الحوار المثمر
نهى فرج
ربما أنعم الله عليك ووَهَبكَ حِكْمةً وسُرعةَ بديهة في إدارة الحوار، وعرض أفكارك بأسلوب مُتميِّز، وقد تَبْرُعُ في استخدام الأدلَّة والأمثلة التوضيحية الموضِّحة لوجْهة نظرك، ومع وجود كل هذه الطرق والأساليب المتوافرة لديك بفضل الله ونعمته عليك، ولكنك قد تفشَل في أن يقتنع الآخر برأيك، أو يقول لك أنه يختلف معك، وأن له رأيًا آخَرَ، وهذا حقُّه؛ لكن المشكلة حينما يتحوَّل اختلافُ الرأي إلى خلاف واتهام عنيف، ونَقْدٍ قاسٍ لتفكيرك ورؤيتك.
هناك بعض الأشخاص لا يعترفون بأن هناك عدةَ آراء وزوايا متعددة لرؤية مواقف الحياة المختلفة، لا يقبلون معارضةَ رأيهم، ويرون أنهم على صواب وحِكْمة، هؤلاء لا فائدة من إطالة الشرح وتوضيح رأيك لهم، أو أن تُرهِقَ نفسَك وذِهْنَك ومشاعِرَكَ؛ لكي تجعلهم يتأمَّلون فِكْرتَكَ، للأسف لن يتمَكَّنُوا إلا مِن سَماع صوتهم وفكرهم، دون تقبُّل أي فِكْرٍ مختلف.
لقد تعلَّمت يا ولدي أن هناك مَنْ يتأمَّل كلامَ الآخر، ويحاول أن يرى فيه الصواب أو نقاطَ اتفاقٍ وتَلاقٍ، أو ربما يختلف معه، ولكن دون إهانة الشخص، وهناك مَنِ اعتادَ على نَقْد وتقليل صاحب الرأي المخالف له.
السؤال هنا: متى تستمرُّ في عرض وجهة نظرك؟ ومتى تختار الصَّمْتَ، فتكفَّ عن الكلام؟
عليك بملاحظة ردود الآخر وأسلوبه في الحوار، إن رأيته يُسفِّه من رأيكَ، ينتقدُكَ بعُنْفٍ وقسوة وحِدَّة، أو يستهزئ بك ويتَّهِمُكَ بكلامٍ لم تَقُلْه ومعانٍ أخرى يفترضها هو، ستعرف وستُحدِّد وقتها أن الكلام معه غير مُجْدٍ، وأنك أدخلْتَ نفسَكَ في دائرة جِدال نهايتُها مؤلمة!
وقد تجد الطرف الآخر يتَّبِع أسلوبَ عدم التعليق، وكأنه لم يسمعْكَ، في حقيقة الأمر إنه استمع إليك ولكنه يختلف معك في الرأي؛ ولذلك اختار السكوتَ تجنُّبًا للدخول في نقاش قد يُؤدِّي إلى جَدلٍ، فلقد حرَص على صلته الطيبة بكَ، وكانت هي الأهم بالنسبة إليه.
أما إن رأيتَ أن الآخر مستمِعٌ ومُنْصِتٌ إليك، فهو يرى إيجابيات ويُوافِق عليها ويُناقِشك فيما لا يتَّفِق معك فيه من سلبيات يراها في رؤيتك، ويعرض وجهة نظره التي قد تختلف عنك، ولكن دون السخرية منك، أو نَقْدِك بعُنْفٍ، فهذا الشخص يُمكنك إكمال الحوار معه، وربما تصلان معًا إلى رؤية جديدة تكوَّنَتْ نتيجة تبادُل التفكير والعصف الذهني المثمر، وتلك الرؤية تكون أفضلَ وأنْفَعَ من تفكيرك وحدَك، أو تفكير الطرف الآخر.
كثيرًا ما كنتُ أُرهِقُ نفسي يا ولدي في توضيح رؤيتي للآخرين، وبعد مواقف عديدة تعلَّمْتُ وأبصَرْتُ بوادِرَ الجِدال، وأخذْتُ القرار والإرادة في سيطرة الموقف، وإنهاء ما يجب انتهاؤه، لم يكن الأمرُ سهلًا، وقد ينحرف مجرى الحوار فهذا واردٌ حُدوثُه، ولكن هكذا هي الحياة تجارِبُها كثيرةٌ، ومواقِفُها عديدةٌ، وعلينا الانتباه والتعلُّم من دروسها، ودومًا وأبدًا التوكُّل على الله بقُدْرته وعِزَّته بأن يُعيننا ويمدَّنا بالحِكْمة في الأقوال والأفعال.
الهدف من الحوارات هو تبادُل الأفكار والخِبرات، والوصول إلى نتائج مفيدة نافعة لجميع الأطراف، وليس الهدف إقناع الآخر بصحَّة رأيك وخطأ رأيه.
ابحثْ عن نقاط اتفاقٍ يا ولدي بينك وبين غيرك، استفِدْ من آراء الآخرين التي قد تختلف عن آرائك، وتأمَّل الأفكار المختلفة عن فكرك بمنظور لم تُفكِّر فيه مِن قبلُ، ولا تتسرَّع في رفضه أو قَبوله، وتقبَّل تغييرَ رأيك بتغيير المعطيات والمدخلات الجديدة عليك.
حافظ على علاقاتك الطيبة مع الآخرين، ولا يكن هدفُك وما يُوجِّهُك فقط الانتصار لرأيك.
المصدر: https://www.alukah.net/social/0/127685/#ixzz6UkIbKeUR