دروس اقتصادية من تجربة الصين في مواجهة “كورونا”
الإمام محمد محمود
أدى الانتشار السريع لفيروس كورونا إلى تأثير عميق وخطير على الاقتصاد العالمي ، وقد حاول صناع السياسة وضع استراتيجيات سريعة ومحكمة من أجل مواجهة الآثار الاقتصادية لتفشي الفيروس. وقد أظهرت تجربة الصين حتى الآن أن السياسات والاستراتيجيات الصحيحة والعاجلة تُحدِث فرقًا كبيرا في مكافحة المرض وتخفيف من تبعاته ، بالرغم من أن بعض هذه السياسات تحمل كلفة اقتصادية صعبة ، لكنها في المقابل تخرج الدول من وضعية الانهيار المطلق الذي يحدثه الخلل في مواجهة هذا الفيروس.
تشير تجربة الصين أنه يمكن إيقاف فيروس كورونا من خلال سياسة الاحتواء – ولكن بتكلفة اقتصادية قد تكون كبيرة لكنها حتمية وضرورية. تسلط هذه المقالة الضوء على التجربة الصينية في مواجهة فيروس كورونا.
الخيار الصعب
إن عملية النجاح في احتواء فيروس كورونا تتم بشكل أو بآخر على حساب تباطؤ النشاط الاقتصادي، بغض النظر عن السياسات الوقائية كالتباعد الاجتماعي وفرض الحجر الطبي وفرض حظر التجوال وغير ذلك من الأساليب الوقائية التي تتبعها الدول . في وضعية الصين، قام صانعو السياسات بوضع خطط عاجلة شملت قيود على الحركة ، على المستويين المحلي والدولي – على سبيل المثال.
في ذروة تفشي المرض، فرضت العديد من المدن الصينية حظر التجول على مواطنيها، هذه السياسات رغم كلفتها الاقتصادية الناجمة عن تقلص النشاط الاقتصادي إلا أنها أثمرت نتائج جيدة في احتواء الفيروس ومنع انتشاره في المدن الصينية لذلك ساهمت هذه السياسة في السيطرة على الوضع الصحي عبر عزل المنطاق المبوبوئة وإغلاقها كما هو الحال في مقاطعة هوبي ، والتي على الرغم من المساعدة الكبيرة التي قدمت لها من بقية الولايات الصينية ، عانت بشدة لكنها ساعدت في إبطاء انتشار المرض في جميع أنحاء البلاد.
كما ساهمت سياسات الدعم والمساعدة للتخفيف من تأثيرات الفيروس على الفئات الضعيفة بشكل فعال في محاصرة انتشاره. وهكذا و مع انتشار الفيروس في جميع أنحاء العالم ، فإن المدن الأكثر تضررا في الصين بدأت تتعافى وتقدم المساعدة من خلال تجربتها ليس للمدن الصينية فحسب ولكن أيضا للبلدان التي يجتاحها الفيروس – والتي تحتاج إلى الدعم للمساعدة في احتواء الفيروس وتأخير انتشاره إلى الآخرين.
التكلفة الباهظة
خلف فيروس كورونا معاناة إنسانية رهيبة في الصين ،وفِي دول أخرى مع تواصل انتشاره، حيث تشير التنبؤات الاقتصادية إلى أن التكاليف ستكون الكبيرة ، و حسب ما تظهره المؤشرات ، فإن تباطؤ الصين في الربع الأول من عام 2020 سيكون كبيرا وسيترك أثرا عميقا على الاقتصاد الصيني لهذا العام.
خلقت التوقفات المفاجئة في النشاط الاقتصادي في الصين صدمة كبيرة أربكت خطط العرض والطلب وقد ظهرت آثار هذه الصدمة بشكل مباشر من خلال الأداء الضعيف لقطاع الانتاج الصناعي ومبيعات التجزئة خلال شهري يناير وفبراير. إن صدمة فيروس كورونا على الاقتصاد الصيني شديدة حتى بالمقارنة بالأزمة المالية الكبرى في 2007-2008، حيث تأثر الأفراد والشركات والمؤسسات المالية والأسواق في نفس الوقت – في الصين والآن التأثيرات على مستوى العالم.
الاستجابة السريعة
يتطلب التخفيف من تأثير هذه الصدمة الناجمة عن تفشي فيروس كورونا تقديم الدعم لأكثر الفئات ضعفاً في الدولة . لذلك استهدف صناع السياسة في الصين الأسر الضعيفة وبحثوا عن طرق جديدة للوصول إلى الشركات الصغيرة حيث اتخذت السلطات استراتيجيات سريعة لمساعدة هذه الطبقات والمشاريع الصغيرة – على سبيل المثال، تم التنازل عن رسوم الضمان الاجتماعي ، وفواتير الخدمات، وتوجيه الائتمان من خلال شركات التكنولوجيا المالية. كما قامت السلطات بتوجيه الدعم المالي لزيادة إنتاج المعدات الصحية وغيرها من الأدوات الضرورية التي تستخدم بكل أكبر لمواجهة تفشي الفيروس.
تتطلب حماية الاستقرار المالي اتخاذ إجراءات حازمة و قوية. لقد أظهر انتشار فيروس كوررنا كيف يمكن أن تتحول الأزمة الصحية ، مهما كانت مؤقتة ، إلى صدمة اقتصادية ينتج عنها زيادة التضخم ونقص السيولة واضطرابات السوق. في الصين ، تدخلت السلطات في وقت مبكر لدعم البنوك و الشركات التي تعاني من ضغط مالي ، في حين تركت العملة المحلية للتكيف مع الضغوط الخارجية.
ومن بين التدابير الأخرى، تضمن ذلك توجيه البنوك للعمل مع المقترضين المتضررين من تفشي المرض ؛ تحفيز البنوك على الإقراض للشركات الصغيرة من خلال تمويل خاص من البنك المركزي الصيني. كما تمتعت الشركات الكبرى ، بما فيها تلك المملوكة للدولة ، بوصول ائتمانية مستقرة نسبيًا طوال الوقت – ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى أن بنوك الدولة الصينية الكبيرة واصلت إقراضها بسخاء.
في حين أن هناك علامات مطمئنة لعودة الاقتصاد الصيني لوضعه الطبيعي – حيث أن معظم الشركات الكبرى أعادت فتح أبوابها واستقبال موظفيها بالرغم من الحديث عن وجود مخاطر كبيرة ، منها الإصابات الجديدة التي ترتفع مرة أخرى مع استئناف السفر محليا و دوليا.
حتى في غياب تفشي الفيروس مرة أخرى في الصين ، فإن الوباء المستمر يخلق مخاطر اقتصادية على سبيل المثال في ظل تفشي الفيروس في الدول الأخرى وتذبذب الأسواق المالية العالمية، يظل الحذر هو السمة الأبرز للمستهلكين والشركات، مما يؤدي إلى انخفاض الطلب العالمي على السلع الصينية، لذلك سيظل صناع السياسة الاقتصادية في الصين مستعدين لدعم النمو والاستقرار المالي إذا لزم الأمر. وبالنظر إلى الطبيعة العالمية لتفشي المرض، فإن العديد من هذه الجهود ستكون أكثر فعالية إذا تم تنسيقها على المستوى الدولي.
المصدر: https://islamonline.net/34218