مؤتمر الدراسات القرآنية الثالث في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية: النص والتأويل والترجمة

مؤتمر الدراسات القرآنية الثالث في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية: النص والتأويل والترجمة

سامر رشواني*

عقد مركز الدراسات الإسلامية في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية (SOAS) بجامعة لندن مؤتمره الثالث المختص بالدراسات القرآنية من 7-9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2007م. وهو مؤتمر حرص رئيس المركز البروفسور محمد عبد الحليم على عقده كل سنتين، بعد إنشائه الدورية الأجنبية الأولى المتخصصة بالدراسات القرآنية (The Journal of Qur'anic Studies) في 1999م؛ وذلك سعياً لرسم صورة شاملة عن اتجاهات البحث الحالية، ورغبةً في تثوير النقاش والجدل حول مختلف جوانب النص القرآني وتأويله.

شارك في هذا المؤتمر أكثر من ثلاثين باحثاً وتركزت أبحاثه حول ثمانية محاور:

المحور الأول: الدراسات الكلامية والعقدية للقرآن: قدمت فيه ثمانية بحوث:

1- هل يقرر القرآن خلود جهنم؟ دراسة لرأي ابن تيمية: محمد حسان خليل (جامعة إلينوي).

قد يبدو طرح مسألة خلود جهنم من منظور قرآني غريباً ومثيراً للفضول بالنسبة للطالب المبتدئ في حقل الدراسات الإسلامية. فمن خلال قراءة عدد من الكتابات التعريفية بالإسلام (مثل: كتاب إيسبيزتو (الإسلام: الطريق المستقيم)، وكتاب فضل الرحمن (الأفكار الكبرى في القرآن)، وكتاب ميشيل سيل (مقاربة القرآن)؛ يُلحظ أنها لا تولي هذه المسألة أهميةً مطلقا. كما أن طالبَ معرفة الإسلام الذي يقرأ الترجمة الإنكليزية للقرآن سيصل -غالبا- إلى استنتاج مفاده أن النار أبدية.

والحقيقة أن الجدل بين علماء المسلمين حول أبدية النار قديم الوجود، فقد ظهرت النقاشات الكلامية حول أبدية الجنة والنار منذ بدايات القرن الثاني للهجرة. والفضل يعود إلى العالم الحنبلي، المشهور وغير المعروف، ابن تيمية (ت 728هـ) في بلوغ الجدل حول أبدية النار مستوى غيرَ مسبوق من التحرير. فقد ألهمت كتاباته كلاً من المؤيدين والمخالفين وضْعَ حججٍ وبراهين وردود على محاوريهم ومخالفيهم في هذه القضية التي أصبحت فيما بعدُ شائكة حقاً.

تقدم هذه الورقة تحليلاً لحجة ابن تيمية النصية على عدم خلود النار، وعرضاً لكيفية استجابة العلماء المتأخرين لها، مثل: ابن قيم الجوزية، تقي الدين السبكي، مولانا محمد علي اللاهوري، عدد من متصوفة النقشبندية، محمد رشيد رضا، جيمس روبسون، محمد ناصر الدين الألباني.

كما تحاول أن تثبت أن الباحثين عن الوعي بطيف القراءات العلمية للنص الإسلامي ينبغي أن يجتهدوا في تجنب بيان جانب واحد من هذه المسألة الخلافية بعينه، حتى ولو كان هذا الجانب يعكس رأي الجمهور، فبهذا ندرك إلى أي مدىً قد نوقشت قضية الاعتقاد بأبدية جهنم.

2- المتشابه في منهج التأويل (الهرمنيوطيقا) القرآني: أيمن شحادة (جامعة إدنبره).

من أجل فهم الموقف التأويلي الشهير (بلا كيف) تقترح هذه الورقة مفهوما خاصاً هو (التنزيهية)، وتُبيِّن أن هناك خطين متمايزين ومتعارضين من (التنزيهية): أولهما شائع بين الأشاعرة، والآخر بين علماء الكلام الحرفيين. الخط الأول يتلخص في فكرة التفويض والتسليم، وهي إستراتيجية تأويلية متطرفة مرجئة للفهم، شبيهة باستراتيجية التوافقية النصية الحرفية، من حيث خروجها عن الاتجاه الذي يميل إلى عقلنة القضايا العقدية. أما الاتجاه الثاني فيقوم على فكرة الإثبات. ومن خلال مقارنة كلا الاتجاهين والجدل القائم بين علماء الكلام الممثلين لهما، تضيء هذه الورقة نقاطَ الالتقاء والافتراق بينهما، وتظهر أسباب تصارع هذين الاتجاهين من (التنزيهية) خلال العصور الوسطى.

3- نحو إنشاء علم كلام قرآني: مفهوم الفطرة كأساس للإيمان بالله: م. زايت أوزرفارلي (جامعة مرمرة).

مصطلح (الفطرة) مشتق من العبارة القرآنية ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾(الروم: 30) والحديث النبوي المشهور: «كل مولود يولد على الفطرة»، وتُفسَّر الفطرة بأنها الطبيعة الإنسانية الصافية والأولية التي جعلها الله في الإنسان ليميزه عن سائر المخلوقات؛ فهي ترتبط بالصفاء الأصلي للطبيعة الإنسانية التي يمكن أن تتغير في عدة اتجاهات خلال حياة المرء.

لم يُضمِّن المتكلمون دليل الفطرة في براهينهم على وجود الله، بل ركَّزوا أساساً على الدليل الكوني، وأشاروا عرَضاً إلى دليل النظام. ولكن القرآن يؤكد على طبيعة الخَلق الإنساني كأساس للإيمان بالله. إن بعض العلماء مستقلي التفكير -مثل: مطهر ابن طاهر المقدسي، الغزالي، ابن تيمية- عالجوا (الفطرة) كدليل على الوجود الإلهي من غير تفصيل كبير. وعلى سبيل المقارنة، فإن تاريخ الفكر المسيحي شهد ظهور بعض المتكلمين المصلحين، مثل جون كالفن، الذين برهنوا على القدرة الداخلية للطبيعة الإنسانية على إدراك الوجود الإلهي؛ كما أن بعض المفكرين المعاصرين -مثل أتباع الابستمولوجيا الإصلاحية وفيلسوف الدين ألفين بلانتينغا- استمروا في معالجة هذا البرهان وأعادوا بناء أفكارهم حوله. وهذه الورقة تحاول تحليل النص القرآني وتأويلاته المتصلة بمفهوم (الفطرة) ضمن الخطاب الكلامي المقارن، مستكشفةً الأسسَ النظرية للدراسات في علم الكلام القرآني المعاصر.

4 ـ أمر الله ومعانيه عند الحكيمين الأندلسيين: البطلويسي والبلوي: سلفادور بينا (جامعة مالقة).

إن المصطلح القرآني (أمر) عُدّ مثالاً بارزاً لما سمي بوجوه القرآن، أي الكلمات المشتركة أو متعددة الدلالات في القرآن. إن نظرة خاطفة في بعض مرادفات كلمة (أمر) في اللغات غير العربية يقودنا إلى فهم لغوي للمصطلح عندما يتعلق بالله. فمصطلح (أمر الله) يمكن أن يفهم على أنه إعلام الله/أو بيانه. لقد أسس علماء الكلام في العصور الوسطى جملةً من المسائل الكلامية والأخلاقية والسياسية استناداً إلى مفهوم (أمر الله)، الذي تطور كعلامة على الخطاب التشريعي لدولة الموحدين في الأندلس. وهذا أحد الأسباب التي جعلت الحكماء الأندلسيين الذي عاشوا في القرن السادس للهجرة مهتمين بهذا المصطلح. إن استكشاف كتابات حكيمين: هما ابن السيد البطلويسي (521هـ) وابن الشيخ البلوي (604هـ) سيسمح لنا بإدراك الأهمية القصوى لهذا المصطلح. وفي هذا السياق أيضاً، تقدم الورقة تحليلاً لمصطلح (الأمر) في (الآية154 من سورة آل عمران) كعنصر بلاغي إشكالي بالنسبة لمترجمي القرآن.

5- النماذج القرآنية للكمال والطاعة عند القاضي النعمان في كتابه (أساس التأويل): إليزابيث إلكساندرين (جامعة مانيتوبا).

إن صورة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- كنموذج للممارسة الفردية أمر حتمي في التراث الصوفي للإسلام. فبالنسبة لكُتَّاب المتصوفة في العصور الوسطى، كان معراج النبي يُستخدم حجةً ومثالاً على حقيقة وجود الخبرة الخارقة للفرد (الكرامة). ولكن دراسات قليلة عنيت بالمنهج الذي جرى عليه الإسماعيلية في تأويل النصوص القرآنية المتعلقة بالمعراج النبوي واستثمارها في بناء عقيدة رمزية مناظرة له، وفحواها: إمكانية بلوغ الفرد للكمال الروحاني وامتلاك المعرفة الباطنية.

في هذه الورقة تحاول الباحثة أن تبين كيف نمذج القاضي النعمان الذي عاش في القرن العاشر في كتابه (أساس التأويل) الكمالَ الروحي الكامن للسالك الفرد في مثالين نبويين: محمد وإبراهيم. وكتاب (أساس التأويل) ليس إلا مثالاً يعكس مناهج التأويل القرآني عند الإسماعيلية الفاطمية. كما تبين الورقة التعددية الوظيفية للتأويل بالنسبة للسالكين، باعتباره جملة من المناهج التفسيرية القابلة للتطبيق على القرآن، وعلى قصص الأنبياء، والممارسات الطقوسية، وأيضاً على أنماط المعرفة الباطنية والظاهرية.

6- ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا﴾: صور الآخرة في القرآن ورموزها، قراءة في المسلَّمات الكلامية: سبستيان غونتر (جامعة تورونتو).

إن البعث الجسدي بعد الموت، ويوم الحساب، ووجود الجنة والنار، هذه كلها عوالم مادية حقيقية تشكل أفكاراً رئيسة في الخطاب العقدي للقرآن. إن التحذيرات الترهيبية من يوم الحساب (مع العلامات السابقة والمصاحبة لذاك الحدث) والوعد الصريح بالحياة بعد الموت والخلاص هي أفكار مركزية في الاحتجاج القرآني على وحدة الله وعظمته. وقد أثمرت هذه القضايا في العصور الوسطى أدباً أخرويا ثرياً؛ عرض من خلاله العلماء المسلمون هذه الأفكار القرآنية وخلطوها -أحيانا- بأفكار مستقاة من ثقافات أخرى ذات مكانة في العالم المتوسطي القديم.

وقد كُرِّست هذه الورقة لدراسة الصور والرموز والنماذج المعرفية الكامنة في التصور القرآني ليوم الحساب والجنة والنار. أولاً: تبحث في مدى صلة الأوصاف القرآنية التي يغلب عليها التصويرية والحيوية -برمزيتها العالية- بالمبادئ العقدية الأساسية للعقيدة الإسلامية الأرثوذكسية وتأثيرها عليها. ثانياً: يكشف الفحص الدقيق للغة القرآن أن التشبيهات والمجازات والصور البلاغية في الأوصاف القرآنية للآخرة هي أدوات فعالة في:

أ. خلق مقارنة بين أمرين مختلفين جداً كهذا العالم والعالم الآخر.

ب. الاتصال بمجال ليس في مقدور البشر الوصول إليه عبر المعرفة التجريبية أو الملاحظة المباشرة.

ج. تجسيد النتائج والعواقب التي ستترتب على أفعال الإنسان في الآخرة.

إذن، فاللغة التصويرية في هذه النصوص لم تُستخدم لأغراض أسلوبية وجمالية في معالجة العقيدة اللاهوتية، ولكن لتؤدي هدفاً وعظياً واضحاً كذلك.

أخيرا، تبين الورقة وجوه استعمال الكتابات الأخروية القروسطية الهامة للمفاهيم القرآنية ليوم الحساب والحياة الآخرة، وطريقتها في دمج أفكار من خارج القرآن (سواء كانت من أصول يهودية مسيحية، أو مصرية قديمة، أو يونانية أو زرادشتية). وتركز على كتابات ابن حبيب الأندلسي من القرن التاسع، والغزالي من القرن الحادي عشر، ومحمد بن عبد الواحد المقدسي من الثالث عشر. والخلاصة أن الورقة ستؤكد على أن الإسلام يشترك مع الديانات التوحيدية الأخرى في الرغبة الإنسانية في كمال الخلق عند العودة إلى الجنة.

7- آراء المسلمين حول العنف العائلي: تفسيرٌ حديثٌ للآية (34 من سورة النساء): غوران لارسون (جامعة غوتيبورغ).

غاية هذه الدراسة شرح الأدلة الأساسية التي استخدمت في الجدالات الإسلامية المعاصرة حول العنف العائلي (خصوصا ما يتعلق بتفسير الآية 34 من سورة النساء ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ..﴾)؛ وتحليل الطريقة التي أدرك بها المتكلمون المسلمون -صراحةً أو إشارة- أن هناك توتراً بين كلمة الله (أي القرآن) وقيم العالم الحديث وأنماطه.

فهل التغيرات في السياق الاجتماعي السائد تشكل سبباً للبحث عن قراءات بديلة للقرآن؟ هناك طريقة واحدة للجواب عن هذا السؤال، وهي أن نحلل كيف ترجم أو فسر مترجمو القرآن -على اختلافهم- القرآنَ من النص العربي المرتبط بهذه الآيات. ما الذي يقوله التفسير المفضَّل حول نظرة المتكلمين للقرآن وللإسلام والمرأة؟ هل يمكننا أن نجد بين هذه التأويلات اتجاهاً نحو تأويلات المساواة الجنسية الحديثة، أم أن النماذج المعرفية للعصور الوسطى لم تزل حاكمة؟

8- الشفاعة في القرآن: تحليل سياقي لمصطلحيْ: الشفاعة والاستغفار وما اتصل بهما من مفاهيم: ألفرد ويلش (جامعة ميشيغان).

تقرر المقالة العشرون من فقه الأخبار الثاني المشتهر في القرن الرابع الهجري: (أن شفاعة النبي حقيقة. وأن شفاعته للمؤمنين الذي ارتكبوا ذنوبا -حتى الكبائر منها، والذين يستحقون العقاب- حقيقةٌ مقررة). لقد قبلت المدارس الكلامية السنية الأرثوذكسية عقيدة الشفاعة، ولكنها كانت مثار جدل محتدم في القرنين: التاسع والعاشر الميلاديين حتى إنها رُفضت من قبل المعتزلة. لقد أصبحت الشفاعة مصطلحا مفتاحياً في علم الكلام الإسلامي وفي الاعتقاد العام، ومع ذلك فإن مفهوم الشفاعة -باعتباره شفاعة الأنبياء لأتباعهم يوم الحساب- لا يظهر بجلاء في القرآن. إن السياقات التي ظهر فيها فعل (الشفاعة) واشتقاقات مصدر (شفع) تشير بجلاء إلى من يعرفهم الشفعاء على أنهم آلهةٌ عُبدوا من قبل المشركين، أو ملائكةٌ، أو بتضمن كليهما؛ لذا فليس من المستغرب أن يكون الاتجاه العام لسياقات الشفاعة في القرآن سلبياً. بعبارة أخرى، إن القرآن يشدد على أن الشفعاء المنتظَرين (الآلهة، المُسمَّين أيضا قرابين، الوسطاء) لن يكون لهم أي سلطان في ذلك اليوم.

إن فكرة امتلاك الأنبياء (لاسيما محمد وإبراهيم) لسلطة الشفاعة يجب أن تفهم وتفسر آخذاً بعين الاعتبار سياقات (الشفاعة) التي تدل على أنها لم تستخدم إلا مسبوقة بأداة الشرط (إلا)، وبالتصاحب مع فعل (استغفر). وتحليل سياقات (استغفر) (وهي أحيانا سلبية وأخرى إيجابية) مهمٌ بقدر أهمية تحليل سياقات الشفاعة من أجل تقرير ما يقوله القرآن حول هذه القضية المعقدة، التي تتداخل مع عدد من الأفكار القرآنية المهمة.

المحور الثاني: الخط والنحو

ـ علم الدلالة التاريخي والتزامني: الحقل الدلالي لـ(قوم) في ضوء علم الدلالة الإدراكي ونظرية المجاز المفهومي: توماس هوفمان (جامعة كوبنهاغن).

تضع هذه الورقة نفسها في سياق تراث التحليل الدلالي للقرآن، من الجرجاني حتى إيزوتسو وزامِّت، ولكنها تسعى لجمع بعض المبادئ والنظرات اللافتة الجديدة المكتسبة من علم الدلالة الإدراكي.

يحتل جذر (قوم) مكانة مركزية في العالم الدلالي للقرآن. هذا الجذر يَرِدُ بعدة أشكال نحوية، مثل أنماط الفعل الخمسة، فبعضها لازم (قام) وبعضها متعدٍ (أقام)، وبعضها اسم فاعل(مستقيم) وبعضها صفة (قويم) وبعضها مصدر (تقويم) وهكذا. إن جذر (قَوَمَ) -كما تُظهر الأمثلة- يستدعي حقلاً دلالياً يتراوح بين معاني الاستقامة النسبية المشيرة إلى المواقف والأوضاع والمسافات المادية إلى المعاني المجردة والمجازية (غالبا ما تكون أخلاقية وتنظيمية ومعرفية) مثل التركيب التعبدي: الصراط المستقيم، أو دينا قِيَماً.

من خلال توظيف نظرية علم الدلالة الإدراكي على ما يُطلق عليه أنماط الصورة والمجازات المفهومية، يحاول الباحث أن يثبت أن المفاهيم المجازية والمجردة -مثل: الأخلاق والنظام والحقيقة- مرتبطة باتساقٍ والتجاربَ المادية الأساسية المتكررة، وأن هذا الارتباط الحقيقي يدعم دلالية (قوم) المقنعة. ولكن (قوم) ينبغي أن تُربط بدلالاتها السياقية والنظيرة (مثل سياقات (الطريق) و(المعوَجّ)) وما تشترك فيه مع أضدادها، ومع اللغات ذات الصلة (مثل العبرية والآكادية والإنجليزية والروسية) وأيضاً بالنصوص الدينية ذات الصلة، خصوصا التنخ.

هكذا، تحاول هذه الورقة أن تثبت أن التجربة المادية الأساسية تقدم مصدراً نافعاً للبناء الإدراكي، الذي يمكن تفصيله دلالياً ومجازياً ضمن بيئة ورؤية للعالم خاصتين.

ـ التناص الشعري: بحث دلالي معجمي في جذر (كفر): غسان المصري (جامعة برلين الحرة).

إن أحد الأعمال المعروفة جدا في علم الدلالة القرآني في القرن العشرين هو كتاب ايزوتسو (بنية المصطلحات الأخلاقية في القرآن). على الرغم من أن كثيراً من استنتاجاته بحاجة إلى مراجعة، فإن عمل ايزوتسو نجح في التنبيه إلى حتمية المنهجية الدلالية القابلة للتطبيق، مهما كانت المقاربة التي يتبناها الباحث. هذه الورقة تناقش بشيء من التفصيل عمل إيزوتسو، لاسيما معالجته لجذر (كفر)، مقدمةً اقتراحات لتوسيع منهجيته. على خلاف ايزوتسو، المنهجية المقترحة تأخذ بعين الاعتبار الطابع التطوري للمفاهيم القرآنية، متتبعة حياتها كما تتجلى ضمن السور وفيما بينها. وأيضا، بينما اعتمد ايزوتسو على المفسرين التقليدين، فإن المنهجية الحالية ستقوم على استخدام منظَّم للمصادر المعجمية المبكرة في تجريد عناصر الدلالة المحورية للجذور المستعملة في القرآن. إن النظرات المستفادة من المعاجم ستمكننا من استكشاف الاستخدام القرآني الخاص للغة ضمن نصه الخاص، وتقديم لمحات عن رؤية العالم التي يؤسِّسها. إن الهدف المبدئي لهذه التجربة هو توظيف المعاجم منهجياً في الدراسات القرآنية، وهو ما سيؤدي أيضاً إلى تخفيف قبضة التراث الكلامي على فهمنا للغة النص المقدس، وبالتالي فتح الأبواب أمام فهم لغوي أصيل للقرآن.

ـ القراءات العشر اختلافُ مخطوطات: العلاقات الداخلية والاعتماد المتبادل: كريستوفر ميلشيرت (جامعة أكسفورد).

إن القراءات العشر المعتمدة للقرآن تُنسب إلى قرّاءٍ من القرن الثامن وبدايات القرن التاسع للميلاد. وهي كما قيل تمثِّل -إلى حد ما- القراءات الشائعة في مختلف المراكز الجغرافية. على سبيل المثال، يقرر ابن مجاهد أن قراءة نافع كانت اختياره الشخصي من بين خمس قراءات مدنية سابقة. بالجملة، القراءات العشر تتضمن قراءتين من المدينة، وواحدة من مكة واثنتين من البصرة وواحدة من دمشق وثلاثاً من الكوفة وواحدة من بغداد. ولكن القارئ أبا معشر الطبري (ت 478هـ) يميل في كتابه (القراءات الثماني) إلى جمع قراءات مختلفة لهذه المراكز الجغرافية.

يقترح الباحث في هذه الورقة أن نعتبر القراءات ناتجة عن اختلافات مخطوطاتية: أي، أن ننشئ شجرة لنرى أيَّها يتعلق بأيِّها. فإذا وجدنا أن القراءات المدينية -مثلا- مرتبط بعضها ببعض أكثر من غيرها في المدن الأخرى؛ سنعلم أن رؤية أبي معشر الطبري كانت صحيحة. بل ربما كانت هناك أدلة على النقل من مدينة إلى أخرى. مثلا: خلف البغدادي كان له قراءة خاصة، ولكنه عرف قراءة حمزة الكوفي ونافع المدني وعاصم الكوفي. إنه حري بالاهتمام إذن، أن نتأكد فيما إذا كانت القراءات من نفس المراكز متفقة مع بعضها أكثر من القراءات من مراكز أخرى.

المحور الثالث: أعلام القرآن وتشكيلهم فيه

ـ تشكيل الشخصيات في القرآن: مستنصر مير (جامعة يونغستاون).

تحاول هذه الورقة أن تطور مقاربة لدراسة الشخصيات القرآنية. إنها تثير عدداً من الأسئلة وتحاول أن تجيب عليها: ما أهمية الشخصية في القرآن؟ ما أنماط الشخصيات التي يقدمها القرآن وفي أية ظروف يقدمها؟ ما التقنيات الموظَّفة في القرآن لرسم هذه الشخصيات؟ كيف يرتبط التشخيص القرآني بالتخييل القرآني؟

هذه الورقة ستقارن أيضا التشخيص القرآني بالتشخيص التوراتي الإنجيلي، بحثا عن التشابهات والاختلافات بين المقاربات المعتمدة من قِبل كلا النصين للشخصية.

ـ النبوة والسلطة والأهلية: لقاء سليمان بملكة سبأ: جمال إلياس (جامعة بنسلفانيا).

إن لقاء سليمان بملكة سبأ هو واحدة من قصص الأنبياء المحيرة المذكورة في القرآن. لقد سُردت هذه القصة بمفردات مختصرة جدا ومحكمة جدا، حتى إنه كثيراً ما يخفى المتكلم: هل هو الله أم سليمان أم ملكة سبأ أم طرف رابع؟ وهذا الإيجاز يمكن أن يُفسَّر بعدد من العوامل. ولكن بغض النظر عن الأسباب الكامنة، فإن هذا اللقاء قد استحوذ على مخيلة أوائل الكتَّاب المسلمين الذين زخرفوا البيان القرآني الموجز بتفاصيل غنية جدا. وقد ركز هؤلاء الكتاب على عناصر مخصوصة من هذا اللقاء، وتفسيراتهم للحوادث التي وقعت بين سليمان وملكة سبأ تقدم نظرة ممتعة عن اهتمامات بعض العلماء المعروفين في الإسلام وقيمهم قبل تفكك الخلافة في بغداد.

تحاول هذه الدراسة - من خلال دراسة العرض القرآني كما شرح وذُيِّلَ من قِبَل أهم المؤرخين والمفسرين (مثل ابن كثير والطبري وفخر الدين الرازي ووهب بن منبه والثعالبي) - أن تظهر أن لقاء ملكة سبأ بسليمان كان أحد أهم الأحداث المحددِّة للأفكار الإسلامية التقليدية عن الأهلية الجنسية (الذكورة والأنوثة) للنبوة والمُلك، وعن طبيعة الإلهي.

ـ فرعون في القرآن: آدم سيلفرستاين (جامعة أوكسفورد).

ترمي هذه الورقة إلى النظر في الصورة التي قدمها القرآن عن فرعون في السياق الواسع للشرق الأدنى. وذلك من خلال ثلاثة أسئلة:

1- إلى أي مدىً تدين أوصاف فرعون في القرآن إلى أوصافه الكتابية؟

2- لو افترضنا وجود اختلافات بين الفرعون القرآني والفرعون الكتابي، كيف يمكن أن نفسر هذه الاختلافات؟

3- ما الذي تخبرنا به هذه الاختلافات حول السياقات الثقافية الدينية للقرن السابع الميلادي في جزيرة العرب؟

هذه الأسئلة يجاب عنها من خلال الاعتماد على مصادر ذات نطاق واسع من الدوائر التوحيدية القديمة والمتأخرة، بالإضافة إلى التفاسير المبكرة. وتكشف أنه على الرغم من أن القرآن كان على بالٍ من الفرعون الكتابي (أو يَفترض أنه على بال من المستمعين)؛ فإن هناك طرقا بارزة مُيِّز من خلالها الفرعونُ القرآني بوعيٍ عن الفرعون الكتابي.

ـ نبوة ذي القرنين: كيفن فان بلاديل (معهد الدراسات المتطورة ببرنستون).

لقد كان نولدكه (1890) أول من أظهر أن قصة ذي القرنين في القرآن إنما تحاكي جزئياً نصاً سريانيا كتب حوالي 630 ميلادية، يدعى في البحث الحديث أسطورة الإسكندر (حتى تتميز عن قصة الإسكندر البطولية الشهيرة). إن هذا النص السرياني -كما بَيَّنتْ بتفصيلٍ من قبلُ غيريت رينينك- جُمع ليقدم الدعم السياسي لهرقل عقب انتصاره على الإمبراطور الساساني خسرو الثاني، وليعيد توجيه العواطف التنبؤية لذاك الزمن باتجاه توقع الإمبراطورية الرومانية المسيحية العالمية التي تسبق نهاية الزمان.

إن إعادة سرد القصة في القرآن يتضمن قبولاً بالأسطورة عموماً، ولكنها بعد نزع الدعاية البيزنطية عنها، وذلك بالتركيز على توقعات الحروب العظيمة السابقة نهايةَ العالم. تبيِّن هذه الورقة:

أولاً: أن نولدكه كان محقاً في تأكيده على العلاقة بين النصين، ثانيا: أن تصور ذي القرنين نبياً تعكس اعتقادات المستمعين الأوائل للقرآن، الذين سمعوا بالأسطورة فعلاً، ثالثا: أن شرح القصة في التفاسير المبكرة يُظهر أن بعض المفسرين كان على علمٍ بتصور أكثر اكتمالاً عن أسطورة الإسكندر السريانية، بينما تعمَّد مفسرون آخرون -رغم وعيهم بالأصل- إخفاءَ الربط بين النصين. وقد أدّى ذلك إلى ظهور عدد من التفسيرات المختلفة والمعارِضة لهوية ذي القرنين العجيبة، التي استمرت في تراث الأساطير المعقد حتى اليوم، ولكن فكرة أن ذي القرنين كان الإسكندر (متعذر تفسيرها بغير الأسطورة) لم تختفي نهائيا.

المحور الرابع: عناصر التناص في القرآن

ـ الحواميم: التناص في السور المكية المتأخرة: إسلام دايه (جامعة برلين الحرة).

من بين التسع والعشرين سورة المبتدَأة بالحروف المقطعة، سبعٌ منها يبدأ بحرفي (حم)، وهي السور: غافر، فصلت، الشورى، الزخرف، الدخان، الجاثية، الأحقاف، وسورة الشورى ابتدأت بحم عسق. هذه السور عُرفت في المصادر التراثية الإسلامية بالحواميم. وتثبت هذه الورقة أن القراءة التناصِّية المتنبِّهة للتطور الزماني لهذه السور سوف تعزز الفكرة التي لم تزل جنينية، حتى الآن، بأن هذه السور مترابطة.

لقد حظيت فكرة انسجام السورة بعناية جيدة في العصر الحديث، ولكنها يجب أن تُوسَّع حتى تتضمن وجود جملة من السور المنسجمة. إن فكرة السور التي تشكل ثنائيات أو ثلاثيات أو رباعيات ليس جديدة كليا؛ فقد شرح المفسر الباكستاني أمين أحسن إصلاحي (1903-1997م) فكرة ثنائيات السور ومجموعاتها، واعتبرها مهمة ومركزية في العمل التفسيري. واقترح آخرون تجميع السور التي تتضمن مثلاً ما يدعى (سور الرحمن)، أي السور التي تحوي تكرارا ملحوظا لصفة (الرحمن)؛ ومن ذلك أيضا مجموعة (المسبِّحات)، أي السور التي تبدأ بفعل (سبَّح)، واشتقاقاتها مثل يسبِّح وسبَّح. إن تحديد مجموعات السور والعلاقات الظاهرة بينها إنما تقوم على القراءة التناصِّية التي تهدف الربط بين الاعتبارات البنيوية والتاريخية.

ـ التشريع ووظيفته في نصين قرآنيين: جوزيف لوري (جامعة بنسلفانيا).

تشرح هذه الورقة نصين تشريعين من القرآن (الأنعام 136-153) و (الإسراء 22-39) سعياً لفهم دورهما في تشكيل البنية الخطابية للقرآن ومحتواه التشريعي. يعكس هذان النصان بوعيٍ الوصايا العشر الكتابية بطريقة متميزة. فالنص في سورة الأنعام يحدد بدقة الأنماط الحاكمة للمجتمع القرآني في علاقته بالقانون الكتابي و (ربما) بعادات المشركين؛ وخلاصته: أن المجتمع القرآني خاضع لعدد أقلَّ وأكثر معقولية من الواجبات التي كانت مترتبة على المجتمعات الأخرى. على خلاف النص في سورة الإسراء، الذي يشير إلى استمرار فعالية القانون الكتابي في المجتمع القرآني. وتكمن أهمية هذا التعارض في أن سورة الأنعام تلخص -جزئيا على الأقل- ما جاء في سورة الإسراء.

إن مقارنة الاستخدام الجدلي المختلف لهذه المادة، بالإضافة إلى مساهمتها المعتبرة في بناء كلتا السورتين، سيدفعنا إلى الأخذ بعين الاعتبار بناءَ السورتين محل البحث، ودور التشريع في الخطاب القرآني، والعلاقة المعقدة للقرآن بالكتاب المقدس، وتلقي التشريع القرآني في التفاسير المبكرة والفقه الإسلامي.

ـ موسى الحروفي: أورخان ميرـ كازيموف (معهد الدراسات التطبيقية العليا).

الحروفية حركة إسلامية ولدت في إيران في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الميلادي، أسسها فضل الله الاسترآبادي (796هـ). إن موسى هو أحد الأنبياء المهمين في (جوادن نامه)، العمل الأساسي لفضل الله والنص المؤسِّس للعقيدة الحروفية. يقدم (جوادن نامه) تفسيراً مسهباً للقصص القرآنية الأساسية المرتبطة بموسى: الألواح التي كتبها الله بنفسه وأعطاها لموسى، النار وصوت الله القادم من الشجرة، عصا موسى وتحولها إلى أفعى، شق الماء، الأربعون ليلة في صحبة الله.. إلخ. على الرغم من أن (جوادن نامه) أُسِّس على القرآن، فإنه استفاد أيضا من العهد القديم (خصوصا سفر الخروج) لإضافة بعض التفاصيل على قصة موسى مما لم يذكر في القرآن: الألواح المكسورة، مقاسات خيمة الميعاد...إلخ. إن (جوادن نامه) يعترف بأصالة النصوص القرآنية والكتابية لكي يثبت ويظهر بعض المواقف المحددة للعقيدة الحروفية. والملمح المميز جداً لهذه العقيدة يحدد أيضا الرؤية الحروفية للقصة النصية لموسى ودعوته النبوية.

ـ اعترافات إرميا ومحمد المعزَّى: الاتفاق والاختلاف الرمزي بين القرآن وأسفار الأنبياء: نيكولاي سيناي (أكاديمية العلوم ببرلين).

تحاول هذه الورقة أن تستكشف نقاط الاتصال والانفصال بين السور المكّية وأسفار الأنبياء في الكتاب العبري، هذه الكتب تحمل قدراً كبيراً من التشابه الشكلي والموضوعي مع القرآن، بخلاف أسفار موسى الخمسة بقصصها التاريخية متعددة الأجيال، وتنظيماتها المفصَّلة، وبخلاف التجميعات اللاهوتية المتأخرة مثل كتابات الربيين.

وخطة هذه المقارنة تقوم على رؤية تفترض حصول بناء مبدع واستيعاب للكتب السابقة، لا اقتباسٍ نصي مباشر أو استعارة. وهذا ما سيبرهن على أن الفكرتين الأساسيتين لأوائل السور نزولا: نقدُها الشديد للظلم الاجتماعي والاستقلال المطلق للبشر من جهة، وتمثيلُها التصويري لحقيقة الحساب الذي لا مفر منه، يمكن أن تفهما على أنهما استفادة مبدعة من أسفار إشعيا وإرميا وحزقيال ودانيال، التي تتضمن في شكلها المختزل النهائي نزعة تنبؤية مثل يوم الحساب الإلهي العالمي والفردي، وبعث الموتى. في هذا الإطار سيُبحث أيضا عن المتوازيات المفهومية، مثل حقيقة أن كلا من حزقيال ومحمد قد كُلِّفا بمهمة إنذار الناس وتحذيرهم. كما تقترح الورقة أن السور الثلاث الخاصة بالمواساة والتسلية (الضحى والشرح والكوثر) يمكن أن ترتبط بالفكرة الكتابية عن معانة النبي من مهمته ومنصبه كما عُبِّر عنها مثلاً في اعترافات إرميا.

المحور الخامس: الحوار والخطاب وصدى القصص القرآني

- جماليات التعارض: الشرك والرمزية في القصص القرآني: تود لاوسن (جامعة تورونتو).

إنه من الملحوظ أنه لا يهم من أين تبدأ قراءة القرآن، أو ما الترتيب الذي تقرؤه به، (فهو هناك كله، في كل حين). تركز هذه الورقة على خصيصتين لأسلوب القرآن ومضمونه يُظَن أنهما ستساعدان في شرح فائدة هذه الملاحظة. هاتان الخصيصتان هما: الثنائية/التعارض، والتصوير الرمزي (التيبولوجي). ومن خلالهما يحصل (تيار قصصي) مطرد ومستمر خلال القرآن. إذن، قد عوِّض عن غياب القصص بهذين الشكلين/الخصيصتين المستعملتين باطراد.

ومن المفيد أن نعلم أن هاتين الخاصتين كلتيهما قد أفردت كمميز للنبوءة باعتبارها فرعاً في دراسة تراث الثقافات والأديان المتعددة. إن الجدل حول كون القرآن مثالاً صادقاً على الأدب التنبؤي لا يزال مستمراً، كما إنه من المهم أن نلاحظ عدداً من الخصائص الأساسية الأخرى للوظيفة التنبؤية يختلف من حيث الظهور في النص. في هذا السياق تم مناقشة تفاعل التعارضات والثنائيات المفهومية والمادية؛ لإبراز المكانة المهمة لهذه الخاصية في شكل الكتاب ومضمونه. ولإثبات أن وظيفته مرتبطة بشكل أساسي بالشخصنة التصويرية الثابتة في التصوير القرآني لشخصيات الأنبياء مثلاً، وبالتالي بالنبوة.

ومن خلال دراسة سورة البقرة، السورة التي اعتبرها التراث التفسيري الكلاسيكي صورة مصغرة عن القرآن، تخلص الورقة إلى اقتراحٍ من منظور مقارن، مفاده: أن القرآن يمكن أن يُميَّز عن غيره من الكتب المقدسة الأخرى بدرجة استعمال النص للثنائية (وليس المثنوية) وتشكله بها. وبغض النظر عن مدى تمثيلية هذا للأدب التنبؤي، فإن شيوع هذه الخاصية المتكررة تُبقي القرآن عرضة لقراءة معبِّرة عما يُدعى التخيُّل التنبؤي. هذه الورقة سوف تخلص ببعض الملاحظات عن مركزية الثنائية والرمزية في دراسة الأسلوب القصصي القرآني المميز، وفي تفصيل الشخصية وتصويرها أيضا.

- قصة شعيب في القرآن: ديفن ستيوارت (جامعة إيموري).

إن ردة الفعل العلمية على كتاب وانسبرو (الدراسات القرآنية) اقتصرت، حتى اليوم، على تحليل بيرغ وريبن، بالإضافة إلى نقد دعوى هذا العمل الأكثر إثارة للجدل، وهي أن القرآن قد جُمع خارج الجزيرة العربية بعد قرنين من وفاة محمد. وقليل من الاعتبار أعطي للأفكار المتينة التي صاغها وانسبرو بخصوص عملية جمع القرآن. لقد بدأ وانسبرو ملاحظاته بقوله: (كوثيقة قابلة للتحليل بوسائل وتقنيات نقد الكتاب المقدس إنها نظريا غير معروفة). ويريد بالنقد الكتابي هنا -كما يتبين للمرء- النقد التنقيحي عموما (المنهجية التي طبقها ريتشارد بل على نطاق واسع، وبكثرة، في ترجمته للقرآن وتفسيره له، بالرغم من أن وانسبور أهملها) أكثر من نقد الأصل، أو نقد الشكل أو المناهج الأخرى.

إن نصوص القرآن -برأيه- المشتقة من نصوصٍ قصيرة نسبيا والمنتشرة على نطاق واسع مسبقاً، هي التي حددت المنطق النبوي، القائم على جمع الأفكار البارزة المرتبطة بالنص والنبوة. إن تحليل هذه الأفكار الرئيسة يشكل تحديا، ولكن وصف عملية التنقيح أمرٌ يستحق النظر. يأخذ وانسبور قصة شعيب كمثال حقيقي نموذجي لعملية التنقيح التي حصلت في القرآن. النسخ القرآنية المتعددة لقصة شعيب (الأعراف 85-93؛ هود 84-95؛ الشعراء 176-190؛ العنكبوت 36-37) هي حصيلة جمع النسخ الشائعة للقصة التي كانت على اختلاف قبل جمع القرآن، وهذا السيناريو مماثل بشدة لأنماط التنقيح الكتابية. تثبت هذه الدراسة أن تفسير وانسبرو فشل في الأخذ بعين الاعتبار البنية الكبرى التي وضعت فيها نصوص قصة شعيب.

يقترح التفحص المفصل لهذه النصوص في سياقاتها الحالية، بدلاً من نظرية وانسبرو، أن النص الصغير -قصة شعيب- قد صيغ وشُكِّل في كل سياق ليناسب البنية الكلية والاستراتيجيات البلاغية للنص الكبير/أي السورة ككل. والتنوعات في النص الصغير إنما تتبع في الحقيقة اختلاف التركيز في النص الكبير؛ ولذلك فمن غير الوارد أنها اشتقت من نسخ مختلفة متقدمة عليها.

- الترادف والاشتراك في القصص القرآني: عصا موسى التي أصبحت أفعى: روبيرتو توتولي (جامعة نابولي الشرقية).

يذكر القرآن حادثة تحول انقلاب عصا موسى حية في ستة مواضع مختلفة مستعملاً ثلاث كلمات مختلفة للتعبير عن الحية (حية، ثعبان، جانّ). إن استخدام كلمات مختلفة كان محل بحثٍ ودرسٍ من قبل كثير من المفسرين القدامى والمحدثين، فهو قد أثر على بناء القصص لاسيما قصص الأنبياء.

تركز هذه المساهمة -بداية- على النص القرآني، بإبراز هذه الاستخدامات المختلفة، والإشارة إلى تطور النقاش التفسيري قديماً وحديثاً من خلال كتب التفسير وكتب غريب القرآن، وبيان الاختلاف فيه. ثم تكشف عن كيفية استخدام كتب قصص الأنبياء (المخطوطة منها والحديثة) والأدب الإسلامي جملةً للكلمات القرآنية المختلفة للتعبير عن (الحية) في بناء روايتهم القصصية. فقد أثَّر استخدام كلمات قرآنية مختلفة في اختيار المصطلحات في مختلف أحداث حياة موسى، حيث تحولت عصاه إلى حية (عند الشجرة الذهبية، أمام فرعون، وفي تحدي السحرة).

المحور السادس: الاستراتيجيات التأويلية

- تفسير التنقيحيين: هيربرت بيرغ (جامعة شمال كارولاينا).

لقد عُدَّ باحثون مثل ريتشارد بل وجون بروتون وآخرين - في الغالب - راديكاليين في تفسيراتهم للقرآن وجمعه. مع ذلك، فإن رؤيتهم تستند إلى المادة التراثية الإسلامية: التفسير، السنة، السيرة. بهذا الاعتبار، فإنهم محافظون -إلى حد ما- في تأويلاتهم ولا يختلفون عن المسلمين إلا في قضايا حساسة محدودة، وليس بأي حال في المنهجية.

أحد الملامح البارزة للباحثين التنقيحيين هو أنهم يشككون في تاريخية كل هذه المادة التراثية سعياً في تأويل القرآن. مع ذلك، فإن هؤلاء الباحثين، مثل جون وانسبرو،و ج. ر. هوتينغ، وباتريشا كرون، استمروا في قراءة القرآن وتأويله، موظِّفين -في غياب (ما هو بالنسبة لهم) مواد تراثية مزيفة- معايير أخرى لم تُطبَّق من قبلُ في قراءة القرآن. إن تأويلاتهم ومنهجياتهم استبعدت تماما تأويلات المفسرين التقليدين ومنهجياتهم وسخرت منها.

- ترجمتان للقرآن إلى لغة الهوسا وتأثير الولاءات الصوفية والأشعرية في نيجيريا المعاصرة: أندريا بريغاغليا (جامعة نابولي).

في نهاية السبعينيات، تكفَّلت المملكة العربية السعودية بطباعة أول ترجمة للقرآن إلى لغة الهوسا، اللغة الأساسية لمسلمي شمال نيجيريا. هذه الترجمة ألَّفها قاضي قضاة شمال نيجيريا، المفكر المصلح أبو بكر محمد غومي (ت 1992م). أثارت هذه الترجمة فور صدورها جدالات متعددة، حيث اعتمدت بشكل واضح وجليٍّ على مجموعة من القواعد العقدية المعادية للصوفية والمعادية للأشعرية؛ متحديةً بذلك بعض المعتقدات الأساسية للقاعدة النظرية التقليدية للثقافة المحلية. كما أن هذه الترجمة -التي سمحت لعوام المسلمين بالاقتراب من القرآن على نحو منفرد- قد حدثت في وقت تلا مباشرة إطلاق برنامجUPE (التربية الأساسية العالمية) في 1976م وفصل مدارس الدولة العلمانية والمدارس الإسلامية الحديثة، والتآكل السريع للتحكم الشامل للعلماء التقليدين في نقل المعرفة الدينية من خلال القرآن والتعليم الإسلامي غير الرسمي. لقد ثار العلماء التقليديون على ترجمة غومي الإصلاحية، فرفضوها رسمياً واتهموها بمحاولة نشر الوهابية والتفكير الحر. بعد سنوات قليلة، هذا الرفض تجلَّى في ظهور ترجمة معارضة من قبل محمد الناصر كابارا (ت 1996م) وهو أستاذ سابق لغومي، وشيخ فرعٍ نشط من الطريقة القادرية في كانو.

من خلال تحليل أفكار خلافية مختارة من هاتين الترجمتين تحاول هذه الورقة أن تنبه إلى الجدال المحيط بترجمة القرآن في غرب إفريقيا المعاصر، مظهرةً مقدار انخراط الباحثين الأفارقة في اللغات وفي مصادر التفسير الإسلامي التقليدية، وفي القراءات المعاصرة المستمرة للسلطة التأويلية التراثية.

- القراءات القرآنية للمزامير: أنجيليكا نيوفرت (جامعة برلين الحرة).

على الرغم من أن القرآن يشير إلى المزامير كمجموعة نصوص كتابية (الزبور)؛ فإن صلة القرآن بالمزامير -بخلاف التوراة والإنجيل- ليست موصوفة بوضوح بأنها تصديق وجمع لذلك الكتاب. فالمزامير في القرآن ليس لها إلا دور هامشي كسلطة كتابية. مع أن نصوصا مزمورية متفرقة موجودة بوضوح في القرآن، وليست منعكسة فقط في عدد من الاستعارات القرآنية، ولكن منعكسة في رؤيتها للعلاقات الإنسانية الإلهية لاسيما في السور الأقدم.

تحاول هذه الورقة أن تقتفي أثر الإحالات القرآنية إلى آيات المزامير، محلِّلةً الصياغة القرآنية للمزامير في النصوص المكية. إن النظر في التشابهات الشكلية والدلالية بين المزامير والسور الأولى يستدعي منهجيا مشكلة (الإحالة النصية) في مقابل (الإحالة الشخصية): فهل يجب أن تُقرأ نصوص قرآنية معينة كإحالات إلى الخبرات الشخصية للنبي؛ أو كإحالة إلى أدب روحي تقوي موجود فعلاً؟

تتفحص هذه الورقة وظيفةَ الإحالات الرمزية إلى المزامير الموظَّفة كاستراتيجية نصية في السور المدنية اللاحقة، وتحاول أن ترسم مخططا لتطور هذا التجلي -غير الحكائي- للتناص الكتابي في القرآن.

- القرآن وفكرة التناسخ: أنماط التأويل في كتب العقائد العلوية: أنونزيتا روسو (جامعة ماسيراتا).

تعنى هذه الورقة بنوع من التأويل العَلَوي (التأويل الباطني) للنص القرآني، من خلال دراسة بعض النصوص المقتطفة من الأدب العَقدي العلوي. مثل أجزاء من كتاب (البدء والإعادة)، وهو نص عقدي علوي لم يذكر حتى اليوم في أعمال العلويين والنصيريين التي جمعها ماسنيون. هذا العمل كتب في القرن الخامس/الحادي عشر من قبل العَلَوي أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن هارون البغدادي، واعتمد على روايات وسلسلة من المرجعيات التي تعود إلى الإمام الشيعي الثاني عشر.

تعالج هذه المقتطفات مسألة عقيدة التناسخ. فقد تطورت هذه العقيدة في خمس مراحل مبدئية أساسية: النسخ الفسخ الماشخ الواشخ الراشخ، كل هذه العمليات التقمُّصية شُرحت في ضوء التأويل العلوي لبعض الآيات التي اقتبسها المؤلف لكي يثبت الاختلاف بين المؤمن والكافر فيما يتصل بالجزاء والعقاب بعد الموت من خلال مصطلحات البعث والنشر في درجات مختلفة.

هذه الدراسة مدعومة أيضا بالمقارنة مع نصوص من الأعمال الدينية العلوية الأخرى، وكذلك مع بعض التفاسير الشيعية وبعض الأحاديث المجموعة في موسوعة بحار الأنوار.

المحور السابع: الثقافة المادية في القرآن

- ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ﴾: سياسة النميمة في يثرب في القرن الأول للهجرة: عائشة كيسنجر (جامعة ميشيغان).

إن إشارة القرآن إلى الغيبة والنميمة المنتشرة يدل على أن هذه الأنماط من الكلام قد أسهمت بدور هام في الحركة السياسية والاجتماعية في القرن الأول/السابع في يثرب؛ لذا فالنص القرآني لم يكتف بمجرد الإشارة إليها أحيانا، بل استجاب لها مباشرة في أحيان عديدة. وأشهر مثال على ذلك ما جاء في الآيات (1-4) من سورة التحريم حيث تظهر زوجتان من أزواج النبي؛ لأن إحداهما أفشت سراً. إن الباحثين النقديين استنتجوا عادة -بسبب من تأثرهم بتراث أسباب النزول الذي يذكره المفسرون- أنها تشير إلى حادثة عرضية صغيرة في حياة محمد العائلية، ويميلون لذلك إلى التقليل من أهميتها في بناء السياق الاجتماعي السياسي للقرآن. تكشف هذه الدراسة، من خلال قراءة معمقة لهذه السورة، عن البروز السياسي للنميمة في مجتمع محمد، وتعيد الاعتبار لما شكَّل السلطة والتأثير، وكيف تم ممارستهما، ومن قِبل مَن؟ كما تشير إلى أن زوجات النبي قد لعبن دورا مؤثِّرا في المجتمع في حياة محمد أكثر مما ظُنَّ عادة.

- الثياب في سورة يوسف: ف. غريفينهاغن (جامعة ريجينيا).

تُوظَّف الثياب في القصص المقدس بطرق مختلفة. فقد تستخدم للدلالة على لابسيها، أو للدلالة على أثر التغيرات في اللباس على المكانة، أو للدلالة على النقلات الروائية. إن الثياب تكشف وتغطي. إن رمز (الثياب)، وخاصة قميص يوسف، يظهر في اثنتي عشرة سورة من القرآن. إنه يتقاطع مع الأفكار المعرفية والأخلاقية والجمالية للحقيقة والكذب، الخير والشر، الجمال والقبح. تكشف هذه الدراسة عن الأسس الممكنة لهذه الحركية النصية، وعن عالم الأفكار الذي تثيره في البيئة الثقافية والمادية للعالم القديم. فاعتماداً على تحليل المادة الأدبية للنص نفسه سيتم تشكيل صورة عن دلالات الشيفرة الردائية للسورة واستعمالاتها في الخطاب. كما سيتم عرض دلائل نصية مقارنة، ودلائل أركيولوجية وفلكلورية وأثنوغرافية؛ وذلك للكشف عن الروابط بين الشفرة الردائية وبين سياق ألفاظ السورة. فهذه الدراسة الاستكشافية التجريبية تطمح للإسهام في تثوير العالم المادي للقرآن.

المحور الثامن: الخط والمصاحف القرآنية

- أوراق أموية من المصحف وتأريخها: ياسين دوتن (جامعة كايبتاون).

في ظل غياب مخطوطات مؤرَّخة بدقة، فإن مشكلة تأريخ المصاحف لم تزل منذ زمن طويل تشغل عقول الباحثين حتى اليوم. تبحث هذه الورقة في تأريخ مخطوطة قديمة من القرآن، سبق أن أُرِّخت باستخدام التحليل الكربوني، كما حدد تاريخها من خلال مناهج التحليل التاريخي الفني، وهو منتصف الفترة الأموية، أي السنوات الأخيرة من القرن الأول أو السنوات الأولى من القرن الثاني للهجرة.

بالإضافة إلى أسئلة التأريخ، فإن دراسة الاختلافات النصية وترقيم الآيات المستخدم في هذه المخطوطة وفي ورقتين من المخطوطة نفسها سوف يمكننا من بناء تصور عن القراءة المعتمدة فيها ونظام ترقيمها. فهي مخطوطة كتبت على القراءة المكية التي عرفت فيما بعد عن طريق قرائها كابن كثير وابن محيصن وقرنائهم وأسلافهم.

إن مقارنة إضافية بين هذه المخطوطة وغيرها من المخطوطات المشابهة تسمح بمزيد تأكيدٍ للتأريخات المؤقتة لها، كما تقدم صورة أوضح عن ملامح ما يدعى (الخط الكوفي) في مراحله الأولى في القرنين: الأول والثاني، وتساعد على فهم أفضل لتطوره العام.

- دور النقوش القرآنية والدينية في باكران بأصفهان: تهنيات مجيد (متحف كليفلاند للفنون).

منذ عهود مبكرة، اعتمد الحكام في العالم الإسلامي الرجوع إلى الدين من أجل تحصيل الشرعية السياسية. ومن أجل هذه الغاية، استخدمت نقوش دينية وقرآنية معينة لتظهر كشعار شامل يعكس العقيدة الحاكمة. لقد أثَّرت الارتباطات العقدية والطائفية بوضوح في اختيار النصوص. وضمن هذه القاعدة، وإضافة إلى الامتيازين الرئيسيين للحاكم، الخطبة والسكة، فإن النقش المعماري قد استخدم أيضا كوسيلة فعَّالة لتطوير هذه الاهتمامات. فحالما أعلن الإليخاني أولجيتو الشيعية الاثني عشرية دولة دينية في 709/1309، رأينا تحولات منظمة واضحة في محتوى النقوش المعمارية في ظل الإمبراطورية الإلخانية.

تحاول هذه الورقة أن تركز على دور النقوش القرآنية والدينية في بقعة بيري باكران في التأكيد على العقيدة الشيعية لأولجيتو في أصفهان. البقعة التي بنيت في 698/1299 خضعت فجأة لجملة من إعادة التصميم في 712/1312 بحيث منحت النقوش القرآنية والدينية إبرازاً مرئيا أساسيا. يهدف هذا العرض، من خلال تحليل شكلي وفراغي وسياقي للمخطط النقشي والخطي، إلى بيان الاستغلال المنظَّم والواعي لنقوش قرآنية ودينية مختارة من أجل التعريف بالعقيدة الحاكمة للدولة الإلخانية.

- من النوزي إلى المدينة: إعادة قراءة للآية 12 من سورة النساء: ديفيد بورز (جامعة كورنل).

في بداية الآية 12 من سورة النساء نقرأ حرفيا: (دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ)؛ وتفسيرها التقليدي هو: إذا ترك رجل أو امرأة إرثه للعصبات الأقارب البعاد. في مخطوط نشر في 1986، اقترح الباحث أن القراءة الأصلية لهذا الجزء من الآية كان: (وإن كان رجل يرثه كلالة أو امرأة)؛ وأنه كان يعني أصلا: إذا رجل حدَّد كَنَّته أو زوجته كوارثة.

تشرح هذه الورقة شكلين من الأدلة الوثائقية التي تدعم هذه النظرية. أولهما: موجود في الألواح المسمارية المكتوبة في مدينة (نوزي) (في العراق) في أواسط الألفية الثانية قبل الميلاد. فقد وجدت في عدد من عقود التبني مرادفات آكادية للجملة القرآنية كلالة وامرأة. الجزء الثاني من الدليل موجود في المخطوط القرآنية الموجود في المكتبة الفرنسية 328a المكتوب بالخط الحجازي. إن الفحص المجرد لهذا المخطوط تبين أن ناسخاً ما قد محا على الأقل كلمة من الكلمات في الآية وأعاد كتابتها، مغيراً النص الملفوظ أو التهجئة بإضافة أحرف. التهجئة الأصلية للكلمة ربما كانت كلّة، وهي كلمة غير معرفة في العربية ولكنها تشاركها في الجذر والاشتقاق وربما المعنى، كما هو الحال في مرادفها السامي؛ وكلها تعني زوجة أو كنَّة. وتحاول هذه القراءة أن تؤيَّد من خلال قراءة بالأشعة تحت الحمراء للمخطوط.

- لا تحرقه النار: جدل مبكر حول القوة الخارقة للمصحف: ترافيز زاده (كلية هافرفورد).

تبحث هذه الورقة في الخلافات القديمة حول حرمة المصحف القرآني، بالتركيز على طائفة من التأويلات لعدد من الأحاديث المتداولة بكثرة، مثل حديث: (إذا كتب القرآن على جلد فإن النار لا تأكله). لقد استدل العالم السني الموسوعي ابن قتيبة (ت 276) في (تأويل مختلف الحديث) بهذا الحديث على القوة الخارقة للقرآن. هذا الرأي، الذي ظهرت آثاره في كتب فضائل القرآن، يدل على التبجيل الشعبي للمصحف كوعاء مادي للكلام الإلهي، وكأنه يملك قوة طلسمية. فقد كتب على الأحجبة من أجل التعويذ، وربما أُكل أحيانا.

ولكن المتكلم الاثني عشري الشريف المرتضى (ت 436/1044) ينفي صحة هذا الحديث؛ إذ يحتج لرأيه عن المصحف بأنه جسم مادي لا يملك أي تفوق خاص يميزه عن أي نص آخر، وأنه حين يُحرَّف أو يُنسى من قبل البشر فإنه سيختفي للأبد. هذا الموقف يشكل جزءا من بحث المرتضى الكلامي الأوسع في طبيعة القرآن كوحي وفي إيمانه بالصرفة كسبب أساسي لإعجاز القرآن. مثل هذا الموقف المتطرف معارض تماماً للمقاربات التي تشير إلى الطبيعة الإعجازية للقرآن كموجود مادي وكوحي إلهي. تبحث هذه الورقة في دلالات هذه الجدالات من أجل التعمق في فهم القضايا الكلامية والفقهية المحيطة بالقرآن المادي، وفي فهم أهمية النص القرآني كموضوع للتبجيل.

********************

*) باحث سوري مقيم في مصر.

المصدر: http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=528

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك