسبيح، وعمله متقبل، ودعاؤه مستجاب) و(للصائم فرحتان، فرحة عند الإفطار وأخرى حين يلقى الله عز وجل) وقد نصت الروايات على:
أ ـ صوم ثلاثة أيام من كل شهر قمري، والأفضل صوم أول خميس من الشهر وآخر خميس منه، وأول أربعاء من العشرة الثانية منه.
ب ـ صوم يوم مولد النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) ويوم مبعثه.
ج ـ صوم يوم الغدير.
د ـ صوم يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة.
هـ ـ صوم يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة.
و ـ صوم شهر رجب كله أو بعضه.
ز ـ صوم شهر شعبان كله أو بعضه.
وغير هذه كثير لا يسع المجال لذكره هنا.
زكاة الفطرة
يجب على كل بالغ عاقل غنيّ أن يخرج زكاة الفطرة عن نفسه ومن يعول به، قريباً كان أم بعيداً، صغيراً كان أم كبيراً، حتى ضيفه إذا نزل به قبل دخول ليلة عيد الفطر وكان من عياله.
ـ ومن هو الغني؟ وما هي حدود الغنى؟
ـ الغني هو الذي يملك مؤنته ومصروفه السنوي له ولعياله بالشكل اللائق بحاله، أو هو القادر على تحصيل ذلك بالعمل اليومي مثلاً أو بالتجارة.
ـ وكم هو مقدار زكاة الفطرة؟
ـ مقدار زكاة الفطرة عن كل شخص (ثلاثة كيلو غرامات ونصف) تقريباً من الحنطة أو الشعير أو التمر أو الزبيب أو كلّ طعام شائع يطعم المكلّف عياله منه أو ما هو بقيمتها من النقود يخرجها أو يعزلها يوم عيد الفطر بعد الفجر [إلى الزوال]، والأفضل لمن يصلي صلاة العيد أن يدفعها قبل الصلاة.
يدفعها لمن تحل عليه الزكاة كالفقير أو المسكين (انظر حوارية الزكاة) علماً بأن دافع الزكاة إذا لم يكن هاشمياً فلا يجوز له دفعها للهاشمي. ولا تعطى زكاة الفطرة لمن تجب نفقته على دافع الزكاة كالأب أو الأم أو الزوجة أو الولد.
حوارية الحج
بِوَلَهِ عاشق قديم لم يندمل بعد جرح عشقه، وبحرقة مولع متيم عاد لتوه من نعمى لقاء باذخ، راح أبي يقص علىّ ذكريات حجته الأولى، وفي عينيه فتور مستثار، وعلى لسانه خدر ناعم، وفوق فمه ابتسامه مشربة بحب تحاول أن تفصح عن نفسها، فيمنعها ـ كما يبدو ـ حياء مهيب ووقار وجلال بهي.
قلت لأبي ـ وقد استثارتني حالته تلك ـ: أراك تتحدث عن حجتك الأولى كما يتحدث مغرم عن سعادة وصاله الأول.
قال ـ وقد تهدج صوته وتكسر وهو يخاطبني ـ: وأنا أستعيد معك الآن شريط ذكريات ذلك الشوط الممتع، استرجع بشوق رافق دفءً وعذوبة ونشوة، ذلك الهوى الممض المبرح المغروس في القلب.. ألم تقرأ قوله تعالى: (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً)، وقوله تعالى على لسان نبيه إبراهيم (عليه السلام): (ربَّنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحَّرم ربَّنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم).
وها هو ذا فؤادي يهفو ثانية الآن كما هفا أول مرة لذلك البيت الطاهر في الوادي المقفر المسكون بجلال الوحي، الخصيب بالنور والطيب والعشق الخالص والجمال والمحبة.
قال أبي ذلك، ثم أطرق إطراقة خفيفة وأنشد بصوت خفيض مناجياً نفسه:
أيا مهجتي وادي الحبيب محمد
خصيب الهوى والزرع غير خصيب
هنا الكعبة الزهراء والوحي والشذا
هنا النور، فافني في هواه وذوبي
ويا مهجتي بين الحطيم وزمزم
تركت دموعي شافعاً لذنوبي
لثمت الثرى سبعاً وكحلت مقلتي
بحسن كأسرار السماء مهيب
في الكعبة الزهراء زينت لوعتي
وذهّب أبواب السماء نحيبي
ثم رفع رأسه وخاطبني قائلاً: هكذا تعلق قلبي بالحجة الأولى، وما أن يحل موسم ذلك اللقاء السنوي حتى أحنّ له، وقد كنت دعوت ربي هناك أن يرزقني سعادة الحج ثانية وثالثة ورابعة.
وقاطعت أبي باستغراب:
أوَيجب أن يحج حجة أولى ثم ثانية، وثالثة، ورابعة؟
ـ لا، بل يجب عليك أن تحج مرة واحدة بعد استطاعتك، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً).
أما الحجة الثانية والثالثة والرابعة فهي من المستحبات.
ـ قصّ عليّ إذن قصة حجتك الأولى تلك التي ولعت بها.
ـ بعد أن وصلت (الجحفة) وهي مكان من عدة أماكن حددتها الشريعة الإسلامية للإحرام وأسمتها المواقيت، بعد أن وصلتها ونويت الإحرام للحج خلعت ملابسي و[لبست ثوبي الإحرام] وهما رداء وإزار أبيضان، ثم لبيت فقلت بلغة عربية صحيحة: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك).
وما أن قلت: (لبيك) حتى ارتعدت مفاصلي، فقد تملكتني حالة من الرهبة والخشوع لم أعهدهما في نفسي من قبل، فتذكرت حينها ما كان يعتري إمامك (عليه السلام) من الرهبة واصفرار لون وتعثر لسان وتلكؤ ساعة التلبية خشية من الله عز وجل وفرقاً منه.
ومذ أحرمت فقد وجب عليّ أن أترك مجامعة النساء وتقبيلهن، وإزالة الشعر وقص الأظفار والنظر في المرآة للزينة، ولبس الجورب (للرجال) وستر الرأس (للرجال)، وغيرها مما نصّت عليه كتب الفقه.
ـ وبعد أن أحرمت؟
ـ بعد أن أحرمت توجهت إلى مكة المكرمة وأنا متطهر، لأطوف حول البيت العتيق أشواطاً سبعة مبتدئاً بالحجر الأسود ومختتماً به، مصلياً بعد فراغي من الطواف ركعتين كصلاة الصبح عند مقام إبراهيم (عليه السلام).
بعد ذلك توجهت للسعي بين الصفا والمروة أشواطاً سبعة كذلك مبتدئاً بالصفا ومختتماً بالمروة.
ولما أتممت شوطي السابع بالمروة قصّرت فقصصت شيئاً من شعر رأسي وبالتقصير أتممت عمرة الحج، وتحللت من إحرامي منتظراً حلول اليوم الثامن من ذي الحجة (يوم التروية) لأحرم من مكة نفسها مرة اُخرى، ولكن الإحرام للحج هذه المرة لا للعمرة.
وما أن حل اليوم الثامن حتى لبست إزاري وردائي ثانية، ونويت لإحرام الحج، ولبّيت، ثم توجهت لـ(عرفات) بسيارة مكشوفة حيث يجب عليّ أن أقف وأكون هناك، بدءاً من بعد الظهر بساعة تقريباً إلى غروب الشمس من اليوم التاسع من ذي الحجة.
ولما غربت شمس اليوم التاسع وأنا بعرفات، توجهت إلى (المزدلفة) فبت فيها ليلة العاشر من ذي الحجة، إلى ما بعد الفجر [حيث يجب عليّ أن أكون في المزدلفة من منتصف ليلة العاشر إلى ما بعد الفجر بحيث يتضح الضياء حتى يرى الإنسان طريقه عند السير].
وقبل طلوع شمس اليوم العاشر أفضت من المزدلفة إلى (منى) ومعي حصيّات التقطتها من المزدلفة، حيث تنتظرني ثلاثة واجبات يوم ذاك، عليّ أن أؤديها وهي:
1 - رمي جمرة العقبة بسبع حصيات واحدة تلو الاُخرى.
2 - النحر أو ذبح الحيوان بمنى.
3 - الحلق ويجب إلقاء الشعر بمنى، والأولى أن يكون الحلق بمنى أيضاً.
وحين أتممتها وحلقت تحللت من إحرامي، فتوجهت ثانية إلى مكة لأطوف طواف الحج، واُصلي صلاة الطواف، وأسعى بين الصفا والمروة، كما طفت وصليت وسعيت أول وصولي إلى مكة. ولما أتممتها طفت طواف النساء، وصليت صلاة الطواف، ثم عدُت بعد ذلك كله إلى منى حيت يجب عليّ أن أبيت هناك ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر، وأبقى بمنى حتى ما بعد ظهر اليوم الثاني عشر. رميت خلال هذه الفترة الجمرات الثلاث ـ كلاً منها بسبع حصيات ـ الجمرة (الأولى) و(الوسطى) و (العقبة) بالترتيب في اليوم الحادي عشر، ثم عدت فرميتها ثانية في اليوم الثاني عشر كما رميتها سابقاً.
ولما حلّ ظهر اليوم الثاني عشر وأنا بمنى، غادرتها وقد انتهيت من كل واجبات الحج.
ورغم الزحام الشديد والشمس اللاهبة والرمل الحارق، ورغم أني أجهدت نفسي ـ كما هو المفروض ـ لأتأكد تماماً من أني واقف بعرفات لا خارجها، وأني بالمزدلفة لا خارجها، وأني بمنى لاخارجها.. رغم ذلك كله فقد كان الحج موسماً خصباً للتفرد بالله عز وجل والتقرب إليه والتعلق به والوقوف بين يديه والتلذذ بمناجاته ليل نهار.
بعد ذلك غادرت مكة المكرمة وكلّي شوق لها، وأسف ممض على فراقها، مسافراً للمدينة المنورة حيث تشرفت بزيارة قبر النبي الكريم محمد (صلى الله عليه وآله)، وقبر الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وقبور أئمة البقيع الإمام الحسن (عليه السلام) والإمام علي بن الحسين (عليه السلام) والإمام محمد الباقر (عليه السلام) والإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وكذلك زيارة المساجد والمشاهد المشرفة ومنها مرقد حمزة بن عبد المطلب وشهداء أحد... قفلت بعدها راجعاً إلى بلدي.
هذه باختصار قصة حجتي الأولى أوجزتها لك الآن، وحين تملك مالاً (تستطيع) به الحج وتطهّره بإخراج زكاته وخمسه إذا كان قد تعلق به خمس أو زكاة، حينئذٍ سأشرح لك بالتفصيل كل خطوة تخطوها هناك.
وفّقك الله لزيارة بيته الحرام ونفع بك هناك إنه قريب مجيب.
ـ قبل أن تنهي حواريتنا هذه يا أبتي اُحب أن أسألك عن (تطهير الأموال) بإخراج زكاتها وخمسها تلك التي ذكرتها في حديثك.
ـ ليس الآن، فالحديث عن الزكاة والخمس يطول، وسنفرد لكل منهما حوارية خاصة بها، إن شاء الله.
ـ ستحدثني عن الزكاة إذن في حواريتنا القادمة، وبعدها عن الخمس؟
ـ إن شاء الله تعالى.
ـ إن شاء الله.
الفهرست التفصيلي
حوارية الزكاة
الزكاة ركن من أركان خمسة بني عليها الإسلام ـ قال أبي ـ وهي من ضروريات الدين، ولأهميتها الكبيرة فقد ورد في الحديث الشريف (أن الصلاة لا تقبل من مانع الزكاة).
ذكر ذلك أبي وأضاف: لما نزلت آية الزكاة (خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكيهم بها) أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مناديه فنادى في الناس: إن الله تبارك وتعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ولما حال الحول أمر (صلى الله عليه وآله) مناديه فنادى في المسلمين: أيها المسلمون زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم، ثم وجه (صلى الله عليه وآله) عمال الصدقة لقبضها من الناس.
وقال أبي: بينما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المسجد إذ قال: قم يا فلان، قم يا فلان، قم يا فلان، قم يا فلان، حتى أخرج خمسة نفر، فقال: اخرجوا من مسجدنا، لا تصلّوا فيه وأنتم لا تزكون.
وأردف أبي قائلاً ـ وقد علت وجهه سحابة معتمة كئيبة وهو ينقل لي حديثاً عن الإمام أبي جعفر(عليه السلام) جاء فيه ـ:(إن الله عز وجل يبعث يوم القيامة أناساً من قبورهم، مشدودة أيديهم إلى أعناقهم، لا يستطيعون أن يتناولوا بها قيد أنملة، معهم ملائكة يعيرونهم تعييراً شديداً، ويقولون: هؤلاء الذين منعوا خيراً قليلاً من خير كثير، هؤلاء الذين أعطاهم الله فمنعوا حق الله عز وجل في أموالهم).
ومما لاحظته وأنا أتلو كتاب الله عز وجل مرة تلو أخرى ـ قال أبي ـ أن القرآن الكريم كثيراً ما كان يقرن الزكاة بالصلاة في آياته الكريمة، مما يكشف عن مدى أهميتها في التشريع الإسلامي.
وحين سألت أبي عن وضع الزكاة أجابني بحديث للإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إنما وضعت الزكاة اختباراً للأغنياء، ومعونة للفقراء، ولو أن الناس أدّوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيراً محتاجاً، ولاستغنى بما فرض الله له، وإن الناس ما افتقروا، ولا احتاجوا ولا جاعوا، ولا عروا إلاّ بذنوب الأغنياء، وحقيق على الله تبارك وتعالى أن يمنع رحمته ممن منع حق الله في ماله).
ـ وسألته: أفي كل مال تجب الزكاة؟
ـ قال مجيباً: تجب الزكاة في ما يأتي:
الأول: في النقدين الذهب والفضة بشروط.
الثاني: في الحنطة والشعير والتمر والزبيب بشروط كذلك.
الثالث: في الإبل والبقر والجاموس والأغنام بقسميها المعز والضان وبشروط هي الأخرى.
[وتستحب الزكاة] ولا تجب في أموال التجارة، وفي الحبوب التي تنبت في الأرض كالسمسم والأرز والدخن والعدس والماش والذرة وغيرها.
ـ وما الشروط الواجب توفرها في زكاة النقدين الذهب والفضة تلك التي أشرت إليها في حديثك؟
ـ شروط عدة:
1 - أن تبلغ كمية الذهب عشرين ديناراً ذهباً، وزكاتها ربع العشر، وكلما زادت أربعة دنانير وجب إخراج ربع عشرها زكاةً، علماً أن وزن الدينار أربعة غرامات وربع تقريباً.
أما الفضة فيجب أن تبلغ كميتها مائتي درهم، وزكاتها ربع العشر، وكلما زادت كميتها أربعين درهماً وجب إخراج ربع عشرها زكاةً، علما أن وزن الدرهم ثلاثة غرامات إلا ربع عشر الغرام (2.975).
ـ وإذا قلّت كمية النقدين عن الحد المذكور؟
ـ لا تجب فيها الزكاة.
2 - أن يمضي عليهما أحد عشر شهراً ويدخل عليهما الشهر الثاني عشر وهما في ملك المالك.
3 - أن يكونا ـ الذهب والفضة ـ مسكوكين عملة رائجة للتداول اليومي في البيع والشراء وغيرهما.
ـ وسبائك الذهب والحلي المصنوعة من الذهب أو الفضة وقطع الذهب والفضة الأخرى؟
ـ لا تجب فيها الزكاة.
الثاني مما تجب فيه الزكاة: الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وتجب فيها الزكاة إذا بلغت كمية كل منها (1044كغم) تقريباً وكما يأتي:
أ ـ إذا سقيت بماء المطر أو بماء النهر أو ما شابههما بحيث لا يحتاج سقي الزرع إلى مجهود تكون زكاتها حينئذٍ (10%).
ب ـ إذا سقيت باليد أو بالآلة أو ما شابههما تكون زكاتها حينئذٍ (5%).
ج ـ إذا سقيت بالمطر تارة وباليد أو الآلة أخرى تكون زكاتها حينئذٍ (7.5%)، إلا إذا كان أحد السقيين قليلاً جداً بحيث لا يعتدّ به فينسب إلى السقي الغالب.
ـ وإذا قلّت كمية المحصول عن (1044كغم)؟
ـ إذا قلّت عن الحد المقرر للزكاة فلا زكاة فيها.
الثالث مما تجب فيه الزكاة: المعز والضان والإبل والبقر والجاموس. ويشترط في وجوب زكاتها أمور:
1 ـ بلوغ عددها النصاب، وهو رقم معين إذا بلغته وجبت فيها الزكاة.
ففي الإبل: إذا بلغ عددها (خمساً) فزكاتها (شاة)، وإذا بلغ (عشراً) فزكاتها (شاتان) ، وإذا بلغ (خمس عشرة) فزكاتها (ثلاث شياه)، وإذا بلغ (عشرين) فزكاتها (أربع شياه)، وإذا بلغ (خمساً وعشرين) فزكاتها (خمس شياه)، وإذا بلغ (ستاً وعشرين) فزكاتها (ناقة في السنة الثانية من عمرها)، وإذا بلغ (ستاً وثلاثين) فزكاتها (ناقة في السنة الثالثة من عمرها). وهناك غيرها من الأرقام لا يسع المجال هنا لذكرها.
وفي الغنم: إذا بلغ عددها (أربعين) فزكاتها (شاة)، وإذا بلغ (مائة وواحداً وعشرين) فزكاتها (شاتان)، وإذا بلغ (مائتين وواحداً) فزكاتها (ثلاث شياه)، وإذا بلغ (ثلاثمائة وواحداً) فزكاتها (أربع شياه)، وإذا بلغ (أربعمائة) أو أكثر فزكاتها عن كل (مائة) (شاة واحدة) مهما بلغ عددها.
وفي البقر والجاموس: إذا بلغ عددها (ثلاثين) فزكاتها (تبيع دخل في السنة الثانية من عمره)، وإذا بلغ العدد (أربعين) فزكاتها (مسنّة دخلت في السنة الثالثة من عمرها من البقر أو الجاموس)، وإذا تصاعدت الأرقام ففي كل ثلاثين (تبيع) وفي كل أربعين (مسنّة). وتوضيح ذلك مذكور في كتب الفقه.
ولا زكاة في ما بين النصابين أو الرقمين المحددين في الإبل والبقر والغنم، فإذا ما زاد العدد عن النصاب فلا زكاة عليه حتى يصل إلى النصاب الجديد.
2 ـ أن تكون الحيوانات سائمة ترعى في أرض الله، أما إذا كانت معلوفة يعطيها صاحبها علفها ولو في بعض السنة فلا زكاة فيها.
3 ـ أن لا تكون الإبل والبقر عوامل، فلو استعملت في السقي أو في النقل أو غير ذلك، فلا زكاة عليها.
4 ـ أن يمضي عليها عام جامعة للشرائط المتقدمة، ويكفي فيه الدخول في الشهر الثاني عشر، فلا يضر فقد بعض الشروط قبل تمام الشهر الثاني عشر.
ـ وإذا أخرجت الزكاة فلمن أدفعها؟
ـ تدفع الزكاة للمستحقين، وهم ثمانية أصناف بشروط، قال تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم).
ـ وما الفرق بين الفقير والمسكين؟
ـ الفقير والمسكين: كلاهما من لا يملك مؤنة سنته اللائقة بحاله هو وعياله، وليست له صنعة أو حرفة توفر له مصروفه خلال السنة، والمسكين أسوأ حالاً من الفقير.
ـ ومن هم العاملون عليها؟
ـ والعاملون عليها هم المنصوبون لقبض الزكاة وحسابها وإيصالها إلى أصحابها.
ـ والمؤلفة قلوبهم؟
ـ والمؤلفة قلوبهم: هم المسلمون الذين يعزز إسلامهم بدفع المال إليهم فيعطون من الزكاة تأليفاً لقلوبهم ليأنسوا بالدين ويتحللوا من عقد الجاهلية.
ـ وفي الرقاب؟
ـ وفي الرقاب: هم العبيد يُشترون ويُعتقون.
ـ والغارمون؟
ـ الغارمون: هم المدينون العاجزون عن تسديد ديونهم.
ـ وفي سبيل الله؟ وابن السبيل؟
ـ في سبيل الله هو مصرف جميع سبل الخير كبناء المساجد والجسور وغيرها.
وابن السبيل: هو المسافر المنقطع أي الذي نفذت أمواله ولا يملك ما يبيعه ليعود بثمنه إلى بلده شرط أن لا يكون سفره في معصية.
هذه هي أصناف المستحقين، غير أنه يشترط في من تدفع له الزكاة منهم أن يكون مؤمناً، وأن لا يكون شارباً للخمر [أو ما هو اعظم من الخمر من الكبائر كترك الصلاة] بل كل عاصي إذا أمكن نهيه عن المنكر بواسطة منعه عن الزكاة وجب منعه عنها، وأن لا يكون ممن تجب نفقته على دافع الزكاة كالزوجة، وأن لا يكون هاشمياً إذا كان الدافع غير هاشمي.
حوارية الخمس
دلف أبي لقاعة الحوار اليوم وبين يديه مصحف كريم، وعلى تقاطيع وجهه هيبة طاغية وما أن جلس قبالتي حتى انحنى على مصحفه الشريف فقبّله ثم رفعه بكلتا يديه إجلالاً له وناولني إياه.
ولما تلقيته منه واحتضنته بكلتا يدي وقبّلته سرت في جسدي رهبة آسرة، واحتواني جلال مهيب وإذ استقر مصحفه بيدي قال أبي:
افتح كتاب الله وأتلو على مسامعي بعضاً من بداية الجزء العاشر منه.
ففتحت المصحف الشريف وأخرجت الجزء العاشر وتلوت ـ بعد أن استعذت بالله من الشيطان الرجيم ـ قوله تعالى: (واعلموا إنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيءٍ قدير).
فقاطعني أبي قائلاً:
ـ أعد على مسامعي ما تلوت.
فأعدت تلاوة قوله تعالى: (واعلموا إنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل).
قال: كفى.. كفى..
ثم أطرق قليلاً وأعاد كمن يحدّث نفسه (واعلموا إنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه)، ورفع رأسه إليّ وأردف بنبرة حازمة قائلاً:
يقول الله سبحانه وتعالى: (واعلموا) فهل علمت بوجوب الخمس؟
قلت ـ وقد اجتاحتني موجة من طمأنينة واثقة ورهبة وخوف ـ: نعم.. نعم.. علمت.
ثم قام من مقعده وناولني ثانية مجلداً كان قريباً منه يسميه (الوسائل) فقرأت على وجه صفحته الأولى اسم مؤلفه (محمد بن الحسن الحر العاملي) وقال لي: أخرج لي منه كتاب الخمس واقرأ.
فأخرجت كتاب الخمس وقرأت له أحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام) والإمام الباقر (عليه السلام) والإمام الصادق (عليه السلام) والإمام الكاظم (عليه السلام) في الخمس، وكان مما قرأت له هذا الحديث المروي عن رجل يسمى سماعة قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمس، فقال: (في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير)، وهذا الحديث المروي عن محمد بن الحسن الأشعري قال: (كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام): أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير، ومن جميع الضروب وعلى الصناع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطه: الخمس بعد المؤنة).
وإذ انتهيت من تلاوة هذا الحديث سألت أبي:
ـ في حوارية الصلاة قلت لي: لا تصلّ بملابس تعلق بها الخمس ولم تخمّس، ثم عدت ثانية وقلت لي في حوارية الحج: طهّر مالك بإخراج خمسه وزكاته ـ إن كان مشمولاً بهما ـ قبل أن تحج به، فهل يجب عليّ أن اُخمس كل مالي يا تُرى؟
قال أبي: يجب الخمس فيما يأتي:
1- ما يغنمه المسلمون في الحرب المشروعة من الأموال المنقولة للكفار الذين يحل قتالهم.
2 - ما يستخرج من المعادن كالذهب والفضة والنحاس والحديد والكبريت وغيرها، وكذلك النفط والفحم الحجري، شرط أن تبلغ القيمة السوقية للكمية المستخرجة منه من موضع واحد بعد طرح تكاليف الاستخراج قيمة عشرين مثقالاً من الذهب، وهي تساوي خمسة وثمانين غراماً تقريباً.
3 - الكنوز، شرط أن تبلغ قيمة الكمية المستخرجة مقدار خمسة وثمانين غراماً تقريباً من الذهب، أو خمسمائة وخمسة وتسعين غراماً تقريباً من الفضة، ويشترط في وجوب الخمس أن يكون الكنز من النقدين المسكوكين للمعاملة، وإلا لم يجب فيه الخمس.
4 - ما اُخرج بالغوص أو بالآلة من البحر أو النهر مما يتكون فيه كاللؤلؤ والمرجان وغيرهما بشرط أنه يبلغ قيمته أربعة غرامات وربعاً من الذهب، على تفصيل مذكور في الكتب الفقهية.
5 - المال الحلال المختلط بالمال الحرام.
6 - الأرض [وكذا مثل الدار والبستان] التي تملّكها الكافر الذمي من مسلم ببيع [أو هبة أو نحوها].
7 - الأرباح السنوية المتحصلة من تجارة أو صناعة أو هدية أو زراعة أو حيازة أو أيّ كسب آخر، بما في ذلك أجور العمل والرواتب و...
فقاطعته:
ـ معنى هذا أن أرباح التجار يجب أن تخمّس؟
ـ ليست أرباح التجار وحدها يجب أن تخمّس، بل أرباح كل مستفيد بما فيهم أنت وأنا بعد أن نستثني رأس المال ونطرح ما صرفناه في سبيل تحصيل الأرباح من شراء الآلات أو دفع الإيجار أو أجور النقل أو الضرائب أو غيرها. ثم نطرح مصاريفنا ومصاريف عائلتنا السنوية، المناسبة لحالنا، وبعد ذلك ندفع خمس الربح.
ـ تقصد نطرح من صافي الربح مصاريفنا السنوية ومصاريف عوائلنا المناسبة لحالنا ثم ندفع خمس الباقي.
ـ بالضبط بعد أن تستثني رأس المال إذا كان مخمّساً فإذا كان مجموع ما عندك لهذا العام (10000) عشرة آلاف دينار، وكان رأس مالك المخمّس من العام الماضي يساوي (9000) تسعة آلاف دينار مثلاً، فسيكون صافي ربحك بعد طرح رأس المال هو: (10000-9000=1000) دينار صافي الربح، وهو ما يجب عليك أن تدفع خمسه (1000÷5=200) دينار المبلغ الواجب دفعه.
ـ ومن أيّ تاريخ أبدأ بحساب الأرباح حتى إذا مر عليها عام وجب أن أدفع خمسها؟
ـ من أول يوم ربحت فيه، يكون رأس سنتك فإذا مر على ذلك التاريخ عام ـ بالتاريخ القمري ـ ولم تصرف ربحك السنوي في مأكل أو ملبس أو علاج أو أثاث أو سفرة أو.. أو.. فادفع خمس ما ربحت.
ـ لو اشتريت بدلة لي ولم ألبسها؟
ـ إذا مرّ عليها رأس سنتك فادفع خمسها، وكذلك يخمّس ربُّ الأسرة ـ مثلاً ـ وكلّ مالك ما اشتراه من حاجياته البيتية أثناء العام ولم يستخدمها، بما في ذلك ما يفضل في بيته من رز وطحين وحنطة وشعير وسكر وشاي وأنواع الحبوب ومعلبات، ودهن وحلويات ونفط وغاز وغيرها.
ـ معنى هذا كل ما زاد عن الحاجة فلم يستخدم أو يؤكل أو يلبس أو..؟
ـ نعم، فإذا حلّ يوم إخراج الخمس تقوم بعملية جرد شاملة للفائض عن الحاجة السنوية فتقدر قيمته وتدفع خمسه.
ـ أأقدر قيمته يوم حساب الخمس أو قيمته حين الشراء؟
ـ بل قيمته السوقية عند حساب الخمس، لا قيمته التي اشتريته بها.
ـ ولو لم أخمّس حاجة قد وجب عليّ تخميسها؟
ـ لا يحل لك التصرف بها حينئذ حتى تدفع الخمس، ويجوز التأخير بإذن الحاكم الشرعي إذا رأى مصلحة في ذلك، حتى المتوفى.. المتوفى إذا كان في عنقه خمس، [وجب إخراجه من أصل ما خلّفه مقدماً على الوصية والإرث إذا كان عازماً على دفع الخمس أثناء حياته].
ـ ذكرت لي رأس السنة من دون أن تحدد لي معناه.
ـ رأس السنة هو أول يوم ربحت فيه أو ملكت فيه مالاً أو سلعة وإن كان ذلك في فترة الطفولة، فإنه يكون يوم حسابك الذي يجب فيه عليك حساب أرباحك وإخراج خمسها كلّما مرّت سنة قمرية عربية.
ـ وماذا يفعل التاجر أو مالك الأرض الزراعية أو صاحب المعمل الصناعي أو العامل أو الموظف أو الطالب أو غيرهم إذا كان لا يخمّس ولا يحاسب نفسه لإخراج الخمس سنوات وسنوات، غنم خلالها واستفاد وربح أموالاً وعمّر دياراً واشترى أثاثاً وفراشاً وحاجيات وملابس ثم تنبه إلى وجوب إخراج الخمس من هذه الأرباح؟
ـ يجب عليه إخراج الخمس من هذه الأرباح، من كل ما ذكرت وعدّدت إذا لم يكن قد صرفها في مؤنته ضمن السنة التي حصل فيها كل واحد من الأرباح بل كان فائضاً عن حاجته السنوية تلك.
ـ اضرب لي مثلاً على ما تقول؟
ـ الدار التي اشتراها ولم يتخذها سكناً له -لأنه يملك داراً اُخرى غيرهما ملائمة لسكناه- يجب عليه إخراج خمسها.
والأثاث الذي اشتراه ولم يستخدمه لعدم احتياجه إليه يجب عليه إخراج خمسه.
والحاجيات التي اشتراها من دون أن يحتاج إليها يجب عليه إخراج خمسها.
ـ وما كان من مؤنته السنوية كالدار التي اشتراها لسكناه أو الأثاث الذي اشتراه واستخدمه لحاجته إليه أو ما شاكل ذلك؟
ـ إذا كان قد اشترى الدار مثلاً أو الأثاث من أرباح نفس تلك السنة ـ سنة شرائه للدار أو الأثاث ـ وسكن الدار أو استخدم الأثاث أيضاً بنفس تلك السنة فلا يجب عليه تخميسها، وكذلك غيرها من أمثالها.
ـ وإذا كان قد اشترى الدار لسكناه مثلاً من أرباح تجمعت عنده من سنين سابقة مضافاً إليها أرباح تلك السنة ـ سنة شرائه للدار ـ كما هو حال الكثير من الناس اليوم كما أظن، ممن تجمعت لديهم أرباح من سنين سابقة فاختلط عليهم حساب الخمس؟
ـ يراجع الحاكم الشرعي العارف أو وكيله الذي يقوم مقامه ليجري له (مصالحة) يحدد بموجبها ما له من حق وما عليه، ثم يعين له يوماً يتخذ منه رأس سنة يحاسب بها نفسه ليخرج خمس أرباحه بها كل عام إن كانت له أرباح.
ـ فان كنت أسكن معك في بيتك في نفس الدار فهل يجب عليّ الخمس في أموالي الخاصة أو يكفي تخميسك أنت لبيتك؟
ـ يجب عليك إخراج الخمس من ربحك حتى لو كنت معي في نفس الدار، إذا ربحت وبقي عندك سنة كاملة لم تستخدمه فيها لعدم احتياجك إليه.
ـ لو اشتغلت في العطلة الصيفية ـ أنا الطالب ـ بأجر شهري ولم تأخذه أنت ـ أبي ـ مني كي أصرفه على نفسي.. على ملابس ـ مثلاً ـ أو غيرها من حاجياتي فهل يجب عليّ أن اخمّس راتبي الشهري؟
ـ إذا صرفته في احتياجاتك الخاصة فلا خمس عليك، وإن ادخرته أو بعضاً منه حتى مر عليه رأس سنتك وجب عليك تخميس المدّخر.
ـ محل تجاري اشتراه صاحبه (بسرقفلية) هو وأدوات العمل فيه وأخرج خمسه في سنته الاُولى، فهل يجب عليه إخراج خمس الزيادة التي تطرأ على السرقفلية والأدوات كل عام؟
ـ لا، لكن إذا باعه أو باع الأدوات بربح فيجب عليه تخميس الربح المذكور فقط.
ـ الأواني المعدة للطعام والشراب لو استعملت كتحفيات للزينة، فهل يعد هذا الإستعمال استعمالاً مسقطاً للخمس؟
ـ إذا كان وجودها للزينة متعارفاً عند أمثاله من الناس حسبت حينئذٍ من مؤنة السنة ولا خمس عليها.
ـ بعض المواد الغذائية توزعها الدولة فتباع بأسعار زهيدة قياساً بأسعارها السوقية المرتفعة، فلو لم يستهلك منها مالكها شيئاً حتى مر عليها عام، فهل يتم احتساب قيمة المواد على أساس السعر المدعوم أو على أساس سعر السوق؟
ـ تقدر على أساس سعر السوق وقت دفع الخمس، بمعنى أنه يدفع خمس القيمة التي تُدفع له لو باعها هو، مثلاً عنده حاجة يبيعها أصحاب المحلات بألف دينار، ولكنّه عندما يعرضها للبيع تباع منه بتسعمائة فيدفع خمس التسعمائة لا الألف.
ـ قطعة أرض اشتراها صاحبها من الدولة أو منحتها الدولة له وسجلها باسمه وبقيت عنده سنة من دون أن يبنيها هل يجب عليه تخميسها؟
ـ لا يجب عليه تخميسها الآن ما دامت غير مسيجة، لكن إذا سيجها أو بناها ولم يسكنها وجب تخميسها.
ـ المكافأة التقاعدية التي تدفعها الدولة إلى الموظف المتقاعد أيجب عليه إخراج خمسها عند قبضها مباشرة أو حتى يمر عليها عام؟
ـ تخمّس بعد مرور رأس سنته عليها ـ بعد إجراء حكم مجهول المالك ـ.
ـ وإذا أخرجت الخمس فلمن أدفعه؟
ـ الخمس نصفان، نصف للإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) يُصرف في الأمور التي يضمن أو يحرز رضا الإمام في صرفه بها وبإجازة من المجتهد العادل المطلع والمحيط بالجهات العامة الذي يحسن صرفه في مواقعها.
والنصف الآخر للفقراء وأبناء السبيل من الهاشميين المؤمنين، وكذلك الأيتام الفقراء المؤمنون من بني هاشم.
ـ ماذا تقصد بالهاشميين؟
ـ أقصد بالهاشميين الذين ينتسبون من جهة الأب إلى هاشم جد النبي الكريم محمد (صلى الله عليه وآله).
هذا ولا يجوز إعطاء الخمس إلى من يصرفه في معصية، ولا لمن تجب نفقته على صاحب المال كالأب والأم والزوجة والولد، نعم إذا احتاج لنفقة لا تجب على صاحب المال كوفاء الدين فلا مانع من إعطائه الخمس إذا كانت الشروط منطبقة عليه.
ـ وهل يجب في صرف الخمس مراجعة المجتهد العادل؟
ـ نعم، تجب مراجعة المجتهد العادل العارف ـ ولو بالإستعانة بغيره ـ بمواضع الصرف.
واعلم يا بني أن الخمس حق جعله الله أمانة بيد المالك أولاً، ويشاركه في هذه الأمانة المجتهد العادل الذي جعله الإمام (عليه السلام) حجة على شيعته فيجب التعاون بينهما حتى تصل هذه الأمانة إلى أهلها فيصرف سهم السادة في فقراء السادة لسدّ حاجتهم، ويصرف سهم الإمام (عليه السلام) الذي هو أمانة منه (عليه السلام) ـ وما أعظمها من أمانة ـ في عهدة المالك والمجتهد العارف حتى يصرف في خدمة الدين والدفاع عنه، وسدّ حاجة شيعة أهل البيت (عليه السلام) المضطرين ـ الذين هم عياله (عليه السلام) ـ بعيداً عن المغانم الشخصية والمصالح الفردية، وإلاّ صار وبالاً على الدين والمؤمنين بعد أن كان بأصل تشريعه لخدمة الدين ونشره، والله هو الموفق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
حوارية التجارة وما يلحق بها
هل تود أن تمتهن التجارة؟ إذن فتفقه في دينك.
قال أبي ذلك وأردف:
(من أراد التجارة فليتفقه في دينه ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه، ومن لم يتفقه في دينه ثم اتجر تورط في الشبهات).
بهذا الحوار المعزز بنص شريف للإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) بدأ أبي حوارية التجارة ليشير إلى قضية.
قال: إنه غفل عنها الكثيرون أو تغافلوا فتورطوا في الشبهات.
ولما كنت لم أدرك بعد كنه وسرّ هذا الربط بين الفقه والتجارة سألت أبي:
وما علاقة الفقه بالتجارة يا أبي؟
قال موضحاً بنبرة هادئة مستعيناً بحركة بسيطة ليديه:
لقد كفل لنا التشريع الإسلامي معالجة مختلف جوانب حياتنا الاقتصادية بما يضمن العدالة وحسن استثمار وتوزيع وانتقال الثروة بين مختلف أفراد وطبقات المجتمع لما فيه خير ومصلحة وسعادة الجميع.
وطبيعي أن يؤسس المشرّع الإسلامي لأجل تطبيق مبدئه الاقتصادي من خلال منظوره ذاك عدة ضوابط تجيز أو تحظر بعض الأنشطة الاقتصادية أحياناً، أو تضيق أو توسع قنوات بعض منها أحياناً أخرى.
فهو يوجب على المكلف السعي للتكسب لمعيشة نفسه ولضمان معيشة من يجب عليه الإنفاق عليهم كالزوجة والأولاد والأبوين عند حاجتهم، إذا لم يكن الإنسان واجداً لها.
وهو إذ يلزمه بالسعي لكسب لقمة العيش لا يترك له الباب مفتوحاً على مصراعيه لمزاولة أي من الأعمال والنشاطات التي يقع اختياره عليها، فهناك من الأنشطة التجارية ما هو محرمة عليه مزاولته أو مباشرته.
فمثلاً بيع الخمر والبيرة حرام، وبيع الكلاب ـ عدا كلب الصيد ـ حرام، وبيع الخنزير حرام، وبيع الميتة ـ بما في ذلك لحوم وجلود الحيوانات المذبوحة بطريقة غير شرعية ـ حرام، وغصب المال وبيعه حرام، وبيع الآلات المعدة للحرام مثل آلات القمار وآلات اللهو كالمزمار حرام، والغش حرام، والربا حرام، والرشوة على القضاء بالحق أو الباطل حرام، واللعب بآلات القمار كالدوملة والطاولي مع الرهن وبدونه حرام، وشراء المأخوذ بالقمار أو السرقة حرام، والاحتكار حرام.. إلى غير ذلك مما يذكر في كتب الفقه الإسلامي.
ـ ما هي الأمور التي يحرم احتكارها؟
ـ إنها على قسمين..
1 - يحرم احتكار الحنطة والشعير والتمر والزبيب والزيت والسمن [بل أنواع الطعام كلّها إذا كان مما يعتمد عليه أهل البلد في مأكلهم] مع حاجة الناس لها وعدم وجودها في الأسواق بحيث يوجب الضيق على الناس.
2 - يحرم احتكار ما يؤدي إلى الضرر الكبير على الناس كالأدوية المستعملة لعلاج الأمراض الصعبة، أو اختلال النظام الاجتماعي العام، وهذا القسم من الاحتكار الحرام لا يقتصر على الطعام، بل يشمل غيره كالدواء، بل حتى الأعمال التي يتضرر المجتمع من حرمانه منها ضرراً كبيراً، فيحرم على العلماء والأطباء وأصحاب المهن الامتناع عن تعليم الناس إذا كان يؤدي ذلك إلى الإضرار الكبير بالمجتمع أو إلى اختلال النظام الاجتماعي العام.
وهناك من النشاط التجاري ما هو مرجوح غير مبغوض للمشرّع الإسلامي، ولكن تركه واجتنابه والنأي عنه غير ملزم للمكلفين، فهو مكروه لا محرّم.
ـ اضرب لي مثلاً؟
ـ بيع العقار ـ مثلاً ـ مكروه إلا أن يشتري بثمنه عقاراً آخر، وبيع الطعام مكروه، وبيع الأكفان مكروه، وبيع الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة مكروه، والاقتراض من مستحدث النعمة مكروه، كما يكره للإنسان أن يمتهن جزاراً أو صائغاً، وهناك غيرها.
ثم إن بعضاً من أساليب وطرائق التعامل في الأنشطة التجارية مكروه للمشرّع الإسلامي.
ـ مثلاً؟
ـ مثلاً، يكره كتمان العيب إذا لم يؤد إلى غش، أما إذا أدى إلى غش فهو حرام، ويكره الحلف في المعاملة إذا كان صادقاً، أما الحلف الكاذب فهو حرام، ويكره زيادة الربح على المؤمن إذا زاد ذلك الربح على مقدار الحاجة اليه، ويكره طلب تنقيص السعر بعد البيع، ويكره البيع في المكان المظلم الذي لا يظهر فيه عيب السلعة، ويكره مدح البائع سلعته وذم المشتري لها، وهناك غيرها...
ـ هذه كلها غير مرغوبة للمشرّع الإسلامي فهل..؟
ـ نعم، هناك من النشاط التجاري ما هو مرغوب فيه للمشرّع الإسلامي ومحبوب له، ولكنه غير ملزم للمكلفين ولا واجب عليهم فهو مستحب.
فمثلاً إقراض المؤمن بغير طلب الزيادة مستحب، وزراعة الأرض وغرسها مستحبة، وشراء العقار مستحب، وإعطاء المال لمن يتاجر به وفق نسبة من الربح للعامل به معينة متفق عليها مستحب، ومباشرة العمل باليد مستحبة، والرعي مستحب، وغير ذلك.
كما إن بعضاً من أساليب وطرق النشاط التجاري محبوب للمشرّع الإسلامي ومرغوب فيه.
ـ مثلاً؟
ـ مثلاً، يستحب التسوية بين المسلمين في الثمن فلا يفرق البائع بين المشتري المماكس ـ ذلك الذي يلح على تخفيض السعر ـ وبين غيره ممن يشتري دون مماطلة أو مماكسة، ويستحب للبائع ان يقيل النادم ـ ذاك الذي يشتري البضاعة ثم يندم على شرائها ويرغب بإعادتها لبائعها واسترجاع ثمنها ـ ويستحب للإنسان أن يأخذ الناقص ويعطي الراجح، ويستحب التساهل في الثمن، ويستحب فتح الباب والجلوس في المحل، ويستحب التعرض للرزق وطلبه والتصدي له، ويستحب الإحسان في البيع والسماح فيه، ويستحب اختيار وشراء الجيد وبيعه، ويستحب الاغتراب في طلب الرزق والتبكير إليه... وغيرها.
أضاف أبي: وكما أن بعضاً من الأنشطة التجارية وأساليبها غير محبوب للمشرّع الإسلامي، ولا مبغوض له، فالإنسان مخير بين فعلها وتركها من دون ترجيح للفعل أو للترك، فهي مباحة كما هي حال الكثير من الأنشطة التجارية السائدة اليوم.
ثم إن المشرّع الإسلامي إضافة إلى ذلك كله ـ قال أبي ـ يشترط شروطاً في ما يباع، وشروطاً في من يبيع ويشتري.
ـ وما الذي يشترط في ما يباع؟
ـ شروط عدة:
1 - العلم بمقدار وزن أو كيل أو عدد أو مساحة ما يباع، كل حسب نوعه، إلا إذا تعارف بيعه من دون تقدير وتحديد.
2 - القدرة على تسليم المبيع، فلا يجوز مثلاً بيع السمك وهو في النهر ولا بيع الطائر وهو محلق في الجو.
3 - أن لا يتعلق بالمبيع حق لأحد، فلا يجوز بيع الوقف مثلاً، والمنذور بنفسه لجهة خاصة.
4 - أن يكون المبيع من الأعيان كالدار أو الكتاب أو الجهاز مثلاً، فلا يجوز بيع منفعة الدار لا الدار نفسها.
وأردف أبي مضيفاً:
كما أن ما يباع بالوزن في بلد ما لا يصح بيعه في ذلك البلد إلا بالوزن. وما يباع بالمساحة في بلد ما لا يجوز بيعها إلا بالمساحة في ذلك البلد. وهكذا حتى لا يكون تغرير في البيع.
ـ اضرب لي مثلاً على ذلك؟
ـ الفاكهة مثلاً تباع في بلد ما بالوزن فلا يجوز بيعها في ذلك البلد إلا بالوزن، والأقمشة مثلاً تباع في بلد ما بالمساحة ياردة كانت أو متراً أو غيرهما، فلا يجوز بيعها في ذلك البلد إلا بالمساحة وهكذا.. خوفاً من حصول تغرير.
كما أنه لا يجوز تعليق البيع على أمر غير حاصل ساعة البيع.
ـ اضرب لي مثلاً على ذلك؟
ـ لا يجوز أن تقول للمشتري مثلاً بعتك داري هذا إذا هلّ هلال الشهر، ولا أن تقول له بعتك سيارتي هذه إذا ولد لي ولد ذكر، وغيرها. بل لابد من تجديد الاتفاق ثانية بعد ولادة الولد أو بزوغ الهلال مثلاً.
هذه هي جملة من الشروط الواجب توفرها في ما يباع ويشترى.
ـ وما هي الشروط الواجب توفرها في من يبيع ويشتري، تلك التي أشرت إليها في حديثك؟
ـ يشترط في من يبيع أو يشتري أن يكون بالغاً، عاقلاً، رشيداً، قاصداً البيع، مختاراً غير مجبر ولا مكره، يحق له التصرف، سواء أكان مالكاً، أم وكيلاً عنه، أم مأذوناً منه، أم ولياً عليه.
ـ ولو اُكره أو اجبر مالك على بيع ما يملك؟
ـ لا يصح البيع إذا أجبره أو أكرهه الظالم فباع خوفاً من وقوع الضرر على نفسه أو ماله أو من يتعلق به ممن يهمه أمرهم.
ـ أحياناً يجبر إنسان ما على تغيير محل إقامته ظلما فيضطر إلى أن يبيع بعض أملاكه أو حاجياته؟
ـ هذا البيع صحيح.
ـ قلت لي يشترط في من يبيع أن يكون مالكاً أو وكيلاً، أو ولياً أو مأذوناً فلو باع غير هؤلاء كالصديق أو الجار أو القريب أو ما شاكل ذلك؟
ـ لا يصح البيع إلا إذا اقره المالك أو الوكيل أو الولي أو المأذون بالبيع، وإلا فالبيع باطل.
ـ ولو تم بيع المال المغصوب ثم رضي المالك بعد ذلك ببيع ماله؟
ـ صح البيع.
ـ قلت لي: يشترط في المتبايعين أن يكونا بالغين. وهذا يعني أنه لا يصح بيع الصبي؟
ـ نعم، لا يصح بيع الصبي إلا بإذن وليّه إذا كان في ماله، وفي مال غيره لابد من إذن صاحب المال.
ـ ولو تم البيع وفق الشروط مارة الذكر بيع أيّ شيء، فهل يحق للمشتري أن يعيد ما اشتراه ويستعيد الثمن؟
ـ يحق إلغاء البيع في حالات عدة:
1 - إذا كان البائع والمشتري ما زالا بعدُ مجتمعين ولم يتفرقا فيحق لأي منهما إلغاء البيع.
ـ وإذا تفرقا وذهب كل منهما لحاله وسبيله؟
ـ عندئذٍ يلزم البيع ويثبت.
2 - إذا كان البائع أو المشتري مغبوناً فيحق له إلغاء البيع، فمثلاً إذا باع البائع بأقل من القيمة السوقية للبضاعة وكان غافلاً عن الفرق، أو كان لا يعلم ثم علم بذلك فيحق له إلغاء البيع، وكذلك إذا اشترى المشتري بأكثر من القيمة السوقية للبضاعة وهو لا يدري ثم تبين له ذلك فيحق له إرجاع البضاعة واستعادة ماله الذي دفعه.
3 - إذا رأى المشتري البضاعة بحالة فاشتراها ثم وجدها وقد تغيرت حالتها عما رآه. أو إذا وصف البائع البضاعة فاشتراها المشتري من دون أن يراها ثم تبين له بعد ذلك أن البضاعة فاقدة للصفات التي ذكرها البائع فيحق للمشتري إرجاع البضاعة وإلغاء البيع.
4 - إذا اشترط البائع أو المشتري على الآخر شرطاً يخوله بموجبه إرجاع البضاعة خلال مدة معينة فله حق إعادتها خلال تلك المدة.
5 - إذا اشترى المشتري شيئاً فوجد فيه عيباً جاز له إرجاعه، كما إذا وجد البائع عيباً في الثمن جاز له إرجاعه واستعادة البضاعة.
6 - إذا اشترى مجموعة من الحاجيات صفقة واحدة ثم تبين أن بعضها لا يباع لكونه وقفاً مثلاً أو ملكاً لغير البائع أو نحو ذلك جاز إلغاء البيع في جميع الصفقة، كما يجوز ذلك للبائع.
7 - إذا كان المبيع حيواناً فللمشتري حق إلغاء البيع وإرجاع الحيوان لصاحبه خلال ثلاثة أيام من تاريخ البيع واستعادة الثمن.
8 - إذا رأى البائع بضاعته بأفضل مما هي عليه في الواقع ليزيد من قيمتها السوقية فللمشتري حق إرجاعها للبائع واستعادة ثمنه إذا لم توافق النموذج الذي رآه.
9 - إذا تعهد أحد المتبايعين بالعمل بطريقة معينة ثم لم يعمل وفق ما قال، أو اشترط المشتري وجود صفة خاصة بالبضاعة فلم يجدها بعد الشراء، أو اشترط تسليم البضاعة في وقت محدد فلم ينفذ البائع أو نحو ذلك، كان له حق إعادتها. وكذلك البائع إذا اشترط شرطاً على المشتري كما إذا اشترط بتسليم الثمن في فترة محددة فلم ينفذ المشتري الشرط فإن له حق إلغاء البيع ولا يجب في الشرط أن يكون مذكوراً صراحة بل يكفي أن يكون شرطاً ضمنياً متعارفاً عليه في مثل تلك المبايعات.
10 - إذا باع البائع بضاعة معينة ولم يأت المشتري ليأخذها انتظره البائع ثلاثة أيام ثم يحق له إلغاء البيع، سواء كان قد دفع الثمن للبائع أم لم يكن دفعه، وسواء كان البائع راضياً بالتأخير [أم لم يكن]. هذا إذا لم يكن بينهما اتفاق صريح على تعجيل التسليم أو تأخيره لوقت محدد. وكذلك إذا قبض المشتري البضاعة وتأخر في تسليم الثمن [فينتظره البائع ثلاثة أيام] ثم يحق له إبطال البيع وإلغاؤه.
ـ إذا تم البيع ولزم ولكن البائع والمشتري اتفقا على تأجيل دفع الثمن وتأخيره، أقصد البيع بالدين؟
ـ يصح البيع [ولكن يجب أن تكون مدة الدين محدودة غير قابلة للزيادة والنقصان، لا مبهمة غامضة، فلو اتفقا على دفع الثمن حين الحصاد بطل البيع، لأن موعد الحصاد غير محدد].
ـ وإذا حل موعد تسديد الدين واتفقا على تأجيله لمدة معينة مقابل زيادة؟
ـ لا يجوز ذلك لأنه من الربا، والربا محرم قال الله تعالى في كتابه الكريم: (حلّ الله البيع وحرّم الربا).
ـ يتفق البائع والمشتري أحياناً على بيع مائة كيلو من الحنطة بمائة وعشرين كيلو منها؟
ـ هذا من الربا أيضاً، وهو محرّم.
ـ ويتفقان أحياناً أخرى على بيع مائة كيلو من الحنطة بمائة كيلو من الحنطة زائداً خمسين ديناراً؟
ـ هذه البيع من الربا كذلك وهو ـ كما عرفت ـ حرام إلا أن يضم إلى الناقص شيئاً متموّلاً ـ ذا قيمة ـ.
ـ وكيف أعرف أن هذه المعاملة من الربا فأجتنبها؟
ـ يشترط في تحقق الربا بالمعاملة شيئان:
1 - أن يكون كل من العوضين مما يكال أو يوزن كالحنطة أو الشعير أو الرز أو العدس أو الماش أو الفاكهة أو الذهب أو الفضة وكل ما يوزن أو يكال.
2 - أن يكونا من جنس واحد.
ـ وإذا كان كل من العوضين يباع بالعدد مثلاً لا بالوزن أو الكيل كالبيض مثلاً، أو كان يباع بالمساحة كالأقمشة التي تباع بالأمتار وغيرهما؟
ـ عندئذٍ يجوز بيعها بزيادة، فيجوز بيع ثلاثين متراً من القماش بأربعين متراً منها، كما يجوز بيع ثلاثين بيضة بأربعين بيضة، وهكذا غيرهما.
ـ والذهب؟
ـ لا يجوز فيه، لأنه موزون.
ـ وبيع الذهب المصوغ بأكثر منه من غير المصوغ، كما هو السائد اليوم عند بعض الصاغة؟
ـ هذا من الربا، وهو حرام إلا أن يضم شيء إلى الناقص.
ـ لو اختلفت نوعية الحنطة، كما لو بيعت مائة كيلو حنطة رديئة بتسعين كيلو حنطة جيدة، أو الرز كما لو بيعت مائة كيلو من العنبر الجيد بمائة وعشرين كيلو من العنبر الرديء، وهكذا غيرهما؟
ـ كذلك لا يجوز بيع كهذا، لأنه ربا إلا مع الضميمة، كما سبق.
ـ ولو بيعت مائة كيلو من الحنطة بسبعين كيلو من الرز؟
ـ يجوز البيع، لأن الحنطة جنس والرز جنس آخر، مع ملاحظة أن الحنطة والشعير في الربا جنس واحد، فلا يجوز بيع مائة كيلو من الحنطة مثلاً بمائة وخمسين كيلو من الشعير بمفرده، كما أن التمور بأنواعها المختلفة جنس واحد، والحنطة وطحينها والخبز منها جنس واحد، والحليب مع الجبن جنس واحد، والعنب والزبيب جنس واحد، والرطب والتمر جنس واحد، [والتمر مع الدبس جنس واحد، والعنب وعصير العنب جنس واحد].
هذا، وهناك نوع آخر من الربا يسمى بـ (ربا القرض).
ـ وما ربا القرض؟
ـ ربا القرض أن يشترط المقرض زيادة في الدين على المقترض كأن يقرضه ألف دينار على أن يدفع له بعد فترة من الزمن ألفاً ومائة دينار، وهو كذلك محرّم، محرّم عليهما معاً.. (المقرض والمقترض).
ـ ربا القرض إذن دين بفائدة، أما الدين بلا فائدة؟
ـ إقراض المؤمن دون فائدة من المستحبات الأكيدة، كما قلت لك من قبل، وخاصة لذوي الحاجة والعوز منهم، فعن النبي (صلى الله عليه وآله): (من أقرض مؤمناً قرضاً ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة وكان هو في صلاة من الملائكة حتى يؤديه).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) أيضاً: (من شكا إليه أخوه المسلم ولم يقرضه حرّم الله عز وجل عليه الجنة يوم يجزي المحسنين).
وعن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام): (مكتوب على باب الجنة الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر).
ـ كان هذا هو حال القرض.. أما الشركة؟
ـ الشركة جائزة بين شريكين بالغين، عاقلين، رشيدين، مختارين، غير مجبرين.
ـ كيف تحصل؟
ـ تحصل الشركة بامتلاك شخصين أو أكثر لمالٍ واحد على أن تكون لكل منهما نسبة معينة فيه.
ويحق لكل من الشريكين أو الشركاء طلب القسمة وإلغاء الشركة إذا كان ذلك لا يؤدي إلى ضرر شريكه ضرراً ملموساً، فإذا طلب القسمة أحدهما لم يجز للآخر التصرف في المال المشترك إلا بإذنه.
ويلحق لا من الشريكين من الربح والخسران بنسبة ماله فإن تساويا في الحصة كان الربح والخسران بينهما بالسوية، وإن اختلفا فنسبة كل منهما من الربح والخسارة بنسبة ما وضع من المال.
ـ وإذا اتفق الشريكان على زيادة لأحدهما في الربح، لأنه يقوم بالعمل أو لأن عمله أكثر من عمل شريكه؟
ـ الاتفاق صحيح نافذ.
ـ وإذا تلف بيد من يعمل منهما شيء من مال الشركة؟
ـ الشريك العامل أمين فلا يضمن التلف إلا بالتعدي والتفريط.
ـ إذا دفع مالك أمواله لشخص قادر على التجارة ليتاجر بها على أن يكون للعامل نسبة محددة من الربح كالنصف أو الثلث أو الربع؟
ـ صحت المعاملة إذا اتفقا وكانا بالغين، عاقلين، مختارين، رشيدين، ويحق لكل منهما بعدئذٍ إلغاء الاتفاق قبل الشروع بالعمل أو بعده، قبل تحقق الربح أو بعده، ولا خسران على العامل إذا لم يتصرف بخلاف الاتفاق مع المالك ولم يفّرط و لم يتعدّ.
ـ وإذا اشترط صاحب المال على العامل أن تكون الخسارة عليهما معاً كالربح؟
ـ لم يصح ذلك وكان للمالك رأس ماله فقط ويكون للعامل الربح كله.
ـ وإذا اختلفا في مقدار نصيب العامل، فادعى المالك نسبة أقل وادعى العامل نسبة أكثر، ولا بيّنة للعامل؟
ـ القول قول المالك ويأخذ به الحاكم الشرعي عند رفع القضية إليه مع حلفه به.
ـ وإذا ادعى المالك أن العامل قد خان أو فرّط في الأموال؟
ـ القول قول العامل يأخذ به ـ كسابقه ـ الحاكم الشرعي عند المرافعة.
ـ وإذا ادعى العامل تلف البضاعة، أو الخسارة، أو عدم الربح، وأنكر قوله المالك؟
ـ القول قول العامل عند المرافعة إلى الحاكم الشرعي.
ـ لو وكل إنسان إنساناً آخر ليقوم مقامه في عمل كان هو يباشره، كأن يوكل إنسان إنساناً آخر بأن يبيع داره أو محله أو ما شاكل؟
ـ يجوز له ذلك، ويعتبر في الوكيل والموكل أن يكونا بالغين، عاقلين، قاصدين إجراء الوكالة مختارين غير مجبرين عليها، كما يعتبر في الموكل الرشد.
ـ وهل هناك لفظة معينة للوكالة أو صيغة محددة؟
ـ لا، فليس للوكالة لفظ محدد ولا صيغة معينة، ويكفي فيها كل ما يدل عليها من قول أو فعل أو كتابة، وتبطل الوكالة بموت الوكيل أو الموكل.
ـ والإجارة؟
ـ تصح الإجارة من المالك أو الوكيل أو الولي، وتصح من الآخرين ـ إذا أجازها بعد ذلك المالك ـ ويعتبر في المؤجر والمستأجر البلوغ والعقل والاختيار والرشد. بينما يعتبر في ما يؤجَّر كالمحل أن تكون مدة الانتفاع به وكيفية الانتفاع معينة [ومحددة بالنحو المتعارف]، [وأن يتمكن المؤجر من تسليمه للمستأجر]، وأن يكون قابلاً للانتفاع به، وأن يكون ذلك الانتفاع محللاً، فلا تصح إجارة المحل مثلاً لبيع الخمر، وهكذا غيره من المحرمات.
ـ وهل للإجارة لفظ محدد؟
ـ ليس للإجارة لفظ محدد، بل يكفي في صحتها كل فعل يدل عليها، فيكفي للآخر مثلاً أن يشير إشارة مفهمة للإيجاب أو الاستئجار فتصح إجارته.
ـ وإذا أجر إنسان بيتاً أو محلاً واشترط عليه المؤجر أن يسكنه هو دون غيره أو يعمل فيه هو من دون غيره. فهل يحق للمستأجر أن يؤجره على غيره؟
ـ لا، لا يحق له ذلك.
ـ وإذا لم يشترط عليه المؤجر شرطاً كهذا؟
ـ للمستأجر حينئذٍ الحق في إيجاره لغيره شرط أن لا يؤجره بأكثر مما استأجره به إلا أن يرممه أو يصبغه أو يعمره أو ما شاكل.
ولا تصح الإجارة إلا إذا حددت مدتها فمن آجر داراً يجب أن يحدد مدة إجارته، ومن آجر محلاً يجب أن يحدد مدة إجارته وهكذا.
ـ اضرب لي مثلاً على إجارة غير محددة وبالتالي فهي غير صحيحة؟
ـ لو قال المالك للمستأجر: (آجرتك داري كل شهر بمائة دينار مهما أقمت فيها) فالإجارة صحيحة إن قبل المستأجر بهذا.
ولو قال المالك للمستأجر: (آجرتك محلي لهذا الشهر فقط بخمسين ديناراً، وكلما أقمت بعد ذلك من حسابه) فالإجارة صحيحة بالنسبة للشهر الأول فقط وباطلة في غيرها، هذا إذا كانت المعاملة السابقة بعنوان الإجارة، ويمكن أن تعالج وفق عناوين أخرى لا مجال هنا لذكرها.
ـ وإذا سلم المؤجر داره أو محله للمستأجر؟
ـ وجب على المستأجر تسليم الأجرة في أول المدة أو في آخرها حسبما يتفقان عليه.
ـ وإذا انهدمت الدار أثناء مدة الإجارة وهي بيد المستأجر؟
ـ إذا لم يقصر المستأجر في حفظها ولم يتعدّ فيتسبب في هدمها فهو غير مسؤول عن ذلك.
ـ ولو آجر مؤجر سيارته لمستأجر مثلاً؟
ـ [وجب تحديد كيفية استخدامها] فهل هي للركوب، أو لحمل البضاعة، أو لكليهما معاً، ويكفي في التحديد الفهم العام للحالة. وهكذا في بقية الأشياء الأخرى يجب تعيين نوع المنفعة.
ـ وإذا آجرها لنقل كمية من اللحوم المذبوحة بطريقة غير شرعية لطرحها في الأسواق؟
ـ ألم أقل لك سابقاً لا تصح إجارة محل لبيع الخمر... هذه مثلها لا تصح كذلك.
ـ لو وكل مالك شخصاً ليستأجر له عمالاً بأجر معين فاستأجرهم الوكيل بأقل مما حدده المالك؟
ـ يحرم على الوكيل أخذ الزيادة ويجب إعادتها إلى المالك.
ـ ولو آجر شخصاً صباغاً لصبغ داره بصبغ حددّ للصباغ نوعه ولونه ومواصفاته فصبغه الصباغ بغيره تجاهلاً للاتفاق؟
ـ لم يستحق الصباغ أجرة أصلاً ما دامت المواصفات المذكورة جزءاً من العمل المؤجر عليه.
ـ بقي أن أسألك عن (السرقفلية) أو (الخلو)؟
ـ إذا اتفق مالك ومستأجر على أنه لا يجوز للمالك حق زيادة بدل الإيجار وتخلية المحل، أو يجوز له الزيادة لكن وفق نظام يتفقان عليه وللمستأجر حق تخلية المحل لغيره، ويكون للمالك في مقابل ذلك أخذ (السرقفلية) أو (الخلو) من المستأجر، فيحقّ للمستأجر الأول في هذه الحالة أخذ السرقفلية من المستأجر الجديد الذي يخلي المحل له.
ـ لو أهدى إنسان إنساناً شيئاً ما دون مقابل ووهبه إياه؟
ـ إذا كان الواهب المُهدي بالغاً عاقلاً قاصداً الإهداء مختاراً غير مجبر ولا محجر عليه صحت هديته أو هبته بما في ذلك هدية أو هبة المريض وهو في مرض الموت، وما على الموهوب له إلا قبضها أو تسلّمها ـ إذا لم تكن هي بالأصل عنده ـ لتصبح تلك الهدية أو الهبة ملكه. علماً بأن الهبة عقد يحتاج إلى إيجاب وقبول، ويكفي فيهما كل ما يدل عليهما من قول أو فعل.
ـ وإذا لم تكن الهبة أو الهدية عند الموهوب له ولم يقبضها من الواهب؟
ـ تبقى على ملك مالكها الأول حتى يقبضها أو يتسلمها الموهوب له في حياة الواهب فتنتقل إلى ملكه.
ـ وكيف يمكن قبض مثل الدار لو أعطيت هدية؟
ـ إذا رفع الواهب يده عن الدار أو العقار وأخلاه وجعله تحت سيطرة الموهوب له فقد تم التسلم والقبض وصحت الهدية أو الهبة.
ـ ولو مات الواهب أو الموهوب له قبل القبض أو التسلم؟
ـ بطلت الهبة أو الهدية وانتقل الشيء الموهوب إلى وارث الشخص الواهب.
ـ أحياناً يجد الإنسان حاجة أو مالاً ضائعاً لا يعرف صاحبه فيلتقطه؟
ـ إذا كان ما التقطه أقل من قيمة (2.975 غم) تقريباً من الفضة جاز تملكه، [لكن إذا كان على باب دار ـ مثلاً ـ أو بجنب شخصٍ يتوقع أن يكون هو صاحبه وجب سؤاله عنه]، وإذا وجد مالكه وهو بعد لا يزال موجوداً غير تالف أعطاه له.
ـ وإذا كان أكثر من ذلك المقدار؟
ـ وجب على الملتقط المبادرة إلى التعريف به والتحري عن مالكه من تاريخ الالتقاط وإلى تمام السنة، وإذا كان الالتقاط في طريق عام أو سوق أو ميدان رئيسي أو نحو ذلك وجب أن يكون التعريف به في أماكن تواجد الناس وتجمعها كالأسواق والمحلات العامة والمجالس وغيرها حيث يتوقع وجود صاحبه هناك. هذا إذا كان للمال علامة.
ـ وإذا لم يعثر على المالك بعد سنة من التعريف والتحري؟
ـ يتخير الملتقط بين أمور ثلاثة: أن يتملك ما التقطه، أو يتصدق به، أو يبقيه أمانة في يده، وإذا عرف صاحبه بعد ذلك ضمنه له [حتى لو كان تالفاً من دون تفريط].
ـ لو كان الشيء الملتقط مجموعة من الدراهم أو الدنانير؟
ـ إذا أمكن معرفة مالكها بسبب بعض خصوصياتها مثل عددها أو زمانها الخاص أو مكانها الخاص وجب التعريف بها.
ـ ولو ادعى مدع أنه مالكها؟
ـ إذا علم صدقه وجب دفعها إليه، وإذا وصفها وكان وصفه مطابقاً للحقيقة فحصل الاطمئنان بصدقه وجب كذلك دفعها إليه.
ـ الاطمئنان، وإذا لم يحصل الاطمئنان بصدقه بل حصل الظن؟
ـ لا يكفي حصول الظن.
ـ كان هذا هو حكم مال ملتقط لم يعرف صاحبه، أما إذا استولى إنسان ما على أموال أو حاجيات أو عقار إنسان آخر ظلماً وعدواناً وغصباً؟
ـ الغصب من كبائر المحرمات، ويعذب الغاصب يوم القيامة بأشد أنواع العذاب فقد قال النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله): (من غصب شبراً من الأرض طوّقه الله من سبع أرضين يوم القيامة).
ويجب على الغاصب رد المغصوب إلى مالكه داراً كان الشيء المغصوب أو نقوداً أو حاجيات أو غير ذلك.
ـ الدار المغصوبة يجب إعادتها لصاحبها؟!
ـ ويجب أيضاً إعطاؤه أجرتها للمدة التي سكنها الغاصب.
ـ لو غصب إنسان أرضاً فغرسها وزرعها؟
ـ على الغاصب إزالة غرسه وزرعه فوراً حتى لو تضرر الغاصب بذلك، بل لو استلزم قلع الغرس والزرع نقصاناً في قيمة الأرض بسبب القطع وجب على الغاصب التعويض بدفع بدل النقصان، كما أن عليه أجرة الأرض فترة الزراعة.
ـ وإذا تلف المغصوب عند الغاصب دون تعمد منه؟
ـ يجب عليه رد عوضه إلى مالكه وعوض منافعه التي استغلها حين الغصب.
ـ وإذا أخذت غصباً سلعة من غاصبها الأول ثم تلفت السلعة؟
ـ يحق لصاحبها مطالبة أيّ من الغاصبين شاء ببدلها، غاصبها الأول أو غاصبها الثاني.
ـ إذا علم المالك بوجود ماله المغصوب عند الغاصب؟
ـ يحق له انتزاعه من يد غاصبه ولو بالقوة.
ـ وإذا وقع في يده مال للغاصب؟
ـ جاز له أخذه بدل ماله المغصوب، إذا كان مساوياً له في القيمة.
ـ وإذا كان مال الغاصب أكثر قيمة من المال المغصوب؟
ـ يجوز لصاحب المال المغصوب أخذ حصة منه مساويه لقيمة ماله المغصوب يستوفي بها حقه.
ـ قبل أن تختم حوارية اليوم اُحب أن أسألك سؤالاً شخصياً؟
ـ تفضل.
ـ كثيراً ما أشاهدك تدفع الصدقة.
ـ نعم، ولكن كيف لاحظتني فأنا حين أتصدق أحاول أن لا يراني أحد، ذلك أن الصدقة المستحبة إذا دفعت سراً كانت أفضل مما لو دفعت جهراً أمام أعين الناس، فقد كان إمامك علي بن الحسين (عليه السلام) يقول: (صدقة السر تطفئ غضب الرب).
ـ وهل يعتبر في الصدقة شيء؟
ـ يعتبر في الصدقة قصد القربة لله تعالى.
ـ وهل لها وقت محدد؟
ـ لا.. ولكن يستحب التبكير بها، فإن التبكير بها يدفع شر ذلك اليوم، ويستحب دفعها في أول الليل كذلك فإن دفعها في أول الليل يدفع شر الليل.
يقول معلى بن خنيس: (خرج أبو عبد الله (عليه السلام) في ليلة قد رشّت السماء، وهو يريد ظلة بني ساعدة فاتبعته فإذا هو قد سقط منه شيء، فقال: بسم الله اللهم رد علينا. قال: فأتيته فسلمت عليه، فقال: أنت معلى؟ قلت: نعم، جعلت فداك، فقال لي: التمس بيدك فما وجدت من شيء فادفعه إليّ، قال: فإذا بخبز منتشر فجعلت أدفع إليه ما وجدت فإذا أنا بجراب من خبز، فقلت: جعلت فداك أحمله عنك، فقال: لا، أنا أولى به منك ولكن امض معي. قال: فأتينا ظلة بني ساعدة فإذا نحن بقوم نيام فجعل يدس الرغيف والرغيفين تحت ثوب كل واحد منهم حتى أتى على آخره، ثم انصرفنا. فقلت: جعلت فداك يعرف هؤلاء الحق؟ فقال: لو عرفوا لواسيناهم بالدقة ـ والدقة هي الملح ـ، إن الله لم يخلق شيئاً إلا وله خازن يخزنه إلا الصدقة فإن الرب تبارك وتعالى يليها بنفسه، وكان أبي إذا تصدق بشيء وضعه في يد السائل ثم ارتده منه وقبلّه وشمّه ثم رده في يد السائل، وذلك إنها تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل.
ـ أفهم من هذه القصة أن للصدقة فضلاً عظيماً؟
ـ نعم، فقد تواترت الروايات في الحث عليها والترغيب فيها. فورد أنها دواء المريض، وبها يدفع البلاء وقد اُبرم إبراماً، وبها يستنزل الرزق، وبها يقضى الدين، وأنها تزيد في المال، وتدفع ميتة السوء والداء، و..و.. إلى أن عدّ سبعين باباً من أبواب السوء تسد بها.
ولكن رغم كل هذا الفضل للصدقة، فإن التوسعة على العيال أفضل من الصدقة على غيرهم، كما أن الصدقة على القريب المحتاج أفضل من الصدقة على غيره، وأفضل منها الصدقة على الرحم المعادي.
ـ على الرحم المعادي؟!
ـ نعم، على الرحم المعادي.
وأفضل من الصدقة القرض. نعم أفضل من الصدقة القرض كما سبق نقل الرواية فيها. والله العالم.
حوارية الذباحة والصيد

لا أكتمكم أني ساعة دخلت القاعة لحوارية اسمها (الذباحة والصيد) ما كان يخطر ببالي أن أسمع ما سمعت، ولا أن أخرج منها بما خرجت به.
فقد كنت أظن أني سأسمع اليوم عن (الذباحة) قساوة في التعامل مع المذبوح تساوق قساوة الذبح، ولكني فوجئت..
تُرى أبكل هذه الرقة في التعامل مع الحيوان يوصي المشرّع الإسلامي ذابح الحيوان أن يذبح عندما يذبح!
تُرى أبكل هذه الاهتمام حتى بمشاعر الحيوان وأحاسيسه من أن تتوتر أو تتشنج أو تثور يحث المشرّع الإسلامي ذابح الحيوان أن يتصرف!
تُرى أبكل هذا الحرص على عدم تعذيب الحيوان أو إيذائه يدعو المشرّع الإسلامي ذابح الحيوان أن يكون!..
استعرضت هذه الأفكار في ذهني على عجل، واستعرضت معها بالمقابل ببطء قاسٍ صوراً مفزعة لحالات تعذيب مريعة للحيوان، وأنا أستمع إلى أبي وهو يحدثني عن مستحبات الذباحة.
قال أبي:
يستحب لذابح الحيوان أن يسوق حيوانه إلى مذبحه برفق.
ويستحب لذابح الحيوان أن يوفر على حيوانه الماء قبل ذبحه.
ويستحب لذابح الحيوان أن لا يُري حيوانه شفرة الذباحة.
ويستحب لذابح الحيوان أن يُمر السكين على مذبح حيوانه بقوة حتى يريحه ساعة الذبح.
ويستحب لذابح الحيوان أن يُجدّ في الإسراع بذبح حيوانه ليضمن سهولة الذبح.
ويستحب لذابح الحيوان أن لا يحرك حيوانه بعد ذبحه من مكانه إلى آخر حتى يموت.
ويكره أن تكون الذباحة بمنظر من حيوان آخر.
ويكره أن يذبح الإنسان بيده ما ربّاه من الأنعام.
ويكره سلخ جلد الذبيحة قبل خروج روحها.
قال أبي ذلك، وأضاف معززاً قوله بحديث لنبينا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله) جاء فيه: (إن الله تعالى شأنه كتب عليكم الإحسان في كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته).
ـ ولكني لا أعرف كيف أذبح حيواناً يا أبي؟
ـ إذا أردت أن تذبح فاقطع الأوداج الأربعة تماماً.
ـ وما هي الأوداج الأربعة؟
ـ إنها (المريء) مجرى الطعام، و(الحلقوم) مجرى التنفس، و(الودجان) وهما عرقان يحيطان بالحلقوم والمريء.
ـ زدني إيضاحاً يا أبي.
ـ يقول الخبراء المتمرسون في الذباحة بأنك إذا قطعت الأوداج الأربعة فستجد (الجوزة) في جهة الرأس، أما لو وجدت بعضها في الجسد فمعنى ذلك أن قطعك الأوداج الأربعة تماماً لم يتحقق، لأن الجوزة هي مجمع الحلقوم والمريء، وفوقها لا حلقوم ولا مريء.
ـ معنى هذا أني حين أذبح أقطع من تحت الجوزة لا من فوقها؟
ـ بالضبط.. إقطع من تحت الجوزة حتى لا تكون الجوزة في الجسد.
ـ ولو أخطأت فقطعت من فوق الجوزة لا من تحتها ثم انتبهت فوراً لخطأي؟
ـ عد فاقطع من تحت الجوزة قبل أن تموت الذبيحة فيحرم أكل لحمها عليك.
أضاف أبي قائلاً: تختص الإبل والجمال من بين البهائم بأنها (تُنحر) إذا أريد للحمها أن يحل، ولا (تذبح).
ـ وكيف أنحرها؟
ـ إذا أردت أن تنحر الإبل فأدخل السكين أو الرمح أو غيرهما من الآلات الحديدية الحادة في (لبّتها).
ـ وما اللبة؟
ـ اللبة هي الموضع المنخفض الواقع في أعلى الصدر متصلاً بالعنق.
ـ عرفت الآن كيف أذبح الغنم أو البقر أو الدجاج أو الحمام أو غيرها، وعرفت كيف أنحر الإبل أو الجمال.
ـ إذا عرفت ذلك ومن أجل أن يحل لك أكل لحوم حيوانات كالغنم والبقر والدجاج والحمام وغيرها، فلا بد من توفر شروط عدة في ذباحتها، وهذه الشروط هي:
1 - أن يكون الذابح مسلماً، رجلاً كان أو امرأة، أو صبياً مميزاً، فلا تحل ذبيحة الكافر.
2 - أن يكون الذبح بآلة قاطعة حديدية قدر الإمكان، أما إذا لم توجد الآلة الحديدية عند إرادة الذبح جاز الذبح بالنحاس أو الصفر أو الرصاص أو الزجاج أو الحجارة الحادة أو غيرها مما يقطع الأوداج، [لكن لا يجوز الذبح بمثل المقص].
ـ والسكاكين المصنوعة من الاستيل؟
ـ إذبح بها ما دامت معدودة من الحديد كما هو الغالب.
3 - أن توجه الذبيحة للقبلة حال الذبح، وذلك بأن توجه مقاديم جسدها ـ من الوجه واليدين أو الصدر والمذبح ـ للقبلة.
ـ ولو لم توجه الذبيحة للقبلة حال الذبح؟
ـ حرمت مع العمد.
ـ ومع عدم العمد؟
ـ إذا كان سبب عدم توجيهها للقبلة هو النسيان، أو الخطأ، أو عدم العلم بجهة القبلة أو عدم التمكن من توجيه الذبيحة لها، أو عدم العلم بأن توجيهها للقبلة شرط من الشروط التي يحل بموجبها أكل الذبيحة، ـ إذا كان السبب واحداً مما تقدم ـ فلا تحرم الذبيحة بعدم توجيهها للقبلة.
4 - أن يذكر الذابح اسم الله عليها مقترناً بالتعظيم وهو ينوي أو يقصد الذبح، يذكر اسم الله عليها مقترناً بالتعظيم حين يضع السكين على مذبحها.
ـ ماذا يقول في التسمية؟
ـ يكفي أن يقول: (بسم الله) أو (الله اكبر) أو (الحمد لله).
ـ ولو نسي الذابح التسمية عليها؟
ـ لم تحرم الذبيحة.
5 - أن يكون الذبح من المذبح [فلا يجوز أن يكون من القفا]، وذلك بأن يضع الذابح السكين على المذبح ثم يقطع الأوداج [ولا يكفي إدخال السكين من تحت الأوداج ثم قطعها إلى ما فوق].
ـ أشاهد بعض القصابين يقطع رأس الذبيحة عندما يذبحها.
ـ [قل له لا تقطع رأس الذبيحة متعمداً قبل أن تموت] لكن إذا فعل ذلك مخطئاً أو متعمداً لم تحرم ذبيحته.
6 - أن يخرج الدم بالشكل المتعارف المعتاد فلا تحل الذبيحة إذا لم يخرج منها الدم أو خرج قليلاً بالنسبة إلى أفراد نوعها.
7 - حياة الحيوان عند ذبحه، بل يجب أن يتحرك بعد الذبح ولو بأن تتحرك رجله أو تطرف عينيه.
هذه هي الشروط الواجبة في الذباحة.
ـ قلت لي إن الإبل يجب أن تنحر، فهل هناك من شروط لحلية أكل لحمها إضافة للنحر؟
ـ يشترط في الناحر ما يشترط في الذابح (راجع فقرة ـ1ـ).
ويشترط في آلة النحر ما يشترط في آلة الذبح (راجع فقرة ـ2ـ).
ويجب في النحر استقبال القبلة بالمنحور والتسمية والحياة حال النحر وخروج الدم المعتاد والحركة بعد النحر كما تقدم في الذبح.
ـ والجنين الذي في بطن الحيوان؟
ـ إذا اُخرج حياً من بطن أمه فحكمه حكم أمه، يذبح أو ينحر، كلّ حسب نوعه.
ـ قد يخرج ميتاً؟
ـ إذا ذبحت أمه أو نحرت وفق الشروط السابقة فمات في داخلها وكان تام الخلقة قد نبت شعره أو صوفه أو وبره حل أكل لحمه. هذا ولا يجوز تأخير الجنين في بطن أمه حتى يموت بل يجب التعجيل بشق بطنها بعد ذبحها.
ـ وإذا ماتت أمه من دون تذبح أو تنحر ومات جنينها في بطنها؟
ـ حرم أكل لحمه.
الشروط مارة الذكر ـ قال أبي ـ إذا اجتمعت في ذبح حيوان أو نحره قلنا إن هذا الحيوان مذكّى، بمعنى أنه مذبوح وفق قواعد وأصول الشريعة الإسلامية.
أضاف أبي شارحاً.
والحيوانات ـ كما تعلم ـ بعضها مأكول اللحم، كالغنم والبقر وغيرهما، وبعضها غير مأكول اللحم كالأسد والنمر والثعلب والفهد والصقر والنسر وبعض الحشرات التي تسكن باطن الأرض، وبعضا نجس لا يطهر أبداً كالكلب والخنزير البرّيين.
وتقع التذكية على كل حيوان مأكول اللحم، فإذا ذكي طهر وحلّ أكل لحمه، ولا تقع على الحيوان النجس الذي لا يطهر أبداً كالكلب والخنزير.
ـ والحيوانات غير مأكولة اللحم كالثعلب والأسد والنسر؟
ـ تقع التذكية عليها كذلك فيطهر لحمها ـ رغم أنه لا يجوز أكلها ـ ويجوز استعمال جلدها آنذاك بشتى أنواع الاستعمالات الممكنة، حتى لو اتخذ منه ـ كما كان يفعل أجدادنا ـ ظرفاً للسمن أو للماء فلا ينجس ما يلاقيه وإن كان رطباً لأنه مذكّى.
ـ إذا وجدنا لحم حيوان قابل للتذكية أو جلده بيد شخص مسلم يبيعه أو يلبسه أو يفرشه ولا نعلم هل هو مذكّى أو لا؟
ـ قل إنه مذكّى ما دمت وجدته بيد المسلم، إلا إذا ثبت لك بأنه غير مذكّى.
أكثر من ذلك ـ قال أبي ـ إذا وجدته بيد المسلم يبيعه مثلاً وكان قبلاً بيد الكافر ويحتمل أن المسلم قد تحقق من تذكيته فقل كذلك إنه مذكّى، إلا إذا ثبت لك بأنه غير مذكّى، مع ملاحظة جديرة بالتأمل وهي: أنه إذا علمت أن المسلم أخذه من الكافر من دون تحقيق في تذكيته ولا فحص ولا تثّبت ـ إذا علمت ذلك ـ فقل إنه غير مذكّى.
ـ قلت لي: إذا وجدت لحم حيوان قابل للتذكية أو جلده بيد مسلم ولا تعلم إنه مذكّى أو لا، فقل إنه مذكّى حتى يثبت لك عدم تذكيته، أليس كذلك؟
ـ نعم.
ـ المسلمون كما تعلم يا سيدي مذاهب وفرق مختلفة؟
ـ نعم، قل إنه مذكّى سواء أكان مذهب المسلم هذا موافقاً لمذهبك أم مخالفاً له.
ـ هناك ربما من المذاهب الإسلامية أو الفرق من لا يشترط الشروط التي ذكرتها للتذكية، فلا يشترط استقبال القبلة مثلاً، ولا التسمية، ولا كون الذابح مسلماً، ولا يشترط قطع الأوداج الأربعة، وأنا لا أدري أنه كيف ذبح الذبيحة.
ـ أعرفُ ذلك، وهذا لا يهم، قل إنه مذكّى ما دام المسلم ـ أيّ مسلم ـ يتصرف به ويعتبره مذكّى.
ـ والحيوانات المذبوحة بالمكائن في البلدان الإسلامية؟
ـ يجب في ذبح المكائن أن يكون على الماكنة عامل مسلم يتولى هو تحريك السكينة بيده بحيث يستند الذبح إليه، ولا يضرّ أن يكون عمل الماكنة آلياً ما دام العامل هو الذي يشغلها ولا يضر بذلك إنها تذبح عدداً كبيراً من الحيوانات في آن واحد.
ـ واللحوم والجلود المأخوذة من يد الكافر؟
ـ قل إنها غير مذكاة حتى لو أخبرك الكافر أنها مذكاة، إلا إذا كان صادقاً بحيث تيقنت بصحة كلامه.
ـ إذا وجدت لحماً بيد المسلم يبيعه وقد أخذه من الكافر من دون أن يتثبت في أمر تذكيته بفحص أو تدقيق؟
ـ ألم أقل لك سابقاً اُحكم عليه بعدم التذكية، وبالتالي فلا يحل لك أكل لحمه.
ـ والأسماك؟ لم تحدثني عن تذكية الأسماك.
ـ تذكية الأسماك وبالتالي حلية أكل لحمها تختلف عن تذكية الحيوانات الأخرى مارة الذكر، ذلك أن السمك متى ما استوليت عليه حياً خارج الماء كأن تكون اصطدته بيدك داخل الماء وأخرجته حياً للخارج، أو اصطدته بالشباك أو بالسنارة أو بالفالة، أو كأن يكون السمك قد خرج بعد نضوب الماء عنه فأخذته حياً فقد ذكّيته، أو كأن يكون السمك قد قفز بنفسه إلى الساحل فأمسكته حياً فقد ذكيته، أو وثب في سفينة فأخذته حياً فقد ذكيته، وهكذا...
ـ وإذا وثبت سمكة إلى الأرض فلم تؤخذ حتى ماتت؟
ـ حرم عليك أكل لحمها. أكثر من ذلك لو نظرت إلى سمكة وهي حية ـ ولم تعلم أن إنساناً أخرجها من الماء ـ تضطرب على الأرض ولم تستولِ عليها أنت حتى ماتت فقد حرم أكل لحمها عليك.
ـ وشرط التسمية؟ لم تذكر شرط التسمية على السمك.
ـ لا يشترط في تذكية السمك التسمية.
ـ والإسلام؟ أقصد أن يكون صائدها ـ وهي حية ـ مسلماً.
ـ لا يشترط في تذكية السمك أن يكون صائدها ـ وهي حية ـ مسلماً.
ـ معنى هذا أنه إذا أخرج الكافر السمك حياً من الماء جاز لي أكله؟
ـ نعم جاز لك أكله، فلا فرق هنا بين المسلم والكافر، إذا كنت تعلم باستيلائه عليها خارج الماء وهي حية.
ـ إذا وجدت سمكة في يد مسلم يبيعها مثلاً ولم أدر إنه استولى عليها حية خارج الماء فيحل لي أكلها، أو استولى عليها ميتة فلا يحل لي أكلها؟
ـ قل إنها مذكاة ما دامت في يد المسلم يتصرف بها تصرفاً دالاً على التذكية كأن يبيعها مثلاً أو ما شاكل.
ـ وإذا وجدتها في يد الكافر ولم أدر أنه استولى عليها خارج الماء حية أو ميتة. أقصد هل هي مذكاة أو لا؟
ـ قل إنها غير مذكاة. أكثر من ذلك لو أخبرك الكافر أنها مذكاة فلا يحل لك أكل لحمها، إلا إذا علمت أنه قد أخرجها من الماء قبل موتها أو أنه أخذها خارج الماء وهي حية.
ـ إذا ألقى الصياد الزهر (السم) في الماء فابتلعه السمك فطفا على سطح الماء لعجزه عن السباحة؟
ـ إذا أخذته حياً جاز لك أكل لحمه، أما إذا مات قبل ذلك فقد حرم.
ـ يرمي الصياد شباكه في الماء ثم يخرجها محملة بسمك مات وهو في الشبكة؟
ـ ليس لك أن تأكله.
ـ يخرج الصياد السمك الحي من الماء فيشق بطنه أو يضربه على رأسه فيموت؟
ـ يحل لك أكل لحمه، لأنه لا يشترط في السمكة إذا أخرجت من الماء حية أن تموت بنفسها، فيجوز أكل لحمها لو ماتت بالتقطيع أو بالشواء أو بغير ذلك.
ـ والدم الخارج منها؟ ألا تحتاج قبل الشواء إلى تطهير؟
ـ دم السمكة طاهر.
قلت لأبي: حدثتني عن صيد السمك ولم تحدثني عن صيد الحيوانات كالغزال مثلاً إذا اصطيد بالبندقية؟
ـ يشترط في تذكية الحيوان الوحشي المحلل أكله كالغزال والطير وبقر الوحش وحمار الوحش وغيرها ـ إذا اصطيد بالبندقية أو بغيرها من السلاح ـ شروط عدة إذا اجتمعت حل أكله وطهر كما لو ذبح، من هذه الشروط...
1 - أن يكون الصائد مسلماً.
2 - أن يكون قاصداً الاصطياد وهو يستعمل سلاحه، فلو رمى هدفاً فأصاب حيواناً خطأ فقتله صدفة لم يحل.
3 - أن يسمي عند استعمال سلاحه في الاصطياد، ويكفي في التسمية أن يقول: (الله اكبر) أو (بسم الله) أو (الحمد لله).
4 - أن [لا يترك صيده حتى يموت ويحاول أن يدركه]، فلو أدرك صيده حياً وكان الوقت يتسع لذبحه ولم يذبحه حتى مات لم يحل أكله.
5 - في صيد البندقية يجب أن تكون الإطلاقة محددة مخروطة تنفذ في بدن الحيوان وتخرقه بحيث يكون سبب قتله اختراقها ونفوذها في جسده.
ـ وإذا اصطيد الحيوان الوحشي المحلل أكله كالغزال أو الطير مثلاً بكلب الصيد لا بالسلاح؟
ـ يحل أكله ويطهر بعد اصطياده إذا توفرت الشروط التالية:
1 - أن يكون الكلب معلماً للاصطياد متدرباً، ولا فرق بين أنواع الكلاب [إلا الأسود الشديد السواد الذي لا يخالطه لون آخر].
2 - أن يكون صيده بإرسال صاحبه له للاصطياد، فلا يكفي استرساله بنفسه من دون إرسال.
3 - أن يكون مرسله للاصطياد مسلماً.
4 - أن يسمي مرسله عند إرساله، ويكفي مثل (الله اكبر) أو (بسم الله) أو (الحمد لله).
5 - أن يستند موت الحيوان إلى جرح الكلب وعقره.
6 - أن يدرك صاحب الكلب صيده بعد موته، فلو أدرك صيده حياً وكان الوقت يتسع لذبحه ولم يذبحه حتى مات لم يحل أكله.
ـ وإذا اصطاد الباشق أو الصقر أو البازي أو الفهد أو غيرها حيواناً؟
ـ لا يحل أكله إلا إذا صاده الكلب فقط. علماً بأن موضع عضة الكلب نجس يجب غسله، ولا يجوز أكل مكان العضة قبل غسله.
ـ أحياناً يصطاد غير الكلب كالصقر مثلاً حيواناً ويدرك صاحب الصقر صيده قبل أن يموت فيذبحه؟
ـ يحل أكله إذا كان الصيد مأكول اللحم ذكاه صائده وفق أصول وأسس التذكية مارة الذكر.
ـ أشاهدك أحياناً تستعمل عبارة (الحيوان المأكول اللحم) أو عبارة (الحيوان غير مأكول اللحم) فهل هناك حيوانات لا يحل أكل لحمها دائماً؟
ـ نعم هناك حيوانات يحرم أكل لحمها دائماً ـ قال ذلك أبي ـ ثم صمت قليلاً كأنه يلملم خيوط فكرة راحت تتجمع بطيئة متأنية في ذهنه ثم رفع رأسه إليَّ قائلاً:
من أجل أن أضعك في الصورة تماماً سأعدد لك المهم من الحيوانات التي يحل أكل لحمها، والمهم من الحيوانات التي لا يحل أكل لحمها حتى تكون على بينة منها.
وأردف أبي يقول:
من حيوانات البر يحل لك أكل لحم الدجاج بأنواعه المختلفة والغنم والبقر والإبل والخيل والبغال والحمير وكبش الجبل وبقر الوحش وحمار الوحش والغزال.
ويكره منها ـ ولا يحرم ـ أكل لحم الخيل والبغال والحمير الأهلية.
ويحرم أكل كل حيوان مفترس وكل ذي ناب كالأسد والثعلب وغيرهما.
كما يحرم أكل الأرنب والضب واليربوع والحشرات.
ويحرم أكل الحيوان الجلاّل، وهو الحيوان الذي يتغذى على عذرة الإنسان.
ويحرم أكل لحم ما وطأه الإنسان من البهائم [بل من كل حيوان] [ويحرم لحم نسله كذلك] ولبنهما. أقصد بالوطء هنا أن يمارس الإنسان الجنس مع الحيوان. فإن كان الحيوان الموطوء مما يُطلب لحمه كالإبل والبقر والغنم وغيرها وجب أن يذبح أولاً ثم يحرق.
وإن كان الحيوان الموطوء مما يقصد ظهره للركوب كالخيل والبغال والحمير وجب نفيه من البلد وبيعه في بلد آخر لا يعرف فيه الواطئ.
أضاف أبي:
ومن حيوانات البحر: يحل لك أكل لحم السمك بكل أنواعه وأشكاله شرط أن يكون له قشر أو فلس.
ويحرم الميت الطافي منه على وجه الماء.
كما يحرم أكل حيوانات البحر الأخرى عدا السمك الذي له قشر مثل (الجِرّي) و(الزمّير) و(المارماهي) والسلحفاة والضفدع والسرطان.
ـ ولحم الروبيان؟
ـ يحل لك أكله لأن له قشراً.
وأردف قائلاً:
ومن الحيوانات الطائرة، يحل لك أكل لحم الحمام بأنواعه المختلفة والعصافير بأنواعها والبلبل والزرزور والقبرة.
ويحرم عليك أكل السباع من الطير وهي الطيور المفترسة التي تأكل اللحم كالصقر والعقاب والبازي، ويحرم أكل لحم كل طائر يصف جناحيه أثناء طيرانه غالباً ولا يدف بهما ولا يحركهما في طيرانه إلا قليلاً.
وإن لم يعرف كيفية طيرانه، أو شاع في طيرانه الصفيف والدفيف معاً فإن لم يكن له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية فإنه يحرم أيضاً. والصيصية شوكة خلف رجل الطائر خارجة عن كفه.
ـ أشاهد أحياناً بعض القصابين يخرج من الذبيحة أثناء تقطيعها بعض الأجزاء ليرميها خارجاً.
ـ نعم لا تأكل من الذبيحة الأجزاء التالية إن وجدتها فيها:
الدم والقضيب والغدد والبيضتين والطحال [والرحم والحياء ـ وهو فرج الأنثى ـ والعصبتين اللتين خلف الرقبة والنخاع والمثانة والمرارة].
ولما انتهى أبي من تعداده وصمت، قلت في نفسي:
مادمنا نتحدث عما يحل أكله من الذبيحة وما لا يحل، فلماذا لا أسأل عما يحرم تناوله من غير الذبيحة من أشياء؟ ثم لماذا لا أسأل ـ ما دمنا نتحدث عن الأكل عما يستحب في أكل الطعام؟
وإذ اختمرت في ذهني فكرة السؤال قلت لأبي:
دعني أخرج عن الموضوع قليلاً، لأسأل عن سؤالين شغلا بالي:
أولهما: هل يا تُرى هناك أشياء يحرم تناولها غير ما ذكرت؟
ثانيهما: مادمنا نجلس على مائدة الطعام كل يوم ثلاث مرات، فهل هناك مستحبات في أكل الطعام؟
ابتسم أبي أول الأمر ثم اعتدل في جلسته ليقول:
سأجيبك عن السؤال الأول ثم اُثنّي فأجيبك عن السؤال الثاني.
نعم، هناك أشياء يحرم تناولها من غير ما ذكرت، سأخص بالذكر منها شيئين مهمين هما..
1 - يحرم شرب الخمر وغيره من المسكرات بما في ذلك (البيرة). وقد نص القرآن الكريم على حرمة شرب الخمر، قال الله سبحانه وتعالى: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه).
كما ورد في بعض الأحاديث أنه من أعظم المعاصي، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (الخمر أم الخبائث ورأس كل شر).
أكثر من ذلك: يحرم أكلك بل حتى جلوسك على مائدة يشرب أو يوزع فيها خمر، إذا حسبت من الجالسين عليها.
2 - يحرم تناول كل ما يضر بالإنسان ضرراً كلياً كالسموم القاتلة وأمثالها.
ـ هذا ما يتعلق بالسؤال الأول؟
ـ نعم هذا ما يتعلق بالسؤال الأول. أما ما يتعلق بالسؤال الثاني (مستحبات أكل الطعام) فمستحبات أكل الطعام كثيرة، ولكن هل ستلتزم بها؟
ـ أعدك أن أحاول.
ـ إذن خذ:
1 - غسل اليدين معاً قبل الطعام وبعده.
2 - التسمية عند الشروع بالأكل.
3 - الأكل باليمين.
4 - تصغير اللقمة.
5 - أن تجيد مضغ الطعام.
6 - أن تطيل الأكل والجلوس على المائدة.
7 - أن تفتتح وتختتم بالملح.
8 - أن تغسل الثمار بالماء قبل أكلها.
9 - أن لا تأكل وأنت شبعان.
10 - أن لا تأكل الطعام الحار.
11 - أن لا تنفخ في الطعام والشراب.
12 - أن لا تقشر الثمار.
13 - أن لا ترمي الثمرة من يدك قبل أن تستقصي أكلها.
14 - أن لا تنظر في وجوه الناس وهم يأكلون.
15 - أن يبدأ صاحب الطعام قبل الجميع ويختتم بعد الجميع.
16 - أن لا تتناول الماء على الأغذية الدسمة.
17 - أن تأكل من أمامك لا من أمام الآخرين.
18 - أن لا تمتلئ من الطعام.
19 - أن لا تقطع الخبز بالسكين.
20 - أن لا تضع الخبز تحت الإناء.
وهناك غيرها لا يسع مجالي الآن لذكرها.
حوارية الزواج
نحن مدعوون ـ قال أبي ـ لحضور حفلة عقد قران في دار جارنا أبي علي، وعلينا أن نتهيأ في حدود الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم الجمعة القادم لنشارك جارنا العزيز أفراحه بهذه المناسبة السعيدة.
ـ عقد قران مَن؟
ـ عقد قران ابنه علي.
ـ ولكن علياً ما زال في مقتبل شبابه بعد، فهو الآن في العشرين من عمره، ولم يحن بعدُ وقت زواجه.
ـ في العشرين من عمره وتقول لم يحن بعدُ وقت زواجه...! إنه الآن في عز الشباب وفي أوج تفتّح قواه العقلية والجسدية بما في ذلك طاقاته الجنسية.
أضاف أبي:
ولما كان ضغط الجنس فاعلاً ومحركاً في عمر كهذا، إذن يحسن بالشاب أن يتزوج في سن مبكرة ليعصم نفسه من الوقوع في هاوية فعل محرّم، فالنفس أمارة بالسوء كما تقول الآية الكريمة: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمّارة بالسوء إلا ما رحم ربي إنَّ ربِّي غفور رحيم).
وما أن سمعت بضغط الجنس حتى خجلت، ففي سن مثل سني يخجل أحدنا أن يتحدث أو يسمع شيئاً عن الجنس رغم شوقه وحاجته لأن يتحدث أو يسمع شيئاً ما عنه.
وإذ لاحظ أبي إمارات الخجل بادية على وجهي سألني:
ـ أخجلت؟
ـ نعم، فالحديث عن الجنس مخجل.
ـ وعن ضغط الغريزة الجنسية مخجل هو الآخر أليس كذلك؟
ـ نعم.
ـ ولكنها حاجة بايولوجية يشعر بها كل إنسان سوي مكتمل.. إنها كالطعام والشراب وغيرهما من حاجات الجسد الأخرى.
فكما أنك تحت ضغط الحاجة إلى الطعام تأكل..وأنك تحت ضغط الحاجة إلى شرب الماء تشرب.. فإنك تحت ضغط الحاجة إلى الجنس تمارسه.
ـ ولكن علياً مازال شاباً؟
ـ أحياناً يجب الزواج على الإنسان.
ـ أحياناً يجب الزواج.. تقصد يجب شرعاً؟
ـ نعم يجب الزواج شرعاً إذا كان الإنسان لا يستطيع تحت ضغط الحاجة أن يمنع نفسه من الوقوع في فعل محرّم بسبب عدم زواجه.
ـ إذن كان علي شجاعاً حين اتخذ قراره بالتزويج وهو بعدُ في مقتبل عمره؟
ـ شجاعاً، نعم وجريئاً ومبدئياً. فمنذ أحسّ بضغط الحاجة الجسدية ورأى انثيال المغريات أمامه أنّى توجه أو تلفت أو سار أدرك بوعي الملتزم ومبدئيته أن ثباته أصبح عرضة للاهتزاز وربما السقوط.
فها هي ذي نفسه تلحّ عليه وتجاذبه وتراوده، وهاهو ذا يضعف أمامها ويتردد وينهار، وفي ظل ظرف ضاغط كهذا ومقلق ومحرض ومستفز وحرج آثر علي أن يفاتح أباه برغبته في الزواج ليحرز نصف دينه عملاً بمنطوق قول النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله): (من تزوج فقد أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الآخر).
قال أبي ذلك وأضاف معقباً:
الزواج عمل محبوب لله عز وجل، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة). وقال تعالى في موضع آخر من كتابه الكريم: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها).
ونقل لنا الإمام الباقر (عليه السلام) عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: (ما بني في الإسلام أحبُّ إلى الله عز وجل من التزويج)، وقال (صلى الله عليه وآله): (تزوَّجوا وزوِّجوا).
ونقلت لنا كتب الحديث عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قوله: (تزوجوا فإن التزويج سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنه كان يقول: من كان يحب أن يتبع سنتي فإن سنتي التزويج)..
وقال الإمام أبو عبد الله (عليه السلام): (من أخلاق الأنبياء حب النساء) قالها أبي فخجلت، ولكنه لم يعبأ بخجلي، بل أضاف قال الإمام الصادق (عليه السلام): (ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب).
وقال الإمام الكاظم (عليه السلام): (ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظلّه: رجل زوّج أخاه المسلم، أو أخدمه، أو كتم له سراً).
وهناك غير هذه الأحاديث ما يشير إلى استحباب الزواج وكراهية العزوبة للرجل والمرأة.
ـ تقول للرجل والمرأة؟! المرأة!!
ـ المرأة. نعم كراهية العزوبة للرجل والمرأة معاً، فهناك من الأحاديث ما يدعو المرأة إلى الزواج ويحث عليه.
فها هو ذا الإمام أبو عبد الله (عليه السلام) يقول: (نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) النساء أن يتبتلن ويعطلن أنفسهن من الأزواج).
بل أكثر من ذلك فهناك من الأحاديث ما يدعو إلى تعجيل زواج البنت وعدم تأخيرها، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله: (من بركة المرأة سرعة تزويجها).
ـ التبكير بالزواج حسن. إذن هذا جيد، ولكن تكاليف الزواج باهضة يا أبي. فمن أين يأتي الشاب بكل هذه الأموال ليتزوج، والزواج متطلباته كثيرة؟
ـ الإسلام يدعو إلى تخفيف مؤنة التزويج وتقليل تكاليفه.
ـ تقليل تكاليف الزواج؟
ـ نعم يدعو الإسلام إلى تقليل تكاليف الزواج.
ـ والمهور الغالية تلك التي يشكو منها الكثيرون؟
ـ يستحب تقليل المهر ويكره تكثيره.
ـ ماذا تقول؟! يكره تكثير المهر؟
ـ نعم يكره تكثير المهر ويستحب تقليله، فها هو ذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (أفضل نساء أمتي أصبحهن وجهاً وأقلّهن مهراً). وها هو ذا الإمام الباقر (عليه السلام) يقول: (تذاكروا الشؤم عند أبي فقال: فأما شؤم المرأة فكثرة مهرها وعقم رحمها).
وقد ورد في الأحاديث الشريفة كذلك: (من بركة المرأة قلة مهرها، ومن شؤمها كثرة مهرها).
قال أبي ذلك ثم أطرق قليلاً كمن تذكر شيئاً ذا بال، وأضاف معززاً حديثه قائلاً: زوّج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ابنته الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليه السلام) وهي سيدة نساء العالمين.. زوّجها من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) على مهر قليل، على (درع حطيمية).
قال الإمام الصادق (عليه السلام): (زوّج رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) على درع حطيمية).
ووصف لنا الإمام أبو جعفر (عليه السلام) فراش الصديقة فاطمة الزهراء (عليه السلام) فقال: (كان فراش فاطمة أهاب كبش يلقيانه ويفرشانه وينامان عليه).
قلت لأبي:
ومشكلة عدم وجود مورد مادي مضمون عند الشاب ليقوّم أسرة بعد زواجه أو فلنقل خوف الحاجة بعد الزواج؟
قال أبي: يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم).
ويعقب الإمام الصادق (عليه السلام) على هذه الآية فيقول: (من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظن بالله، يقول سبحانه: (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله).
قلت: هناك مشكلة يطرحها بعض الوجهاء والأثرياء وذوي المكانة المرموقة في المجتمع. ملخصها: إنه لا يزوج ابنته إلا لرجل يراه هو ـ بحساباته الخاصة ـ لائقاً بها، وحين لا يقدم من يعتبره هو مناسباً لها رغم كثرة من يتقدم لخطبتها تبقى البنت بلا زواج.
قال أبي: دعني أنقل لك نظرة الإسلام للزوج اللائق المناسب من خلال رسالة وردت للإمام الباقر (عليه السلام) وجواب الإمام عليها، فقد كتب علي بن ساباط إلى الإمام الباقر (عليه السلام) في أمر بناته وأنه لا يجد أحداً مثله، فكتب إليه الإمام (عليه السلام) مجيباً:
(فهمت ما ذكرت في أمر بناتك وأنك لا تجد أحداً مثلك فلا تنظر في ذلك رحمك الله، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه، إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
تركني أبي عند هذه النقطة غارقاً في تأملاتي ومستعرضاً بنقد جارح عادات وتقاليد اجتماعية ضارة نشأت خلال تراكمات زمنية سيئة فترسخت ضاربة أطنابها في مجتمعاتنا.
الإسلام يدعو إلى تخفيف تكاليف الزواج، والتقاليد تخالفه.
الإسلام يدعو إلى تقليل المهور، والتقاليد تخالفه.
والإسلام يقول: تزوجوا ولا تخشوا الفقر، ونحن نخالفه.
والإسلام يضع في اعتباره الخُلق والدين مقياساً للزوج اللائق المناسب، والمجتمع يضع مقاييس أخرى ربما في مقدمتها الثروة والوجاهة والطبقة الاجتماعية.
وما أن قاربت الساعة الخامسة حتى توجهنا أنا وأبي إلى حيث بيت جارنا أبي علي وحفلة العقد.
وسأصف لكم حفلة عقد قران علي كما شاهدتها..
صالة الاستقبال مكتظة بالمدعوين المهنئين، الملابس الأنيقة المترفة، تملأ عينيك أنّى تلفّتّ فرح مكتوم يكحل أعين الجالسين، الأضواء ترفرف في سماء الصالة المشعة بالبياض المزدانة بالنور، بينما راحت باقات من ورد ابيض وأخرى من ورد بنفسجي تتفتح توّاً أو تكاد تتمايل مثقلة بحملها أو متثاقلة فتضفي على جو الصالة نكهة براءة ذات سحر سري غامض.
العريس علي يجلس في صدر الصالة قرب باب داخلي مغلق، ويجلس إلى جواره سيد مهيب الطلعة تبدو عليه سيماء الصلاح والوقار والطيبة، ويطغى على تقاطيع وجهه بهاء رزين.
الصالة الفخمة ضاجة بالصمت بينما راح السيد المهيب الوقور يقرع جدار الصمت بصوته القوي الرصين، وهو يخاطب العروس من وراء الباب المغلق، بعد أن قرأ بعض الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الشريفة قائلاً:
أترضين يا فاطمة بأن أكون وكيلك على أن أزوجك من الشاب علي بن محمد بمهر قدره (500) درهم نقداً، فإن رضيت بذلك فقولي: نعم، أنت وكيلي.
فأجابت العروس بصوت خفيض حيي لا يكاد يسمع قائلة: نعم، أنت وكيلي.
وما أن قالت جملة (أنت وكيلي) حتى علت (الهلاهل) والزغاريد وسط الدار كأجراس متصلة تتقاطع أحياناً وتنفرد أحياناً أخرى.
فبادر السيد قائلاً: قَبِلتُ التوكيل.
وعلت الابتسامة الوجوه، وتوجه ذلك السيد الرزين الوقور صوب الشاب علي قائلاً له: زوّجتك موكلتي فاطمة بنت احمد على مهر قدره (خمسمائة) درهم نقداً.
فأجاب العريس علي مباشرة من دون فصل: قبلت التزويج بالمهر المذكور.
ـ ولماذا هذا المهر القليل يا أبتِ؟
ـ إنه مهر الزهراء (عليه السلام) وتيمناً بها رضيت به العروس فاطمة وهي مسرورة، فقد زوّج النبي الكريم محمد (صلى الله عليه وآله) ابنته الزهراء سيدة نساء العالمين على مهر قدره (500) درهم من الفضة في ذلك الوقت أي ما يعادل بالفضة اليوم (1487.5) غم تقريباً.
قلت لأبي: وهل يحق للعروس فاطمة أن تزوّج نفسها من دون توسط هذا (السيد العاقد)؟
قال : نعم يحق للزوجين إجراء العقد بنفسيهما دون توسط أحد ويحق لأحدهما أو كليهما توكيل من ينوب عنهما في إجراء العقد.
ـ مثلاً؟ اضرب لي مثلاً؟
ـ إذا قالت الزوجة مثلاً: (زوجتُك نفسي بمهر قدرُه..) يجب أن يقول الزوج مباشرة من دون فصل: (قبِلت التزويج بالمهر المذكور).
هذا إذا كان الزواج زواجاً دائمياً.
ولكن بسبب أهمية الزواج والآثار المترتبة عليه فأوصي الشباب أن يكون زواجهم بإشراف من يكون على علم ودراية كافية بأحكام الزواج الفقهية ليضمنوا وقوعه صحيحاً.
ـ وهل هناك زواج غير دائم؟
ـ نعم، هناك زواج مؤقت دلّت عليه الأدلّة الشرعية، منها نصوص رواها جمهور المسلمين وعمل بها بعض الصحابة إلى ما بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وهذا الزواج تتعين فيه المدة والمهر وتتحدد المدة بيوم مثلاً أو شهر أو سنة أو ما شاكل ذلك، ويحق للزوجين منه ـ تماماً كما الزواج الدائم ـ مباشرة العقد بنفسيهما أو توكيل من ينوب عنهما فيه، فلو باشر الزوجان العقد غير الدائم بنفسيهما فقالت المرأة للرجل مثلاً: (زوجتك نفسي مدة سنة بمائة دينار) وقال الرجل مباشرة من دون فصل: (قبلت التزويج) صح العقد.
ـ وإذا تم ذلك؟
ـ إذا تم ذلك فستصبح المرأة زوجة تحلّ لزوجها مدة العقد من دون توارث بينهما، ولكن لا يجب على الزوج الإنفاق عليها ولا مضاجعتها، فإذا انتهت المدة المتفق عليها حرمت عليه، بينما تحلّ المرأة في العقد الدائم لزوجها مدى الحياة.
هذا ولعقد الزواج شروط.
ـ وما هي؟
ـ إنها ـ قال أبي ـ :
1 - الإيجاب والقبول فلا يكفي تراضي الزوجين واتفاقهما على الزواج، بل لابد من الإيجاب والقبول في الزواج الدائم أو المؤقت ولا بد من التلفظ بهما، وقد مرت عليك صيغة العقد فيما مضى.
2 - قصد الإنشاء في إجراء الصيغة، بمعنى أن يقصد الزوجان أو وكيلاهما تحقق الزواج فتقصد الزوجة بقولها: (زوّجتك نفسي) صيرورتها زوجة له، كما أن الزوج يقصد بقوله: (قبلت التزويج) قبول زوجيتها له، وهكذا الوكيلان عن الزوجين.
3 - رضا الزوجين واقعاً، فالمهم هو الموافقة القلبية من الزوج ومن الزوجة على الزواج.
ـ أحياناً ترضى الزوجة ولا تصرّح برضاها حياءً وخجلاً؟
ـ إذا حصل رضاها واقعاً فهو كافٍ، ولا يضر عدم صراحتها بالرضا حينئذٍ.
4 - تعيين الزوج والزوجة ليتفرّد كل منهما عن الآخرين بالاسم أو بالوصف أو بالإشارة، فلا يصح العقد إذا قال رجل لآخر مثلاً: (زوّجتك إحدى بناتي) ولم يحددها.
5 - العقل في من يجري العقد.
أضاف أبي:
إذا تمت هذه الشروط صح العقد وحلّت الزوجة على الزوج بعد العقد مباشرة.
ـ مباشرة حتى قبل أن يتم الزفاف؟
ـ نعم، فبالعقد تحلّ الزوجة لزوجها.
ولكن قبل العقد يجب على المرأة البالغة الباكر أن تستأذن أباها أو جدها في تزويجها بالزواج الدائم.
ـ وإذا لم يكن الأب والجد موجودين كأن كانا مفقودين أو لا يمكن الوصول إليهما ولا يمكن استئذانهما؟
ـ يجوز لها الزواج من دون أن تستأذنهما.
ـ وهل يجب على غير الباكر ـ أي من تزوجت سابقاً ودخل بها زوجها ثم طُلِّقت أو مات زوجها ـ أن تستأذن أباها أو جدها في تزويجها، كما يجب على الباكر؟
ـ لا، لا يجب عليها ذلك، بل يحق لها أن تستقل في اتخاذ قرار زواجها بنفسها.
ـ وإذا تزوج رجل امرأة على أنها باكر، ثم ظهر له بعد الزواج أنها مدخول بها من قبل؟
ـ عندئذٍ سينقص من قيمة مهرها بقدر نسبة التفاوت الحاصل بين مهر امرأة باكر وأخرى غيرها.
ـ أيحق لرجل أن يتزوج أي امرأة يشاء؟
ـ نعم يحق له ذلك، في ما عدا حالات يحرم عليه الزواج بها. من هذه الحالات:
1 - أمه وجدّته.
2 - ابنته وبناتها.
3 - أخته وبناتها وبناتهن.
4 - بنات أخيه وبناتهن.
5 - عماته وخالاته.
6 - أم زوجته وجدتها لاُمها وأبيها.
7 - بنت زوجته إذا كان قد دخل بأمها.
8 - أخت زوجته ما دام متزوجاً أختها، فلا يجوز الجمع بين الأختين.
ـ ولو توفيت زوجته مثلاً، فهل يحق له أن يتزوج أختها؟
ـ نعم يحق له ذلك.
9 - أمه من الرضاعة وبنات مرضعته وغيرهن ممّن يحرمن عليه بالرضاع، حيث يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب.
هذا ولا يجوز لأبي الرضيع أن يتزوج من بنات الرجل الذي شرب ابنه من لبنه، علماً بأنه ليس كل إرضاع يؤدي إلى تحريم بل لابد من توفر شروط عدة حتى يؤثر الرضاع أثره. من هذه الشروط..
أ ـ أن يكون الإرتضاع من الثدي مباشرة لا بالواسطة فلا أثر لحليب امرأة إذا شربه الطفل بالملعقة مثلاً.
ب ـ عدم تجاوز عمر الرضيع سنتين [حتى لو كان قد فطم من الرضاع]، فلو رضع بعد السنتين فلا أثر له.
ج ـ أن يبلغ الرضاع درجة معينة تحدد من ـ ناحية الأثر ـ بما أنبت لحم الرضيع وشدّ عظمه، وتحدد ـ من جهة العدد ـ بما بلغ خمس عشرة رضعة، كاملة، متوالية، لم يفصل بينها رضاع من امرأة أخرى [أو طعام] وتحدد ـ من ناحية الزمان ـ باستمرار الرضاع يوماً وليلة يكون رضاع الطفل غذاءه الوحيد طيلة الفترة المقررة، فلا يتناول فيها طعاماً آخر أو لبناً آخر من مرضعة أخرى، فإذا تحقق واحد من هذه التحديدات الثلاثة تترتب أحكام الرضاعة.
وهناك أحكام خاصة بالرضاع فصّلتها كتب الفقه فراجعها إن شئت.
ـ لو تزوج رجل وفق الضوابط المقررة في الشريعة الغراء؟
ـ حلّت له زوجته كما قلت لك، ووجب عليها تبعاً لذلك أن تمكّن زوجها من نفسها متى شاء، فلا يحق لها منعه من الاتصال الجنسي بها إلا لعذر شرعي، كما يحرم على الزوجة الدائمة أن تخرج من بيتها بغير إذن زوجها، إلا لضرورة أو أداء واجب شرعي كالحج.
ـ هل يجب على المرأة مطاوعة زوجها في سفر بعيد؟
ـ نعم، يجب عليها ذلك إلا إذا كان لها عذر شرعي يمنعها من السفر كالخوف من الظالم، أو الضرر في السفر أو الحرج.
ومن ناحية أخرى فقد وجب على الزوج أن ينفق على زوجته الدائمة من الغذاء والمسكن والملبس ما يؤمن لها المعيشة المتعارفة. كما لا يحق له ترك الاتصال الجنسي بها ـ من دون رضاها ـ أكثر من أربعة أشهر.
ـ وإذا لم يبذل الزوج لزوجته نفقتها المستحقة لها؟
ـ جاز لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي وتطلب الطلاق فيأمره الحاكم بطلاقها فإن امتنع طلّقها الحاكم، وجاز لها أن تطالب بالنفقة فيأمره الحاكم بالنفقة فإن امتنع أخذ الحاكم منه وأنفق عليها.
هذا وسأضيف فاُعدد لك بعض الأحكام الهامة على شكل نقاط محددة..
1 - يحرم النظر واللمس مع التلذذ والاستمتاع والشهوة من الرجل للمرأة، بل حتى للطفلة الصغيرة؛ ومن المرأة للرجل بل حتى للصغير، باستثناء الزوج والزوجة -ونحوهما- طبعاً؛ ومن الرجل للرجل حتى للصبي الصغير، ومن المرأة للمرأة حتى للصبية الصغيرة.
2 - يحرم النظر إلى عورة الإنسان الآخر، عدا الزوج والزوجة طبعاً ومن هم في حكمهما، فإنه جائز، ويجوز النظر لعورة الطفل إلا إذا بلغ مرتبة بحيث يقبح النظر إلى عورته ويكون توهيناً له.
3 - يجب على المرأة أن تستر وتغطي جسدها وشعرها عن كل من لا يجوز له النظر إليها، ويجب على الرجل أن لا ينظر إلى جسد المرأة من غير المحارم.
ـ أوَ يحق للرجل أن ينظر إلى بعض النساء؟
ـ نعم أحياناً، فيحق له أن ينظر إلى مثل أمه وأخته وعمته وخالته وبنت أخيه وبنت أخته وجدّته ـ من دون تلذذ واستمتاع ورغبة جنسية وشهوة ـ ما عدا العورتين.
ـ وزوجة أخيه وبنت عمه وبنت عمته وبنت خاله وبنت خالته؟
ـ لا.. لا يجوز له النظر إليهن كلهن.
قال أبي ذلك وأضاف:
ـ كما يحق للرجل النظر من دون تلذذ واستمتاع ورغبة جنسية وشهوة إلى نساء الكفار المتبرجات وحتى المسلمات المتبذّلات اللاتي لا ينتهين عن كشف أجسادهن وشعورهن إذا نهين عن ذلك عندما لا يفيد معهن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
4 - يجوز للرجل النظر إلى من يريد التزويج بها واختيارها شريكة لحياته، فتخرج له بثياب البيت المألوفة [ولا تكشف له أكثر من ذلك].
ـ قبل إجراء العقد؟ أقصد يجوز له أن ينظر إليها حتى قبل إجراء العقد؟
ـ نعم، يحق له النظر إليها والتحدث معها قبل إجراء العقد، بل قبل أن يتقدم لطلب يدها حتى يرى بنفسه جمالياتها ثم يقرر بعد ذلك التقدم لخطبتها، بدون شهوة جنسية طبعاً.
5 - يحق للطبيب النظر إلى جسد المرأة ولمسه إذا توقفت معالجتها على اللمس والنظر، طبعاً ذلك إذا لم تتوفر الطبيبة المعالجة.
6 - يجوز النظر إلى صورة المرأة في السينما والتلفزيون والفيديو والصحف والمجلات من دون تلذذ وشهوة.
7 - يحق للمرأة كشف وجهها وإبراز كفيها [ولا تكشف قدميها].
8 - يحق للرجل المسلم أن يتزوج المرأة الكتابية أقصد المسيحية أو اليهودية مثلاً زواجاً دائمياً أو مؤقتاً.
ـ ولكنها ليست مسلمة ولا مؤمنة فهي لا تعتقد بجواز وحلّية الزواج المؤقت، وربّما لا تعتقد بجواز الزواج من المسلم.
ـ مع ذلك إذا أجريا صيغة العقد بينهما قاصدين الزواج حقيقةً كان صحيحاً، دائمياً أو مؤقتاً، حتى لو كان دافعها إلى الزواج المؤقت المال.
9 - لا يجوز للرجل أن يتزوج بأكثر من أربع نساء زواجاً دائمياً، وله الحق في تطليق نسائه، ولكنه مكروه.
ـ بالمناسبة لم تحدثني عن الطلاق.
ـ أحدثك عنه في حواريتنا القادمة إن شاء الله فقد ضاق بنا الوقت الآن.
ـ حسناً فإلى الحوارية القادمة إن شاء الله إلى حوارية الطلاق.
ـ إن شاء الله تعالى.
حوارية الطلاق
كنت أظنّ أول الأمر أني وحدي أكره الطلاق.
غير أني ما أن سمعت من أبي حديثه حتى عرفت أني لست وحدي أكره الطلاق. فهذا أبي مثلي يكرهه، وهؤلاء الناس مثلنا يكرهونه. أكثر من ذلك، فقد قال لي أبي:
إن الله عز وجل يبغض الطلاق.
وزاد فنقل لي نصوصاً من الحديث الشريف تذكر ذلك.
فقد نقل لي أبي عن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) قوله: (ما من شيء أبغض إلى الله عز وجل من الطلاق).
وأورد لي عنه (عليه السلام): (ما من شيء أبغض إلى الله عز وجل من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة يعني الطلاق).
ونقل لي عن الحسن بن الفضل عنه (عليه السلام) الحديث الشريف: (تزوّجوا ولا تطلقوا، فإن الطلاق يهتز منه العرش).
وقد تعدى بغض الطلاق في حديث شريف إلى بغض الرجل الذي يكثر منه أي الرجل المطلاق، فقد قال الإمام أبو عبد الله (عليه السلام): (سمعت أبي يقول: إن الله عز وجل يبغض كل مطلاق).
قلت لأبي: أنا أكره الطلاق، ولكنه رغم ذلك يحسن بي أن أحيط ببعض أحكامه.
قال: نعم هو كذلك، وأضاف مبتدئاً أحكام حوارية الطلاق قائلاً: يشترط في المطلّق: البلوغ، والعقل، والرشد، والاختيار ـ فلا يصح من المكره ولا المجبر على الطلاق ـ وان يقصد المطلّق الفراق حقيقة بصيغة الطلاق فلا يصح طلاق الهازل والساهي ومن لا يفهم معنى الطلاق.
ـ وما هي صيغة الطلاق؟
ـ لا يقع الطلاق إلاّ إذا أنشئ بصيغة خاصة وبلغة عربية وبمحضر رجلين عادلين يسمعان إنشاء الطلاق ـ يقول الزوج مثلاً: (زوجتي ـ ويذكر اسمها ـ طالق)، أو يخاطب زوجته مثلاً قائلاً لها: (أنت طالق)، أو يقول وكيل الزوج: (زوجة موكلي ـ ويذكر اسمها ـ طالق) ـ عندئذٍ يقع الطلاق بين الزوجين.
ـ وهل يجب ذكر اسم الزوجة في صيغة الطلاق؟
ـ لا، لا يجب ذكر اسمها إذا كانت معينة معروفة، كما إذا لم يكن له غيرها.
قال أبي: ولا يجوز الطلاق ما لم تكن المرأة المطلّقة طاهرة من الحيض أو النفاس، إلا في حالات عدة نصّت عليها كتب الفقه.
كما لا يجوز للزوج طلاق زوجته في طهر جامعها فيه، بل على الرجل الانتظار حتى تحيض زوجته ثم تطهر من حيضها ثم يطلّقها بعد طهرها من الحيض.
هذا، ولا تطلق الزوجة في (الزواج المؤقت) بل يتحقق الفراق بانقضاء المدة المتفق عليها معها، أو ببذل المدة المتبقية لها كأن يقول الرجل لزوجته مثلاً: (وهبتك المدة الباقية) فتنتهي بذلك العلاقة بينهما. ولا يعتبر في الفراق عن الزواج المؤقت وجود شهود، ولا يشترط فيه طهارة المرأة من حيض ولا نفاس.
أضاف أبي قائلاً: إذا طلّق الرجل امرأته التي ضاجعها ودخل بها بعد إكمالها التسع وقبل بلوغها سن اليأس وجب عليها أن تعتدّ ابتداء من تاريخ وقوع الطلاق لا تاريخ علمها به.
ـ وكم هي عدة الطلاق؟
ـ عدة الطلاق لغير الحامل ثلاثة أطهار، ويحسب الطهر الفاصل بين يوم الطلاق وحيضها طهراً واحداً.
ـ معنى هذا أن عدتها تنتهي بمجرد رؤيتها الدم الثالث؟
ـ نعم بمجرد رؤيتها دم الحيض الثالث.
ـ وعدة المطلقة الحامل؟
ـ عدة المطلقة الحامل مدة حملها، وهي تنقضي بوضع الحمل، تاماً كان ذلك الحمل أو سقطاً.
ـ ولو وضعت بعد الطلاق بيوم فهل تنتهي بالولادة عدتها؟
ـ نعم حتى لو كانت ولادتها بعد الطلاق بساعة لا بيوم.
ـ وهل على المتزوجة زواجاً مؤقتاً عدة بعد افتراقها عن زوجها؟
ـ إذا كانت بالغة مدخولاً بها غير يائس فعدتها طُهران وتحسب الطهر الفاصل بين يوم الفراق وبين حيضها طهراً واحداً، وتكمل طهراً آخر بعده.
قال أبي ذلك وأضاف:
ـ أمر الطلاق بيد الزوج، وهو قسمان: بائن ورجعي؛ فالطلاق البائن هو الذي لا يحقّ للزوج بعده الرجوع إلى الزوجة إلاّ بعقد جديد كطلاق الزوجة قبل الدخول بها.
وأما الطلاق الرجعي فهو ما كان للزوج الحق في إرجاع زوجته المطلقة إليه ما دامت في العدة من دون عقد جديد ولا مهر جديد.
غير أن هناك من فروع الطلاق البائن طلاقاً يسمى بـ (الطلاق الخلعي) ويقصد به (الطلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها ممتنعة عن أداء حقوقه أو مهددة بذلك). فإذا قالت الزوجة لزوجها: (بذلتُ لك مهري على أن تخلعني)، وقال الزوج بعد ذلك ـ وبحضور شاهدين عادلين ـ: (زوجتي ـ ويذكر اسمها ـ خالعتها على ما بذلت)، أو يقول: (فلانة طالق على كذا..) فقد طلّقها طلاقاً خلعياً.
ـ وهل يجب ذكر اسم الزوجة هنا؟
ـ إذا كانت معينة لا يجب ذكر اسمها.
ـ وهل يجوز أن يكون المال المبذول للزوج غير المهر حتى يخلع زوجته؟
ـ نعم يجوز ذلك. كما يحق للزوجة والزوج أن يوكلا من يقوم مقامهما في الطلاق الخلعي.
ـ أحياناً يغيب الزوج ولا يظهر له أثر ولم يعلم موته ولا حياته؟
ـ يحق للزوجة في حالة كهذه أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي ـ المجتهد العادل ـ فتعمل بما يقرره فيمهلها مدة أربع سنين، وبعدها من حقها أن يطلّقها المجتهد الحاكم أو وكيله الذي يرّخصه في ذلك، على تفصيل مذكور في كتب الفقه.
ـ إذا حكم على الزوج بالسجن حكماً مؤبداً وهو لا يقدر على الإنفاق على زوجته ـ ولا ينفق أحد نيابة عنه ـ ويمتنع عن الطلاق؟
ـ إذا أحرز الحاكم الشرعي امتناع الزوج عن الطلاق بطريق شرعي جاز له في فرض السؤال تطليق الزوجة إذا طلبت هي ذلك منه.
ـ الطفل هل تكون حضانته للاُم، ومتى ينتقل هذا الحق للأب؟
ـ الأم أحق بالطفل ما دامت ترضعه، فإذا فطم عن الرضاع فالأب أحق به، لكن لا يعني هذا أنها يحق لها منع الطفل عن أبيه، بل يحق للأب في دور الرضاع الإشراف على الطفل من وراء الأم، كما ينبغي للأب بعد الفطام إبقاء التواصل بين الطفل وأمه إشباعاً لحاجته إلى حنان الأم، رعاية لمصلحة الطفل التي يشخصها الأب. وليس الطفل متاعاً مملوكاً لأحد الأبوين كي يستخدمه سلاحاً ضد الآخر، بل لابد من رعاية مصلحته.
الفهرست التفصيلي
حوارية النذر والعهد واليمين
في طريق عودتي إلى البيت سمعت الحوار التالي بين والدة وولدها:
الوالدة: لقد نذرت لله عز وجل أن أذبح خروفاً إن شفي أخوك الصغير من مرضه وها هو ذا شفي ـ والحمد لله ـ فوجب عليّ أن أفي بالنذر.
الولد: ألم أقل لك دائماً يا أمي أنك تفضلين أخي الصغير عليّ؟
الوالدة: ولم ذاك؟
ألم يكن مرض أخيك خطيراً.. ألم يفقد وعيه فلم يعد يسمع ويرى.. ألم يقل الطبيب عنه لولا عناية الله به لما شفي... ألم ... ألم.. أنسيت حالته؟! أليس من الواجب أن أشكر الله على شفائه، فأذبح خروفاً لله عز وجل، حمداً له على نعمته هذه؟! أَوَ يعني أني حين أنذر لله عز وجل راجية وطالبة شفاء أخيك من مرض خطير ألمّ به أني أفضله عليك؟! ألم نعقّ عنك عقيقة كانت خروفاً سميناً في اليوم السابع بعد ولادتك.. ألم نضحي عنك أضحية؟ .. عقيقة.. أضحية.
ـ ما العقيقة؟… وما الأضحية؟
ـ العقيقة يا بني ـ قال أبي ـ أن يُذبح عن المولود ذكر كان أو أنثى في اليوم السابع من ولادته خروف أو بقرة مثلاً... قال الإمام (عليه السلام): (يسمى الصبي في اليوم السابع و(يعق) عنه ويحلق رأسه ويتصدق بزنة الشعر فضة وترسل الرجل والفخذ للقابلة التي عاونت الأم في وضع الحمل، ويطعم الناس بالباقي منها ويتصدق به). ويكره للأب أو أحد عياله أن يأكل من عقيقة صبيه.
والعقيقة سنة مؤكدة لمن يقدر عليها، قال الإمام الباقر(عليه السلام): (إن رسول الله أذّن في أذن الحسنين (صلوات الله عليهما) يوم ولادتهما وعقّ عنهما في اليوم السابع).
ومن لم يعق عنه أبوه جاز له أن يعق هو عن نفسه بعد ذلك عندما يكبر، فقد سأل عمر بن يزيد الإمام الصادق (عليه السلام) قائلاً: (إني والله ما أدري كان أبي عقّ عني أم لا) فأمره (عليه السلام) بالعقيقة، فعقّ عن نفسه وهو شيخ.
ـ هذه هي العقيقة، ولكن ما هي الأضحية؟
ـ الأضحية ـ قال أبي: ـ أن يذبح الإنسان ـ إن تمكن ـ خروفاً مثلاً، ويا حبذا لو كان سميناً يوم العيد ـ عيد الأضحى ـ وإلى ثلاثة أيام لمن كان خارج منى. وهي سنة مؤكدة كذلك، ويجوز التبرع بالأضحية عن الحي والميت على السواء بما في ذلك عن الصبي الصغير فقد ضحى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن نسائه، وضحى عمن لم يضح من أهل بيته، وضحى عمن لم يضح من أمته. كما كان يضحي أمير المؤمنين (عليه السلام) كل سنة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ـ وهل وفاء تلك الأم بنذرها واجب عليها أو هو كالعقيقة والأضحية غير واجب بل مستحب مؤكد؟
ـ دعني أقل لك أولاً ما هو النذر.
النذر: أن تلتزم بفعل شيء معين أو ترك شيء معين لله تعالى... أيّ شيء كان.
ولكن ليس دائماً يجب الوفاء بالنذر، وإنما بشروط لو تحققت وجب الوفاء به.
ـ وما هي الشروط التي لو تحققت يجب الوفاء بالنذر؟
ـ الشروط هي..
1 - أن يُنشأ النذر لله تعالى كأن يقول من يريد أن ينذر مثلاً: (لله عليّ أن أذبح خروفاً وأتصدق بلحمه على الفقراء إن شفي ولدي)، أو يقول: (لله عليّ أن أدع وأترك التعرض لجاري بسوء)، أو غير ذلك.
ـ ولو لم يُنشئ الناذر نذره لله تعالى، بل اكتفى بالنية في قلبه من دون أن ينطق به أو أنشأ نذره لغير الله تعالى؟
ـ لا يجب عليه الوفاء بالنذر حينئذٍ.
2 - أن يكون الشيء المنذور راجحاً حسناً.
وإذا كان الشيء المنذور غير راجح وغير حسن، بل كان مكروهاً أو مضراً أو مباحاً لا يصح النذر.
3 - يشترط في الشخص الناذر البلوغ والعقل والاختيار والقصد، كما لا يصح النذر في حالة الغضب الشديد.
4 - أن يكون الشيء المنذور مقدوراً ومستطاعاً للناذر.
ـ إذا نذر إنسان شيئاً لا يقدر عليه ولا يستطيع فعله؟
ـ لا يصح النذر.
ـ وإذا نذر الإنسان وفق الشروط مارة الذكر؟
ـ وجب عليه الوفاء بنذره والالتزام بما نذر، سواء أكان فعل شيء لله عز وجل صلاة كان ذلك الشيء أم صوماً أم صدقة أم زيارة أم حجاً أم تبرعاً بشيء أم نذر ترك شيء كترك التدخين أو ترك المعصية أو غير ذلك.
ـ وإذا خالف الإنسان نذره عامداً؟
ـ وجبت عليه الكفارة، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم.
ـ وإذا عجز عن ذلك لفقره مثلاً؟
ـ يجب عليه صيام ثلاثة أيام متواليات.
ـ لو نذر الإنسان مالاً لمشهد من المشاهد المقدسة؟
ـ ينفق ذلك المال على عمارته أو إنارته أو فرشه أو تدفئته أو تبريده أو ما شاكل ذلك من شؤون المشهد.
ـ ولو نذر لله تعالى أن يبذل مالاً للنبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) أو بعض أولادهما؟
ـ ينفق في القربات والمبرات، كالصدقة على الفقراء وإطعام الزوار وينوي ثوابها للنبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام).
ـ إذا ظن الإنسان ظناً قوياً انه قد نذر نذراً معيناً، فهل يجب عليه الوفاء به؟
ـ إذا علم أنه قد نذر وجب عليه الوفاء بالنذر، أما إذا لم يعلم بالنذر فلا يجب عليه الوفاء به.
قال أبي ذلك وأضاف: وقد يعاهد الإنسان الله سبحانه وتعالى فيقول: (عاهدت الله أن أفعل..) أو يقول: (عليّ عهد الله إنه متى كان... فعليّ... ) فإذا قال ذلك وجب عليه الالتزام بما عاهد عليه، [بل إذا عزم على ذلك ونواه في قلبه وجب عليه الالتزام به].
ـ معنى هذا أن العهد كالنذر لا يصح كونه لغير الله تعالى؟
ـ نعم، ولا يصح العهد على ما كان مكروهاً شرعاً ولو بلحاظ مفسدة دنيوية كالاعتياد على التدخين مثلاً، ويشترط في العهد ما يشترط في النذر، وقد شرحت لك ذلك.
ـ وإذا خالف الإنسان ما عاهد الله عليه؟
ـ أثم ووجبت عليه كفارة، وهي عتق رقبة أو إطعام ستين مسكيناً أو صوم شهريين متتابعين.
قال أبي ذلك وأردف مضيفاً:
ويجب الوفاء باليمين كذلك، ولو خالفها عامداً أثم ووجبت عليه كفارة، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ومع العجز عن ذلك يصوم ثلاثة أيام متواليات.
وبعض الناس لا ينتبه إلى أن مخالفة النذر أو اليمين أو العهد معصية لله، فيستهين بها ويكتفي بدفع الكفارة، غافلاً عن التوبة والاستغفار، لذلك أحذرك من المسارعة في اليمين أو النذر أو العهد، كي لا تقع في المعصية إذا خالفتها.
ويشترط في اليمين أو القسم اللفظ، وأن يكون القسم بالله تعالى، وأن يكون ما أقسم عليه مقدوراً أو مستطاعاً حين الوفاء به، وأن يكون أمراً راجحاً أو ممدوحاً شرعاً ولو بلحاظ مصلحة دنيوية كحفظ المال من الضياع والتلف. لكن إذا حلف على فعل شيء ثم رأى تركه خيراً من فعله جاز له تركه. ويشترط في الحالف التكليف والاختيار والقصد، ولا ينعقد اليمين في حالة الغضب الشديد، بل لا ينعقد إذا صدر اليمين من الحالف اندفاعاً منه بسبب العادة الجارية على لسانه كما يشيع ذلك عند كثير من الناس.
ـ مثّل لي لليمين أو القسم التي يجب الوفاء بها؟
ـ إذا قال الإنسان مثلاً: (والله لأفعلن)، أو قال: (بالله لأفعلن)، أو قال: (اُقسم بالله)، أو قال: (اُقسم برب المصحف)، أو غير ذلك.
ـ وإذا قال الإنسان مخاطباً شخصاً آخر قائلاً له: (والله لتفعلن)؟
ـ لا يتعلق اليمين أو القسم بفعل الإنسان الآخر، ولا بالزمن الماضي كأن يقول: (والله لقد حدث الأمر الفلاني). ولذلك فلا تترتب الكفارة على يمين كهذا رغم إنه حرام ومعصية إذا كان كذباً، كما لا ينعقد يمين أو قسم الولد إذا منعه أبوه، ويمين الزوجة إذا منعها زوجها. بل إذا أقسم الولد دون إذن أبيه والزوجة دون إذن زوجها فلا قيمة لهذا اليمين، ولا تجب الكفارة على مخالفته، لأنه وقع من دون إذنهما.
ـ قد يحلف أو يقسم الإنسان على صدق لامه وهو صادق بالفعل، أو يحلف على شيء معين وهو صادق في حلفه؟
ـ الأيمان الصادقة ليست محرمة، ولكنها مكروهة.
أما الأيمان الكاذبة فهي محرمة، بل هي من المعاصي الكبيرة إلا عند الضرورة.
ـ وكيف ذلك؟
ـ إذا قصد الإنسان أن يدفع بقسمه أو حلفه الظلم عن نفسه أو عن المؤمنين فهذا القسم جائز، بل ربما يكون القسم الكاذب واجباً كما إذا هدد الظالم نفس المؤمن أو عرضه أو مؤمناً آخر أو عرضه.
ـ شخص أقسم أو حلف قائلاً: (والله لا أعمل العمل الفلاني أبداً) ثم أراد أن يتحلل من قسمه هذا ويعمل ذلك العمل، فهل يكفيه أن يدفع الكفارة؟
ـ لا ينحل اليمين بدفع الكفارة، ويرتكب معصية إذا عمل العمل المذكور.
ـ شخص آخر أقسم قائلاً: (والله كلما فعلت كذا أدفع مبلغ كذا إلى الفقراء) واستمر يفعل ويدفع المبلغ حتى أصبح دفع المبلغ ثقيلاً وحرجياً وشاقاً عليه وضاراً بحاله، فماذا يفعل؟
ـ ينحل اليمين إذا كان حرجياً ومضراً بحاله.
حوارية الوصية
استهلّ أبي جلسة حوارية الوصية بالحديث الشريف التالي:
قال الإمام أبو جعفر (عليه السلام): الوصية حق، وقد أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فينبغي للمسلم أن يوصي).
ـ ولكن بعض الناس ـ يا أبي ـ لا يوصون معتبرين أن الوصية تعني قرب حلول الموت، فيتشاءمون منها.
ـ الوصية مستحبة، ويقال: إنها على العكس من ذلك تطيل العمر، ثم إن ترك الوصية مكروه وغير حسن.
ـ وبعد ذلك كله (الموت حق) أليس كذلك؟
ـ نعم الموت حق، قال تعالى في كتابه الكريم: (كل نفس ذائقة الموت) أسمعها كثيراً تتردد على شفاه الناس وأقرؤها على المقابر في الطريق، نعم الموت حق.
ـ إذا كان كذلك فلماذا التهرب من حقيقة واقعة لا محالة؟
ـ أليس من الأجدر بنا أن نكون واقعيين، أو قل عمليين فنستعد لما هو آت لا مناص منه ولا مهرب عنه طال بنا العمر أو قصر فيكون مصدر العظة والاعتبار.
ـ ولكني لا أعرف كيف يوصي الإنسان؟
ـ يستحب لك أن تبدأ بالوصية التي علّمها رسول الله (صلى الله عليه وآله) للإمام علي (عليه السلام) وللمسلمين.
ـ وما هي؟
ـ نهض أبي لمكتبته وعاد ومعه كتاب عزيز عليه يسميه (الوسائل) فقرأ عليّ منه نفس الوصية التي علّمها رسول الله (صلى الله عليه وآله) للإمام علي (عليه السلام) وللمسلمين وأنا أكتب ما يقرأ. وها أنذا أنقل إليكم ما قرأ وكتبته..
(اللهمّ فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، اللهمّ إني أعهد إليك في دار الدنيا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث حق، والحساب حق، والقدر والميزان حق، وأن الدين كما وصفت، وأن الإسلام كما شرعت، وأن القول كما حدثت، وأن القرآن كما أنزلت، وأنك أنت الله الحق المبين، جزى الله محمداً خير الجزاء وحيّا محمداً وآل محمد بالسلام.
اللهم يا عدتي عند كربتي وصاحبي عند شدتي ويا وليَّ نعمتي، إلهي وإله آبائي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً فإنك إن تكلني إلى نفسي أقرب من الشر وأبعد من الخير، فآنس في القبر وحشتي واجعل لي عهداً يوم ألقاك منشوراً).
ثم يوصي الإنسان بحاجته، أي حاجة يشاء.
ـ وبماذا يوصي؟
ـ يوصي بالمحافظة على أولاده الصغار وعائلته مثلاً، يوصي بصلة الرحم مثلاً، يوصي بتسديد ديونه وأداء أماناته، يوصي بقضاء ما فاته من صلاة وصيام وحج، يوصي بدفع خمس أموال لم يخمّسها سابقاً أو زكاة استحقت عليه ولم يخرجها، يوصي بإطعام الفقراء نيابة عنه، يوصي بالقيام بأعمال خاصة له بعده، يوصي بالتصدق نيابة عنه، يوصي... يوصي بما يشاء.
قال أبي ذلك وأردف:
ويشترط في من يوصي: البلوغ والعقل والاختيار. فلا تصح وصية الإنسان المكرَه، ولا الصبي إلا إذا أدرك وبلغ عشر سنين وكانت وصيته في وجوه الخير [كما تصح وصية ابن سبع سنين في اليسير من الخير والمعروف]، ويشترط أن لا يكون الموصي قاتل نفسه ممن جرح نفسه أو تناول سماً منتحراً عاصياً عامداً، ثم أوصى بأمواله ومات بسبب ذلك، لم تنفذ وصيته تلك بأمواله [بل حتى بغير أمواله كالولاية على أطفاله].
وأضاف أبي: يسمّى الشخص الذي يختاره صاحب الوصية لتنفيذ وصيته (بالوصي). وليس للوصي أن يفوض أمر الوصية إلى غيره. نعم له أن يوكل من يثق به للقيام بشأن ما من شؤون الوصية إذا لم يكن غرض صاحب الوصية مباشرة الوصي ذلك الأمر بنفسه.
ـ وهل يشترط في الوصية أن تكون مكتوبة؟
ـ لا، يمكن للإنسان أن يوصي باللفظ أو حتى بالإشارة المفهمة لما يريد، كما يكفي وجود كتابة بخطه أو إمضائه يظهر منها إرادة العمل بها بعد موته.
ـ وهل يكتب الإنسان وصيته حال المرض فقط؟
ـ لا، في الحالين معاً حال المرض وحال تمتعه بالصحة والعافية والسلامة.
ـ ويوصي بما يريد؟
ـ نعم، شرط أن لا يكون في معصية كمعونة الظالم وغيرها.
ـ وبالمبالغ أو المخلّفات التي يملكها؟
ـ يحق للإنسان أن يوصي بما لا يزيد على ثلث ما تركه فقط من أموال أو غيرها.
ـ وإذا أوصى بما زاد على ثلثه؟
ـ بطلت وصيته في ما زاد على الثلث إلا إذا أجاز ذلك الورثة فتصح آنذاك.
ـ وإذا أريد تنفيذ الوصية.
ـ تستثنى أولاً ـ قبل تنفيذ الوصية ـ من مجموع ما خلّفه الموصي الحقوق المالية التي بذمته كالمال الذي استدانه وثمن الحاجيات التي اشتراها ولم يسدد ثمنها، وغيرها، بما في ذلك الزكاة الواجبة التي بذمته، والحج الواجب بالاستطاعة سواء أوصى بذلك أم لم يوص.
وأما الخمس فلا يجب دفع الخمس عنه من ماله بعد وفاته [إلا إذا كان الميت عازماً على دفع الخمس].
ثم يقسّم ما خلّفه -الباقي طبعاً- ثلاثة أقسام:
ثلث منها لما أوصى به وثلثان للورثة.
ـ أحياناً يوصي الميت بدفع مبلغ معين إلى شخص معين أو بتمليك دار أو عقار أو قطعة أرض إلى شخص معين، أو قد يأمر بدفنه في مكان معين أو بتجهيزه وفق ضوابط خاصة، أو غير ذلك.
ـ يحق له كل ذلك إذا لم يستلزم صرف أكثر من ثلث ما ترك من المال.
ـ قد يتلف شيء من مال الموصي بيد الوصي.
ـ الوصي غير مسؤول عن تلف ما في يده إلا مع التعدي أو التفريط.
قال أبي ذلك وأضاف:
ـ إذا لم تظهر علامات الموت للإنسان فالوصية مستحبة، أما إذا تخوّف من حدوث الموت أو ظهرت علاماته فتجب عليه حينئذٍ أشياء منها:
1 - وفاء ديونه التي حان وقت وفائها مع قدرته على الوفاء. أما الديون التي لم يحن وقت وفائها فتجب عليه الوصية بها والاستشهاد عليها إذا لم تكن معلومة عند الناس.
2 - إرجاع الأمانات إلى أهلها أو إعلام أصحابها بأماناتهم عنده أو أن يوصي بإرجاعها.
3 - أداء الخمس والزكاة فوراً إن كان في رقبته شيء منها وكان قادراً على الأداء.
4 - قضاء الصلاة والصيام الواجب في ذمته، وإن لم يتمكن من أدائه بنفسه فيوصي باتخاذ أجير من ماله ليصلي ويصوم نيابة عنه.
المهم انه يجب عليه التوثق من أداء ما يجب عليه في ذمته من صوم وصلاة وحقوق، ولا فرق في ذلك بين أن يكون بوصية أو طلب وتعهد من أولاده أو غيرهم بالأداء عنه وتفريغ ذمته.
5 - [إخبار الورثة بما أخفى من مالٍ عند غيره أو في مكان خاص لا يعلمه غيره، لئلا يضيع حقهم بعد وفاته].
ـ قلت لي في بداية الحوارية أن الوصية مستحبة. فلو لم يوص الإنسان؟
ـ لو لم يوص الإنسان سقط حقه في التصرف بثلث ما تركه كما يحب ويشاء، فتقسّم جميع تركته وفق ضوابط خاصة على ورثته.
ـ وكيف تقسّم؟
ـ هذا ما سأتناوله في حوارية الإرث القادمة إن شاء الله.
الفهرست التفصيلي
حوارية الإرث
قال أبي مبتدئاً حوارية الإرث:
يمكننا أن نقسم طبقات الأقرباء من زاوية الإرث إلى ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى: الأبوان والأولاد وأولاد الأولاد وهكذا..
غير أن الولد إن وجد منع الحفيد والسبط من الإرث.
ـ وما الحفيد وما السبط يا أبتي؟
ـ الحفيد هو ابن الأبن، والسبط هو ابن البنت.
الطبقة الثانية: الاُخوة والأخوات، وإن لم يوجدوا فأولادهم، وإذا تعدد أولاد الأخ منع الولدُ الأقرب منهم الولد الأبعد من الإرث، ويشارك الأخوة في هذه الطبقة الأجداد والجدات فإن لم يوجدوا فآباء الأجداد والجدات وأمهاتهم.
ـ اضرب لي مثلاً على ما تقول؟
ـ ابن الأخ مثلاً إن وجد منع حفيد الأخ من الميراث.
الطبقة الثالثة: الأعمام والأخوال والعمات والخالات، وإن لم يوجدوا فأبناؤهم.
ويرث الأقرب منهم فالأقرب، حيث لا يرث أبناء العم، أو الخال، أو العمة أو الخالة مع وجود العم أو الخال أو العمة أو الخالة إلا في حالة واحدة نصّت عليها كتب الفقه.
ـ إذا لم يوجد للمتوفى أعمام أو أخوال ولا أولادهم؟
ـ حينئذٍ سيرثه عمومة أبيه واُمه، وعماتهما وأخوالهما وخالاتهما وأبناؤهم.
ـ ومع عدم وجودهم؟
ـ سيرث المتوفى عمومة جده وجدّته وأخوالهما وعماتهما وخالاتهما وبعدهم أولادهم، علماً بأن الأقرب منهم مقدم على الأبعد.
ـ ولماذا قسَّمت الأقرباء إلى طبقات هذه المرة ولم تقسمهم كما اعتدت في التقسيمات السابقة إلى أقسام.
أقصد لماذا قلت: نقسم الأقرباء إلى طبقات، ولم تقل إلى أقسام؟
ـ سؤالك وجيه، فهنا في الإرث لا يرث القريب من الطبقة اللاحقة ما دام هناك قريب من الطبقة السابقة، فهم متدرجون طبقة بعد طبقة.
ـ ولم تذكر لي الزوج والزوجة في أي من الطبقات الثلاث مارة الذكر؟
ـ إنهما يرثان وفق ضوابط خاصة بمعزل عن هذه الطبقات، بل مع جميعها يرثان.
ـ سأسألك إذن أولاً عن إرث الطبقة الأولى ثم انتقل إلى الثانية فالثالثة.
ـ سل كما تشاء.
ـ إذا لم يكن للمتوفى قريب من الطبقة الأولى إلا أبناؤه فقط؟
ـ ورثوا ماله كله.
ـ فإن كان الولد واحداً ذكراً كان، أو أنثى؟
ـ ورث المال كله.
ـ وإن كانوا ذكوراً كلهم أو إناثاً كلهن؟
ـ تقاسموا المال بينهم بالسوية.
أما إذا كانوا ذكوراً وإناثاً معاً فللذكر مثل حظ الاُنثيين.
ـ أراك تطلق لفظ الولد على الذكر والاُنثى معاً لا على الذكر وحده كما هو شائع عندنا.
ـ نعم، قال تعالى في كتابه الكريم: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الاُنثيين).
ـ لو فرضنا أن رجلاً مات وله ابن وبنت فكيف يقسّم بينهم الإرث؟
ـ يقسّم مال الميت ثلاثة أسهم، للإبن منه سهمان وللبنت سهم واحد.
ـ إذا لم يكن للميت قريب من الطبقة الأولى غير أبويه، وكان أحدهما حياً والآخر ميتاً؟
ـ ورث الحي الإرث كله.
ـ لو كان الأب والأم حييّن معاً ولم يكن للميت اُخوة؟
ـ أخذ الأب ثلثي المال، وأخذت الأم الثلث الباقي.
ـ لو كان الأب والأم معاً حييّن وكانت للميت بنت واحدة؟
ـ قسم المال ثلاثين حصة، أعطي ست منها للاُم، وست للأب، وثمان عشرة حصة للبنت.
ـ وإذا اجتمع للميت أحد الأبوين مع أولاد وبنات؟
ـ كان سدس المال للأب أو للاُم، ويقسم الباقي بين الأولاد وفق قاعدة (للذكر مثل حظ الأنثيين).
ـ دعنا ننتقل إلى إرث الطبقة الثانية.. أذكر أنك قلت لي أن الأخوة من الطبقة الثانية.
ـ هذا صحيح.
ـ إذا مات الإنسان وله أخت واحدة أو أخ واحد؟
ـ للأخ الواحد، أو الأخت الواحدة المال كله.
ـ وإذا كان له أخوة متعددون من أبيه وأمه؟
ـ قسّم المال بينهم إن كانوا كلهم ذكوراً أو كلهن إناثاً، أما إذا كان بعضهم ذكوراً والبعض الآخر إناثاً فـ (للذكر مثل حظ الأنثيين) إن كانوا أخوة لأبيه وأمه، أو لأبيه فقط من دون اُمه، أما أخوة الأم فقط فيقتسمون بالسويّة مهما كانوا.
ـ طيب، والعم والعمة من الطبقة الثالثة، أليس كذلك؟
ـ نعم، وكذلك الخال والخالة.
ـ لو فرضنا أن شخصاً مات وليس له إلا عم واحد أو عمة واحدة.
ـ المال كله للعم أو العمة.
ـ إذا كان له أعمام متعددون، وعمات متعددات.
ـ قُسّم المال بينهم جميعاً (للذكر مثل حظ الأنثيين).
ـ إذا اجتمع للميت عم أو عمة أو أكثر مع خال أو خالة أو أكثر.
ـ كان ثلث المال للخؤولة والباقي للعمومة، طبعاً يقسّم المال بينهم على طريقة (للذكر مثل حظ الاُنثيين).
ـ وإرث الزوج والزوجة؟
ـ للزوجة حكم خاص في الإرث فبعض مخلّفات الزوج لا ترث منها زوجته مطلقاً، لا في نفس ما ترك الزوج وخلّف ولا في ثمنه.
فالأراضي بصورة عامة، أرض الدار مثلاً، أرض المزرعة مثلاً، وغيرهما... كل أرض للزوج لا نصيب للزوجة فيها ولا في ثمنها.
هذا شيء، وهناك شيء آخر يخص إرث الزوجة.
ـ ما هو؟
ـ بعض أموال الزوج ترث الزوجة قيمتها فقط كالأبنية التي في الدور مثلاً والأشجار والزروع، ولا ترث عينها، فالزوجة لا حق لها في نفس البناء ولا في نفس الشجر ولا الزرع. فهي لا ترثه وإنما حقها فقط في قيمة البناء وقيمة الشجر وقيمة الزرع. ولا يجوز للورثة التصرف في ما ترث منه الزوجة إلا باستئذانها.
ولا بد لهم ـ لكي يعطوا الزوجة حقها وحصتها من قيمة الأشجار والبناء ونحوها ـ أن يقِّدروا قيمة مواد البناء والشجر ليستخلصوا إرث الزوجة من مجموع قيمة هذه الأشياء بعد تقديرها.
ـ وغير الأراضي والأبنية والأشجار والزروع مما ترك الزوج وخلّف؟
ـ ترث منها الزوجة كما يرث سائر الورثة الآخرون.
ـ وهل يرث الزوج زوجته؟
ـ نعم، يرث الزوج من كل ما تركته الزوجة وخلّفته منقولاً وغير منقول أرضاً وأموالاً وأشجاراً وبناءً... وغيرها.
ـ إذا ماتت الزوجة وزوجها حي وليس لها ولد؟
ـ للزوج نصف ما خلّفت الزوجة والنصف الآخر لباقي الورثة من سائر الطبقات إن كانوا موجودين.
ـ وإن كان لها ولد؟
ـ للزوج الربع، والباقي لسائر الورثة.
ـ لو عكسنا السؤال.. لو قلنا: إذا مات الزوج وليس له ولد، وزوجته حية، فكم نسبة ما ترثه من زوجها؟
ـ للزوجة الربع، والباقي للورثة.
ـ وإن كان له ولد؟
ـ للزوجة الثمن والباقي للورثة.
قال أبي: هناك مسائل أخرى وفروض أخرى في الإرث أشبعتها بحثاً كتب الفقه، فإذا رغبت المزيد فراجعها، غير أني سأشير لك في ختام لقائنا إلى أمرين:
1 - يعطى من تركة المتوفى للولد الأكبر قرآن المتوفى وخاتمه وسيفه وملابسه سواء لبسها المتوفى أم أعدها للبسه.
2 - القاتل لا يرث المقتول إذا كان القتل عمداً ظلماً، [بل حتى إذا كان القتل خطأ].
الفهرست التفصيلي
حوارية الوقف
قلت لأبي ـ بعد أن جلس ـ مبتدئاً أنا هذه المرة حوارية اليوم، قلت له: وأنا أؤدي مراسيم الزيارة لمراقد أئمتي الأطهار (عليهم السلام) أشاهد أحياناً عبارة (وقف) مكتوبة على بعض المصاحف الكريمة الموضوعة داخل المرقد الطاهر، أو على الثريات، وأجهزة التبريد، والمصابيح، وغيرها.
كما أشاهد عبارة الوقف هذه أحياناً أخرى على بعض العمارات، والبنايات، والمحلات، وعلى المراوح، والمصابيح في المساجد والحسينيات، وربما على بعض الثلاجات في الشوارع العامة وغيرها.
ـ نعم، يحق للإنسان أن يوقف الأشياء التي ذكرتها وأمثالها وفق ضوابط خاصة، فإذا تم الوقف بشروطه الشرعية خرج الشيء الموقوف عن ملك مَن وقفه، وأصبح مالاً لا يوهب، ولا يورث، ولا يباع إلا في حالات خاصة نصَّت عليها كتب الفقه.
قال أبي ذلك وأضاف:
ـ يكون الوقف تارة للموقوف عليه كما إذا وقف شخص ملكاً له على ذرّيته أو العلماء أو الفقراء أو غيرهم.
وأخرى لا يكون كذلك كما إذا وقف شخص ملكاً له ليكون مسجداً.
وقد يعين الواقف شخصاً على الوقف يدير شؤونه ويعمل بما قرره الواقف من شروط ويسمى بـ (المتولي).
ـ وهل للوقف صيغة محددة؟
ـ لا، ولا لغة معينة، فلو بنى شخص ما بناءً ليكون مسجداً، وأذِن بالصلاة فيه صار وقفاً وأصبح مسجداً.
ويشترط في الوقف ـ قال أبي ـ شروط:
1 - [أن يكون بنية القربة].
2 - الاستمرار والدوام، فلا يصح الوقف إذا حدَّده الواقف بوقت معين.
ـ اضرب لي مثلاً على ما تقول.
ـ إذا وقف إنسان ما داره على الفقراء مدة سنة مثلاً، فلا يصح الوقف لأنه غير دائم ولا مستمر.
3 - أن يخرج الواقف نفسه عن الوقف.
ـ مثلاً؟
ـ إذا وقف إنسان ما عمارة على نفسه مثلاً، كي يصرف مردودها المادي على مؤنته وشؤونه لم يصح الوقف.
ـ وإذا وقف الإنسان داره على شخص معين، أو أشخاص معينين كأولاده أو أقربائه مثلاً.
ـ صح الوقف بعد قبضهم له، ذلك أن الوقف لا يصح من دون قبض الموقوف عليه أو وكيله أو وليه.
ـ وكيف يتم قبضهم للدار مثلاً؟
ـ يكفي في قبض الأموال غير المنقولة رفع الواقف يده عنها، واستيلاء الموقوف عليه أو وكيله أو وليه عليها.
ـ أحياناً يكون المال الموقوف بيد الموقوف عليه؟
ـ يكفي ذلك في قبضه ولا حاجة إلى قبض جديد.
ـ والأوقاف العامة من يقبضها؟
ـ [لابد من استعمالها فيما وقفت له].
ـ قلت لي: يشترط في الوقف الدوام والاستمرار، فلا يحق للواقف أن يحدد مدة معينة يرجع بانقضائها ملكه إليه.
ـ نعم، ويحق له إذا أراد عدم الدوام ـ أن (يحبس) ملكه ولا (يوقفه) ـ أن يحبس ملكه على جهة معينة أو شخص معين مدة يحددها بنفسه، وحينئذٍ لا يجوز له الرجوع قبل انقضائها، حتى إذا ما انتهت المدة عاد كل شيء إلى حالته الأولى.
قال أبي ذلك، ثم أطرق قليلاً وتنهد كمن تذكر شيئاً محزناً.
قلت له ـ لأقطع عليه سلسلة أفكار كئيبة تناهبته ـ:
ـ اضرب لي مثلاً على ذلك.
ـ إذا قال مالك سيارة نقل مثلاً: سيارتي (حبيسة) على نقل الحجاج إلى بيت الله الحرام عشر سنين، حبست سيارته على نقل الحجاج عشر سنين. فإذا انتهت المدة المحددة عادت سيارته إلى وضعها السابق.
ـ لو فرضنا أن هذا الشخص مات قبل انقضاء المدة المحددة، فهل تعود سيارته إلى ورثته ليتقاسمونها كإرث؟
ـ إذا مات الحابس بقي الشيء المحبوس على حبسه حتى تنتهي المدة، فإذا انتهت عاد وأصبح ميراثاً.
ـ وهل يحق للإنسان أن يحبس ملكه مدة حياته على شخص؟
ـ نعم، يحق له ذلك، ولا يجوز له الرجوع ما دام حياً، فإذا مات رجع ذلك الشيء ميراثاً إلى ورثته.
ـ إذا قال المالك لشخص: أسكنتك هذه الدار لك ولأولادك؟
ـ لم يجز له الرجوع في هذه (السكنى) ما دام الساكن موجوداً هو وأولاده، فإذا ماتوا رجعت الدار إلى مالكها أو ورثته.
ـ وإذا قال له: أسكنتك داري مدة حياتك، فمات الشخص المالك قبل الساكن؟
ـ لم يجز للورثة إخراج الساكن حتى يموت، فإذا مات عادت الدار إرثاً للورثة.
ـ أيجوز لزوج أن يوصي (بتحبيس) أقل من ثلث ماله على زوجته من أجل أن تستثمره في التجارة مدة حياتها على أن يعود المال بعد وفاتها إلى ورثة الزوج؟
ـ نعم، يجوز له ذلك.
ـ فراش المسجد وقف للمسجد أليس كذلك؟ فهل يجوز للولي إعارته مثلاً لعرس أو مناسبة؟
ـ مع كونه وقفاً مخصوصاً لا يجوز الانتفاع به في غير جهة الوقف.
ـ وهل يجوز تأجيره؟
ـ كذلك لا يجوز.

حوارية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الآن ـ قال أبي ـ وقد أحطت بالكثير مما تحتاجه من أحكامك الشرعية وتعلمت الكثير.
الآن وقد عرفت من أحكام الله ما عرفت، واستوضحت من واجباتها ما استوضحت، وحفظت من محرماتها ما حفظت.
الآن وقد بصرت بما لم تبصر به من قبل..
الآن وليس بعد الآن.. يجب أن تتذكر الماضي بكل قساوته، يوم رفعت رأسك إلى السماء وقلبك يقطر أسى وألماً وحيرة ولوعة وأنت تقول:
إلهي أعلم انك كلفتني ولكني لا أعلم بماذا كلفتني..
إلهي أنى لي أن أعرف حلالك فأفعله، أو حرامك فأجتنبه.
الآن وليس بعد الآن.. آن لك أن تدرك أن أعداداً كثيرة ممن هم في مثل سنك أو مرحلتك الدراسية أو أكبر منك يعيشون مأساتك السالفة، ويعانون معاناتك، ويكابدون مكابدتك، تكتوي أجفانهم كما اكتوت أجفانك بنثيث دمعك المشتعل وأنت تقول:
اللّهم أعن كتب الفقه الإسلامي على الإفصاح عما تريد قوله لأفهم ما تريد قوله.
الآن وقد تعلّمت ما تعلّمت، وألممت من أحكام الفقه بما ألممت.
آن لك أن تعمل بقوله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) فتدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
ـ آمر بماذا يا أبتي وأنهى عن ماذا؟
ـ اُأمر بما علمت من معروف، وانهَ عما علمت من منكر.
ـ ولكن ما لي وللناس يا أبتي، وما علاقتي بمن يفعل المنكر مثلاً حتى آمره بتركه، ثم لماذا أتدخل في شؤون الآخرين فآمرهم وأنهاهم ما دمت أنا أفعل المعروف، وأجتنب المنكر، وهذا يكفيني؟
ـ حاذر أن تقول ذلك يا بني اليوم، وحاذر أن تكرره ثانية ـ فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان كفائيان ـ فإذا لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر أحد.. لا أنا ولا أنت ولا أحد آخر غيرنا أثمنا جميعاً، وتعرضنا لغضب الله عز وجل وعقابه وسخطه.. أما إذا قام به أحدنا فقد سقط عن الجميع.
ألم تقرأ قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون).
ألم تسمع قول النبي الكريم محمد (صلى الله عليه وآله): (لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وتعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء).
ألم تقرأ قول الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام): (إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء، ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحلُّ المكاسب، وتردُّ المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر).
وقوله (عليه السلام): (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق الله، فمن نصرها أعزه الله ومن خذلهما خذله الله).
ثم ألم تقرأ قول النبي الكريم محمد (صلى الله عليه وآله): (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)؟
ـ نعم، قرأته.
ـ فأنت إذن راعٍ ومسؤول كذلك عن رعيتك، وللراعي واجبات وعليه حقوق وتبعات والمسؤولية ثقيلة.
أوَ بعد كل هذا تقول: لماذا أكون فضولياً فأتدخل في شأن لا يعنيني، ليس أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر فضولاً.. وليسا هما تدخلاً منك يا بني في شأن لا يعنيك.. هذا شانك.. نعم، شأنك.. فالذي أوجب عليك الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، والخمس، هو الذي أوجب عليك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ـ ولكني لست رجل دين حتى آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر؟
ـ ومن قال أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية رجل الدين وحده.. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان عليك وعليَّ وعلى رجل الدين، والطالب، والمدرس، والتاجر، والعامل، والموظف، والصناعي، والعسكري، والرئيس، والمرؤوس، والعادل، والفاسق، والغني، والفقير، والمرأة، والرجل.. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على الجميع إذا تحققت الشروط التالية:
1 - أن تترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فائدة ولو بالنسبة إلى غير الفاعل للمنكر أو التارك للمعروف،كأن يسمع النهي عن المنكر شخص ثالث فينتهي عن المنكر فيكون في ذلك تقليل للحرام.
2 - أن لا يكون فاعل المنكر أو تارك المعروف معذوراً في فعله للمنكر أو تركه للمعروف، لاعتقاده مثلاً أن ما فعله ليس حراماً، أو أن ما تركه ليس واجباً، وكان معذوراً في ذلك الاشتباه، وإلا وجب عليك إرشاده إلى حكمه إذا كان من شأنك بيان الأحكام.
3 - أن لا يترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرر بنفس الآمر بالمعروف أو الناهي عن المنكر أو بأحد من المسلمين.
ـ وإذا لزم الأمر جرّاء بالمعروف والنهي عن المنكر ضرر بالآمر أو الناهي أو بغيره من المسلمين؟
ـ لم يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ويجب في حالات خاصة يراجع بها الحاكم الشرعي.
ـ ربما يعلم الإنسان بتأثير أمره ونهيه فهل يجب عليه الأمر أو النهي؟
ـ إذا علم بتأثير أمره ونهيه وجزم بذلك فلا بد من مراعاة الأهمية؛ فقد يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ وهذا أمرّ مهم أرجو أن تنتبه إليه ـ أقول: قد يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى مع الضرر المؤكد فضلاً عن الظن بالضرر أو احتمال الضرر ولكن بأمر من الحاكم الشرعي.
ـ وإذا أردت أن آمر بالمعروف أو أنهى عن المنكر؟
ـ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب:
المرتبة الأولى: الإنكار الصامت أو إظهار كراهة ترك المعروف، أو فعل المنكر.
ـ وكيف اُظهر ذلك؟
ـ بطرق عديدة، بالإعراض والصّد عن الفاعل، أو بإظهار إبراز الانزعاج والتأثر منه، أو بترك الكلام معه.. أو بغير ذلك.
المرتبة الثانية: الإنكار بالقول واللسان.
ـ وكيف أنكر بالقول واللسان؟
ـ بطرق عدة، بنصح الفاعل ووعظه، بتذكيره بما أعد الله سبحانه وتعالى للعاصين من العقاب الأليم، بإرشاده بتذكيره بما أعدّه الله سبحانه وتعالى للمطيعين من الثواب العظيم، بتهديده بالإنكار عليه.. بإهانته.. بغير ذلك من الطرق المناسبة.
المرتبة الثالثة: الإنكار باليد، وهي لا تجب إلاّ بمراجعة المجتهد العادل.
ـ وكيف أنكر باليد؟
ـ يتم الإنكار باليد بواسطة الضرب المؤلم، الموجع، المبرح الرادع عن المعصية.
قال أبي ذلك وأضاف: إن لكل مرتبة من هذه المراتب درجات متفاوتة شدة وضعفاً حسب مقتضيات الحال والظرف.
ـ وهل أبدأ أولاً بالمرتبة الاُولى، فإن لم تكفِ أنتقل إلى المرتبة الثانية؟
ـ ابدأ بالأنفع منها والأحسن تأثيراً في دفع المنكر أو امزج بينهما إذا تطلب الأمر ذلك، وتجنب العنف إذا كان موجباً للتنفير، قال الله تعالى: (وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة).
ـ وإذا لم ينفع الإنكار الصامت والإنكار باللسان؟
ـ لابد من مراجعة المجتهد العادل لتنتقل إلى المرتبة الثالثة إلى الإنكار باليد متدرجاً من الضرب الأخف إلى الضرب الأشد والأقوى إلى الجرح أو الكسر أو الشلل أو غيرها.
قال أبي ذلك وأردف مؤكداً:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان لكنهما يتأكدان أكثر في حقك إذا كان تارك المعروف أو فاعل المنكر واحداً من أهلك، فقد تجد ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ بين أهلك من يتسامح في بعض الواجبات أو يتهاون.
قد تجد فيهم من لا يتوضأ بالشكل الصحيح، أو لا يتيمم بالشكل الصحيح، أو لا يغتسل غسل الجنابة بالشكل الصحيح، أو لا يطهّر جسده وملابسه بالشكل الصحيح، أو لا يقرأ السورتين والأذكار الواجبة بالشكل الصحيح، أو لا يخمّس ماله ولا يزكيه، وماله مستحق للخمس أو الزكاة.
قد تجد في أهلك مثلاً من يرتكب المحرمات؛ يمارس العادة السرية مثلاً، أو يلوط، أو يزني، أو يشرب الخمر، أو يأكل الميتة، أو يأكل أموال الناس بالباطل، أو يغش، أو يسرق.
قد تجد في النساء من أهلك من لا تتحجب ولا تغطي شعرها، قد تجد فيهن من لا تزيل أثر طلاء الأظافر عن أظافرها عندما تتوضأ أو تغتسل.
قد تجد فيهن من تتعطر لغير زوجها من الرجال، أو لا تستر شعرها وجسدها من أنظار ابن عمها أو ابن عمتها أو ابن خالها أو ابن خالتها أو أخي زوجها أو صديقه قائلة: إنه يعيش معها في بيت واحد، فهو كأخيها... أو غير ذلك من الأعذار الواهية الأخرى.
قد تجد في أهل بيتك من يكذب، ويغتاب، ويعتدي على الآخرين، ويبذر أمواله، ويعين الظالمين على ظلمهم..
قد تجد وتجد وتجد...
ـ وإذا وجدت؟
ـ إذا وجدت شيئاً من ذلك فأمر بالمعروف وانْهَ عن المنكر مبتدئاً بالمرتبتين الأولى والثانية، الإنكار الصامت أو باللسان، ومنتقلاً إذا لم ينفع ذلك إلى المرتبة الثالثة، إلى الإنكار باليد متدرجاً فيها من الأخف إلى الأشد.
وأود أن أشير إلى جانب في حياتك الدينية، وهو الإنكار بالقلب، والتألم النفسي لوقوع الحرام، والرفض لحالة الجرأة على الله تعالى بالمعصية، فإن من واجبك أن تشعر نفسك ذلك عند كل معصية تراها فإنها ما أعظمها من جرأة وما أقبحها من فعلة.
ـ أحياناً يكون المعروف مستحباً؟
ـ يستحب الأمر به حينئذ ولا يجب؛ فإذا أمرت به كنت مستحقاً للثواب، وإذا لم تأمر به لم تكن مستحقاً للعقاب، ذلك أن الدّال على الخير كفاعله.
ـ قلت لي أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان، وقد عرفت من خلال أمثلتك بعض ما يجب عليَّ أن آمر به، وبعض ما يجب عليّ أن أنهى عنه، غير أني اُحب أن تضع النقاط على الحروف فتذكر لي بالتحديد أموراً يجب علي أن آمر بها، أو يستحب، وأموراً يجب عليّ أن أنهى عنها، غير تلك التي ذكرتها قبل قليل، وغير تلك التي مرت في حوارياتنا السابقة.
ـ سأحدد لك على شكل نقاط أموراً هي من المعروف أولاً، وأموراً هي من المنكر ثانياً، غير أني أشترط عليك قبل أن أجيب شرطاً واحداً.
ـ وما هو؟
ـ أن تعمل بها مستحبة كانت أو واجبة، وتدعو إليها وتأمر بها إن كانت معروفاً، وتبتعد عنها وتنهى إن كانت منكراً.
ـ أعدك بذلك.
ـ سأبدأ أولاً بذكر أمور هي من المعروف على شكل نقاط محددة.
إلى ذلك وبدأ أبي يعدد مستعيناً بذاكرته تارة، وبمصادر وضعها أمامه تارة اُخرى، فعدَّ من المعروف ما يأتي:
1 - التوكل على الله تعالى: قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه).
وقد سأل سائل الإمام (عليه السلام) عن هذه الآية فقال (عليه السلام): (التوكل على الله درجات، منها أن تتوكل على الله في أمورك كلها فما فعل بك كنت عنه راضياً، تعلم أنه لا يألوك خيراً وفضلاً، وتعلم أن الحكم في ذلك له، فتوكل على الله بتفويض ذلك إليه، وثق به فيها وفي غيرها).
2 - الاعتصام بالله تعالى: قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم). قال الإمام أبو عبد الله (عليه السلام): (أوحى الله عز وجل إلى داود: (ما اعتصم بي عبد من عبادي دون أحد من خلقي عرفت ذلك من نيته، ثم تكيده السماوات والأرض ومن فيهن إلا جعلت له المخرج من بينهن، وما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي عرفت ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماوات من يديه، وأسخْتُ الأرض من تحته، ولم أبال بأي وادٍ هلك).
3 - شكر الله تعالى على نعمه المتواترة: قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: (وما بكم من نعمة فمن الله) وقال عز وجل: (ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والدي وان أعمل صالحاً ترضاه). وقال الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (ما أنعم الله على عبد بنعمة بالغة ما بلغت فحمد الله عليها إلا كان حمده لله أفضل من تلك النعمة وأعظم وأوزن).
4 - حسن الظن بالله تعالى: قال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (وجدنا في كتاب علي (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال على منبره: (والذي لا اله إلا هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلا بحسن ظنه بالله ورجائه، وحُسن خُلقه).
5 - اليقين بالله تعالى في الرزق والعمر والنفع والضر: قال الإمام علي(عليه السلام): (لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابهُ لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الضار النافع هو الله عز وجل).
6 - الخوف من الله عز وجل مع رجائه تعالى: قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم يصف المؤمنين: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما اُخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون). وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (من خلا بذنب فراقب الله تعالى فيه واستحيى من الحفظة غفر الله عز وجل له جميع ذنوبه، وإن كانت مثل ذنوب الثقلين). وقال الإمام (عليه السلام): (ارجُ الله رجاءً لا يجرئك على معصيته، وخف الله خوفاً لا يؤيسك من رحمته).
7 - الصبر وكظم الغيظ: قال الله تبارك وتعالى في كتابه المجيد: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)، وقال تعالى: (إن الله مع الصابرين) وقال تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): (ما جرع عبد جرعةً أعظم أجراً من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله). وقال (صلى الله عليه وآله): (من أحب السبيل إلى الله عز وجل جرعتان، جرعة غيظ يردها بحلم وجرعة مصيبة يردها بصبر).
وقال الإمام الباقر (عليه السلام) لبعض ولده: (يا بني ما من شيء أقر لعين أبيك من جرعة غيظ عاقبتها صبر).
8 - الصبر على محارم الله تعالى: قال الإمام علي (عليه السلام): (الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسن جميل، وأحسن من ذلك الصبر عن ما حرم الله تعالى عليك)، وقال (عليه السلام): (اتقوا معاصي الله في الخلوات فإن الشاهد هو الحاكم).
9 - العدل: قال الله تعالى في كتابه الكريم: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان).
وقال الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (ثلاث هم أقرب الخلق إلى الله عز وجل يوم القيامة حتى يفرغ من الحساب، رجل لم تدعه قدرته في حال غضبه إلى أن يحيف على من تحت يديه، ورجل مشى بين اثنين فلم يمل أحدهما على الآخر ولو بشعيرة، ورجل قال الحق في ما عليه).
10 - تغليب العقل على الشهوة: قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (زين للناس حبّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوَّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد لم يره)، وقال الإمام علي (عليه السلام): (كم من شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً).
التواضع: قال النبي (صلى الله عليه وآله): (إن أحبكم إلي وأقربكم مني يوم القيامة مجلساً أحسنكم خُلقاً، وأشدكم تواضعاً).
ودعا الإمام زين العابدين (عليه السلام) ربه قائلاً: (اللهمّ صل على محمد وآل محمد ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزاً ظاهراً إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها).
12 - الاقتصاد في المأكل والمشرب ونحوهما، قال الله تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين).
وقال الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (أفطر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشية خميس في مسجد قبا فقال: هل من شراب؟ فأتاه أوس بن خولى الأنصاري بعس مخيض بعسل، فلما وضعه على فيه نحاه، ثم قال: شرابان يكتفى بأحدهما عن صاحبه لا أشربه ولا اُحرِّمه، ولكن أتواضع لله فإنه من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر خفضة الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله، ومن بذّر حرمه الله، ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله).
13 - إنصاف الناس ولو من النفس، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من واسى الفقير من ماله وأنصف الناس من نفسه فذلك المؤمن حقاً). وقال (صلى الله عليه وآله): (سيد الأعمال إنصاف الناس من نفسك، ومواساة الأخ في الله تعالى على كل حال).
وقال الإمام علي (عليه السلام): (ألا إنه من ينصف الناس من نفسه لم يزده الله إلا عزاً).
14 - العفة: قال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (أفضل العبادة عفة البطن والفرج).
15 - اشتغال الإنسان بعيبه عن عيوب الناس: قال النبي (صلى الله عليه وآله): (طوبى لمن شغله خوف الله عز وجل عن خوف الناس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب المؤمنين).
16 - التخلق بمكارم الأخلاق: قال الله تعالى يصف نبيه الكريم: (وإنك لعلى خلق عظيم).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (حسن الخلق خلق الله الأعظم)، وقال (صلى الله عليه وآله): (ألا أخبركم بأشبهكم بي؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أحسنكم خلقاً، وألينكم كنفاً، وأبركم بقرابته، وأشدكم حُباً لإخوانه في دينه، وأصبركم على الحق، وأكظمكم للغيظ، وأحسنكم عفواً، وأشدكم من نفسه إنصافاً في الرضا والغضب).وقيل له (صلى الله عليه وآله): أيُّ المؤمنين أفضلهم إيماناً؟ قال: أحسنهم خلقاً. وقال (صلى الله عليه وآله): (أكثر ما يلجُ به أمتي الجنة: تقوى الله، وحسن الخلق).
17 - الحلم: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ما أعزَّ الله بجهلٍ قط، ولا أذلَّ بحلم قط). وقال الإمام الرضا (عليه السلام): (لا يكون الرجل عابداً حتى يكون حليماً).
18 - حفظ القرآن: والعمل به، وقراءته، قال الله تعالى في كتابه الكريم: (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانيةً يرجون تجارة لن تبور).
قال النبي الكريم محمد (صلى الله عليه وآله): (إن أهل القرآن في أعلى درجة من الآدميين ما خلا النبيين والمرسلين).
وقال الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (الحافظ للقرآن والعامل به مع السَّفَرةِ الكرام البررة). وقال(عليه السلام): (من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بدمه ولحمه، وجعله الله مع السفرة الكرام البررة، وكان القرآن حجيجاً عنه يوم القيامة). وهناك فضل خاص لقراءة سور معينة من القرآن الكريم مذكور في كتب الحديث إن شئت راجعها.
19 - زيارة النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمة (عليه السلام)، قال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (قال الحسين بن علي (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله): (يا أبتِ ما جزاء من زارك؟ فقال (صلى الله عليه وآله): من زارني، أو زار أباك، أو زارك، أو زار أخاك كان حقاُ عليَّ أن ازوره يوم القيامة حتى أخلصه من ذنوبه).
وقال الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (من زار قبر الحسين بن علي (عليه السلام) عارفاً بحقه كتب في عليِّين). وقال (عليه السلام): (من زار واحداً منا كان كمن زار الحسين (عليه السلام).
20 - الزهد في الدنيا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ازهد في الدنيا يحبك الله). وقال (صلى الله عليه وآله): (استحيوا من الله حق الحياء، قالوا: لنستحي منه تعالى، قال: فليس كذلك، تبنون ما لا تسكنون، وتجمعون ما لا تأكلون)، وقال (صلى الله عليه وآله): (إذا أراد الله بعبد خيراً زهدهُ في الدنيا، ورغبه في الآخرة، وبصره بعيوب نفسه).
وقال الإمام علي (عليه السلام): (إن من أعون الأخلاق على الدين الزهد في الدنيا)، وقال (عليه السلام): (إن علامة الراغب في ثواب الآخرة زهده في عاجل زهرة الدنيا). وقال الإمام زين العابدين (عليه السلام): (ما من عمل بعد معرفة الله عز وجل ومعرفة رسوله أفضل من بغض الدنيا). وقال رجل لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): (إني لا ألقاك إلا في السنين فأوصني بشيء حتى آخذ به، قال: أوصيك بتقوى الله، والورع، والاجتهاد، وإياك أن تطمح إلى من فوقك، وكفى بما قال الله عز وجل لرسول الله (صلى الله عليه وآله): (ولا تمدَّن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا) وقال: (ولا تعجبك أموالهم ولا أولادهم). فإن خفت ذلك فاذكر عيش رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإنما كان قوته من الشعير، وحلواه من التمر، ووقوده من السعف، وإذا أصبت بمصيبة في نفسك أو مالك أو ولدك فاذكر مصابك برسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن الخلائق لم يصابوا بمثله قط). ووقف الإمام الكاظم (عليه السلام) على قبر فقال: (إن شيئاً هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله، وإن شيئاً هذا أوله لحقيق أن يخاف من آخره).
21 - إعانة المؤمن، وتنفيس كربته، وإدخال السرور عليه، وإطعامه، وقضاء حاجته. قال الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (ما من مؤمن يعين مؤمناً مظلوماً إلا كان أفضل من صيام شهر رمضان واعتكافه في المسجد الحرام،وما من مؤمن ينصر أخاه وهو يقدر على نصرته إلا ونصره الله في الدنيا والآخره، وما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلا خذله الله في الدنيا والآخرة). وقال (عليه السلام): (أيما مؤمن نفّس عن مؤمن كربة نفس الله عنه سبعين كربة من كرب الدنيا وكرب يوم القيامة). وقال (عليه السلام): (من يسّر على مؤمن وهو معسر يسّر الله له حوائجه في الدنيا والآخرة)، وقال (عليه السلام): (وإن الله عز وجل في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه المؤمن). وقال (عليه السلام): (من سرَّ امراً سره الله يوم القيامة، وقيل له تمنَّ على الله ما أحببت، فقد كنت تحب أن تسر أولياءه في دار الدنيا). وقال (عليه السلام): (من أدخل السرور على مؤمن فقد أدخله على رسول الله، ومن أدخله على رسول الله فقد وصل ذلك إلى الله، وكذلك من أدخل عليه كرباً). وقال (عليه السلام): (من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمناً من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم، ومن كسا مؤمناً كساه الله من الثياب الخضر). وقال (عليه السلام): (ما قضى مسلم لمسلم حاجة إلا ناداه الله عليَّ ثوابك ولا أرضى لك دون الجنة).
22 - محاسبة النفس كل يوم: أوصى النبي (صلى الله عليه وآله) أبا ذر فقال: (يا أبا ذر حاسب نفسك قبل أن تحاسب، فإنه أهون لحسابك غداً، وزن نفسك قبل أن تُوزن، وتجهز للعرض الأكبر يوم تعرض لا تخفى على الله خافية). وقال (صلى الله عليه وآله): (يا أبا ذر لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه، فيعلم من أين مطعمه، ومن أين مشربه، ومن أين ملبسه، أمِن حلال أو من حرام. يا أبا ذر من لم يُبال من أين اكتسب المال لم يبال الله من أين أدخله النار).
وقال الإمام زين العابدين (عليه السلام): (ابن آدم إنك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك وما كانت المحاسبة من همك، ابن آدم إنك ميت، ومبعوث، وموقوف بين يدي الله فأعدَّ جواباً).
23 - الاهتمام بأمور المسلمين: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم). وقال (صلى الله عليه وآله): (من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ومن سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم).
وقال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (إن المؤمن لترد عليه الحاجة لأخيه فلا تكون عنده فيهتم بها قلبه فيدخله الله تبارك وتعالى بهمه الجنة).
24 - السخاء والكرم والإيثار: قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ما جعل الله أولياءه إلا على السخاء وحسن الخلق). وقال (صلى الله عليه وآله): (أن من موجبات المغفرة بذل الطعام، وإفشاء السلام وحسن الكلام). وقال (صلى الله عليه وآله): (تجافوا عن الذنب السخي فإن الله آخذ بيده كلما عثر). وقال (صلى الله عليه وآله): (الجنة دار الأسخياء). وقال (صلى الله عليه وآله): (إن أفضل الناس إيماناً أبسطهم كفاً).
25 - الإنفاق على الأهل والعيال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله). وقال (صلى الله عليه وآله): (خيركم خيركم لأهله). وقال (صلى الله عليه وآله): (ما أنفق الرجل على أهله فهو صدقة). وقال (صلى الله عليه وآله): (دينار أنفقته على أهلك، ودينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، وأعظمها أجراً الدينار الذي أنفقته على اهلك).
26 - التوبة من الذنوب صغيرها وكبيرها، والندم عليها، قال الله سبحانه في كتابه المجيد: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار). وقال تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعاً أيُّها المؤمنون لعلكم تفلحون). وقال تعالى: (إن الله يحب التَّوابين ويحبُّ المتطهِّرين). وقال تعالى: (وهو الذي يقبل التَّوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون). وقال تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنّه هو الغفور الرحيم).
وقال الإمام الباقر (عليه السلام) لمحمد بن مسلم: (يا محمد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة، أما والله إنها ليست إلاّ لأهل الإيمان. قلت: فإنه يفعل ذلك مراراً يُذنب ثم يتوب ويستغفر الله، فقال: كلما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة عاد الله عليه بالمغفرة).
وقال (عليه السلام): (التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ). وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (ما من عبد أذنب ذنباً فندم عليه إلا غفر الله له قبل أن يستغفر). وقال (عليه السلام): (إن الله يفرح بتوبة عبده المؤمن إذا تاب كما يفرح أحدكم بضالته إذا وجدها).
وهناك من المعروف مستحبات كثيرة غير ما تقدم، وقد نصت عليها كتب الفقه والحديث فراجعها إن شئت المزيد.
قلت لأبي: الأرقام التي مرت أشارت لما هو من المعروف، أما المنكرات؟ أو ما يعد من المنكر؟
قال: ما يعد من المنكر كثير سأعدد لك بعضاً منها ولكن بالشرط السابق نفسه.
قلت: تقصد أن أعدك باجتنابها والنهي عنها؟
قال: نعم.
قلت: أعدك بذلك.
قال: إذن إليك بعضاً مما هو من المنكر..
وبدأ أبي يعدد مستعيناً بذاكرته وبمصادره كما فعل سابقاً فعدَّ من المنكر ما يأتي:
1 - الظلم: قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).
وقال الإمام علي (عليه السلام): (أعظم الخطايا اقتطاع مال امرئ مسلم بغير حق). وقال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (لما حضرت علي بن الحسين الوفاة، ضمَّني إلى صدره ثم قال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، وما ذكر أن أباه أوصاه به قال: يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله). وقال الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (من ظلم مظلمة اُخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده). وقال (عليه السلام): (من أكل من مال أخيه ظلماً ولم يرده إليه أكل جذوة من النار يوم القيامة).
2 - الإعانة على الظلم والرضا به: قال النبي محمد (صلى الله عليه وآله): (من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام). وقال (صلى الله عليه وآله): (شرُّ الناس من باع آخرته بدنياه، وشرُّ منه من باع آخرته بدنيا غيره).
قال الإمام أبو عبد الله الصادق(عليه السلام): (العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به شركاء ثلاثتهم). وقال (عليه السلام): (من عذر ظالماً بظلمه سلط الله عليه من يظلمه، فإن دعا لم يستجب له). وقال (عليه السلام) في وصيته لأصحابه: (وإياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم فيدعو عليكم فيستجاب له فيكم، فإن أبانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول: أن دعوة المسلم المظلوم مستجابة). وقال (عليه السلام): (من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة بين عينيه مكتوب آيس من رحمة الله). وقال (عليه السلام): (يجيء يوم القيامة رجل إلى رجل حتى يلطخه بدمه، فيقول: يا عبد الله مالك ولي؟ فيقول: أعنت علي يوم كذا وكذا بكلمة فقتلت).
3 - كون الإنسان ممن يتقى شره: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (شر الناس عند الله يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم).
وقال الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (من أبغض خلق الله عبد اتقى الناس لسانه).
4 - قطيعة الرحم: قال الله تعالى في كتابه الكريم: (فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا تقطع رحمك وإن قطعك).
وقال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (في كتاب علي (عليه السلام) ثلاث خصال لا يموت صاحبهن أبداً حتى يرى وبالهن: البغي، وقطيعة الرحم، واليمين الكاذبة يبارزُ الله بها). وقال الإمام أبو عبد الله (عليه السلام): (إن رجلاً من خثعم جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله أخبرني ما أفضل الإسلام؟ قال: الإيمان بالله، قال: ثم ماذا؟ قال: صلة الرحم، قال: ثم ماذا؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: فقال الرجل: فأخبرني أي الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: الشرك بالله، قال: ثم ماذا؟ قال: قطيعة الرحم، قال: ثم ماذا؟ قال: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف).
5 - الغضب: قال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (إن الرجل ليغضب فما يرضى أبداً حتى يدخل النار، فأيما رجل غضب على قومه وهو قائم فليجلس من فوره ذلك ، فإنه سيذهب عنه رجس الشيطان، وأيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه، فإن الرحم إذا مست سكنت). وقال الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (الغضب مفتاح كل شر).
6 - الاختيال والتكبر: قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: (ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين) وقال تعالى: (ولا تصعِّر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أكثر أهل جهنم المتكبرون). وقال (صلى الله عليه وآله): (من مشى على الأرض اختيالاً لعنته الأرض ومن تحتها ومن فوقها). وقال (صلى الله عليه وآله): (من تعظم في نفسه واختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان).
وقال الإمامان الباقر والصادق (عليه السلام): (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر). وقال الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (الجبارون أبعد الناس من الله يوم القيامة).
7 - أكل مال اليتيم ظلماً: قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً).
8 - اليمين الكاذبة: نقل الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (عن كتاب علي (عليه السلام): (إن اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم تذران الديار بلاقع من أهلها). وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (من حلف على يمين وهو يعلم أنه كاذب فقد بارز الله عز وجل).
9 - شهادة الزور: قال النبي (صلى الله عليه وآله): (شاهد الزور كعابد الوثن).
وقال الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (ما من رجل شهد شهادة زور على مال رجل يقطعه إلا كتب الله عز وجل له مكاناً ضنكاً عالي النار).
10 - المكر والخديعة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ليس منا من ماكر مسلماً).
وقال الإمام علي (عليه السلام): (لولا أن المكر والخديعة في النار لكنت أمكر العرب).
11 - تحقير المؤمن، وخاصة الفقير، والاستخفاف به، وقال الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (لا تحقروا مؤمناً فقيراً فإنه من حقر مؤمناً واستخف به حقره الله تعالى ولم يزل ماقتاً له حتى يرجع عن تحقيره أو يتوب). وقال (عليه السلام): (من استذل مؤمناً وحقره لقلة ذات يده ولفقره شهره الله إلى يوم القيامة على رؤوس الخلائق).
12 - الحسد: قال تعالى في كتابه المجيد: (ومن شر حاسد إذا حسد).
وقال الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (إن الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب). وقال (عليه السلام): (إن المؤمن يغبط ولا يحسد، والمنافق يحسد ولا يغبط). وقال (عليه السلام): (أصول الكفر ثلاثة: الحرص والاستكبار والحسد).
13 - الغيبة: قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: (ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إياكم والغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنا فإن الرجل قد يزني ويتوب فيتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (الغيبة حرام على كل مسلم، وإنها لتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب). وقال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (من اغتيب عنده أخوه المؤمن فلم ينصره ولم يُعِنهُ ولم يدفع عنه وهو يقدر على نصرته وعونه إلا حقره الله في الدنيا والآخرة).
14 - حب المال والحرص على الدنيا: قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون). وقال تعالى: (واعلموا إنما أموالكم وأولادكم فتنة).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شيء). وقال (صلى الله عليه وآله): (لتأتينكم بعدي دنيا تأكل إيمانكم كما تأكل النار الحطب). وقال (صلى الله عليه وآله): (دعوا الدنيا لأهلها، من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه فقد أخذ حتفه وهو لا يشعر). وقال (صلى الله عليه وآله): (إن الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم وهما مهلكاكم). وقال (صلى الله عليه وآله): (من أحب دنياه أضر بآخرته).
وقال الإمام زين العابدين (عليه السلام): (رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عما في أيدي الناس. (قال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (بئس العبد عبد يكون له طمع يقوده، وبئس العبد عبد له رغبة تذله). وقال الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (حب الدنيا رأس كل خطيئة).
15 - الفحش، والقذف، وبذاءة اللسان، والسب: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعائشة: (يا عائشة إن الفحش لو كان مثالاً لكان مثال سوء). وقال (صلى الله عليه وآله): (إن الله يبغض الفاحش البذيء السائل الملحف). وقال (صلى الله عليه وآله): (إن من أشر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه). وقال (صلى الله عليه وآله): (سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه معصية، وحرمة ماله كحرمة دمه).
وروى عمرو بن نعمان الجعفي قال: (كان لأبي عبد الله (عليه السلام) صديق لا يكاد يفارقه، فقال يوماً لغلامه: يا ابن الفاعلة أين كنت؟ قال: فرفع أبو عبد الله (عليه السلام) يده فصك بها جبهة نفسه ثم قال: سبحان الله تقذف أمه قد كنت أرى لك ورعاً فإذا ليس لك ورع. فقال: جعلت فداك إن أمه سندية مشركة، فقال (عليه السلام): أما علمت أن لكل أمة نكاحاً! تنحَّ عني. فما رأيته يمشي معه حتى فرّق بينهما الموت).
16 - عقوق الوالدين: قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إياكم وعقوق الوالدين). وقال (صلى الله عليه وآله): (من أصبح مسخطاً لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى النار).
وقال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (إن أبي (عليه السلام) نظر إلى رجل ومعه ابنه يمشي، والابن متكئ على ذراع الأب، قال: فما كلمه أبي مقتاً له حتى فارق الدنيا). وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (من نظر إلى أبويه نظر ماقت وهما ظالمان له لم يقبل الله له صلاة). وقال (عليه السلام): (لو علم الله شيئاً هو أدنى من أفٍ لنهى عنه، وهو من أدنى العقوق، من العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحد النظر إليهما).
17 - الكذب: قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: (إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون). وقال تعالى: (فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك به مصدق وأنت له به كاذب). وقال (صلى الله عليه وآله): (الكذب ينقص الرزق).
وقال الإمام علي (عليه السلام): (لا يجد العبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجده). وقال الإمام السجاد (عليه السلام): (اتقوا الكذب الصغير منه والكبير، في كل جدٍ وهزل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير). وقال الإمام العسكري (عليه السلام): (جعلت الخبائث كلها في بيت وجعل مفتاحها الكذب).
18 - خلف الوعد: قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه).
وقال النبي الكريم محمد (صلى الله عليه وآله): (من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فليفِ إذا وعد).
وقال (صلى الله عليه وآله): (أربع من كنَّ فيه كان منافقاً، ومن كانت فيه خلّة منهن كانت فيه خلّة من النفاق حتى يدعها: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر).
19 - الإصرار على الذنب بتكرار ارتكابه وعدم تركه، وعدم الندم على فعله، قال الله سبحانه وتعالى: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن من جملة علامات الشقاء الإصرار على الذنب).
وقال الإمام علي (عليه السلام): (أعظم الذنوب ذنب أصرَّ عليه صاحبه). وقال الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (لا والله لا يقبل الله شيئاً من طاعته مع الإصرار على شيء من معاصيه).
20 - احتكار الطعام بقصد زيادة سعره: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أيما رجل اشترى طعاما فكبسه أربعين صباحاً يريد له غلاء المسلمين ثم باعه فتصدق بثمنه لم يكن كفارة لما صنع). وقال (صلى الله عليه وآله): (من احتكر فوق أربعين يوماً حرَّم الله عليه ريح الجنة). وقال (صلى الله عليه وآله): (من حبس طعاماً يتربص به الغلاء أربعين يوماً فقد برئ من الله وبرئ منه).
21 - الغش: قال النبي (صلى الله عليه وآله): (من غش مسلماً في شراء أو بيع فليس منا). وقال (صلى الله عليه وآله): (ألا ومن غشنا فليس منا). قالها ثلاث مرات (ومن غش أخاه المسلم نزع الله بركة رزقه وأفسد عليه معيشته ووكله إلى نفسه).
وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (مر النبي (صلى الله عليه وآله) في سوق المدينة بطعام فقال لصاحبه: ما أرى طعامك إلا طيباً وسأله عن سعره. فأوحى الله عز وجل إليه أن يدس يده في الطعام ففعل فأخرج طعاماً رديّاً فقال لصاحبه: ما أراك إلا وقد جمعت خيانة وغشاً للمسلمين).
22 - الإسراف، وعدم الاقتصاد، والتبذير، وإتلاف المال ولو كان قليلاً، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين). وقال تعالى: (وإن المسرفين هم أصحاب النار). وقال تعالى: (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إن الله إذا أراد بعبد خيراً ألهمه الاقتصاد، وحسن التدبير، وجنّبه سوء التدبير والإسراف). وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (أترى الله تعالى أعطى من أعطى من كرامة عليه، ومنع من منع من هوان به عليه؟! ولكن المال مال الله يضعه عند الرجل ودائع، وجوَّز لهم أن يأكلوا قصداً، ويشربوا قصداً، وينكحوا قصداً، ويركبوا قصداً، ويعودوا بما سوى ذلك على الفقراء المؤمنين، ويلموا به شعثهم، فمن فعل ذلك كان ما يأكل حلالاً، ويشرب حلالاً، ويركب حلالاً، وينكح حلالاً، ومن عدا ذلك كان عليه حراماً. ثم قال (عليه السلام): (ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين). وقال (عليه السلام): (إن القصد أمر يحبه الله عز وجل، وإن السرف يبغضه حتى طرحك النواة فإنها تصلح لشيء وحتى صبك فضل شرابك).
23 - ترك أحد الواجبات: كترك الصلاة أو الصوم أو غيرهما من الواجبات، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من ترك الصلاة متعمداً فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (ولا ينظر الله إلى عبده ولا يزكيه لو ترك فريضة من فرائض الله أو ارتكب كبيرة من الكبائر). ويضيف الإمام الصادق (عليه السلام) قائلاً: (إن الله أمره بأمر، وأمره إبليس بأمر، فترك ما أمر الله عز وجل به، وصار إلى ما أمر به إبليس، فهذا مع إبليس في الدرك السابع من النار).
وهناك غير هذه وتلك من المنكرات لا يسع المجال لذكرها هنا فراجعها إن شئت في كتب الحديث والفقه.
قال أبي ذلك، ثم أضاف مؤكداً بحزم بينما راحت وتائر صوته تكتسي طابع صراحة رزينه مؤثرة قال: سأختتم حوارية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكلام لأحد أكابر المجتهدين (قدس الله سره) جاء فيه:
إن من أعظم شواهد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأعلاها، وأتقنها، وأشدها خصوصاً بالنسبة إلى رؤساء الدين أن يلبس رداء المعروف واجبه ومندوبه، وينزع رداء المنكر محرمه ومكروهه، ويستكمل نفسه بالأخلاق الكريمة، وينزهها عن الأخلاق الذميمة، فإن ذلك منه سبب تام لفعل الناس المعروف ونزعهم المنكر، خصوصاً إذا أكمل ذلك بالمواعظ الحسنة المرغبة والمرهبة، فإن لكل مقام مقالاً، ولكل داء دواء، وطب النفوس والعقول أشد من طب الأبدان بمراتب كثيرة، وحينئذٍ يكون قد جاء بأعلى أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وبحوارية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سننهي حوارياتنا، ـ قال أبي ـ راجياً من الله عز وجل أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم نافعة لك ولإخوانك المؤمنين، وسأخصص حوارية غدٍ للإجابة عن أسئلة عامة تختارها أنت لعلّ حوارياتنا السابقة قد أغفلت الإجابة عنها، أو أوجزتها، أو قد تكون هذه الأسئلة خارج نطاق بحث الحواريات التي مرت آنفاً.
قلت: فكرة جيدة وأتوقع أن تكون مفيدة.
قال: فإلى جلسة يوم غد إن شاء الله تعالى، إلى جلسة الغد والحوارية العامة.

الحوارية العامة الأولى
بمجرد أن فارقني أبي مودعاً لملمت أوراق مذكرات (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) لأختتم بذلك آخر حوارية فقهية لموضوع مستقل، ولأستعد بعد ذلك لفتح ملف خاص بالحوارية القادمة، تلك التي سأحدد أسئلتها وحواراتها واتجاهاتها أنا ـ كما وعدني أبي ـ.
وما أن انقضت ساعة حتى كنت دونت مجموعة أسئلة شكلت النواة الأولى لأسئلة الحوارية العامة القادمة، أعقبتها بعد ذلك ساعات عمل وأعداد من الأسئلة.
وحين حل موعد الحوار، وجاء أبي، وسلّم، وحمد الله وأثنى عليه، مبتدئاً الحوارية العامة، انهالت أسئلتي عليه، واطردت إجاباته عنها.
وكان أول أسئلتي عن الجلود الطبيعية المصنعة والمستوردة من دول غير إسلامية كدول أوربا مثلاً وغيرها.
قلت لأبي: رجل يلبس ساعة سوارها مصنوع من جلد طبيعي استورد من بلد غير إسلامي، ولا يدري لابسه ما إذا كان هذا الجلد جلد حيوان مذبوح بطريقة شرعية أم لا، وأراد الصلاة به.
قال: لا تصح الصلاة به، إلا إذا علم وتأكد أن هذا السوار جلده جلد حيوان مذبوح بطريقة شرعية.
ـ وحزام البنطلون ومحفظة النقود الموضوعة داخل الجيب أثناء الصلاة، إذا كان جلدها كجلد ذلك السوار مار الذكر؟
ـ كذلك لا تصح الصلاة بهما إلا إذا علم أن جلدهما جلد حيوان ذباحته شرعية، لنفترض أنه صلى بهما نسياناً ثم تذكر وهو يصلي فخلع ساعته أو حزامه بطلت صلاته كذلك.
ـ غسالة كهربائية تجفف الملابس بعد قطع الماء الكر عنها، تجففها بواسطة قوة الدوران لا العصر فهل يكفي ذلك في تطهيرها؟
ـ نعم، يكفي ذلك في تطهيرها ـ مع مراعاة شروط التطهير المتقدمة ـ.
ـ أصافح مرات بعض الأشخاص ويدي مبتلة، ولا أدري أمسلم هذا الذي صافحته أم كافر؟ فهل يجب عليَّ أن أسأله لأتأكد؟
ـ كلا، لا يجب عليك سؤاله، يمكنك أن تقول إن يدي التي لامست يده طاهرة.
ـ طالب جامعي، أو تاجر، أو سائح، أو ما شابههم يسافر إلى دول غير إسلامية كدول أوربا مثلاً، حيث لا تكاد تخلو حياته اليومية من تماس مباشر مع سكانها برطوبة مسرية، في مقهى، أو عند حلاق، أو طبيب، أو صاحب مكوى، أو غيرهم مما يصعب عليه إحصاؤه فما العمل؟
ـ إذا كانوا مسيحاً أو يهوداً أو مجوساً فله أن يبني على طهارتهم، إلا إذا علم تنجسهم بنجاسة خارجية.
ـ ولو دخلت منزلاً كان يقطنه قبلي أناس غير مسلمين، فهل يحق لي أن أحكم بطهارة كل شيء؟
ـ نعم، احكم بطهارة كل شيء لم تعلم بأنه نجس فعلاً أو أنه قد أصابته نجاسة من قبل.
ـ دعني أنتقل إلى الصلاة فأسأل عن حكم شخص يصلي ويصوم، ولكنه كان كثيراً ما يخطئ في الغسل، فهو متأكد تماماً الآن من أن بعضاً من أغساله السابقة باطلة.ولكنه لا يدري كم هي؟
ـ بالنسبة إلى صيامه فصيامه صحيح، وإن كان غسله باطلاً، وبالنسبة لصلاته يجب عليه أن يعيد كل صلاة صلاها بغسل باطل.
ـ أحياناً أريد الصلاة وفي جيبي بعض الأوراق النقدية فهل يجوز لي السجود عليها؟
ـ لا يجوز لك السجود عليها إلا إذا كانت مصنوعة مما يصح السجود عليه.
ـ والسجود على الإسمنت والبلاط بجميع أنواعه؟
ـ نعم، يجوز لك السجود عليها ما دامت طاهرة.
ـ استمع من جهاز تسجيل، أو مذياع، أو جهاز تلفزيون شريطاً مسجلاً لمقرئ للقرآن يتلو آية يجب السجود لها، فهل أسجد؟
ـ لا يجب عليك السجود.
ـ امرأة تصلي، ولا تعلم أن بعضاً من شعرها خارج من تحت ساتر الرأس، فهل يجب عليَّ إخبارها بذلك أثناء صلاتها أو بعدها؟
ـ لا، لا يجب عليك إخبارها، وما لم تعلم هي به فصلاتها صحيحة.
ـ شخص يستيقظ قبل دخول وقت صلاة الفجر بدقائق فهل يحق له معاودة النوم ثانية، إذا كان يعلم أو يحتمل احتمالاً قوياً أنه لا يستيقظ إلا والشمس طالعة؟
ـ يحرم عليه ذلك النوم.
ـ طالب، أو عامل، أو موظف يدرس أو يعمل بمنطقة تبعد عن مدينته أكثر من (46 كم) وهو يذهب يومياً لمقر عمله ويعود إلى مدينته وربما استمر كذلك لسنة أو أكثر.
ـ يصلي صلاته تامة ويصوم.
ـ ولو كان يسافر مرتين أو ثلاث مرات أسبوعياً وبشكل دائم بحيث يكون أكثر وقته أو نصف وقته في السفر؟
ـ يتم صلاته ويصوم.
ـ ما دمنا نتحدث عن السفر، فاسمح لي أن أسأل عن حكم شخص سافر بعد الزوال في شهر رمضان وكان صائماً؟
ـ يتم صومه ولا يفطر.
ـ وإذا سافر قبل الزوال وكان ناوياً ومصمماً على السفر من الليل؟
ـ يجوز له الإفطار في ذلك اليوم بعد وصوله إلى حد الترخص، ويجب قضاؤه بعد الشهر.
ـ ولو سافر قبل الزوال ولم يكن ناوياً للسفر، ولا مصمماً عليه من الليل؟
ـ يتم صومه.
ـ صائم في شهر رمضان أفطر لأنه سافر وعاد إلى وطنه أو محل إقامته بعد الزوال؟
ـ لا يجب عليه الصوم بقية ذلك النهار.
ـ ولو عاد قبل الزوال وقد أفطر في سفره؟
ـ كذلك لا يجب عليه صوم بقية النهار.
ـ ولو رجع إلى وطنه أو محل إقامته فوصل قبل الزوال، ولم يفطر في سفره؟
ـ يجب عليه أن ينوي الصوم، ويصوم بقية ذلك النهار ولا قضاء عليه.
ـ شخص يصوم في شهر رمضان سنين، وهو لا يعلم بوجوب غسل الجنابة عليه جهلاً منه فلا يغتسل؟
ـ صومه صحيح ولا تجب عليه الكفارة.
ـ يستعمل بعض مرضى الحساسية (حساسية الصدر) جهازاً يساعدهم على التنفس المريح نسميه نحن (البخّاخ)، يرسل هذا الجهاز بعد ضغطه في الفم ما يشبه الغاز المضغوط. فهل يجتمع استعمال هذا الجهاز مع الصوم؟
ـ نعم، يبقى مستعمل هذا الجهاز على صومه إذا لم يعلم بوصول الدواء إلى المعدة.
ـ هل يجوز تقديم وجبات الطعام للمفطرين في شهر رمضان سواء في المطاعم أم البيوت للمعذورين في إفطارهم وغير المعذورين إذا لم يستلزم ذلك التقديم هتكاً لحرمة الشهر الشريف؟
ـ يجوز للمعذورين فقط.
ـ المغذي أو المصل، وهو كيس من البلاستك يحتوي على ماء وسكر وبعض الأدوية يعطي للمريض بواسطة الإبرة وللدم مباشرة فهل تحبذ للصائم اجتنابه لمرض أو بدون مرض.
ـ نعم، أحبذ ذلك، ولكن لا يجب، وإذا تمكن المريض من الصوم مع استعمال المغذي وجب الصوم.
ـ سأنتقل إلى الحج فأسأل عن رجل استطاع مادياً في سنة من السنين ومنع من السفر، ولم يستطع الحصول على (الفيزة) ليحج تلك السنة، فاضطر لحاجته الحياتية إلى صرف المال للحج بعد الموسم، ثم لم يستطع بعد ذلك تحصيل المال الذي يكفيه لحجه؟
ـ إذا استطاع في السنين الآتية وجب عليه الحج وإن لم يستطع، لم يجب عليه.
ـ قلت لي في حوارية الحج، إنك رميت (جمرة العقبة) ولم تقل لي من أية جهة رميتها.
ـ لك أن ترميها من أية جهة شئت.
ـ وقلت إنك أحرمت للحج من الميقات المسمى (بالجحفة)، بعد وصولك إلى (جدة) بالطائرة، فلو أحرم شخص ما جهلاً منه من جدة مباشرة لا من الجحفة؟
ـ وجب عليه تجديد الإحرام عندما يمر بالميقات أو ما يحاذيه، وإذا دخل مكة بذلك الإحرام رجع إلى أحد المواقيت وأحرم منه.
ـ وقلت إنك بعد الطواف والسعي قصرت لنفسك، فلو قصرت لأحد من إخوانك طلب منك ذلك قبل أن تقصر لنفسك؟
ـ لا يحق لي أن اُقصر لغيري قبل أن اُقصر لنفسي أولاً.
ـ اسمح لي أن أتجاوز بعض الموضوعات لأسأل عن فروض خاصة بالتجارة أبدأها بالتعامل مع البنوك غير الأهلية فقد يودع بعض الأشخاص أموالهم للتوفير.
ـ يجوز ذلك ويجوز أخذ الأرباح أيضاً، لكن المال والأرباح تؤخذ عند الاستلام بصفتها مجهولة المالك وبأذن من الحاكم الشرعي.
ـ وإذا لم يكونوا يعرفون أنها مجهولة المالك فكانوا يضعونها في صندوق التوفير بنية القرض للصندوق ولأجل الاستفادة من الفوائد المترتبة عليها؟
ـ لا يجوز لهم ذلك لأنهم قاصدون للربا حينئذٍ.
ـ بعض الأشخاص يقترضون من البنوك غير الأهلية فيشترط عليهم البنك فائدة معينة كي يقرضهم، وأحياناً يكون القرض مع الرهن؟
ـ يجوز قبض المال منه على أنه مجهول المالك، وبإذن الحاكم الشرعي أو وكيله، حتى مع العلم بأن البنك سيستوفي الفائدة منهم قهراً، فلو طالبهم البنك جاز لهم دفع الزيادة حيث لا يسعهم التخلف عن دفعها إلى البنك ولا تكون ربا.
ثم إني اُحب أن أقول لك بأن التصرف في أموال البنوك كهذه لا يجوز بدون إذن الحاكم الشرعي أو وكيله. فلو سحبت مالاً من حسابك الجاري تقبضه بإذن الحاكم الشرعي أو وكيله، ولو صرفت شيكاً تقبض ماله بإذن الحاكم الشرعي أو وكيله وهكذا غيرها.
ـ شخص لا يملك مسكناً يسكنه فهل يحق له الاقتراض من البنك بفوائد؟
ـ لا يجوز الاقتراض بنية الفائدة كما تقدم، ولكن يجوز أخذ المال من البنوك غير الأهلية على أنه مجهول مالكه، ولا مانع حينئذٍ بإعطاء الفائدة باعتبار أنه مجبور على دفعها كلما طالبه البنك بذلك.
ـ وفتح اعتمادات الاستيراد والتصدير في البنوك غير الأهلية؟
ـ جائزة حتى مع أخذ البنك فائدة جرّاء قيامه بفتح هذه الاعتمادات كما تقدم.
ـ والكفالة، أو التعهد المالي عند تلك البنوك، كأن يكفل البنك أحد زبائنه أمام جهة ما رسمية مثلاً أو غيرها؟
ـ جائزة حتى لو أخذ البنك عمولة عليها من الزبون لقاء كفالته تلك وتعهده.
ـ وبيع الأسهم وشراؤها لشركة مساهمة مثلاً أو غيرها؟
ـ يجوز بيع وشراء الأسهم لشركة ما، شرط أن لا تكون معاملات تلك الشركة معاملات ربوية أو محرمة.
ـ قد تطالب الشركات المساهمة وساطة البنك في بيع الأسهم التي تمتلكها، فيقوم البنك بدور الوسيط لقاء عمولة معينة.
ـ يحق لها ذلك وهي معاملة جائزة.
ـ وعمليات التحويل الداخلي والخارجي؟
ـ حدد لي سؤالك بالضبط أو مثل له كي أجيبك عن شيء محدد.
ـ يصدر البنك صكاً لعمليه بتسليم مبلغ ما على حسابه من وكيله في الداخل أو الخارج، إذا كان للعميل رصيد مالي في البنك، ثم يأخذ البنك عمولة معينة جراء قيامه بهذا الدور؟
ـ يحرم ذلك مع البنك الأهلي ويجوز مع غير الأهلي كما تقدم.
ـ يدفع شخص ما مبلغاً من النقود إلى بنك في مدينة ما، ويأخذ تحويلاً بالمبلغ أو بما يعادله على البنك في الداخل أو في الخارج، ثم يأخذ البنك عمولة معينة جرّاء قيامه بهذا العمل.
ـ يحق له ذلك.
ـ يقوم البنك ببيع العملات الأجنبية وشرائها مع زيادة مالية؟
ـ يحق له ذلك.
ـ شخص له دين بذمة شخص آخر، فيأخذ منه (كمبيالة) بذلك الدين، ثم يرغب أن يبيع دينه (المؤجل) هذا بأقل منه (حالاً)؟
ـ [لا يجوز ذلك].
ـ عقود التأمين على الحياة، أو على الأموال، أو على الغرق، أو على الحريق، أو على السيارة، أو على الطائرة، أو... أو...؟
ـ كلها جائزة مع شركات التأمين الحكومية، لأن أموالها بحكم مجهولة المالك كما تقدم.
ـ سأدع البنوك ومعاملاتها جانباً لأسأل عن..
بيع مثقال مصوغ من الذهب بمثقال غير مصوغ منه مع أخذ أجرة الصياغة؟
ـ يحرم ذلك ولا يجوز، رغم أنه شائع عند الصاغة هذه الأيام، وقد أجبتك عن هذا السؤال سابقاً، وأؤكده الآن: يحرم ولا يجوز.
ـ بعض حلق الزواج مصنوعة من الذهب الأبيض، فهل يجوز لبسها للرجال؟
ـ الذهب بجميع أنواعه وعياراته لا يجوز لبسه للرجال ما دام عند العرف ذهباً.
ـ ولكن بعض الصاغة يقولون عنها إنها من البلاتين؟
ـ البلاتين الأصلي الذي هو فلز آخر غير الذهب يجوز لبسه للرجال، ولا يجوز لبس الذهب.
ـ المصحف الكريم هل يجوز بيعه أو إهداؤه لغير المسلمين ممن يرغب في الاطلاع على القرآن الكريم؟
ـ ما دام لا يؤدي ذلك إلى التوهين فهو جائز.
ـ صنع الدمى على هيئة إنسان أو حيوان؟
ـ لا يجوز.
ـ بيع وشراء التماثيل المجسمة للإنسان والحيوان وعرضها للزينة؟
ـ جائز.
ـ بعض الملابس الرقيقة الناعمة يسميها الباعة حريراً ولا أعلم أنها حرير طبيعي أم لا؟ فهل يجب عليّ أن أتحرى لأتأكد؟
ـ لا، لا يجب عليك أن تبحث للتأكد، ويحق لك لبسها.
ـ شراء وبيع آلات اللهو والطرب، كالبيانو، والمزمار، والاسطوانات الغنائية، والطبول حرام، ولكن هناك آلات شبيهة بآلات اللهو والطرب مصنوعة للأطفال لغرض تسليتهم، فهل يجوز بيعها وشراؤها؟
ـ نعم، يجوز شراء وبيع آلات اللهو والطرب المصنوعة للأطفال لغرض تسليتهم، إن لم تصدق عليها آلة اللهو وإلا فيحرم.
ـ يتفق مالك قطعة أرض ومقاول على أن يقوم المقاول ببناء مسكن لصاحب قطعة الأرض مقابل مبلغ محدد فيشترط صاحب المسكن على المقاول أن يقوم المقاول بإنجاز البناء خلال سنة مثلاً، فإذا تأخر المقاول عن هذه المدة دفع غرامة شهرية محددة لصاحب المسكن؟ وقد يشترط المقاول على صاحب المسكن أن يقوم هو بإنجاز بناء المسكن خلال سنة، شرط أن لا يتأخر صاحب المسكن عن تزويد المقاول بالمواد الإنشائية خلال مدة العمل. فإذا تأخر عن شرطه فرض عليه المقاول غرامة مالية محددة. فإذا انتهت السنة ولم ينجز بناء المسكن، وكان سبب التأخير من صاحب المسكن فرض عليه المقاول غرامة مالية قد تكون شهرية، وقد تكون دفعة واحدة طالت فترة التأخير أم قصرت. فهل يجوز أخذ الزيادة هذه في كلا الاحتمالين؟ علماً بأنهما اشترطا ذلك ضمن عقد لازم؟
ـ يجوز أخذ الزيادة في كلا الاحتمالين.
ـ إجازات ورخص تأسيس الشركات، ودور النشر، والمعامل، والمصانع وأمثالها، إذا لم تلغ اعتبارها الدولة التي رخصتها، وأجازتها فهي تباع وتشترى وتستأجر، فهل يجوز ذلك شرعاً؟
ـ نعم، يجوز ذلك.
ـ تحنيط الحيوانات وعرضها في غرف الاستقبال أو صالات الجلوس للزينة؟
ـ جائز.
ـ بيع الدم وشراؤه للعلاج؟
ـ جائز.
ـ بيع ما لا يؤكل لحمه لحرمة أكله كالجرّي لمن يسمح له مذهبه بأكله؟
ـ [لا يجوز].
ـ ما هي الحيوانات البرية التي يجوز أكلها؟
ـ أهمها الإبل، والجاموس، والبقر الأهلي والوحشي، والغنم، والكبش الجبلي، والظبي، واليحمور، وحمار الوحش، وكذلك الحمار الأهلي، والفرس، والبغل. علماً أن أكل لحوم الثلاثة الأخيرة مكروه.
ـ قلت لي في ما مضى أن جلوسك على مائدة يشرب عليها الخمر حرام، فهل يحق لي التعاقد على عمل لقاء أجر مع صاحب محل يبيع في محله الخمر والبيرة والميتة مع أشياء لا يجوز بيعها علماً بأني لا أبيع إلا الأشياء المحللة؟
ـ يجوز لك ذلك.
ـ وهل يحق لي أن اشتغل في مطعم وظيفتي فيه أن أطهو اللحم غير المذكى تذكية شرعية مع عدم قيامي بتقديم ذلك الطعام للزبائن لأن عملي سيقتصر على الطبخ فقط؟
ـ لا يجوز لك ذلك.
ـ سأنتقل في أسئلتي إلى الطعام والشراب، فأسأل أولاً عن جواز أكل وبيع وشراء الدجاج المستورد من بلدان إسلامية مكتوب عليه: (مذبوح على الطريقة الإسلامية)؟
ـ يجوز لك أكله وبيعه وشراؤه.
ـ وذلك المستورد من بلدان غير إسلامية مكتوب عليه عبارة: (مذبوح على الطريقة الإسلامية)؟
ـ لا يجوز لك أكله إذا لم تعلم بأنه مذبوح على الطريقة الإسلامية حقاً لا ادعاء.
ـ الجبن المستورد من بلاد غير إسلامية إذا لم أعرف بالضبط طريقة صناعته ومحتوياته؟
ـ يجوز لك أكله.
ـ بعض أنواع الأسماك لا يغطي القشر أو الفلس كل جسمها فهل يجوز أكلها؟
ـ نعم، يجوز لك أكلها حتى لو وجدت فيها فلساً واحداً.
ـ السمك المعلب المستورد من الخارج، ولا أعلم بوجود فلس أو قشر فيه، ولكن اسم السمك المثبت على الغلاف له فلس، فهل يحق لي الاعتماد على ذلك؟
ـ يحق لك التعويل على ذلك وحده، إلا أن يكون الكاتب متهماً في كتابته.
ـ هناك مطاعم منتشرة في أسواق المسلمين تقدم لزبائنها اللحوم؟
ـ يجوز لك أكل لحومها.
ـ حتى من دون سؤال صاحب المطعم عنها؟
ـ يجوز لك أكلها من دون حاجة إلى سؤال صاحب المطعم عنها، كما لا حاجة إلى سؤاله عن ديانة العاملين في المطعم.
ـ هل يجب الفحص والتأكد قبل تناول الدواء من سلامة تركيبه لمعرفة ما إذا كان يحتوي على مواد محرمة؟
ـ لا، لا يجب الفحص ولا التأكد.
ـ هناك كثير من الأسئلة العامة المتفرقة ضمن موضوعات شتى..
ـ سل ما شئت.
ـ سأبدأها أولاً بسؤال عن جواز التبرع بالكلية من إنسان حي إلى إنسان حي آخر؟
ـ يجوز لإنقاذ المؤمن من الموت، إذا لم يتعرض المتبرع للخطر.
ـ أحياناً تربط أنابيب مرور البويضة داخل جسد المرأة، وتغلق إذا كان الحمل يمثل خطراً على صحتها، مع إمكانية فتحها بعد ذلك؟
ـ يجوز ذلك إذا أمكن فتحها ثانية.
ـ تقوم بعض الشركات بتجربة الدواء على مريض دون علمه وإخباره، لملاحظة أن الدواء فعال وناجح، أو ضار؟
ـ لا يجوز لها فعل ذلك.
ـ التشريح، تشريح الجثة بعد الموت إذا كان لسبب معقول كاكتشاف جريمة أو تعليم طب أو ما شاكل ذلك؟
ـ يجوز على جسد غير المسلم أو مشكوك الإسلام في غير بلد إسلامي.
ـ قد تقدم بعض الهدايا للعائلة بمناسبة مولود جديد وتتخذ الهدية عادة شكل مصوغات ذهبية أو مأكولات فهل هي للمولود الجديد أو لوالديه؟
ـ تختلف الهدايا المهداة عن بعضها البعض؛ فمنه ما يحمل شاهداً على كونها للمولود الجديد كبعض المصوغات الذهبية المناسبة للمولود فهي له، ومنها ما ينتفع به غير المولود كالمأكولات فهي لوالديه.
ـ والنقود؟
ـ النقود تتبع العرف، وظاهر حال المُهدي، فإن الظاهر من بعض الأعراف كونها للوالدين، بينما بعض الأعراف تجعلها للمولود.
ـ هل يجوز تصرّف الوالدين بمال ولدهما غير البالغ لمصلحة ولدهما؟
ـ نعم، لمصلحته يجوز للوالد ذلك، أما بما يعود لولده بالضرر فلا يجوز، ويجب عليه حفظ أمواله حتى يكبر، وأما الأم فلا بد لها من مراجعة الوالد، فإنه ولي الطفل.
ـ السحر الأبيض الذي يستخدم للخيرات عكس السحر الأسود الذي يستخدمه الشريرون، هل يجوز استخدامه؟
ـ السحر بجميع أشكاله وأنواعه حرام، إلا إذا كان لأجل حلّ السحر [مع الاضطرار لذلك].
ـ تحضير الأرواح لسؤالها عن حال صاحبها وعن البرزخ وغير ذلك من الأمور الأخرى.
ـ يحرم تحضير الأرواح إذا استلزم إيذاء مؤمن، أو إذا كان بطريق السحر، ويحرم الاعتماد على إخبارها. وليكن في علمك أن ذلك قد يكون من عمل الجانِّ والشياطين.
‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‌‌‌‌ـ الصور المرسومة للنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) هل يجوز تعليقها في المنزل؟
ـ يجوز تعليقها.
ـ يرمي الناس الجرائد والمجلات وبعض الكتب المحترمة في أماكن جمع النفايات، برغم احتوائها على بعض الآيات القرآنية أو أسماء الله سبحانه وتعالى؟
ـ لا يجوز ذلك، ويجب تخليصها من تلك الحال.
ـ عند وقوع مشاجرة كلامية يتلفظ بعض الأشخاص ـ للأسف ـ بألفاظ السب لله سبحانه وتعالى والمعصومين (عليهم السلام)؟
ـ حكمهم القتل.
ـ بقيت بعض الأسئلة المتفرقة من هنا وهناك.
أيجوز للمرأة أن تتعلم قيادة السيارة عند رجل غريب، مع ما يستلزم ذلك من انفرادها به، وذهابها معه إلى أماكن صالحة للتدريب، وهي أماكن تخلو عادة من الازدحام؟
ـ يجوز لها ذلك، شرط أن لا يستلزم ذلك الوقوع في الحرام.
ـ وهل يحق لها أن تلتقط صورة لها من دون حجاب لتضعها على جواز السفر مثلاً؟
ـ يجوز لها إن كان المصور من محارمها.
ـ هل يجوز ذبح حيوان من قفاه؟
ـ لا، لا يجوز.
ـ هل يجوز نبش قبر الميت إذا كان ذلك لا يلزم هتك حرمة الميت؟
ـ يجوز إن كان فيه مصلحة للميت، كالنقل إلى جوار المراقد المقدسة.
ـ إعطاء فلم يحتوي على صور نساء محجبات في حالة تكشف لرجل غريب أجنبي عن النساء لغسله وتحميضه وتظهيره؟
ـ يجوز ذلك، ولكن لا يجوز له النظر بشهوة.
ـ مال وجدته في مكان عام في شارع مثلاً، أو سوق، أو مطار، أو محطة قطار، أو ميناء، أو سيارة تكسي، وأنا جازم بعدم إمكان عثوري على صاحبه؟
ـ تصدّق به نيابة عنه، أو أستملكه إذا كانت قيمته ثلاثة غرامات فضة إلا ربع عشر الغرام (2.975 غم) تقريباً أو أكثر. وإذا احتملت العثور على صاحبه ولو بطريق الصدفة وجب انتظاره والتعريف به سنة كاملة.
ـ سأنتقل إلى سؤال عقائدي هذه المرة فاسأل عن جواز طلب الرزق أو الولد أو الحفظ أو الشفاء من المعصومين (عليهم السلام) مباشرة؟
ـ دعني أسألك أولاً: تطلب منهم ذلك لأنهم يخلقون، أو يرزقون، أو يحفظون؟
ـ لا، بل لأنهم الوسيلة إلى الله سبحانه وتعالى والشفعاء إليه بقضاء الحاجات ولأنهم لا يفعلون شيئاً إلا بأذنه جلَّ وعلا.
ـ تقصد يسألونه فيخلق، ويسألونه فيرزق، ويسألونه فيحفظ، ولأنهم شفعاء لا ترد لهم مسألة أو دعاء، ولمنزلتهم منه جلَّ شأنه، ولولايتهم علينا؟
ـ نعم.. نعم.. أقصد ذلك.
ـ هذا جائز، قال سبحانه وتعالى: (وابتغوا إليه الوسيلة) وهم (عليهم السلام) وسيلتك إلى الله سبحانه وتعالى... هذا جائز.

الحوارية العامة الثانية
أسئلة كثيرة تراود أذهان الناس وخاصة الشباب منهم، ألحت عليَّ وأنا أطرح أسئلتي في الحوارية العامة الماضية تجاوزتها عن عمد لما بعدها، على أن أحظى بتخصيص حوارية مستقلة لها في ما بعد، وها هو ذا أملي يتحقق، فقد طال بنا الحوار إلى الحد الذي أصبح معه طلب تخصيص جلسة قادمة لحوارية قادمة وارداً ومقبولاً، بل ومستحسناً.
فها أنذا أطلب.. وها هو ذا أبي يجيب طلبي.
قلت في نفسي لأبدأ حواري اليوم بأسئلة حول معاناة بعض الطلبة، وهم على مقاعدهم الدراسية من ظواهر اُحب أن أعرف وجهة نظر المشرع الإسلامي بها قلت لأبي:
في كليات الطب، يتحتم على الطالب أن يقوم بفحص المرأة الغريبة عنه والرجل، وربما وصل به الفحص إلى جهازهما التناسلي الذكري، أو الانثوي، أو المخرج، ولو رفض الطالب ذلك لرسب في الامتحان، فهل يجوز لطالب الطب ذلك الفحص؟
ـ نعم، يجوز لطالب الطب ذلك إذا كان يعلم أنه سيعالج في المستقبل المصابات المؤمنات ويحفظ حياتهن شرط أن لا يؤدي فحصه إلى إثارة جنسية.
ـ في المستشفيات تقوم الممرضات بجس النبض، وقياس ضغط الدم، وتضميد الجرح، وغير ذلك...
أ ـ فهل يجب على الرجل المريض رفض لمس الممرضة لجسده؟
ب ـ إذا تعذر وجود الممرض الذكر فما هو واجب المريض شرعاً؟
ج ـ إذا كان التضميد يشمل عورة الرجل، وليس هناك رجل ممرض فما العمل؟
د ـ لو عكسنا الحالة فما هو حكم المريضة في الحالات مارة الذكر إذا لم تتيسر الممرضة الأنثى؟
ـ يمكن للمريض أن يطلب من الممرضة، ويمكن من المريضة أن تطلب من الممرض لبس كف، أو وضع حاجز، أو حائل كالمنديل، أو اللفاف، أو قطعة القماش، وما شاكل يحول دون لمس الجسد.
ـ أحياناً لا يمكن ذلك، حيث تدعو الحاجة المرضية إلى اللمس المباشر.
ـ إذا دعت الضرورة إلى اللمس المباشر دون عازل جاز ذلك، ومع عدم وجود الضرورة لا يجوز.
ـ لو أبدلنا اللمس بالنظر في الحالات السابقة، فما هو حكم النظر؟
ـ حكم النظر نفس حكم اللمس، فهو يجوز مع الضرورة فقط، ولا يجوز مع انتفائها أو زوالها.
ـ بعض الأزواج يطلب من زوجته ترك الصلاة، أو رفع الحجاب الشرعي، أو تقديم الخمر أو البيرة للضيوف، أو مشاركته في لعب القمار، أو مصافحة القادمين، ولا يساكنها في حالة امتناعها عن ذلك، فهل يحق للزوجة ترك مساكنته حفاظاً على واجباتها الشرعية؟
ـ نعم، يحق للزوجة ترك مساكنته وتستحق منه النفقة.
ـ امرأة ملتزمة بالحجاب الشرعي، ولكن زوجها يمنعها من ذلك، ويخيرها بين خلع الحجاب والطلاق؟
ـ إذا دار الأمر بينهما فعلى المرأة أن تطلب الطلاق.
ـ استعمال وسائل منع الحمل شائع هذه الأيام فلو لزم الحرج من استعمال العقاقير وأمثالها، وتوقف الأمر على وسائل لابد معها من إجراء الكشف الموضعي لدى الطبيب أو الطبيبة، علماً بأن في الحمل حرجاً أو ضرراً؟
ـ يجوز إذا كان في الحمل حرج أو ضرر، وعلى المريضة أن تراجع الطبيبة إن أمكن ذلك.
ـ هل يجوز للمرأة أن تنظر إلى المنطقة المحصورة (بين السّرة والركبة) من جسد امرأة أخرى باستثناء الجهاز التناسلي؟
ـ نعم، يجوز لها ذلك.
ـ بعض النساء يمتنعن من الإنجاب من دون إذن أزواجهن؟
ـ [لا يجوز ذلك] إلا أن تخشى الضرر من الحمل فلا يجب عليها استئذانه..
ـ لو عكسنا السؤال فقلنا هل يحق للزوج أن يجبر زوجته على عدم الإنجاب وهي تريده، كأن يجبرها على استعمال دواء أو إجراء عملية.
ـ لا، لا يحق له ذلك.
ـ بعض العقاقير الطبية تتناولها النساء لتمنع نزول العادة الشهرية عندها؟
ـ يجوز لها ذلك الاستعمال.
ـ في الأيام الأولى من الحمل يكون من السهل إسقاط الجنين، فهل يحق للاُم أن تسقطه؟
ـ لا، لا يجوز لها ذلك.
ـ تعانق وتقبيل بعض النساء النساء في المطارات، والشوارع العامة، والساحات، والأسواق؟
ـ عناق النساء للنساء وتقبيلهن لبعضهن جائز، شرط أن يتم من دون حصول فعل محرم كالتبرج.
ـ تخرج النساء هذه الأيام في الشوارع العامة وهنَّ كاشفات لبعض ما يجب ستره، فهل يجوز النظر إليهن بدون شهوة أو تلذذ؟
ـ نعم، يجوز ذلك.
ـ من المألوف هذه الأيام أن تتزين المرأة بزينة صارخة، ثم تخرج أمام الناس في الأسواق والشوارع؟
ـ لا يجوز لها ذلك.
ـ ما دمنا نتحدث عن الحجاب، فسأسأل عن امرأة تخرج للناس، وظاهر قدمها مكشوف يراها الناظر الغريب؟
ـ [لا يجوز لها ذلك].
ـ وأخرى تصلي وظاهر قدمها مكشوف كذلك؟
ـ هذه يجوز لها، فكشف ظاهر القدم في الصلاة جائز.
ـ تركب بعض النساء سيارات الأجرة، وتكون هي والسائق لا ثالث لهما؟
ـ وهل يؤدي ذلك إلى إثارة الشهوة أو الوقوع في فعل المحرّم؟
ـ لا، أسأل عن مسألة اعتيادية سائدة هذه الأيام بلا غبار.
ـ ما دام ركوبها معه لا يؤدي إلى فعل محرم فهو جائز.
ـ امرأة تحب أن تتعلم القيادة، فيعلّمها سائق أجنبي عنها دون وجود شخص ثالث؟
ـ قلت لك في ما مضى يحق لها ذلك، شرط أن لا يؤدي إلى فعل محرم.
ـ حفلة نسائية صورت في فلم، فهل يجوز إرساله إلى المصور الغريب الأجنبي عنهن لتحميضه وتظهيره؟
ـ يجوز إذا لم يكن فيه إثارة شهوة.
ـ يستعمل بعض الشباب (العادة السِّريّة) أو (الاستمناء)؟
ـ العادة السرية (الاستمناء) محرمة بكل أنواعها، وأشكالها، وصورها، وهي ضارة صحياً كما يقول الأطباء، وربما تؤدي إلى العقم.
ـ والمرأة.. استعمال المرأة للعادة السرية؟
ـ يحرم على النساء كذلك استعمال العادة السرية.
ـ حالة مرضية استدعت أن يطلب الطبيب من مريضه فحص السائل المنوي بعد تعذر إخراجه بالطريق الشرعي لأن إخراجه لابد أن يكون عند الطبيب؟
ـ إذا اضطر المريض إلى ذلك جاز له، لكن مع تعذر إخراجه مع الزوجة أولاً.
ـ وإذا أراد شخص أن يختبر مدى قدرته على الإنجاب، فطلب منه الطبيب أن يخرج السائل المنوي ليفحصه؟
ـ ما دام غير مضطر لذلك فلا يجوز له الاستمناء.
ـ التلقيح الاصطناعي، أو إدخال سائل منوي لرجل غريب أجنبي داخل امرأة متزوجة من رجل عقيم، بطريق الإبرة أو ما شاكل من الطرق؟
ـ حرام.
ـ وهل يلحق الولد على تقدير إنجابه فرضاً بالزوج؟
ـ لا بل يلحق بالرجل صاحب السائل المنوي.
ـ سأعود إلى الطلبة مرة أخرى وقضاياهم، فأسأل عن ضرب الطفل في المدرسة؟
ـ لا يجوز ذلك، نعم إذا أذن وليه لمعلمه إذناً صريحاً جاز ذلك، لكن لا يجوز ضربه أكثر من الحاجة انتقاماً وعصبية أو استهواناً به لضعفه. وإذا لم يكن الولي قد أذن للمعلم بتربية الطفل وتأديبه إذناً صريحاً، بل كان ذلك مفهوماً من مجرد وضعه له في المدرسة ـ مثلاً ـ لم يجز للمعلم أن يضربه عند الحاجة أكثر من ثلاث ضربات.
ـ هل يجوز النظر إلى امرأة يريد أن يتزوجها؟
ـ نعم يجوز ذلك، تخرج له بثياب البيت المألوفة [ولا تكشف أكثر من ذلك‎].
ـ والكرة، لعبة الكرة بكافة أشكالها وأنواعها، ضمن مباريات بدون رهان؟
ـ جائز.
ـ والمصارعة والملاكمة بدون رهان؟
ـ جائزتان، إذا لم تؤديا إلى وقوع ضرر بدني معتدٍ به.
ـ من المسائل التي تهم الرجال (حلق اللحية)، فقد يحلق بعض الرجال لحاهم ويبقون شعر الذقن وحده، فهل يكفي ذلك شرعاً؟
ـ نعم، يكفي ذلك شرعاً.
ـ رجل حلق لحيته بالموسى هذا اليوم، ثم عاد إمرار الموسى عليها في اليوم الثاني، فهل يجوز إمرار الموسى عليها في اليوم الثاني؟
ـ يحرم ذلك.
ـ اسمح لي أن أنتقل إلى السؤال عن العلاقة بين الوالد وولده، لأسأل ـ بعد الاعتذار منك ـ عن حدود ما يجب على الولد الالتزام به من أوامر والديه؟
ـ يوجب الإسلام على الولد معاشرة والديه بالحسنى.
ـ حسناً، فهل يحسن شرعاً إطاعة الوالدين في كل شيء حتى في الأمور اليومية الحياتية، كأن يقول الوالد لولده: كل هذه الفاكهة، أو نم في الساعة العاشرة، أو ما شاكل؟
ـ نعم، يحسن ذلك ولكن لا يجب.
ـ إذا نهى الوالد ولده عن فعل شيء معين، محتملاً أن ضرراً ما يعود على ولده إن هو فعله، علماً بأنه غير مصيب في تخيله؟
ـ إذا لم يكن في ذلك قطيعة مع أبيه أو اعتداء عليه بحسب المتعارف جاز.
ـ سأنتقل إلى موضوع يشغل بال كثير من الشباب الآن وهو اللعب بالطاولي والدومنة ولكن بدون رهان؟
ـ لا يجوز لعبهما.
ـ يلعب بعض الناس بالأوراق، أو الآلات المعدة للقمار، ولكن للتسلية وبدون رهان؟
ـ يحرم اللعب بكل ما اُعدَّ للقمار، ولو بغير رهان.
ـ بعض الألعاب الإلكترونية تظهر على التلفاز بواسطة جهاز يسمى (الأتاري)، ويلعب بها بواسطة أزرار وهي للتسلية، وتلعب بدون رهان؟
ـ جائزة.
ـ ومن آلات القمار أنتقل إلى الرقص، فأسأل عن رقص الزوجة لزوجها من أجل إسعاده أو إثارته؟
ـ يجوز لها ذلك.
ـ ورقصها أمام زوجها بحضور جمع من النساء في حفلة مثلاً؟
ـ يجوز لها كذلك، ولكن لا يجوز لها أن ترقص أمام غير زوجها من الرجال.
ـ أنتقل فأسأل عن جواز الاستماع للأغاني الدينية.
ـ دعني أسألك أولاً ـ قبل أن أجيبك ـ هل أن ألحانها مناسبة لمجالس أهل الطرب والفسوق؟
ـ نعم.
ـ إذن يحرم استماعها، فكل لحن يناسب ألحان مجالس أهل الطرب والفسوق يحرم استماعه.
ـ هل يمكن توضيح ذلك؟ فالأغاني والموسيقى لها أنواع كثيرة، وبعضها كانت سائدة في وقت مضى، وليست هي مطلوبة ولا مرغوبة الآن؟
ـ ليس المهم أن تكون سائدة في أوساط أهل الفسوق في الوقت الحاضر، إنما المهم أن تكون ألحانها مبتنية على هزّ مشاعر النفس وإبعادها عن الواقع الحاضر إلى نحو من العبث واللهو، وتنبيه غرائزها وإثارة رغبتها في المزيد من الابتهاج أو الغرام أو الحزن والتفجع أو نحو ذلك.
ـ أيجوز للمرأة المحجبة أن تخرج من بيتها لبعض شؤونها معطرة، يشم عطرها الأجنبي الغريب عنها؟
ـ لا يجوز لها ذلك، إذا كان موجباً لافتتان ذلك الأجنبي الغريب عنها.
ـ إثر وفاة عزيز تلبس النساء السواد جزعاً عليه، وقد تضرب الوجوه والصدور وغيرها، فهل يجوز ذلك؟
ـ نعم، يجوز ولكنه مكروه.
ـ اسمح لي أن أسألك سؤالي الأخير.
ـ تفضل.
ـ إذا رمى شخص زجاجة مثلاً وسط الطريق فمّر بها إنسان فجرحته أو سيارة فتمزق إطارها فهل يتحمل الرامي المسؤولية ويضمن؟
ـ إذا لم يكن رميها في الطريق المذكور مألوفاً، يتحمل المسؤولية ويضمن.
والحمد لله رب العالمين إنه حسبنا ونعم الوكيل.

المصدر:
http://www.alhakeem.com/arabic/almoalafat/fqh/hewar/index.htm
 

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك