المسؤولية الإنسانية المشتركة

المسؤولية الإنسانية المشتركة

عبد الرحمن السالمي*

المسؤولية الإنسانية المشتركة
عبد الرحمن السالمي*

يبدو الموقف الإنساني والدولي الآن على عتبة تطورات كبرى، تُعتبر النقلة الثانية بعد نهاية الحرب الباردة، فقد سادت في الحرب الباردة توازُناتٌ تعطيليةٌ مجمّدة، نتيجة بروز تحالفين جبارين، وقف كل منهما لخصمه بالمرصاد، سواءٌ في أعماله الخيرة أو الشريرة.

وكانت الحرب العالمية الثانية وأهوالها، قد أفضت إلى قيام المنظمة الدولية (الأمم المتحدة) وميثاقها الواعد، إضافة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد انتظرت البشرية خيراً كثيراً من وراء الميثاق والإعلان ثم جاءت الحرب الكورية وما تلاها، ليصبح التعطيل كما سبق القول، هو السائد. لكنّ المشهد الدولي بعد اندلاع الحرب الباردة ما اقتصر في الواقع على جبهتي الجبارين، بل كانت هناك حركات التحرر الكبرى في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. وقد خلقت تلك الحركات ديناميات مهمةً لجهة نشر قيم إنسانيةٍ جديدة للحرية والتحرر وكرامة الإنسان؛ متلاقية بذلك مع ميثاق الأمم المتحدة، ومع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهكذا فوسط الجمود السائد بسبب الجبهتين المتقابلتين، ظهرت منافذ ونوافذ، دعمت وحدة الإنسانية في مساعيها الحثيثة للتحرر والتقدم والقيم المشتركة المتمثلة في مكافحة الاستعمار والحروب والفقر والإساءة إلى الطبيعة والبيئة.

وانتهت الحرب البادرة في العام 1990م وظهر أملٌ جديدٌ بالعودة لنصرة القيم الإنسانية، وتحكيم المؤسسات الدولية ليس في النزاعات الصغيرة والكبيرة فقط؛ بل وفي تفعيل آليات مكافحة الفقر والعَوَز والإساءة إلى البيئات الإنسانية والطبيعية. لكن بدلاً من نظامٍ عالميٍ جديدٍ سادت فوضى دولية على حاشية أو كنتيجة لاهتمامات الولايات المتحدة بفرض أوحدية قطبية فاصطدمت من خلال المطامح والتصرفات ليس بالمؤسسات الدولية فقط؛ بل وبسائر الجهات الرافضة للهيمنة، والمكافحة ضد الجوانب السلبية للعولمة.

والأمر الذي تحدثتُ عنه في مطلع هذه السطور ناجمٌ عن تراجع الولايات المتحدة أمام الضغوط التي تعرضت لها، والحروب التي شنتها وما استطاعت الانتصار فيها. والواقعُ أنّ جزءاً كبيراً من الضَرَر الذي تسببت فيه طموحات الهيمنة، نزل بالعرب والمسلمين، كما نزل بفقراء العالم وبخاصة في إفريقيا، وبعض النواحي في آسيا وأمريكا الجنوبية والوسطى. ولذلك فإن تلك الجهات التي وقع بها الضرر الأكبر هي التي بنت الآمال الكبار على بدء العودة للتوازن الدولي، وللشراكة الدولية. ولذا فالذي أتصوره أن النظام الدولي الجديد هو نظام المسؤوليات المشتركة وفي المجالات التالية:

أولاً: اعتماد الحوار السلمي بين سائر الأطراف، وداخل المؤسسات الدولية، ومؤسسات المجتمع المدني العالمي، ولمواجهة التحديات والمشكلات، وفتح الآفاق لمستقبل إنساني مشترك ومتضامن. وهكذا فللحوار وظيفتان أساسيتان: أن يكون الوسيلة الوحيدة لمواجهة المشكلات والنزاعات، وأن يكون السبيل الوحيد لمبادرات مشتركة في نطاق المستقبل الواحد، وأن يكون داعية التواصل بين الأديان والحضارات.

ثانياً: الانطلاق في الحوار من مبدأ وحدة الإنسانية، باعتبار ذلك حقيقة واقعة، ناجمة عن تساوي الناس في الخلق، والعرق والحق في العيش الحر والكريم، والذي لا يتحقق إلا بالتعاون والاشتراك.

ثالثاً: التأكيد بالفعل ومن طريق الحوار على وجود القيم الإنسانية المشتركة، والتي وإن اختلفت مصادرها ومرجعياتها في إدراكات الشعوب والثقافات؛ فإنها تتلاقى في المسائل المصيرية. والفقهاء المسلمون يقولون إنّ البشر جميعاً يتلاقون على ستّ قيم أو ضرورات أو مصالح هي: قيمة الحياة، وقيمة الدين أو الخُلُق، وقيمة العقل، وقيمة الحياة الأسرية، وقيمة التملك، وقيمة الحرية.

رابعاً: اعتبار الفقر والعَوَز المشكلة الإنسانية الرئيسية التي ينبغي التصدي لها وبشكلٍ مشترك لصون الحياة الإنسانية، والكرامة الإنسانية.

خامساً: اعتبار "الحرب" لبلوغ أي هدف كان، ممارسةً غير إنسانية؛ وبخاصة إذا كان العنفُ بقصد الهيمنة أو فرض إرادة دولة أو تنظيم على الآخرين أرضاً وحريةً وسيادة.

سادساً: اعتبار التقدم الإنساني من طريق التنمية المستدامة هدفاً ذا أولوية مُطلقة ولدى الأفراد والدول والمؤسسات الدولية.

سابعاً: اعتبار السلام الفردي والدولي والديني والثقافي قيمة إنسانية كبرى مؤسسة على الحرية.

إنّ هذه الأمور السبعة هي مسؤوليات مشتركة لا يختلف عليها بنو البشر، وما حالت دون استتبابها إلا ظروف الحرب الباردة من جهة وطموحات الهيمنة من جهة أخرى.

إننا نتطلع إلى فرصة جديدة للناس جميعاً يخلقونها بأنفسهم ويعملون على تطويرها وتنفيذ مقتضياتها بإرادتهم الحرة، وأفراداً وجماعات. لقد عانت البشرية وعانى المسلمون باعتبارهم جزءاً من البشرية، من أهوال الأزمنة الحديثة والمعاصرة. ومن حق الإنسانية، وحق المسلمين الوصول إلى الحرية والسلام؛ وهي الحرية التي تتأسس على المسؤولية، والسلام الذي يتأسس على الحوار والتضامن.

*******************

*) رئيس تحرير المجلة.

المصدر: http://www.altasamoh.net/Article.asp?Id=526

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك