الحرية المنضبطة داخل الأسرة تمنح الأبناء شعورا بالسعادة
ربى الرياحي
قد تكون الحرية داخل الأسرة معادلة صعبة تحتاج إلى أطراف متفاهمة لديها من الوعي الشيء الكافي الذي بإمكانه أن يضمن لها حقها في التعبير عما تريد بعيدا عن التسلط الذي يفضل أغلب الآباء ممارسته؛ ربما لأنهم تربوا بهذه الطريقة أو لأنهم يعتقدون أن استخدامهم لهذا الأسلوب سيمكنهم من إثبات ذاتهم وفرض هيبتهم التي ستعينهم على قيادة السفينة في المسار الصحيح، متجاهلين التغيير الكبير الذي ستحدثه الحرية في شخصية أبنائهم وخاصة إذا كانت هذه الحرية واعية منضبطة تهدف إلى غرس روح المسؤولية لدى الشباب الذين يحاولون أن يصنعوا لأنفسهم كيانا مستقلا يأبى القهر والسيطرة.
لكن رغم ذلك إلا أن الكثير من الآباء يصرون على تحويل بيوتهم إلى ثكنة عسكرية تخضع للأوامر والقوانين الصارمة التي يصعب اختراقها
لجوء الآباء لهذا النوع من الأساليب سيدفع الأبناء للتصرف بعدائية مع من حولهم كونهم يتعرضون للقمع من قبل أناس يعتبرونهم قدوة لهم ويشغلون حيزا كبيرا في حياتهم فأحلامهم التي هي ملك لهم لم تعد كذلك والسبب هو أن هؤلاء الآباء الذين ينظرون إلى أبنائهم على أنهم حجر شطرنج يستطيعون تحريكه كما يشاؤون سمحوا لأنفسهم أن يصادروها بدون تفكير؛ فهي في نظرهم لا تستحق ربما لأنها لم ترضِ أهواءهم فكان مصيرها أن تندثر رغما عنهم.
لهذا السبب قد يشعر الأبناء أن حياتهم عبارة عن قيود يستحيل كسرها وأنهم مطالبون فقط بتنفيذ الأوامر التي يتلقونها بدون اعتراض حتى لو كانت تلك الأوامر بعيدة كل البعد عما يريدونه وكأنهم خلقوا ليكونوا منقادين ليس لهم حق في تقرير مصيرهم كل ما يملكوه هو الخضوع والاستسلام لتلك الأحكام الجبرية التي تفرض عليهم بقصد الحرص الزائد من قبل آباء قرروا أن ينظروا إلى مستقبل أبنائهم بعيونهم هم متجاهلين تماما أن هؤلاء الأبناء كيان مستقل بذاته من حقه أن يجرب بنفسه حتى وإن لم يكتب له النجاح يكفيه أن ينال شرف المحاولة.
انتباه الآباء لهذه النقطة المهمة سيسهم بشكل كبير في منح الأبناء مساحة من الحرية للتعبير عن أنفسهم وعن مواقف كثيرة قد تحدث داخل الأسرة تحتاج لرأي مشترك أساسه التعقل والتعاون والبعد كليا عن الأنانية التي دائما ما تدمر علاقاتنا الأسرية وتغرقها في مشاكل مستعصية ليس لها سبب سوى تعنتنا الشديد بمصالحنا الشخصية وعدم احترامنا لاحتياجات ورغبات الأطراف الأخرى كل ما نريد هو تحقيق أهدافنا حتى لو كان ذلك على حساب سعادة أشخاص يعنون لنا الكثير وجمعتنا بهم رابطة الدم فكانوا هم الأهم في حياتنا.
لذلك لا بد من فتح باب الحوار على مصراعيه بين الآباء وأبنائهم لمناقشة الأمور بعقلانية وهدوء متجنبين أسلوب الأمر القائم على القهر والقمع والذي غالبا ما يحول النقاش إلى مشاحنات لا جدوى منها تسعى وبشتى الطرق إلى إغلاق باب الحوار ومن ثم إعلان حالة التمرد كرد فعل مناسب على تلك السياسة المجحفة التي تحاول قتل أحلامنا بحجة الخوف على مصلحتنا صحيح قد يكون هذا السبب لكننا بحاجة إلى أن نخوض التجارب على أرض الواقع لنتحرر من الخوف الذي يلازمنا باستمرار كنتيجة طبيعية لتلك الحياة التي نعيشها والتي كثيرا ما تمنعنا من كسب خبرات لها الدور الأكبر في إنجاحنا وصقل شخصيتنا.
لا أحد منا يختلف على حب الآباء لأبنائهم ومدى حرصهم على متابعتهم لكنهم أحيانا قد يضيقون الخناق على الخيارات المطروحة أمامهم محاولين رفضها كليا بدون أن يكون لديهم مبرر مقنع مع الإصرار على إيجاد بدائل أخرى قادرة على استعادة أحلامهم المفقودة التي يريدون تحقيقها عن طريق أبنائهم فتغيب عن أذهانهم نقطة مهمة وهي أن لأبنائهم أحلاما ورغبات قد لا تشبه أبدا تلك الأحلام والرغبات التي قبلوا أن يتخلوا عنها يوما ما فقط لأنهم لم يستطيعوا المواجهة فكان الاستسلام هو الحل الوحيد الذي بإمكانه أن ينقذهم من تهمة الجحود وعدم الاحترام لآباء أفنوا حياتهم في سبيل إسعاد أبنائهم.
اقتناع الآباء بأن لأبنائهم الحق في تحديد مسار حياتهم سيساعدهم حتما على تقليص الفجوة التي غالبا ما تحدث بينهم وبين أبنائهم بسبب نظرتهم القائمة على أن من واجبهم التدخل وفرض الرأي حتى لا تخرج الأمور من سيطرتهم، الأمر الذي سيجعل الأبناء يشعرون بأنهم مكبلون وعاجزون عن صنع أهدافهم، لذلك لا بد للآباء من فهم أبنائهم جيدا حتى لا يكونوا السبب في هدم مستقبلهم وإضاعة أحلامهم التي هي مصدر سعادتهم ولن يتحقق ذلك إلا إذا منحوا الأبناء مساحة كافية من الحرية الواعية التي تهدف إلى تعزيز ثقتهم بأنفسهم وإشعارهم بالرضا عن كل ما يتخذونه من قرارات قد تكون صائبة وقد تكون خاطئة لكنها بالطبع ستزودهم بالخبرة والمعرفة