إتقان العمل الدعوي ضرورة دعوية

الدكتور : حمود بن جابر بن مبارك الحارثي
عضو هيئة التدريس بكلية الدعوة و أصول الدين
بجامعة أم القرى

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله ، نحمده و نستعينه و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله ، ﭽ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ( ) ، ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ ( )،ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ( ) ( ). أما بعد .
فإن الدعوة إلى الله تعالى أشرف و أعظم ما يتقرب به المسلم إلى ربه كما قال تعالى : ﭽ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﭼ( )، وبما أنها كذلك فهي الأولى أن يؤتى بها على أكمل وجه ، أو يُنشد فيها الكمال على أقل الاحتمال . و إذا أُريد بها هذا المبلغ العظيم فليُبحث عن الطرق المعينة الموصلة إلى الكمال أو القرب منه . و بما أنه من و اجب الأكاديميين تقديم البحوث و الدراسات المساعدة على تقديم الدعوة إلى الله على أكمل وجه ، رأيت أن أشارك بهذا البحث المعنون بـ( إتقان العمل الدعوي ضرورة دعوية ) أقدم من خلال مباحثه الطريقة المثلى إن شاء الله تعالى لإتقان العمل الدعوي حتى تؤتى ثماره يانعة بإذن ربها . وبما أن حفظ الدين ضرورة دينية فإن من وسائل حفظه إجادة الدعوة إليه و إتقانها ، وجودة كل عمل مرتهنة بجودة أدائه .
وقد جاءت خطة هذا البحث على النحو الآتي :
المبحث الأول : تعريفات مفردات البحث وبيان أهميته
أولاً : تعريف الإتقان .
ثانياً : تعريف الضرورة .
ثالثاً : مفهوم إتقان العمل الدعوي ضرورة دعوية .
المبحث الثاني : إتقان الجانب العلمي النظري .
أولاً : بذل الجهد في إتقان العلوم الشرعية .
ثانياً : إتقان المنهج النبوي في الدعوة إلى الله .
ثالثاً : استشعار أهمية الدعوة إلى الله و إشغال الفكر بها و التهيئة النفسية لها
رابعاً : الاهتمام بفقه المقاصد الشرعية .
خامساً : الاهتمام بفقه النوازل .
سادساً : العناية بالدراسات البحثية .
المبحث الثالث : إتقان الجانب العملي التطبيقي ( إتقان أدوات التنفيذ ) .
أولاً : حسن التخطيط للدعوة إلى الله .
ثانياً : التدريب .
ثالثاً : التطوير . و أدواته هي :
ـ تقييم الأداء .
2ـ قبول النقد .
3 ـ متابعة التطور التقني و الإفادة منه .
4 ـ مراعاة الفوارق و المستوى و التخصص ووضع الرجل المناسب في مكانه
الخاتمة و فيها أهم نتائج البحث
المراجع
و أسأل الله تعالى أن يبارك في هذا الجهد ، و يجعله خالصاً لوجهه الكريم ، مستمراً أجره إلى يوم ألقاه ، فأنتفع به يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه وسلم .
المبحث الأول : تعريفات مفردات البحث وبيان أهميته
أولاً : تعريف الإتقان
تقن : التِّقْنُ الطبيعةُ والفَصاحةُ من تِقْنِه أَي من سُوسِه وطَبْعِه .
أَتْقَنَ الشيءَ : أَحْكَمَه ، وإتْقانُه إِحْكامُه ، والإتْقانُ الإحكامُ للأَشياء كما قال تعالى : ﭽ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﭼ ( ) . ورجل تِقْنٌ وتَقِن : أي مُتْقِنٌ للأَشياء حاذِقٌ بها . و يقال أيضاً : رجل تقن وهو الحاضر المنطق والجواب . ويقال رجل تابع عَمَلَه متابَعة ً: أي والاهُ وأَتْقَنَه ، ورجل مُتَتابِع العمل: مُحْكَمُه يُشبه بعضهُ بَعضاً . وتِقْنٌ اسم رجل كان جيِّدَ الرَّمي يُضْرَب به المثل ولم يكن يَسْقُط له سَهْم ، قيل فيه :
لأَكْلةٌ من أَقِطٍ وسَمْنِ وشَرْبتانِ من عَكيِّ الضأْنِ
أَلْيَنُ مَسّاً في حَوايا البَطْنِ من يَثرَبيّاتٍ قِذاذٍ خُشْنِ
يَرْمي بها أَرْمى من ابن تِقْنِ
فقالوا في المثل : أرْمَى من ابنِ تِقْنٍ
قال أَبو منصور : الأَصل في التِّقْن ابنُ تِقْنٍ هذا ، ثم قيل لكل حاذق بالأَشياء تِقْنٌ ، ومنه يقال : أَتْقَنَ فلانٌ عمَله إذا أَحْكَمَه ( ) .
ثانياً : تعريف الضرورة
يقول ابن فارس : ( ضر : الضاد والراء ثلاثةُ أصول: الأوّل خلاف النَّفْع ، والثاني: اجتماعُ الشَّيء ، والثالث القوّة . فالأوَّل الضَّرّ: ضدُّ النَّفْع . وأمّا الأصلُ الثاني فَضَرَّة الضَّرع: لَحْمتُه ، فالضَّرَّة : التي لا تخلو من اللَّبن . وسمِّيت بذلك لاجتماعِها. وضَرَّةُ الإبهام : اللحم المجتمع تحتَها. ومن الباب: المُضِرّ: الذي له ضَرَّةٌ من مال ، وهو من صِفَة المال الكثير . وأمّا الثالث فالضرير: قُوَّة النّفْس . يقال: فلانٌ ذو ضرير على الشيء : إذا كان ذا صبرٍ عليه ومقاساة . ويقال ذلك للفرس: أضرَّ على فأس اللِّجامِ ، إذا أَزَم عليه ) ( ).
والضَّرورةُ : اسمٌ لمصدر الاضطِرَارُ : أي الاحتياج إِلى الشيء ، وقد اضْطَرَّه إِليه أَمْرٌ والاسم الضَّرَّة تقول: حَمَلتْني الضَّرورة على كذا ، وقد اضطُرَّ فلان الى كذا وكذا . واضطره إليه: أحوجه وألجأه و أجْبَرَه . والضرورة : الحاجة والشدة لا مدفع لها والمشقة . و ذو ضَرُورةٍ : أَي ذُو حاجةٍ وقد اضْطُرَّ إِلى الشَّيءِ أَي أُلْجئَ إِليه . و إِنه لَذُو ضَرِيرٍ على الشيءِ والشِّدَةِ إِذا كان ذا صبرٍ عليه ومُقَاساةٍ .
وأضَرَّتِ الدّابَّةُ : صَبَرَتْ على الشِّدَّةِ والمَشَقَّةِ . وأضَرَّ الفَرَسُ على فأْسِ اللِّجَام : أي عَضَّ عليه . وأضَرَّ فلانٌ بفلانٍ: لَصِقَ به. والمُضِرُّ من السَّحَاب: الذي دّنا من الأرْضِ.
ورجل ضر أضرار: داهية في رأيه ( ).
و إذا سُبقت بالنفي كقول : لا يَضُرُّك عليه رجلٌ : أَي لا تَجِدُ رجلاً يَزِيدُكَ على ما عند هذا الرجل من الكفاية ، ولا يَضُرُّكَ عليه حَمْلٌ أَي لا يَزِيدُك . ومثل ذلك ما ورد في الحديث " قَالَ أُنَاسٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ : هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ فَقَالَ : هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ ؟ قَالُوا : لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ : هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ ؟ قَالُوا : لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ : فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ( ) : أَي لا يَضُرُّ بعضُكم بَعْضاً . وفي رواية بالتخفيف أنه  قَالَ : " هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا ؟ قُلْنَا : لَا . قَالَ : فَإِنَّكُمْ لَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا " ( ) . والمعنى لا يُضارُّ بعْضُكم بعْضاً في رُؤْيَتِهِ أَي لا يُضايِقُه ليَنْفَرِدَ برُؤْيتِه . والضرَرُ الضِّيقُ . وقيل : لا تُضارُّون في رُؤْيته : أَي لا يُخالِفُ بعضُكم بعضاً فيُكَذِّبُه ، يقال : ضارَرْت الرجُلَ ضِراراً ومُضارَّةً إِذا خالَفْته . وفي رواية : " أن النبي  نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ ، فَقَالَ : إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ " ( ) أَي لا يَنْضمُّ بعضُكم إِلى بعْضٍ فيُزاحِمُه ويقولُ له أَرِنِيهِ كما يَفْعَلُون عند النَّظَرِ إِلى الهِلالِ ، ولكن يَنْفَردُ كلٌّ منهم برُؤْيته ، فلا يَنالُكْم ضَيْمٌ في رؤيته ، أَي تَرَوْنَه حتى تَسْتَوُوا في الرُّؤْيَةِ فلا يَضِيم بعضُكم بعْضاً( ) . قال الأَزهري : ( ومعاني هذه الأَلفاظِ وإِن اخْتلفت مُتَقارِبةٌ ، ولا يَدْفَعُ لَفْظٌ منها لفظاً )( ) . قال ابنُ الأَثير : ( رُوِيَ الحديثُ بالتخفيف والتَّشْديد فالتشْديدُ بمعنى لا تَتَخالَفُون ولا تَتَجادلُون في صِحّةِ النَّظر إِليه لِوُضُوحِه وظُهُوره يقال ضارَّةُ يُضارُّه مِثْل ضَرَّه يَضُرُّه ، وقيل : أَرادَ بالمُضارّةِ الاجْتِمَاعَ والازْدحامَ عند النَّظرِ إِليه . وأَما التخْفيفُ فهو من الضَّيرِ لُغَة في الضرِّ والمَعْنَى فيه كالأَوّل قال ابن سيده وأَما مَنْ رواه لا تُضارُون في رؤيته على صيغةِ ما لم يُسَمَّ فاعلُه فهو من المُضايقَةِ أَي لا تَضامُّون تَضامّاً يَدْنُو به بعضُكم من بعضٍ فتُضايَقُون ) ( ).
والضَّرّة المالُ الكثيرُ .
الضروري : ما اتصلت الحاجة إليه إلى حد الضرورة كحفظ الدين فالنفس فالعقل فالنسب فالمال فالعرض ( ).
الضروري :كل ما تمس إليه الحاجة وكل ما ليس منه بد وهو خلاف الكمالي ( ).
ويمكن تحديد معنى الضرورة المرادة هنا أنها : شدة الاحتياج إِلى الإتقان ليتحقق الكمال والاجتماع ويضيق باب الافتراق .
ثالثاً : مفهوم إتقان العمل الدعوي ضرورة دعوية
يهدف الإسلام إلى إصلاح المجتمع ، وتزكية أنفس أفراده , ومن محاسنه تعيين الضروريات الخمس وصيانتها وتحريم المساس بها ، وهي حفظ الدين , والنفس , والنسل , والمال , و العقل . وأطلق عليها العلماء مسمى مقاصد الشريعة الأصلية ، و سميت الضروريات . ولهذا قال الشاطبي ـ رحمه الله ـ : ( فقد اتفقت الأمة بل سائر الملل على أن الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس ، وهي الدين والنفس والنسل والمال والعقل ) ( ). و أشار إلى أهم هذه الضروريات وهو حفظ الدين فقال : ( و لكنها تنقسم إلى ضرورية عينية , وإلى ضرورية كفائية , فأما كونها عينية : فعلى كل مكلف في نفسه . فهو مأمور بحفظ دينه اعتقاداً وعملاً ... ) ( ) .
و مما يدل على أن أهمها مصلحة الدين ، ما جاء في الشريعة و أثبتته سيرة الأمة و تاريخها المجيد أنه إذا اقتضت مصلحة الدين إهمال الحفاظ على النفس تقدم المسلم لينال الشهادة في سبيل الله ، وإذا اقتضت مصلحة الدين إهمال الحفاظ على المال جاء المسلم يحمل ماله كله في سبيل الله كما فعل أبو بكر  ، و كذا العرض كما قال حسان  :
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء ( )
وإذا كان حفظ الدين من الضروريات التي حفظها الإسلام بل أهمها ، فإن من وسائل حفظ الدين الدعوة إليه ، و لا تتحقق الاستجابة للدعوة إلا إذا أُتقِن أداؤها ، ووافقت المنهج النبوي في الدعوة إلى الله تعالى .
و على هذا فإن إتقان الدعوة إلى الله ضرورة دعوية يتحقق بها حفظ الدين كما أمر الله تعالى .

المبحث الثاني : إتقان الجانب العلمي النظري
نعني بالجانب العلمي النظري : فهم العلوم الشرعية والعربية وفقهها ، وفقه المقاصد الشرعية و إتقان علوم الوسائل المحققة لها إتقاناً يحمي الأمة من سوءَ المأخَذ ، وفساد الاستنتاج ، وقُبحَ الأعمال ، وحتى تترقَّى مداركُهم وتظهرَ جهودُهم في أجمل المظاهرِ التي أرادها هذا الدين ، ولتنبع أفعالهم من روحِ الإسلام ، وتنساق من مقاصِده ، وتوفِي بحاجات الدّعوةِ ، وتواكِب مقتضياتِ الزمان ، وتغيُّرات العصر.
إنَّ أمّتنا لفي ضرورةٍ لتفهُّم المقاصد العامَّة لهذا الدين ، وفي حاجةٍ ماسَّة لدراسة أهداف شريعة الإسلام والتعمُّق فيها والعَمَل على فقهها ؛ لإصلاح المنهَج النظريّ العلميّ فهو الركيزة الأساسية للدين ، فالعلم مقدم على العمل ، وبصحته يصح العمل كما قال تعالى : ﭽ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﭼ ( )، وقد بوب الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ باباً قال فيه : ( باب العلم قبل القول و العمل ، و استشهد بهذه الآية )( ) . قال العيني ـ رحمه الله ـ : ( أي هذا باب في بيان أن العلم قبل القول والعمل ، أراد أن الشيء يعلم أولاً ، ثم يقال ، ويعمل به ، فالعلم مقدم عليهما بالذات ، وكذا مقدم عليهما بالشرف ، لأنه عمل القلب وهو أشرف أعضاء البدن ) ( ) . و قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ : ( قال بن المنير : أراد به أن العلم شرط في صحة القول والعمل ، فلا يعتبران إلا به ، فهو متقدم عليهما لأنه مصحح للنية المصححة للعمل ، فنبه المصنف على ذلك حتى لا يسبق إلى الذهن من قولهم إن العلم لا ينفع إلا بالعمل تهوين أمر العلم والتساهل في طلبه ... إلى أن قال ابن حجر : وينتزع منها دليل ما يقوله المتكلمون من وجوب المعرفة ، لكن النزاع كما قدمناه إنما هو في إيجاب تعلم الأدلة على القوانين المذكورة في كتب الكلام ) ( ) .
و سأُبين أهم متطلبات إتقان هذا الجانب ، ولن أتطرق للصفات الذاتية في الداعية كالصدق و الإخلاص لأنه لا علاقة لها بإتقان العمل ، فقد كان السلف لا يأخذون حديث الصادق الورع إذا كان غير متقن ، وهي كما يلي :
أولاً : بذل الجهد في إتقان العلوم الشرعية .
التحصيل العلمي هو بيت القصيد للداعية ، فيجب عليه أخذه من مظانة على أيدي العلماء ، و في الكليات و الجامعات المتخصصة ، فالعلم للداعية بمثابة أساس البناء و أعمدته ، وشتان بين داعية يدعم كل أقواله بالأدلة الثابتة ، و آخر بضاعته مزجاة قال تعالى : ﭽ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ( ) . وقد مدح النبي  ، و الصحابة  ، و العلماء من بعدهم طلاب العلم المجتهدين في تحصيله و السؤال عنه ، كما في قوله  : " أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا ، فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ " ( ) . وقول عمر بن الخطاب  في عبد الله بن العباس ا : ( ذاك فتى الكهول ، له لسان سؤول ، وقلب عقول )( ) ، و قَول مُجَاهِدٌ ـ رحمه الله ـ : ( لَا يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ مُسْتَحٍ وَلَا مُسْتَكْبِرٌ ) ( ) .
وذم ابن القيم ـ رحمه الله ـ الذي يتكلم في الدين و الدعوة بغير دليل فقال : ( ولا يلقيه ساذجاً مجرداً عن دليله ومأخذه ، فهذا لضيق عَطَنِه وقلةِ بضاعته من العلم ، ومن تأمل فتاوى النبي  الذي قوله حجة بنفسه رآها مشتملةً على التنبيه على حكمة الحكم ، ونظيره ، ووجه مشروعيته ) ( ) . فمن واجبات الداعية بذل الجهد في التحصيل و التزود بالعلم و مراجعة أهل الإتقان من العلماء ، وتنمية ملكة الفهم بالمراجعة حتى يُفهم العلم . ولذلك بوب البخاري ـ رحمه الله ـ باباً قال فيه : باب من سمع شيئاً فراجع حتى يعرفه ، ثم ذكر مراجعة أم المؤمنين عائشة ا للرسول  ، وذلك أنها : " كَانَتْ لَا تَسْمَعُ شَيْئًا لَا تَعْرِفُهُ إِلَّا رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ . وَأَنَّ النَّبِيَّ  قَالَ : مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ ، قَالَتْ عَائِشَةُ ا : فَقُلْتُ أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : ﭽ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭼ ( ) قَالَتْ : فَقَالَ : إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَهْلِكْ " ( ) . قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ : ( في الحديث ما كان عند عائشة ا من الحرص على تفهم معاني الحديث ، و أن النبي  لم يكن يتضجر من المراجعة في العلم ) ( ) .
وكان السلف يصفون المؤلفات الجيدة بقولهم غاية في الإتقان ، و في الرجال يقولون من أهل الإتقان أو متقن أو غاية في الإتقان . ومن ذلك أن الحاكم ـ رحمه الله ـ أخرج حديث عبد الله بن عمر ا " أنه حدث يوماً : عن رسول الله  فارتعد و ارتعدت ثيابه ثم قال : أو نحو هذا " ثم علق عليه قائلاً : (هذا حديث من أصول التوقي عن كثرة الرواية و الحث على الإتقان فيه ) ( ) . و قال النووي ـ رحمه الله ـ عند شرحه لحديث " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  قَالَ لِأُبَيٍّ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ .قَالَ : آللَّهُ سَمَّانِي لَكَ . قَالَ : اللَّهُ سَمَّاكَ لِي قَالَ : فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي " ( ) ، قال :( واختلفوا في الحكمة في قراءته على أُبي ، والمختار أن سببها أن تستن الأمة بذلك في القراءة على أهل الإتقان والفضل ويتعلموا آداب القراءة ولا يأنف أحد من ذلك ) ( ) . وقال أيضاً : (اعلم أن مسلماً رحمه الله سلك في هذا الكتاب طريقة في الإتقان والاحتياط والتدقيق والتحقيق ) ( ).وقال أيضاً :( وقد أتقن رحمه الله تعالى هذا الإسناد غاية الإتقان ) ( ) . و قال ابن الصلاح ـ رحمه الله ـ : ( فمحمد بن عمرو بن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة لكنه لم يكن من أهل الإتقان ) ( ) .
و قال الزمخشري ـ رحمه الله ـ : ( أن على كلّ آخذ علماً أن لا يأخذهُ إلا من أبرع أهله علماً ، وأكثرهم دراية ، وأغوصهم على لطائفه ، وحقائقه ، وإن احتاج إلى أن يضرب إليه أكباد الإبل ، فكم من آخذ عن غير متقن ، قد ضيع أيامه وعضّ عند لقاء النحارير أنامله ) ( ) .
ثانياً : إتقان المنهج النبوي في الدعوة إلى الله .
نعني بإتقان المنهج : العلم و المعرفة بمنهج النبي  في الدعوة إلى الله علماً و معرفة تحقق حُسن الإقتداء بالنبي  بحيث يكون موضوع الدعوة ووسائلها و أساليبها مهتدية بهدي الكتاب و السنة ، مقتدية بنهج النبي  فهماً و فقهاً و تطبيقاً يتحدد من خلاله فقه الدعوة إلى الله مسترشداً بفهم و فقه الصحابة  ، و من ثَمّ ضبط علوم الدعوة إلى الله و حكمها بهذا الفهم . و لعل من المفيد أن ننقل بعض ما قاله ابن تيمية ـ رحمه الله ـ حول ذلك فقد بيّن أهمية الالتزام بهذا المنهج ، وبيّن خطأ المخالفين له ، عندما أجاب على سؤال هذا نصه : ( جماعة يجتمعون على قصد الكبائر من القتل وقطع الطريق والسرقة وشرب الخمر وغير ذلك ، ثم إن شيخاً من المشائخ المعروفين بالخير واتباع السنة قصد منع المذكورين من ذلك ، فلم يمكنه إلا أن يقيم لهم سماعاً يجتمعون فيه بهذه النية وهو بدف بلا صلاصل( ) وغناء المغنى بشعر مباح بغير شبابة ، فلما فعل هذا تاب منهم جماعة وأصبح من لا يصلى ويسرق ولا يزكى يتورع عن الشبهات ويؤدى المفروضات ويجتنب المحرمات ، فهل يباح فعل هذا السماع لهذا الشيخ على هذا الوجه لما يترتب عليه من المصالح مع أنه لا يمكنه دعوتهم الا بهذا ؟
فأجاب بقوله : الحمد لله رب العالمين أصل جواب هذه المسألة وما أشبهها أن يعلم أن الله بعث محمداً بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً ، وأنه أكمل له ولأمته الدين كما قال تعالى : ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﭼ ( ) ، وأنه بشر بالسعادة لمن أطاعه والشقاوة لمن عصاه فقال تعالى : ﭽ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ ( )، وقال تعالى : ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭼ ( ) ، وأمر الخلق أن يردوا ما تنازعوا فيه من دينهم إلى ما بعثه به كما قال تعالى : ﭽ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﭼ ( ) وأخبر أنه يدعو إلى الله وإلى صراطه المستقيم كما قال تعالى : ﭽ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﭼ( ) ، وقال تعالى : ﭽ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ *ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭼ ( ) ، وأخبر أنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحل الطيبات ويحرم الخبائث كما قال تعالى : ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﭼ ( ) ، وقد أمر الله الرسول بكل معروف ونهى عن كل منكر وأحل كل طيب وحرم كل خبيث … وثبت عن العرباض بن سارية  قال : " وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ  يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ " ( )... وكان السلف كمالك وغيره يقولون السنة كسفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ، وقال الزهرى : كان من مضى من علمائنا يقولون الاعتصام بالسنة نجاة .....
إذا تبين هذا فنقول للسائل إن الشيخ المذكور قصد أن يتوب المجتمعين على الكبائر فلم يمكنه ذلك إلا بما ذكره من الطريق البدعي يدل أن الشيخ جاهل بالطرق الشرعية التى بها تتوب العصاة أو عاجز عنها ، فإن الرسول  والصحابة والتابعين كانوا يدعون من هو شر من هؤلاء من أهل الكفر والفسوق والعصيان بالطرق الشرعية التى أغناهم الله بها عن الطرق البدعية . فلا يجوز أن يقال إنه ليس فى الطرق الشرعية التى بعث الله بها نبيه ما يتوب به العصاة فإنه قد علم بالاضطرار والنقل المتواتر أنه قد تاب من الكفر والفسوق والعصيان من لا يحصيه إلا الله تعالى من الأمم بالطرق الشرعية التى ليس فيها ما ذكر من الاجتماع البدعى بل السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وهم خير أولياء الله المتقين من هذه الأمة تابوا إلى الله تعالى بالطرق الشرعية لا بهذه الطرق البدعية ، وأمصار المسلمين وقراهم قديماً وحديثاً مملوءة ممن تاب إلى الله واتقاه وفعل ما يحبه الله ويرضاه بالطرق الشرعية لا بهذه الطرق البدعية . فلا يمكن أن يقال إن العصاة لا تمكن توبتهم إلا بهذه الطرق البدعية بل قد يقال إن فى الشيوخ من يكون جاهلاً بالطرق الشرعية عاجزاً عنها ليس عنده علم بالكتاب والسنة وما يخاطب به الناس ويسمعهم إياه مما يتوب الله عليهم فيعدل هذا الشيخ عن الطرق الشرعية إلى الطرق البدعية إما مع حسن القصد إن كان له دين وإما أن يكون غرضه الترأس عليهم وأخذ أموالهم بالباطل كما قال تعالى :
ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ ( ) فلا يعدل أحد عن الطرق الشرعية إلى البدعية إلا لجهل أو عجز أو غرض فاسد .
وإلا فمن المعلوم أن سماع القرآن هو سماع النبيين والعارفين والمؤمنين قال تعالى : ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭼ ( ) ، وقال تعالى : ﭽ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ( ) .
وبهذا السماع هدى الله العباد وأصلح لهم أمر المعاش والمعاد ، وبه بعث الرسول ، وبه أمر المهاجرين و الأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ، وعليه كان يجتمع السلف كما كان أصحاب رسول الله  إذ اجتمعوا أمروا رجلاً منهم أن يقرأ وهم يستمعون ، وكان عمر بن الخطاب  يقول لأبى موسى  : ذكرنا ربنا . فيقرأ أبو موسى  وهم يستمعون . وفى الصحيح عن النبى  أنه مر بأبى موسى الأشعرى وهو يقرأ فجعل يستمع لقراءته ... وفى الصحيح أنه قال لابن مسعود : اقرأ علي القرآن ، فقال : أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل ، فقال : إنى أحب أن أسمعه من غيرى . قال فقرأت عليه سورة النساء حتى وصلت إلى هذه الآية : ﭽ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ( ) ، قال لى : حسبك . فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان من البكاء . وعلى هذا السماع كان يجتمع القرون الذين أثنى عليهم النبى  ... ولم يكن فى السلف الأول سماع يجتمع عليه أهل الخير إلا هذا ... وإنما حدث السماع المبتدع بعد ذلك ، وقد مدح الله أهل هذا السماع المقبلين عليه ، وذم المعرضين عنه وأخبر أنه سبب الرحمة فقال تعالى : ﭽ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﭼ ( ) ، .... وقال تعالى : ﭽ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﭼ ( ) ... ومثل هذا فى القرآن كثير يأمر الناس باتباع ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة ويأمرهم بسماع ذلك . .... وإنما حدث سماع الأبيات بعد هذه القرون فأنكره الأئمة حتى قال الشافعي ـ رحمه الله ـ : خلفت ببغداد شيئاً أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير يزعمون أنه يرقق القلوب ويصدون به الناس عن القرآن . وسُئل الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ عنه فقال : محدث . فقيل له : أنجلس معهم فيه ؟ فقال : لا يجلس معهم . والتغبير هو الضرب بالقضيب على جلودهم من أمثل أنواع السماع وقد كرهه الأئمة فكيف بغيره ...
وقول السائل وغيره هل هو حلال أو حرام لفظ مجمل فيه تلبيس يشتبه الحكم فيه حتى لا يحسن كثير من المفتين تحرير الجواب فيه وذلك أن الكلام فى السماع وغيره من الأفعال على ضربين : أحدهما : أنه هل هو محرم أو غير محرم بل يفعل كما يفعل سائر الأفعال التى تلتذ بها النفوس وإن كان فيها نوع من اللهو واللعب كسماع الأعراس وغيرها مما يفعله الناس لقصد اللذة واللهو لا لقصد العبادة والتقرب إلى الله ، و النوع الثانى : أن يفعل على وجه الديانة والعبادة وصلاح القلوب وتجريد حب العباد لربهم وتزكية نفوسهم وتطهير قلوبهم
وأن تحرك من القلوب الخشية والإنابة والحب ورقة القلوب وغير ذلك مما هو من جنس العبادات والطاعات لا من جنس اللعب والملهيات فيجب الفرق بين سماع المتقربين وسماع المتلعبين وبين السماع الذى يفعله الناس فى الأعراس والأفراح ونحو ذلك من العادات وبين السماع الذى يفعل لصلاح القلوب والتقرب إلى رب السموات فإن هذا يُسأل عنه هل هو قربة وطاعة وهل هو طريق إلى الله وهل لهم بد من أن يفعلوه لما فيه من رقة قلوبهم وتحريك وجدهم لمحبوبهم وتزكية نفوسهم وإزالة القسوة عن قلوبهم ونحو ذلك من المقاصد التى تقصد بالسماع ، كما أن النصارى يفعلون مثل هذا السماع فى كنائسهم على وجه العبادة والطاعة لا على وجه اللهو واللعب .
إذا عرف هذا فحقيقة السؤال هل يباح للشيخ أن يجعل هذه الأمور التى هى إما محرمة أو مكروهة أو مباحة قربة وعبادة وطاعة وطريقة إلى الله يدعو بها إلى الله ويتوب العاصين ويرشد به الغاوين ويهدى به الضالين ؟
ومن المعلوم أن الدين له أصلان فلا دين إلا ما شرع الله ولا حرام إلا ما حرمه الله، والله تعالى عاب على المشركين أنهم حرموا ما لم يحرمه الله ، وشرعوا دينا لم يأذن به الله
ولو سئل العالم عمن يعدو بين جبلين هل يباح له ذلك ؟ قال : نعم . فاذا قيل إنه على وجه العبادة كما يسعى بين الصفا والمروة قال : إن فعله على هذا الوجه حرام منكر يستتاب فاعله فإن تاب وإلا قتل .....
ولهذا من حضر السماع للعب واللهو لا يعده من صالح عمله ولا يرجو به الثواب ، وأما من فعله على إنه طريق إلى الله تعالى فانه يتخذه ديناً ، وإذا نهى عنه كان كمن نهى عن دينه ورأى أنه قد انقطع عن الله وحرم نصيبه من الله تعالى إذا تركه ، فهؤلاء ضلال باتفاق علماء المسلمين ، ولا يقول أحد من الأئمة المسلمين إن اتخاذ هذا ديناً وطريقاً إلى الله تعالى أمر مباح ، بل من جعل هذا ديناً وطريقاً إلى الله تعالى فهو ضال مفتر مخالف لإجماع المسلمين ، ومن نظر إلى ظاهر العمل وتكلم عليه ولم ينظر إلى فعل العامل ونيته كان جاهلاً متكلماً فى الدين بلا علم .
فالسؤال عن مثل هذا أن يقال هل ما يفعله هؤلاء طريق وقربة وطاعة لله تعالى يحبها الله ورسوله أم لا ؟ ، وهل يثابون على ذلك أم لا ؟ ، وإذا لم يكن هذا قربة وطاعة وعبادة لله ففعلوه على أنه قربة وطاعة وعبادة وطريق إلى الله تعالى هل يحل لهم هذا الاعتقاد وهذا العمل على هذا الوجه ؟
وإذا كان السؤال على هذا الوجه لم يكن للعالم المتبع للرسول أن يقول إن هذا من القرب والطاعات ، وأنه من أنواع العبادات ، وأنه من سبيل الله تعالى وطريقه الذي يدعو به هؤلاء إليه ، ولا أنه مما أمر الله تعالى به عباده لا أمر إيجاب ولا أمر استحباب ، وما لم يكن من الواجبات والمستحبات فليس هو محموداً ، ولا حسنة ، ولا طاعة ، ولا عبادة باتفاق المسلمين ) ( ).
و إن من أخطر ما تتعرض له الدعوة تسنمُ مهامها من ليس أهلاً لها من الجهال ، والمتعالمين ، و الدخلاء ، وهؤلاء و إن كانوا يريدون خيراً إلا أنهم يضرون وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. فالدعوة إلى الله أشرف الطاعات و أفضل القربات وعلى ذلك فاتباع المنهج النبوي فيها أمر و اجب يجب على الدعاة إلى الله تعالى إتقانه ، ومخالفة المنهج فيها ابتداع يجب الحذر منه ، لأن نتائجه غير محمودة . وفي أحداث الواقع وما يجري في هذا العصر من أخطاء المنتسبين للدعوة شاهد على ذلك . وفي قول رَسُولِ اللَّهِ  : " الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ " ( ) دليل على هذه الآفة الخطيرة ، فإن مدعي ما ليس عنده ، والمظهر خلاف الحقيقة لابس ثوب زور . قال ابن حزم ـ رحمه الله ـ : ( لا آفة على العلومِ و أهلِها أضر من الدخلاء فيها ، وهم من غير أهلها ، فإنهم يجهلون ، و يظنون أنهم يعلمون ، ويفسدون ويُقدِّرون أنهم يصلحون )( ) . وقيل : إذا تكلم المرء في غير فنه أتى بالعجائب ( ).
ثالثاً:استشعار أهمية الدعوة إلى الله وإشغال الفكر بها والتهيئة النفسية لها
جاء في الحديث عَنْ جَابِرٍ  قَالَ : " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ  فِي غَزَاةٍ فَقَالَ : إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ حَبَسَهُمْ الْمَرَضُ . و في رواية : إِلَّا شَرِكُوكُمْ فِي الْأَجْرِ " ( ) ، عند تأمُل قول الرسول  السابق نجد أن هؤلاء المعذورين لم يؤانسهم عذرهم الشرعي وهو المرض ، وينصرفوا في همومهم الشخصية ، وضيعاتهم و أهليهم ، و إنما أشغلوا كامل فكرهم وهمهم بتتبع وتحري أخبار المجاهدين ، والشوق إلى أخبارهم ، وتمني مصاحبتهم ، والدعاء لهم . هذا الهم يجب أن يحمله الداعية الصادق فهو أحق بحمل هم أمته ، والتفكير في أحوالهم ، والتخطيط لدعوتهم ، و نشر أخبارهم السارة وفضائلهم ، وستر أخطاءهم ، والدعاء لهم ، ومساعدة ضعيفهم ، ونصر مجاهدهم ، والذب عن أعراضهم ، والسعي إلى جمع كلمتهم ، و نبذ كل ما يدعو إلى فرقتهم . هذا الهم يدفعه إلى التهيئة و الاستعداد النفسي و إذكاء روح الجد والهمة العالية المعتمدة على الصبر ، لتصمد في وجه الملل والفتور والكسل .
ويمكن تحقيق هذا الجانب بطرق منها :
1 ـ دراسة قصص الأنبياء
قصص الأنبياء في القرآن أحسن القصص كما قال تعالى : ﭽ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ ( )، و أصدق القصص كما قال تعالى : ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭼ ( )، وقوله تعالى : ﭽ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﭼ ( )، و أُمِر النبي  أن يقص قصص القرآن كما في قوله تعالى : ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﭼ ( ) .
و استيعاب قصص الأنبياء يعزز ضبط المنهج الدعوي ، و يُعمِق فهمه ، لأن دعوة الأنبياء واحدة ، وتكرار قصصها يرسخ المنهج مع ما فيه من العبر و العظات و ما يثبت و يُسلي الفؤاد ويشحذ الهمم و يُهيئ النفوس للدعوة .
لكن يجب عند ذكر قَصَص الأنبياء ألا يتَعْدُوا مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَأن يُقال ذَلِكَ بِصِفَةِ التَّعْظِيمِ لَهُمْ وَالتَّنْزِيهِ لهم ، لأن في قصص الأنبياء وأممهم عبرةٌ لذوي العقول الصافية الخالصة من شوائب الإلف والعادة ، ومن الركون إلى الحس ، وفيها من الصفحات المضيئة والمواقف الرائعة والعبر والعظات ما يثبِّت الفؤاد ، ويرطّبُ الأكباد ، ويُسلِّي النفوسَ ، ويربِطُ على القلوب برباط الإيمان ( ). ذكر ابن عاشور ـ رحمه الله ـ عشر فوائد للقصص منها ملخصاً : ( أن القرآن يأخذ من كل قصة أشرف مواضيعها ويُعرض عما عداه ليكون تعرضه للقصص منزها عن قصد التفكه بها . وكان أجلّ من أسلوب القصاصين في سوق القصص لمجرد معرفتها ـ ومن الفوائد التي ذكرها ـ الفائدة الأولى : أن من أدب الشريعة معرفة تاريخ سلفها في التشريع من الأنبياء بشرائعهم فكان اشتمال القرآن على قصص الأنبياء وأقوامهم تكليلاً لهامة التشريع الإسلامي بذكر تاريخ المشرعين ، وقد رأيت من أسلوب القرآن في هذا الغرض أنه لا يتعرض إلا إلى حال أصحاب القصة في رسوخ الإيمان وضعفه وفيما لذلك من أثر عناية إلهية أو خذلان . وفي هذا الأسلوب لا تجد في ذكر أصحاب هذه القصص بيان أنسابهم أو بلدانهم إذ العبرة فيما وراء ذلك من ضلالهم أو إيمانهم . .. الفائدة الثالثة : ما فيها من فائدة تاريخ معرفة ترتيب المسببات على أسبابها في الخير والشر والتعمير والتخريب لتقتدي الأمة وتحذر ، قال تعالى : ﭽ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ ( )، وما فيها من فائدة ظهور المثل العليا في الفضيلة وزكاء النفوس أو ضد ذلك ... الفائدة التاسعة : معرفة أن قوة الله تعالى فوق كل قوة ، وأن الله ينصر من ينصره ، وأنهم إن أخذوا بوسيلتي البقاء : من الاستعداد والاعتماد ؛ سلموا من تسلط غيرهم عليهم . وذكر العواقب الصالحة لأهل الخير ، وكيف ينصرهم الله تعالى كما في قوله : ﭽ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﭼ ( ) ) ( ).
2 ـ دراسة سير العلماء و الدعاة .
دراسة سير الدعاة إلى الله تعالى والصالحين وفي مقدمتهم إمامهم  وما فيها من الصبر و التضحية و تحمل المشاق و التزود بالعلم و الحرص على هداية الناس تنير طريق الدعوة فتزيح العقبات و العوائق برضا واحتساب للأجر عند رب العالمين . يقول شيخ الحفاظ الإمام أبو حاتم الرازي ـ رحمه الله ـ : ( أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سبع سنين أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ ، أما ما كنت سرت أنا من الكوفة إلى بغداد فمالا أحصي كم مرة ومن مكة إلى المدينة مرات كثيرة ، وخرجت من البحرين من قرب مدينة صلا إلى مصر ماشياً ، ومن مصر إلى الرملة ماشياً ، ومن الرملة إلى بيت المقدس ، ومن الرملة إلى عسقلان ، ومن الرملة إلى طبرية ، ومن طبرية إلى دمشق ، ومن دمشق إلى حمص ، ومن حمص إلى أنطاكية ، ومن أنطاكية إلى طرسوس ، ثم رجعت من طرسوس إلى حمص ، وكان بقي علي شئ من حديث أبي اليمان فسمعت ثم خرجت من حمص إلى بيسان ، ومن بيسان إلى الرقة ، ومن الرقة ركبت الفرات إلى بغداد ، وخرجت قبل خروجي إلى الشام من واسط ، كل هذا في سفري الأول وأنا ابن عشرين سنة )( ) . إنه الإعداد و أنعم به من إعداد ، و إنه الصبر و الجلد ، و إن هذه السير قامات سامقة في تاريخ العلم و الدعوة .
ولتكن دراسة سير الدعاة تجمع بين دراسة سير الدعاة الأوائل عبر العصور الإسلامية ، و كذلك دراسة مناهج الجماعات الإسلامية في العصر الحاضر دراسة نقدية يُستفاد من إيجابيتها و يُحذر من سلبياتها التي أدت إلى الكثير من المآسي . و إن مثل هذه الدراسة المتأنية تجمع بين كسب الخبرة ، و شحذ الهمة ، و استشعار أهمية الدعوة ، وإشغال الفكر بها ، والتهيئة النفسية لها .
رابعاً : الاهتمام بفقه المقاصد الشرعية .
اعتنت الشريعة الإسلامية بمقاصد عظمى أساسية أسماها العلماء الضروريات الخمس: حفظُ الدين والنفس والمال و العقل و النسب ، ويندرج تحتها الكثير من المقاصد التي تحقق حفظ الكليات . و هذه الكلِّيات الخمس تعتبر بمنزلةِ الثوابت المطَّردة والقِيَم الراسخة في الدين الإسلامي الحنيف ، و عند تأملها بعين العقل و البصيرة يتبين بما لا مرية فيه أن بها قِوام حياة الإنسان ، وعليها مدارُ العمران ، وبها ظهور الإسلام ، لا يستقيم النظام باختلالها ، ولا يستمر أمن بدون سلامتِها ، و إذا انخرمت آل حالُ الأمّة إلى الفساد و الضعف . و الأدلة الشرعية على وجوب مراعاتها لا تحصى ، وسيرة المصطفى  زاخرة بمراعاتها ، و من ذلك في حفظ الدين سده  كل باب يثير شبهة أو فتنة على دين الإسلام كما جاء في الحديث " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ  أَتَى النَّبِيَّ  بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ  فَغَضِبَ فَقَالَ : أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى  كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي " ( ) ، قال ابن بطال : ( هذا النهي إنما هو عن سؤالهم عما لا نص فيه لأن شرعنا مكتفٍ بنفسه ) ( ) . و يتبع حفظ الدين الحرصُ على درءِ كلِّ ما يُنفر من هذا الدين ، أو يكون سبباً في عدم دخول الناس في الإسلام كما قال تعالى : ﭽ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ ( )، و لم يقاتل النبيّ  المنافقين في المدينةِ مع أنهم آذوه و ألبوا عليه العرب وتعاونوا مع اليهود لئلاّ يكون ذلك ذريعةً إلى تنفير الناس من الإسلام ، لأن مصلحةُ التأليف أعظمُ من مصلحة القتل . ولذلك نجد في هذا العصر أن المتربِّصين بالإسلام و أهله يتصيَّدون كل تصرُّفٍ يصدُر من أبناءِ الإسلام ليتخذوه ذريعة للنيل من الإسلام و أهله .
و كذلك جاءت الشريعة بحفظ مقصد آخر وهو تحقيقُ وَحدة المسلمين والتأليف بين قلوبهم وجمعُ كلمتهم ومنع كلِّ ذريعة للتفرُّق والاختلاف والتنازُع كما قال تعالى : ﭽﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﭼ ( )، وقال تعالى : ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭼ ( ) ، و قال  " مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ " ( )، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في هذا الأمر : ( إن الشارع أمر بالاجتماع على إمام واحد في الإمامة الكبرى وفي الجمعة والعيدين والاستسقاء وصلاة الخوف مع كون صلاة الخوف بإمامين أقرب إلى حصول صلاة الأمن وذلك سداً لذريعة التفريق والاختلاف والتنازع وطلباً لاجتماع القلوب وتألف الكلمة وهذا من أعظم مقاصد الشرع وقد سد الذريعة إلى ما يناقضه بكل طريق حتى في تسوية الصف في الصلاة لئلا تختلف القلوب وشواهد ذلك أكثر من أن تذكر ) ( ). ولذلك فالضرورةُ اليومَ داعيةٌ إلى التآلف و التعاون بين العلماء والحكّام وجميع طبقات المجتمع لتحقيق المقاصدِ الشرعيّة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية .
أما في حفظ الأنفس فقد نهى  في الجهاد عن قتلِ النساء والصبيان ومن ليس مِن أهل القتال من الكفار حِفظًا للنفوس من الإهدار والإفساد ، كما جاء في الحديث " أنه كَانَ رَسُولُ اللَّهِ  إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ : اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا .. " ( ) ، وفي جانب المسلمين كان عمر  يراعي هذه المقاصد ومن ذلك قوله  : ( والذي نفسي بيده ما يسرُّني أن تفتَحوا مدينةً فيها أربعةُ آلاف مقاتِل بتضييع رجلٍ مسلم )( ) ، وكان يكتب إلى عمّالِه يقول : ( لا تستعمِلوا البراءَ بنَ مالك على جيشٍ من جيوش المسلمين ؛ فإنه مهلكة من المهالك يقدم بهم ) ( ) . فجرأته و شجاعته قد تقوده إلى إقحام المسلمين في أماكن حربية خطيرة يكثر فيها قتلى المسلمين بسبب هذا الفعل فحذر من ذلك سداً لهذه الذريعة .

خامساً : الاهتمام بفقه النوازل
فقه النوازل : هو معرفة الأحكام الشرعية للوقائع المستجدة المُلحَّة ( ) . فكل حادثة لم تكن معروفة على زمن الرسول  ، فهي حينئذٍ نازلة تحتاج إلى نظر العلماء في القواعد الفقهية و المقاصد الشرعية ومن ثم إنزال الحكم الشرعي على الحادثة . وقد جاء في الحديث أن أبا هُرَيْرَةَ  قَالَ لِمَرْوَانَ : " أَحْلَلْتَ بَيْعَ الرِّبَا ؟. فَقَالَ مَرْوَانُ : مَا فَعَلْتُ . فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ  : أَحْلَلْتَ بَيْعَ الصِّكَاكِ( ) ؟ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ الله  عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى . قَالَ : فَخَطَبَ مَرْوَانُ النَّاسَ فَنَهَى عَنْ بَيْعِهَا . قَالَ سُلَيْمَانُ : فَنَظَرْتُ إِلَى حَرَسٍ يَأْخُذُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ " ( ). فالتعامل بالصكاك حادثة جديدة على المسلمين ظهرت في خلافة مروان ، فهي من المستجدات والنوازل الفقهية التي تحتاج إلى معرفة بفقه النوازل ، وقد بينها علم من أعلام الصحابة  ، ووعاء من أوعية العلم أبو هريرة  ، فهو أحفظهم للحديث ، وأغزرهم علماً ، قد كان مفتياً على الأمراء وغيرهم( ) ، فبين حكم هذه النازلة ، مبيناً علة التحريم في ذلك بقوله : نَهَى رَسُولُ الله  عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى . قال محمد تقي العثماني : ( علة تحريم بيع الصِّكَاك لأنه بيعٌ قبل القبض )( ) . ومن الأمور المهمة علم الداعية إلى الله بفقه النوازل ، خاصة في هذا العصر الذي كثرت فيه المستجدات التي يحتاج الناس إلى معرفة أحكامها بوضوح .
سادساً : العناية بالدراسات البحثية
تنتشر الكليات الشرعية في بلاد الحرمين وهي معروفة بسلامة نهجها و وسطيتها مما أهلها لتكون رائدة و قائدة للدعوة الإسلامية علماً و عملاً . وكذلك العالم الإسلامي من أقصاه
إلى أدناه يزخر بالجامعات و الكليات الشرعية المؤهلة . و لهذا فإنه من المتحتم على هذه
الصروح العلمية القيام بالدراسات البحثية المتعلقة بالدعوة إلى الله في جانبين :
1 ـ الدراسات التأصيلية : ونعني بها التأصيل الشرعي المعتمد على نصوص الوحيين لعلم الدعوة إلى الله تعالى في تاريخها و مناهجها و فقهها ووسائلها و أساليبها تأصيلاً يقطع الخلاف ويؤلف القلوب بين العاملين في الدعوة . فإنه يظهر بين الفينة و الأخرى تساؤلات وخلافات حول بعض المسائل الدعوية . ومن هذه التساؤلات وسائل الدعوة إلى الله أهي توقيفية أم اجتهادية ؟ وهل يُشرع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المسائل الخلافية ؟، وغيرها الكثير ، فمثل هذه المسائل تحتاج إلى البحوث التأصيلية حتى يُتوصل فيها إلى كلمة سواء بقدر الإمكان ، مع إثبات أن مسائل الاجتهاد سائغ فيها الخلاف بين علماء المسلمين.
2 ـ الدراسات الميدانية : الدراسات البحثية الميدانية يُعرف من خلالها معرفة أحوال المدعوين و توجهاتهم و أهم الوسائل المؤثرة فيهم و الاختلافات الطبيعية الموجودة بينهم وبناء ً عليها يستطيع الداعية بما أوتي من فقه الدعوة إلى الله تحديد واختيار موضوع الدعوة ووسائلها و أساليبها المناسبة لحال المدعوين وطبيعتهم وحاجاتهم النفسية و العقلية و الاجتماعية ، فإن لغة الأرقام في هذه العصر من أقوى اللغات ، فقد يُحدث ذكر الرقم الواحد أثراً في النفوس لا تحدثه آلاف الكلمات .
ومثال ذلك من تحدث عن المرض العصري الإيدز وذكر الإحصاءات المرضية المخيفة لهذا الداء يكون تأثيرها على الأنفس أشد وقعاً من مجرد الحديث عن المرض مجرداً من الإحصاءات . ولو تحدث عن كون الحجاب الساتر للمرأة يحفظها من التحرش و المعاكسة و أثبت ذلك بقوله : أثبتت إحدى الدراسات الميدانية المنشورة بمجلة الدعوة أن 86 % من النساء اللواتي يلبسن العباءة على الكتف يتعرضن للمعاكسة .
و لو اُستثمر أسلوب المدح في الدعوة إلى الله و التعليم لكانت نتائجه إيجابية فقد أثبتت دراسة ميدانية أن المعلم الذي يستخدم أسلوب المدح مع طلابه يدفعهم إلى التعلم على العكس من أسلوب الذم ( ).
ومن الدراسات المفيدة في الدعوة ما أثبتته دراسة على عينة شبابية في جامعة الملك سعود بالرياض أن 60.4 % منهم يحتاجون إلى أسلوب الترغيب أكثر من أسلوب الترهيب ، و أجاب 75.2 % منهم أنهم بحاجة إلى دعاة يعرفون أحوال الشباب ( ) .
إن مثل هذه الدراسات أصبحت مطلباً هاماً في العمل الدعوي لكونها تلبي حاجات الدعوة ، وتساعد على التعرف على حاجات شرائح المجتمعات المختلفة وما يناسب مستوياتهم الفكرية و العلمية و النفسية و الاجتماعية ، فقد ورد قول علي  : " حدثوا الناس بما يعرفون ، أتريدون أن يكذب الله و رسوله " ( ) ، و يقول الغزالي ـ رحمه الله ـ : ( كِل لكلِّ عبدٍ بمعيارِ عَقْلِه ، و زِن له بميزان فِهْمِه ، حتى تَسلَم منه - أي من قوله و إنكاره - و ينتفعُ بك ، و إلا وقع الإنكارُ لتفاوتِ المعيار )( ) . وفي ذلك دلالة على أن الدراسات الميدانية مساندة للدراسات التأصيلية ومثبتة لإعجاز القرآن و السنة و الشاملة لكل حاجات الناس و الصالحة لكل زمان ومكان .

المبحث الثالث : إتقان الجانب التطبيقي العملي ( إتقان أدوات التنفيذ ) ..
ورد الأمر بإتقان العمل صريحاً كما في قوله e : " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " ( ) ، فهذا حديث عام يشمل كل عمل لأن كلمة ( عملاً ) وردت نكرة ، ففي هذا أمر بإتقان ما يُكلِف به الإنسان نفسه أو يُكلِفه به ربه على سبيل القربة ، أو يُكلِفه به صاحب العمل . و العمل الدعوي أشرف الأعمال التعبدية و أهمها ، لذا يجب على الدعاة بذل الجهد في إتقان أعمالِهم الدعوية ، ومن إتقان العمل الدعوي موافقتُه لمنهج الرسول e في الدعوة ، و الإتيان به على أكمل وجه . قال الرسول  " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ " ( )، قال الأبي ـ رحمه الله ـ : ( فيه أهمية الإجادة في الأعمال المشروعة ، فحق من شرع في شيء منها أن يأتي به على الكمال واستيفاء الشرائط المصححة والمكملة ، فإذا فعل ذلك قل عمله وكثر ثوابه ) ( ) .
وإن أهم متطلبات إتقان الجانب التطبيقي العملي الدعوي الأمور التالية :
أولاً : حُسن التخطيط للدعوة إلى الله .
الخطة : الأمر أو الحالة ، يقال جاء فلان و في رأسه خطة ، أي أمر قد عزم عليه ،
و في الحديث قول عروة بن مسعود يوم الحديبية : " وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا "( ) ، أي أمرًا واضحاً في الهدى و الاستقامة . و التخطيط في علم الرسم و التصوير فكرة مثبتة بالرسم ، أو الكتابة ، تدل دلالة تامة على ما يقصد في الصورة ، أو الرسم ، أو اللوح المكتوب من المعنى ، و الموضوع ، ويقال : وضعت الدولة خطة مدروسة للنواحي الاقتصادية ، و التعليمية ، و الانتاجية ( ).
إن عصراً كهذا العصر الذي تكثر فيه المسؤوليات ، وتتعدد فيه المهام ، وتكثر المشكلات ، يؤكد حاجة الدعوة إلى التنظيم والتخطيط الذي ينبني عليه توزيع المهام والمسئوليات بين الدعاة ، وتحديد الأهداف والغايات المؤمل الوصول إليها من خلال السير بموجب هذا التخطيط والتنظيم بعيداً عن التخبط والعشوائية التي لا تتناسب مع أهداف الدعوة ، ويستهجنها الناس . وبذلك فإن العمل الدعوي الذي لا يخطط له ، وتنظم أعماله خاصة في هذا العصر فإنه لا يؤتي أكله كما ينبغي .
والتخطيط ليس بدعاً في الدعوة إلى الله تعالى ، بل هو موجود في قصص الأنبياء ، وتاريخ دعوة النبي ، وسيرته وسنته ، ومن ذلك ما جاء في قصة فتح مكة ، فقد رسم الرسول  خطة محكمة لدخول جيشه المظفر إلى مكة فاتحاً ، فقد قسمه إلى مجنبتين ، ووسط وعلى كل قسم قائد ، وحدد المجموعة التي تكون معه وهم من المهاجرين والأنصار  ، ثم حدد النقطة التي سيجتمعون فيها وهي الصفا ، ونفذ الصحابة  هذه الخطة و التوجيه تنفيذاً محكماً نهايته الفتح المظفر ، يقول أبو هريرة  :" أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ  حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ ، فَبَعَثَ الزُّبَيْرَ عَلَى إِحْدَى الْمُجَنِّبَتَيْنِ ، وَبَعَثَ خَالِدًا عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْأُخْرَى ، وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْحُسَّرِ ، فَأَخَذُوا بَطْنَ الْوَادِي وَرَسُولُ اللَّهِ  فِي كَتِيبَةٍ . قَالَ : فَنَظَرَ فَرَآنِي فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ؟ قُلْتُ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَقَالَ : لَا يَأْتِينِي إِلَّا أَنْصَارِيٌّ زَادَ غَيْرُ شَيْبَانَ فَقَالَ : اهْتِفْ لِي بِالْأَنْصَارِ ، قَالَ : فَأَطَافُوا بِهِ ، وَ وَبَّشَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشًا لَهَا وَأَتْبَاعًا فَقَالُوا: نُقَدِّمُ هَؤُلَاءِ فَإِنْ كَانَ لَهُمْ شَيْءٌ كُنَّا مَعَهُمْ ، وَإِنْ أُصِيبُوا أَعْطَيْنَا الَّذِي سُئِلْنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  : تَرَوْنَ إِلَى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ وَأَتْبَاعِهِمْ ثُمَّ قَالَ بِيَدَيْهِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى ، ثُمَّ قَالَ: حَتَّى تُوَافُونِي بِالصَّفَا . قَالَ : فَانْطَلَقْنَا فَمَا شَاءَ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا إِلَّا قَتَلَهُ وَمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ يُوَجِّهُ إِلَيْنَا شَيْئًا ، قَالَ : فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُبِيحَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ . ثُمَّ قَالَ : مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ " ( )
ثانياً : التدريب
إذا أُريد لأي عمل أن يؤتي أكله ، ويحقق أهدافه فلا بُد أن يسبقه تخطيط دقيق ، وتدريب محكم . و إذا كانت الدعوة إلى الله أشرف الأعمال التعبدية و أجلها قدراً ومكانة عند الله فهي أولى بالتدريب المستمر ، و إذا كان الله قد أمر بإعداد القوة والتدريب عليها للجهاد في سبيله و إرهاب عدوه وصد عدوان المعتدين كما في قوله تعالى : ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﭼ( ) ، فإن الدعوة إلى الله تخرج من شاء الله من العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، فهي أولى بالإعداد الجيد والتدريب المستمر ، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : ( وتبليغ سنته  إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو ، لأن تبليغ السهام يفعله كثير من الناس ، و أما تبليغ السنن فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم ، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه ) ( ) . و مما يُساعد على إتقان العمل الدعوي استمرارية تدريب الدعاة و إعدادهم الإعداد الجيد ، و الإفادة من الجديد وحسن التعامل مع المواقف الطارئة وسرعة اتخاذ القرار المناسب المعتمد على الدليل ومراعاة مصالح الدعوة والمدعوين ، فإن حُسْنَ البلاغ من حُسْن الإعداد .
و مما يدل على أهمية التدريب في الدعوة إلى الله و إعداد الدعاة قول الرسول  : " مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لَهُمْ رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزْعَةً طَارَ عَلَيْهِ يَبْتَغِي الْقَتْلَ وَالْمَوْتَ مَظَانَّهُ " ( ) ، ففيه أهمية جاهزية الدعاة إلى الله تعالى ، فإن المعنيين بالدعوة في التنظيمات الرسمية والمؤسسات الدعوية ينبغي لهم أن يعدوا الدعاة ويهيؤهم للانطلاق في الدعوة إلى الله في أي وقت ، بحيث يكونوا على مستوى من الإعداد الجيد المبني على التدريب المسبق السليم ، فإذا أُحتيج إلى بعثهم إلى أي مكان كانوا جاهزين ، فقد كان أصحاب الرسول  مهيئين للبعث في أي وقت لأنهم كانوا يحظون بالتربية والتعليم المستمر من الرسول  ، فكان يبعثهم للدعوة والتعليم ، كما كان في بعث معاذ  إلى اليمن وغيره . والتدريب الذي أعنيه هو : مجموعة البرامج و الأنشطة التي يتربى فيها المعنيون إيمانياً وفكرياً ، وكيفية تقديم ما يحملونه من فكر للناس بممارسة الوسائل و الأساليب التي تحسن مهاراتهم ، و تعينهم على حسن التعامل مع الناس بمختلف شرائحهم و أديانهم( ) . و في رعي الأنبياء للغنم تدريب وتمرين عملي على الصبر وكيفية التعامل مع الناس . قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ : ( قال العلماء : الحكمة في إلهام الأنبياء رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم ، و لأن في مخالطتها ما يحصل لهم الحلم والشفقة لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها .. وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها جبروا كسرها ورفقوا بضعيفها )( ) ، وكذلك أهلها ورعاتها وصفوا بالسكينة كما قال  : " الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ وَالْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ " ( ) ، فمعالجتها ورعيها والتعامل معها يورث هذه الصفة الحميدة ويعززها .
و من أهم ما ينبغي تدريب الدعاة عليه الأمور الآتية :
1 ـ التدريب في مجال العبادات .
العمل الدعوي بأمس الحاجة إلى التدريب في مجال العبادات ، فالداعية يُقتدى به فيجب عليه إتقان أداء العبادات كما كان يؤديها الرسول  ، ففي الصلاة قال : " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " ( )، وفي الحج قال  " يا أيها الناس ! خذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد عامي هذا " ( ). و في حديث الرجل المسيء صلاته درّبه النبي  حتى أجاد صلاته كما في الحديث :" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ  . فَرَدَّ . وَقَالَ : ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ. فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى ، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ  ، فَقَالَ : ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ . ثَلَاثًا فَقَالَ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي . فَقَالَ : إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا ، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا " ( ) .
2 ـ التدريب في مجال الأخلاق و الآداب .
الأخلاق منها الجبلي الذي طُبع عليه الإنسان ، و منها ما يمكن اكتسابه بالخبرة و المران
و التدريب ، فمن كان عجولاً فليتدرب على الأناة و يعود نفسه عليها ، و من كان غضوباً فليتعود و يتمرن على الحلم ، و هكذا ، فإنه من الممكن اكتسابها بالمران والتدريب والتعود كما جاء في الحديث أن الرسول  قال لأشج عبد القيس  : " إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ ، الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ .قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَمِ اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا ؟ قَالَ : بَلْ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا. قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ "( ) . قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ : ( ترديده السؤال وتقريره عليه يُشعر بأن في الخلق ما هو جبلي و ما هو مكتسب )( ) . و قد كانت الأخلاق الإسلامية الرفيعة التي حملها المسلمون الأوائل سبباً في دخول الناس دين الله أفواجاً ، فحري بالدعاة إلى الله أن يُروا الناس أخلاق الإسلام في جميع تصرفاتهم و أفعالهم .
3 ـ التدريب على إتقان استخدام الوسيلة الدعوية .
إن عصر التقنية الحديثة يحمل من الوسائل ما لا يُحصى ، فسهلت الوصول إلى أقصى بقاع الأرض عبر اتصال كلمح البصر ، أو ساعات معدودات على متن طائرة أو سفينة أو سيارة فيقابل الإنسان الآخر ويراه حقيقة ، أو يتحدث معه صوتاً وصورة ، فحري بالدعاة أن يتدربوا على هذه الوسائل ، ويفقهوا استخدامها ، ويبتكروا من الأساليب ما يناسب أهل هذا العصر التقني ، وعبر هذه الوسائل الحديثة . وحري بالمؤسسات الدعوية الرسمية والخيرية أن تولي مسالة التدريب على هذه الوسائل جل اهتمامها لتؤتي الدعوةُ إلى الله أُكُلَها بإذن ربها ، فالتدريب ارتقاء دائم ، وانتقال من طور إلى طور ، ومواكبة لما يناسب الزمان والمكان ( ) .

4 ـ التدريب على إتقان استخدام الأسلوب الدعوي .
أسلوب الدعوة إلى الله تعالى فن يوفق الله إليه من يشاء ، والتدريب على أساليب الدعوة إلى الله من الأهمية بمكان كما قال  لمعاذ  عندما بعثه إلى اليمن : " إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ " ( ) ، مما قاله العلماء في تعليقاتهم على هذا الحديث : قال له النبي  ذلك حتى يتأهب و يختار من الأساليب ما يناسب حالهم لأن مخاطبة العالم ليست كمخاطبة الجاهل ، وهم أهل كتاب يجيدون الجدل فينبغي إتقان أسلوب الجدل ( ). وعهد  إلى بعض الصحابة بالقضاء والفتوى ولم يرد من ذلك إلا التمرين على الاجتهاد ، لأنه ليس لأحد أن يفتي أو يقضي بحضرة الرسول  ( ).
5 ـ التدريب على إتقان الحوار .
الحوار : حديث بين طرفين أو أطراف عدة ، لعرض وجهات النظر بينهم ، حول مسألة متنازع عليها ، بقصد التوصل إلى حل مناسب ، أو نتيجة مناسبة ، يتم فيه تبادل الكلام بينهما بطريقة متكافئة ، فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر ، ويغلب عليه الهدوء ، و البعد عن الخصومة و التعصب ( ) . و الحوار ليس جديداً و إنما هو أسلوب أتى به القرآن الكريم ، فقد سلك القرآن أسلوب المحاورة وذلك أسلوب لم يكن معهوداً للعرب فكان مجيئه في القرآن ابتكار أسلوب جديد في البلاغة العربية شديد التأثير في نفوس أهل اللسان ( ).
ومن نماذج حوارات القرآن حوار الخالق مع الشيطان كما في قوله تعالى : ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭼ( ) ، و السنة مليئة بحوارات الرسول  مع الكفار و المؤمنين . فالحوار أسلوب دعوي ينبغي تدريب الدعاة على أصوله الهادفة ، و آداب التعامل مع المخالف ، والتثبت وعدم الاستعجال ، والتفريق بين الأصول والفروع ، وذلك من خلال المدارسة والنقاش و إبداء الرأي بعد دراسة حوارات النبي  مع أصحابه و مع المخالفين ، مع التفريق بين الحوار المنضبط حتى و إن اختلفت المبادىء وبين الاختلاف المذموم .
ثالثاً : التطوير
التطور التنقل من هيئة وحال إلى غيرهما ( ) . و التطوير : هو تلك الجهود المخططة التي تمتد إلى جميع مستويات المؤسسة التنظيمية بهدف زيادة فعاليتها وحيويتها ويتولى القيام بتلك الجهود عامل التغيير أو العامل السلوكي بمساعدة قيادات المؤسسة العليا ( ).
و مراعاة التطوير تساعد على استمرارية العمل و التأقلم مع ظروف الحياة و تغيراتها و استمرارية إعمار الأرض كما يريد الله ، وهذا واضح في قول الله تعالى : ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ ( ) ففي إمداد الله لهم بالأموال التي يعمرون بها الأرض ، والبنين الذين يعينونهم على ذلك ويكونون زينة لهم في الدنيا ، و يتوارثون فيها و يخلف بعضهم بعضاً في عمارتها دليل على أهمية التطوير و التغيير كما في قوله تعالى : ﭽ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭼ ( ) .
ومما يساعد على التطوير الحرص على تبادل مختلف الأفكار والتجارب والطرائق الدعوية عبر شبكة الإنترنت بين المهتمين في هذا الشأن ، لما يترتب على ذلك من إمكانية التطوير ، وزيادة الفعالية ، وتفادي الأخطاء ، ومعالجة نقاط الضعف ( ) .
و يمكننا تحديد مفهوم التطوير في الدعوة إلى الله : أنه التغيير و التجديد المستمر في أدوات تنفيذ الدعوة إلى الله و أساليبها ووسائلها ، و المستفيد من تقنيات العصر و مراعاة أحوال المدعوين في سبيل الإنجاز مع المحافظة على الثوابت ، و المعتمد على الدراسات العلمية و تقييم أدوات التنفيذ .
وتبدأ عملية التطوير بالتعرف على الإيجابيات و تعزيزها ، و تشخيص النقص بالتعرف على السلبيات و تفاديها ، و الاستفادة من تجارب الآخرين وخبراتهم ، ومواكبة تغيرات العصر فالأجيال تتعاقب وتتغير طبائعهم و أفهامهم و أفكارهم و عوائدهم . قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : ( فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والأحوال وذلك كله من دين الله ) ( ) .
ويمكننا تحديد أهم أدوات التطوير في الجوانب الآتية :
1 ـ تقييم الأداء .
التقويم : عملية إصدار الحكم على قيمة الأشياء أو الأشخاص أو الموضوعات ، ويشمل كل جوانب العملية المراد تقييمها ، كما يتضمن معنى التحسين أو التعديل أو التطوير الذي يعتمد على أسس ومعايير محددة سابقًا ، وهو وسيلة يستعان بها لتشخيص الواقع وقياس ما تم تحقيقه لتسديد نواحي الضعف ، وتعزيز جوانب القوة ( ) .
فمثلاً لو أقمنا برنامجاً دعوياً في مكان و زمان محددين فينبغي أن نطرح عدة تساؤلات بعد تنفيذ البرنامج في استبيان يوزع على المعنيين بالأمر من الدعاة و المدعوين كأن نقول مثلاً : ما مدى تأثر المدعوين بالبرنامج ؟
وما مدى إقبالهم عليه ؟
وهل يساوي الجهد والمال المبذولين النتائج المتحققة ؟
وهل الناس بمستوى واحد من التفكير وعوامل التأثر ؟
وهل يلبي البرنامج جميع حاجات المدعوين الفكرية و النفسية و الترويحية ؟ .
و الإجابة على مثل هذه التساؤلات تساعد على تحديد مستوى البرنامج وتفادي الأخطاء المستقبلية و تطوير البرنامج نحو الكمال ، و هكذا في جميع برامج الدعوة ، مع العلم أن طرق التقويم ليست محصورة في الإستبانة ، فقد تكون بقياس نتائج البرنامج وثمراته المستمرة ، أو من خلال انطباعات الناس المشاهدة أثناء تقديم البرنامج ، و غير ذلك . وفي القرآن الكريم ما يشير إلى تقييم نتيجة العمل الدعوي كما في قوله تعالى : ﭽ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ ( ) ، أي تنح عنهم إلى مكان قريب تتوارى فيه ، ليكون ما يقولونه بمسمع منك ، و في أمره بالتولي حسن أدب ليتنحى حسب ما يتأدب به مع الملوك ، وكن قريبا حتى ترى مراجعتهم ؛ وتعلم ماذا يجيبون وماذا يردون من القول ( ). وهذا الكتاب فيه بسم الله الرحمن الرحيم و الدعوة إلى الله لملكة سبأ و قومها ، و تنحي الهدهد ليعرف نتيجة تأثرهم بكتاب سليمان  ، و في ذلك تقييم لمدى تقبلهم للدعوة و تأثرهم بها .
2ـ قبول النقد .
قال ابن فارس : نَقَدَ : النون والقاف والدال أصل صحيح يدل على إبراز شيء وبروزه ، وتقول العرب ما زال فلان ينقد الشيء إذا لم يزل ينظر إليه . والإنسان يَنقد الشيء بعينه وهو مخالفة النَّظر لئلاَّ يُفطَن له . كأَنَّما شُبِّه بنظَرِ الناقِدِ إِلى ما يَنْقُدُه
والنَّقْدُ : تَمْيِيزُ الدَّارهِمِ وإِخراجُ الزَّيْفِ منها.
والنقد : المناقشة ، يقال : ونَقَدَ الكَلاَمَ ناقَشَه ، ونَاقَده في الأَمْر نَاقَشَه ومنه الحديث " إِنْ نَاقَدْتَهم نَاقَدُوكَ " وفي رواية : " إِن نَقَدْتَ النَّاس نَقَدُوكَ ، وإِن تَرَكْتَهم تَركُوك " معنى نَقَدْتَهم أَي عِبْتَهم واغْتَبْتَهم قابلُوك بمثله وهو من قولهم نَقَدْتُ رَأْسَه بإِصْبَعي أي ضَرَبْتُه ( ).
فالنقد حينئذ ٍ : هو تمحيص الأفعال و الأخبار ، و إبداء وجهات النظر حولها ، بشرط أن يكون هذا التمحيص مبنياً على قواعد علمية ثابتة .
و في قول الرسول  : " الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ " ( ) . بيان أن العلاقة بين المؤمن و أخيه المؤمن كالعلاقة بين المرآة والإنسان الواقف أمامها . فلو تأملنا هذه الصورة التشبيهية النبوية لوجدنا أن هناك ثمة صفات مهمة ينبغي أن يتصف بها الإنسان المؤمن الواقف أمام المرآة وهو المنقود ، و كذلك المؤمن المشبه بالمرآة وهو الناقد . فالمرآة لا تكذب ، و لا تجامل ، و لا تشتم ، و لا تظهر العيوب للغير ، أي لا تفضح ، و لا تزيد شيئاً على ما تراه . وكذلك يجب على المؤمن الذي يقدم النقد أن يكون لأخيه المؤمن مثل هذه المرآة .
أما المؤمن الواقف أمام المرآة المنقود فينبغي له أن يستعد ويتهيأ نفسياً لقبول النقد كما يستعد ويتهيأ للوقوف أمام المرآة ويصلح هيئته ، و لا يلوم المرآة على إظهارها للعيوب ، فلا يكسرها ، وكذلك ينبغي للمؤمن ألا يعتدي أو يلوم الناقد الصادق ، و أن يسعى لإصلاح العيوب التي أظهرتها المرآة . وكذلك ينبغي للمؤمن أن يصلح الأخطاء التي أظهرها له أخوه المؤمن . إن مما يحقق الدقة في الآراء نقدها ، ونتاج بلا نقد يعد خداجاً ( )، تنقصه الدقة والتحقيق ، لذلك ينبغي أن تتسع صدورنا للنقد ، و لا نعده عيباً في المنقود( ) ، إلا إذا أصر على خطاه ، الذي يبينه الدليل الصحيح الصريح ، أو يعارض ثقافة المجتمع الثابتة .
إن لكل عمل هدف وغاية ، و أشرف الأعمال الدعوة إلى الله تعالى ، وغايتها وهدفها إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، وبما أنها كذلك فلابد من تقديم الدعوة إلى الله في أحسن صورة ، و لا يتحقق ذلك إلا باتباع المنهج النبوي في الدعوة إلى الله ، وإن من أسباب تحقق ذلك نقد العمل الدعوي حتى يُقدم في أحسن صورة على المنهج النبوي .
فبالنقد الهادف البناء تُكتشف الأخطاء وتصحح ، و فيه حماية لمهنج الأنبياء في الدعوة إلى الله من الانحراف ، و فيه تقويم الأداء و تصحيحه ، و فيه حماية للدعوة من تربص الكائدين والمنافقين .
3 ـ متابعة التطور التقني و الإفادة منه .
لا يُنكر ما فعلته الإذاعات المسموعة ، ثم المرئية بلونها الأسود ثم الملون من المفاسد في المجتمعات المسلمة ، ثم الأفلام و السينما و أشرطة الكاسيت التي نقلت للأمة ثقافة و عادات سيئة . ثم لما و جهت للخير و أخرجت بطرق جذابة و اعتُني بمحتوياتها استفاد منها الناس و ساعدت في نشر دين الإسلام و الأخلاق الفاضلة . ومع تسارع الزمن جاءت القنوات الفضائية و الإنترنت ووسائل الإتصال الأخرى كالجوال وما يحمله من رسائل الوسائط و البلوتوث صوتاً و صورة تحمل شتى طرق الجذب و الإثارة ، و يتطور أداؤها تطوراً سريعاً . إن هذه الوسائل المتطورة و المتسارعة في ظهورها و تحديثها تتطلب من القائمين على الدعوة مواكبتها و الإفادة منها و توجيهها الوجهة السليمة ، و استثمارها في الجوانب الإدارية و الدعوية على حد سواء . كما ينبغي إعداد الدعاة إعداداً جيداً لاستخدام هذه التقنيات حتى تترقَّى مداركُهم وتظهرَ جهودُهم في أجمل المظاهرِ التي أرادها هذا الدين ، ولتنبع أفعالهم من روحِ الإسلام وتنساق من مقاصِده وتوفِي بحاجات الدّعوةِ وتواكِب متطلبات الزمان وتغيُّرات العصر المتسارعة .
4 ـ مراعاة الفوارق والمستوى والتخصص فيوضع الرجل المناسب في المكان المناسب .
إن مما يُعد من أدوات التطوير مراعاة الفوارق والمستوى ومقدار ما يقدمه الداعية للدعوة إلى الله ، ومن ثم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، و فق شخصيته ومواهبه و قدراته ، فإن متغيرات العصر تتطلب اختيار المؤهلين . وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك كما في قول الله تعالى : ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭼ ( ) . فإن هذا يوجب الدقة في اختيار المسؤول و القائد ، و مراعاة توافق القدرات مع المهمة ، و أنه لا مجاملة في الاختيار ، و مما ينبغي مراعاته في المسؤول بروز الجانب العلمي الذي يمكنه من الدعوة والاستدلال ، ورد ما يعترضه من شبه ، و بروز الجانب القيادي ، بحيث يكون أبرز قومه أو مجموعته ، فيكون ذا حكمة و حنكة ، وسداد رأي ، و حلم و مدارة ، وحسن تدبير إلى جانب الشجاعة في قول الحق ، ففي الحديث " أن أَبا ذَرٍّ  قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي ؟ قَالَ : فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ، ثُمَّ قَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ . إِنَّكَ ضَعِيفٌ ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ( ) وَنَدَامَةٌ ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا " ( ). وأبو ذر  لا يعاب عليه دين ولا خلق ولا شجاعة ، لكن تفرس فيه الرسول  ضعفاً أو قصوراً في الجانب القيادي لا يؤهله للإمارة والقيام بواجباتها فصارحه بذلك . قال المأمون في اختيار الوزير : ( له صولة الأمراء ، وأناة الحكماء ، وتواضع العلماء ، وفهم الفقهاء ، إن أحسن إليه شكر ، وإن ابتلي صبر ، لا يبيع نصيب يومه بحرمان غده )( ) .
فالأمارة و القيادة ليست منوطة فقط بالقدرات العملية ، وإنما للقدرات النفسية والأخلاقية كذلك ، فقد يكون الداعية أو القائد مناسبا من حيث قدراته العلمية ، لكن من حيث قدراته الأخرى غير مناسب ، وهذا لا يقدح فيه بأي حال من الأحوال . فهذا البراء بن مالك  قال فيه النبي  : " كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ مِنْهُمْ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ " ( ) ، فبرغم أنه مستجاب الدعاء إلا أنه لا يصلح لقيادة الجيش لفرط شجاعته  ، فقد كان شجاعاً شديدَ الجراءة ، له في الحرب مكانة ، يقتحم المهالكَ فمنع عمر  توليته قيادة الجيش حتى لا يكثر القتل بين صفوف المسلمين . وكذا الأمر في المؤسسات الدعوية ، قد يكون الرجل على علم شرعي ، لكنه غضوب لا يصلح للعمل التربوي الدعوي ، ونحو ذلك .
و بناءً على اختلاف المهام و اختلاف القدرات يكلف كل واحد بما يوافق قدراته و المهمة المكلف بها . فمن أجاد فن الخطابة يكون خطيباً ، ومن كان فظاً غليظاً يُكلف بعمل بعيد عن التعامل مع الناس ومخالطتهم ، ومن عُرف بعلمه وحكمته و لينه يوجه إلى الملأ من الأمراء و الوجهاء وعلية القوم ، و من عُرف بقوة الإقناع يوجه إلى أصحاب الجدل ، ومن كان ماهراً في الأعمال الإدارية يكلف بالإدارة ، فكل على ثغر ، وهكذا فقد كان النبي  يراعي هذه الفوارق و القدرات و التخصصات ، من ذلك قوله  : " أرأف أمتي بأمتي أبو بكر ، و أشدهم في دين الله عمر ، و أصدقهم حياء عثمان ، و أقضاهم علي ، و أفرضهم زيد بن ثابت ، و أقرؤهم أُبي ، و أعلمهم بالحلال و الحرام معاذ بن جبل ، ألا و إن لكل أمة أمينا و أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " ( ) .

الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و الصلاة و السلام على أفضل خلق الله ، و بعد :
فقد أنعم الله علي بإتمام هذا البحث فله تمام الشكر و أكمله ، وأسأله أن ينفع به ، و يعظم الأجر و المثوبة لكاتبه و قارئه ومن استفاد منه . و لا أدعي فيه الكمال ، ولكني بذلت فيه جهدي و فكري مع اعترافي بالتقصير و النقص البشري ، فما كان فيه من صواب فذلك فضل الله و توفيقه ، و ما كان فيه من نقص أو تقصير فهو مني و أسأله العفو و الغفران . و في ختامه ألخص أهم نتائجه و توصياته في الآتي :
1 ـ أن الحاجة إلى إتقان الدعوة إلى الله تعالى ضرورة دعوية يحتاج إليها الدعاة بصفة خاصة و العمل الدعوي بعامة ، كون الإتقان صمام أمان سلامة العمل الدعوي بأكمله من كيد الكائدين و دعاوى المناوئين و المنافقين و الكافرين .
2 ـ أنه بإتقان العمل الدعوي تتحقق الموافقة الصحيحة للمنهج النبوي في الدعوة إلى الله ، وتبعاً له تضيق دائرة الاختلاف و تتسع دائرة الاتفاق والاجتماع و الائتلاف ، وتلك غاية دعا الله إليها كما في قوله تعالى : ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ ( ).
3 ـ أن أعظم مقاصد دين الإسلام حفظ الدين ، و قرر علماء الأمة أن أول الضروريات و أهمها حفظ الدين ، فالأمة بأسرها مأمورة بالمشاركة في حفظ الدين و سد كل ثغرة يؤتى الدين من قبلها ، و إن إتقان العمل الدعوي من أهم أسباب حفظ الدين ، و من هنا تزداد و تعظم أهميته .
4 ـ أن التطور التقني و التكنولوجي المعاصر يُحتِّم على القائمين على العمل الدعوي من الرسميين و المحتسبين إعداد الدعاة إعداداً علمياً و عملياً يمتطي صهوة هذه الوسائل التقنية ويقدم الإسلام من خلالها بصورته الناصعة الصافية .
5 ـ أن حاجة الداعية إلى الإعداد العلمي النظري تتساوى مع حاجته إلى الإعداد العملي على حد سواء ، لأن الجانب العملي يمثل التطبيق الحقيقي للدعوة إلى الله ، وبيان لمحاسن الإسلام و أخلاقه و تعاملاته مع الناس .
6 ـ أنه يجب على القائمين على العمل الدعوي استمرارية التطوير و التدريب و تقويم الأداء بما يلبي حاجات الدعوة إلى الله و يرقى بمستواها تمشياً مع حاجات العصر و متطلباته المستمرة و المتجددة .
وفي الختام أسأل الله الذي خلقنا من العدم ، و أسبغ علينا وافر النعم ، و علمنا ما لم نكن نعلم ، أن ينفعنا بما جاد به الفكر و سطره القلم ، و يغفر لنا ما زل به الفهم أو حاد به القلم ، إنه و لي ذلك و القادر عليه .
و صلى الله وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه و سلم .

قائمة أهم المراجع
1ـ إعلام الموقعين عن رب العالمين ، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي ابن القيم ، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد ، دار الجيل ، بيروت ، 1973 م ، بدون ذكر رقم الطبعة .
2ـ إكمال إكمال المعلم للإمام محمد بن خليفة الأبي ، مع شرحه المسمى مكمل إكمال الإكمال ، للإمام محمد بن محمد بن يوسف السنوسي الحسني ، صححه محمد سالم هاشم ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، ط 1 ، 1415 هـ .
3ـ الأحكام السلطانية ، لأبي الحسن علي بن محمد الماوردي ، صححه السيد محمد بدر الدين الحلبي ، ط 1 ، 1327 هـ .
4 ـ التحرير والتنوير ، الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ، دار سحنون للنشر والتوزيع ، تونس ، 1997 م .
5 ـ التدريب و أهميته في العمل الإسلامي ، د / محمد موسى الشريف ، دار الأندلس الخضراء ، جدة ، ط 4 ، 1424 هـ .
6 ـ التعريفات ، تأليف: علي بن محمد بن علي الجرجاني ، تحقيق: إبراهيم الأبياري ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط 1 ، 1405هـ .
7 ـ التفسير القيم ، للإمام ابن القيم ، تحقيق محمد حامد الفقي ، دار السنة المحمدية للطباعة ، القاهرة ، مصر الجديدة ، بدون ذكر رقم الطبعة و لا التاريخ .
8 ـ التفسير الموضوعي للقرآن ، د : أحمد الشرقاوي ، نشر مجموعة الكتاب و السنة بكلية الشريعة و الدراسات الإسلامية بجامعة الشارقة .
9 ـ التوقيف على مهمات التعاريف، تأليف: محمد عبد الرؤوف المناوي ، تحقيق: د/ محمد رضوان الداية ، دار الفكر ، بيروت ، ودار الفكر المعاصر , دمشق ، ط 1 ، 1410هـ .
10 ـ الجامع الصحيح المختصر، المسمى صحيح البخاري ، تأليف: محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا ،دار ابن كثير , بيروت ، ط 3 ، 1407هـ .
11 ـ الحوار آدابه و منطلقاته ، محمد شمس الدين خوجة ، طبع و نشر مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني ، ط 4 ، 1430 هـ .
12 ـ السجل العلمي لأبحاث ملتقى الدراسات الدعوية الواقع و الأمل ، طبع و نشر الجمعية السعودية للدراسات الدعوية ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، الرياض.
13 ـ العين ، تأليف: الخليل بن أحمد الفراهيدي ، تحقيق: د / مهدي المخزومي و د / إبراهيم السامرائي ، دار ومكتبة الهلال ، بدون ذكر مكان ورقم طبعة و لا تاريخ .
14 ـ الفكر السامي ، محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي ، تحقيق الدكتور / عبد العزيز القاري ، المكتبة العلمية ، المدينة المنورة ، 1397 هـ .
15 ـ القاموس المحيط ، تأليف: محمد بن يعقوب الفيروز آبادي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، بدون ذكر رقم طبعة و لا تاريخ .
16 ـ الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ، أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي ، تحقيق: عبد الرزاق المهدي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، بدون ذكر رقم طبعة و لا تاريخ .
17 ـ المجموعة العلمية ، بكر بن عبد الله أبو زيد ، دار العاصمة ، الرياض ، ط1 ، 1416 هـ .
18 ـ المحكم والمحيط الأعظم ، تأليف: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي، تحقيق: عبد الحميد هنداوي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط 1 ، 2000م .
19 ـ المحكم والمحيط الأعظم ، تأليف: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي، تحقيق: عبد الحميد هنداوي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط 1 ، 2000م .
20 ـ المستدرك على الصحيحين، تأليف: محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري ، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت، ط 1 ، 1411هـ .
21 ـ الموافقات في أصول الفقه ، تأليف: إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي الشاطبي ، تحقيق: عبد الله دراز ، دار المعرفة ، بيروت ، بدون ذكر رقم طبعة و لا تاريخ .
22 ـ النكت على مقدمة ابن الصلاح ، بدر الدين أبي عبد الله محمد بن جمال الدين عبد الله بن بهادر ، تحقيق : د. زين العابدين بن محمد بلا فريج ، أضواء السلف ، الرياض ، ط 1 ، 1419 هـ .
23 ـ تاج العروس من جواهر القاموس ، تأليف: محمد مرتضى الحسيني الزبيدي ، تحقيق: مجموعة من المحققين ، دار الهداية ، بدون ذكر رقم طبعة و لا تاريخ .
24 ـ تقويم طرق تعليم القرآن الكريم في مراحل التعليم العام والتعليم الجامعي ، د. محمود بن إبراهيم الخطيب . بدون ذكر دار نشر أو رقم طبعة أو تاريخ .
25 ـ تهذيب اللغة ، تأليف: أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري ، تحقيق: محمد عوض مرعب ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط 1 ، 2001م، .
26 ـ جامع الأحاديث ، عبد الرحمن بن أبو بكر جلال الدين السيوطي . بدون معلومات .
27 ـ خطبة الحاجة التي كان رسول الله  يعلمها أصحابه  ، محمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط4 ، 1400 هـ .
28 ـ سنن ابن ماجه، تأليف: محمد بن يزيد أبو عبدالله القزويني ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي ، دار الفكر، بيروت ، بدون ذكر رقم طبعة و لا تاريخ .
29 ـ سنن البيهقي الكبرى ، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي ، تحقيق: محمد عبد القادر عطا ، مكتبة دار الباز ، مكة المكرمة ، 1414 هـ ، بدون ذكر رقم طبعة .
30 ـ سير أعلام النبلاء ، الإمام شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي ، تحقيق شعيب الأرنؤوط ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط 7 ، 1410 هـ .
31 ـ شرح النووي على صحيح مسلم ، الإمام محيي الدين النووي ، تحقيق : خليل مأمون شيحا ، دار المعرفة ، بيروت ، ط 11 ، 1426 هـ .
32 ـ شرح رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين ، محمد بن صالح العثيمين ، نشر مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية على نفقة مؤسسة العنود الخيرية ، طبعة عام 1428 هـ .
33 ـ صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان ، تأليف: محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي ، تحقيق: شعيب الأرنؤوط ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط 2 ، 1414 هـ .
34 ـ صحيح الجامع ، محمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط 2 ، 1406 هـ .
35 ـ صحيح سنن ابن ماجه ، محمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الإسلامي بيروت، لبنان، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج ، ط 1 ، 1407 هـ
36 ـ صحيح سنن أبي داود ، محمد ناصر الدين الألباني ، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ، الرياض ، ط 1 ، 1419 هـ .
37 ـ صحيح سنن الترمذي ، محمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الإسلامي بيروت، لبنان، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج ، ط 1 ، 1408 هـ
38 ـ صحيح سنن النسائي ، محمد ناصر الدين الألباني ، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ، الرياض ، ط 1 ، 1419 هـ .
39 ـ صحيح مسلم ، للإمام مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، دار النشر: دار إحياء الكتب العربية ، توزيع دار الكتب العلمية ، بيروت ، بدون ذكر رقم طبعة.
40 ـ عمدة القاري شرح صحيح البخاري، تأليف: بدر الدين محمود بن أحمد العيني، دار النشر: دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، بدون ذكر رقم طبعة و لا تاريخ .
41 ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري، تأليف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي ، تحقيق: محب الدين الخطيب ، دار المعرفة ، بيروت ، بدون ذكر رقم طبعة و لا تاريخ .
42 ـ فقه النوازل ، دراسة تأصيلية تطبيقية ، د / محمد بن حسين الجيزاني ، دار ابن الجوزي ، الدمام ، ط 1 ، 1426 هـ .
43 ـ فن الإعداد و الإلقاء ، سامي بن خالد الحمود ، بدون ذكر معلومات .
44 ـ لسان العرب ، تأليف: محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري ، دار صادر ، بيروت ، ط 1 ، بدون تاريخ .
45 ـ مجموع الفتاوى ، شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ، طبع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ، المدينة المنورة ، سنة 1416 هـ ، بدون رقم طبعة .
46 ـ مختار الصحاح ، تأليف: محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي ، تحقيق: محمود خاطر ، مكتبة لبنان ناشرون ، بيروت ، طبعة جديدة ، 1415 هـ .
47 ـ معجم مقاييس اللغة ، تأليف: أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون ، دار الجيل ، بيروت ، لبنان ، ط 2 ،1420هـ .
48 ـ مشارق الأنوار على صحاح الآثار ، تأليف: القاضي أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي المالكي ، المكتبة العتيقة ودار التراث ، بدون ذكر مكان و لا رقم ولا تاريخ الطبعة .
49 ـ المفصح المفهم والموضح الملهم بمعاني صحيح مسلم ، أبو عبد الله محمد بن يحي بن هشام الإنصاري ، تحقيق وليد أحمد حسين ، الفاروق الحديثة ، القاهرة ، ط 1 ، 1423 هـ .
50 ـ من جهاد قلم ، عبد الله بن خميس ، مطابع الفرزدق ، الرياض ، بدون رقم طبعة و لا تاريخ .

مراجع أخرى
أولاً : الموسوعات العلمية الألكترونية :
1 ـ موسوعة الحديث الشريف ، الكتب التسعة ، إصدار شركة حرف لتقنية المعلومات ، الإصدار الثاني .
2 ـ موسوعة المكتبة الشاملة .
3 ـ موسوعة المكتبة الإسلامية الكبرى ، إصدار مركز التراث للبرمجيات ، الإصدار الأول ، عمان ، الأردن .
ثانياً : المجلات :
1 ـ مجلة الدراسات الدعوية ، علمية محكمة ، صادرة عن الجمعية السعودية للدراسات الدعوية ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، الرياض ، العدد 1 ، 1429 هـ .
2 ـ مجلة البيان ، تصدر عن المنتدى الإسلامي ، العدد 127 .

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك