الارتجال الموسيقي عند العرب

د. وسام جبران

 

(1)

في التّأليف الموسيقيّ، كأنّنا أمام صراعٍ سرمديّ بين إرادتين: إرادة مُعايشة “الصّوت” داخل الفعل الموسيقيّ الصَّرف، وإرادة التّدوين أو تحويل هذه “المُعايَشة” إلى نصٍّ موسيقيّ مكتوب.

المفارقة الأولى تنبع من الفارق التّراجيديّ بين “إرادة التّدوين” وبين محدوديّة الإمكانيّات الواقعيّة لفعل التّدوين؛ هذا الفارق النّاتج عن شعور الموسيقيّ بأنّ التّدوين لا يستطيع أن يعبّر عن حقيقة مُعايشته الحقيقيّة المحسوسة للفعل الموسيقيّ في لحظةٍ بعيْنها، ولا يُشبع رغبة الصّوت اللاّنهائيّة لإحاطة الصّمت بوصفه كُلًّا وحقيقةً واحدة لا يجوز مطّها في الزّمن الجافّ وتأمّلاته لذاته الموضوعيّة؛ النصّ المدوّن هو النصُّ المدوَّن، والفكرة الموسيقيّة هي الفكرة الموسيقيّة، والتّماهي الكلّي بين الشّيئين غير ممكن إلاّ ممسوخًا أو مُؤوّلًا عبر آداء العازفين وتلقّي المُستمعين.

يلخّص هيجل تراجيديا الفلسفة في فينومينولوجيا الرّوح حين يقول بأنّ الكلّ هو وحده الحقيقيّ، لكن، هل “الحقيقة” بمعناها الكلّي المطلق، إن أمكن إحاطتها في عقولنا، هل هي ما يعنينا في بحثٍ علميّ لا يدّعي القدرة على إحاطة “الحقيقة” الكليّة؟ والسّؤال الآخر المُنبثق من هذه الجزئيّة: كيف تنعكس هذه الرّغبة بالإحاطة (الإحاطة بالحقيقة الكليّة) والإمساك بها عبر فعل المُعايشة الموسيقيّة وحسب عند الموسيقيّ العربيّ، إن صحّ الادّعاء، كيف تنعكس على طبيعة وطبع الموسيقى العربيّة؟

ولكن، ربّما يبقى السّؤال الأهمّ في هذا البحث، وفيما يتعلّق بهذا الطّرح، في كيفيّة ملاءمة ومُطابقة هذا النّزوع إلى جوهر الصّمت والقبض على كليّته في لحظة تجلٍّ لا تُقاس بحسابات الزّمن التّقليديّة، مع الحاجة إلى التّفكير به ومقاربته معرفيًّا وذهنيًّا.

ما هي إذن أسباب غياب التّدوين الموسيقيّ في الثّقافة العربيّة؟ وهل يجوز طرح السّؤال بهذا الشّكل، أي انطلاقًا من افتراضٍ يقول ببداهة وجود تدوين موسيقيّ عربيّ؟ هل هذا “الغياب” دلالة على قُصورٍ مّا، أم أنّه نافلٌ عند النّظر إلى الموضوع من داخل طبيعة الموسيقى العربيّة وماهيّتها، ومن خلال تواشجها مع السّلوكيّات الاجتماعيّة، على تنوّعاتها، تحت مظلّة الثّقافة العربيّة الواسعة؟ هل لهذا “الغياب” أسبابٌ محض موسيقيّة وحسب، أم أنّه يعود إلى عوامل خارجة عن الموسيقى نفسها ومرتبطة بسياقاتٍ أوسع، ربّما تكون اجتماعيّة أو سياسة أو دينيّة أو تقنيّة، أو في اجتماع بعضها أو كلّها معًا؟

مهما كانت الأجوبة الّتي قد نتوصّل إليها في بحثنا هذا على الأسئلة الّتي نطرحها، فإنّنا نبقى أمام حقيقة لا شكّ فيها، وربّما هي ما يشكّل أبرز العوائق والصّعوبات أمام هذا البحث، هي حقيقة أنّنا نقف فاغرينَ أمام تاريخ غنائي عربي (وليس موسيقي) غير مدوَّن وغير موثَّق؛ تاريخ غائرٌ في الغياب، لا نعرف عنه سوى بعض المعلومات الوصفيّة بلغة الكلام لا بلغة الموسيقى، ومن قبل أشخاصٍ لا يمكن التّحقّق من صدقيّة وصفهم ومدى مقاربتهم لحقيقة نصٍّ موسيقيّ من المُفترض أن يتقوّل نفسَه بنفسه وحسب.

اليوم، وفي ظلّ هذا الغياب الحالك، لا حيلة لنا سوى أن نحاول استشراف الماضي من خلال الموروث الّذي نفترض أنّه جاء من الهناك البعيد، وأنّه يحمل جينات هذا الغياب ويُشير إليه بصورة أو بأخرى. لكنّ المسافة بين عصور تاريخ الغناء العربيّ وحاضرنا هي أكبر من أن تحفظ صلة قرابة معقولة بين ما كان وما هو الحال عليه الآن، ناهيك عن أنّ الجغرافيا الثّقافيّة والموسيقيّة العربيّة الواسعة قد مرّت بتلاقح وتثاقفٍ مع حضاراتٍ عديدة تكفي لإعادة تشكيل طبائع هذه الموسيقى وتبديل أحوالها وصناعاتها على المستوى التّقني والذّهني والنّفسي بدرجات ودرجات، ممّا يجعل من منهج التّوسّل بالحاضر والقياس عليه لفهم الماضي المتعدّد منهجًا لا يستقيم مع الأمانة العلميّة ومقاربة الحقيقة.

 

تستنطق “الموسيقى العربيّة” صَمتَها الخاصّ خارج أيّ عمليّة تدوينيّة تراكميّة، مُستبدلةً آليّة التّنصيص (أو التّدوين) بآليّة الذّاكرة الفرديّة ضمن علاقتها بالذّاكرة الجمعيّة المُعنى بها. وكأنّ “الموسيقى العربيّة” في غير حاجةٍ إلى “وثيقة” أو “مُدوّنة” تشكّل ذلك “المكان” الّذي يمكن للتجربة الموسيقيّة المُعاشة في لحظة بعينها أن تتأمّل ذاتها من خلاله، وتُعيد تشكيل ذاتها وإنضاجها داخل سيرورة هذه التّأملات غير الخاضعة إلى طبائع الذّاكرة والنّسيان، بل إلى طبائع الكتابة والمحو؛ الذّاكرة الأقوى هي الأقرب إلى المُدوَّنة، وهي الأقدر على الرّجوع إلى ذاتها مرارًا عبر مسافاتٍ زمنيّة تُفسح المجال لصّاحب الذّاكرة أن ينظر إلى نِتاجه من زوايا نظر متعدّدة.

فكيف نفهم إذن العلاقة بين الذّاكرة كبديل عن المُدوَّنة؟ كيف يمكن، من جهة ثانية، فهم الفارق وتداعياته بين الاكتفاء بالذّاكرة وبين اللّجوء إلى التّدوين؟ وبكلماتٍ أخرى، أين تلتقي الآليّتين وأين تفترقان؟ هذا كلّه على مستوى التّجربة الفرديّة، ولكن كيف تؤثّر هذه الفوارق على التّجارب الجمعيّة ومراكمتها عبر الزّمن؟ واشتقاقًا، ما هو معنى “النِّسيان” ودوره في صناعة الموسيقى العربيّة الّتي تنحصر آليًّا في الارتجال وحده؟

لا بدّ هنا من إدراك حقيقة هامّة تكمن في أنّ النّسيان، وهو العدوّ الظّاهري للذّاكرة، هو ليس كذلك في حقيقة فعل الارتجال الموسيقيّ عند العرب، تمامًا كما يشكّل المحو جزءًا بنيويًّا في عمليّة التّدوين، وسوف نُسهب في شرح هذه الفكرة بعد قليل.

من المسائل الهامّة الّتي لا يُمكن إغفالها في بحث كهذا، هو الفرق بين زمن اللّحظة الموسيقيّة الارتجاليّة “الذّاتيّة”، العفويّة، “المُسْتَغْفِلَة” والعابرة، وبين زمن التّدوين بوصفه سيرورة “موضوعيّة” تراكُمِيّة. وفي مقارنة سريعة بين الثّقافات الموسيقيّة الّتي تعتمد على المُؤلَّفِ الموسيقيّ المُدوَّن وبين الثّقافات الموسيقيّة الّتي ترتكز إلى الارتجال الموسيقيّ الّذي لا يُعايش إلاّ لحظة ولادته ذاتها، في مقارنة سريعة كهذه، يبقى الانطباع وكأنّ الموسيقى العربيّة، بوصفها موسيقى الارتجال الفرديّ والاسترسال الذّاتيّ بالدّرجة الأولى والأخيرة، وكأنّها مكتفيّة بذاتها في الـ “هُنا – الآن”، وفي غير حاجةٍ إلى إفصاحٍ مُضافٍ يُبيّن دلالاتها أو يبحث عن مشروعيّة سلوكها الصّوتي خارج هذا الـ “هنا – الآن”.

ما يُستشَفُّ، للوهلة الأولى، في مناجاة موسيقيٍّ عربيّ هو ذلك القلق الطّالع من سفرٍ شاطحٍ داخل صَمته النّفسيّ نحو بحثٍ أنطولوجيّ يقتضيه الحوار الصّوتيّ مع الصّمت؛ إنّه “يبحث” في صمته عن تلك اللّحظة الأنطولوجيّة المنفلتة من الصّوت المقيّد بإكراهات القوانين والقواعد الموسيقيّة المُسبّقة الكامنة في ذهنيّة العازف وسياقها الثّقافي الأعم.

في السّياق التّقليديّ يبدو الموسيقي العربيّ، بوصفه عازفًا مُناجيًا، متماهيًا مع الصّمت من حيث هو خزائن للذّاكرة الموسيقيّة، يستخرج منها ما حفظ وما استساغ، آتيًا من الماضي، منوّعًا على الأنماط والأنساق الموسيقيّة الموروثة والجاهزة، فلا يتقيّد بالقواعد والقوانين والتّركيبات والجُمَل والتّحويلات المقاميّة والزّخرفات والتّلوين، إلاّ لكي يبتعد عن استنساخ الآخرين، والسّقوط في تكرارٍ قد ينتقص من تميُّزه وبراعته، باحثًا في مساراتِ ارتجالاته عن لحظة استخراج الـ “آهات” من حناجر المُستمعين وأفئدتهم؛ هنا تكون الذّروات وصولًا إلى القفلة الأخيرة.

في السّياق غير التّقليدي، يبدو الموسيقي العربيّ، بوصفه عازفًا مرتَجلًا مُوَلّفًا، لا مؤَلّفًا بُنيويًّا ومهندسًا، متماهيًا مع الصّمت من حيث هو “الكلّ” (أو ما سوف نسميه لاحقًا “الوضعيّة الفائقة”). فلا يتقيّد بالقواعد والقوانين والتّركيبات (أو الجُمَل) الموسيقيّة الموروثة والجاهزة إلاّ لكي ينفلت منها جامعًا شتات الاختلاف، مُلَملِمًا منافي سَفره داخل الصّمت “الفائق” الّذي لم يُفْصِح بعد، ولم تُستكشف خزائنه الممكنة عند لحظةٍ بعينها؛ إنّه يأتي من المستقبل، من مكانٍ لُم تطأه أقدام التّجربة التّقليديّة المُعاشة موسيقيًّا، بعيدًا عن سطوة القواعد وقوالبها؛ إنّه يبحث عما يُمكن أن يُفاجئه داخل هذا القلق المُسافر، وكأنّه غير معنيٍّ بالمسار، وغير معنيّ بالمبنى وبالهندسة وبالتّخطيط البنيوي البعيد المدى… إنّه يُسافر في الصّمت بحثًا عن لحظة واحدة، هي كلّ ما يعنيه: لحظة الاختلاف ـ لحظة استنطاقٍ جديدة للصّمت.

إنّ شرط الإبداع والإفصاح الأصيل في لحظة الارتجال الموسيقيّ، بوصفها اللّحظة الّتي يتزامن فيها الفكر مع الفعل، هي لحظة الإصغاء إلى الصّمت، خارج “العقل المُقيّد”، بامتياز. هذا الإصغاء لا يكتفي بفعل الاستقبال، بل هو قذفٌ للنفس إلى دائرةٍ يُمكن فيها للعقل البشريّ أن ينفعل بالصّمت ويستنشق أنفاسَه؛ الموسيقى هنا، صَوتيًّا أو كتابةً، وانفعاليًّا أو تخطيطيًّا، هي سَعيُ الصّوت إلى استنطاق الصّمت حيث لم يُفصح بعد، وحين يفلتُ “اللاّإفصاح” ينقطع الصّوت.

الارتجال: أو الانتشارُ في الزّمن

الارتجال في وجودهِ مُهَدَّدٌ بالزّوال. فهو “وليدُ اللّحظة” وابن الذّاكرة والنّسيان في آنٍ معًا.

هل الارتجال بوصفه فعل خَلْقٍ موسيقيّ موجودٌ حقًّا، أم أنّه سلسلة من الأساليب التّأمليّة الموروثة، ونِتاجٌ لتنويعاتٍ لا نهائيّة وإعادة تأويل تَفرِضُهُ الذّاكرةُ بوصفها الوجه الآخر للنّسيان؟

إذا كانت لحظة الارتجال أو التّوليف اللّحظي (التّوليف لا التّأليف) هي لحظة فكرٍ وتفكُّر، فما هو موقع الذّات وأين تكون في هذا الكوجيتو؟ فإنّ لحظة الارتجال هذه هي استرسالٌ ما يستخلصُ سيرورةً لم تبدأ من الهُنا والآن بالضّرورة، ولا هي انتهاءٌ وجوديّ، بل انفتاحٌ، لا على الماضي السّيروري الّذي تأتي منه، بل انفتاحٌ على سلسلة مستمرّة في المُستقبل الرّاهن داخل فعل الارتجال عينه.

نعم، إنّنا كما لو كنّا في لحظةٍ حاضرةٍ، ماضيها مُستمرٌّ ومُستقبلُها راهنٌ فيها يُوجّهها ويسبق تحقّقها. فأيُّ كوجيتو يصلح هنا لتوصيف الحالة الّتي ندرسُها؟ هل هو الكوجيتو الديكارتيّ أم هو الكوجيتو السّقراطي (اعتن بروحِكَ)، أم الأوغسطينيّ (الإنسانُ داخلي)؟ وهل الذّاتُ هنا تتقاطع مع (الأنا أفكر) الكانطيّة الّتي ينبغي أن تُصاحبَ كلَّ تمثيلاتها، أو “الأنا” الفختيّة التّأمليّة؟ كيف إذن، تكون العلاقة هنا بين ذاتٍ “فاعلة”، حيث الذّات تنتشر في الزّمن (distentio animi)، وبين وجودٍ موسيقي يضع الذّاكرةَ أمام تحدٍّ تأمُّليٍّ لكي تحافظ على تطابقٍ ما مع ذاتها وبُنيَتِها أمام “هجمات” النّسيان في الزّمن المُتواري، فتصير الذّاكرةُ بذلك، لا ضدًّا للنّسيان، بل وجهه الآخر الّذي يستند عليه في مناوراتٍ، هي ما يُحدّد شكلَ الارتجال وناتجه الموسيقي في نهاية المطاف.

هنا، ولكي نُحدّد شكل الذّاكرة، لا بدّ أن ننظر إلى نوعيْن من النّسيان، إن جاز التّعبير، ينحتان في الذّاكرة ويُشكّلان ملامحها: النّسيانُ النّفسيّ، والنّسيانُ البُنيويّ. وحصيلة اشتغال هذين النّوعين من النّسيان في نحت ذاكرة الارتجال الموسيقي، هو ما يُضيء الجانب السّيميولوجيّ الّذي يُنتج “المعاني” أو “الأفكار” الموسيقيّة في نهاية المطاف، ويُشكّك بإبقاء التّفكير في الذّات الفاعلة منحصرًا حول هذه الذّات، وبإبقاء الذّات الفاعلة قائمةً بنفسِها إزاء فعلٍ موسيقيٍّ أصليٍّ سابق، أساسيّ ومؤسّس.

البُعد النّفسي للنّسيان هامّ من حيث فهم مدى تقدّم الفعل الواعي أو تراجعه داخل الفعل الموسيقي الارتجالي (عزفًا آليًّا كان أو غناءً)، فإنّ البُعد النّفسيّ يحملُ النّسيانَ على نقطةٍ محدّدةٍ داخل السّيرورة المُسترسلة دون خطّةٍ مُحكمةٍ مُسبَقَة؛ إنّنا أمام تداعي للذّاكرة يؤثّر فيه النّسيان النّفسيّ عند مُفترقاتٍ لَحظيّة بعيْنِها، لكنّها تؤثّر في البُنيّة العامّة. فإنّ الرّوابط اللّحظيّة أو المفترقات الزّمنيّة هي ما يحدّد سرديّة البُنيان الموسيقي المُتداعي بأكمله. فإلى أيّ مدى تتفوّق الذّاكرة البُنيويّة على النّسيان البُنيوي، وإلى أيّ مدى يختلّ التّوازن بين مِزاجيّة اللّحظة النّفسيّة وبين الذّاكرة الحسّيّة؟ وإلى أيّ مدى يظلّ فعلُ الوعي الموسيقي الرّصديّ لانبعاثاتِ الموسيقى على سطح الممارسة، مُكرّرًا ناسِخًا مُنوّعًا، أو يحفر عميقًا تحت وهج الانبعاثات الظّاهريّة للصّوت، الزّخم (المومنتوم) الموسيقي والعبارات الموسيقيّة المُركّبة؟

عودًا على بدء، وانطلاقًا من تعريفنا للمكوّن الموسيقيّ الأوّل بوصفه صوتًا وصمتًا في آنٍ معًا، فإنّ الأفكار الموسيقيّة الّتي تُفصِحُ عن نفسِها هي ليست، في نهاية المطاف، سوى انهيارٍ للوضعيّة الفائقة (superposition) الّتي تكون عليها مُجمل الأفكار الموسيقيّة الممكنة قبل تحقّقها، ونتيجة هذا الانهيار الحاصل بسبب تدخّل الوعي (الرّصد الفكري الواعي والانتقائي) هو انهيار الوضعيّة الفائقة (حيث جميع الأفكار مُتاحة في مكانٍ وزمانٍ واحدٍ هو “الصّمت” غير المتحقّق بعد) لصالح تحقّق فكرةٍ واحدة ووحيدة من بين مجموع الاحتمالات الممكنة. يكون الإفصاح، التّرابط، البناء، التّشتّت، الشّطح، الانضباط في المواد أو في الزّمن، التّسلسل وغير ذلك من مكوّنات الزّخم الموسيقي، يكون الإفصاحُ عن كلّ هذا بقدر تدخّل الوعي أو تنحّيه، ويكون بحسب الشّكل الّذي يتدخّل أو يتنحى فيه.

“النّسيان” هنا، هو شكل من أشكال “الاعتراض” على أولويّة الوعي في ممارسة هذا النوع من الفنّ الموسيقيّ الارتجاليّ، الّذي لا نعرف غيره من أنواعٍ محض موسيقيّة عربيًّا. وهو اعتراضٌ في لحظاتٍ بعينها لا اعتراضًا كُليًّا، أي إنّه اعتراضٌ مَواضِعِيٌّ يقضي بوجود حقلٍ، مكانٍ برزخيٍّ مّا، أو بالأحرى سلسلة من الأماكن حيث يغفل النّظر عن الإدراك الدّاخليّ للذّات الفاعلة. هذه “الأماكن/ البرازخ، الّتي تتضمّن في طبيعتها وتكوينها ومعناها ما هو “عائقٌ obstacle” أو “حائلٌ دون hindrance ” أو “منفصل separation “، ليست هي ما يُحدّد اللاّوعي، بل ما هو قبل الوعي، أي قبل كلّ ما هو توصيفيّ وظاهراتيّ يتحدّد بوصفه أنساقًا أو مجموعاتٍ من التّمثيلات الّتي تشكّل قوانينها الخاصّة وتدخل في علاقاتٍ متبادلةٍ لا تختزل أي مُكوّنٍ نوعيٍّ ظاهرٍ من مكوّنات الوعي، أو أيّ تعيينٍ للانسياب الموسيقيّ في وجوده اللّحظيّ المُعاش ارتجاليًّا.

من هنا فإنّ بُنيّة الموسيقى الارتجاليّة تبدأ من نقطة تعليقها العامّ لخواص الوعي، ممّا يجعل منها “بُنيّة مُضادّةً” للظاهراتيّة الّتي لا تشترط الهبوط إلى الوعي، بل تخفيض مستوى الوعي، أو تدخّله وتأثيره بوصفه ذلك الرّاصد المسؤول عن انهيار دالّة الوضعيّة الفائقة للاحتمالات الموسيقيّة الممكنة غير المتحقّقة بعد، وهي لا تتحقّق إلّا بانهيار هذه الوضعيّة لصالح تحقّقِ أحد الاحتمالات الممكنة، ما يعني انكفاء بقيّة الاحتمالات بالضّرورة.

هذا التّخلّي المُسبق للوعي البُنيويّ هو ما يجعلنا نتحدّث عن “نِسيانٍ بُنيويّ” مُشتقّ ومُكمّل لحضور الذّاكرة البُنيويّة، ممّا يُحقّق شرطًا لتباين الحقل الواحد، وهذا ما يجعله برزخيًّا بالضّرورة.

من الصّعب بمكان، أن نفصل، في فنّ الارتجال الموسيقي، بين أثر الفكرة أو الزّخم الموسيقيّ (المومنتوم) وبين معقوليّة هذا الزّخم أو الفكرة. إنّ الوعي المُباشر هو ما يمنح لأثر الفكرة الموسيقيّة معقوليّته، وهذا يختلف عن الأثر نفسه في ذاته وعمّا “يُفصح” عنه في وجوده الخالص، خارج الوعي الرصديّ المباشر الّذي يؤثّر فيه ولا يتركه على حاله في وضعيّته الفائقة. لكن، إلى أيّ مدى تكون هذه المعقوليّة مُتاحةً للوعي الّذي تفصله عن مستويات تأسيس “المعنى” أو “الدّلالة” الموسيقيّة موانع وحواجز كثيرة تقع في المسافة بين الذّاكرة والنّسيان؟ هذه الموانع الّتي تشبه إلى حدٍّ كبيرٍ في وظيفتها وطبيعتها الكبت الّذي نتعثّر به في الطّريق بين الوعي واللاّوعي ذهابًا وإيّابًا. وهذا تحديدًا ما يُفسّر طبيعة “بُنيّة” النّسق الارتجالي بوصفه لا بُنيويًّا، حيث سلسلة الذّاكرة الّتي هي ذاتها سلسلة من النّسيان، تقطع الوعي عن معناه، وتُفقده سيطرته الكاملة على المسارات، دون أن تفقده تمامًا. هنا يتجلّى مفتاح النّموذج المَواضعيّ، حيث تضع حركيّة الموانع نَسَق اللاّوعي خارج إمكانيّة إدراكه، فتُبقيه في مساحة هي عُرضة للتّأويل، تتماشى مع الإعوجاجات والإنزياحات الّتي تُشكّل منطق الانسياب الارتجاليّ بعيدًا عن المنطق الّذي يسهل ضبطه بالأدوات الواعيّة الواقعيّة، وكأنّ به حلمًا لا يخضع لقانون التّيقُّظ.

التّوافقات الخفيّة في فنّ الارتجال

إنّ غيابَ التّأليف الموسيقيّ المحض في الثّقافة الموسيقيّة العربيّة عبر تاريخها، باستثناء التّاريخ الحديث (القرن العشرين والواحد والعشرين)، غيّبَ كذلك مفهوم العازف بوصفه وظيفةً قائمةً بذاتها. وكي لا نقع في ارتباكٍ مفهوميّ في ظلّ غياب التّعريفات، يجدر بنا أن نحدّد بعض المفاهيم الّتي نستخدمها وفقًا للسّياق الّذي نريد شرحه.

حين نستخدم مصطلح التّأليف الموسيقيّ، فذلك كي لا نحصر الحديث في “التّلحين” وحده وصناعة الألحان الّتي لا تشكّل إلاّ أحد عناصر المُرَكَّب الموسيقيّ الأكثر تنوّعًا وتعقيدًا عبر الحضارات والأزمنة. وحين نستخدم مصطلح العازف، فإنّنا نميّزه عن “العازف المُرافق” (للغناء عادةً)، ونقصد العازف بوصفه مُؤوّلًا مُبدعًا للنصّ الموسيقي المُدوّن. وحين نتحدث عن المُرْتَجِل، فنعني بذلك العازف المُبدع، لا على الطّريقة التّقليديّة، حيث يُعيد المُرتجل إنتاج مخزونه المحفوظ على نحو أو آخر، أو حتّى استنساخه عبر المُحاكاة والتّقليد، أو عبر قائمةٍ جاهزةٍ من التّنويعات الّتي يسهل توقّعها مُسبقًا، بل على نحوٍ مُغاير قادرٍ على الإصغاء إلى اللّحظة بوصفها طاقة إنتاج وإدهاش.

والآن، فإنّنا في هذه الجزئيّة من بحثنا، والّتي نسبح فيها تحت عنوان “التّوافقات الخفيّة في فنّ الارتجال”، إنّما تسعى إلى تأسيس فهمٍ جديدٍ لفنّ الارتجال/ فنّ الإبداع اللّحظي.

ونبدأ من السّؤال الّذي يهتم بمعرفة إن كان ثمّة نسق موسيقيٍّ بُنيويّ يتحقّق، وما هي منابعه ومركّباته وآليات عمله؟ فهل هناك نصٌّ مرجعيٌّ أو أكثر في الذّاكرة الجمعيّة للعازفين ينهلون منه موادَهم الموسيقيّة؟ وهل هناك آليّاتٌ محدّدة وطرقٌ توجّه مسارات الارتجال وجمله اللّحنيّة وتطوّراته المقاميّة وخوارزميّاته الصّوتيّة والزّمنيّة والأدائيّة؟ وبعبارة أخرى نتساءل: هل ثمّة مِعماريّة متناسقة يسعى المُرتَجِلُ إلى إنشائِها؟ وإن وُجدت هذه المِعماريّة فأين وكيف تتحقّق وتتمظهر في أنظمة الصّوت؟

سنحاول أن نضع أصابعنا على بعض المحطّات المِفصليّة الّتي تُوجّه أفكار المُرتَجِل التّقليديّ حين يشرع في العزف الارتجاليّ، في محاولةٍ لفهم بعض المكوّنات الّتي تشكّل قاسمًا مُشتركًا بين الارتجالات الّتي نسمعها، والّتي تخضع في كثيرٍ من أبعادها إلى البُعد الاجتماعيّ بما يتضمّنه من مفاهيم تحدّد شكل الذّائقة العامة المُشتركة وطرق التّفاعل مع الجمهور المُتخيَّل، أو الجمهور الواقعي.

في البداية، يجدر القول بأنّنا لا نعرف في تاريخ “الموسيقى العربيّة” (وهو تاريخٌ غنائيٌّ بامتياز) شكلًا موسيقيًّا تأليفيًّا محدّدًّا، بمعنى أن يقوم مُؤلّفٌ موسيقيٌّ عربيٌّ بتأليف نوعٍ موسيقيّ محدّدٍ مُنضبطٍ في قوانين يصدُر عن الفكرة الموسيقيّة المحض وحدها بمعزل عن الشّعر والنُّصوص الكلاميّة. ويكاد يكون “فنّ الارتجال الآليّ” هو النّوع (الجانر) الموسيقي الوحيد الصّرف الّذي تعرفه الموسيقى العربيّة. أمّا كلّ ما عرفناه من أنواعٍ أخرى ذات صيغة بُنيويّة مُنضَبِطة فهو صادرٌ عن ثقافاتٍ غير عربيّة أثّرت على نحو أو آخر في الموسيقيين العرب وأخذوا عنها. ونستثني في هذا الحديث القرن العشرين، لما يحمله من صفاتٍ طَفْريّة لا تعكس مُجمل التّاريخ الموسيقي السّابق عند العرب.

إذن، قُلنا على نحوٍ غير مُباشر بأنّ فنَّ الارتجال هو فنٌّ ليس منضبطًا بالضّرورة تحت إطارٍ بُنيويٍّ وأنساقٍ ثابتة. لكن، من العبث كذلك أن نجعل من فنّ الارتجال فنًّا شطحيًّا غير بُنيويّ على نحو مُطلق. أليس كذلك؟

ما هي إذن القواسم المُشتركة الّتي تحدّثنا عنها سابقاً وتشكّل روابط ما تُمكّن هذا الفنّ وتوجّه أفكار من يُمارسه من الموسيقيين؟

لن نخوض في تفصيلاتٍ مُضنيّة، ونكتفي بما نحتاجه من استنتاجاتٍ يمكن التّأسيس عليها من أجل تحقيق فهمٍ مُستقبليٍّ جديدٍ ينهض بهذا النّوع من الفنّ الموسيقيّ الصّرف الفريد في ثقافتنا الموسيقيّة، ونستفيد منه.

عباراتٌ موسيقيّة ورموزٌ وخوارزميّاتٌ وموتيفات وتقنيّات وأساليب آدائيّة وتنقّلاتٍ مقاميّة وتركيباتٍ زمنيّة، بل وأمزجةٍ وعلاقاتٍ خفيّة كثيرةٍ بين المواد الموسيقيّة واستخداماتٍ وظيفيّة محدّدة ٍ للصّمتِ والسّكتات والتّمهُّلاتِ والإسراعِ والرّكون إلى المناجاة أو إظهار البراعة وغيرها من الأزخام “المومنتومات الموسيقيّة” الّتي يغترفها كل عازف وموسيقيٍّ ارتجاليّ من الذّاكرة الجمعيّة لهذا الفنّ، بما يستجيبُ للمُيول، تاركةً الكثير من المؤشّرات المطبوعة بالأسرار والألغاز الّتي لم تجد تفسيرًا منهجيًّا مُعرّفًا وواضحًا في قاموس المعنيين بهذا الفنّ. “وهل من حاجةٍ إلى ذلك؟” (يتساءل عددٌ من الموسيقيين الّذين يُمارسون الارتجال التّقليديّ حين قابلتهم وتحدّثت إليهم).

لا يدفع هذا النّوع من الأسئلة إلى النّفاذ إلى معماريّة الموسيقى الارتجاليّة، لتترك اهتمام هذا النّوع من الموسيقيين العرب، وهو النّوع السّائد، مقتصرًا على شذراتٍ من هذه المعماريّة والدّوران في مداراتٍ محدّدةٍ من مادّتها ليكرّروا وحسب، مهما بلغوا من التّنويع الّذي يظلّ مَوضِعيًّا مُنغلقًا على ذاته لا يخرج منها، بل ويكون سببًا، أحيانًا، في إساءة الفهم والإخلال فيما يمكن أن يُشكّل عَصَبًا قويًّا لتماسك هذه المعماريّة، حتّى على مستوى الذّائقة العامّة التّقليديّة. لا مهرب إذن من الحديث عن “المعماريين” عند الحديث عن المِعماريّة. فما الّذي يجمع بينهم؟ كيف يتوافقون على الذّائقة؟ ما الّذي يؤسّسون له ويحفظونه في نشاطهم هذا، حتّى لو بدا في كثير من الأحيان تكراريًّا ممجوجًا؟  وأخيرًا، أين يُمكن النّظر قُدماً في هذا النّوع من الفنّ؟ وهل يُمكننا مُقاربة هذا الفنّ عبر فهم المساحة البرزخيّة الّتي تتراوح بين فعل الذّاكرة وفعل النّسيان على أنواعه، حيث تتمظهر الموسيقى وتأخذ شكلها الأوّل والأخير في هذا النّوع من الموسيقى العابر في الزّمن؟

 

إنّنا أمام فنٍّ يمحو ذاته فيما يكتبُها؛ ينساها فيما يتذكّرها؛ يُفصح عنها بقدر ما يحجبها.

 

المصدر: https://www.alawan.org/2020/04/01/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b1%d8%aa%d8%ac%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%8a%d9%82%d9%8a-%d8%b9%d9%86%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8-%d8%ac1/#prettyPhoto

 

(2)

الارتجال الموسيقي عند العرب (ج2)

فنّ الارتجال وثقافة الإلهام:

تحت مظلّة الثّقافة العربية الإسلاميّة، وفي خلفيّة “فنّ الارتجال الموسيقي” وغيره من الفنون، ثقافةٌ تُلقي بظلالها على نمط الممارسات الفنيّة وأساليب تداولها ومُعالجاتها، هي ثقافة “الإلهام”؛ “فالله يُملي على القُلوبِ بالإلهام جميع ما يسطره العالمُ في الوجود فإنّ العالم كتاب مسطورٍ إلهيّ”[1]. هي ثقافة تستند إلى “جهلنا” بما ينبغي بنا فعله، حيث تركنا “ترتيبات” الله، فلا رأي لنا نُسديه، ولا عقل نُعمله. “… وإنّ جهلنا نحن صورة ما ينبغي في ذلك فالله تعالى رتّب على يدنا هذا التّرتيب فتركناه ولم ندخل فيه برأينا ولا بعقولنا”[2]

هل علينا أن نستنتج من ظلال “ثقافة الإلهام” هذه أن ليس هناك ما يقبل التّفسير أو الفهم البُنيويّ لفنّ الارتجال الموسيقيّ عند العرب؟

هل نحن أمام نموذجٍ من العازفين والموسيقيّين الّذين يرون إلى أنفسهم بوصفهم أنواتٍ خالصةً ومتلقّيةً كونيّةً لا حيلةَ لها في الاختيار والبناء والسّرد الموسيقيّ وِفقاً لشروطٍ عينيّةٍ وسيكولوجيّاتٍ مُحدّدةٍ، بل تتّبع الشَّرطَ الإنسانيّ بوصفه شرطًا أنطولوجيًّا يسمو على الظّروف؟ أو، وبلغةٍ تنهل من الأدبيّاتِ الأقرب عهدًا، الّتي تتحدّث عن “موت المؤلّف” بحسب رولان بارت مثلًا، وكذلك كما جاء في “مناقشة سؤال ما هو المؤلِّف” لميشيل فوكو، نتساءل إن كنّا أمام نماذج من الموسيقيّين أفرغوا أنفسَهم من كلّ معرفةٍ مُسْبَقَةٍ في توجُّهٍ مُنعتقٍ نحو إصغاءٍ إلى “الأصوات” الآتية من خزائن الصّمت الكونيّة الّتي لا يستوعبها عقلٌ في تقييداته وأنساقه؟

للوهلة الأولى، يبدو وكأنّنا أمام ممارسةٍ لاقصديّة تتّجه، لا نحو الرّابط المنطقيّ التّالي في سرديّة محبوكةٍ، بل تتّجه نحو الأصل الصّامت المحتَجب. لكنّنا، وفي تأمُّلٍ أكثر عُمقًا للظّاهرة، نزعم أنّ غيابَ المؤلِّفِ أو تواري الشّكّ المنهجيّ لا يعني بالضّرورة غياب الرّوابط الّتي “تُنظّم” ما يُؤلِّفه الموسيقيّ المُرتجلُ. ففي حين يبدو هذا النّوعُ من “التّأليف” الارتجاليّ غير خاضعٍ لمقولاتِ العقل القَصْديّة ومنطقه، بل يخضع لما يستطيع “أهل الكَشِفِ” على التقاطه بالفطرة والبداهةِ والحَدْسِ، فإنّنا، وبحُكم مراقبتنا وممارستنا الذّاتيّة لهذا النّوع من الفنّ، نفضّل الحديث عن شيءٍ سنُطلقُ عليه اسم “التّوليف المُرتَحل”.

نعم، لا نبحث، في “التّوليف (الارتجاليّ) المُرتحل” سوى عن انتهاكاتٍ لقواعد هذا الفنّ؛ القواعد الّتي تعوّد عليها “العقل الاجتراريّ”. وفي هذا الانتهاك خروجٌ عن الدّوائر المُغلقة الّتي لا تُفضي أبوابها إلّا إلى ذواتها في حركةٍ اتّباعيّةٍ أفضل ما تُنتجه هو بعض التّنويعات أو لحظات زخميّة (momentum) إبداعيّة صُدَفِيَّةً لا تعي ذاتَها ولا تُصغي إليها، فتمرُّ مُرورًا عابرًا كالسَّهْوِ. وفي هذا الانتهاك “توليفٌ” يرتحل بين أفكارٍ موسيقيّةٍ قد لا تربط بينها علاقاتٍ منطقيّةٍ متسلسلةٍ واضحةٍ من النّاحية العقليّة، لكن ثمّة بينها نِسَبٌ وخُيوطٌ خفيّةٌ على السّمَعِ، قد تبدو مُشتَّتَةً داخل النّسيج الزّمنيّ السّرديّ الخطّيّ المُفترض، فتضيع الرّوابط وتخفَى العَلاقاتُ دون أن نشعر باختلالٍ، وكأنّ قد وقع في “القلبِ” الصّائِتِ ما “سُطِّرَ” في الوجود الصّامت. وفي هذا الانتهاك تخلّي عن عاداتٍ ألفناها في نسجِ خُيوط الارتجال لحسابِ علاقاتٍ جديدة، واكتشافاتٍ تُفضي إلى رُتُجٍ مُغلقةٍ لم تُفتح من قبل أمام سَمَعنا.

ما يُساهم في إساءة فهم أو صعوبة فهم ما يحكم العلاقات النّغميّة والزّمنيّة داخل “التّوليف المُرتحل” هو تماماً هذا التّوليف المتناسق والمُحكم للمومنتومات (الأفكار الموسيقيّة الموضعيّة اللّحظيّة) من جهة، لكنّه المُرتحل دومًا غير مُستَوْقَفٍ من فكرةٍ بعينها أو بُنيةً بذاتها، فلا “تتطوّر” مواده ضمن خوارزمياتٍ يُمكن ضبطها خلال الاستماع، ولا يتوخّى صورةً شكلانيّة مُسبقة متكاملة ومُحكمة أو خُطّةً مِعماريّة ذات طابعٍ هندسيّ قابل للضّبط والفهم العقليّ.

في القرن العشرين، يُمكن أن نجد نماذج من المؤلّفات الموسيقيّة المُدوّنة الّتي تستفيد من جمالية الارتجال بهذا المعنى، كما فعل المؤلّف الموسيقي اللّبناني عبدالله المصري في ثلاثيّته للكمان والتشيللو والبيانو بعنوان “مرثيّة” (موسكو 1989)، حيث تتواشج الخطوط اللّحنيّة بين الآلات الّثلاث على نحوٍ يُحاكي الارتجال، لكنّه مكتوبٌ ومضبوطٌ وقابلٌ للاستعادة الدّقيقة. (يُمكن أن نجد مثل هذا الاستخدام في مؤلّفه الغنائيّ الأوركستراليّ “مطر” كذلك، على نحوٍ جليّ). مثل هذه النّماذج تساعدنا على فهم أحد أشكال توظيف جماليات التّوليف الموسيقي الارتجاليّ في عمليّة التّأليف الموسيقيّ.

يُمكننا القول بأنّ بوصلةَ العازفين والموسيقيين التّقليديين الّذين يشكّلون في عمومهم متن هذه الظّاهرة الموروثة، تقوم على بضعة مُرتكزاتٍ من النّاحية السّرديّة العامّة:

أوّلًا: البدايات. حيث تحوم الجُملُ الموسيقيّةُ حول درجة الارتكاز والرّكون الأولى في السُّلّم الموسيقي المعنى به في الارتجال (التّقاسيم).

ثانيًا: التّسلسُلات المقاميّة المألوفة والمُتناقلة الّتي تستسيغُها الأذن التّقليديّة في كلّ مكان ومكان داخل العالم العربيّ، حيث هناك فوارق بسيطة في أولويّة الاختيارات وسُبلها بين الأقطار المختلفة بدءًا من العراق وصولًا الى المغرب العربيّ.

ثالثًا: القَفَلات الّتي تمكّن العازف/ الموسيقيّ من إغلاق دائرةٍ، عبورًا إلى دائرةٍ أخرى وصولًا الى القفلة الأخيرة الّتي عادةً ما ترمو إلى قطف ثمار المسار التّطريبيّ الطّويل عبر الإدهاش التّقني وإثارة الحماس وإظهار البراعة في انتظار التّصفيق والإطراء.

رابعًا: الأسلوب الّذي يتراوح بين عنصرين أساسيّين هما: الإطراب اللّحني المقاميّ الّذي يستدعي الأمزجةَ والمشاعر، والإدهاش التّقنيّ الّذي يعبّر عن نفسه من خلال بعض المهارات التّقنيّة وإظهار البراعة المتعلّقة بالعناصر الّتي تُشير إلى القُدرة على العزف (أو تلك الّتي تشير إلى براعة الغناء في الإرتجالات الغنائيّة).

ولننظر الآن في مكامن النّقص المُمكنة لفهم مكوّنات المعماريّة الموسيقيّة الأمثل الّتي نبحث عنها. فلا قوانين ثابتة تمّ ضبطها مُسبقاً والسّير على منوالها، لكنّنا، وفي استشعارنا لمكامن الخلل الّتي نحدس بها بالفطرة أو بالخبرة، يُمكننا الاهتداءُ إلى بعض خيوط هذه القوانين.

فيما يتعلّق بالبدايات، حيث ينسج الموسيقيُّ أفكاره وجُمَلَهُ اللّحنيّةَ مُحَوِّماً حول درجة الرّكون/ الارتكاز الأولى في السُّلّم الموسيقيّ عادةً، نجد أنّ مُعظم الإشكالات المتعلّقة في هذه الجُزئيّة تعود إلى أمرين اثنين أساسيّين، الأوّل يكمن في كيفيّة الخُروج عن درجة الرّكون الأولى والعودة إليها مُجدّدًا، والثّاني، وهو تداعي منطقيّ للخلل الأوّل، وهو في التّناسق الزّمني بين الجُمل الموسيقيّة ونِسَبها إلى بعضها البعض، بحيث يقع الموسيقيّ في تلكُّؤاتٍ واتّباع طرقٍ إلتّفافيّة نافلةٍ وإطالاتٍ تُفقد البُنيَةَ الموسيقيّة من متانتها وتوازنها. فالهيكلُ الزّمنيّ لأيّ مُؤلَّفٍ موسيقيٍّ هو بمثابة هيكل القُوّة الحديديّ في العمارة.

وفيما يرتبط بالجزئيّة الثّانية، فإنّ التّشوّش في اختيار المسارات المُثلى للانتقال من درجة ارتكازٍ الى أخرى لبلوغ التّحوّلات المقاميّة الّتي هي في صُلب التّصوّر الجماليّ لفنّ الارتجال الموسيقيّ، قد يُحدث، هذا التّشوّش، اضطراباتٍ في الخطّ السرديّ اللحنيّ كما تستسيغه الأذن القويمة بحكم العادة والفطرة والخبرة، وقد يؤدّي إلى مساراتِ بحثٍ ملتويةٍ عن مخرج مناسب يُعيد الموسيقيّ إلى المسار المُرتجى في كلّ محطّةٍ ومحطّة في سرديّة المؤلَّف الارتجالي.

من الجدير التّأكيد، في هذه الجزئيّة، على وظيفة هامّة تؤدّيها هذه التّحوّلات المقاميّة في بُنية المِعماريّة الموسيقيّة على امتدادها. فإن أمكننا الحديث عن “تطوّر” ممكن في المواد الموسيقيّة، أو في “الحُبكة السرديّة” أو في “التّصعيدات الدراميّة” أو المسارات الشّعوريّة والمزاجيّة على طول الارتجال، فلا يكون هذا الحديث ممكناً خارج توظيفات المقامات وتحوّلاتها الّتي تشكّل عصب الخطّ السرديّ الموسيقيّ. فلكلّ مقامٍ وظيفته الشّعوريّة “المُعتادة”، واستخداماته المزاجيّة المألوفة، وحين نتحدّث عن “المومنتوم” (momentum) بوصفه زخمًا حركيًّا وطاقةً مُوجّهة في المسارات الموسيقيّة، فلا يكون استخدام مقامٍ بعينيه أو التّحوّل نحو آخر خارج فهم تداعيات هذه الطّاقة وكيفيّة استخدامها وتوظيفها لإحداث “تطوّرٍ مّا” أو “تصعيد مّا” يُساهم في بناء مشهدٍ بعينه داخل مجمل المعماريّة. وحينُ يُساء هذا الاستخدام أو يفتقد لفاعليّته المرجوّة منه، يحدث خللٌ موضعيٍّ في البناء العام، أو هشاشة تُضعفُ من التّصميم ووحدته الهندسيّة وتماسكه البُنيويّ.

تؤثّر القفلات المتوالية للجمل أو سلاسل الجمل الموسيقيّة على بُنية الارتجالات وتشكيلاتها الزّمنيّة على نحو واضحٍ وقاطع. فإنّ الخاصيّة الأهمّ في هذه القفلات تكمن في كونها تمثّلُ “حُلولًا” للجمل الموسيقيّة الّتي خرجت عن مكامن الاطمئنان والرّكون إلى الدّرجة النغميّة الأولى في المقام الأساسيّ المُفترض للارتجال، أو عودة مّا إلى المقام الأول بعد تحوُّلٍ، أو سلسلة تحوّلات مقاميّة، بحيث تشكّل هذه العودة خواتم مُقنعة ومُرضية للأذن المُرتحلة مع الالتواءات اللّحنيّة والمقاميّة المتنوّعة. هذه المرافئ الآمنة في نهاية كلّ مطاف، تأتي قاطعةً حاسمة، لتَتْبَعَها لحظاتٌ من الصّمت والتّأهب نحو مطافٍ جديد.

ما معنى هذه القفلات من النّاحية البُنيويّة؟ كيف تفعل وتؤثّر في صورة السرديّات الارتجالية المُرتحلة؟ وكيف نرى إليها من النّاحية الجماليّة والفلسفيّة؟

لنتوقّف قليلاً عند هذه الجزئيّة ونبحث عن مُقارباتٍ تُجيب على هذه الأسئلة الهامّة لأيّ محاولة فهم وتحديثٍ مُستقبليّة، وتفتح الباب أمام تطوير معالجاتٍ جديدة على أساسها.

إنّ أوّل تأثيرٍ هامٍّ لطبيعة هذه القَفَلات يأتي من “الحاجة” إلى إقفال الجمل الموسيقيّة إقفالًا مُريحًا للأذن التّقليديّة، لا يترك الجملةَ الموسيقيّة في حالةِ سؤالٍ مفتوح ومُعلّق. هذه ما يُبقي هذه القَفَلات ضمن دوائر المُتوقّع في السّيرورات اللّحنيّة. هذا العَوْدُ الدّائم إلى المرتكزات النّغميّة المُطَمْئِنَة يُعيقُ، للوهلة الأولى، تطوير سيروراتٍ لحنيّة مُركّبة ومُتصاعدة ومتواترة كالّتي نعرفها في موسيقى ريتشارد فاجنر مثلاً، حيث لا تنتهي عبارةٌ إلّا وتُجدَلُ في عبارةٍ تليها عبر سلسلةٍ مفتوحةٍ من الجمل الموسيقيّة الّتي لا تركن إلى حلٍّ نهائيّ وارتكازٍ مُطمئنٍّ إلّا بعد مطافٍ طويل. وهذه القفلات الّتي تُلحّ على الموسيقي العربيّ في ارتجالاته بعد كلّ عبارة و”مومنتوم” تقف، على نحو أو آخر، عائقًا أمام تشكيلاتٍ لحنيّةٍ تترك المُستمع حائرًا أو متسائلًا أو متشوّقًا ولو إلى حين. بل، ما يُوجّه التّأليف الارتجاليّ عند هؤلاء الموسيقيين هو أولًا وأخيرًا “التّطريب” و”التّجاوب الاسترضائيّ” مع توقّعات المُستمعين وإبقائهم عند شاطئ الأمان بهذا المعنى الحصريّ.

لا من توثيقٍ أو دليل تاريخيٍّ يُشير إلى تأثير التّلاوة القرآنيّة على فنّ الارتجال الموسيقيّ أو العكس، ولا نعرف على وجه الدقّة أيّ من الفنّين سابق للآخر، لكن، في تأمّل انطباعيٍّ عامّ، نجد تقاطعاتٍ لا يُستهان بها بين الممارستين رُغم ما يفصل بينهما في الذّهنيّة الفقهيّة والثّقافيّة السّائدة عمومًا.  وفي باب القَفلات، وبسبب غياب البُنية السرديّة المتسلسلة منطقيًّا داخل السُّور القرآنيّة، واستقلاليّة آيها وموضوعاتها المتنوّعة عن بعضها البعض داخل السّورة الواحدة، فإنّ البُنيةَ النصّيّةَ قد استدعت، على ما يبدو، معالجاتٍ موسيقيّةٍ (تجويديّةٍ) محكومةٍ بنظام السّور والآيات بما فيها من تشتُّتٍ موضوعيّ، وقفزاتٍ لا تسلسليّة في التتابع الزمنيّ للآيات وإغلاقٍ متكرّرٍ مقطوعٍ في المعنى والشّكل. أليس هذا ما يُفسّر، في أحد أبعاده، وُجوبَ الصّمت الفاصل بين الآيات والجمل، ويمنح للسَّكتاتِ وظيفةً يُحتّمها غياب آليات التّطوير اللحنيّ الجَدْليِّ المتسلسل؟ ولكن، هل ثمّة نظام ثاوٍ خلف تجاورِ الجُمل الموسيقيّة، أم أنّ هناك غياب لأيّ وحدةٍ نسقيّة في ظلّ عدم التقيُّد بنظامٍ دقيقٍ وتداعي الأفكار الموسيقيّة بحريّةٍ تفتقد فيه إلى التّرابطات الجليّة والعلاقات التّواشجيّة البُنيويّة؟ هل نحن أمام فنٍّ له طابعٌ عرفانيّ شَطحيّ لا يُعنى بالأنساق الهندسيّة، بل ربّما لا ينبغي تقييمه على هذا الأساس، ولا يُعنى بتطوير خطّيٍّ سرديٍّ يَعي أفكاره الموسيقيّة ويرى أبعادها وتداعياتها الممكنة وطرق معالجتها وتوظيفها في مِعماريّةٍ متماسكةٍ مُدرِكَةٍ لصورتها الكاملة منذ لحظة ولادتها الأولى على نحوٍ أو آخر؟  ألا تُفسّر جدليّة الذّاكرة والنّسيان هذه المسألة في بعضٍ أو كثيرٍ من جوانبها؟

ثمّ، وما نزال في الجزئيّة الثّالثة، تأتي القفلةُ الأخيرةُ الّتي نحبُّ أن نُسمّيها “قفلةُ التّصفيق”.

هنا ما يُذكّرنا بالخاتمات العُنفوانيّة الصّارخة والبطوليّة الّتي نعهدها في المؤلّفات الموسيقيّة الملحميّة في الموسيقى الكلاسيكيّة الأوروبيّة، حيث تتكاتف الأوركسترا وتُثير حماسة الجمهور المتلقي بعددٍ من الضّربات الّتي تستعرض فيها قُوّتها وبراعتها، مع فارقٍ هام أساسيّ، هو غياب علاقة الحُبكة البُنيويّة بين هذه القفلات وما سبقها من ارتجالاتٍ، لتأتي مُنفصلةً، للوهلة الأولى، عن جسدها الكامل، وكأنّها تؤدّي وظيفةً محدّدةً لم تأتِ إلاّ من أجلها، هي “الخاتمة” الحماسيّة البارعة.

هذا ما يقودنا إلى الجزئيّة الأخيرة المتعلّقة بالأسلوب الّذي يتراوح بين التّطريب اللّحني المقاميّ وبين الإدهاش التّقنيّ.

تبدو بعض الارتجالات النّموذجيّة أقرب إلى دَغْلٍ من الأدغال الكثيفةِ والمتراصّةِ لكثرةِ ما تحتويه من الموضوعات الموسيقيّة وابتذال البراعة في الأسلوب وتشتّت الصُور والأُخَيْلاتِ وازدحام التّحوّلاتِ المقاميّة وتراكض الزّمن الّذي يُثقل على أنفاس المستمِع المأسورِ بدهشةِ اللّحظة لا غير. نعم، لا نتحدّث عن فنٍّ تدوينيٍّ، لكن، ومنذ أن توفّرت لنا إمكانيّة التوثيق والاستماع مرّةً ثانية إلى ارتجالاتٍ اعتادت أن تتبخّر داخل لحظة الولادة عينها، فقد بات الأمر، خارج اللّحظةِ عينها، مفضوحًا غير قابلٍ للحياة خارج لحظة الولادة عينها.

أوّلا يستدعي تطورٌ تكنولوجيٌّ كهذا استدراكًا موضوعيًّا وأسلوبيًّا لهذا النّوع من الفنّ؟ ألا يضعه موضع تساؤلاتٍ وإعادة نظر تُحتّمها ضرورات الاستماع الثّاني والثّالث لهذه “المؤلّفات”؟ أم أنّها تظلّ في مرتبة “الوثيقة” بكلّ عذريّتها وعفويّتها وأخطائها وتفكّكها وزلّاتها، فلا ترقى إلى موضع “المؤلَّف” الّذي يطمح إلى حدٍّ معقولٍ من الاتّساق والنُّضج؟

وعلينا أن ننوّه هنا بأنّه ليس من الصّعب، وبعد تحليلٍ موسيقيٍّ للكثير من الارتجالات المُوثّقة، أن نتأكّد من أنّ هذا النّهج المُفكّكُ والمُبعثَرُ ليس فنًّا يقوم عن سابق عَمْدٍ وتصميم، بل يُمارَسُ تحت الإملاء لا الاختيار، كما يحبّ أن يعبّر بعض المُتصوّفة. وأنّ لهذه الملاحظة أهميّة بمكان، لما تُشير إليه من تأثير في العُمق على مُجمل مكوّنات هذا النّوع من الفنّ، حيث لا مانع في نظرنا، ومن حيث المبدأ، أن نُقيم مِعماريّةً لا تخضع لنسقٍ هندسيٍّ صارمٍ ومعهودٍ وخاضعٍ للمنطق العقليّ القابل للضّبط والحساب، لكن ثمّة فارق جوهريّ بين “التشتُّت” و”التّفكّك” و”الشّطح التّأمُّلي” بوصفهم قراراً، وبين أن يحصل هذا كلّه خارج الوعي والمعالجات الفنيّة القَصْديّة.

لا نتغافل عن التّناسُبات الخفيّة المُمكنة في أجزاء كبيرة من الارتجالات القَيِّمَة المُوثّقة، بل هناك ما يُثير انتباهنا ويحثّنا على سبر أغوار هذه المحجوباتِ واستكشاف خيوطها المُستترة إن وُجدت. وإن كان العلاّمة شودكيفيتش قد سخّر حياته في تتبُّعِ مثل هذه الرّوابط الخفيّة في فكر ابن عربيّ ومنهجه الفكريّ، فإنّ فنّ الارتجال الموسيقي العربي لا يقلّ استحقاقًا لجهدٍ يغوص في خزائنه ويُسائل ما بان منه وظهر لاستشراف ما لم يُفصح عنه بعد من احتمالاتِ الصّمت المُمكنة.

إنّ قوّة تأثير هذا الفّن على مُتلقّيه ومُمارسيه على حدٍّ سواء يدفعُنا إلى إقرارٍ أوّليٍّ بضرورة الكشف عن خبايا هذا التّناسُق الخفيّ بين شتات العبارات الموسيقيّة ومساراتها غير المترابطة والسّابحة “دون انضباطٍ” إيقاعيّ داخل نسيج الزّمن. كما يدفعنا ذلك إلى التّساؤل عن وجود ميزانٍ منطقيّ ما نقيس عليه أحكامنا ونستخلص منه استنتاجاتنا.

********

[1] ابن عربي، الفتوحاتِ المكيّة، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، الجزء 2، الباب 88، “في معرفة أسرار أصول أحكام الشّرع”، ص 160.

[2] ابن عربي، الفتوحاتِ المكيّة، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، الجزء 2، الباب 88، “في معرفة أسرار أصول أحكام الشّرع”، ص 160.

الحوار الخارجي: 
أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك