معاناة خرساء: هل تدفع الحيوانات فاتورة حروب البشر؟

أيمن محمود

 

عادةً ما نتعامل مع الصيد باعتباره السبب الأهم في ظاهرة انقراض الحيوانات. لكن الحقيقة أن الإنسان يملك يدًا أخرى ربما تكون أكثر تأثيرًا وقوة من الصيد بمختلف أنواعه، فالحرب والاضطرابات السياسية من أهم أسباب الانقراض في عصرنا الحديث.

الحرب وانقراض الأنواع

تناولت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير لها معاناة الحيوانات في الحروب، التي ظهرت في أوضح صورها عام 1996 في متنزه «غارامبا» الوطني في الكونغو الديمقراطية، الذي كان آخر البقاع التي تأوي إليها 31 رأسًا مما تبقى من أفراد وحيد القرن الأبيض الشمالي.

بعد ثلاثة أشهر من اشتعال فتيل المعارك، لم يتبقَّ في المتنزه سوى نصف عدد الأفيال، واختفى ثلثا رؤوس الجاموس، وثلاثة أرباع أفراس النهر. ورغم جهود النشطاء البيئيين، استمرت عمليات الصيد الجائر لوحيد القرن الأبيض حتى لم يبقَ منه سوى ثلاثة رؤوس فقط.

كثير من الدراسات التي أجريت في هذا الصدد اتفقت على أن الحروب تؤثر في أعداد الحيوانات، بل إنها تشكل تهديدًا لأنواع بأسرها في بعض الأحيان.

في المقابل، أجرى باحثون دراسة حول تأثير الحرب في الحيوانات الإفريقية، وهي أول دراسة تستمر لعقود، وكانت نتائجها مشجعة مقارنةً بنتائج الدراسات السابقة، إذ كشفت أن النزاعات المسلحة من أكثر العوامل تأثيرًا في انخفاض أعداد الحيوانات، لكنها نادرًا ما تؤدي إلى انقراضها، أما وحيد القرن الأبيض الشمالي فهو استثناء القاعدة.

اقرأ أيضًا: «جين غودال»: تجوب العالم من أجل الحيوانات رغم تجاوز الثمانين

الحرب خطيرة، لكن هناك حلًّا

تنخفض أعداد الأنواع الحية خلال الحروب نتيجة صيد الحيوانات لإطعام المسلحين واللاجئين والسكان.

يقول القائم على الدراسة «روبرت برينغل»، عالم البيئة في جامعة برينستون الأمريكية، إن الحرب نادرًا ما تؤدي إلى انقراض نوع بعينه، فقد «تبيَّن لنا أن الحرب سيئة، لكنها ليست بالسوء الذي نظنه، إلا أن ذلك يتوقف فقط على جهود الإصلاح في فترة ما بعد الحرب».

ينقل مقال نيويورك تايمز عن برينغل قوله إن هناك فرضيتين لتأثير الحرب:

  1. أنها مدمرة لكل شيء بما في ذلك البيئة
  2. أن أي شيء يؤدي إلى إجلاء الناس من منطقة ما، هو في واقع الأمر مفيد للحياة البرية 
  3. استند برينغل في فرضيته إلى أن المنطقة منزوعة السلاح بين كوريا الشمالية وجارتها الجنوبية وفرت فترة هدنة لعمليات صيد أنواع نادرة، مثل طائر الكركي الياباني والدب الأسود الآسيوي.

شدرس الباحثون مسارات تنقُّل الحيوانات في مختلف الأوقات وقارنوها بأوقات الحروب، وأعدوا قائمة نهائية احتوت على مجموعة من 253 حيوانًا تنتمي إلى 36 نوعًا من الثدييات العاشبة، منها أفيال وزرافات وحُمُر وحشية وغيرها، تعيش في 126 منطقة محمية في إفريقيا.

الدكتور «داسكين»، المشارك في الدراسة، يقول إنهم وجدوا أن النزاعات المسلحة التي أدت إلى خفض أنواع الحيوانات تحدث مرة فقط كل فترة تتراوح بين 20 إلى 50 عامًا، وحتى تلك النزاعات التي يصنفها البشر بأنها محدودة، أدت أيضًا إلى تناقص أعداد الحيوانات البرية.

للحرب تأثير إيجابي

رأى الباحثون أن تكرار اندلاع النزاعات المسلحة أكثر العوامل المؤثرة في مصير الحياة البرية، وذلك من ضمن 10 عوامل، منها الجفاف، وأعداد البشر المقيمين بالقرب من المحمية، ونسبة ما تعانيه الدولة من الفساد.

كلما زادت النزاعات تعاظم تأثيرها على البيئة، وهذا ما يؤكده الباحث «كايتلين غاينور» من جامعة كاليفورنيا، الذي يرى أن الحروب محرك رئيسي لانخفاض أعداد الحيوانات البرية في مختلف أنحاء إفريقيا.

تنخفض أعداد الأنواع الحية خلال الحروب نتيجة عدة عوامل، منها صيد الحيوانات للاستفادة من لحومها لإطعام المسلحين واللاجئين والسكان، واستخدام العاج لشراء الأسلحة والعتاد اللازم للحروب. وما يزيد الأمر سوءًا هو انسحاب المنظمات المدافعة عن الحيوان مع بدء تبادل إطلاق النار، وهذا ما حدث في متنزه «غارامبا»، عندما غابت الدوريات الأمنية البيئية.

يرى داسكين أنه يمكن النظر إلى الحروب من ناحية أخرى باعتبارها عامل حفاظ على الحيوانات والحياة البرية بشكل عام، حتى مع غياب المدافعين عن البيئة. فالحيوانات نادرًا ما تظهر في مناطق النزاع، ما يعني صعوبة صيدها، فضلًا عن أن مناطق النزاعات تشهد قلة أعداد السكان، مما قد يكون أيضًا في صالح حماية الحيوانات البرية.

إذًا، فالصراع المسلح، حتى إن كان ضارًّا بالحياة البرية في بعض النواحي، فإنه نادرًا ما يؤدي إلى انقراض الحيوانات، وهذه خلاصة الدراسة.

لكن الدراسة أكدت في الوقت ذاته أن التدخل السريع في فترة ما بعد الحرب يلعب دورًا حيويًّا في إنقاذ ما تبقى من الأنواع، ففي فترة الثمانينيات، أنقذت جهود المحافظة على البيئة وحيد القرن الأبيض الشمالي والأفيال خلال ثماني سنوات فقط بعد أحد النزاعات المسلحة.

قد يهمك أيضًا: تماسيح بحيرة ناصر: تجارة مُجرمة تدر ثروة على الصيادين

من الانهيار إلى صناعة عجائب الطبيعة

بفضل جهود إعادة الإعمار، صار متنزه «غورونغوزا» أعظم قصة إصلاح للحياة البرية في إفريقيا.

بعد 15 عامًا من الحرب الأهلية المدمرة في موزمبيق، اختفى ما يقرب من 90% من أعداد الحيوانات في متنزه «غورونغوزا»، فعلى سبيل المثال انخفض عدد الأفيال من ألفين إلى 200، والتيتل الإفريقي والحمار الوحشي إلى ما دون الـ50 بعد أن كانت أعدادهم تقدر بالآلاف. وباختفاء الحيوانات آكلة العشب زاد انتشار الأشجار، وكادت الحيوانات المفترسة تختفي من المشهد.

بعد إعلان الهدنة، تعاقدت الحكومة الموزمبيقية مع مؤسسة «كار» لاستعادة حالة المتنزه الأصلية، وتدريب المسلحين الذين خاضوا الحرب الأهلية على الإسهام في تقليل الصيد الجائر والعناية بالحيوانات، أما من كانوا يقيمون حول المتنزه، فقد تلقوا المساعدة لتنظيم نشاط زراعي، وكذلك التعليم والرعاية الصحية، وحصل مئات منهم على فرص عمل داخل المتنزه.

بفضل جهود إعادة الإعمار بعد الحرب، صار «غورونغوزا» الآن أعظم قصة إصلاح للحياة البرية في إفريقيا، إذ يمتلك أكثر من 500 فيل و60 أسدًا، وعشرات الآلاف من الظباء.

من الممكن تدارك الضرر اللاحق بالنظام البيئي وإنقاذه من مرحلة الانهيار، وهذا هو المهم: مزيد من التركيز والاهتمام بالحياة البيئية. من المستحيل إيقاف الحروب، لكننا يجب أن نضع في اعتبارنا البيئة وإعادة إعمارها بمجرد انتهاء النزاعات.

المصدر: https://manshoor.com/world/animals-suffering-war/

الأكثر مشاركة في الفيس بوك