الهدي النبوي في ترقية المرأة
إدريس أحمد
يتصف منهج التربية النبوية بخاصية الشمولية التي تجمع أطياف المجتمع الإنساني كافة، عربهم وعجمهم، ذكرانهم وإناثهم، كبارهم وصغارهم، وهو منهج يستند في أساسه إلى ما جاء في الكتاب العزيز (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]. حيث انطلق هذا النهج التربوي من مرتفعات الحجاز وفيافيه، إلى رحاب العالم والآفاق، وهو يحمل رسالة الرحمة للإنسانية على العموم وللمستضعفين مهضومي الحقوق بشكل خاص، وأسلوب النبي صلى الله عليه وسلم في التربية كشف لنا هديه في ترقية المرأة، ويتمثل في منهجه الشامل في تحرير طاقات الإنسان ودفعه إلى الإبداع والعمل الإيجابي، وتعمير الأرض بالخير.
وخلال دراسة الدكتورة رحيمة بن حمو، أستاذة في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإنسانية، نستكشف بعض ملامح المنهج الذي اتبعه صلى الله عليه وسلم في تغيير المرأة وتحرير طاقاتها الإبداعية، لتتحول من مخلوق ضعيف، مجهود ومقهور في المجتمع الجاهلي، إلى عنصر فعال ومؤثر في صناعة المجتمع الإسلامي الجديد في المدينة المنورة، وننوه إلى معالم تدل على هذا الأسلوب التربوي الناجح، وهذا الأمر يسهم في توجيه المربين والمعلمين وصناع القرار في شأن المرأة، ، وتحريرها من التمييز والعنصرية التي تمارس ضدها على يد العابثين، من أدعياء حقوق المرأة، وتسديد الاعتناء بالنساء بشكل جيد وفق الهدي النبوي.
معالم تحرير المرأة من التمييز وترقيتها
قرر النبي صلى الله عليه وسلم من خلال دعوته إلى التوحيد ونبذ الشرك، إكرام الإنسانية قاطبة وتحريرها من ربقة الاسترقاق والظلم والقهر، لا سيما المستضعفين من الأطفال والنساء، وفي أطار ذلك استعمل الرسول صلى الله عليه وسلم مناهج تربوية متعددة، وذلك إلى جانب دعوته النساء إلى الإسلام، واستيعابهن في الأنشطة الاجتماعية والثقافية المتعددة في الدولة الإسلامية، وهذه المناهج تعد معالم وخطوات في طريق تحرير المرأة من التمييز والاستعباد الفكري والإعلامي، ومن هذه المعالم ما يأتي:
أ – تقرير مبدأ الأصل الواحد: وهذا أبرز المبادئ التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم حيث تعامل مع الجميع على حد سواء كمشروع إلهي واحد في الكون، فاتسعت دعوته للإنسانية جمعاء، ضغارهم وكبارهم، رجالهم ونسائهم، أقاصيهم وأدانيهم، أشراف القوم ومواليهم، وبناء على هذا الأساس كان أكثر أتباع الرسول من المستضعفين.
استقر هذا المفهوم لدى الجيل الأول من الصحابة رضوان الله عليهم، فكانت الصحابيات الفضليات يسرعن في قبول الدعوة والإذعان لأمر الله تعالى، والشعور بالمساواة أمام الخطاب الشرعي الموجه للإنسان بصفة أصل واحد، وهذا المعنى تمثله لنا أم سلمة رضي الله عنها في رواية عنها، في قصة مشهورة، قالت: كنت أسمع الناس يذكرون الحوض، ولم أسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان يوما من ذلك، والجارية تمشطني، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أيها الناس» فقلت للجارية: استأخري عني، قالت: إنما دعا الرجال ولم يدع النساء، فقلت: إني من الناس.. الحديث [صحيح مسلم]. حيث فهمت أم سلمة أن الخطاب موجه لجميع المكلفين دون التفرقة بناء على ما استقر لديهم جميعا، لذلك لم ينكر عليها أحد.
ب – تفعيل مبدأ المساواة على مستوى التشريع، لا شك أن العدل مبدأ أساسي في المنظومة العامة للقيم الإسلامية ، وكان من أحد الأسباب التي ساهمت في نهضة الأمة الإسلامية، وغدت منقذة البشرية من غياهب الظلم والعبودية لغير الله تعالى. وكان من أبرز مظاهر تحرير المرأة إزالة المعوقات التشريعية (الحقوقية) التي جعلت المرأة مخلوقة من الدرجة الثانية، وهذا ما يؤكده القرآن الكريم، يقول الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].
جـ – تفعيل مبدأ التكليف والمسؤولية أمام الله والمجتمع، حيث أكد المنهج النبوي على مبدأ المساواة في خطاباته الدينية وتبليغها للمجتمعات الإنسانية، تشترك المرأة مع الرجل فيها على حد سواء، لان الله تعالى خاطب الجميع بوصف المكلفين، وذلك على مستوى المسؤولية الشخصية والمسؤولية العامة، فقال الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة: 286].
د – حفظ الكرامة الإنسانية ومراعاة الخصوصية، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالنساء في أحاديث كثيرة، وتجمع ذلك الآية الكريمة: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 19]. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهلهن وأنا خيركم لأهلي) [صحيح، الترمذي]. واعتبر إكرام المرأة واحترام خصوصياتهن وخلقتهن مما راعاه الرسول صلى الله عليه وسلم ووصى الصحابة على حفظها وتنميتها، وتجنب استغلالها لإضعافها أو الجور عليها، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيرا) [صحيح مسلم].
هـ – التركيز على التربية والتعليم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو معلم الأمة جميعا، قد ركز على خطة تعليم ممنهجة في مهمته النهضوية والحضارية، والدينية، من أجل أن ينتج جيلا بل أجيالا من الرجال والنساء الذين يحملون لواء الدين ويقومون بتفعيله في عمارة هذه الأرض، فالتعليم والتقدم مفهومان متلازمان وقيمتان حضاريتان لا تنفصلان.
وإذا كان رسول الله يتخول الصحابة بالموعظة، فكذلك كان يخصص أياما لتعليم النساء اللاتي يمثلن مدرسة أجيال المستقبل، فقد جاءت حكاية طلب النساء الحصة المخصصة لهن من سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، حصة لا يشاركهن فيها أحد من الرجال، فقد أخرج البخاري عن أبي سعيد الخدري قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما من نفسك، فوعدهن يوما لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن، فكان فيما قال لهن: «ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها، إلا كان لها حجابا من النار» فقالت امرأة: واثنتين؟ فقال: «واثنتين».
وجاءت في رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم خصص لهن يوما ، فعلمهن السنة والهدي النبوي.
و – الرعاية الاجتماعية للنساء ، فقد كان عليه الصلاة والسلام يهتم بالنساء ضمن هديه الظاهر، وأدرجهن ضمن الشبكة الاجتماعية التي حظيت بالمعاملة الحسنة منه، فكان يزور بعضهن ويواسيهن في المصائب ويهنئ في الزواج، وكان صلى الله عليه وسلم يفتح بابه للنساء للاستشارة في ما يقع لبعضهن من الأمور مثل حادثة خولة المجادلة في شأن الظهار، بل كان يشاور بعض أزواجه في شؤون العامة، فقد استشارت أم سلمة في حادثة صلح الحديبية. واتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم دار رملة بنت الحارث يؤوي فيه من يريد إيواءه من الوفود[1].
ـــــــــــــــــ
[1] زاد المعاد (3/570).
المصدر: https://islamonline.net/37886