العولمة ورهان البيوتقنيات

الشقوري عبد اللطيف

 

مقدمة:

 

إن إمكانية الحديث في/وعن نظام عالمي جديد، وقبل أن نتكلم عن تعدد أشكال خطاباته الاقتصادية والسياسية، يمكن أن نفترض أولا وقبل كل شيء أن لهذا النظام حقيقة أولية تتجلى سمتها الأساسية في شمولية الخطابات العلمية ودورانها سواء أكانت نتاجا فرديا يعود للذات المبدعة، أو نتاجا لهذه الذات في علاقتها وانتمائها الضروري للمؤسسة. إذ يجوز القول إن الاقتصاد السياسي للعولمة يدور اليوم في مجالين أساسيين.

 

1 ـ المجال الأول: وينحصر في قوة وهيمنة الخطابات العلمية، وخاصة على مستوى ثلاثة أصناف من العلوم التي تتصدر مؤسسات البحث الأساسية لتصبح ومنذ الآن بمثابة برديكمات كبرى للقرن الواحد والعشرين. ونقصد أساسا العلوم الكوسمولوجية، والعلوم البيولوجية، والعلوم المعلوماتية، إذا لم ننس إضافة ما يعرف اليوم أيضا بعلوم التعقيد Les sciences de la complexité(1).

 

2 ـ المجال الثاني: وينحصر في أصناف هذه الخطابات عبر تعددها واختلاف آفاق مناهجها ونظرياتها التي تؤول إلى إنتاج حقيقة قد تخضع أو هي خاضعة بالفعل لمراقبة مركزية، حتى إذا ما تجاوزت العلماء أنفسهم، فهي هيمنة تشرف عليها وتوجهها مؤسسات سياسية واقتصادية كالدول والشركات الكبرى. وهذا أدى بالمعرفة العلمية إلى أن تصبح أكثر أداتية، وأكثر إجرائية عن طريق الدعم التمويلي لرؤوس الأموال الضخمة، والدعم التقاني. وهاذان الدعمان يرسخان اليوم داخل فضاء العولمة معنى سيرتبط بجذر الكلمة وتداولها ألا وهو معنى القوة والهيمنة بواسطة رهان التقنو/علم Techno-science(2).

 

ويتعلق الأمر في هذه المقالة بحدود هذه الخطابات العلمية وطريقة توظيفها، واستغلالها كحقيقة معرفية، حيث من الممكن الحديث عن سلطة العولمة كصيغة لهيمنة من داخل العلوم وبواسطتها. ذلك أن الآليات التي يشتغل بها منطق العولمة ليست مجرد آليات اقتصادية وسياسية بل هي أيضا آليات معرفية علمية تستمد جذورها مما يعرف اليوم بصناعة العلم والمعرفة. إن خطاب العلمية في هذا الصدد لا يقصد به توجها علمويا كما أفصحت عنه برامج البحث الوضعي، كما لا يقصد به رفع شعار العولمة كرصيد إيديولوجي والافتتان به كنموذج لحل مشاكل ومعضلة تخلفنا، ومن ثم التلويح به خارج كل الاعتبارات السوسيو/ثقافية للمجتمعات البشرية، بل يقصد به إرادة المعرفة عندما تتحكم من داخل في آلياتها وسيرورتها. إنه خطاب في حقيقة "تتمركز حول شكل الخطاب العلمي والمؤسسات التي تنتجه"(3)، لهذا فهو خطاب يطرح أولوية الثنائي: "حقيقة/سلطة، وليس علم/إيديولوجيا(4). إن هذه الأولوية هي حقيقة سلطة علمية في الرهان وفي الاستراتيجيات، والتطور الذي يصلنا بعض أصدائه في الفلك والبيولوجيا هو إحدى مشتقات وثمار هذا الرهان ولهذا سنلاحظ منذ الوهلة الأولى أن خطاب العولمة على صعيد هذه العلوم المذكورة يزاول حقيقته العلمية كسلطة يريد تعميمها لا على مستوى الطبيعة والتحكم فيها، بل وأيضا على مستوى الكينونة البشرية كامتداد لحالة وعي فكري وثقافي ما زال يفلت حتى اليوم من براثن هذه السيطرة. والسؤال الأساسي الذي سيوجهنا نلخصه كالتالي: هل يستطيع الهامش، بما فيه مجموع دول العالم الثالث، التخلص من أشكال هذه الهيمنة كحقيقة سلطوية؟ هل ما زالت دول العالم الثالث تملك ذلك الهامش من التحرر والاستقلال الفكري والثقافي الذي هو رصيد وجودها ودفاعها الحضاري، أم أن الهيمنة العلموية  بسلطانها وجبروتها ستؤدي إلى ضياع هذا الهامش ذاته؟ إن خطاب العولمة العلمي يخفي مشكلة أساسية هي مشكلة قوى وتوازن قوى، ولن نطرح هذا التوازن في دلالاته السياسية والإيديولوجية، بل فقط في مدلول استراتيجيته كرهان مستقبلي. وللتدليل على عمق هذا الرهان في خطاب العولمة العلمي سأقسم مدلول هذا الخطاب عبر المستويات التالية: والتي سأسميها استراتيجيات تبعا لأهدافها وغاياتها. فهناك أولا مسألة المصطلح التي سنبث فيها على حدة وهناك أيضا رهان العلمية الذي سينطلق من استراتيجية البحث الأساسي، والتي سنستدل عليها من ما يجري في فضاء العلوم البيولوجية وفي قضية أساسية محددة هي قضية الاستنساح التي كانت أهم حدث علمي في السنة المنصرمة. وهناك ثانيا رهان السوق كمجال واسع للتسابق بين الشركات الكبرى التي تستثمر أموالها في مجال البحث الأساسي والتطبيقي وأخيرا الرهان القيمي الذي يثير اليوم داخل مبحث "البيو/أخلاق Bioethique" معضلة الوجود البشري باعتباره رصيدا تاريخيا من القيم والسلوكات والمعتقدات. إلا أننا نؤكد أن مفهوم العولمة كمشروع حضاري أورو/أمريكي يثبت حاليا لدول العالم الثالث أن العولمة هي أساسا رهان حقيقة معرفية علمية تتجه نحو الهيمنة.

 

1 ـ في المصطلح:

 

إن العولمة أصبحت من المصطلحات الشائعة التي نصطلح فيها بخلط كبير، وسوء فهم واسع خاصة في الأدبيات الصحافية. ولهذا لن نأخذ في هذه المقالة هذا المفهوم من زاوية مقاربة اقتصادية، أو مقاربة إعلامية بل سنحاول رصد هذا المفهوم من زاوية قوة وهيمنة التقنو/علم، أي العلاقة بين مفهوم العلم كرصيد نظري وبحث أساسي ومدى تطبيق أو إمكانية تحقيق البعد الإجرائي لهذا المفهوم من خلال تقنيات تطبيقية تجسد قوة وهيمنة العلم والتقانة. وسنأخذ بهذا المفهوم للاعتبارات التالية:

 

أ ـ قوة تداوله واستعماله، إذ نلاحظ أنه بالرغم من الاعتراضات اللغوية على ترجمته سواء في الاصطلاح الإنجليزي أو الاصطلاح الفرنسي، إلا أن استخدامه وتوسيع تداول مجاله المفهومي ظل مرتبطا بنفس التسمية.

 

ب ـ إننا أمام مفهوم Sur-chargé ، من هنا تأتي تعددية المرجعيات داخله، هذه المرجعيات التي قد تؤدي إلى التباس وضبابية في المعنى. إلا أنه إذا ما أخذنا قوة المفاهيم في مجال تداولها فإننا سنصطدم بقوة المعنى داخل هذا المفهوم.

 

ج ـ إن العولمة رهان للمعنى وقوة للهيمنة بطريقة أكثر انتظاما وأكثر تعقيدا مما كنا نتصور، بل إن هذا الرهان، ربما يطرح اليوم وبشكل أكثر حدة طريقة تفكيرنا ووعينا التاريخي بممارسة وفعالية البيو/تقنيات. بل ويؤكد حقيقة أن المعرفة العلمية المتداولة اليوم على الصعيد العالمي لم تعد ومنذ الآن هي رهانات أواخر القرن التاسع عشر أو بداية القرن العشرين، بل نحن أمام رهانات تتوجه جذريا إلى إعادة تنظيم جديدة لكل قواعد اللعب.

 

د ـ إن المجال التداولي وتوزيع المعنى داخله يسعى وراء اكتساب قطيعة مع أشكال ثقافية سائدة، وخاصة في الأبحاث العلمية الأساسية المتداولة داخل قطاعات التقنو/علم، أي السعي وراء إعادة تنظيم ورسم معالم جديدة لاستراتيجية المعرفة العلمية داخل المجتمعات الغربية أساسا.

 

أما في ما يخص المصطلح المتداول وهو بيو/تقني Biotechnologie وهو مصطلح هام تتداوله البيولوجيات بمختلف تخصصاتها وخاصة البيولوجية الجزيئية الخاصة بتطبيق التقنية المختبرية على الكائنات الحية. وذلك في إطار فهم جديد للحياة والكائن الحي عبر تواصل بيولوجي لغته الأساسية: الشفرة Code، المعلومات المورثية Information génétique، وتحليل الجزيئات الكبرى Macromolécules وخاصة منها الـ A.D.N. والبروتينات. وهي غير الهندسة الوراثية Géni génétique التي هي فرع منها، فإذا كانت الهندسة الوراثية مثلا تطبق تقنية العزل للخلايا الحية ابتداء من أنسجة نباتية وحيوانية للوصول إلى إنتاج مواد نافعة للإنسان كهرمونات النمو مثلا، فإن البيوتقنيات تلتقي مع الهندسة الوراثية لتصبح تخصصا أشمل وأعم من حيث اهتمامها بالتفاعلات البيوكيميائية لمحتويات المادة الخلوية، وخاصة الأنزيمات Les enzimes كحوافز أساسية للتفاعلات الكيميائية. لهذا يمكن تقريب شمولية هذا المصطلح من التقاء وتقاطع عدة علوم قطاعية بيولوجية، كالبيولوجية الجزيئية، والهندسة الوراثية والوراثيات وخاصة إدخال المعالجة المعلوماتية Informatique والمعالجة الميكرو إلكترونية Micro-Electronique، والمعالجة الآلية  Automatique(5).

 

2 ـ العولمة: رهان العلوم البيولوجية وموضوعة الاستنساخ Clonage

 

إن مسألة الرهان التي سنخوض فيها داخل هذه المجالات العلمية، تقتضي الإدلاء بالملاحظتين التاليتين:

 

أ ـ إن استخدام لفظة الرهان والمراهنة تحدده استراتيجيات. فرهان العلمية يتوجه نحو حقيقة المعرفة وصناعتها قصد امتلاكها والإبداع فيها، ومن ثم الهيمنة وبسط النفوذ والسيطرة بواسطتها ومن خلالها، ولهذا سيصبح الرهان بواسطة العلوم كصناعة مجالا ممتدا تلتقي داخله دوائر متعددة قطبها المركزي، الصراع من أجل سبق علمي، أو الحصول على فائض أرباح سبق استثمارها داخل هذا المجال العلمي أو ذاك.

 

ب ـ إن رهان العلوم البيولوجية يخترق اليوم صميم الكينونة البشرية لا لزعزعة تلك "الأنا الأنثروبولوجية" الكامنة فيه فحسب، بل وأيضا لصياغة خطاب جديد حول تاريخيته، هذه التاريخية التي يمكن القول بصددها إنها "جينيالوجيا معرفية"، أي حدث أصيل في المعرفة سيكون له أثر كبير في بناء إنسانية الغد.

 

إن الحديث عن العلوم البيولوجية المعاصرة وموضوعة الاستنساخ، يستلزم أولا تحديد المجال الدلالي لهذين المفهومين. إننا نقصد بالعلوم البيولوجية مجموعة من العلوم القطاعية أو العلوم الجهوية التي تمتلك من الناحية التاريخية رصيدا نظريا، بل وقوة إجرائية على صعيد مواضيعها ومفاهيمها. ذلك لأن موضوعة الاستنساخ ليست وليدة الجهوية الوحيدة: الهندسة الوراثية Géni génétique، بل هي وليدة مسار معقد يمكن أن نستحضر فيه أيضا علوما قطاعية أخرى، كالبيولوجية الجزيئية Biologie moléculaire، التي هي نتاج للقاء وتواصل بين جهويتين علميتين سابقتين، نشأتا منذ أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وهما: علم المورثات La génétique  مع G.Mendel، والبيوكيمياء La Biochimie مع مجموعة من الباحثين. ويمكن القول مع جواز نسبي أن براديجم العلوم البيولوجية تجسده اليوم البيولوجية الجزيئية لسببين أساسيين: أولهما، لأنها مركز تواصل والتقاء هذه المناهج في العلوم السابقة الذكر، وثانيا، لأن موضوعها في تحديده سيستوعب الخاصيتين الأساسيتين في تركيبة الكائنات الحية، أي الخاصية المورثية الجينات es gènes  ، والخاصية البروتينية والأنزيمية Protéines et enzimes. وكلاهما سيعطيان منظورا جديدا للكائن الحي من حيث رصيد المعلومات التي ستستخدم في التقنيات التي ستوظفها على الخصوص الهندسة الوراثية(6). من هنا نلاحظ درجة تعقيد العلوم البيولوجية، ذلك أن وضعها الإبستمولوجي Statut épistémologique، يقارب ليس فقط حدودها المعرفية الخاصة بموضوعها، بل تمتد مقاربتها لكي يصبح وضعها مركز التقاء بين علومها الخاصة والجهويات المتعددة كالفيزياء والعلوم الإنسانية، ما دام أن موضوع المقاربة هو الكائن الحي الذي سيصبح داخل هذا التعدد، تعددا في الوجود، وتعددا في الإمكان. تعددا في الوجود لأن هذه العلوم ستفتت موضوعه لتعالجه من زوايا ومقاربات متعددة تلعب فيها التقنيات التجريبية دورا حاسما. وتعددا في الإمكان لأن موضوعات المقاربة لم تعد تكتفي في برهان علميتها بموضوعات حية كالبكتريات والفيروسات، بل أصبحت تسعى وتطمح إلى التحكم ومناولة حتى الكائنات الحية تعقيدا كالحيوانات الثديية، ولماذا لا وفي يوم ما الإنسان؟

 

نستنتج مما سبق أنه لا وجود لـ"البيولوجيا" بألف التعريف، بل هناك فقط علوم بيولوجية قطاعية تتواصل معرفيا بين جهوياتها الداخلية ليأخذ هذا التواصل نموذج تعددية تناهجية Pluridisciplinaire، حيث أن نظام المعارف ووضعها ليس نظاما أو وضعا هرميا من الأعلى إلى الأدنى، بل هو حسب تشبيه ميشال سير Michel Serres، أشبه بشبكة طرقية يصبح فيها "سيلان المعارف" متموجا في عدة اتجاهات. لهذا فتاريخ العلوم ليس أحاديا، وليس خطيا في توجهات معارفه بل هو: "شبكة تتدفق منها عدة طرق متعددة ومعقدة، وتتشابك فيها عدة تبادلات، وتتقاطع فيها عدة تمفصلات، كقمم ومنعطفات، إنها تشعب لطريقين أو أكثر"(7). لهذا إذا ما تساءلنا عن شبكة تموج العلوم البيولوجية وتقاطعها ومنعطفاتها أمكن القول إنها التوجهات الأساسية التالية:

 

أ ـ شبكة التوجه الفيزيوكيميائي Physico-chimique، والتي يوجهها اليوم البراديجم السائد في البيولوجية الجزيئية La biologie-moléculaire، وخاصة كل الأبحاث التي تجري داخل نواة الخلية ابتداء من الحامض النووي Acide Nucleique، إلى بنية الـ A.D.N.، إلى الأساسي البروتيني والأنزيمي.

 

ب ـ شبكة التوجه الفيزيولوجي الجديد La tendance Néo-physiologique والتي ترى أن المشكلات الرئيسية الكبرى داخل العلوم البيولوجية المعاصرة لن تحلها "بيولوجيا الجزيئات الجينية" بتوجه ينصب على محاولة المعادلة الجينية وحدها، ذلك أن هناك معادلات أخرى لا نعرف عنها الشيء الكثير، وعلى الخصوص "أشكال نمو الجنين" Morphogénèse، والوظائف الفيزيولوجية الكبرى للكائن الحي وخاصة فيزيولوجية الأعضاء وكيفية نموها، أو فيزيولوجية المخ ووظائفه الأساسية…الخ.

 

ج ـ شبكة التوجه النسقي البيئي Ecosystème، والتي تدخل اليوم إلى مجال العلوم البيولوجية لتطرح في توجهها الرئيسي معضلة العلاقة بين الكائنات الحية في تعدد أنواعها وفي اختلاف أجناسها مع بيئتها ومحيطها، حيث نفهم من البيئة المحيط الطبيعي كنسق في علاقته مع المحيط الكوكبي Biosphère، ما دام أن الكائنات الحية لا تستقي أنواع طاقاتها إلا من داخل هذا الوسط المحيط.

 

د ـ شبكة التوجه البيو-تقني Biotechnologies، حيث أن هذه العلوم ومنها أساسا الهندسة الوراثية غيرت بل وفرضت وضعا معرفيا جديدا على العلوم البيولوجية التي لم تعد مجرد علوم نظرية بحثة، بل دخلت مجال الصناعة التقنية لتغطي مجالات تطبيقية واسعة، تبتدأ بالقطاعات الصيدلية/الطبية، والقطاعات الفلاحية، والقطاعات الصناعية الكبرى…الخ(8). بل لتصبح مجالا صراعيا قويا بين الشركات المتعددة الجنسية داخل استراتيجيات الهيمنة والسيطرة على الأسواق (وسنرى أن موضوعة الاستنساخ تدخل في هذا السياق)(9).

 

إذن، فالمقصود بالعلوم البيولوجية هو هذه الشبكة الواسعة من التموجات اللانهائية، والتي تتحدد كنظام تناهجي تلتقي وتتداخل فيه وبينه طرق معقدة هي خلاصة سلسلة من التحولات النظرية التي يحدثها بين الفينة والأخرى هذا العلم أو ذاك، فيكون هو البراديجم السائد داخل شبكة التوجه العلمي. وللاستدلال على ذلك سنأخذ داخل هذه العلوم البيولوجية موضوعة الاستنساخ باعتبارها موضوعة تتراوح مقاربتها بين شبكة التوجهين الأساسيين: شبكة التوجه الفيزيوكيميائية، وشبكة البيوتقنيات.

 

يعتبر الاستنساح Clonage طريقة منهجية وتجريبية تدخل فيها عدة تقنيات مختبرية، ويستخدمها في الغالب علماء التحكم في الجينات. وقبل أن نتعرف على البعد التجريبي والتقني في هذا المنهج، سنحاول الإطلالة على الحقل الدلالي والاصطلاحي لهذا الاستعمال. فمن الناحية الدلالية نتحفظ إزاء هذه التسمية/الكلمة، ونقبلها لعدم وجود مصطلح علمي دقيق يقابلها في اللغة العربية. فلفظة الاستنساخ Clonage تعني الحصول على Clone أي مستنسخ، واللفظة في اشتقاقها تعود إلى الإغريقية Klôn ومعناها الدفع. والمعنى الدلالي هو الدفع بفرد أو مجموعة من الأفراد على أن يصبحوا متشابهين ومتطابقين على مستوى جزيئاتهم المورثية. فمن حيث الدلالة العامة لا بد للفرد المستنسخ أن يكون نسخة متطابقة من الصورة الأولية لنسخته، وصورة التوالد التي تتم على صعيد هذا التطابق تتم بطريقة لا جنسية Asexué، أي حذف التوالد الجنسي الطبيعي. والتطابق الاستنساخي أساسا من الأم (الاستنساخ تم من الأنثى أي أم Dolly). لهذا يمكن القول أن جميع أفراد الاستنساخ يشتركون ويحملون نفس الرصيد المورثي(10). أما من الناحية الاصطلاحية فالاستنساخ عبارة عن تقنية مختبرية لدى الباحثين يقومون أثناءها بعملية تجزيء للجزيئة الكبرى A.D.N، قصد عزل المورثات les gènes، وإعادة زرعها داخل جزيئة كبرى أخرى من الـ A.D.N، والاستنساخ في هذه التقنية يتم داخل زراعة بكتيرية، حيوانية، أو نباتية(11). ويمكننا باختصار، أن نستنتج على المستويين الدلالي العام، والاصطلاحي الخاص أن ظاهرة الاستنساخ ترتبط بمجموعة من العلوم البيولوجية القطاعية، لتلتقي من الناحية التجريبية والأداتية كتقنية بعلم أساسي داخل "البيوتقنيات" ألا وهو علم الهندسة الوراثية، لتصبح في نفس الوقت مجموعة من التقنيات التي تمكن من التحكم في البنية المورثية وخاصة، في جزيئاتها الكبرى، على أساس عزل أو نقل هذه البنية من عضوية إلى أخرى والحصول على تطابق مورثي. وسنستدل على التقنية التجريبية للاستنساخ من التجربة المشهورة للنعجة دولي Dolly.

 

يتعلق الأمر بالعالمين "السكوتلانديين Ian Wilmut، وزميله Keith Campbell، من معهد Tosline. فقد اقتطعا من نعجة أولى بيضاء –تبلغ من العمر ست سنوات، وفي شهورها الثلاثة الأخيرة من حملها- خلايا لغدة ثديية. وقد اختار الباحثان هذه الفترة من الحمل لأن الخلايا الثديية تكون في طور الانقسام والتعدد. وبعد ذلك طبقوا على هذه الخلايا تقنية الزراعة الزجاجية Culture In Vitro، حيث بقيت لمدة خمسة أيام داخل وسط زراعي ضعيف التغذية. وكان الهدف من تطبيق هذه التقنية هو الوصول تدريجيا إلى التوقيف الكامل للدورة الخلوية Cycle Cellulaire، وهي المرحلة التي تعرف مختبريا بـ  Go. ذلك أن هذه الخلايا –خلايا الغدة الثديية المستأصلة- لم تمت، بل دخلت في شبه سبات ليتم نقلها ووضع كل واحدة منها في خلية بيضية Ovocyte غير مخصبة لنعجة أخرى سوداء تم استئصال نواتها. إن هذه الخلايا البيضية التي أخذت من النعجة الثانية السوداء، تم استئصالها تشريحيا من القناة المبيضية، وأثناء طور الإباضة، حيث أنه بعد استئصال نواتها سيتم نقلها أيضا إلى وسط زراعي متوسط الحرارة. بعد ذلك سيتم تنشيطها بواسطة دفعات كهربية لتسهيل مرور الخلية المكونة أي الجنين الجديد المنتظر. آنئذ، ستدخل التجربة في طورها الحاسم والذي ستلتقي فيه الخلايا (خلايا الغدة الثديية، والخلايا البيضية بعد استئصال أنوية هذه الأخيرة)، عبر تنشيط ودفع كهربي جديد. وكانت النتيجة الحصول على جنين في طور تكوين خليته الأولى من خلال المكون (2n). بعد الحصول على هذه النتيجة الإيجابية تمت عملية زرع وتثبيت هذه الخلية الأولى في القناة المبيضية للنعجة السوداء، حيث طبقت عليها تقنية الزراعة في الكائن الحي مباشرة Culture in Vivo، وبعد أن دخل الجنين في يومه السادس، تمت من جديد عملية إعادة زرعه في رحم نفس النعجة السوداء، حيث سيستمر الحمل مدة خمسة شهور لتولد أخيرا وبعد مخاض علمي طويل النعجة "دولي Dolly"(12).

 

نخلص مما سبق إلى القول بأن هذه التقنية المختبرية في الاستنساخ تمثل جانبا أساسيا من جهوية علمية، وصناعة معرفية تبين إلى أي حد يمكن التحكم في الآليات المتخصصة للكائنات الحية. إن هذه الآليات تبين أيضا حقيقة سلطة معرفية تتجلى في الأبحاث الأساسية التي تجري داخل المختبرات العلمية المنتشرة في أوروبا وأمريكا. إن هذه التقنية تثبت أيضا لأول مرة في تاريخ البشرية توالدا لأنثى دون حضور العنصر الذكري، كما أنها تثبت أيضا إمكانية تحقق توالد لا جنسي، بمعنى دون المرور بالمرحلة التوالدية الطبيعية التي تتم فيها عملية إخصاب البويضة من قبل الحيوان المنوي. وبالرغم من أن نتاج هذه التجربة مرتبط بالعنصر الأنثوي دون الذكري، إلا أن العالمين الإنجليزيين أكدا إمكانية توالد ذكري انطلاقا من خلايا ذكرية. إلا أنه في الظروف الراهنة لا يمكن تجاوز العنصر الأنثوي، لأن كلا من القناة المبيضية والرحم ضروريان لنمو الجنين. وبالرغم من أن هذه التجربة طبقت تقنية كانت معروفة منذ 1938 مع أحد العلماء الألمان، إلا أنها أدت إلى البرهنة على قيمتها التفسيرية والافتراضية، والتي أكد الكثير من البيولوجيين التجريبيين استحالة القيام بها على الحيوانات الثديية ونعني التقنيتين المختبريتين:

 

ـ تقنية تنشيط الخلية البيضية المستأصلة النواة.

 

ـ ثم تقنية توقيف الدورة الخلوية.

 

ففي هاتين التقنيتين تكمن براعة وحدة العمل العلمي الإبداعي، ذلك لأنهما يشكلان خلايا متمايزة ومختلفة (خلية ثديية، وخلية بيضية). يتبدى لنا من خلال مثال الاستنساخ في التجربة السالفة الذكر أن رهان المعرفة العلمية كاستراتيجية في البحث العلمي الأساسي هو الذي يوجه مستوى الرهان الثاني المرتبط به ألا وهو رهان السوق، والتنافس بين الشركات الكبرى التي تمول هذا النمط من الأبحاث، سواء أكان مصدر هذا التمويل قطاعا خاصا أو مؤسسة تابعة للدولة. لهذا فإن الآلية الأساسية التي تغذي "اقتصاد العولمة" هي آلية البحث العلمي المزدوج، أي أبحاث علمية أساسية تصب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في مجالات تطبيقية توازيها.

 

3 ـ العولمة ورهان السوق:

 

إن أول لقاء لهذا النمط من التقنيات كأبحاث، وعلى مستوى اقتصاديات السوق سيكون بالأساس هو سوق "البورصة La bourse". إذ يمكن القول أن كل آليات البيو/تقنيات سواء على مستوى ما يجري من أبحاث في المجال الصيدلي/الطبي، أو المجال الفلاحي، أو مجال الصناعات الغذائية، يصب كله في رصيد القيم البورصوية. إذ لوحظ أن كل المؤسسات التي تستثمر في مجال البيو/تقنيات ارتفع رصيدها القيمي في البورصة ارتفاعا خياليا. صحيح أن الرهان الحقيقي في السوق ليس تربية الدواجن بطريقة الاستنساخ، إذ تبين أن مردودها وريعها سيكون ضعيفا إلى حد كبير(13). إذن، فالرهان الحقيقي كهدف اقتصادي وتجاري سيتوجه أساسا نحو المنتجات الصيدلية والطبية، إذ أنها ستكون، بالفعل، سوقا لتحقيق أحلام العولمة والمتعولمين. ولنأخذ كمثال على ذلك الشركة التي أشرفت على تجربة "دولي Dolly". إن هذه الشركة البريطانية المسماة "PPL Therapeutics"، والتي تمتلك فرعا لها في الولايات المتحدة، مختصة بالأساس بتطبيق تقنية التطعيم Microinjection، على حليب الحيوانات الداجنة، حتى يصبح هذا الحليب حاملا لمواد بروتينية قادرة على معالجة بعض الأمراض المستصعية، وهو ما يعرف بـ"Le Clonage Transgénique"، أي الاستنساخ النقلي المورثي. وقد تبين أن سوق المعالجة الطبية البروتينية، والذي قدرت أرباحه بملايير الدولارات، سوق مستقبلي للاستثمار سواء بالنسبة للدول أو الشركات الكبرى. لهذا لاحظ المراقبون الاقتصاديون أن أسهم شركة "PPL therapeutics"، ارتفعت بنسبة 56% مباشرة بعد تجربة الاستنساخ على "دولي"، والسبب يعود لا إلى محاولة تكثير الحيوانات الداجنة بواسطة الاستنساخ، بل يعود أساسا إلى أن الشركة المذكورة تمتلك من الناحية العلمية تقنيات البحث الأساسية التي يمكن بواسطتها التحكم في إنتاج وصناعة المواد البروتينية ذات الأصل الحيواني(14). وما دامت هذه الصناعة تتوجه إلى سوق عالمية قصد معالجة الأمراض البشرية وخاصة الأمراض الخطيرة، فإن العولمة في مدلول الربح ورهانه تنتظر مستقبلا زاهرا. بل إن المنهجية التي طبقها العلماء البريطانيون كتقنية قابلة من الناحية المبدئية لأن تطبق أيضا على بعض الحيوانات الأخرى كالخنازير، في إطار ما يعرف بـ" Les porcs transgéniques" أو خنازير النقل المورثي، والتي ستغذي سوق زراعة الأعضاء والأنسجة، حيث يقدر السوق الدولي لهذه الزراعة بستة ملايير من الدولارات(15). ولنتخيل داخل هذه السوق الصيدلية والطبية التنافس والصراع بين الشركات الكبرى وخاصة منها ما يعرف بالشركات المتعددة الجنسية والتي ستعبر رساميلها القارات. إن ما تقوم به هذه الشركات من أبحاث ليس فقط تعبيرا عن حقيقة علمية وسلطة معرفية توازيها، بل هو أيضا قرارات اقتصادية وتجارية لها نفوذ واستغلال نفوذ داخل "بورصة القيم العالمية". من هنا ستهتز صورة العولمة كشعار فضفاض داخل الخطاب الإعلامي والسياسي. ذلك لأن التحكم في البرنامج المورثي للكائنات الحية، وإعادة برمجته، يوازيه بالضرورة تحكم آخر على المستوى العالمي في الأسواق التي ستستقبل هذا المنتوج أو ذاك للترويج له، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالأعضاء والأنسجة البشرية. ويبدو حتى الآن أن معظم هذه الشركات، أي الشركات التي تشتغل بتقنية الاستنساخ والنقل الجيني تتسابق وتتنافس من أجل الاكتساح والهيمنة على سوق المعالجة البروتينية، وهي سوق ستجعل التكتلات وتمويل الأبحاث الأساسية والتطبيقية هيمنة فعلية على فضاء الكائنات الحية كيفما كانت جنسياتها. إذ ستصبح بالضرورة، شركات عابرة للقارات والحدود، وستهيمن بشعار السوق وجني أكبر للأرباح. ولا يمكن أن نكتفي في هذا الصدد بمجرد القطاع الصحي والصيدلي، بل يمكن القول أيضا، إن رهان السوق في هذا الصدد يمتد أيضا، إلى قطاعات أساسية أخرى لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالكائنات الحية، كالصناعة الغذائية والصناعة الفلاحية بل وأيضا الصناعة الحربية. وكل هذه المجالات هي فضاءات للبحث في ما يخص تطبيقات البيو/تقنيات. وما يمكن استخلاصه في هذا الرهان أن المعرفة البيولوجية التي أصبحت اليوم صناعة مستقبلية، لم تعد تقتصر على أبحاث أساسية تدور في المختبرات بل امتد تحكمها وهيمنتها إلى تقنيات تطبيقية متعددة، والتي تمتد مباشرة للاستيلاء على الأسواق، حيث أن إمكانية رصد رؤوس الأموال الضخمة، تمكنها من أن تصبح تصنيعا وتقنيات قابلة للتواصل والتداول. إن هذا الأمر يدفعنا إلى إثارة السؤال الأخلاقي في البيولوجيا: ما الغاية من هذه الأبحاث، ومن يتحكم في هذه التقنيات والتجارب، بل من يراقبها ويوجهها؟ ما دامت أنها لم تعد ملكا للباحثين أو مقتصرة على مؤسساتهم العلمية، فهي كما تبين لنا في متناول أيدي وأهداف أخرى اقتصادية وسياسية وصناعية.

 

4 ـ العولمة: الرهان القيمي Bioéthique

 

لا شك أن كل هذه المعطيات التي أوردنا في الرهانين السابقين تطرح عدة تساؤلات، خاصة عندما نريد أن نحدث تعاليا على مستويات الخطاب المنهجي الذي أحدثها. فالرهانان معا لن يحصرا في مجرد التحكم البيولوجي في نماذج العضويات الدنيا، بل إن هذا التحكم يشمل أو هو في طريقه إلى اكتساح النماذج البيولوجية العليا. ولا يمكن القول إن كل رهانات العولمة على صعيد المعرفة العلمية والبيولوجية هي مجرد خروج وعدم وعي بالقيم الأخلاقية، ذلك لأن هناك مؤثرات تحيلنا إلى وجود أزمة أخلاقية أمام التطور الهائل الذي تعرفه القطاعات المنتجة للعلم البيولوجي. إلا أن غياب وحضور الأزمة ليسا معا السببية المفسرة. ولا ندعي أننا سنعطي حلولا جاهزة ومسبقة للبحث العلمي، أو سنحدد مبادئ أولية للعقل الأخلاقي العلمي، بقدر ما نريد أن نشير إلى وضعية متأزمة تعرفها المعرفة العلمية البيولوجية في سلطة هيمنتها ورهانها انطلاقا من التساؤل الأخلاقي التالي: هل تمثل المعرفة العلمية البيولوجية سلطة لا محدودة أمام العلم، أي أمام تعدد هذه الرهانات كغائيات؟ بل يمكن القول أيضا، إنه إذا كانت المعرفة العلمية البيولوجية تعددية في رهاناتها فهل ستتجه بالإنسان ككائن حي نحو الأحسن أو الأسوأ، أم سيزداد الوجود البيولوجي غموضا والتباسا أم الغائية العلمية نفسها؟

 

من هنا سنستخدم مفهوم "بيو/إيتيك Bioéthique" كأخلاقيات في المجال البيولوجي حيث المسألة لا تتعلق بتحديد مبادئ أو قواعد للسلوك العام، بقدر ما تنسحب التسمية والدلالة الأخلاقية فيها لتحديد البعد السلوكي لدى الجماعة العلمية وهي تفكر في موضوعها "الاستنساخ"(16). إن تحديد الرهان الأخلاقي تبعا للمعطيات التي كنا نخوض فيها حتى الآن لا يقودنا إلى إلقاء المسؤولية الأخلاقية على العلم والعلماء وحدهم.  فإذا ما جعلنا المعرفة العلمية تقوم بالتفكير حول نفسها (الأمر الذي لا تفعله إلا نادرا)، سنلاحظ أن التوجه الأخلاقي داخلها لم يعد في قيمه منتجا للمعرفة من أجل الحقيقة، أي بناء معارف على أساس التساؤل فيها من خلال إعادة إنتاجها وطرح قيمتها وغايتها خاصة بالنسبة للإنسان والمجتمع، بل أصبحت المعرفة البيولوجية اليوم في ملكية الدول والمؤسسات الصناعية الكبرى. فالدول من جهة، والمؤسسات الصناعية من جهة أخرى هي التي تمول الأبحاث وتراقبها لتستفيد أخيرا من نتائج أبحاثها الأساسية(17). لهذا فإن قيمة القيم بالنسبة للعولمة لم تعد إثارة الغاية الأخلاقية كهدف سامي بالنسبة للإنسان نحو اكتساح الأسواق أي جلب المزيد من التنافس والإنتاجية. لهذا فإن الأخلاقيات البيولوجية عندما تصطدم بما هو ممنوع أو مضاد للذات البشرية كوجود يتهدد حياتها الجماعية، بل ويتهدد أيضا البيئة والكوكب الأرضي الذي نحيا ونعيش فيه، لا تضع في الاعتبار أي نموذج أخلاقي أو قانوني يقنن تفكيرها وسلوكها المعرفيين، إما نتيجة لغياب هذا النموذج، وإما نتيجة لغياب تشريعات قانونية تكون بمثابة إلزامات وضوابط. من هنا يجوز أن نصنف البيو/أخلاقيات داخل عملية سجال علمي ما زال حتى الآن طويلا ومتشعبا ولم يحسم فيه لأي طرف من الأطراف: فهناك المعارضون المتشددون بقوة، وهناك المساجلون المؤيدون. وبينهما يتم بين الفينة والأخرى إبراز رهانات وكسب استراتيجيات يستفيد منها بالدرجة الأولى "لوبيات الاستنساخ Lobby-Pro-clonage". فالطرف المعارض يضع المشكلة الأساسية في الاستنساخ ألا وهي مشكلة التحكم والتلاعب بالمورثات La manipulation génétique، داخل انتقادات واسعة يوجهها للعلم عامة وللعلوم البيو/تقنية خاصة. وهذا الاتجاه يذهب بعيدا إلى نقد الإطار الإيديولوجي الذي يربط بين الرأسمالية والعلوم، حيث يؤكد هذا الطرف على العلاقة الخفية بين الأبعاد الثلاثة: العلوم، الصناعة، والتسلح، الأمر الذي يدفع إلى الاستنتاج عند هؤلاء بأن كل اكتشاف أو إبداع علمي يتوجه، بالضرورة، لكي يصب في قناة ما من هذه القنوات السالفة الذكر. من هنا تنبع مخاوف الذين يرفعون داخل هذا الاتجاه شعار "المسؤولية الأخلاقية" عند العلماء، حيث أن هذه المسؤولية ينبغي أن تكشف عن الأهداف الخفية التي تربط بين الشركات الكيميائية والبيولوجية الكبرى، ومصادر تمويل الأبحاث الأساسية التي يتم استغلالها والاستفادة من تطبيقاتها في المجالين الصيدلي والطبي(18). من هذه المنطلقات سيتشبث المعارضون بموقف تطبعه الإدانة لكل أنماط التحكم الجيني، وخاصة بعد أن أصبحت البيو/تقنيات تبشر بولادة إنسانية جديدة من خلال حدثين جوهريين:

 

ـ حدث الاستنساخ (كما لاحظنا سابقا)

 

ـ حدث وضع الخريطة الجينية La carte génétique(19).

 

ويمكن أن نلخص موقف هذا الطرف المعارض في النقطتين الأساسيتين التاليتين:

 

1 ـ إن العلماء الذين يشتغلون داخل هذه المختبرات ويتلاعبون ويتحكمون في الجينات من خلال أنواع البكتريات والفيروسات، قد يساعدون على نشر الأمراض بواسطة "الفيروسات المرضية" Des virus oncogènes(20) في البيئة المحيطة، الأمر الذي قد يساعد في الأخير على وجود وتفشي جائحة وبائية.

 

2 ـ إن الاستنساخ يعكس في المخيال الغربي يوطوبيا جديدة تحلم بإنسانية غامضة، إنسانية تلغي الفردانية، كما تلغي الغيرية، إنسانية قد تنتهي إلى هدم المجتمعات وبالتالي القضاء على الإنسان بما يحمله من قيم دينية، أخلاقية وقانونية(21). بيد أن الطرف المؤيد عندما يطرح مثل هذه القضايا، فهو يطرحها في سياق أساسي آخر: ألا وهو الدفاع عن البحث العلمي، والدفاع عن هامش الحرية داخله وإلا فإننا نهيئ قرابين الإبداع العلمي نحو موت بطيء. من هنا ينبغي أن لا ننظر إلى قضية الاستنساخ أو الخريطة الجينية من زاوية قاتمة كما يرى المعارضون أخلاقيا وقانونيا، بل من زاوية تفاؤلية، لنبرز توجهات جديدة في آفاق استراتيجية البحث العلمي. ويمكن تلخيص هذه الاستراتيجية في التوجهين الأساسيين التاليين: أولهما: ويتعلق بالأبحاث الأساسية داخل العلم، ذلك أن البيو-تقنيات تراهن على منهجيات محددة أهمها، تقنية العزل، وتحديد الخصائص الجينية عند العضويات العليا، ثم توقيف الدورة الخلوية… الخ. ودراسة هذه التقنيات قصد التعرف على نظامها وانتظامها سيفتح الآفاق أمام منهجيات جديدة ستساعدنا على التعرف على آليات الاختلاف الخلوي، وطريقة التواصل بين الخلايا، بل وستمكننا عملية التعرف على هذه الآليات من الإجابة على التساؤل التالي: هل هذه الآليات خاصة بالعضويات العليا وبالتالي تستلزم أنماطا جديدة من الضبط والتنظيم "للجينوم Génomes"، أم هي مجرد تغيرات لآليات بسيطة نجدها عند كائنات دنيا كالبكتريات(22).

 

من هذه الزاوية، زاوية البحث عن منهجيات جديدة وفتح إمكانيات جديدة للجواب عن التساؤلات السابقة، سنجد أن التقنيات الجديدة المتداولة في البيو-تقنيات، وخاصة في أحد فروعها، الهندسة الوراثية، تصبح متكررة بل وعادية عند باحثي المختبرات، الذين لم تحركهم تجربة الاستنساخ، إذ أنها كانت جزءا روتينيا من عملهم العلمي اليومي.

 

ثانيهما: ويتعلق بإيجاد تقنيات تطبيقية لها قوة فعل إجرائي على مستوى الموضوع البيولوجي، ذلك أن كل منهجية في السؤال سترتبط إلى حد بعيد بمدى تطوير وسائل العمل التطبيقية وخاصة في مجال الصناعة الصيدلانية، إذ أن هذه الصناعة فيما يخص الإنسان هيأت عدة فعاليات بيو-تقنية يسرت الكثير في المجال العلاجي الطبي، كصناعة "الأنسولين Insuline"، و"الأنترفيرون Interferon"، وأنواعا من اللقاحات ضد الأمراض المعدية(23). إذن سيصبح من الطبيعي أمام هذا التقدم في مجال البيو-تقنيات التساؤل عن قيمة الأخطار الكامنة والمحدقة. ولكن هؤلاء العلماء يجيبون بأن معظم التجارب التي أقامتها المختبرات الكبرى في العالم لم تؤد إلى أية حادثة بيولوجية وبائية، الأمر الذي يدعم القول بأن نسبة الأخطار الناجمة عن تجارب صناعات البيو-تقنيات هي نسبة تقارب الصفر(24). وهكذا سيصبح من الضروري أن نخلص إلى الاستنتاج التالي، وهو أن الجوانب البيو-أخلاقية التي تصبح جزءا أساسيا من سلوكات البيولوجيين وإنتاجاتهم داخل مختبراتهم، والتي قد نحددها في إطار مسؤولية أخلاقية(25)، لا علاقة لها، بل ينبغي عدم خلطها، مع المخاطر والمجازفات الكامنة داخل هذه الأبحاث، والتي قد تكون أحيانا خارج إرادة وتفكير العلماء أنفسهم(26). إلا أن إبراز أوجه التقارب والتعارض من زاوية سجالية بين المؤيدين والمعارضين، قد لا يقودنا إلى الفهم الفلسفي والإبيستيمولوجي العميق لمسألة البيو-تقنيات في وضع نظام العولمة. ذلك أن هذا النظام، إذ يطرح في العمق مسألة المعرفة العلمية ورهاناتها المستقبلية، لا يطرحها من زاوية منظور أخلاقي، بل من زاوية إعادة النظر في مشروع ووضع "التقنو-علم Techno-science" بكامله، أي إعادة التفكير في مشروعي العلم والتقنية داخل وضع معرفي جديد "Un autre statut du savoir"، وهو وضع يرسخ اليوم داخل فضاء العولمة ما يسميه J.François Lyotard بـ"مشروعية الأمر الواقع"، والذي هو القوة والسلطة بواسطة مشروع التقنو-علم. إن هذا الرهان عندما نأخذه من مجرد التصورات التقليدية الأخلاقية، غالبا ما نحصره في المفهومين التاليين: مفهوم أنثروبولوجي Conception Anthropologique، ومفهوم أداتي Conception Instrumentalise. إذ تصبح المعرفة العلمية في المعنى الأول "مجموعة من المعارف التي ينبغي أن تكون في خدمة الإنسان"، بينما تصبح هذه المعرفة في التصور الثاني "مجموعة من الأدوات" التي يستخدمها أو ينبغي أن يستخدمها الإنسان لصالحه(27). وحسب G.Hottois، فإن هذا المنظور الإنسانوي والنفعي قد يأخذ من زاوية الموقع الفلسفي لمعنى "خدمة الإنسان" عدة دلالات مختلفة. فهو على المستوى الأدنى، يلتقي مع نفعية مادية صرفة من تلبية الحاجيات. أما على المستوى الأعلى فهو يندرج في إطار فلسفة عامة للتاريخ، الماركسية خاصة، التي كانت تحلم بتحقيق ماهية إنسانية تتحرر من جميع أنواع الاستلابات بفضل التقدم على صعيد المعارف والعلوم. من هنا يبدو هذا المنظور اختزاليا Réductionniste، إذ أنه عوض أن يقرأ درجة تعقيد المشكل عبر أبعاده المتقاطعة والمتداخلة، يبسطه إلى بعد إنسانوي نفعي، يسعى من خلاله في الأخير إلى إيجاد الحلول النهائية والقاطعة(28). ويبدو أن البيو-تقنيات في هذا الإطار إذا ما تجاوزنا بعض التقنيات القانونية داخل المختبرات، تكاد تخلو اليوم من أي أفق فلسفي يحدد الدلالة الأخلاقية éthique، أي أفق يحدد ويعطي للقيمة معنى وأهدافا، خاصة على المستويين الأنطولوجي والأنثروبولوجي، وفي هذا مناداة "بجذرية عدمية"، يطغى عليها منطق الإجرائية ضد الكائن، ومنطق القوة والهيمنة كإعادة توزيع للأدوار. ألا يحق القول إن العولمة تحاول اليوم أن تحقق أهدافا متعددة بواسطة البيو-تقنيات، وأهم هذه الأهداف المراقبة والهيمنة، لمحاولة تجاوز وتفتيت مفهوم "الإنسان"، ولم لا خلق "إنسانية جديدة"؟

 

خلاصة:

 

إن السؤال الرئيسي الكامن خلف زمن العولمة، هو السؤال الذي نخاف مواجهته، وغالبا ما نؤدلجه: ما هي إمكاناتنا وإرادتنا العلمية والفكرية للدخول والمساهمة في هذا الزمن العلمي للعولمة؟

 

إن العولمة كما أسلفنا، وباختصار، هي بالتعريف فكر علمي إبداعي يسعى للسيطرة على الواقع وليس الهروب منه. إنه فكر يقاس الزمن فيه بدرجة كبيرة من الإبداع والمسؤولية. فهو إبداع لأننا ينبغي أن نكتسب مهاراته وتقنياته، بل والآليات الأساسية التي تتحكم فيه، وهو مسؤولية لأنه تحول تاريخي في مصير الإنسان، علينا أن لا نكتفي بالفرجة أمامه. وفي هذا الصدد على السلطة السياسية في المغرب والعالم العربي ألا تكون مجرد سلطة إدارية واقتصادية وعسكرية(29).

 

إن التفكير في الواقع الراهن للمعرفة العلمية البيولوجية كما أشرنا، هو تفكير يقتضي الدخول في رهانات يختفي وراءها وداخلها صراع قوي ضد هيمنة واحتكار المعرفة العلمية، وآنئذ، على دول العالم الثالث المتخلفة في هذا المجال أن لا تستهلك إيديولوجيا العولمة بل أن تعيد إنتاج كل حاضر العولمة انطلاقا من أولوية الأولويات: استراتيجية البحث العلمي؟

 

إن رهان العولمة في مدلول العلمية كما أسلفنا، لم يعد فقط، هو "إيديولوجية السوق" عبر المزيد من الاستهلاك كما لم يعد فقط هو "مركزة رؤوس الأموال الكبيرة"، والتنقل بواسطتها قصد الربح، بل هو أيضا قرار المعرفة العلمية عندما تصبح معلومة ينبغي التحكم بواسطتها واتخاذ قرارات من خلالها. وعندما نقول القرار والتحكم بواسطة المعلومة التي هي نتيجة بحث علمي مضني وطويل، نقول أيضا الهوة السحيقة التي تفصل بين دول العالم الثالث أي بين من يتحكم ويصدر القرارات وبين من يفتقر كليا لها، أي في الأخير من يبحث ويعرف ومن لا يعرف. إن البيولوجية المعاصرة أمام الظاهرة المذكورة تقف بنا في مواجهة مصير جديد ينبغي أن تتغير فيه بالأساس:

 

1 ـ بنية معارفنا، إذ يظهر أننا أمام أفق ثورات وتحولات جذرية ستقودها "برادجمات كبرى"، ولا يمكن في هذا الصدد، بل سيستحيل علينا أن نفكر حتى بعقلية القرن العشرين ومرجعيته.

 

2 ـ بنية مؤسساتنا، وخاصة مؤسسات المعرفة والبحث العلمي التي تعاني تخلفا خطيرا في صناعة الحدث العلمي واتخاذ القرار فيه.

 

3 ـ استراتيجياتنا، التي تدخل اليوم في مجال الصراع الدولي على المعرفة وهي لا تدري أولوية هذا الرهان قبل أي صراع على آليات الرأس المال، وإنتاج السوق الاستهلاكي. إن احتكار المعرفة العلمية من قبل العولمة، وخاصة في الجانب الإبداعي كاكتشافات ثورية أصيلة، سيؤدي بدول العالم الثالث إلى المزيد من فقدان رأسمالها البشري، بل وسيقودها إلى التهميش والعدمية في مساهمتها داخل التراث العلمي الإنساني n

 

(1)  يشير Ervin LAZLO مع ILIA Prigogine إلى بروز هذه العلوم، ووسم نهاية قرننا "بالتحول الأكبر" La grande Bifurcation، حيث إنه بواسطة هذا المفهوم المتشعب يمكن أن نفهم داخل العلم المعاصر المقولة التاريخية للأحداث، والتي لم تعد العلوم فيها قابلة للتنبؤ الحتماني.

 

Evrin Lazlo : La grande Bifurcation, une fin de siècle cruciale. Ed Tacor International, Paris 1990, voir préface

 

(2)  مصطلح متداول في الدراسات الإبيستمولوجية والفلسفية، ويقصد به "صناعة المعرفة" بواسطة قوة إجرائية تستطيع أن تحدث تحولا في الطبيعة والإنسان انطلاقا من مجموعة من الفعاليات التقانية. وتسمى أيضا بـ"La big-science". والمقصود به مجموعة من التدابير والفعاليات الإجرائية التي تدخل اليوم في إطار الاستراتيجيات الكبرى للبحث العلمي والذي توجهه في الغالب الدول  أو المختبرات الكبرى. راجع في هذا الصدد انتقاد هذا المفهوم عند:

 

E.Morin : Science avec conscience. Ed. Seuil, Paris, 1990, pp115-123.

 

(3)  م.فوكو (تدبير الحقيقة) ترجمة محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي، مجلة فكر ونقد، ع3، نونبر1997.

 

(4)  نفس المرجع، ص191.

 

(5)  Terminologie actuelle : Génie génétique, Thème biotechnologie, Ed. Bochringer nigelheim, 1987, R.F.A., p18.

 

(6)  M.Morange : Histoire de la biologie moléculaire, Ed. La découverte, Paris, 1994, pp6-7.

 

(7)  M.Serres, Préface, In Eléments d’histoire des sciences, collectif, sous la direction de M.Serres, Ed.Bordas culture, Paris, 1989, p5 ?

 

(8)  François Gros : Regard sur la biologie contemporaine, Ed. Gallimard et Unesco, Paris 1993, p62.

 

(9)  François Gros, Ibid, p62.

 

(10)  Thème Génie génétique in Encyclopédie Universalis, Corpus 10.

 

(11)  Terminologie actuelle – Génie génétique.

 

(12)  اعتمدنا على تلخيص بروتوكول تجربة Dolly من المجلات العلمية التالية:

 

La recherche (Le dossier scientifique de Dolly : Clonage Bluff ou révolution), Mensuel n°297, Avril 1997, p50.

Science et vie (Dossier clonage c’est déjà demain !), Mensuel n°956, Mai 1997, p87

 

Eurêka (Dossier clones, l’enquête), Mensuel n°19, Mai 1997.

 

(13)  صرح Ian Wilmut أمام لجنة برلمانية بريطانية أنه ينبغي زرع ألف خلية بيضية من أجل الحصول على Dolly واحدة. إذا فالعملية غير مربحة من الناحية الاقتصادية.

 

La recherche (Dossier scientifique de Dolly), Ibid, p56.

 

(14)  Revue science et vie (Le pactole des biotechnologies : Christine Laycock), Ibid, pp92-95.

 

(15)  Revue la recherche (Le dossier, ibid, p59).

 

(16)  Biotechnique :

 

مصطلح ملتبس نسبيا من الناحية الدلالية، خاصة وأنه لا يشير إلى مبادئ عامة تقنن السلوك العام كما هو عليه الأمر في الأخلاق  (La morale)، بل فقط إلى إمكانية إيجاد قواعد تحددها قوانين وبروتوكولات في المجالين الطبي والبيولوجي، خاصة أمام ظاهرة الرهاب المتعلقة بإمكانية استنساخ الإنسان.

 

(17)  Edgar Morin : Science avec conscience Coll. Points-Ed. Seuil, p16.

 

(18)  Michel Morange, Ibid, pp249-250.

 

(19)  تجري الآن في مجال دراسة المورثات إمكانية استكمال ووضع خريطة عامة للمورثات الإنسانية، ويبدو أن هناك سباقا كبيرا بين المختبرات من أجل وضع هذه الخريطة والشروع في قراءة نحو مائة ألف مورثة تشكل وتصوغ مختلف التعليمات الأساسية التي ينبني عليها الرصيد المورثي Patrimoine génétique . راجع الشفرة الوراثية للإنسان، عالم المعرفة، رقم 217، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت، يناير 1997.

 

(20)  فيروسات مرضية حاملة للسرطان، وهذا الرأي ساد في الأوساط العلمية بين منتصف السبعينات وبداية الثمانينات مع البيولوجيين الجزيئيين، حيث افترضوا وجود أصل فيروسي للسرطانات.

 

(21)  إننا لا ننظر إلى سلطة العولمة كنظام لعقلانية مطلقة وخالصة، حيث العقل والعقل وحده يفرض كنموذج نهائي. ففي عقلانية العولمة يكمن أيضا سلطان آخر، هو سلطان المتخيل بما فيه من قوة رمزية. إذ يكفي أن ننظر إلى موضوعة الاستنساخ وكيف تدوولت داخل ركام من الأدبيات والحكايات، لنقول بإمكانية تحويل سلطة المتخيل في العولمة إلى ثقافة.

 

Lucien Sfez : La santé parfaite : Critique d’une nouvelle utopie, Ed.Seuil 1997.

 

(22)  Michel Morange, Ibid, p250.

 

(23)  Conférence internationale de bioéthique,  Ed. C.E.S.T.A. (Centre d’études des systèmes et des technologies avancées) Paris 1985, p336.

 

(24)  Conférence internationale de bioéthique,  Ibid, p337.

 

(25)  هناك محاولات لإقامة تشريعات تقنن الممارسة العلمية البيولوجية داخل المختبرات، ومن أهمها ما صدر عن ندوة Asilomar سنة 1975 بكاليفورنيا (الولايات المتحدة الأمريكية)، وقد حاولت هذه الندوة أن تقنن للباحثين في مختبراتهم بعض التشريعات التي تضمن سلامة البحث في إطار مسؤولية أخلاقية.

 

M.Morange, Ibid, pp245-252.

 

(26)  Conférence internationale de bioéthique, Ibid, p338.

 

(27)  Gilbert Hottois : (Technoscience : entre la puissance nihiliste et la nouvelle conscience de l’éthique), in les pouvoirs de la science. Collectif, Ed. J.Vrin, Paris, 1987, p281.

 

(28)  Gilbert Hottois, Ibid, p280.

 

(29)  يكفي أن نشير في هذا الصدد إلى أن مساهمة الميزانية العامة في البحث العلمي لا تتجاوز نسبة 03،0% في المغرب، و05،0% في العالم العربي، في حين أن ما يعرف بدول مجلس التعاون الخليجي أنفقت ما يناهز 150 مليارا من الدولارات خلال الثماني سنوات التي أعقبت حرب الخليج وهذه الملايير جميعها من أجل التسلح،  دون أي تفكير في استراتيجية البحث العلمي المنتج حتى داخل مجال صناعة الأسلحة نفسها.

 

المصدر: https://www.aljabriabed.net/n25_02chakurim.htm

الأكثر مشاركة في الفيس بوك