التعايش مع الآخر... حقيقة تاريخية وضرورة واقعية

التعايش مع الآخر... حقيقة تاريخية وضرورة واقعية

الدكتورة منى أحمد جلال الدين
________________________________________
خلق الله الإنسان على الأرض ليؤدي الأمانة التي حملها والخلافة التي جُعلت له، والعبادة التي خُلق من أجلها وعمارة الأرض بحضارة الإيمان والتوحيد كما أمره الله سبحانه.

تعبيرات أربعة: العبادة، الأمانة، الخلافة والعمارة، تمثل مهمة واحدة للإنسان في الحياة الدنيا وسيحاسب عليها في الآخرة فإما محسن وإما مسيء.. إما إلى الجنة وإما إلى النار.

ومنذ كان الإنسان على الأرض وهو بين مقبل على العيش مع الآخر وبين مدبر عنه ورافض له..

مقبل على التعايش مع آخر يشبهه.. يريده.. يحبه.. يتجانس معه..

ومدبر عن التعايش مع آخر مختلف عنه.. يرفضه.. لا يحبه.. يخافه.. لا يثق به.. ولا يجد أي ثقافة تجمعه معه..

لهذا نرى المجتمعات تتشكل على هيئة القبيلة التي تجتمع على دستور واحد، ومن يرفضه يخرج من أفراد القبيلة..

وحدود الوطن اليوم هو حدود القبيلة بالأمس الذي كانت ترتضيه لنفسها أو حدود الحي للعائلة الواحدة أو أسوار المدينة التي ارتضى سكانها أن يعيشوا داخلها.

إذن كل من يرتضي بانتمائه لا بد أن يتعايش مع من حوله كائناً من كان على أن يحتكم الجميع إلى حَكَم واحد أو حاكم واحد يعود إلى قانون وضعه وارتضاه الجميع. ولا يحق بالتالي لأي مواطن الاعتداء على الآخر تحت طائلة المساءلة الشفافة.

وإذا كان البعض ينادي بالتعايش في ظل الدولة الواحدة، وإذا كان البعض الآخر ينادي بحوار الشمال والجنوب، وغيرهم من ينادي بحوار الثقافات أو حتى بصراع الحضارات، فإن النظرة الشمولية للإسلام تعدّت كل ذلك وفتحت آفاق التلاقي والتعايش الذي يوحد ولا يفرّق والذي يتجاوز حدود القبيلة والقومية والأممية...

قال تعالى :) يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ( ([1]).

فالخطاب موجه للناس جميعاً ليدلل على أن المدخل لصياغة العلاقة بين هذا التنوع العرقي والقومي والجنسي.. هو التعارف الذي يفتح باب التلاقي والتعايش، فالحركة الكونية حركة انسجام وتناسق، وصورة البشر يجب أن تكون كذلك لتستقر الحياة. فالتعارف والتعايش والتحاور وليس التنافر والتقاتل والصراع، والمطلب الثاني هو الذي يروج له أصحاب القوة والشأن ليبرروا طغيانهم وتدخلهم وتسلطهم وليمحقوا الآخر في أبشع صورة الإباد العرقية والدينية " البوسنة والهرسك في العصر الحديث" و"محاكم التفتيش في العصور السابقة".

فماذا يقول التاريخ في حقيقة التعايش مع الآخر؟

أولاً:

النفس الإنسانية لها حرمة ومكان في الإسلام. يروى أن جنازة مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام لها واقفاً، فقيل له: يا رسول الله إنها جنازة يهودي! فقال: أليست نفساً؟.

ثانياً:

أهل الكتاب لهم احترام خاص في الإسلام ولا سيما إذا كانوا معاهدين أو أهل ذمة.

ثالثاً:

يحق للمسلم الاستعانة بغير المسلم في أمور الدنيا، فقد استأجر رسول الله عبد الله بن أريقط وهو مشرك ليكون دليلاً له في الهجرة. كما استعان بناس من اليهود في حربه. قال العلماء وأنه يجوز أن يستعين المسلمون بغير المسلمين وبخاصة أهل الكتاب في الشؤون الحربية وأن يسْهَم لهم في الغنائم كالمسلمين ([2]).

وهكذا وعلى هذا المبدأ سار المسلمون في علائقهم مع أهل الأديان الأخرى وتعايشوا مع أهل البلاد التي فتحوها.

وخير مثال على ذلك العهد الذي كتبه أبو بكر رضي الله عنه لأهل نجران المسيحيين حيث كتب لهم بأنه " أجارهم بجوار الله وذمة محمد النبي e على أنفسهم وأراضيهم وملتهم وأموالهم وحاشيتهم وعبادتهم وغائبهم وشاهدهم وأساقفتهم ورهبانهم وبيعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير لا يخسرون لا يعسرون ولا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته وفاء لهم بكل ما كتب لهم محمدe" ([3]).

أما دعوتهم ومناقشتهم دينياً فكانت تحت شعار :) وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا ءَامَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ( ([4]).

أما المعاملة فكانت بالعدل والبر وما أجمل وصية عمر بن الخطاب t حين قال في آخر أيامه: "أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً أن يوفي بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم وأن لا يكلفهم فوق طاقتهم" ([5]).

وقد دل تاريخ المسلمين أن الإسلام يسمح: أن يتجاور المسلم مع غيره من أهل الأديان الأخرى وهذا ابن عباس الصحابي الشهير يذبح شاة فيقول لغلامه:" لا تنس جارنا اليهودي ثم كررها حتى قال له الغلام: كم تقول هذا! فقال: إن النبي أوصانا بالجار حتى خشينا أنه سيورثه"([6]).

كما إن الإسلام سمح لغير المسلم أن يقاضي أرفع إنسان مسلم وينتصف منه. وقصة شكوى اليهودي على علي كرم الله وجهه في مجلس عمر بن الخطاب معروفة من الجميع وكذلك قصة القبطي وابن عمرو بن العاص والتي كانت مقولة عمر الشهيرة فيها: " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟".

ورغم الصورة القاتمة عن حقيقة التعايش بين المختلفين عرقياً أو دينياً وما شابه، إلا أن الحركة التاريخية برمتها عانت من قضية التعايش التي كانت تنجح حيناً وتفشل أحياناً في صور مختلفة. فمنذ الإغريق والرومان كان التمييز على أساس العرق واللون والطبقة، واستمر ذلك إلى عصور متقدمة شهدت صراعات طبقية وقومية هائلة أفرزت حروباً عالمية وانقلابات ثورية "الثورة الشيوعية".

والتعايش منذ القدم كان موجوداً بين الطبقات بين مستغِلّ ومستغَل، فكانت طبقة الأرقام تبني اقتصاديات البلاد بينما تجني طبقة الملاك الثمار. هذا التعايش القهري بين السادة والعبيد حكم المجتمعات العالمية لفترات طويلة من الزمن.

وفيما يخص منطقتنا العربية ورغم الواقع الصعب الذي تعيشه في هذه المرحلة الحرجة، إلا أنها حفلت بصيغ تعايش كانت نافرة عن كل ما عداها، وهذا ما سجله المؤرخون في مؤلفاتهم وما أثبتته الوقائع.

فبالإضافة إلى ما أطلقه رسول الله e " من أنه لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود.. إلا بالتقوى". حيث حطم أشكال التمييز العنصري القومي والعرقي.. جاءت الآيات القرآنية لتعطي للإنسان قيمة خاصة به كإنسان مجردة عن أي ارتباط. قال تعالى : )وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا( ([7]).

هذه المعاني والنصوص التي تشكل جزءاً من ايديولوجية المسلم، تجسدت في واقع الدولة الإسلامية حيث برز غير المسلمين في مواقع هامة في هيكلية الدولة، وبذلك تعدّت درجة التعايش إلى درجة التوحّد والحياة الطبيعية. حتى أنه ولكثرة إسناد الوظائف العامة إلى غير المسلمين في الدولة الإسلامية قال آدم متز أحد مؤرخي الغرب:" من الأمور التي نُعجب بها كثرة عدد العمال والمتصرفين غير المسلمين في الدولة الإسلامية"([8]).

فالحقائق التاريخية تشير على سبيل المثال وليس الحصر أنه :" لما فتح المسلمون مصر أبقوا العمال البيزنطيين، وكان من هؤلاء شخص يدعى ميناس، كان هرقل قد ولاه أعمال المنطقة الشمالية من مصر، ومن الأشخاص المعروفين "أثناسيوس" الذي شغل بعض مناصب الحكومة في مصر زمن الأمويين حتى بلغ مرتبة الرئاسة في دواوين الإسكندرية. وكان لمعاوية بن أبي سفيان كاتب نصراني اسمه سرجون. وقد تولى الوزارة في زمن العباسيين بعض النصارى أكثر من مرة، منهم نصر بن هارون وعيسى بن نسطورس.. واستمر الحال على ما هو عليه إبان الدولة العثمانية حيث كانت تُسند الوظائف المختلفة إلى غير المسلمين وقد جعلت أكثر سفرائها ووكلائها في بلاد الأجانب من النصارى"([9]).

وكان مما يعمق مفهوم الحياة المشتركة والتعايش الفعلي هو الإحساس بالحرية والحماية وإبعاد كل أشكال الخوف والصراع والتحقير. ففضلاً عن نظرة الإسلام العامة لتكريم بني البشر، إلا أنه تم تخصيص غير المسلمين في الدولة الإسلامية بالرعاية والحماية والحقوق كي يعيشوا حياة حرة هنيئة فقد روي عن رسول الله e "من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه" ([10]). وفي حديث آخر :" من آذى ذمياً فأن خصمه ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة"([11]). وحديث رسول الله تشريع سار عليه المسلمون، إنما صور التقاتل والتنافر إنما هي ثقافة غريبة وخارجة عن روح ومفهوم وتاريخ الإسلام، ولم تظهر تلك الصور البشعة إلا بعد انهيار الدولة الإسلامية، ودخول ثقافات غريبة وقوى استعمارية عديدة من سياساتها وأدواتها التحريض العرقي والديني والقومي.. من أجل إثارة الفتن وإضعاف المنطقة واستساغة السيطرة عليها ونهب ثرواتها وتحطيم مكوناتها. وما نشهده في العصر الحديث لا يخرج عن هذا الإطار.

فالتعايش في ظل الدولة الإسلامية هو التعايش الكريم الحر غير المهيمن لأن الحرية مضمونة للفرد في اختياراته ومعتقداته، قال تعالى : ) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ( ([12])) لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ( ([13]). وهذه الحرية هي التي تفسر لنا الفسيفساء الرائعة للوجود المتنوع في ظل الدولة الإسلامية التي جمعت إلى المسلمين المسيحيين واليهود والصابئة والوثنيين. وبقي الجميع يمارس حياته واستمرت معيشته ولم يتعرض لما يشهده العصر الحديث لاضطهاد أو لإبادة كما حصل في الأندلس التي نقل الغرب منها علوم المسلمين ثم جعلوها مقبرة للمسلمين في أبشع حملات الإبادة.

التعايش مع الآخر أصبح ضرورة واقعية

لقد نالت البشرية مبدءاً أخلاقياً ما كانت لتعرفه قبل الإسلام وهو من أعظم المبادئ الإنسانية والدولية، ألا وهو التسامح مع المخالفين في الدين.

من هنا لم تعرف الأمم فاتحين متسامحين مثل العرب. كيف لا وهو الذي يعتبر أن البشر جميعاً عبيد لرب واحد وأبناء لأب واحد، فلا فرق بين جنس ولون ولغة ونسب وأرض وطبقة. ووقف علماء النفس على أسرار النفس الإنسانية وكيف أنها تختلف في الحكم على الأشياء حديثاً في حين أن الإسلام توصل إلى نزع الأحقاد الدينية من عقول متبعيه. فصرح القرآن بأن اختلاف الناس في معتقداتهم من سنن الله في خلقه حيث قال تعالى: ) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ( ([14])، كما خاطب رسوله الكريم بقوله: ) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ( ([15])، فكم من مذابح وحشية سودت وجه التاريخ. وما من شك في أن زعماء الأديان والسياسة هم من وراء هذه المذابح. ولم تعرف الأمم الغربية الدعوة لحرية المعتقد سوى في القرن الثامن عشر مع بدايات الثورة الفرنسية. في حين أقر هذه الحرية الدينية الإسلام منذ ما يزيد على أربعة عشر قرناً، حين نادى ) لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ( ([16])،)وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ( ([17]).

إن العالم اليوم بما يمتلكه من وسائل قتالية متطورة أصبح يهدد البشرية بالإبادة، وأن الاختلاف العرقي والقومي والديني لا بد حاصل في شتى بقاع الأرض، فالتعايش إذاً أصبح ضرورة واقعية لحفظ كرامة الإنسان وقيمته ولا بد من إحياء هذا التوجه لأن فيه مصلحة عامة تحفظ الجنس والنسل والممتلكات. ولقد وعت العديد من الأمم والشعوب والدول هذه المصلحة فاتجهت إلى الكيانات الكبيرة في سبيل التوحد والتكامل لتحقيق المزيد من الفائدة والخيرات، وهذا مدخل عظيم للتعايش إذا ما تم احترام إرادة الجميع دون فرض سياسات وهيمنة تحاول أن تطبع العالم بطابعها دون احترام للخصوصيات.

خاتمـــــة

لا بد أن يبدأ التعايش بالحوار والإسلام هو دين حوار يقول تعالى: )ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ( ([18])،)وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا ءَامَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ( ([19])، على أن يكون للحوار أصول وشروط أهمها: ضمانة حرية الكلمة والانفتاح على الآخر وعدم إضمار الشر والفرص المتكافئة وتعزيز الوسائل المتاحة.

والحوار الجيد هو الحوار الهادف وليس المقصود منه تمييع الخصوصيات وإضعاف التعلق بالدين. ولكي يتسنى للمسلمين أن يمارسوا هذا الحوار يجب إعطاؤهم الفرصة بإبعاد كل أشكال الضغوطات عنهم والتي لا تتناسب مع منطق الحوار، فلا يعقل مثلاً أن يكون المسلمون مضطهدين كما في فلسطين والعراق ومحاورين في آن.

إن التعايش يبدأ من الاعتراف بالآخرين والعمل على قبولهم كما هم، ولا يمنع ذلك من الحوار الدائم المستمر المتبادل، فرسول الله e حاور سائر الأمم بملوكها وبعمومها وحدد لنا إطار هذا الحوار بالتي هي أحسن وبالحكمة والموعظة الحسنة.

هذه الروحية تبعث على التعايش الإيجابي التي ينشدها الجميع وبدونها سيكون شكل العالم مختلفاً، هذا إذا تبقى للعالم من شيء يختلفون عليه.

فالحوار وتقبل الآخر سمة من سمات الحضارة الإسلامية وعلى الخطاب الإسلامي الجديد إعادة إحيائها. وتلك السمة ساعدت على دخول الأمم والشعوب في الإسلام وقد بقيت على عهدها رغم ما تعرضت له لاحقاً من قهر وجور. وبالمقابل حافظ الإسلام على سائر الأقليات الدينية والعرقية في الدول العربية والإسلامية. وهذا دليل عملي على تقبل الآخر والحفاظ على خصوصياته ضمن احترام متبادل.

هذا الخطاب ساد مع الراغبين في حياة إنسانية، أما الذين ظلموا منهم وعادوا فكان لهم شأن آخر )وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا ءَامَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ( ([20]).

إن في تاريخنا الإسلامي الشاهد الأكبر على التعددية رغم أن الإسلام كان المرجعية الكبرى لأهم القضايا، ولكن قوة الكلمة ورقة الخطاب كانا الفيصل في العديد من المنازعات حيث كان يجد غير المسلم في ظل هذا الخطاب المتوازن ما يريح صدره ويضمن إستمراريته وحريته.

تبقى الإشارة إلى أن معظم مؤتمرات الحوار بين الأديان والحضارات ومضامينها تظل أسيرة جدران قاعاتها ولا تأخذ مداها في الانتشار، بينما تُغرق الناس صراعاتُهم السياسيةُ التي غالباً ما تأخذ طابعاً دينياً، مما يؤثر سلباً على الحوار الممكن بين أتباع العقائد المختلفة.

[1]- القرآن الكريم، سورة الحجرات، الآية 13

[2] - القرضاوي، الحلال والحرام، ص304-312.

[3] - أبي يوسف، الخراج، ص 79.

[4]- القرآن الكريم، سورة العنكبوت، الآية 46.

[5] - يحيى بن آدم، الخراج، ص74.

[6] - الكاساني، البدائع، جـ5، ص281.

[7] - القرآن الكريم، سورة الإسراء، الآية 70

[8] - مصطفى الرافعي، الإسلام انطلاق لا جمود، دار ومكتبة الحياة، 1959م، ص16.

[9] - عبد الكريم زيدان، أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1982، ص 81-82.

[10] - رواه أبو داوود.

[11] - حديث حسن.

[12] - القرآن الكريم، سورة الكافرون، الآية 6.

[13] - القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 256.

[14] - القرآن الكريم، سورة هود، الآيتين 118- 119.

[15] - القرآن الكريم، سورة يوسف، الآية 103.

[16] - القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية 256.

[17] - القرآن الكريم، سورة يونس، الآية 99.

[18] - القرآن الكريم، سورة النمل، الآية 125

[19] - القرآن الكريم، سورة العنكبوت، الآية 46

[20] - القرآن الكريم، سورة العنكبوت، الآية 46

المصدر: http://www.islam.gov.kw/site/books_lib/open.php?cat=8&book=105
المصدر:
http://www.atida.org/makal.php?id=100

الأكثر مشاركة في الفيس بوك